Publizieren – Why Open Access?المجلة الدولية للقانون

جــامعـة قطـــــر

تاريخ الاستلام: 20/02/2024                   تاريخ التحكيم: 13/04/2024                   تاريخ القبول: 28/04/2024

الرقابة الدستورية على الانحراف التشريعي الغائي السلبي دراسة في أحكام القضاء الدستوري في مصر ونماذج من التشريع القطري[1]

سارة علي الصلّابي https://orcid.org/0000-0001-6168-298X

مساعد باحث في القانون، مركز ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية، دكتوراه في القانون العام، جامعة قطر قطر

 s.sallabi@qu.edu.qa

ملخص

يهدف البحث إلى معالجة مسألة مهمّة تتعلق بالرقابة الدستورية على عيب الانحراف التشريعي الغائي السلبي، سواء أكان في صورة الإغفال التشريعي أم التسلب من الاختصاص.

وتتجلى أهمية البحث في حداثة فكرة الرقابة الدستورية على الانحراف الغائي السلبي؛ إذ تثور المشكلة حينما يَصدر التشريع مُغفلًا بعض الجوانب التي يترتب على إغفالها إهدارٌ لغاياتٍ تطلّب الدستور تحقيقها، أو عندما يتنازل المشرع عن اختصاصه بالتشريع لسلطة أخرى، فتُهدر الغايات الدستورية من إسناد تنظيم هذا الموضوع إليه، وفي كلتا الصورتين تأتي الرقابة الدستورية على الانحراف الغائي السلبي لمعالجة هذه المسألة.

اعتمد البحث المنهج الاستقرائي الاستنباطي التحليلي المقارن؛ فعرض للعديد من أحكام القضاء الدستوري في مصر ثم استنبط المبادئ التي انتهى إليها في هذا الشأن، كما تفحّص العديد من نماذج التشريع القطري التي يُشتبه بوقوعها في الانحراف الغائي السلبي، واستعان بالآراء الفقهية لوضع تعريفات واضحة لصور هذا العيب.

 خلص البحث إلى أن المحكمة العليا في مصر لم ترفض الرقابة الدستورية على الإغفال التشريعي، وأنها باشرت بالفعل اختصاصها بالرقابة الدستورية على الانحراف الغائي السلبي في العديد من أحكامها، وبيّن البحث نماذج في التشريع القطري تستدعي تدخلًا من المشرع لتفادي ما شابها من تفريط بالغايات الدستورية.

الكلمات المفتاحية: الرقابة الدستورية، الغاية من التشريع، الإغفال التشريعي، التسلب من الاختصاص، عنصر الغاية

 

للاقتباس: الصلابي، سارة علي. «الرقابة الدستورية على الانحراف التشريعي الغائي السلبي دراسة في أحكام القضاء الدستوري في مصر ونماذج من التشريع القطري»، المجلة الدولية للقانون، المجلد الرابع عشر، العدد المنتظم الأول، 2025، تصدر عن كلية القانون، وتنشرها دار نشر جامعة قطر. https://doi.org/10.29117/irl.2025.0317

© 2025، الصلابي، الجهة المرخص لها: كلية القانون، دار نشر جامعة قطر. نُشرت هذه المقالة البحثية وفقًا لشروط Creative Commons Attribution Non-Commercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0). تسمح هذه الرخصة بالاستخدام غير التجاري، وينبغي نسبة العمل إلى صاحبه، مع بيان أي تعديلات عليه. كما تتيح حرية نسخ، وتوزيع، ونقل العمل بأي شكل من الأشكال، أو بأية وسيلة، ومزجه وتحويله والبناء عليه، ما دام يُنسب العمل الأصلي إلى المؤلف. https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0


 

 

Publizieren – Why Open Access?International
 Review of Law
Qatar University

Submitted: 28/04/2024                     Peer-Reviewed: 13/04/2024                           Accepted: 20/02/2024

Constitutional Control over the Negative Deviation from the Legislative Purpose: A Study on Egyptian Constitutional Court Rulings and Qatari Legislation Models*

Sara Ali Sallabi https://orcid.org/0000-0001-6168-298X

Research Assistant, Ibn Khaldon Center for Humanities & Social Sciences; PhD in Public Law, Qatar University-Qatar

 s.sallabi@qu.edu.qa

 

Abstract

This research is taken from a doctoral dissertation entitled “Constitutional control of the Purpose of Legislation: An Analytical Study between Egypt and Qatar.” It addresses the issue of constitutional control over the defect of negative teleological deviation, whether in the form of legislative omission or in the form of evasion of jurisdiction.

The problem arises when legislation is issued neglecting some aspects whose omission would result in wasting the goals that the constitution requires to be achieved, or when the legislator relinquishes his jurisdiction to legislate to another authority, neglecting the constitutional goals of entrusting the regulation of this subject to him. In both cases, constitutional control over negative teleological deviation comes to address this. matter.

The research reviewed many rulings of the constitutional judiciary in Egypt and then deduced the principles it reached in this regard. It also examined many models of Qatari legislation that are suspected of falling into negative teleological deviation. The study concluded with several results, the most important of which are: that the Supreme Court in Egypt did not reject censorship. Constitutionalism on the legislative omission, and the Supreme Constitutional Court has already exercised its jurisdiction to constitutionally monitor the negative teleological deviation in many of its rulings. The research showed examples in Qatari legislation that require intervention by the legislator to avoid neglect of constitutional goals.

Keywords: Constitutional Oversight; Purpose of Legislation; Legislative Omission; Evasion of Jurisdiction; Element of Purpose

 

Cite this article as: Sallabi, S. A. "Constitutional Control over the Negative Deviation from the Legislative Purpose: A Study on Egyptian Constitutional Court Rulings and Qatari Legislation Models," International Review of Law, Vol. 14, Regular Issue 1, 2025. https://doi.org/10.29117/irl.2025.0317

© 2025, Sallabi, S. A., licensee, IRL & QU Press. This article is published under the terms of the Creative Commons Attribution Non-Commercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0), which permits non-commercial use of the material, appropriate credit, and indication if changes in the material were made. You can copy and redistribute the material in any medium or format as well as remix, transform, and build upon the material, provided the original work is properly cited. https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0


مقدمة

الانحراف الغائي هو مخالفة غاية التشريع الأدنى للدستور، ولئن كان المجال الأشهر للانحراف الغائي هو المجال الإيجابي للتشريع؛ فإن المجال السلبي للتشريع يثور الانحراف الغائي بشأنه كذلك، وإذا كان الأول ينشأ بإصدار تشريع لا تتوافق غاياته مع الدستور؛ فإن الثاني ينشأ بعدم تدخل المشرع لترتيب الغايات الدستورية.

ويعرف الانحراف الغائي السلبي بأنه امتناع المشرّع عن إصدار التشريع رغم قيام الأسباب التي تستدعي إصداره، وقد ظهرت العناية بهذا المفهوم نتيجة اتجاه النظم القانونية لمعالجة المشكلات السلبية في مختلف فروع القانون، تلك التي لا تنشأ عن الفعل وإنما عن الامتناع عنه[2]، فإذا كان الانحراف الغائي الإيجابي يعني استهداف نتائج نهائية بالمخالفة للدستور؛ فإن الانحراف الغائي السلبي يعني الامتناع عن تحقيق نتائج نهائية تطلّب الدستور تحقيقها.

وتجد الرقابة الدستورية على الانحراف الغائي السلبي أساسها في النصوص الدستورية التي تكتنفها ضمانات عملية تمنح تلك النصوص قيمتها النظرية، فضمانات الحقوق والحريات مثلًا هي وقود تفعيل تلك النصوص في الواقع، فيكون الانتفاع بها عمليًا متوقّفًا على عناية المشرع بضماناتها، وهو ما يجعل تلك الضمانات في مقام الغايات التي ينبغي على المشرّع أن يستهدفها، فإذا تخلف عن ذلك يكون التشريع قد خالف مقاصد الدستور وانطوى على انحراف غائي سلبي[3].

إشكالية البحث

يعترض البعض على الرقابة الدستورية على الانحراف الغائي السلبي بدعوى تعارضها مع السلطة التقديرية للمشرع في التدخل أو عدم التدخل ما لم يطلب منه الدستور التدخل في وقتٍ معيّن، غير أن هذا الاعتراض مردود بأن سلطة التشريع لم تمنح هبةً للمشرع ليتصرّف بها كيف يشاء، وإنما مُنحت له ليعتني بمبادئ الدستور في الواقع سعيًا لبلوغ مراماته، ثمّ إن السلطة التقديرية مدارها تمكين المشرّع من الاختيار بين عدّة بدائل مشروعة؛ لكن التقاعس عن التنظيم يخرج عن دائرة البدائل المشروعة؛ إذ التراخي في ممارسة الاختصاص الدستوري إلى آماد غير معقولة[4] قد يرتّب نتائج غير مشروعة في الواقع، فهو خارج عن سلطة التقدير من الأساس، فلا مجال للتعارض بين الرقابة على الانحراف الغائي السلبي والسلطة التقديرية؛ لأن الانحراف الغائي السلبي لا يثور إلا في منطقة السلطة المقيّدة.

وفي ضوء هذه الإشكالية العامة يجيب البحث عن سؤالين مركزيّين: كيف عالج القضاء الدستوري في مصر صور عيب الانحراف الغائي السلبي؟ وهل في التشريع القطري نماذج لتشريعات تنطوي على مثل هذا العيب؟

فرضية البحث

إن القاعدة التي ينبغي تكريسها هي أن كل امتناع عن التشريع ينطوي على انحراف غائي حتى يثبت العكس؛ لأن الدستور حين يعهد باختصاص معيّن؛ فإنه يبتغي تحقيق غايات من وراء ذلك الإسناد، وامتناع المشرع يحول دون ترتيب تلك الغايات ويقود بالضرورة لتحقيق نتائج تتنافى مع الدستور، ولهذا فإن امتناع المشرع هو الحالة الوحيدة التي ينبغي أن يُفترض فيها الانحراف الغائي.

هذه القاعدة يمكن استخلاصها من مخرجات القضاء الإداري فيما يتعلق بفكرة القرار السلبي بالامتناع؛ حيث قضت محكمة القضاء الإداري في مصر بأن «يعتبر في حكم القرارات الإدارية رفض السلطات الإدارية أو امتناعها عن اتخاذ قرار كان من الواجب عليها اتخاذه وفقًا للقوانين واللوائح»[5]، وهذا التوجه مهم؛ فقد أدركت المحكمة أن الامتناع عن اتخاذ القرار الإداري يُرتّب نتائج عملية لا تقل أهمية عن تلك التي يرتّبها التدخل بإصدار قرار إيجابي، فجعلت القرارات السلبية في حكم القرارات الإيجابية. ومن الجدير بالذكر أن قانون الفصل في المنازعات الإدارية في قطر قد نصّ على المبدأ ذاته؛ إذ جعل رفض الجهات الإدارية أو امتناعها عن اتخاذ قرار كان من الواجب عليها اتخاذه وفقًا للقوانين واللوائح؛ في حكم القرارات الإدارية[6].

وإذا كانت هذه القاعدة مستقرّةً في المجال الإداري فإنّ اعتمادها في المجال الدستوري أولى وأدعى؛ لأن القرارات الإدارية السلبية عادةً ما يكون الضرر المنبعث عنها متعلقًا بفردٍ أو عددٍ محدود من الأفراد المعيّنين بالذات، بعكس القوانين السلبية التي يمتدُّ ضررها إلى شريحة واسعة من الأفراد، كما لو كان التشريع السلبي يعطّل قيام محكمة تتوقّف مصالح الناس على وجودها، أو يحول دون قيام العملية الانتخابية في دولةٍ تعتمد في صناعة القرار على هذا النهج، فمثل هذه التشريعات السلبية تكون النتائج النهائية المترتبة عليها وخيمةَ الأثر ليس على فردٍ أو اثنين، بل على نفرٍ كثيرٍ من الناس، وإذا كان ظلم الفرد الواحد تأنفه النفوس السويّة لما فيه من مرارة؛ فإن ظلم الجماعة أدهى وأمر.

ويقع الانحراف الغائي السلبي في التشريع بتحقق ثلاثة شروط: أولها، أن يفرض الدستور على المشرع تحقيق نتائج معيّنة صراحةً أو لزومًا. ثانيها، أن يمتنع المشرع عن التدخل بما يحول دون تحقيق النتائج المطلوبة دستوريًا. ثالثها، أن يكون امتناع المشرّع في مجال السلطة المقيّدة.

خطة البحث

لقد عالج الفقه والقضاء في مصر المخالفات الدستورية السلبية تحت مفاهيم مختلفة، كان أبرزها «الإغفال التشريعي» ومفهوم «التسلّب من الاختصاص» وكل مفهومٍ يجسّد صورةً من صور الانحراف الغائي السلبي. أما في قطر ونظرًا لتعطيل المحكمة الدستورية فإن البحث سوف يعتمد على ذكر نماذج للتشريعات التي توافر فيها هذا العيب بحسب كل صورة. ولأجل ذلك سوف نقسّم هذا البحث إلى مبحثين؛ يتناول الأول الانحراف الغائي السلبي في صورة الإغفال التشريعي، بينما يتناول الثاني الانحراف الغائي السلبي في صورة التسلّب من الاختصاص.

