cid:image007.png@01DA94D4.752A8770Publizieren – Why Open Access? 

 

 

تاريخ الاستلام: 16 يناير 2025 | تاريخ التحكيم: 15 فبراير 2025 | تاريخ القبول: 11 يوليو 2025

مقالة بحثية

أثر الجوائح العابرة للقارات على تغير طرق التفكير وأشكال الممارسات اليومية لدى فئة الشباب المغربي: دراسة سوسيولوجية في الجهات الصحراوية الجنوبية

عبد الخالق سداتي https://orcid.org/0000-0002-9751-2891

أستاذ علم الاجتماع، المعهد العالي لمهن التمريض وتقنيات الصحة، العيون –المغرب

sidatiab@gmail.com

ملخص

هدفت الدراسة إلى استكشاف حدود تأثير الأزمة الكبرى التي مثّلها وباء كورونا (COVID-19) في شباب القرن الحادي والعشرين؛ من خلال نموذج شباب من ثلاث جهات جنوب المغرب؛ كلميم، واد نون، والعيون، والساقية الحمراء، والداخلة، ووادي الذهب، وفهم تجربة الآثار والتغيرات الاجتماعية والثقافية التي رافقت الانتشار العاصف للجائحة، وانعكاساتها على تفكير الشباب وممارساتهم، وكذا تطويرهم لاستراتيجيات تعزز قدرتهم على التكيف مع تغيرات البيئة الناجمة عن هذه الأزمة. اتبعت الدراسة المنهج الوصفي والوصفي الارتباطي، وتكونت عينة الدراسة من (N = 500) شابٍّ وشابةٍ، تم اختيارهم بالطريقة العشوائية. واعتمدت الدراسة على التكامل بين المنهجين الكمي والكيفي؛ باستخدام مجموعة من النماذج الإحصائية من خلال الاستعانة ببرنامج الحزم الإحصائية (SPSS) لمعالجة بيانات الدراسة والكشف عن تفاصيلها وتحليل حيثياتها؛ إضافة إلى تحليل مضمون المقابلات التي أجريت مع بعض المبحوثين، واستثمارها في تفسير بعض النتائج. والجدير بالذكر أن المزج بين المنهجيين أدّى إلى استقصاء جملة من النتائج التي تهم مستويات متعددة من البحث؛ سواء تلك التي تهم تحليل وتفسير الأثر الذي مارسه فيروس كورونا (COVID-19) على فئة الشباب من جهة، وكذلك تلك التي همت الكشف عن طرق أو استراتيجيات هذه الفئة؛ لتعزيز قدراتها على التكيف مع تغيرات البيئة الناجمة عن هذه الجائحة.

الكلمات المفتاحية: الاستراتيجيات، الآثار الاجتماعية، الآثار الثقافية، الجيل الجديد، وباء كورونا، الجهات الصحراوية الجنوبية

للاقتباس: سداتي، عبد الخالق. "أثر الجوائح العابرة للقارات على تغير طرق التفكير وأشكال الممارسات اليومية لدى فئة الشباب المغربي: دراسة سوسيولوجية في الجهات الصحراوية الجنوبية"، مجلة تجسير لدراسات العلوم الإنسانية والاجتماعية البينية، المجلد السابع، العدد 2 (2025). https://doi.org/10.29117/tis.2025.0233

© 2025، سداتي، الجهة المرخص لها: مجلة تجسير، دار نشر جامعة قطر. نُشرت هذه المقالة البحثية وفقًا لشروط Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0). تسمح هذه الرخصة بالاستخدام غير التجاري، وتنبغي نسبة العمل إلى صاحبه، مع بيان أي تعديلات عليه. كما تتيح حرية نسخ، وتوزيع، ونقل العمل بأي شكل من الأشكال، أو بأي وسيلة، ومزجه وتحويله والبناء عليه، طالما يُنسب العمل الأصلي إلى المؤلف. https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0

 


 

Publizieren – Why Open Access?Tajseer
Interdisciplinary Studies in
Humanities and Social Science

Submitted: 16 January 2025 | Reviewed: 15 February 2025 | Accepted: 11 July 2025

Research Article

The Impact of Transcontinental Pandemics on Thinking Patterns and Daily Practices among Moroccan Youth: A Sociological Study in the Southern Saharan Regions

Abdelkhalek Sidati https://orcid.org/0000-0002-9751-2891

Professor of Sociology, at the Higher Institute of Nursing Professions and Health Technologies in Laâyoune – Morocco

sidatiab@gmail.com

Abstract

This study aimed to explore the extent of the impact of the major crisis represented by the COVID-19 pandemic on 21st-century youth, through a sample of young people from three regions in southern Morocco: Guelmim–Oued Noun, Laayoune–Sakia El Hamra, and Dakhla–Oued Ed-Dahab. It sought to understand their experiences of the social and cultural changes accompanying the rapid spread of the pandemic, as well as its effects on their thinking, behaviors and the strategies they developed to enhance their adaptive capacities in response to environmental changes resulting from this crisis. The study employed a descriptive and descriptive–correlational methodology. The sample consisted of 500 young men and women selected randomly. The research integrated quantitative and qualitative approaches, utilizing statistical analyses via the Statistical Package for the Social Sciences (SPSS) to process data, reveal patterns, and examine contextual factors, alongside content analysis of interviews conducted with selected participants to interpret specific findings. This mixed-method approach facilitated multi-level inquiry, enabling both the assessment of COVID-19’s impact on youth and the identification of adaptive strategies employed to navigate the environmental challenges imposed by the pandemic.

Keywords: Strategies, Social Impact, Cultural Impact, New Generation, COVID-19 Pandemic, Southern Saharan Regions.

Cite this article as: Sidati, Abdelkhalek. "The Impact of Transcontinental Pandemics on Changes in Thinking Patterns and Daily Practices among Moroccan Youth: A Sociological Study in the Southern Saharan Regions," Tajseer Journal for Interdisciplinary Studies in Humanities and Social Science, Vol. 7, Issue 2 (2025(. https://doi.org/10.29117/tis.2025.0233

© 2025, Sidati, licensee, Tajseer & QU Press. This article is published under the terms of the Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0), which permits non-commercial use of the material, appropriate credit, and indication if changes in the material were made. You can copy and redistribute the material in any medium or format as well as remix, transform, and build upon the material, provided the original work is properly cited. https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0


مقدمة

واجه العالم ولا يزال يواجه خطرًا شديدًا بسبب جائحة كورونا العالمية، التي أرّخت لشهادة ميلادها بأواخر شهر كانون الأول/ديسمبر، هذه الأزمة التي صنفها أغلب العلماء المتخصصين ضمن قائمة أخطر الأوبئة العالمية في تاريخ البشرية وأشدها فتكًا بالإنسان، نظرًا لسرعة انتشاره طبقيًا ومناطقيًا في ظل غياب دواء ناجع لمقاومته والقضاء عليه. وبدأنا نفهم هذا الواقع بوصفه تهديدًا لاستقرار العالم وتقويضًا لترابطه. بصرف النظر عن المنظور الأوسع لـ"أزمة الفيروس التاجي"، تناولت الدراسات الاجتماعية عواقب محددة في مجالات مثل الصحة والعمل والاستهلاك والأسرة والتعليم والاتصالات الاجتماعية والمشاركة السياسية والرضا العام عن الحياة[1]. أمام هذا الوجه السلبي للجائحة، يلزم أيضًا فهم إمكانية النظر إلى أزمة فيروس كورونا على أنها حافز؛ حيث تعمل على تسريع بعض العمليات الاجتماعية، وإنهاء عمليات أخرى. وتكشف عن التوترات، والانقسامات الاجتماعية، وعدم المساواة، واختلال توازن القوى؛ ولكنها تكشف أيضًا عن القدرة على حل المشكلات بشكل فردي وجماعي.

استطاعت أزمة جائحة كورونا ذات التحديات غير المسبوقة في الذاكرة الحية، أن تحتكر لنفسها لقب أول أزمة شملت جميع دول العالم بدون استثناء، في القرن الحادي والعشرين، هذه الأزمة التي أفرزت وضعًا غير مسبوق أدخل العالم فيما يشبه السبات الكوني وحالة الجمود والترقب أمام كائن مجهري لا يعرف الإنسان كيف يحاربه، ما أدى إلى تنوع استجابات الحكومات في كثير من دول العالم المتقدمة والنامية على حد سواء، فأعلن بعضها التباعد الاجتماعي، وحظر التجمعات، وإغلاق أنشطة الأعمال والخدمات غير الأساسية، وإلزام الناس بيوتهم، وإغلاق الحدود، وفرض إجراءات الحجر الصحي. وفي كثير من الحالات، سنَّت الحكومات تشريعات لمكافحة المخاطر البيولوجية وتحقيق الأمن البيولوجي، ووسّعت تدابير المراقبة وأعمال الشرطة؛ من أجل إنفاذ الامتثال للضوابط. وعلى مدار السّنة، تباينت الاستجابات تجاه التدابير المختلفة، فوقعت احتجاجات على إجراءات الإغلاق وحظر التجول، وظهرت في الوقت نفسه تأييدات كبيرة للحكومات التي اتخذت التدابير اللازمة، وانتشرت نظريات المؤامرة حول أصل الفيروس وتدخّل الحكومات، ما ظهرت زيادة كبيرة في الاهتمام العام بفحص الحقائق والمعلومات الدقيقة والمعرفة الطبية. واستمرت الجدالات حول التدابير والاستجابات الحكومية والخاصة في جميع أنحاء العالم؛ خاصةً في سياق السياسة، والمعرفة الصحية، والعائلات والعمل، والنظرية الاقتصادية، والأوبئة في تاريخ الإنسانية، والكساد الاقتصادي في التاريخ البشري.

يعد الانشغال بأشكال المعرفة والنقاش والخطاب حول هذه الموضوعات؛ سبيلًا لفسح المجال أمام تحليل وفهم كيفية رؤية الناس في كل مكان لعالمهم، وخاصةً فئة الشباب، علمًا أن هذا الوضع أثار استجابات أفضت بدورها إلى تغيرات عميقة في السلوك الفردي والجماعي وعلى مستويات التفكير، ومراجعة أسسه؛ سواءٌ فيما يتعلق بالنظرة إلى الذات والغير، وكذا المجتمع والحياة بشكل عام. كما سيكون له وقع أثر كبير على مستوى الممارسات اليومية الاعتيادية بسبب الانقطاعات في صيرورة حركة الحياة اليومية، وبالتالي الانعكاس على الممارسات المعيارية للهوية، والانتماء، والعلائقية، والكينونة.

مشكلة الدراسة

تتمحور مشكلة الدراسة حول تعرف التأثيرات التي أحدثها تفاقم وانتشار وباء كورونا، على البيئتين الاجتماعية والثقافية للمجتمع جنوب المملكة المغربية، وكشف حدود استجابة الفئات الشابة لهذه التأثيرات والتغيرات باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من هذه البيئة الصحراوية؛ بل وطاقة متجددة يمكن أن تستجيب لتداعيات الأزمة بشكل يجعل يحولها إلى عامل للتغيير والتخطيط. لذلك، فالاضطراب الذي أحدثه وباء كورونا، والذي عايشناه بطرق متنوعة في أنحاء متعددة من العالم، ولمسناه بصور مختلفة بحسب الحدود الاجتماعية والاقتصادية، والحدود الحضرية – الريفية والجندرية في بيئاتنا المحلية. يستلزم فهما ممكنا لتجربة الآثار والتغيرات العميقة التي رافقت الانتشار العاصف للجائحة، وانعكاساتها على تفكير وسلوك الشباب في ضوء علاقاتهم الاجتماعية وتمثلاتهم لذواتهم ولمعيشهم اليومي بالجهات الجنوبية.

أهمية الدراسة

تتجلى أهمية الدراسة في أنها تسهم في سد الفجوة البحثية في دراسات تأثير الجوائح العابرة للقارات كما هو حال وباء كورونا، في تفكير وسلوك الشباب المغربي، وتحليل قدرة هذه الطاقة الشابة على إنتاج العناصر الاجتماعية وتطوير استراتيجيات تأثيرية تسهم في تعزيز القدرة على مواجهة تحديات الواقع والمستقيل. تعد هذه الدراسة الأولى من نوعها بالمغرب، حسب علم الباحث، كونها رصدت ظاهرة فتية وحبلى بالمتغيرات، كما استهدف فئة فريدة تستمد "أهميتها" وضرورة مقاربتها من بعدها الرقمي الديموغرافي، وأيضًا من الدور الذي تلعبه في دينامية التحولات الاجتماعية، ليس من المنظور البنيوي فقط؛ بل وأساسا من المنظور التفاعلي الرمزي الذي يبقى وطيد الصلة بالبنيات والسياقات الاجتماعية في بعدها الإكراهي والإلزامي. يمكن أن تزود نتائج هذه الدراسة المؤسسات الأكاديمية بمعلومات يمكن استثمارها لأغراض بحثية أخرى. كما يمكن أن تساعد هذه الدراسة المهتمين بمجال الصحة العامة في الانتباه إلى مراعاة دور النشاط المعرفي في السلوك أثناء تفشي الأمراض والجوائح.

أهداف الدراسة

انطلاقا مما سيق، تهدف الدراسة إلى فهم تأثير جائحة كورونا على تفكير وممارسات الشباب والتعبير عنها، وكيفية التفكير في مستقبلهم، وبناء استراتيجيات تعزز قدرتهم على التكيف مع تغيرات البيئة الناجمة عن هذه الأزمة.

أسئلة الدراسة

وللمضي قدما في التحليل، تطرح الدراسة الأسئلة التالية:

-      كيف أثرت جائحة كورونا العابرة للقارات على تغير طرق التفكير والممارسات في الحياة اليومية لدى الشباب المحلي؟

-      ما تقييم الشباب للآثار الاجتماعية والثقافية لأزمة كورونا على المجتمع المحلي؟

-      هل استطاع الشباب في جهات الجنوب تطوير استراتيجيات فعالة لتعزيز قدراته على التكيف مع تغيرات البيئة الناجمة عن الجوائح عامة وكورنا بشكل خاص؟

فروض الدراسة

تفترض الدراسة الآتي:

-      ما حصل مع أزمة كورونا بجهات جنوب المغرب هو مراجعة جذرية لأنماط التفكير وأدائها، والتعبير عنها في الحياة اليومية من لدن هذا الجيل من الشباب، استنادا إلى ما تعرضت له المرجعية الفكرية السائدة من ارتجاجات قوية وتوقفات أثرت على مسار تشكلها في سياق شرط البيئة الجغرافية أو الاجتماعية الصحراوية جنوب المغرب.

-      كما هو حال أعداد كبيرة من الناس ضمن سياقات اجتماعية أخرى، شمل التغير مقومات التفكير كما شمل المواردَ الثقافية والاجتماعية المعيارية واليومية التي يجري توظيفها في استدامة الهوية.

-      وربما يكون التغيير انفصالا دائما عن مرجعيات التفكير ومعايير السلوك التي تؤطر ماضي الفرد/الشاب (ة).

-      للتغيير تداعيات كبيرة على تكيف الشباب مع البيئة الناجمة عن جائحة كورونا بفضل تطويرهم لاستراتيجيات جديدة، ساهمت بشكل أو بآخر في إعادة بناء العلاقات بالآخرين والتفاعل مع مفاهيمهم عن الذات، وعلى تصورهم للالتزام الأخلاقي برعاية الذات والآخرين والعالم.

أولًا: الإطار النظري والمنهجي الدراسة

اعتمدت الدراسة المنهجين الوصفي والوصفي الارتباطي، باعتبارهما الأكثر ملاءمة للإجابة عن أسئلة الدراسة واختبار فروضها.

ستناقش إمكانية فهم فئة الشباب لجائحة كورونا في إطار مفهوم الأزمة، وذلك بالاستعانة بنظرية "الخطر المدرك" (Perceived Risk Theory)، وهي إحدى النظريات في علم النفس التي تستخدم لفهم كيفية استجابة الأفراد للمخاطر المحيطة بهم. تم تطوير هذه النظرية من قبل العالم النفسي الأمريكي "إرفين جانيس" (Irving Janis) في السبعينيات. تقترح هذه النظرية أن الأفراد يقومون بتقدير المخاطر المحيطة بهم بناء على مدى خطورتها المحسوسة ومواردهم الشخصية والاجتماعية لمواجهة هذه المخاطر. عندما يواجه الأفراد مخاطر محسوسة، يقومون بتقدير مدى الخطورة والتقييم لمعرفة إذا كانت هذه المخاطر تشكل تهديدًا حقيقيًا لهم أم لا. إذا تم تحديد التهديد كخطر؛ فإن الأفراد يبدؤون في البحث عن وسائل للتعامل مع المخاطر والحد منها. هذا النوع من التقييم والاستجابة يتأثر بالعديد من العوامل بما في ذلك السياق الاجتماعي والثقافي والشخصي للفرد.

تطبق نظرية الخطر المدرك، على مجموعة واسعة من المواقف التي تشمل البيئة، والأمن الشخصي، والصحة العامة، لفهم سلوكيات الوقاية من الأمراض، مثل التصرفات المرتبطة بالحماية من الأمراض المعدية كالأوبئة، وكيفية تحفيز الأفراد على اتخاذ إجراءات وقائية بخصوصها. كما تشير نظريات "السلوك والتواصل الصحي التطبيقي" إلى أن إدراك الأفراد للخطر الصحي يؤثر على سلوكهم في المخاطرة أو التجنب عن مصادر الخطر حفاظا على سلامتهم وسلامة المجتمع[2] من الضروري مراعاة أبعاد إدراك الخطر وذلك لفهم كيفية تأثيره على السلوك. تنظر معظم النماذج الحالية للسلوك الصحي إلى إدراك الخطر كبناء يتكون من مكونين فقط؛ كالاحتمال المدرك (Perceived likelihood) والشدة المدركة (Perceived severity). الاحتمال المدرك هو احتمال يحدده الفرد ذاتيا ويرتبط بحدوث نتيجة سلبية تتعلق بسلوكه؛ بينما تمثل الشدة المدركة الدرجة المفترضة للضرر الناشئ عن ا لنتيجة السلبية لسلوك الفرد[3].

في كتابه "الأوبئة والمجتمع: من الطاعون الأسود حتى الوقت الحاضر" يذكر المؤرخ "فرانك إم سنودن" أن الأوبئة مثل فيروس كورونا هي مرآة للبشرية، تعكس العلاقات الأخلاقية التي تربط الناس ببعضهم البعض. ولعل الكشف عن جزءٍ بسيط من انعكاس تلك المرآة على وضعية الشباب الصحراوي جنوب المغرب قبل وأثناء كورونا وما بعد كورونا تخترقها أسئلة في سياق معقد، وأجوبة تتحول في سياق أخر إلى أسئلة. ويبدو أن تفسير الظاهرة التي تنتج عن ذلك التأثر بين الشباب كفاعل جديد والجائحة كعامل تغيير ليس بالسهولة التي قد يتوقعها الباحث الغير المستند إلى نظرية متينة تمكنه من التبصر بالعلل الكامنة وراء الأعمال والمعتقدات أو المواقف الفردية المسؤولة عنها. أي إيجاد تفسير ينسجم مع مجمل المعطيات التي تم تجميعها وهو المعنى الذي تُفيده العملية التي يصفها "ماكس فيبر" (Weber) بـ "الفهم" Compréhension))[4]. فقد تكون على العكس من ذلك حبلى بالتناقضات وتتفرع عنها إشكالات وتكشف عن معطيات مهمة يمكن أن يسهم فهمها- بتحديد مقنع للمبررات والدوافع الفردية المسؤولة عن إحداث الظاهرة بما يسمح بالإمساك بعللها النهائية- بالكشف الفعال في رسم صورة خاصة وملامح محددة لانعكاسات الأزمة الصحية التي خلقتها كورونا على ذهنية الشباب وعالمهم وأثر ذلك كله على تغير أنماط التفكير والسلوك والقيم وبالتالي هوية الشاب الصحراوي جنوب المغرب، وهو أمر نرى أنه لن يتأتى إلا من خلال إظهار مبررات الفاعلين المسؤولين عن الاستجابة لذلك التغير (الظاهرة) ودوافعهم، وبذلك نكون قد استوفينا إلى عللها النهائية، وهو ما نسعى إليه ونتغيا بلوغه في دراستنا الميدانية هاته.

لعل الكشف عن الدوافع والمعاني، يجعل من اعتماد المقاربة الكيفية إضافة إلى الكمية، مسألة لا مناص منها. هذا التعدد المنهجي، سيكون فرصة للاستفادة علميا من التقنيات والأدوات المعرفية التي يتميز بها كل منهج؛ خاصة أن طبيعة موضوع بحثنا الذي يتميز بالغموض والتخفي والتركيب يقتضي أن نكشف ليس فقط عما يفكر به الأفراد؛ ولكن أيضًا لماذا يفكرون فيما يفكرون به، وكيف يتشبثون به. كما أن السلوك الإنساني مرتبط دائما بالسياق الذي حدث فيه، وإن الواقع الاجتماعي لا يمكن خفضه إلى مجموعة من المتغيرات بنفس الأسلوب الذي يحدث في الواقع الطبيعي.