المبحث الأول: الانحراف الغائي السلبي في صورة الإغفال التشريعي

يعرّف الإغفال التشريعي بأنّه تركُ المشرّع إدراج قاعدة تشريعية في التنظيم التشريعي على نحوٍ يحول دون الوفاء بالمتطلبات الدستورية للموضوع محل التنظيم[7]. وتُسمى هذه الصورة عند البعض بالإغفال الجزئي أو النسبي[8]. ولقد عرَف القضاء الدستوري في مصر الرقابة الدستورية على الإغفال التشريعي منذ بواكير نشأته، وتناول الفقهاء أحكامه في هذا الشأن بالبحث والتحليل، وفي هذا المبحث نسعى لإبراز العناصر الغائية لتلك الأحكام القضائية لنتبيّن الانحراف الغائي السلبي عندما يتجسّد في صورة الإغفال التشريعي؛ حيث نتناول مسيرة الأحكام القضائية في هذا الشأن بعدسة الغاية، وذلك من خلال مطلبين:

المطلب الأوّل: موقف القضاء الدستوري في مصر من الرقابة على الإغفال التشريعي

يعرض هذا المطلب موقف كلٍ من المحكمة العليا والمحكمة الدستورية العليا من الرقابة على الإغفال التشريعي وذلك من خلال ثلاثة أفرع؛ حيث يختص الفرع الأول ببيان أن المحكمة العليا لم ترفض الرقابة على الإغفال التشريعي، بينما يُعنى الفرع الثاني ببيان أن المحكمة الدستورية العليا لم ترفض الرقابة الدستورية على الإغفال التشريعي، أما الفرع الثالث فيُعنى ببيان منهج المحكمة الدستورية العليا في محاكمة الإغفال التشريعي للغايات الدستورية.

الفرع الأول: المحكمة العليا لم ترفض الرقابة على الإغفال التشريعي

تُعزى بداية الرقابة الدستورية على الإغفال التشريعي في مصر إلى المحكمة العليا، وذلك بمناسبة قضيّتين، تدور الأولى حول قانون إلغاء موانع التقاضي الذي أغفل إلغاء بعض الموانع[9]؛ فقد أبقى هذا القانون على النصوص التي حصّنت بعض المنازعات من نظرها أمام القضاء[10]، كما أبقى على النص الذي جعل الفصل في بعض المنازعات بصفة نهائية للجنة إدارية لا لهيئةٍ قضائية[11]، وذلك بالمخالفة لنص الدستور الذي لم يكتف بكفالة حق التقاضي بل صرّح بعدم جواز تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء[12]، فطُعِنَ على هذين النصّين بعدم الدستورية، لتنتهي المحكمة العليا إلى أنّ استبقاء تحصين تلك المسائل من الرقابة القضائية يخرم مبدأ المساواة بما يؤدي في النتيجة النهائية إلى حرمان طائفة معينة من الحق في التقاضي على نحوٍ «ينطوي على إهدار لمبدأ المساواة بينهم وبين غيرهم من المواطنين الذين لم يُحرَموا من هذا الحق»[13].

أما القضية الثانية فقد تعلقت بإغفالِ قانون إلغاء موانع التقاضي إلغاءَ مانعٍ آخر، فأبقى تحصين الأعمال الإدارية التي تُجرى بغرض الحراسة على الأموال والممتلكات[14]، فتذرّعت الحكومة بأن هذا التشريع يستهدف حفظ نظام الدولة وسلامتها وتأمين المكاسب الاشتراكية التي حققها الشعب، وهو ما يعد من الملاءمات التي يستقل المشرع بتقديرها، فرفضت المحكمة الدفع وقضت بعدم الدستورية، مقرّرةً أنّ «مبنى هذا الطعن مخالفة التشريع المطعون فيه للدستور لمصادرته حق التقاضي في المنازعات التي نص عليها، لذلك فإن الدفع بعدم قبول الدعوى استنادًا إلى خروج هذا التشريع عن رقابة الدستورية لتعلق الطعن بملاءمة إصداره يكون غير قائم على أساس سليم متعينًا رفضه»[15].

هاتان القضيّتان هما الأساس الذي يستند إليه جانب من الفقه للقول بأن قضاء المحكمة العليا قد أخذ بالرقابة على الإغفال التشريعي،[16] غير أن القضيتين - في تقديرنا - لا تتعلقان بالرقابة على الإغفال التشريعي، وإنّما تتعلقان بالرقابة الدستورية على التشريع نفسه، فهي رقابة في المجال الإيجابي للتشريع لا في المجال السلبي، ذلك أنّ الحكم بعدم الدستورية في القضيتين قد جرى على النصوص السارية التي تتعارض مع صريح النصوص الدستورية، وبقيَ القانون الذي أغفل إلغاء الموانع القضائية على حاله دون أن يُقضى بعدم دستوريّته، ففي القضية الأولى قُضي بعدم دستورية النصوص التي حصّنت تلك القرارات وليس النص الذي أغفل إلغاء هذا المانع القضائي، وكذلك في القضية الثانية قُضي بعدم دستورية النص الذي حصّن الأعمال التي تُجرى بغرض حراسة الممتلكات، بينما بقيَ النص الذي أغفل إلغاء هذا المانع القضائي ساريًا كما هو.

ولا ننكر أن إثارة النزاع الدستوري أمام المحكمة العليا في القضيتين الآنفتين كان بمناسبة وجود إغفال تشريعي؛ لكن الرقابة الدستورية لم تجر على ذلك الإغفال، وإلا لكان الحكم بعدم الدستورية جاريًا على القانون الذي اعتراه الإغفال، وهو ما لم يكن. ولذلك فإننا نعتقد بأن المحكمة العليا لم ترفض الرقابة على الإغفال التشريعي، وهي إذ درأت الإغفال التشريعي اتّخذت السبيل التقليدي في ذلك من خلال بسط رقابتها مباشرةً على المجال الإيجابي للتشريع.

الفرع الثاني: المحكمة الدستورية العليا لم ترفض الرقابة على الإغفال التشريعي

شهدت المحكمة الدستورية العليا في سنتها الأولى قضيةً تتعلق بالرقابة على الإغفال التشريعي؛ حيث كان قانون الإصلاح الزراعي قد ألزم كلّ مؤجّرٍ أو دائن يحمل سندًا بدَيْن على مستأجر أرض زراعية؛ أن يُقدّم للجمعية التعاونية الزراعية بيانًا وافيًا عن تفاصيل الدَّيْن خلال شهرين من تاريخ العمل بالقانون وإلا سقط حق الدائن[17]، وكان الغرض المُعلن من هذا القانون يتمثّل في الحدّ من عمليات الاستغلال الّتي كشف عنها العمل بمرسوم قانون الإصلاح الزراعي؛ حيث كان المُلّاك يقومون بتحرير كمبيالات على بياض يوقّعها المستأجرون لصالحهم، وتمثّل ديونا وهمية ينتهزها المالك للتخلص من مزارعيه في أي وقتٍ يشاء؛ الأمر الذي دفع المشرع لضبط المسألة من خلال إلزام المؤجّرين والدائنين- على فرض أنهم ملّاك- بإخطار الجمعية بتفاصيل الدَّيْن في سبيل الحد من ذلك الاستغلال[18].

وقد تمسّك المدين عندما طالبه الدائن بالسداد؛ بأن حق الدائن في الدَّيْن قد سقط لعدم قيامه بإخطار الجمعية بتفاصيل الدَّيْن خلال المدّة المحدّدة، فطعن الدائن على دستورية القانون الآنف لخلوّه من تحديد طريقٍ لإشهار صفة المستأجر للأرض الزراعية؛ الأمر الذي لا يجعله على بيّنة من التزامه القانوني بإخطار الجمعية التعاونية الزراعية بالدين، وعلى أساس ذلك دفع بأن جزاء سقوط الدين الذي رتّبه القانون هو مصادرةٌ وعدوان على الملكية بما يخالف الدستور، فقضت المحكمة بأن «ما يقرره المدعي بشأن إغفال المادة الثالثة... تنظيمَ طريق لإشهار صفة المستأجر للأرض الزراعية... لا يعدو أن يكون جدلًا حول ملاءمة التشريع وما قد يترتب عليه من إجحاف بحقوق طائفة من الدائنين؛ فإن ما ينعاه المدعي في هذا الشأن لا يشكل عيبًا دستوريًا»[19].

إزاء هذا الحكم وجَدَ الأستاذ الدكتور عبدالحفيظ الشيمي - وهو أوّل من عالج موضوع الإغفال التشريعي في الفقه المصري - أن المحكمة الدستورية العليا قد رفضت الرقابة على الإغفال التشريعي وعدّته من قبيل الرقابة على الملاءمات التشريعية التي تخرج عن نطاق اختصاص القضاء الدستوري، وهو يرى أن هذا الحكم هو الحكم الوحيد الذي شطّت فيه المحكمة ورفضت الرقابة على الإغفال التشريعي خلافًا لبقية أحكامها اللاحقة في هذا الموضوع[20]، وعلى نهجه سار بقية الفقه في توجيه هذا الحكم[21].

وفي تقديرنا أن المحكمة في هذا الحكم لم تقصد رفض الرقابة على الإغفال التشريعي من حيث المبدأ؛ لكنها وجدت المسألة المُغفَلَة في النص التشريعي لا تتعلق بالدستورية وإنما تتعلق بالملاءمة، والدليل على ذلك أنّها في مقطعٍ آخر ردّت على دفع الطاعن بعدم الدستورية- فيما لم يتضمّنه النص- فقضت بأن النص الطعين «لا يتضمن مساسًا بالملكية الخاصة أو نزعًا لها جبرًا عن مالكها، كما لا يقضي بإضافة أية أموال مملوكة للأفراد إلى مُلك الدولة، ذلك أنه اقتصر على تنظيم العلاقة بين مستأجر الأرض الزراعية ودائنيه ورتّب على عدم الإخطار بالدّيْن في الأجل المحدّد سقوطه لمصلحة المستأجر وحده؛ فإن ما أثاره المدعي بصدد عدم دستورية هذه المادة وبشأن اعتبار ما نصت عليه من سقوط الدين عدوانًا على الملكية ومصادرة للأموال، يكون على غير أساس»[22].

والمحكمة محقّةٌ في ذلك، خصوصًا وأن المادة الثالثة تتّسق تمامًا مع غاية الحد من استغلال الملّاك لأسانيد الدَّيْن الّتي يحرّرونها من قبَل المستأجرين على بياض؛ فقد أراد المشرع من خلال إلزام الملّاك بالإخطار أن يغربل تلك الديون فيفرز الحقيقيَّ منها عن الوهمي، وهو ما كان، ولهذا لم تجد المحكمة في إغفال التشريع لطريقة إشهار صفة المستأجر صلةً تذكر بحفظ حق الملكية، فهذا الإغفال لا يمنع من أداء التزام المؤجّر بإخطار الجمعية عن تفاصيل دَيْنه، وإذ نفت المحكمة الإشكال الدستوري الذي أثاره الطاعن في موضوع الإغفال؛ لم يعد الفصل في مسألة الإغفال تلك إلا وجهًا من أوجه الملاءمة، ولهذا نرى أن المحكمة في هذا الحكم لم ترفض الرقابة على الإغفال التشريعي؛ فقد بسطت رقابتها على الإغفال وأزالت الشبهة الدستورية قبل أن تقضي بأنّ ما يُطالب به الطاعن متعلّق بالملاءمات التي تخرج عن رقابة المحكمة الدستورية. وما يعزّز هذا التوجيه هو أن المحكمة من بعده قد انطلقت في تكريس رقابتها على الإغفال التشريعي في العديد من الأحكام التي تتّصل بالدستورية لا بمجرّد الملاءمات التشريعية.

الفرع الثالث: منهج المحكمة الدستورية العليا في محاكمة الإغفال التشريعي للغايات الدستورية

لطالما كانت أحكام المحكمة الدستورية العليا في رقابتها على الإغفال التشريعي تعرضُ سكوت المشرّع على الغايات الدستورية التي ينطق الدستور بها إنْ في فرادى نصوصه أو مجموعها، ولئن كان الفقه قد أوفى تلك الأحكام حقّها في استخلاص المبادئ العامة المتعلّقة بالرقابة الدستورية على الإغفال التشريعي عمومًا، إلا أن العناصر الغائية في تلك الأحكام لم تلق حظّها من التأمّل، فرغم ارتكاز العديد من تلك الأحكام على الغايات الدستورية، وترتيب الحكم بعدم الدستورية على أساس أن الإغفال التشريعي قد أودى بغايةٍ دستورية؛ نجد أن هذا الجانب قد غاب عن الفقه، لهذا نستعرض فيما يلي بضعة أحكامٍ برزت فيها المعالجة الغائية لموضوع الإغفال التشريعي.

أولًا: كانت المناسبة الأولى تتعلّق بقرار لائحي صدر بتحديد ما يُعدّ من المحميات الطبيعية[23]، وكان القرار اللائحي يُحيل في تعيين المحميات إلى خريطة مرفقة مع ترتيب عقوبات حال تهديد أيٍ من تلك المحميات الطبيعية، غير أن تلك الخريطة لم تُنشر مع القرار، فطُعِن عليه بعدم الدستورية للتعارض مع مبدأ شرعية الجريمة والعقاب، فقضت المحكمة بالفعل بعدم دستورية ذلك القرار فيما لم يتضمنه من تعيين الحدود المبيّنة للنطاق المكاني للمحميات الطبيعية.

في هذا الحكم؛ قرنت المحكمة حكمها مباشرةً بالغاية الدستورية من نشر تلك الخريطة، فقضت بأنه قد «كان لازمًا أن يَفرض الدستور على المشرع في مجال التجريم القيود التي توازن بين حقوق الإنسان وحرياته، وبين المصالح الحيوية للمجتمع، بما يحول دون إساءة استخدام العقوبة تشويهًا لأغراضها، ويكفل تحديد ماهية الأفعال المنهي عن ارتكابها تحديدًا قاطعًا، وكذلك تعيين مكان وقوعها كلّما كان اتصال هذه الأفعال بذلك المكان، متطلبًا لتجريمها»[24]، والمحكمة في هذا المقطع تشير بوضوح إلى أن الإغفال التشريعي في مجال التجريم والعقاب هو مظنّة إساءة استخدام العقوبة، وغيرُ خافٍ أنّ إساءة استخدام العقوبة هو عيبٌ من العيوب الغائية؛ حيث يتعمّد المشرّع مجانبة الأغراض الدستورية للعقوبة إلى غيرها، وما ذلك إلا صورة خاصة من عموم صور إساءة استعمال السلطة، فالمحكمة تشير إلى أن إغفال التفاصيل التي على أساسها يثبت الفعل الإجرامي يُفضي إلى تشويه العقوبة عن أغراضها الدستورية، ويرجّح مظنّة إساءة استخدام العقوبة على مظنّة تحقيق الأغراض الدستورية.

ثانيًا: في حكمٍ آخر قضت المحكمة بعدم دستورية قانون التجارة فيما لم يتضمنه من النهي الصريح على عدم إشراك مأمور التفليسة المتظلَّم من أوامره في تشكيل المحكمة التي تنظر في التظلم، الأمر الذي يتعارض مع غايات الحياد والاستقلال التي يستلزمها الدستور في القضاء؛ حيث قضت بأن «استقلال السلطة القضائية يعني أن تعمل بعيدا عن أشكال التأثير الخارجي التي توهن عزائم رجالها، فيميلون معها عن الحق إغواء أو إرغامًا، ترغيبًا أو ترهيبًا، فإذا كان انصرافهم عن إنفاذ الحق تحاملًا من جانبهم على أحد الخصوم، وانحيازًا لغيره، لمصالح ذاتية أو لغيرها من العوامل الداخلية التي تثير غرائز ممالأة فريق دون آخر، كان ذلك منهم تغليبًا لأهواء النفس، منافيًا لضمانة التجرد عند الفصل في الخصومة القضائية، مما يخلّ بحيادهم»[25].

عدّت المحكمة سكوت المشرّع في هذه المسألة مدخلًا للانحياز للمصالح الذاتية عدولًا عن المصالح العامة، ومحفّزًا للدوافع الداخلية التي قد تدفع لمثل ذلك العدول؛ إذ يُستخلص من حديثها أن الانحراف الغائي السلبي في التشريع قد ينجم عنه انحراف غائي قضائي في المسألة التي تعالجها القضية؛ لأن سكوت المشرّع يعني في النتيجة النهائية أن يكون المُختصَم منه حكمًا في المسألة، وهو ما يُهيِّئُ بيئةً خصبةً تنمو فيها إساءة استعمال السلطة القضائية كنتيجةٍ نهائية عن التشريع الطعين.

ثالثًا: في قضيةٍ ثالثة كان الطاعن رجلًا مصريًا متزوجًا من امرأة سعودية أنجب منها فتاة، وكانت الزوجة قد استأجرت عينًا أقامت فيها مع زوجها وابنتها، ثمّ توفّاها الله، فطالب الزوج باستمرار عقد الإيجار، غير أن محكمة النزاع الموضوعي رفضت طلبه على أساس أن الاستثناء الذي يقرر استمرار عقود الإيجار بقوة القانون هو لصالح الزوجة المصرية المتزوجة من غير مصري وأولادها فحسب، ولا يمتد للزوج المصري المتزوج من امرأة غير مصرية وأبنائه، فطعن الزوج على دستورية هذا القانون لإقامته تمييزًا على أساس الجنس مخلًّا بالمساواة، وإهداره الطابع الأصيل للأسرة المصرية، فأيّدت المحكمة هذا الدفع، وانتهت إلى أن النص الطعين قد انطوى على «تهديد لكيان الأسرة المصرية وتماسكها»[26]، لتؤكد بذلك على أن الإغفال في عنصر المحل بحرمان الزوج المصري وأولاده من الحق الذي أثبته للزوجة المصرية وأولادها قد نجم عنه إهدارٌ للغاية الدستورية المتمثلة في حفظ كيان الأسرة المصرية وتماسكها، بل آل لنتائج نهائية يرفضها الدستور، تتمثّل «تهوين من حقوق فئة من المصريين مقابل إعلاء حقوق نظرائهم من غير المصريين»[27].

رابعًا: أجرت المحكمة فحصًا دقيقًا اختبرت بموجبه مدى توافق النتيجة النهائية للتشريع الذي أغفل إلزام مصلحة الضريبة بتسبيب قرار إطراح البيانات المتعلقة بقيمة البضائع؛ حيث رأت بأن «النص الطعين قد خوّل مصلحة الجمارك الحق في مطالبة صاحب البضاعة بالمستندات المتعلقة بالسلع المستوردة، دون أن يلزمها بالتقيد بالبيانات التي تضمنتها هذه المستندات، أو يلزمها بالإفصاح عن مبرراتها في الالتفات عنها، أو الوسائل التي اتبعتها في التوصل إلى القيمة الحقيقية للبضائع المستوردة... »[28]، ثمّ أخذت المحكمة هذه النتيجة النهائية للتشريع السلبي - والمتمثلة في إطراح البيانات دون تسبيب - وعرضتها على ميزان الدستور وما تقتضيه الغايات الدستورية في مسائل الضريبة، لتخلص إلى أن تلك النتيجة «هي نتيجة تناقض ما تقتضيه ضرورة الالتزام بالشفافية في التعرف على أسس تقدير وعاء الضريبة، ومن ثم مقدارها، للتحقق من توافر الشروط الموضوعية التي تنأى بالضريبة عن التمييز»[29]، ولهذا انتهت أخيرًا إلى عدم دستورية النص الطعين «فيما لم يتضمنه من وجوب تسبيب قرار مصلحة الجمارك بإطراحها البيانات المتعلقة بقيمة البضائع المستوردة»[30].

خامسًا: في قضية أخرى أغفل النص الطعين النص على انتهاء عقد الإيجار الذي يلتزم المؤجر بتأجيره لمن لهم الحق في شغل العين بانتهاء إقامة آخرهم بها إن بالوفاة أو الترك؛ حيث وجدت المحكمة بأن النتيجة النهائية لهذا التشريع تتمثل في تحميل المالك التزامًا لا نهائيًا في تحرير عقود إيجار متعاقبة تثقل كاهل الحق في الملكية دون ضرورة اجتماعية، فقرّرت «أن الانتقال بالعقد الذي حُرِّرَ لمصلحة أيٍ من أقارب المستأجر الأصلي... من أن يكون سندًا لشغله العين؛ لأن يصبح عقدًا منشئًا لعلاقة إيجارية جديدة، المستأجر الأصلي فيها هو القريب الذي حُرِّرَ العقد لمصلحته، مؤداه أن يسري حكم الفقرة الأولى من المادة (29) على أقارب هذا القريب المقيمين معه... بما يترتب إلزام المؤجر بتحرير عقد إيجار جديد لهم أو لأيهم، ثم يستمر الأمر متتابعًا في حكمه، متعاقبًا من جيل إلى جيل، لتحلّ به نتيجة محققة هي فقدان المؤجر- وبتقدير أنه المالك - جل خصائص حق الملكية على ما يملكه، وفيما يتجاوز أية ضرورة اجتماعية تجيز تحميل حق الملكية بهذا القيد»[31]؛ ففي هذا الحكم نظرت المحكمة في النتيجة النهائية التي تترتّب على سكوت المشرّع، ولمّا تبدّى لها تناقض تلك النتيجة مع الغاية الدستورية في حفظ الحق في الملكية، وجدت أن إغفال تلك المسألة ينطوي على مخالفةٍ دستورية، فقضت بعدم الدستورية على أساس الانحراف الغائي السلبي.

المطلب الثاني: نماذج على الانحراف الغائي السلبي بصورة الإغفال التشريعي في التشريع القطري

بحكم تعطيل المحكمة الدستورية العليا في قطر؛ ليس هناك أحكام قطرية في هذا الشأن، غير أن هذا الواقع لا يمنع من تمهيد الطريق للقضاء الدستوري في قطر عبر تحديد مواطن هذا العيب في التشريعات القطرية الجارية، فإذا شاء اللهُ وفُعّلَتْ كان لها أن تباشر اختصاصها وتتصدّى من تلقاء نفسها لتلك التشريعات حين تُعرض عليها[32]. وسوف نخصّص هذا المطلب للوقوف على بعض نصوص التشريع القطري التي انطوت على انحراف غائي سلبي تجسّد في صورة الإغفال التشريعي:

أولًا: الانحراف الغائي السلبي في تنظيم دور مجلس الشورى في قانون النظام المالي

قصد الدستور أن يجعل مجلس الشورى فاعلًا مؤثّرًا[33] في عملية إعداد الموازنة العامة، فأسند إليه سلطة إقرار الموازنة العامة للدولة[34]، وأوجب عرض مشروع الموازنة على مجلس الشورى قبل شهرين على الأقل من بدء السنة المالية، ومنح لمجلس الشورى صلاحية تعديل المشروع بموافقة الحكومة[35]، ولأنّ مهمّة تعديل مشروع الموازنة ومراجعتها ثمّ موافقة الحكومة عليها قد تستغرق من الزمن ما تستغرق؛ فقد احتاط المشرّع الدستوري لذلك بتقريره استمرار العمل بالموازنة السابقة لحين إقرار الموازنة الجديدة حين لا تُعتمَد الموازنة قبل بدء السنة المالية الجديدة[36]. وهذا الإجراء فيه دليل على غاية الدستور في تمكين مجلس الشورى من فحص الموازنة بروّية وتأنٍّ دون خشية فوات الزمن؛ فقد كان بمقدور المشرّع الدستوري أن يجعل حسْم المسألة عند عدم الاعتماد في يد الحكومة؛ لكنه آثر العمل بالموازنة السابقة لحين انتهاء مجلس الشورى من مهمّة التعديل تقديرًا منه بأن السابقة مُعتمدَةٌ من مجلس الشورى. ولا أدلّ من حظر الدستور فضّ دور الانعقاد قبل اعتماد موازنة الدولة؛ من أن مقصد المشرع الدستوري قد انصرف إلى أن يكون لمجلس الشورى دورٌ أساسي في فحص مشروع الموازنة وتعديله، وليس مجرّد دورٍ ثانوي.

من هذا التأسيس الدستوري تُستخلص عدّة غايات لازمة، أوّلها أن الدستور أراد أن تُصنعَ الموازنة العامة على عين مجلس الشورى، فلا تستقل الحكومة بإعدادها، وإنما تتشارك هذه العملية مع مجلس الشورى، فإعداد مشروع الموازنة مهمة الحكومة، ومراجعة المشروع وتعديله مهمة المجلس، حتى تصل السلطتان لصيغة مشتركة مقبولةٍ[37]، فلا تؤدّى غايات الدستور إلا بتمكين مجلس الشورى من مراجعة مشروع الموازنة التي تعرضه الحكومة عليها بكافة تفاصيله، وللمجلس كامل الصلاحية في إبداء ما يراه من تعديلات[38]، ثم إذا وافقت الحكومة عليها كان للمجلس أن يقرّ ذلك المشروع.