1.     مجتمع البحث

تندرج الجهات الثلاثة التي تستهدفها الدراسة ضمن مجتمع موسع أطلق عليه يعض الباحثون تسمية الصحراء الأطلنتية*. هذا المجال الثقافي الذي يتميز بمؤهلات متنوعة ومتعددة سواء على مستوى تنوع المجال الطبيعي والجغرافي من جهة، أو على مستوى العمق التاريخي الذي بُني بفضل تعاقب ثقافات مختلفة على هذه المنطقة. من هذه البيئة الاجتماعية والثقافية. تكون مجتمع الدراسة من عينة تمثيلية شملت (500) شابٍّ وشابةٍ**. وقد اعتمد المسح الاجتماعي بطريقة العينة بالنظر إلى ما يطمح إليه موضوع الدراسة من فهم وتفسير التغيرات التي لحقت بالمنظومة الفكرية والأخلاقية للشباب المعاصر بالصحراء في ظل جائحة كورونا، وانعكاسه على رسم سمات العلاقة التي تربط هذه الفئة بالثقافة، والمجتمع، والذات، والغير، والهوية، والمستقبل، في أفق الكشف عن وقع كل ذلك على تحول وإعادة بناء هوية الجيل الجديد بمجال الصحراء الأطلنتية عامة. ما يقتضي استحضار البنيات الرمزية من تمثلات، وقيم، وأحكام، وسلوكات، مع النظر إليها كتصرفات يمكن ردها إلى مبررات ودوافع معقولة وقابلة للفهم.

2.     الخصائص الديموغرافية والسوسيو-اقتصادية لأفراد عينة الدراسة للعينة

الجدول (1): التكرارات والنسب المئوية لأفراد العينة حسب متغير الجنس

المتغيرات

الفئة

التكرارات

النسب المئوية

 

الجنس

ذكر

355

%71

أنثى

145

%29

المجموع

500

%100

 

 

العمر

18-19

125

%25

20- 29

235

%47

30-39

140

%28

المجموع

500

%100

 

 

الجهة

 

كلميم -واد نون

95

%19

العيون-الساقية الحمراء

240

%48

الداخلة- وادي الذهب

165

%33

المجموع

500

%100

 

 

المستوى التعليمي

 

ابتدائي

54

%10,8

ثانوي تأهيلي

153

%30,6

جامعي

293

%58,6

المجموع

500

100,0%

 

 

الحالة العائلية

أعزب

355

%71

متزوج

115

%23

أرمل

20

%4

مطلق

10

%2

المجموع

500

100,0%

 

 

الدخل الشهري للأسرة

ما بين 1600 و2500 درهم

135

27%

ما بين 2600 و6000 درهم

220

44%

ما بين 6100 و9000 درهم

100

20%

يتجاوز 9000 درهم

45

9%

المجموع

500

100,0%

المهنة/الوظيفة

الموظفين في القطاع الحكومي

75

15%

ربات البيوت

35

7%

العاطلين عن العمل

56

11,2%

القطاع الخاص

54

10,8%

طلبة الجامعة/المعاهد

144

28,8%

تلاميذ السلك الثانوي التأهيلي

127

25,4%

عامل مياوم

9

1,8%

المجموع

500

100,0%

يتبين من خلال معطيات الجدول (1)، أن فئة "الذكور" جاءت بأعلى تكرار (355) وبنسبة مئوية بلغت (71%)؛ بينما جاءت فئة "الإناث" بأقل تكرار (145) وبنسبة مئوية بلغت (29%).

كما توضح معطيات الجدول نفسه أن الفئة العمرية "20- 29" جاءت بأعلى تكرار (235) وبنسبة مئوية بلغت (47%)، تلتها الفئة العمرية "30-39" بتكرار (140) وبنسبة مئوية (28%)، بينما جاءت الفئة العمرية "18-19" بأقل تكرار (125) وبنسبة مئوية بلغت (25%)؛ مما يوضح أن أغلب أفراد عينة الدراسة من فئة الشباب الذين تقل أعمارهم عن 29 سنةً.

كذلك يظهر من خلال محتوى الجدول (1)، المتعلق بالتكرارات والنسب المئوية لأفراد عينة الدراسة لمتغير "الجهة"، أن جهة العيون- الساقية الحمراء جاءت بأعلى تكرار (240) وبنسبة مئوية بلغت (48%)، تلاته جهة الداخلة-وادي الذهب بتكرار (165) وبنسبة مئوية بلغت (33%)؛ بينما جاءت جهة كلميم-واد نون بأقل تكرار (95) وبنسبة مئوية بلغت (19%): وهو ما يكشف عن كون أغلب أفراد عينة الدراسة ينتمون إلى منطقة الساقية الحمراء.

كما يتضح من خلال مضامين الجدول نفسه، أن المستوى التعليمي "جامعي" جاء بأعلى تكرار (293) وبنسبة مئوية بلغت (58,6%)، تلاه المستوى التعليمي "ثانوي تأهيلي" بتكرار (153) وبنسبة مئوية بلغت (30,6%)؛ بينما جاء المستوى التعليمي "ابتدائي" بأقل تكرار (54) وبنسبة مئوية بلغت (10,8%)؛ وهو ما يكشف أن اغلب أفراد عينة الدراسة من حملة الشهادة الجامعية

كما تبين النتائج المتعلقة بالتكرارات والنسب المئوية لأفراد عينة الدراسة لمتغير الحالة العائلية، أن الحالة العائلية "أعزب" جاءت بأعلى تكرار (355) وبنسبة مئوية بلغت (71 %)، تلتها الحالة العائلية "متزوج" بتكرار (115) وبنسبة مئوية بلغت (23 %)؛ بينما جاءت الحالتين العائليتين "أرمل" و"مطلق" بأقل تكرار (30) وبنسبة مئوية بلغت (6 %): وهو ما يكشف عن كون أغلب أفراد عينة الدراسة ينتمون إلى صنف العزاب.

وتبرز المعطيات المتعلقة بالتكرارات والنسب المئوية لأفراد عينة الدراسة لمتغير الدخل الشهري للأسرة، أن الذين تتراوح مداخيلهم أسرهم الشهرية "ما بين 2600 و6000 درهمٍ" جاء بأعلى تكرار (220) وبنسبة مئوية بلغت (44%)، تلاها فئة من يتراوح دخل أسرهم الشهري "ما بين 1600 و2500 درهمٍ" بتكرار (135) وبنسبة مئوية بلغت (27%)، تليهما عينة من تتراوح مداخيل أسرهم "ما بين 6100 و9000 درهمٍ" بتكرار (100) وبنسبة مئوية بلغت (20 %)؛ بينما جاءت فئة عينة من تتجاوز مداخيل أسرهم الشهرية "9000 درهمٍ" بأقل تكرار (45) وبنسبة مئوية بلغت (9%)، وهو ما يوضح أن مداخيل أسر أفراد العينة تأتي متوسطة على نحو عام.

كما تبين النتائج المتعلقة بالتكرارات والنسبة المئوية لأفراد عينة الدراسة لمتغير المهنة/الوظيفة أو طبيعة الوظيفة أن "طلبة الجامعة/المعاهد" و"تلاميذ السلك الثانوي التأهيلي" جاءتا بأعلى تكرار (271) وبنسبة مئوية بلغت (54,2%)، تليهما طبيعة العمل "الموظفين في القطاع الحكومي" بتكرار (75) وبنسبة مئوية (15%)؛ بينما طبيعة العمل "العاطلين عن العمل" و"القطاع الخاص" جاءتا بتكرار (110) وبنسبة مئوية بلغت (22 %)، تليهما طبيعة العمل "ربات البيوت" بتكرار (35) وبنسبة مئوية بلغت (7%)؛ بينما جاءت كبيعة العمل "مياوم" بأقل تكرار (1,8%) وبنسبة مئوية بلغت (1,8%).

3.     استراتيجية البحث الكمي وتحليل البيانات

لتحليل البيانات والعوامل وكذا المتغيرات والأسئلة التي استخدمت في الاستمارة، تم استخدام برنامج الرزم الإحصائية SPSS) -النسخة 25) من أجل تطبيق التحليل واستخراج النتائج، وخاصة: الإحصاء الوصفي وﻣﻌﺎﻣﻼت الارﺗﺒﺎط وﻣﻌﺎﻣﻼت اﻟﺜﺒﺎت وحساب الفروقات بين الجهات. ولا بد من إجراء عملية التوحيد المعياري للمتغيرات وفقًا لقانون Z-score كلما دعت الضرورة إلى ذلك.

تم اعتماد النماذج الإحصائية الوصفية مثل: التوزيعات النسبية والتكرارية (Frequency and Percentage). والوصفية البسيطة Descriptive Analysis))؛ وذلك بهدف توصيف الجوانب المختلفة ذات العالقة بالظاهرة قيد الدراسة. ثم أسلوب تحليل الانحدار المتعدد "Technique d’analyse de Régression Multiple" لبيان العلاقات بين المتغيرات وتأثير بعضها في بعض، وأسلوب التباين الأحادي الأساسية "Technique d’analyse de la Variance- ANOVA" لبيان مدى جوهرية الفروق الفردية بين فئات شباب الجهات الثلاث.

4.     المنهجية الكيفية

حسب معطيات الجدول (2) تم اختيار ثلاثين مبحوثًا (30) ضمن العينة الإجمالية التي حصرت في مائتي مبحوث، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، وتتراوح أعمارهم بين 18 و39 سنة، منهم إناث، وذلك بهدف إجراء المقابلات معهم، قصد استكمال الثغرات التي يمكن أن تتولد عن الاستبانة.

جدول (2): عينة إجراء المقابلات

العدد

الجنس

السن

الجهة

2

إناث

18

كلميم واد نون

4

إناث

18

العيون-الساقية الحمراء

2

إناث

19

الداخلة- وادي الذهب

4

ذكور

22

العيون-الساقية الحمراء

2

ذكور

25

الداخلة- وادي الذهب

3

أناث

29

الداخلة- وادي الذهب

6

ذكور

36

العيون-الساقية الحمراء

4

إناث

30

العيون- الساقية الحمراء

3

ذكور

39

كلميم- واد نون

30

 

المجموع

إلى جانب المنهجية الكمية وما تقترحه على الباحث من أدوات عمل مهمة، ثمت الاستعانة في الوقت نفسه بالمنهجية الكيفية وأدواتها المتميزة التي تساعد على الإحاطة بالظاهرة الاجتماعية، ذلك أن الإمساك بالمعنى الذاتي والفردي يعسر على أدوات التكميم والقياس، ويصبح أكثر يسرا عندما نوظف تقنيات جمع المعطيات وتحليلها، لذلك، سيتم اعتماد المقابلة الفردية النصف موجهة.