ولقد نظّم هذه المسألة قانون النظام المالي للدولة رقم 2 لسنة 2015، فأفرد فصلًا خاصًّا بإعداد الموازنة العامة للدولة، حدّد بموجبه مشمولاتها وإجراءات إعدادها وتنفيذها، وفيما يتعلّق بدور مجلس الشورى نصّ هذا القانون على أن «يحيل مجلس الوزراء إجمالي الأبواب والقطاعات الرئيسية لمشروع الموازنة العامة للدولة مُرفقًا بها مشروع قانون اعتماد الموازنة العامة للدولة إلى مجلس الشورى لإقراره»[39]، وعند الإمعان في هذا النص وعرضه على الغايات الدستورية التي سبق بيانها؛ فإنه لا يخفى على الناظر إغفال هذا النص لمجموعة من المسائل، نبيّن بعضها فيما يلي:

1-  أغفل هذا النص عرض تفاصيل مشروع الموازنة العامة على مجلس الشورى، وقصَر الأمر على إحالة إجمالي الأبواب والقطاعات الرئيسية لمشروع الموازنة، وهذا يخالف صريح الدستور الذي أوجبَ عرض مشروع الموازنة كاملًا على المجلس، وهو ما يحول دون غاية الدستور بأن يكون مجلس الشورى فاحصًا لمشروع الموازنة لا مجرّد مطّلعٍ عليها، فالنظر في إجمالي الأبواب للمشروع لا يمنح المجلس إحاطةً وافية بمشروع الموازنة، بما يُعرقل قيامه بمهمّة إبداء التعديلات؛ لأن التعديلات التي سوف يبديها المجلس ستكون قاصرة على مجمل المشروع دون الخوض في تفاصيله، فهذا الإغفال يجعل النص قاصرًا عن الوفاء بالغايات التي عبّر الدستور عنها.

2-  أغفل هذا النص الميعاد الزمني الذي ينبغي على الحكومة أن تعرض فيه مشروع الموازنة العامة على المجلس، وترك الأمر مفتوحا بلا قيد زمني، وهو ما يعني أن مجلس الوزراء قد يحيل المشروع قبل شهرٍ- أو أقل- من بدء السنة المالية الجديدة، الأمر الذي يفتح مجالًا للحكومة بالتراخي عن مهمّة عرض المشروع على المجلس، بحيث يُعاجل مجلس الشورى للموافقة على المشروع سريعًا قبل بدء السنة المالية، خصوصًا وأن النتيجة الّتي رتّبها القانون على بدء السنة المالية الجديدة دون اعتماد الموازنة العامة؛ تتمثّل في العمل بموازنة السنة المالية السابقة ليس كما هي عليها، وإنما «وفقًا للأسس التي تحدّدها الوزراة»[40]، وهذا يخالف الغاية من الإجراء الدستوري الذي أراد إمهال مجلس الشورى لكيلا يُتجاوَزَ رأيُه في مشروع الموازنة، فتقييد المسألة بالأسس التي تحددها الوزارة يمنح الحكومة صلاحية تعديل الموازنة المعتمدة إلى حين إقرار الموازنة الجديدة، وهذا يتعارض مع الغاية الدستورية من منع استقلال الحكومة بإعداد الموازنة العامة.

ثانيًا: الانحراف الغائي السلبي في تنظيم إجازات الموظّفين في تشريعات الموارد البشرية

حرص الدستور القطري على حفظ الأسرة باعتبارها أساس المجتمع، وأسند للمشرع مهمّة تنظيم الوسائل التي تكفل حمايتها وتصَون أفرادها، وخصّ الحفاظ على الطفولة بالذكر[41]، كما أكّد على مسؤولية الدولة عن رعاية النشء وتوفير كافة الظروف المناسبة لوقايته من شرّ الإهمال البدني والعقلي والروحي، من أجل تمكينه في مختلف المجالات على هدى من التربية السليمة[42].

جميع هذه النصوص تعكس غاية الدستور في أن تكون لحماية الطفل في الأسرة أولويةٌ خاصة، ومقتضى توفير الوسائل اللازمة لوقاية النشء من شر الإهمال البدني والعقلي والروحي على هدًى من التربية السليمة. ولمّا كانت التربية- بمفهومها الواسع الذي يضمن صحّة الطفل الجسدية والعقلية والروحية- مهمّة الوالدَيْن؛ كان لزامًا على الدولة أن تعينهما عليها، وأن تراعي احتمال غياب أحد الوالدين في كثير من الأحوال على اختلاف أسباب الغياب، فتُوفِّر للأم والأب ظروفًا مُماثلة في تمكينهما من رعاية أبنائهم، فذلك مقتضى دور الدولة في حماية الطفولة.

باستصحاب هذه الغايات الدستورية وعرض نصوص تشريعات الموارد البشرية عليها؛ يظهر إغفالها منحَ الأب ظروفًا متساوية مع الأم في رعاية الأبناء في العديد من النصوص، نتناولها فيما يلي:

1-  أغفل قانون الموارد البشرية منح الموظّفين الآباء إجازة براتب إجمالي لرعاية أبنائهم من ذوي الإعاقة أو المصابين بأمراض تستوجب ملازمتهم، وقصَر ذلك على الموظّفة الأم[43]، وإذا كان الغالب أن تكون الأم هي الملازمة للأبناء في الأحوال التي قرّرها القانون فإن الواقع لا يمنع من وجود حالاتٍ يقوم فيها الأب على رعايتهم، خصوصًا في أحوال غياب الأم- إن بسبب الطلاق أو الوفاة أو العجز أو لغير ذلك- ولمّا كان الدستور قد أوكل القانون تنظيم الوسائل الكفيلة لحماية الأسرة وأن يحفظ الطفولة في ظلها فإن مؤدى ذلك أن يهيّئ جميع الوسائل لذلك، فيمنح الموظف الأب إجازةً مماثلة لتلك التي يجوز منحها للموظفة الأم، لاسيما وأن المشرع قد نص على أن المواطنون متساوون في الحقوق والواجبات[44]. ولا يخالف هذا التوجيه ما تغيّاه الدستور من دور الوظيفة العامة في استهداف مصلحة الدولة[45]؛ إذ يمكن التوفيق بين المصلحتين من خلال اشتراط منح الإجازة في الحالة الواحدة لأحد الوالدَيْن، سواءً كان المنح للأم أو للأب بحسب ظروف كلّ حالة، فبذلك يُضمَن من جانب منح الأب فرصة لرعاية الأبناء حين يتعذّر قيام الأم بهذا الدور، ويُضمن عدم إخلال ذلك بمقتضيات الوظيفة العامة من واجبات.

2-  انطوت اللائحة التنفيذية لهذا القانون على إغفال مماثلٍ[46]، فسكتت عن منح الموظفين الآباء إجازة براتب إجمالي لمرافقة أطفالهم أثناء العلاج بإحدى المستشفيات العامة أو الخاصة داخل الدولة، وقصرت ذلك على الموظفات الأمّهات، رغم احتمال المرافقة من قبَل الأب في أحوالٍ عديدة. فكان أولى بالمشرع أن يجعل مثل هذا الحق مكفولًا حتى للموظف الأب تكريسًا لغاية الدستور في توفير جميع الوسائل الممكنة لحفظ الطفولة، خصوصًا وأن منح مثل هذه الإجازات موقوف على تقرير الجهة الطبية المختصة وموافقة الرئيس، وهو ما يدفع مظنّة الإخلال بغايات الوظيفة العامة.

ثالثًا: الانحراف الغائي السلبي في تنظيم قرار تمديد التحفّظ في قانون حماية المجتمع

نصّ الدستور القطري على كفالة الحرية الشخصية، ومؤدى هذا النص على ما قرّرته محكمة التمييز القطرية أن «المشرع الدستوري- توفـيقًا بين حق الفرد فـي الحرية الشخصية وفي حرمة مسكنه وحياته الخاصة وبين حق المجتمع فـي عقاب الجاني وجمع أدلة إثبات الجريمة ونسبتها إليه - قد أجاز تفتيش الشخص أو المسكن كإجراء من إجراءات التحقيق بعد أن أخضعه لضمانات معينة لا يجوز إهدارها»[47].

ممّا يعني أن الغاية الدستورية من كفالة الحرية الشخصية هي ضبط مسألة الشرعية الإجرائية، ذلك أن «الشرعية الإجرائية سواء ما اتصل منها بحيدة المحقق أو بكفالة الحرية الشخصية والكرامة البشرية للمتهم ومراعاة حقوق الدفاع أو ما اتصل بوجوب التزام الحكم بالإدانة بمبدأ مشروعية الدليل وعدم مناهضته لأصل دستوري مقرر، جميعها ثوابت قانونية أعلاها الدستور والقانون وحرص على حمايتها القضاء، ليس فقط لمصلحة خاصة بالمتهم وإنما بحسبانها فـي المقام الأول تستهدف مصلحة عامة تتمثل فـي حماية قرينة البراءة وتوفـير اطمئنان الناس إلى عدالة القضاء»[48]. فهذا الحكم يبرز الغايات الدستورية من كفالة الحرية الشخصية.

عند محاكمة قانون حماية المجتمع إلى ما مضى من غايات، يظهر أن هذا القانون قد عدَل عن الغايات الآنفة حين عطّل العمل بأحكام قانون الإجراءات الجنائية في الجرائم المتعلقة بأمن الدولة أو الواقعة على العرض أو المخلة بالحياء أو الآداب العامة؛ حيث أجاز لوزير الداخلية التحفظ على المتهم. ولن نتطرّق هنا للانحراف الغائي الإيجابي الذي انطوى عليه هذا النص، وسنكتفي بعرض بعض النصوص التي انطوت على انحراف غائي سلبي في صورة إغفال تشريعي:

1-  نصت المادة الثانية من هذا القانون على أن تكون مدّة التحفّظ أسبوعين قابلة للتمديد لمدّة أو لمددٍ أخرى مماثلة وبحدٍّ أقصى ستة أشهر، كما أجازت التمديد لمدة لا تجاوز ستة أشهر أخرى بموافقة رئيس مجلس الوزراء[49]، وهذا النصّ يُغفل التعامل مع الأحوال التي تُمدَّد فيها المدة لأكثر من ذلك، فماذا لو صدر قرار بتمديد هذه المدّة لما يجاوز تلك المدد؟ لا جواب في القانون عن هذا الأمر، وهذا الإغفال يعني في النتيجة النهائية احتمال تمديد التحفّظ لسنوات متتالية دون أي ضابطٍ، بما يعطّل الغاية الدستورية من كفالة الحرية الشخصية وما يتفرع عنها من حرية التنقّل. وتزداد حدّة نتائج هذا الإغفال حين نعلم أن قانون الفصل في المنازعات الإدارية قد حصّن القرارات الصادرة بموجب قانون حماية المجتمع من نظر القضاء[50].

2-  أجازت المادة الخامسة لوزير الداخلية إغلاق المكان الذي وقعت فيه الجريمة وكان مرتبطًا بها؛ لكن هذا النص أغفل تحديد مدة الإغلاق، فلو افترضنا أن الجريمة وقعت في مجمع تجاري فإن الوزير قد يقوم بإغلاقه دون مدة محددة، وأقصى ما يكون للمتضررين هو التظلم أمام الرئيس الأعلى؛ وهو ما يعني في النتيجة النهائية تعطيل المصالح التجارية للأفراد بما يعرقل المصالح الاقتصادية في الدولة ويُنفّر المستثمرين من الاستثمار في الدولة؛ إذ إن المستثمرين لا يأمنون استمرار أنشطتهم التجارية مع وجود هذا النص الذي يتيح لوزير الداخلية سلطة مطلقةً بلا قيد في إغلاق أي مكانٍ وقعت فيه الجريمة، وينعدم الأمان في هذا الشأن باسترجاع ما مضى من انقطاع الوسيلة القضائية للطعن على قرار الإغلاق، وهذا يناقض الغاية الدستورية المصرّح بها من تشجيع الدولة للاستثمار وتوفير الضمانات والتسهيلات اللازمة له[51].

المبحث الثاني: الانحراف الغائي السلبي في صورة التسلب من الاختصاص

تُعنى الدساتير بتوزيع اختصاصات السلطات العامة وتعهد للسلطة التشريعية بتنظيم مسائل محددة، ولا يجوز لها أن تتنازل عن تنظيم تلك المسائل لصالح أيٍ من السلطتين التنفيذية والقضائية دون تفويض دستوري، وإن هي فعلت وأصدرت تشريعًا يتضمّن تنازلًا عن اختصاصها لجهة أخرى تكون قد وقعت فيما يُعرَف بعيب الاختصاص السلبي للمشرع[52]، وهو ما يسمّيه البعض عيب التسلّب من الاختصاص.

وعيبُ التسلّب من الاختصاص فيه شقّان؛ شقٌّ إيجابي يتمثّل في قانون التنازل عن اختصاصٍ معيّن لصالح سلطة أخرى، وشقٌ سلبي يتمثّل في الامتناع عن مباشرة الاختصاص الدستوري[53]، وهذا الشق السلبي هو جوهر الانحراف الغائي السلبي في هذه الصورة، ذلك أنّ فكرة التسلّب من الاختصاص مؤداها أن يمتنع المشرّع عن تنظيم الموضوعات المحجوزة له دستوريًا لصالح السلطة التنفيذية أو السلطة القضائية، وهذه صورة من صور الانحراف الغائي السلبي[54].

وتختلف هذه الصورة عن الإغفال التشريعي، ففي هذه الأخيرة يتولى المشرع تنظيم الموضوع لكنه يُغفل بعض الجوانب بما يفضي لنتائج غير مشروعة في الواقع، أما في التسلّب من الاختصاص لا يباشر المشرّع تنظيم المسألة المعهودة إليه دستوريًا، بل يفوّض اختصاصه إلى غيره. وسوف نقسم هذا المبحث إلى مطلبين:

المطلب الأول: موقف القضاء الدستوري في مصر من الرقابة على التسلّب من الاختصاص

يسعى هذا المطلب لبيان المعالجة الغائية لعيب التسلب من الاختصاص في أحكام كلٍ من المحكمة العليا والمحكمة الدستورية العليا حيث راقبتا هذا العيب من بوّابة الغاية لا من بوابة الاختصاص، ولتفصيل ذلك نفرد الفرع الأول لبيان أن التسلب من الاختصاص يتصل بعنصر الغاية، بينما نفرد الفرع الثاني لبيان معالجة القضاء الدستوري لعيب التسلب من الاختصاص من بوابة الغاية:

الفرع الأول: التسلّب من الاختصاص يتّصل بعنصر الغاية

ذهب جانبٌ من الفقه إلى أن مفاد فكرة عدم الاختصاص السلبي للمشرع هو مخالفة قواعد الاختصاص التي حدّدها الدستور؛ لأن المشرّع في ذلك يتنازل عن الاختصاص الموكول له دستوريًا لصالح سلطة أخرى، وهو ما يعيب التشريع في عنصر الاختصاص[55]، وهذا الرأي يصحُّ في أحوال دون أخرى، فهو نسبيُّ الصحّة، فعيب التسلّب من الاختصاص قد يتصل بعنصر الاختصاص في بعض الأحوال؛ لكنه قد يتصل بعنصر الغاية في أحوالٍ أخرى، وذلك بحسب ثلاثة فروض:

أولًا: إذا كان الدستور يحظر التفويض صراحةً: في هذا الفرض يصدق ذلك الرأي؛ حيث يكون التشريع الذي تضمّن التفويض، والتشريع الذي صدر بناءً على التفويض معيبين في عنصر الاختصاص؛ لأن تنازل المشرّع عن اختصاصه مع وجود نص صريح يحظر التفويض؛ هو تجاوز لحدود الاختصاص التي وضعها الدستور؛ إذ إن اختصاصه في التفويض يكون منعدمًا، وكذلك بالنسبة إلى السلطة المفوَّض لها؛ إذ إن النص على حظر التفويض يمنع على السلطة المفوّض لها أن تستجيب لأي تفويض صادرٍ لها من الجهات الأخرى، وإن هي فعلت كانت تشريعاتها المبنية على التفويض مخالفةً لقواعد الاختصاص.

ثانيًا: إذا كان الدستور يجيز التفويض صراحةً: في هذه الحالة يكون النص الصادر بالتفويض والنصوص المبنية على التفويض موافقةً للدستور ما لم تتجاوز حدود التفويض المقرّرة في الدستور، غير أنّ اختصاص السلطة التشريعية بالتفويض وفق الضوابط الدستورية لا يجوز أن يُتّخذ ستارًا لتخلّي السلطة التشريعية عن اختصاصها برمّته، ولذلك تقرّر في الفقه «أنه لا يتعيّن أن تتخلى السلطة التشريعية عن اختصاصها بصورة عامة تحت ستار التفويض التشريعي لصالح السلطة التنفيذية»[56].

ثالثًا: إذا سكت الدستور عن جواز التفويض أو حظره: حينئذ لا يندرج عيب التسلّب من الاختصاص في خانة العيوب المتصلة بعنصر الاختصاص؛ لأن المشرع عند تنازله عن تنظيم موضوع معيّن لصالح السلطة التنفيذية إنّما يباشر سلطته التقديرية في التنظيم، وإذ لم يحظر الدستور التفويض كأداة تنظيمية؛ فإنها تبقى مشروعةً ضمن السلطة التقديرية، فإذا رأى المشرّع أن تنظيم هذه المسألة إذا ما أُسنِدَ للسلطة التنفيذية سيحقق المصلحة العامة، فهو إذن لا يخرج عن اختصاصه، بل هو يمارس سلطته التقديرية في تنظيم المسألة التي اختصَّه الدستور بتنظيمها عن طريق إسنادها لجهة أخرى، فيكون عنصر الاختصاص مستوفيًا شروطه، غير أنّ سلامة عنصر الاختصاص لا تعني سلامة التشريع من عيوب الدستورية الأخرى، فالتنازل عن الاختصاص يتعارض مع الغايات الدستورية اللازمة من سنّ قواعد الاختصاص، فالدستور حين يسند تنظيم موضوعات محدّدة للسلطة التشريعية إنما يريد تحقيق غاية بعينها تتمثّل في توفير ضمانات أكبر عبر تنظيم هذه الموضوعات بموجب تشريعات قانونية[57]، فالنص على كفالة الحقوق والحريات بموجب القوانين يسعى إلى حماية الحقوق والحريات من تعسف السلطة التنفيذية عن طريق حجز تنظيمها لمجال القانون، والنص على حجز تنظيم شؤون السلطة القضائية للقوانين يتغيّا تحقيق استقلال السلطة القضائية عن الجهات الأخرى، وهكذا في جميع المسائل، فإذا تنازل المشرع عن اختصاصه لصالح جهة أخرى؛ فإنه يضحّي بالغاية اللازمة عن النص الدستوري الذي أسند الاختصاص إليه حتى ولو كان يبتغي في تنازله تحقيق المصلحة العامة، فإذا كان للمشرع سلطة تقديرية في تنظيم تلك الموضوعات فإن هذه السلطة التقديرية مقيّدة بعدم تنازله عن اختصاصه، ليس لأن ذلك يخالف قواعد الاختصاص بل لأن ذلك يناقض الغاية الدستورية من إسناد الاختصاص إليه، فيكون التشريع بذلك معيبًا بالانحراف الغائي السلبي.

وممّا مضى يتضح أن عيب التسلّب من الاختصاص يتصل بعنصر الغاية في الفرض الذي تقدّم بيانه، ومن المقرر أن الرقابة على التسلّب من الاختصاص هدفها حماية المجال المحجوز للقانون وعدم إقحام السلطات الأخرى في مباشرة اختصاصات السلطة التشريعية[58]، فإذا تنازل المشرع عن اختصاصه؛ فإنه يضر بالغاية الدستورية من إسناد الاختصاص إليه.

الفرع الثاني: معالجة القضاء الدستوري لعيب التسلب من الاختصاص من بوابة الغاية

عولج عيب التسلب من الاختصاص من قبل القضاء الدستوري في مصر؛ فقد قضت المحكمة العليا بعدم دستورية العديد من التشريعات التي شابها هذا العيب، ومن بعدها المحكمة الدستورية العليا قد سارت على النهج ذاته فأكّدت هذا النوع من الرقابة، على أنّ فارقًا جوهريًا بين المحكمتين قد ظهر فيما يتعلق بعيب التسلب من الاختصاص في أحوال التفويض المقترن بنصٍ يُجيز التفويض، ففي حين اتجهت المحكمة العليا لمشروعية التفويض حتى لو امتدّ لجميع المسائل المحجوزة للقانون؛ أخذت المحكمة الدستورية على عاتقها مهمّة استخراج حدودٍ دستورية للمسائل التي يكون التفويض بشأنها مشروعًا.

بالنسبة إلى موقف المحكمة العليا؛ فقد أجاز دستور الجمهورية العربية المتّحدة المؤقت الصادر عام 1964 لرئيس الجمهورية في الأحوال الاستثنائية إصدار قرارات لها قوة القانون بناءً على تفويض مجلس الأمة، على أن يكون التفويض محدّد المدّة ومحدّدَ الموضوعات والأسس التي يقوم التفويض عليها[59]، ولم يحدّد هذا النص مجالات القرار بقانون، وإزاء ذلك ثار السؤال أمام قضاء المحكمة العليا حول مجالات التفويض، فقرّرت امتداد التفويض إلى شتّى المسائل المحجوزة للقانون بموجب الدستور، فقضت بأن «القرارات بقوانين التي يصدرها رئيس الجمهورية بناء على هذا التفويض لها قوة القانون وتتناول كل ما يتناوله التشريع الصادر من السلطة التشريعية بما في ذلك الموضوعات التي نص الدستور على أن يكون تنظيمها بقانون»[60].

وقد انتقل هذا النص إلى دستور مصر1971 بشروطٍ إجرائية استجدّت عليه، وعندما عُرِضت مسألة مجالات التفويض المسموح بها أمام المحكمة الدستورية العليا كان موقفها مغايرًا لموقف المحكمة العليا؛ فقد حدّت من إطلاق التفويض إلى جميع المسائل المحجوزة للقانون، ورفضت امتداد التفويض إلى المسائل الضريبية، وقرنت رفضها بما يترتب على ذلك من إهدار للغايات الدستورية المتصلة بفرض الضريبة بقانون؛ حيث قرّرت المحكمة التوازنات المصلحية التي ابتغى المشرّع الدستوري أن يحافظ عليها بإسناد فرض الضريبة للسلطة التشريعية، وأكّدت بوضوح أن الضريبة لا يجوز أن تتوخّى أغراضًا جزائية؛ لأن تقريرها منوطٌ دستوريًا بالأغراض المالية وحدها، وبما لا يتجاوز ضوابط العدالة الاجتماعية، وجعلت الضامن لكلّ ذلك أن يكون القانون وحده مصدرًا لفرض الضريبة دون غيره[61].

ولطالما رتّبت المحكمة الدستورية العليا حكمها بعدم دستورية النصوص المشوبة بعيب التخلّي عن الاختصاص على أساس مخالفة ذلك للغايات الدستورية، يظهر ذلك عند فصلها في الطعن على النصوص الّتي فوّضت وزير الداخلية مهمّة تحديد شروط وإجراءات منح جواز السفر[62]، وخوّلته سلطة رفض منح الجواز أو تجديده وكذلك سحبه بعد منحه[63]؛ إذ دفع الطاعن بأنّ المشرّع قد تنصّل عن مهمّته في وضع الأسس العامة التي تنظم موضوع جواز السفر مع كون الجواز هو الوسيلة الوحيدة لتمكين المواطنين من مغادرة البلاد والرجوع إليها، الأمر الذي يضرّ بالحرية الشخصية والحق في التنقّل.

حيث استجابت المحكمة لدفع الطاعن، فاستخرجت الغاية اللازمة من إسناد تنظيم الحرية الشخصية للمشرع العادي مقرّرةً أن الدستور إذ نصّ على أن الحرية الشخصية مصونة لا تمس وكانت حرية التنقل رافدًا من روافد الحرية الشخصية؛ فإن الغاية الدستورية من إسناد تنظيم الحرية الشخصية للسلطة التشريعية تتمثّل في حماية الغاية الدستورية اللازمة عن كفالة الحرية الشخصية والمتمثلة في عدم جواز تقييدها، وضمانةً لهذه الغاية أسند الدستور تنظيم ما يتصل بهذه الحقوق للسلطة التشريعية، بما يلزم عنه أن يكون حق المواطن في استخراج وحمل جواز السفر بيد السلطة التشريعية مستصحبةً أصل المنع، ولو أنّها تنازلت عن اختصاصها للسلطة التنفيذية فإن الغاية الدستورية في عدم تقييد الحرية الشخصية كأصلٍ عام تذهب مع الريح[64].

وقد استدلّت المحكمة على غاية المشرّع الدستوري في حصر هذا الاختصاص على السلطة التشريعية بعدم إسناده أي موضوع من موضوعات الحقوق والحريات للسلطة التنفيذية، ورتّبت على ذلك أن مقصد المشرع الدستوري قد اتجه إلى عدم تجويز تنازل المشرع العادي عن اختصاصه التنظيمي لأي جهة أخرى، ذلك أن «الدستور لم يعقد للسلطة التنفيذية اختصاصًا بتنظيم شيءٍ ممّا يمس الحقوق التي كفلها الدستور فيما تقدم، وأن هذا التنظيم يتعين أن تتولاه السلطة التشريعية بما تصدره من قوانين»[65].