كان الحرص على أن تأخذ هذه المقابلات صيغة فردية؛ نظرًا لما تسمح به من حرية نسبية للمستجوب للتعبير عن آرائه بكيفية تلقائية ومستقلة وفق مرجعية خاصة، بعيدًا عن تأثير باقي المستجوبين عليه. وتأتي الملاحظة المباشرة لتفرض نفسها على كل بحث ميداني نظرًا لما ينتج عنها من تسجيلات لأدق التفاصيل التي تواكب تواجد الباحث في الميدان من سلوكات ومواقف ووقائع، وبمعنى أدق، كل ما يحيط بسياق إنجاز البحث، مما يساعد الباحث في تحليل معطياته. وقد تجسدت هذه التقنية في الميدان من خلال المكوث ساعات طويلة مع شبان المدن المستهدفين في البحث: سواء داخل المقاهي أو في أوراش عملهم وأحيانًا في أزقة الأحياء. وتركزت ملاحظاتنا على ممارساتهم اللغوية وطرقهم في التعبير عن مواقفهم من ذواتهم ومصيرهم ومستقبلهم في ظل أزمة كورونا وبعدها، وفي التعبير عن الإكراهات التي تواجههم في معيشهم اليومي.

ثانيًا. تحليل النتائج ومناقشتها

1.     الأزمة والمعرفة

بمجرد الحديث عن فيروس كورونا في نسخته الأخيرة لعام 2020، تطرح العديد من التساؤلات المحرجة، منها تلك التي تتعلق بطبيعة هذا الفيروس وهويته. يقول البعض بتفاؤل ممزوج بحسرة: "سينتهي هذا الفيروس قبل أن نفهمه"، أو يتوقع آخرون بترقب: "ستأتي الأيام التي نتذكر فيها فيروس كورونا؟"، مما يعكس اعترافنا بعدم تمكننا من الوصول إلى معرفة شاملة عن هذا الوباء.

كثر الحديث منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2020 حول برنامج اللقاحات، وارتكز على افتراض أن زمن كورونا اضطراب مؤقت، سنخرج منه إلى بر الأمان والحياة اليومية الطبيعية في الحركة والسلوك والصحة، بمجرد تلقيح الجميع، وغالبا ما يتجاهل هذا الحديث التقارير المُقلقة حول جدوى اللقاحات أو تأثير الطفرات والسلالات الجديدة من الفيروس. واقع الأمر أننا نشهد أحاديث يومية تزعم (ربما عن حق) أننا فقدنا كل قاعدة معيارية معهودة تتعلق بالحياة اليومية، والتنقل، والحركة، والسفر، والاقتصاد، والعمل؛ لأننا على مشارف مستقبل مجهول نمضي قُدما إليه. ومع ذلك، يتميز كلا الاتجاهين بالنظر إلى زمن كورونا بوصفه انقطاعًا؛ ما أدى إلى ظهور خطابات جديدة عن حالة الاستثناء والطوارئ.

عند إسقاط هذا الخطاب على حالة المجتمع المغربي، نصطدم بخطابين رئيسين في حوار المجال العام يهمان مسألة هوية الفيروس ومستوى معرفة الأفراد والمؤسسات به: الأول شعبوي، يُفترض أنه يمزج بين عدة تمثلات (عقاب إلهي، مؤامرة، نهاية العالم...)، والثاني رسمي لا يرقى بدوره إلى مستوى الخطاب العالِم، فقد تفاجأ بالحدث المباغت؛ فاكتفى بتسخير وسائل الإعلام الرسمية من أجل تقديم أرقام وإحصاءات، بدل تقديم معرفة علمية حول طبيعة الفيروس، وهويته. فهل نقبل بفكرة أن فيروس كورونا المسبب للمتلازمة التنفسية الحادة لا يختلف كثيرًا عن موسم شديد من مواسم الإنفلونزا؟ وهو أمر يبقينا في دائرة لا تبعدنا كثيرًا عن خطاب الفردانية والليبرالية الذي يتسم بالحرص على الضبط والاهتمام، ليس بحفظ أرواح السُّكان؛ بل بحفظ سلوك الأفراد[5]. وهو خطاب بعيد كل البعد عن مرمى تأسيس وتملك المعرفة بالفيروس كسبيل للقضاء عليه. ويتضح هذا الخطاب في التقارير الإخبارية، وفي المناقشات على منصات التواصل الاجتماعي، وفي الإرشادات الرسمية وغير الرسمية، حول طرق تعامل الأفراد والعائلات مع الحياة حتى تستمر.

يتبين مما سبق أن شباب الجهات الجنوبية للمملكة، ليسوا بمنأى عن تأثيرات هذين التوجهين من بناء الخطاب، خاصة على مستوى بناء وعيهم وإدراكهم للأزمة التي حلت بمجتمعهم. فالتغير الذي سيحدثه الفيروس على عدة أصعدة، لا قيمة له على المستوى الرمزي، إذا لم يرافقه نوع من الوعي والمعرفة "بالفاعل". ليكتمل الشعور الفردي بحجم هذا التغير. وهو مدخل مهم لمساءلة الذات الفردية الشابة والاجتماعية معا؛ سواء تلك التي تدعي تملك المعرفة بهذا الفيروس، وبالتالي التكهن بتأثيراته المستقبلية وحدودها، أو تلك التي أدهشها الأمر فلم تستطع أن تجد ضمن بنياتها الذهنية أي مكان لاستيعاب معنى هذا المؤثر أو الوافد الجديد غير المرغوب فيه، فهو الذي دفع بالحكومات إلى سن إجراءات أقل ما يمكن أن تنعت به أنها "اضطراب على المستوى الأنطولوجي"؛ هذا الاضطراب الذي تعددت صوره بين التباعد الاجتماعي، وحظر التجمعات، وإغلاق أنشطة الأعمال والخدمات غير الأساسية، وإلزام الناس بيوتهم، وإغلاق الحدود، وفرض إجراءات الحجر الصحي. إنه بهذا المعنى ضرب لحرية التنقل التي يعتبرها البعض، "مؤشرا للمعاصرة في المجتمع المعاصر، ونمط سائد في كل مكان، ومرغوب في أغلب الأحيان، وبنيةُ شعورٍ ظهرت في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين، وليس من الممكن تغييرها"[6].

وكيفما كان الحال، فما يهم الآن هو تحليل الكيفية التي بها يقارب الشباب معنى ومدلول فيروس كورونا، وهل استطاع هؤلاء الأفراد مراكمة معرفة خاصة بهذا الفيروس؟ لأن من شأن ذلك، كما سبقت الإشارة إليه، أن يسعف في فهم وتفسير تأثيرات الجائحة على أفكار ومشاعر وقيم هذا الجيل الجديد؛ فتمثلاتهم وتصوراته ونظراتهم لهذا المعطى، أو الغريب الأجنبي الذي عبر كل القارات تقريبا، يمكن أن تحدد أساليبا وطرقا واستراتيجيات لكيفية التعاطي معه؛ سواء بالإيجاب أو السلب. من منطلق أن ليس للأزمات، دائما، وجه شيطاني، فقط؛ بل يمكن أيضًا أن نتحدث لها عن وجه ملائكي، أو لنقل فضائل الأزمات! هذا الكلام، يزكيه، إلى حد ما، عالم الاجتماع "استيوارت هول" حين أقر أن الأزمات أقرب إلى فترات تكوينية منها إلى قطيعة تُدمر الماضي، وهو يصف التكوين المثمر في الاستجابة للأزمات بأنه: توازن جديد للقوى، وظهور لعناصر جديدة، وتكوينات سياسية جديدة وفلسفات جديدة، وإعادة صياغة عميقة لأبنية الخطابات الأيديولوجية(...) بما يُبشر بنتيجة جديدة، وتسوية من نوع جديد ضمن حدود معينة[7].

هذا الجانب الأساسي في دراسة المعرفة بالفيروس، ذو أهمية تحليلية على مستوى البحث السوسيولوجي. خاصة أنه يعطي فكرة واضحة عن أفق الاختيارات التي تترجمها الانتظارات والطموحات التي لا تنفصل عن العالم الافتراضي المبني رمزبًا من خلال التمثلات والبناءات القيمية والمعيارية.

لعل ظهور الجيل الجديد من الشباب على معترك ساحة التغيير والمبادرة، في سياق الشرط الصحراوي جنوب المغرب من خلال الدفع بحركة اجتماعية صاعدة؛ جعله في قلب أي تغيير. فهو فضلًا عن كونه، يقاوم ويبحث عن كل السبل للتأقلم مع الوضع الجديد والتكيف مع مختلف التحولات السوسيو-اقتصادية والسوسيو-ثقافية، ناسجًا لنفسه عالمًا ممكنًا من الطموحات والانتظارات ضمن شروط سوسيو-ثقافية جديدة كما سنوضح لاحقًا، وهو ما لمسناه إمبريقيًا لدى العينة المستجوبة من الشباب من كلا الجنسين؛ بناءً على إجاباتهم عن بعض الأسئلة. وأما بخصوص سؤال مستوى المعرفة بفيروس كورونا المستجد فقد جاءت النتائج الآتي:

الجدول (3): التكرارات والنسب المئوية لمستوى المعرفة بالفيروس لدى أفراد العينة

 

منعدمة

متواضعة

متوسطة

جيدة

المجموع العام

التكرار

التكرار

التكرار

التكرار

%

%

%

%

مستوى معرفة المبحوثين بفيروس كورونا المستجد

39

325

115

21

500

7-8%

65%

23%

2-4%

100%

يتبين من خلال معطيات الجدول (3)، أن مستوى المعرفة "متواضع" جاء بأعلى تكرار (325) وبنسبة مئوية بلغت (65%)، تليه مستوى المعرفة "متوسط" بتكرار (115) ونسبة مئوية بلغت (23%)؛ بينما جاء مستويا المعرفة "منعدم" و"جيد" بأقل تكرار (60) وبنسبة مئوية بلغت (12%)؛ ما يفيد أن مستوى معرفة عينة الدراسة بالفيروس كورونا متواضعة على العموم.