ثمّ على أعقاب ذلك كرّست المبدأ الشهير في أحكامها، لتقضي بأن «قضاء هذه المحكمة قد جرى على أنه إذا ما أسند الدستور تنظيم حق من الحقوق إلى السلطة التشريعية فلا يجوز لها أن تتسلّب من اختصاصها وتحيل الأمر برمته إلى السلطة التنفيذية دون أن تقيدها في ذلك بضوابط عامة وأسس رئيسية تلتزم بالعمل في إطارها فإذا ما خرج المشرع على ذلك وناط بالسلطة التنفيذية تنظيم الحق من أساسه كان متخليا عن اختصاصه الأصيل المقرر بالمادة 86 من الدستور»[66]. وفي قضيّة أخرى عاودت المحكمة التأكيد على ربط المسألة بالغايات اللازمة عن النصوص الدستورية؛ حيث استخلصت بوضوح الغرض من إسناد المشرّع صلاحية إصدار اللوائح للسلطة التنفيذية، فقضت بأن «الغرض من صدور اللائحة التنفيذية للقانون يتعين أن ينحصر في إتمام القانون أي وضع القواعد والتفاصيل اللازمة لتنفيذه مع الإبقاء على حدوده الأصلية بلا أدنى مساس، ودون أن تنطوي على تعديل أو إلغاء لأحكامه أو أن يضيف إليه أحكاما تبعده عن روح التشريع، فيجاوز بذلك مصدرها الاختصاص الدستوري المخول له»[67]. فليس أصرح من هذا البيان عن المحكمة الدستورية في أن عيب التسلّب من الاختصاص هو عيبٌ غائي في جوهره؛ لأنه يذهب بالغايات الدستورية من توزيع الاختصاص الذي تقرّره النصوص الدستورية، عوضًا عن كونه يضرُّ بروح التشريع مثلما صرّحت المحكمة.

وكان القانون في هذه القضية قد تنازل للسلطة التنفيذية عن اختصاصه بتحديد قواعد وإجراءات وشروط منح عضوية الاتحاد المصري لمقاولي التشييد والبناء، فصدرت اللائحة التي تحدّد هذه الشروط لتقضي باشتراط الجنسية المصرية في الشخص الطبيعي، وأن يكون ذلك للشركاء المتضامنين في شركات الأشخاص والأعضاء المؤسسين والممثلين القانونيين لغيرها من الشركات، وإذ طُعِن على اللائحة والقانون معًا، قضت المحكمة بأن هذا الشرط «هو شرط لم يقرره القانون بل إنه لا يرتبط برابطة منطقية بالأغراض التي حرص المشرع على أن تتحقق بإنشاء الاتحاد وهي تطوير مهنة التشييد والمقاولات والعمل على زيادة الاستثمار في هذا المجال»[68]. فهنا قرنت المحكمة الشرط الذي حدّدته اللائحة بالغايات التي قرّرها المشرّع، لتتبع ذلك بقولها «المشرع إذ أحال أمر تكوين الاتحاد وشروط منح عضويته إلى السلطة التنفيذية دون أن يقيدها بضوابط وأسس عامة تلتزم بها، فصدرت اللائحة بذلك لا تفصل أحكامًا أوردها المشرع إجمالًا، وإنما استحدثت أحكاما جديدة تتضمن قيودًا على الحق في الانضمام إلى عضوية ذلك الاتحاد تخالف روح التشريع وبغير مقتض مشروع فإن السلطة التشريعية - وهي المنوط بها وحدها تقدير هذا المقتضى - تكون قد تسلبت من اختصاصها»[69].

المطلب الثاني: نماذج على التسلب من الاختصاص في التشريع القطري

هناك العديد من التشريعات القطرية التي تنازلت فيها السلطة التشريعية عن اختصاصها الدستوري لصالح السلطة التنفيذية بما يخالف غاية الدستور من إسناد الاختصاص في توفير ضمانة للأفراد بشأن المسألة المراد تنظيمها، ولعل أبرز الأمثلة على ذلك تنازل المشرع عن تنظيم بعض الحقوق والحريات التي اختصه الدستور بها لصالح السلطة التنفيذية، وفيما يلي نورد بعض الأمثلة[70]:

أولًا: التنازل عن تنظيم بعض مسائل الحق في التقاضي

نص الدستور القطري على أن «التقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة ويبين القانون إجراءات وأوضاع ممارسة هذا الحق»[71]، وإسناد تنظيم إجراءات الحق في التقاضي وأوضاع ممارسته للسلطة التشريعية ينمُّ عن ابتغاء المشرع الدستوري توفير ضمانةٍ إجرائية ومنع ترك تنظيم هذ الموضوع للسلطة التنفيذية، لئلا يكون ذلك الإسناد مدخلًا للانتقاص من هذا الحق حين تتعارض مصالح السلطة التنفيذية مع مصالح الأفراد، غير أن المشرع العادي قد تنازل عن تنظيم الحق في التقاضي في بموجب قانون مركز قطر للمال؛ حيث أنشأ بموجب ذلك القانون كلًّا من محكمة التنظيم لمركز قطر للمال والمحكمة المدنية والتجارية لمركز قطر للمال؛ لكنه تنازل عن تنظيم إجراءات التقاضي أمام تلك المحاكم تنازلًا شاملًا للسلطة التنفيذية؛ إذ جعل لوزير الاقتصاد والمالية صلاحية عرض مشروعات الأنظمة الخاصة بمحكمة التنظيم والمحكمة المدنية والتجارية على مجلس الوزراء للموافقة عليها، ومنح هذا الأخير طلب إجراء أي تغييرات أو تعديلات أو إضافات يراها ملائمة[72]، ما يعني أن تنظيم إجراءات الحق في التقاضي وأوضاع ممارسته أمام هذه المحاكم صار من اختصاص السلطة التنفيذية على خلاف نص الدستور الذي جعل مباشرة هذا الحق بقانون، وفي ذلك مخالفةٌ للغاية اللازمة عن نصّ إسناد الاختصاص للسلطة التشريعية، والمتمثلة في توفير ضمانة للأفراد في تنظيم مباشرة الحق في التقاضي، ما يعني أن هذا النص ينطوي على انحراف إيجابي من حيث تفويضه مسائل معينة دون سندٍ بذلك التفويض، وعلى انحراف غائي سلبي بما تضمنه من حيلولة المشرع عن تفعيل الغاية الدستورية من إسناد الدستور اختصاص تنظيم هذه المسألة بأداة القانون تحديدًا.

ثانيًا: التنازل عن تنظيم بعض مسائل فرض الضريبة

نص الدستور القطري على أن الضرائب أساسها العدالة الاجتماعية ولا يجوز فرضها إلا بقانون[73]، ما يعني أن فرض ضريبة بغير قانون محظورٌ بموجب الدستور، والغاية من ذلك أن تُحاط هذه المسألة بضمانات أكبر حفظًا للحقوق المالية، وهذا النص يفرض التزامًا على عاتق المشرع العادي بالامتناع عن التنازل عن تنظيم هذه المسألة لأيّ سلطة أخرى، وإلا كان ذلك مخالفًا لما تغيّاه الدستور من مسارٍ إجرائي يضمن به ألا تفرض الضريبة افتئاتًا أو تعسّفًا.

وقد خوّل قانون الضريبة على الدخل لمجلس الوزراء صلاحية تعديل الإعفاءات الضريبية[74]، ومن المعلوم أن سلطة التعديل تشمل الحذف والإضافة، وعليه فقد يصدر قرار باستبعاد بعض الإعفاءات التي قررها القانون، بما يعني أن سلطة تعديل الإعفاءات قد تنشأ عنها التزامات ضريبية إذا ما قرّر مجلس الوزراء حذف بعض الإعفاءات التي قرّرها القانون، بما قد يهدر الضمانة الدستورية التي توجب ألا يكون فرض الضريبة إلا بقانون.

ثالثًا: التنازل عن تنظيم نزع الملكية للمنفعة العامة

نص الدستور القطري على صيانة الملكية الخاصة وحظر حرمان أحد من ملكه «إلا بسبب المنفعة العامة وفي الأحوال التي يبينها القانون وبالكيفية التي ينص عليها، وبشرط تعويضه عنها تعويضًا عادلًا»[75]. ومن الواضح أن الأداة التي سمح لها الدستور بتنظيم مسألة نزع الملكية للمنفعة العامة هي القانون، والغاية من ذلك لا تخفى على عين، وهي تحويط هذه المسألة بضمانات إجرائية تحول دون تعسف السلطة التنفيذية في هذه المسألة فيما لو أتيح لها تنظيمها.

غير أن قانون نزع ملكية العقارات والاستيلاء عليها مؤقتا للمنفعة العامة؛ قد فوّض السلطة التنفيذية تنظيم بعض مسائل هذا الموضوع؛ حيث حدّد القانون الأحوال التي يُعدّ فيها عملٌ ما من أعمال المنفعة العامة، ثمّ أجاز لمجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير البلدية إضافة أعمال أخرى تكون ذات منفعة عامة[76]، وهو ما يعني أن المشرع العادي قد شاطر اختصاصه الدستوري بتحديد الحالات مع السلطة التنفيذية، مهدرًا بذلك الغاية الدستورية اللازمة عن تحديد تلك الحالات بموجب قانون، وذلك يشكّل انحرافًا غائيًا في المجال الإيجابي من حيث نصّ تفويض مجلس الوزراء بوضع حالات جديدة، ويشكل في الآن ذاته انحرافًا سلبيًا بتفويت غاية تطلّبها الدستور من وراء تعيين تلك الحالات بواسطة القانون تحديدًا.

رابعًا: التنازل عن اختصاص التجريم

نص الدستور القطري على مبدأ الشرعية الجنائية، فقضى بألا جريمة ولا عقوبة إلا بقانون[77]، وبذلك خصّ السلطة التشريعية بوضع قواعد التجريم والعقاب دون السلطة التنفيذية، ليجعل عدالة التجريم والعقاب مرهونةً بمسارٍ إجرائي يضمن وضع تلك القواعد على أسسٍ موضوعية.

بالرغم من ذلك، فوّض قانون الوقاية من الأمراض المعدية لمجلس الوزراء صلاحية تحديد الأفعال المجرّمة؛ حيث قرّر عقوبة الحبس مدة لا تجاوز ثلاث سنوات والغرامة التي لا تزيد على مئتي ألف ريال أو بإحدى العقوبتين عن مخالفة الإجراءات والتدابير التي يتخذها مجلس الوزراء للمحافظة على الصحة العامة بما في ذلك فرض القيود على حرية الأشخاص في التجمع والانتقال والإقامة والمرور في أماكن أو أوقات معينة[78]، وعلى مثل ذلك جاء النص في تعديل هذا القانون[79]، وهو ما يعني أن مجلس الوزراء بات يتمتّع بصلاحية تحديد الأفعال التي تشكّل جريمة تستحق إيقاع العقوبات الآنفة عليها، وفي ذلك انحرافٌ غائي سلبي من حيث أن تنازل المشرّع عن الاختصاص بتحديد الأفعال المُجرّمة في هذا الشأن قد أودى بالغاية الدستورية المطلوبة في توفير ضمانة للأفراد بعدم تجريم فعلٍ ما إلا بموجب قانون.

خامسًا: التنازل عن تحديد مخصصات الوزراء

نصّ الدستور القطري على أن يكون تعيين مرتبات رئيس مجلس الوزراء والوزراء بأداة القانون[80]، ما يعني أن الدستور قد تغيّا جعل هذه المسألة بيد المشرع العادي لتتوازن الصلاحيات بين جهات الدولة، بما يمتنع معه أن يكون تعيين تلك المرتبات بيد السلطة التنفيذية استجابةً للغاية الدستورية التي أسندت هذه المهمة لمجلس الشورى تحقيقًا لتوازن الصلاحيات بين السلطتين.

غير أن المشرع في قانون الوزراء قد أحال تنظيم هذه المسألة للسلطة التنفيذية متنازلًا عن اختصاصه الذي أسنده الدستور له؛ حيث نص على أن استحقاق الوزراء للمخصصات الشهرية والمزايا والمكافآت يكون بموجب قرار أميري[81]. ولا معذرة في ذلك بأن المخصصات الشهرية تختلف عن المرتبات؛ فقد قسّم القرار الأميري المخصصات المالية إلى خمسة أقسام، على رأسها الراتب الأساسي الثابت[82]، ما يعني أن المخصصات المالية التي وردت في القرار أعم وأشمل من الرواتب المنصوص عليها في الدستور، فالتنازل عن تنظيمها للسلطة التنفيذية يخالف الغاية اللازمة من إسناد هذه المسألة لتنظيم المشرع العادي.

ورغم أنّ الأمثلة الماضية صحيحة من الناحية القانونية المحضة، إلا أنها لا تحيط من الناحية العملية بحقيقة واقع التشريعات في السياق القطري تمام الإحاطة، ذلك أن جميع التشريعات القانونية- السابقة على مجلس الشورى المنتخب- كانت تصدر عن مجلس الشورى المعيّن، فهي في حقيقة الواقع قد صدرت عن إرادة حكومية في المقام الأول؛ لأن أعضاء مجلس الشورى ظلّ اختيارهم بأداة التعيين منذ صدور الدستور الدائم عام 2004 وحتى انتخابات أعضاء مجلس الشورى في أكتوبر 2021، ولهذا يقول الدكتور حسن السيد: «لا يمكن القول إن تنظيم الحقوق والحريات بالأداة التشريعية (قانون) يعد ضمانة لها في دولة قطر»، وهو قول صحيح؛ لأن منطق الأمور يجري على أنّ المعيَّن تابعٌ لمن عيّنه، ولهذا نتفق معه فيما انتهى إليه من أن مجلس الشورى المنتخب ينبغي أن يراجع جميع التشريعات المتعلقة بالحقوق والحريات العامة فيعدّل ما يلزم منها بما يتفق مع الضمانات الدستورية[83].