ولاستكمال بناء تصور واضح حول موضوع "معرفة العينة بالفيروس كورونا"، تم استهدافهم بسؤال يهم الكيفية التي بها يتمثلون للفيروس، فجاءت النتائج كما يلي:

الجدول (4): المتوسطات الحسابية والانحرافات المعيارية لتمثلات أفراد العينة لفيروس كورونا

الرقم

مستويات التمثل

المتوسط الحسابي

الانحراف المعياري

الدرجة

الرتبة

1

عقاب إلهي

3.17

1.18

متوسطة

3

2

ظاهرة علمية لها أسبابها الخاصة

3.55

1.13

متوسطة

2

3

مؤامرة

4.02

1.04

مرتفعة

1

التمثلات ككل

3.58

1.11

متوسطة

-

يتبين من خلال مضامين الجدول (4) أن تمثل أفراد العينة من الشباب للجائحة: "كمؤامرة" قد جاء بأعلى متوسط حسابي (4,02) وبانحراف معياري بلغ (1,11) وبدرجة مرتفعة. وهذا لا يبتعد عن توجه بعض الجماعات من الناس عن وعي أو عن غير وعي إلى تضخيم نظريات المؤامرة والإشارة إلى قوة شريرة (الصين)، ورغبة الأنظمة العالمية المتحكمة في دواليب السياسة العالمية في تدجين البشر؛ بل وقد أكد بعض المبحوثين ممن أجرى الباحث المقابلة معهم، عن وجه آخر للمؤامرة يتمثل في السعي نحو تقليص عدد سكان الأرض؛ فالتلقيح هو جرعات تتحكم في عمرك. بل منهم من سار بعيدًا في التأويل، فقال إن اللقاحات سوف تحد من اندفاع البشر، واحتجاجهم على ظلم الأنظمة وجورها، فالشخص الذي أخذ تطعيم كورونا، لن يكون له سبيل ولا قدرة على اتخاذ مواقف تعكس إرادة شخصية متفردة، فالأمر أشبه بتدجين قطيع من الحيوانات للتحكم فيه. والبعض علق على موضوع المختبرات التي تعكف على تطوير أو تعزيز فيروس كورونا المتسبب في المتلازمة التنفسية الحادة، ما يمكنها من جني أرباحا طائلة، وفي نفس الوقت تسعى، وفق تخطيط الأقوياء، من أجل السيطرة على العالم، أو من أجل وضع نهاية له.

بينما جاء تمثل أفراد العينة للجائحة "كظاهرة علمية لها أسبابها الخاصة" بمتوسط حسابي (3,55) وبانحراف معياري (1,13) وجاء بدرجة متوسطة. في حين ظل تمثلهم للجائحة "كعقاب إلهي" في الرتبة الثالثة بمتوسط حسابي (3,17) وبانحراف معياري (1,18).

يعيد توجه بعض الشباب إلى التفسير العلمي الميتافيزيقي لظهور المرض بشكل أو بآخر، إلى موضوع غاية في الأهمية، وهو موقع الشباب الصحراوي ضمن أبعاد العلمنة. فالعلمنة بوصفها إيمانًا بإمكانية إصلاح حال الإنسان من خلال الطرق المادية[8]؛ فإن الدين بصفته اعتقادا وممارسة، يساعد الأفراد على تطوير شعور الانتماء للجماعة، ويمدهم بالدعم المعنوي ويزيد من التلاحم والاستقرار الاجتماعي[9]، وهو بهذا الدور الاجتماعي يُبقي الأفراد على الممارسات الدينية دون أن يضمن ذلك بالضرورة المساهمة في تحديث المجتمع، مما يُلزم فصل المجتمع المدني عن المجتمع الديني وحجر الدولة عن ممارسة السلطة الدينية، وهو ما يُعبر عنه باللائكية[10]. ومعنى هذا الكلام أن التفسير الغائي والعلّيّ الميتافيزيقي غالبًا ما نجده متجذرًا بقوة في المجتمعات التقليدية والبيئات المحافظة في عمقها رغم ما مسها من عوامل التحديث كما هو حال مجتمعات الصحراء الأطلنتية مجال الدراسة.

الجدول (5): المتوسطات الحسابية والانحرافات المعيارية لمصادر المعرفة بالفيروس لدى أفراد العينة

الرقم

مصادر المعرفة

المتوسط الحسابي

الانحراف المعياري

الدرجة

الرتبة

1

الأصدقاء

3.49

1.17

متوسطة

3

2

الإنترنت

4.37

1.01

مرتفعة

1

3

المدرسة/الجامعة

4.02

1.04

مرتفعة

2

4

العمل

3.17

1.18

متوسطة

4

المصادر ككل

3.76

1.1

مرتفعة

-

تنوعت مصادر المعرفة بصدد فيروس كورونا واختلفت متوسطاتها الحسابية وانحرافاتها المعيارية. ويتبين من خلال معطيات الجدول (5) أن مصدر "الإنترنت" للتعرف على الفيروس قد جاء بأعلى متوسط حسابي (4,37) وبانحراف معياري بلغ (1,01) وبدرجة مرتفعة، تليه "المدرسة أو الجامعة" بمتوسط حسابي (4,02) وبانحراف معياري بلغ (1,04) وبدرجة مرتفعة، وفي المقام الثالث نجد "الأصدقاء" بمتوسط حسابي (3,49) وبانحراف معياري بلغ (1,17) وبدرجة متوسطة. وأخيرًا مصدر "العمل" بمتوسط حسابي (3,17) وبانحراف معياري بلغ (1,18) وبدرجة متوسطة. ويفهم من هذه المعطيات أن الاهتمام بالشبكة العنكبوتية كان مصدرًا أوليًا ورئيسًا لدى عينة الدراسة لبناء المعرفة بصدد فيروس كورونا التاجي.

خلال تفشي فيروس كورونا، كانت شبكة الإنترنت بمثابة شريان حياة للكثيرين؛ حيث أتاحت لملايين الأشخاص فرصة العمل من البيت، والحصول على النصائح الطبية والبقاء على تواصل مع العالم. لقد وضع الإغلاق الذي فرضه فيروس كورونا اعتمادنا على الإنترنت تحت المجهر، وأبرز عدم المساواة وتأثيره على فرص المرء في المعرفة والحياة. ولعل العلاقة بين "الإنترنت" والشباب اليوم علاقة مؤثرة؛ إذ يؤكد بعض الباحثين أنه "إذا سألت أحدًا من (جيل الإنترنت) عن التكنولوجيا التي يستخدمها؛ فإنه غالبًا ما يحدق فيك باستغراب، ذلك أنه لا يفكر بالتكنولوجيا بحد ذاتها، بقدر ما يركز على الأنشطة التي تمكنه من أدائها"[11].

و وفقًا لنظرية الخطر المدرك التي طورها إرفين جانيس[12]؛ فإن للاتصال والإعلام دور في تشكيل تقديرات الخطر واستجابة الجماعات له. في سياق جائحة كورونا، يتعرض الناس لمعلومات من وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي بشكل مستمر، مما يعزز التوعية بالخطر ويعزز الرغبة في فهمه والتصرف بناء عليه، كما يمكن أن يشكل مدخلا مهما للتعليم والتعلم، في غياب القدرة على ذهاب التلاميذ، والطلبة إلى المكتبات، أو حضور دروس التعليم خلال فترة الإغلاق.

لقد أكد غالبية أفراد العينة ممن تم إجراء المقابلات معهم، أن تجربة التعامل مع "الإنترنت" في هذه الفترة وما بعدها، كانت نموذجية للغاية من نواحٍ عديدة.؛ فالرغبة السريعة والملحة في الوصول إلى الإنترنت، خاصة لدى المتمدرسين من تلاميذ السلك الثانوي والطلبة الجامعيين، تتيح الفرص بقدر ما تشكل تحديًا في مجال المسوح الاجتماعية والاقتصادية. وهناك اهتمام واضح بأنماط جمع البيانات أثناء جائحة فيروس كورونا، ليس بهدف مواكبة الدروس وإنما أيضًا لمراكمة المعلومات حول الفيروس نفسه، وقد عبرت إحدى المبحوثات من مدينة الداخلة عن ذلك بقولها: "لا يمكن القضاء على هذا الفيروس إن لم نُقِم معرفة علمية كافية حوله"*.

إن تنوع مصادر المعرفة بالفيروس لدى عينة الدراسة، وتركيزها بالأساس على "الإنترنت"، تكشف عن مدى الاهتمام الذي يحظى به هذا الموضوع لدى عينة الشباب. لكن ما حدود هذا الاهتمام؟ وكيف يمكن تفسيره؟

الجدول (6): التكرارات والنسب المئوية لحدود الاهتمام بموضوع فيروس كورونا لدى أفراد العينة

 

 

مهتم جدًا

مهتم

مهتم قليلا

غير مهتم على الإطلاق

المجموع العام

التكرار

التكرار

التكرار

التكرار

%

%

%

%

حدود الاهتمام بموضوع كورونا (كوفيد–19) اليوم

242

133

69

56

500

48.4%

26.6%

13.8%

11.2%

100%

حسب معطيات الجدول (6)، يتبين أن "الاهتمام" بموضوع كورونا قد جاء بأعلى تكرار (375) بنسبة مئوية بلغت (75%)، في حين لم يتجاوز تكرار "المهتمين قليلا" (69) بنسبة مئوية بلغت (%13,8) من المهتمين قليلا؛ بينما جاء "عدم الاهتمام على الإطلاق" بأفل تكرار (56) فبنسبة مئوية (11,2%)؛ و وفقًا لـ"إرفين جانيس" (Irving L. Janis)؛ فإن أفراد المجموعة عندما يشعرون أن الخطر محسوس وواقعي؛ فإنهم يميلون إلى تضخيم التقدير للخطر ويركزون على جوانبه السلبية. في حالة جائحة كورونا، يتعرض الناس لمعلومات متكررة عن الخطر الوشيك للإصابة والانتشار، مما يؤدي إلى تقدير مبالغ فيه للخطر، وبالتالي زيادة الاهتمام بالموضوع ورغبة في فهمه بشكل أعمق. ويمثل الاهتمام عنصر رئيسًا لشعور الشباب بالمسؤولية. تتضمن مسؤولية الاهتمام الارتباط العاطفي بالجماعة وحرص الشاب (ة) على سلامتها وتماسكها وتكاملها واستمراريتها وتقدمها وتحقيق أهدافها.

2.     التفكير والممارسات

لم يكن ما جرى خلال فترة الإغلاق الناجمة عن تفشي وباء كورونا واحدا بالنسبة للجميع. فلكل واحد تجربته في هذا الصدد. فالبعض اضطروا للحياة بمفردهم في عزلة كاملة لشهور متصلة، فيما أُرغم آخرون على الحياة لأسابيع مع أسرهم في ظروف اقتصادية واجتماعية متباينة. وقد يكون هناك من رأى في شهور العزلة، تجربة إيجابية وفرصة مُرحبا بها للإبطاء قليلا من إيقاع الحياة وممارسة أنشطة فكرية ورياضية وإنسانية – تطوعية، وغيرها.