خاتمة

عرض هذا البحث لموضوع الرقابة الدستورية على الانحراف الغائي السلبي في كلٍ من جمهورية مصر العربية ودولة قطر، وخلص إلى النتائج والتوصيات التالية:

أولًا: النتائج

     ينشأ الإغفال التشريعي نتيجة ترك المشرع إدراج قاعدة تشريعية في التنظيم التشريعي على نحوٍ يحول دون الوفاء بالغايات الدستورية، ولم ترفض المحكمة العليا في مصر هذا النوع من الرقابة في أيٍ من أحكامها؛ لكن مباشرة هذا النوع من الرقابة كان على يد المحكمة الدستورية العليا؛ فقد جرى منهجها على محاكمة الإغفال التشريعي للغايات الدستورية في أحكامها المتعاقبة التي تناول البحث بعضًا منها.

     في السياق القطري ظهر عيب الانحراف الغائي السلبي بصورة الإغفال التشريعي في العديد من التشريعات القطرية، مثل إغفال عرض تفاصيل مشروع الموازنة على مجلس الشورى، وقصر الأمر على إحالة إجمالي الأبواب والقطاعات الرئيسية للمشروع، وإغفال منح الأب الموظف ظروفًا ملائمة لرعاية طفله في بعض المواد في تشريعات الموارد البشرية.

     يقع التسلّب من الاختصاص لدى امتناع المشرع عن مباشرة اختصاصه لصالح سلطة أخرى؛ حيث يتألف من شقين؛ شق إيجابي يتمثل في التشريع الذي يتضمن التنازل عن الاختصاص، وشق سلبي يتمثل في الامتناع عن مباشرة الاختصاص، وهذا الأخير هو جوهر الانحراف الغائي السلبي في هذه الصورة.

     يتصل هذا العيب بعنصر الغاية في الأحوال التي يسكت فيها الدستور عن مسألة التفويض فلا يجيزها ولا يحظرها، فسكوت المشرع عن ذلك يمنحه السلطة التقديرية في تفويض المسألة كجزء من التنظيم؛ لكن غاية المشرع في تنظيم هذه المسألة من قبَل المشرّع تشكّل قيدًا عليه.

     عالج القضاء الدستوري في مصر عيب التسلّب من الاختصاص من بوابة الغاية في العديد من أحكامه التي مضى بيانها، وفي السياق القطري توصل البحث إلى انطواء العديد من التشريعات على هذا العيب، مثل التشريع الذي تنازل عن تنظيم بعض مسائل الحق في التقاضي، والتشريع الذي تنازل عن تنظيم مسألة الإعفاء في الضريبة، والتشريع الذي تنازل عن اختصاص التجريم.

ثانيًا: التوصيات

     يوصي البحث المشرع القطري بمراجعة النصوص التي ثبت انطواؤها على عيب الانحراف الغائي السلبي، سواء أكان في صورة الإغفال تشريعي أم التسلّب من الاختصاص.

     نوصي محاكم الموضوع في دولة قطر بمراجعة موقفها الرافض للرقابة الدستورية بطريق الامتناع، والمبادرة إلى إعلاء كلمة الدستور؛ بما لتلك المحاكم من سلطة التفسير، وما يوجبه عليها القَسَم الدستوري من احترام الدستور.

     نوصي الجهات المعنية بضرورة وضع قانون إنشاء المحكمة الدستورية العليا رقم 12 لسنة 2008 موضع التنفيذ، لتتمكن المحكمة الدستورية العليا من مباشرة الدور الذي عُهِد إليها بموجب الدستور في هذا الصدد، بما يضمن كفاءة العملية التشريعية.

المراجع

أولًا: العربية

1.     الكتب والمجلات

الجنابي، مناف. رقابة القاضي الدستوري على الامتناع التشريعي: دراسة مقارنة. دار النهضة العربية، القاهرة، 2022.

الخرينج، فواز صقر. «مدى شرعية السلطة التقديرية للرقابة الدستورية في حالة الإغفال التشريعي». المجلة القانونية، جامعة القاهرة، مج8، ع14 (2020).

السيد، حسن عبد الرحيم. «ﺍﻟﻌﻮﺍﻣﻞ ﺍﻟﻤﺆﺛّﺮﺓ ﻓﻲ ﻓﺎﻋﻠﻴﺔ ﻣﺠﺎﻟﺲ ﺍﻟﺸﻮﺭ ﺍﻟﻘﻄﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﺿﻮﺀ ﺍﻟﺘﺸﺮﻳﻌﺎﺕ ﺍﻟﻤﻨﻈﻤﺔ ﻟﻬﺎ». المجلة الدولية للقانون، جامعة قطر، ع2-3 (2018) https://doi.org/10.29117/irl.2018.0027

–––. المدخل لدراسة القانون الدستوري القطري. كلية القانون، جامعة قطر، 2017.

الشاوي، سرى. آثار الإغفال التشريعي ورقابة المحكمة الاتحادية العليا. المركز العربي للنشر والتوزيع، القاهرة، 2020.

شرفي، عبد الرحمن. قيم وتقاليد القضاء. المكتب الفني، محكمة التمييز، المجلس الأعلى للقضاء، قطر، 2020.

شعبان، رمضان. رقابة القضاء الدستوري على الإغفال التشريعي: دراسة مقارنة. دار النهضة العربية، القاهرة، 2022.

الشيمي، عبدالحفيظ. رقابة الإغفال التشريعي في قضاء المحكمة الدستورية العليا. دار النهضة العربية، القاهرة، 2005.

صابر، الحسين عبد الدايم. «رقابة الإغفال ووسائل معالجتها في القضاء الدستوري». مجلة البحوث القانونية والاقتصادية، المنصورة، مج12، ع79 (مارس 2022).

كحيل، عبد الرحمن. الانحراف التشريعي بين القانون الوضعي والفقه الإسلامي. دار النهضة العربية، القاهرة، 2019.

المهندي، إبراهيم. الرقابة البرلمانية على أعمال السلطة التنفيذية في النظام الدستوري القطري. دار النهضة العربية، القاهرة، 2011.

2.     الأحكام القضائية:

المحكمة الدستورية العليا، القضية رقم 243 لسنة 21 قضائية، 4 أبريل 2000، برئاسة محمد جلال.

المحكمة الدستورية العليا، القضية رقم 6 لسنة 20 قضائية، 14 أبريل 2002، برئاسة محمد نجيب.

المحكمة العليا، القضية رقم 3 لسنة 4 قضائية، 13 أبريل 1974، برئاسة بدوي إبراهيم حمودة.

المحكمة العليا، القضية رقم 5 لسنة 5 قضائية، 3أبريل 1976، برئاسة، بدوي إبراهيم حمودة.

المحكمة العليا، القضية رقم 8 لسنة 5 قضائية، 6 مارس 1976، برئاسة محمد عبد الوهاب.

المحكمة الدستورية العليا، القضية رقم 18 لسنة 8 قضائية، 3 فبراير 1996، برئاسة عوض المر.

المحكمة الدستورية العليا، القضية رقم 68 لسنة 25 قضائية، 10 يونيو2007، برئاسة ماهر عبد الواحد.

محكمة التمييز، الطعن رقم 166 لسنة 2013، 4 نوفمبر 2013، برئاسة مبارك سليم مبارك.

محكمة التمييز، الطعن رقم 253 لسنة 2016 قضائية، 20 ديسمبر 2016، برئاسة عبد الله السعدي.

المحكمة الإدارية العليا، الطعن رقم95037 لسنة 63 قضائية، 27 يونيو2020، برئاسة عبد العزيز.

المحكمة الدستورية العليا، القضية رقم 34 لسنة 16 قضائية، 15 يونيو 1996، برئاسة عوض المر.

المحكمة الدستورية العليا، القضية رقم 20 لسنة 15 قضائية، 1 أكتوبر 1994، برئاسة عوض المر.

المحكمة الدستورية العليا، القضية رقم 159 لسنة 20 قضائية، 13أكتوبر2002، برئاسة محمد نجيب.

3.     التشريعات:

جدول المخصصات المالية لرئيس مجلس الوزراء ونوابه وأعضاء مجلس الوزراء، قرار أميري بتعديل بعض أحكام القرار الأميري رقم (42) لسنة 1996 بشأن تحديد مخصصات الوزراء ومن في درجتهم، قطر، رقم 13، لسنة 2007.

دستور الجمهورية العربية المتّحدة المؤقت 1964.

الدستور الدائم لدولة قطر 2004.

دستور مصر 1971.

قانون الضريبة على الدخل، قطر، رقم 24، لسنة 2018.

قانون إلغاء موانع التقاضي في بعض القوانين، مصر، رقم 11، لسنة 1972.

قانون الفصل في المنازعات الإدارية، قطر، رقم 7، لسنة 2007.

قانون الموارد البشرية، قطر، رقم 15 لسنة 2016.

قانون النظام المالي للدولة، قطر، رقم 2، لسنة 2015.

قانون إنشاء المحكمة الدستورية العليا، قطر، رقم 12، لسنة 2008.

قانون بشأن تعديل بعض أحكام المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 بالإصلاح الزراعي، رقم 52، لسنة 1966.

قانون تعديل أحكام قانون مركز قطر للمال، قطر، رقم 7، لسنة 2005.

قانون جوازات السفر، مصر، رقم 97، لسنة 1959.

قانون حماية المجتمع، قطر، رقم 17، لسنة 2002.

قانون رقم 7 لسنة 2007 بشأن الفصل في المنازعات الإدارية.

قانون رقم 9 لسنة 2020 بتعديل بعض أحكام المرسوم بقانون الوقاية من الأمراض المعدية، قطر، رقم 17، لسنة 1990.

قانون نزع ملكية العقارات والاستيلاء عليها مؤقتا للمنفعة العامة، قطر، رقم 8، لسنة 2022.

قرار مجلس الوزراء بإصدار اللائحة التنفيذية لقانون الموارد البشرية المدنية، قطر، رقم 32، لسنة 2016.

مرسوم الوقاية من الأمراض المعدية، قطر، رقم 17 لسنة 1990.

ثانيًا: الأجنبية

References

al-Janābī, Manāf. Raqābat Al-Qāḍī al-dustūrī ʻalá alāmtnāʻ al-tashrīʻī: dirāsah muqāranah (in Arabic), Dār al-Nahḍah al-ʻArabīyah, Cairo, 2022.

Alkhurynij, Fawwāz Ṣaqr. "Madá sharʻīyah al-Sulṭah al-taqdīrīyah lil-raqābah al-dustūrīyah fī ḥālat al-Ighfāl al-tashrīʻī". (in Arabic), al-Majallah al-qānūnīyah, Cairo University, vol. 8, no. 14 (2020).

Al-Sayed, Hassan Abdulrahim. Al-Madkhal li-Dirāsat al-qānūn al-dustūrī al-Qaṭarī, (in Arabic), International Review of Law , Qatar University, 2017.

–––. “Factors Influencing the Effectiveness of Qatari Shura’s Councils Within the Relevant Governing Legislation”. (in Arabic), International Review of Law, Qatar University, vol. 2018, no. 2 & 3 (2018). https://doi.org/10.29117/irl.2018.0027

al-Shāwī, Sará. Āthār al-Ighfāl al-tashrīʻī wrqābh al-Maḥkamah al-ittiḥādīyah al-ʻUlyā, (in Arabic), al-Markaz al-ʻArabī lil-Nashr wa-al-Tawzīʻ, Cairo, 2020.

al-Shīmī, ʻbdālḥfyẓ. Raqābat al-Ighfāl al-tashrīʻī fī Qaḍāʼ al-Maḥkamah al-dustūrīyah al-ʻUlyā, Dār al-Nahḍah al-ʻArabīyah, Cairo, 2005.

al-Muhannadī, Ibrāhīm. Al-Raqābah al-barlamānīyah ʻalá aʻmāl al-Sulṭah al-tanfīdhīyah fī al-niẓām al-dustūrī al-Qaṭarī, al-Qāhirah Dār al-Nahḍah al-ʻArabīyah, Cairo, 2011.

Kuḥayl, ʻAbd-al-Raḥmān. Al-inḥirāf al-tashrīʻī bayna al-qānūn al-waḍʻī wa-al-fiqh al-Islāmī, (in Arabic), Dār al-Nahḍah al-ʻArabīyah, Cairo, 2019.

Ṣābir, al-Ḥusayn ʻbdāldāym. "Raqābat al-Ighfāl wa-wasāʼil muʻālajatihā fī al-qaḍāʼ al-dustūrī", (in Arabic), Majallat al-Buḥūth al-qānūnīyah wa-al-iqtiṣādīyah, al-Manṣūrah, vol. 12, no. 79, Mārs 2022.

Shaʻbān, Ramaḍān. Raqābat al-qaḍāʼ al-dustūrī ʻalá al-Ighfāl al-tashrīʻī: dirāsah muqāranah, (in Arabic), Dār al-Nahḍah al-ʻArabīyah, Cairo, 2022.

Sharafī, ʻAbd-al-Raḥmān. Qayyim wa-taqālīd al-qaḍāʼ, (in Arabic), al-Maktab al-Fannī, Maḥkamat al-Tamyīz, Supreme Judicial Council, Qaṭar, 2020.

 



[1] البحث جزء من رسالة دكتوراه للباحثة سارة علي الصّلّابي، بعنوان "الرقابة الدستورية على الغاية من التشريع: دراسة تحليلية بين مصر وقطر"، كلية القانون-جامعة قطر، أجيزت في يناير 2024. وأشرف عليها الأستاذ الدكتور حسن عبد الرحيم السيد، بإشراف مشارك من الأستاذ الدكتور عبد الحفيظ الشيمي.

* This article is retrieved from a PhD thesis, by Sara A. Al-Sallabi, "Constitutional Oversight of the Purpose of Legislation: An Analytical Study between Egypt and Qatar," College of Law - Qatar University, approved in January 2024. The thesis was supervised by Prof. Hassan Abdel Rahim Al-Sayed, and co-supervised by Prof. Abdelhafeez Al-Shemy.

[2] عبد الرحمن كحيل، الانحراف التشريعي بين القانون الوضعي والفقه الإسلامي، دار النهضة العربية، القاهرة، 2019، ص333.

[3] المرجع نفسه، 340.

[4] بخصوص معيار المدّة غير المعقولة، يُنظر كتابنا: الرقابة الدستورية بطريق الامتناع في القانون القطري والمقارن، دار الوتد، قطر، 2021، ص22، 24.

[5] المحكمة الإدارية العليا، الطعن رقم95037 لسنة63 قضائية، 27 يونيو2020، برئاسة حسن عبد العزيز (ش.ق.ش| ر.م 1192918) تنبيه بشأن توثيق الأحكام: اعتمدنا في الأحكام على شبكة قوانين الشرق، وهو موقع يجمع آلاف الأحكام الصادرة عن المحاكم العربية، ويجري توثيق بيانات الحكم مشفوعة باسم رئيسها، ثم بين قوسين اختصار لاسم الموقع، والرقم المرجعي للحكم كما في هذا الهامش. https://www.eastlaws.com

سارت على مثل هذا النهج محكمة التمييز القطرية فقضت بذات المبدأ. انظر: محكمة التمييز، الدائرة الإدارية، الطعن رقم 253 لسنة 2016 قضائية، 20 ديسمبر 2016، برئاسة عبد الله السعدي. (ش.ق.ش| ر.م 410113).

[6] المادة4، قانون رقم 7 لسنة 2007 بشأن الفصل في المنازعات الإدارية.

[7] رمضان شعبان، رقابة القضاء الدستوري على الإغفال التشريعي: دراسة مقارنة، دار النهضة العربية، القاهرة، 2022، ص34.

[8] الحسين عبد الدايم صابر. «رقابة الإغفال ووسائل معالجتها في القضاء الدستوري"، مجلة البحوث القانونية والاقتصادية، جامعة المنصورة، مج12، ع79 (مارس 2022)، ص786.

[9] قانون إلغاء موانع التقاضي في بعض القوانين، مصر، رقم 11، لسنة 1972.

[10] المادة 69، قرار رئيس الجمهورية بقانون المعاشات والمكافآت والتأمين والتعويض للقوات المسلحة، مصر، رقم 116، لسنة 1964.

[11] المادة 117، القرار نفسه.

[12] المادة 68، دستور مصر 1971.

[13] المحكمة العليا، القضية رقم 3 لسنة 4 قضائية، 13 أبريل 1974، برئاسة بدوي إبراهيم حمودة. (ش.ق.ش| ر.م 54132)

[14] المادة1، القرار بقانون بشأن عدم قبول الطعن في الأعمال والتدابير التي اتخذتها الجهة القائمة على تنفيذ جميع الأوامر الصادرة بفرض الحراسة على أموال وممتلكات الأشخاص، مصر، رقم 99، لسنة 1963.

[15] المحكمة العليا، القضية رقم 5 لسنة 5 قضائية، 3 أبريل 1976، برئاسة، بدوي إبراهيم حمودة. (ش.ق.ش| ر.م 54171)

[16] عبدالحفيظ الشيمي، رقابة الإغفال التشريعي في قضاء المحكمة الدستورية العليا، دار النهضة العربية، القاهرة، 2005، ص51 وما بعدها.

[17] المادة3، قانون بشأن تعديل بعض أحكام المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 بالإصلاح الزراعي، رقم 52، لسنة 1966.

[18] المذكّرة الإيضاحية للقانون المشار إليه، لم أعثر على نسخة منها فنقلنا ما أورده الحكم عن المذكّرة الإيضاحية. انظر: المحكمة الدستورية العليا، القضية رقم 13 لسنة 1 قضائية، 16 فبراير 1980، برئاسة أحمد ممدوح عطية. (ش.ق.ش| ر.م 36403)

[19] الحكم نفسه.

[20] الشيمي، ص56.

[21] شعبان، ص278؛ سرى الشاوي، آثار الإغفال التشريعي ورقابة المحكمة الاتحادية العليا، المركز العربي للنشر والتوزيع، القاهرة، 2020، ص386؛ كحيل، ص345.

[22] المحكمة الدستورية العليا، القضية رقم 13 لسنة 1 قضائية، 1980، برئاسة: أحمد عطية، حكم سابق.

[23] الشيمي، ص57.

[24] المحكمة الدستورية العليا، القضية رقم 20 لسنة 15 قضائية، 1 أكتوبر 1994، برئاسة عوض المر. (ش.ق.ش| ر.م 36946)

[25] المحكمة الدستورية العليا، القضية رقم 34 لسنة 16 قضائية، 15 يونيو 1996، برئاسة عوض المر. (ش.ق.ش| ر.م 36857) وإلى مثل ذلك مضى القاضي عبد الرحمن شرفي - وهو رئيس بمحكمة الاستئناف القطرية - في كتابه عن قيم وتقاليد القضاء، انظر: عبد الرحمن شرفي، قيم وتقاليد القضاء، المكتب الفني، محكمة التمييز، المجلس الأعلى للقضاء، قطر، 2020، ص37، 38.

[26] المحكمة الدستورية العليا، القضية رقم 6 لسنة 20 قضائية، 14 أبريل 2002، برئاسة محمد فتحي نجيب. (ش.ق.ش| ر.م 74687)

[27] المرجع نفسه.

[28] المحكمة الدستورية العليا، القضية رقم 159 لسنة 20 قضائية، 13 أكتوبر2002، برئاسة محمد نجيب. (ش.ق.ش| ر.م 74741)

[29] الحكم نفسه.

[30] الحكم نفسه.

[31] الحكم نفسه.

[32] المادة 14، قانون إنشاء المحكمة الدستورية العليا، قطر، رقم 12، لسنة 2008.

[33] يُعرّف الدكتور حسن السيد فاعلية مجلس الشورى بأنها: «إمكانية مجلس الشورى في إحداث أثر في واقع الحياة السياسية». انظر: حسن عبد الرحيم السيد، «العوامل المؤثرة في فاعلية مجلس الشورى القطرية في ضوء التشريعات المنظمة لها»، المجلة الدولية للقانون، مج2018، ع3 (2018)، ص200.

[34] المادة 76، الدستور الدائم لدولة قطر.

[35] انتقد البعض اشتراط موافقة الحكومة على تعديلات مجلس الشورى بحجّة أن ذلك يفرغ الرقابة البرلمانية المالية من مضمونها ويجعل مسألة عرض الميزانية على المجلس شكلية، ونرى صحّة اشتراط الموافقة، لأن الحكومة هي المسؤولة عن تنفيذ الموازنة، فموافقتها مهمة بقدر أهمية موافقة المجلس. انظر: إبراهيم المهندي، الرقابة البرلمانية على أعمال السلطة التنفيذية في النظام الدستوري القطري، دار النهضة العربية، القاهرة، 2011، ص524.

[36] المادة 107، الدستور الدائم لدولة قطر.

[37] السيد، «العوامل المؤثرة في فاعلية مجلس الشورى ...»، ص219.

[38] المهندي، ص524.

[39] المادة 16، قانون النظام المالي للدولة، قطر، رقم 2، لسنة 2015.

[40] المادة 17، القانون نفسه.

[41] المادة 21، الدستور الدائم لدولة قطر.

[42] المادة22، الدستور نقسه.

[43] المادة 74، قانون الموارد البشرية، قطر، رقم 15 لسنة 2016.

[44] المادة34، الدستور الدائم لدولة قطر.

[45] المادة54، الدستور نفسه.

[46] المادة 88، قرار مجلس الوزراء بإصدار اللائحة التنفيذية لقانون الموارد البشرية المدنية، قطر، رقم 32، لسنة 2016.

[47] محكمة التمييز، الطعن رقم 166 لسنة 2013، 4 نوفمبر 2013، برئاسة مبارك سليم مبارك. (ش.ق.ش| ر.م 364033)

[48] الحكم نفسه.

[49] المادة2، قانون حماية المجتمع، قطر، رقم 17، لسنة 2002.

[50] الفقرة3، المادة3، قانون الفصل في المنازعات الإدارية، قطر، رقم 7، لسنة 2007.

[51] المادة31، الدستور الدائم لدولة قطر.

[52] الشيمي، ص12.

[53] مناف الجنابي، رقابة القاضي الدستوري على الامتناع التشريعي: دراسة مقارنة، دار النهضة العربية، القاهرة، 2022، ص87.

[54] كحيل، ص343.

[55] الشيمي، ص24-25.

[56] المرجع نفسه، ص16.

[57] فواز محمد صقر الخرينج. «مدى شرعية السلطة التقديرية للرقابة الدستورية في حالة الإغفال التشريعي»، المجلة القانونية، جامعة القاهرة، مج8، ع14، (2020)، ص4966.

[58] الشيمي، ص27.

[59] المادة 120، دستور الجمهورية العربية المتّحدة المؤقت 1964.

[60] المحكمة العليا، القضية رقم 8 لسنة 5 قضائية، 6 مارس 1976، برئاسة محمد عبد الوهاب. (ش.ق.ش| ر.م 54149)

[61] المحكمة الدستورية العليا، القضية رقم 18 لسنة 8 قضائية، 3 فبراير 1996، برئاسة عوض المر. (ش.ق.ش| ر.م 36834)

[62] المادة8، قانون جوازات السفر، مصر، رقم 97، لسنة 1959.

[63] المادة11، القانون نفسه.

[64] المحكمة الدستورية العليا، القضية رقم 243 لسنة 21 قضائية، 4 أبريل 2000، برئاسة محمد جلال. (ش.ق.ش| ر.م 37079)

[65] الحكم نفسه.

[66] الحكم نفسه.

[67] المحكمة الدستورية العليا، القضية رقم 68 لسنة 25 قضائية، 10 يونيو2007، برئاسة ماهر عبد الواحد. (ش.ق.ش| ر.م 315385)

[68] الحكم نفسه.

[69] الحكم نفسه.

[70] بعض أمثلة هذا الفرع أفادني بها مشرف هذه الأطروحة الدكتور حسن السيد عند مناقشة المسألة معه.

[71] المادة 135، الدستور الدائم لدولة قطر 2004.

[72] الفقرة 7، المادة3، قانون تعديل أحكام قانون مركز قطر للمال، قطر، رقم 7، لسنة 2005.

[73] المادة 43، الدستور الدائم لدولة قطر 2004.

[74] المادة 35، قانون الضريبة على الدخل، قطر، رقم 24، لسنة 2018.

[75] المادة27، الدستور الدائم لدولة قطر 2004.

[76] المادة3، قانون نزع ملكية العقارات والاستيلاء عليها مؤقتا للمنفعة العامة، قطر، رقم 8، لسنة 2022.

[77] المادة40، الدستور الدائم لدولة قطر 2004.

[78] المادة 21، 10، مرسوم الوقاية من الأمراض المعدية، قطر، رقم 17 لسنة 1990.

[79] المادة 21، قانون رقم 9 لسنة 2020 بتعديل بعض أحكام المرسوم بقانون الوقاية من الأمراض المعدية، قطر، رقم 17، لسنة 1990.

[80] المادة124، الدستور الدائم لدولة قطر 2004.

[81] المادة5، قانون الوزراء رقم 21 لسنة 2004.

[82] جدول المخصصات المالية لرئيس مجلس الوزراء ونوابه وأعضاء مجلس الوزراء، قرار أميري بتعديل بعض أحكام القرار الأميري رقم (42) لسنة 1996 بشأن تحديد مخصصات الوزراء ومن في درجتهم، قطر، رقم 13، لسنة 2007.

[83] حسن عبد الرحيم السيد، المدخل لدراسة القانون الدستوري القطري، ط3، كلية القانون، جامعة قطر، 2017، ص176-177.