بغض النظر عن الشكل الذي اتخذته الحياة في فترة الإغلاق؛ فإن ثمة فرضيتين تطرحان نفسيهما في هذا المقام هما: أن للحياة في هذه الفترة وجها يبدو أن البشر قد اشتركوا فيه جميعا، وهو أن كورونا مثلت عرقلة مفاجئة للترتيبات المعتادة لمعيشتنا ولروتين حياتنا اليومية، على نحو لا يحدث عادة. كما مثلت فرصة ذهبية للتأمل في الذات ومراجعة السوك الفردي وعلاقته بالأغيار من الناس الذين يتقاسم معهم تجربة الوجود والمصير المشترك. فهل سيترك هذا الوقت غير المألوف، تأثيراته على مستوى فكر الأفراد، وسلوكهم، وشخصياتهم في العمق، لا على السطح فحسب؟ وهل يشعر ناس البيئة الجنوبية الآن، وهم يعودون تدريجيا لممارسة حياتهم في عالم مختلف قليلا، أن تفكيرهم وبنياته التقليدية، وسلوكهم، وشخصياتهم تغيرت بعض الشيء؟ وإذا كان ذلك قد حدث؛ كيف سيتكيف تفكير الأفراد وشخصياتهم مع الوضع الناجم عن استئناف التفاعل مع الآخرين؟ يبدو أن هذه الأسئلة دافع قوي للبحث عن الوجه الذي أفصحت أو تفصح عنه نتائج الدراسة الميدانية بخصوصها لدى شباب جنوب المغرب؟

الجدول (7): التكرارات والنسب المئوية للكيفية التي بها تغيرت طرق التفكير بسبب جائحة كورونا لدى العينة

 

 

كيف تغيرت طرق التفكير لديك بسبب كورونا؟

نحو ما هو إيجابي

نحو ما هو سلبي

 

المجموع العام

التكرار

التكرار

النسبة

النسبة

425

75

500

85%

15%

%100

حسب معطيات الجدول (7)، يتبين أن "تغير طرق التفكير نحو الإيجابي* بسبب كورونا" قد جاء بأعلى تكرار (425) بنسبة مئوية بلغت (85%)، في حين لم يتجاوز تكرار "من تغيرت طرق التفكير لديهم نحو ما هو سلبي"** (75) بنسبة مئوية بلغت (15%وقد تكشف المعطيات التي سنأتي على عرضها وتحليلها عن أسباب هذا التأكيد أو ذاك.

من أجل اختبار تماهي أجوبة عينة البحث حول تغير طرق التفكير بعد كورونا، مع تجليات كل من التفكير الإيجابي والسلوك السلبي، كما يستشعره هؤلاء الأفراد في الحياة اليومية كشعور، وقيم، وإحساس، ورغبة. تأتي هذه الخطوة المهمة التي تروم الكشف عن طبيعة تغير التفكير، بحيث يعطي كل فرد من العينة لكل قيمة وإحساس من تلك الواردة في استبيانة الدراسة رقمًا حسب درجة الأهمية واستشعار الأهمية، بحيث تمثل الرتبة (1) أعلى درجات الأهمية والإحساس، والرتبة (2)، أقل درجات الأهمية والإحساس. وقد تم احتساب متوسط الرتبة للقيمة والاحساس: إذ إن تناقض متوسط الرتبة يعطي أهمية أكبر وتزايده يعطي أهمية أقل.

ترتبط هذه القيم والأحاسيس بمفهوم الذات كفكر وشعور. هذا الارتباط الذي يعكس الاهتمام به تقليدا عريقا في العلوم الاجتماعية، كعامل حاسم وضروري في تحديد السلوك الاجتماعي للأفراد وطرق تفكيرهم. وبالرغم من إدراك أهمية تحديد دور بعض متغيرات الدراسة كالسن والجنس والمستوى التعليمي والوضع السوسيو-اقتصادي وغيرها، في ترتيب أولويات هذه القيم والأحاسيس لدى هؤلاء الأفراد من الشباب، إلا أن الدراسة ستكتفي بالإجابة عن السؤال التالي دون غيره: ما ترتيب القيم والأحاسيس من جانب شباب الجهة الثلاث جنوب المغرب؟ وللإجابة تم استخلاص متوسط الرتبة لكل فقرة من فقرات القيم والأحاسيس، مع مراعاة ترتيبها، كما يوضح الجدول رقم (8).

الجدول (8): المتوسطات الحسابية لكل من القيم والأحاسيس التي حصلت عليها عينة الدراسة

#

اللائحة

متوسط الرتبة*

14

الخوف من كل ما هو قادم في المستقبل

11.2

1

السعي إلى الإنجاز (الرغبة في تحقيق إنجازات هائلة)

6.0

12

بناء عالم يطفح بالجمال (جمال الطبيعة والجمال الفني)

10.2

10

بناء عالم تسوده المساواة (الأخوة، تكافؤ الفرص بالنسبة للجميع)

9.8

7

ضمان سلامة الأسرة واستقرارها (العناية بالأقارب والأحباء)

8.2

19

غياب الثبات والصمود في الدفاع عن مبادئك ومعتقداتك

12.1

6

السعادة (الشعور بالفرحة والسرور)

8.1

4

الطمأنينة وراحة البال (خلو النفس من الصراع الداخلي

7.2

5

القدرة على الاستكشاف

7.3

15

سوء التدبير والاستهلاك المفرط

6.4

3

الإحساس بالمسؤولية اتجاه الذات والآخرين

8.6

8

أحظى بتقدير المجتمع (احترام الآخرين لك وإعجابهم بك)

9.0

9

الصداقة الخالصة (علاقات صداقة حميمة)

9.7

2

الحكمة والتعقل (فهم قضايا الحياة فهما سليما وسديدا)

6.2

11

التحكم في النفس (بضبط أعصابه ويحد من جموح النفس)

9.9

16

عدم الرضا بالوضع بالاقتصادي

11.8

17

الرغبة في اعتزال الناس والمجتمع

11.9

18

غياب الاتزان والرزانة

12.00

13

أمن الوطن فوق كل اعتبار (حماية البلاد من الخطر الأجنبي)

10.6

*تزايد الرتبة يعطي أهمية أقل وتناقصها يعطي أهمية أكبر.

يتضح من الجدول (8)، أن أفراد عينة البحث أعطوا القيم والمشاعر المعبرة عن التفكير الإيجابي أعلى الدرجات في مقدمتها: "السعي إلى الإنجاز (الرغبة في تحقيق إنجازات هائلة)"، بمتوسط حسابي (6,00)، تليه في الرتبة الثانية "الحكمة والتعقل (فهم قضايا الحياة فهما سليما وسديدا)"، ثم في الرتبة الثالثة نجد "الطمأنينة وراحة البال (خلو النفس من الصراع الداخلي)"، وهكذا دواليك. ويتضح أن ترتيب التوجهات المعبرة عن التفكير السلبي، لم يبدأ إلا عند حدود الرتبة 14، من خلال الشعور: "الخوف من كل ما هو قادم في المستقبل" بمتوسط حسابي (11.2)، وانتهاء بـ"غياب الثبات والصمود في الدفاع عن المبادئ والمعتقدات" الذي جاء في الرتبة الأخيرة (19)، بمتوسط حسابي (12,1).

تتوافق وتتماهى هذه النتائج بالنتائج السابقة التي تخص تأكيد (85%) من أفراد العينة، بتغير تفكيرهم نحو الإيجابي بعد أزمة كورونا التي ساهمت في ترسيخ هذا التوجه الإيجابي على مستوى تفكير ومشاعر الشباب. ويدعم ذلك ما توصلت إليه الدراسة بخصوص طبيعة الأنشطة والممارسات (السلوكات) اليومية في ظل جائحة كورونا كما هو مبين في الجدول (9) أدناه:

الجدول (9): المتوسطات الحسابية والانحرافات المعيارية للممارسات اليومية الجديدة لدى أفراد العينة في ظل جائحة كورونا

الرقم

الممارسات الجديدة

المتوسط الحسابي

الانحراف المعياري

الدرجة

الرتبة

1

التعبد والمطالعة والرياضة

3.58

1.11

متوسطة

4

2

أعمال التوعية بمخاطر كورونا والتعاون مع المحتاجين ثم المطالعة

4.03

1.06

مرتفعة

2

3

الرياضة والتواصل عبر الميديا والموسيقى

4.08

1.02

مرتفعة

1

4

أعمال التوعية والمطالعة والرياضة

4.00

1.06

مرتفعة

3

الممارسات ككل

3.92

1.33

مرتفعة

-

 

توزعت الممارسات اليومية المتبعة من طرف أفراد عينة الدراسة في ظل الجائحة، بين أربعة أشكال، كما هو مبين في الجدول (9) مع العلم أن الباحث طلب من المبحوثين ذكر ثلاث أشكال من الممارسات على الأكثر. ويتضح من بيانات الجدول، أن "ممارسة الأنشطة الرياضية مع التواصل عبر الميديا والموسيقى" احتلت المرتبة الأولى، فقد جاءت بأعلى متوسط حسابي (4.08) وبانحراف معياري بلغ (1.02) وبدرجة مرتفعة، يليها في المرتبة الثانية من "يمارسون أعمال التوعية بمخاطر كورونا مع أعمال التعاون لفائدة المحتاجين إضافة إلى المطالعة" بمتوسط حسابي (4.03) وبانحراف معياري بلغ (1.06) وبدرجة مرتفعة. في حين أكد جزءٌ من أفراد العينة على "ممارسة أعمال التوعية والمطالعة والرياضة" بمتوسط حسابي (4.00) وبانحراف معياري بلغ (1.06) وبدرجة مرتفعة. في مقابل ذلك لم تستأثر "ممارسة التعبد مع المطالعة والرياضة" سوى باهتمام رابع من حيث الترتيب بمتوسط حسابي (3.58) وبانحراف معياري بلغ (1.11) بدرجة متوسطة؛ يكشف هذا التوزيع للأنشطة والممارسات اليومية عن بعض الملاحظات في مقدمتها أن ممارسة أنشطة الرياضة تكاد تغطي كل المجموعات، ونفس الأمر يقال عن التواصل عبر الميديا، وقد أكد أحدهم* أن ثمة تحول نوعي في سلوكه كما هو الحال بالنسبة لأصدقائه، خاصة فيما يتعلق بممارسة الأنشطة الرياضية؛ فالرياضة قبل الوباء لم تكن ذات أهمية بالنسبة للرفاهية في هذا المجال، فقد كان هو وزملائه يتحركون ويتنقلون، ويمارسون بعض الرياضات كلعب كرة القدم، لكن بشكل غير منتظم، وقد أدى الإغلاق إلى الخمول القسري لهم، ما سيدفع بهم نحو تسطير برامج محددة لممارسة الأنشطة الرياضية داخل المنزل، وأحيانًا، في فترات التخفيف من مراقبة السلطة، يتنقلون إلى الخارج للركض والقيام بتمارين رياضية.

اللافت للانتباه، بناء على هذه النتائج، هو ضعف التعاطي مع الممارسات الدينية (التعبد) خلال ضائقة كورونا، رغم أن الممارسات التعبدية يمكن أن يكون لها دور في مواجهة المشاعر من انعدام الأمن، خاصة بين الشباب الذين ينتمون إلى هذا المجال حيث يعد التدين بالنسبة لهم مصدرًا ثقافيًا أو عاطفيًا أو اجتماعيًا بسبب التنشئة الاجتماعية الدينية المبكرة. ويعبر أحد المبحوثين** عن أهمية الدعاء والصلاة في مثل هذه الظروف الصحية الصعبة، مؤكدا أن "ما أصاب العالم هو نتاج التقصير في العبادة فالناس أصبحوا ماديين أكثر ويتبعون الملذات والشهوات، ولا يتذكرون الله إلا في لحظات ضعفهم". وعندما سألته عن كيف كان يمارس التعبد في هذه الفترة العصيبة، كان جوابه "أن ليس خارج دائرة المتهاونين، إلا أنه يجاهد، ويكافح، من أجل التمسك بالصلاة والدعاء على الأقل داخل المنزل لكون المساجد مغلقة، وقد احتج كثيرًا عن إبقاء المساجد مغلقة لفترة طويلة رغم السماح بفتح المقاهي والمحلات التجارية".

إن ما حصل مع أزمة كورونا، وضع الأفراد أمام اختبارات حقيقية تتطلب قدرات ذهنية، يمكن أن تصيغ أشكالا من التخطيط لتحليلها، واستيعابها، وتحسين سبل التعامل معها. ومن هذه الاختبارات التأثير الكبير سواء على طريقة الاستهلاك، ليس فقط من حيث إجراءات التسوق؛ ولكن أيضًا فيما يتعلق بما نستهلكه وكيف نستهلكه. لقد تم إغلاق مواقع الاستهلاك الثقافي وتحتاج إلى الانتقال إليها عبر الإنترنت؛ ولكن نقل الثقافة عبر الإنترنت بهذه الطريقة ممكن فقط بدرجة محدودة. ومن المرجح أيضًا أن تشهد ممارسات تناول الطعام تحولا، بسبب إغلاق المطاعم والمقاصف وزيادة تناول الطعام في المنزل. ربما يكون الوباء قد غير أيضًا ما يُنظر إليه كاستهلاك أخلاقي، وربما يشكل تحديًا لنشر أنماط الحياة المستدامة[13]. حيث، على سبيل المثال، ارتفع استخدام السيارات، وانخفض استخدام وسائل النقل العام، واستهلاك المواد البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد. ارتفعت. أكثر من أي وقت مضى، ستعتمد أنظمتنا المجتمعية ونوعية الحياة المقابلة لها على إحساسنا بالمسؤولية الاجتماعية، وعلى الثقافة المدنية والسياسية، وعلى الكياسة للتغلب على الجوانب البائسة للأزمة الحالية. في ظل هذه الأمور وغيرها، قد يتساءل المرء عن مدى اختلاف العالم والتفكير والمشاعر قبل الأزمة وبعدها؟ وهو سؤال يرافقه سؤال آخر عن مدى تحقق نسب الاختلاف بالطريقة ذاتها، أم أن للتجارب الشخصية وتأثير الثقافة دور قوي في تفاوتها؟

إن هذا الوجه الإيجابي للتعامل مع الأزمة عموما، الذي كشفت عنه معطيات الدراسة، يتقاطع بشكل مثير للاهتمام، مع ما تناوله بعض الكتاب.[14]. حيث طُلب من المشاركين تحديد الجوانب الإيجابية للوباء. فتم ذكر الكثيرون لفوائد شخصية مثل قضاء وقت جودة مع العائلة، وتباطؤ وتيرة الحياة مما يؤدي إلى اكتساب مهارات ومعرفة جديدة؛ إضافة إلى التحسينات البيئية، وتعزيز العلاقات الاجتماعية. كما استكشفوا التفاعل بين القيم الدفاعية والتقدمية وكيف أثرت الخصائص الاجتماعية والديمغرافية على الرؤى الإيجابية. وأظهر أوهلبريشت (Ohlbrecht) وجيلن (Jellen) في دراسة أخرى[15] كيف كشفت الأزمة عن موارد، مثل التغيير في إدارة الوقت وفرص جديدة للعناية بالنفس.

تعد دراسة أولويات القيم الغائية والوسيلية* لدى الشباب المحلي الصحراوي خطوة مهمة لارتباطها بمفهوم الذات الذي يعكس الاهتمام به تقليدا عريقا في العلوم الاجتماعية، كعامل حاسم وضروري في تحديد السلوك الاجتماعي للأفراد. إلا أن الدراسة قد اقتصرت في تناولها لهذا المعطى على طرح السؤال التالي على المبحوثين: هل قادتك تجربة كورونا إلى تقدير أهمية: ما هو مادي، أم عاطفي، أم علائقي أم ديني؟

الجدول (10): المتوسطات الحسابية والانحرافات المعيارية للقيم المقدرة لدى أفراد العينة في ظل جائحة كورونا

الرقم

القيم المقدرة

المتوسط الحسابي

الانحراف المعياري

الدرجة

الرتبة

1

العلائقي

4.17

1.03

مرتفعة

1

2

المادي

4.00

0.87

مرتفعة

2

3

العاطفي

3.62

1.14

متوسطة

4

4

الديني

3.82

1.04

مرتفعة

3

القيم ككل

3.90

1.02

مرتفعة

-

 

يتضح من بيانات الجدول (10)، أن أفراد عينة البحث أعطوا لقيمة "بناء العلاقات" أولوية بمتوسط حسابي (4.17) وبانحراف معياري بلغ (1.03) وبدرجة مرتفعة، تليها تقدير قيمة ما هو "مادي" بمتوسط حسابي (4.00) وبانحراف معياري بلغ (0.87)، ويأتي تقدير "الديني" في الرتبة الثالثة بمتوسط حسابي (3.82) وبانحراف معياري بلغ (1.04) وبدرجة مرتفعة، غير أن تقدير ما هو "عاطفي" جاء في مرتبة رابعة، بمتوسط حسابي (362) وبانحراف معياري بلغ (1.14). يعزى أمر تقدير ما هو علائقي بحسب أحد المبحوثين* "بالدرجة الأولى إلى تأثير العائلة، والقيم البدوية المحافظة المتوارثة عبر الأجيال، والتي تعتز بالتضامن والعمل على تمريره إلى الأفراد عبر التنشئة الاجتماعية، إذ تحضر قيمة التكافل والتضامن في صدارة القيم والشيم التي ينادي بها جل سكان الجنوب، التي تعد مركزية في سلوك هذا الجيل الجديد في الصحراء".

يكشف تقدير "المادي" بدرجة ثانية في صفوف هذه الفئة، عن توجه عام نحو القيم المادية الذي يشهده العالم ككل. وبالتالي إعطاء الأهمية للاحتياجات الفسيولوجية الأساسية، والتركيز على سبل العيش والأمن المادي والبدني، وهو ما يتعارض مع التغير نحو إيجاد الاحتياجات النفسية، والفكرية، والجمالية التي ترتبط بمرحلة ما بعد المادية. بيد أن ظاهرة المادية وما بعد المادية في المجتمع لا يمكن تبريرها تماما إلا عن طريق وضعها في مسار تاريخي، ومن المؤسف أننا لا نتوفر عن بيانات توضح تطور المعدلات المادية وما بعد المادية في صفوف الشباب بالوسط الصحراوي جنوب المغرب، لكن يمكن أن نحقق ذلك الهدف، من خلال البيانات المتوفرة عن حالة المغرب، بفضل استطلاعات (WVS). ويوضح الجدول (11) تطور المعدلات المادية والمختلطة وما بعد المادية على مدى فترة عشر سنوات[16].

الجدول (11): تطور نسب الماديين والمختلطين والمابعد ماديين داخل المجتمع المغربي

 

الأصناف

سنوات إجراء البحث

 

المجموع

2001

2007

2011

الماديون

38%

51.6%

44.8%

44.8%

المختلطون

54.5%

41.9%

51.6%

%49.2

ما بعد الماديون

7.4%

6.5%

3.5%

5.9%

المجموع

100%

100%

100%

%100

هذا التحول إلى ما بعد المادية يسهم أيضًا في تحول الآليات الذاتية التي من خلالها يقدر الأفراد مشاعرهم بالرفاهية والمبادئ التي ينسبون إليها المعنى على حياتهم. ويبدو أن هذا الكلام، يتوافق إلى حد ما مع ما كشفت عنه الدراسة الميدانية التي أنجزها أحد الباحثين على المجتمع المغربي[17]، والتي تهم بحث تحول قيم المابعد مادية لدى المغاربة، عن التأثير الإيجابي للإحلال السكاني بين الأجيال، على الرغم من حيوية سياسات إعادة التطويع التي لم تتوقف عن مواجهة آثار الحداثة؛ إذ إن حصة الماديين تفوق حصة ما بعد الماديين بنسبة (44.8 %)، مقابل %6. مع ملاحظة كثرة الأشخاص الذين يتخذون خيارات مختلطة (49.2%).

3.     الفصل الاجتماعي وسؤال الهوية في ظل الجائحة لدى شباب جنوب المغرب

إن التعبير عن الهوية كمشكلة، يقوم على الافتراض القائل إن الطريقة التي يعبر بها الفرد عن موضوع معين تصوغ الكيفية التي يفكر بها الفرد في هذا الموضوع ويتخذ قراره بشأنه. لذلك من المفترض مساءلة الشباب عينة البحث عن بعض من المحددات التي تتقاطع بشكل أو بآخر بمستوى هويته في بعدها الفردي وكذا الجماعي؛ بل وحتى الكوني/الإنساني. فقد يكون للأحداث القوية التي عاشها الشباب في السنوات الأربع الأخيرة بسبب أزمة كورونا، وقع أثر كبير على إرساء ملامح هوية جديدة، مختلفة، قليلا أو كثيرًا، عن هويته العرقية زمن ما قبل التطعيم. من حيث إن العرق نوع من أنواع الهوية الاجتماعية القائمة على الجماعة[18]. ولعل هذا الفهم للهوية مهم؛ لأنه يتعلق" بإدراك الناس لأنفسهم، ولما يعتقدون أنه مهم في حياتهم. ويتشكل هذا الفهم انطلاقا من خصائص محددة، تتخذ مرتبة الأولوية على غيرها من مصادر المعنى والدلالة"[19].

تعد "المسافة الاجتماعية" وتأثرها بأزمة (كوفيد–19)، من أبرز القضايا الجوهرية التي أثيرت وتم تداولها خلال جائحة كورونا. وتتضمن مؤشرات المسافة الاجتماعية أسئلة تناولت علاقات الشباب بالذات والأغيار من أبناء المنطقة الذين حصل معهم التفاعل خلال الأزمة. وإذا ما انطلقنا من افتراض كون فالأفراد يحتاجون في مثل هذه الصعاب إلى إقامة صداقات، وإلى وتقوية الروابط الأسرية والعائلية، كما يحتاجون إلى مراجعة صور التعاطي مع الذات؛ فإن اختيار مقياس المسافة الاجتماعية الصادق، والآمن، يجب أن يسأل عن مجموعة من العلاقات التي تنطوي على قدر متفاوت من الاختيارات والبنى، وهذا ما عملت الدراسة على اتباعه في مستواها الميداني، من خلال المقابلات التي أجريت على عينة من الشباب. من بين الأسئلة التي طرحت على أفراد العينة في هذا السياق: كيف تأثرت علاقتك مع الآخرين بسبب الجائحة؟ هل غيرت أزمة كورونا من انطباعاتك حول الناس؟ أضفنا سؤالا آخر للتعرف عن تحقق أو عدم تحقق مظاهر الانسحاب الاجتماعي والعزلة لدى الشباب: أي السلوكين تراه مهما لمواجهة أزمة كورونا؟ الاستقلالية والعزلة، أم التعاون والمشاركة؟ فجاءت النتائج كما يلي:

                                                    

 

الشكل (1): كيفية تأثر علاقة الشباب المبحوث مع الآخرين خلال الجائحة

الجدول (12): التكرارات والنسب المئوية لعلاقة عينة الشباب بالآخرين

كيف تأثرت علاقتك بالآخرين بسبب الجائحة؟

المجموع العام

بشكل سلبي

بشكل إيجابي

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

 

التكرار

التكرار

التكرار

التكرار

التكرار

التكرار

التكرار

التكرار

التكرار

التكرار

%

%

%

%

%

%

%

%

%

%

0

7

8

42

1

13

99

78

98

154

500

% 0

1.4&

1.6%

8.4%

0.2%

0.62%

19.8%

15.6%

19.6%

 30.8%

100

طبقا لهذا المقياس، أظهرت المعطيات المستخلصة من تحليل منحنى كوس في الشكل (1)، أن أغلب المبحوثين يميلون إلى الاعتراف بإيجابية علاقتهم بالآخرين أثناء فترة الجائحة، وحسب معطيات الجدول (12) نجد أن سلم الإقرار بالتأثر الإيجابي للعلاقة مع بالآخرين من جماعتهم الذين تفاعلوا معهم أثناء فترة الجائحة؛ سواء الذين تربطهم بهم علاقات قرابة دموية، أو علاقة جوار، أو صداقة، أفرادا كانوا أو أسرا، يسير صعودا نحو الإيجابي وليس العكس. في هذا السياق، يرى أحد المبحوثين، "أن ربط العلاقة الإيجابية مع الناس وتقديم المساعدة لهم في فترات الشدة، هو جزءٌ من المسؤولية التي تربينا عليها، والتي دعا إليها ديننا الحنيف". ويمثل هذا الإحساس بالمسؤولية تجاه المجتمع ركنا أساسيا في حياة الفرد، يشير "كورليت" (Corlett)[20] أن مصطلح المسؤولية معقد وله استخدامات مختلفة(...)، وتتوفر هذه الخاصية لدى الأفراد القادرون على الاستمرار في أي عمل يكلفون به والذين يمكن الاعتماد عليهم. وذكر "زهران"[21] أن للمسؤولية ثلاثة مستويات مترابطة ومتكاملة: الأولى، مسؤولية فردية (ذاتية)، وهي مسؤولية الفرد عن نفسه وعن عمله. والثانية، مسؤولية اجتماعية، وهي مسؤولية الفرد الذاتية عن الجماعة والشعور بالواجب الاجتماعي والقدرة على تحمله والقيام به. ثم الثالثة، وهي مسؤولية الجماعية، التي تتحملها الجماعة، وهي تدعم المسؤولية الاجتماعية. ووفق هذا التقسيم؛ فإن كلام المبحوث، يدعم المستويين الأولين معا: فالشاب مسؤول عن حماية نفسه من الجائحة، كما أنه يستشعر المسؤولية الملقاة على عاتقه صوب جماعته.

عمومًا، تشهد الروابط الوثيقة والودية قدرا كبيرا نسبيا بين الشباب والآخرين خلال الأزمة. هذا الارتفاع النسبي للخبرة الشخصية في التعامل مع الآخرين هو نوع من الاستجابة الاجتماعية، لكن دون نفي دور العوامل السيكولوجية في ذلك.

لقياس العاطفة أو المشاعر الموجهة من الشباب نحو الأخرين (العائلة وسكان الجماعة التي ينتمون إليها بشكل عام)، طرحنا على شباب عينة البحث السؤال التالي: هل غيرت أزمة كورونا من انطباعاتك حول الناس؟ وهو سؤال فسرنا مضمونه للمبحوثين بالتأكيد على أن مدلول الانطباع، قد يحتمل الإيجاب أو السلب؛ إذ يمكن للأزمة أن تصيب حالة المشاعر الموجهة للغير فتزيد من زخمها أو العكس، وهناك طبعا احتمال آخر؛ حيث تظل المشاعر ثابتة وبالتالي تبقى الانطباعات أيضًا مستقرة لدى الفرد.

الجدول (13): التكرارات والنسب المئوية لأثر الأزمة
على تغير الانطباعات حول الناس

هل غيرت أزمة كورونا من انطباعاتك حول الناس؟

نعم

لا

المجموع العام

التكرار

التكرار

النسبة

النسبة

99

401

500

19.8%

80.2%

100%

الجدول (14): التكرارات والنسب المئوية لأثر الأزمة
على تغير الصورة الذاتية أو المشاعر نحو النفس

 

هل شعرت بتغير في الصورة الذاتية أو المشاعر نحو نفسك؟

نعم

لا

المجموع العام

التكرار

التكرار

%

%

490

10

500

98%

 2%

100%

تكشف مضامين الجدول (13)، أن "نفي تغير انطباعات عينة البحث حول الناس خلال جائحة كورونا"، قد جاءت بأعلى تكرار (401) وبنسبة مئوية (80.2%)، في حين جاء "تأكيد تغير الانطباعات حول الناس" بأقل تكرار (99) وبنسبة مئوية (19.8%)؛ وقد كشفت المقابلات التي أجريت بخصوص تعرف طبيعة هذه الانطباعات عن تأكيد أغلب هؤلاء (من كلا الجنسين، ومن جميع مناطق الجهات الثلاثة)، أن هذا التغير جاء نتاج تأثر نفسيتهم وتغير مزاجهم، بسبب عدم قدرتهم على تحمل الضغط في فترة الحجر الصحي.

في مقابل تغير المشاعر صوب الغير، تم طرح سؤال يهم تغير المشاعر نحو الذات على عينة البحث، فجاءت النتائج معاكسة لما سبق. إذ تكشف معطيات الجدول (14)، أن "تأكيد الشعور بتغير الصور الذاتية والمشاعر نحو الذات بسبب كورونا" جاء بأعلى تكرار (490) وبنسبة مئوية بلغت (98%)، في حين، جاء "نفي الشعور بتغير الصور الذاتية والمشاعر نحو الذات بسبب كورونا" بأقل تكرار (10) وبنسبة مئوية ضعيفة (2%) فقط؛ وقد أفضت هذه النتائج الملفتة للنظر إلى ضرورة تعميق البحث مع بعض المبحوثين من خلال المقابلات التي أجريت؛ حيث تم استخلاص بعض الأسباب التي غيرت من الانطباع والصور الذاتية والمشاعر سواء نحو الذات، والتي يمكن إدراجها مجتمعة في خانة ما هو نفسي. فقد أكد معظم المبحوثين أن مشاعرهم نحو الغير كانت إيجابية في الوقت الذي كانوا يستشعرون انطباعات سلبية نحو ذواتهم؛ حيث ازدياد مظاهر الإحباط بين صفوفهم، وذلك بسبب ظروف الحضر والالتزام بالبيت، وعدم مغادرته، وانقطاع الفرد عن علاقاته المعتادة، وابتعاده عن محيطه الاجتماعي. مما عزز من ظهور حالات الاكتئاب بينهم، كما ازدادت مظاهر القلق من الإصابة بالفيروس وعواقبه، خاصة بسبب تهويل الإعلام الرسمي لحجم الخطورة من الإصابة، والإعلان عن حالات الموت بسبب الفيروس، الأمر الذي ضاعف من مظاهر الخوف من اقتراب الشباب من بعضهم؛ بل إن فقدان بعض الشباب لمصدر قوتهم ساهم في رفع مظاهر الاحتقان وعدم الرضى من الحكومة. وهذا يؤكد شدة الآثار النفسية والاجتماعية التي ترتبت عن انتشار جائحة كورونا على أفراد المجتمع الصحراوي.

الجدول (15): التكرارات والنسب المئوية لقيمة الانفتاح والانغلاق لدى عينة الدراسة كإجراء سلوكي لمواجهة كورونا

أي السلوكين تراه مهما لمواجهة أزمة كورونا؟

الاستقلالية والعزلة

التعاون والمشاركة

المجموع

التكرار

التكرار

%

%

66

434

500

13.2%

86.8%

%100

تكشف نتائج الجدول (15)، عن كون كورونا قد جعلت الناس يميلون إلى اعتبار السلوك التعاوني التشاركي أهم من العزلة والاستقلالية، بنسبة (% 86.8) مقابل (% 13.2). والقول إن الشباب يميلون لا يعني أنهم يطبقون ويجسدون ذلك على أرض الواقع؛ لأن القول بالتطبيق سيتعارض مع النتائج السابقة حيث تبين أن الشباب عبروا عن صعوبات لبلوع التعاون والانخراط المادي والتعاوني على أرض الواقع في ظل الجائحة.

عموما، تحظى الرغبة في التعاون والمشاركة كتعبير عن الروابط الوثيقة والودية بين الناس في هذا المجال الثقافي، بقدر كبير من الاعتبار بين الشباب، وإن غاب التطبيق. هذه الرغبة المتجذرة في البنية اللاشعورية للشباب تكشف عن ذلك الانعكاس للرأسمال الجمعي أو لنقل بلغة بيير بورديو الهابيتوس المنتقل عبر التنشئة الاجتماعية. وهو في جزءٍ منه شرح للكيفية التي بها ينتظم الواقع الاجتماعي للجماعة أو المجتمع الصحراوي.

4.     الثقة في ظل أزمة كورونا

يندرج موضوع البحث في مستوى الثقة لدى عينة الدراسة في سياق بحث التغير الذي لحق بمعطى الرأسمال الاجتماعي في ظل جائحة كورونا.

من أجل تفصيل وتبيان المتغيرات المرتبطة بأبعاد الثقة في المؤسسة: (وزارة الصحة والحماية الاجتماعية ومنظمة الصحة العالمية)، ثم الثقة في الآخرين أثناء انتشار فيروس كورونا. والتي هي ذات الأهمية في قياس رأس المال الاجتماعي عند شباب الجهات المعنية بالدراسة. تم إجراء تحليل العوامل على المتغيرات والأسئلة التي تضمنتها الاستمارة، عبر توظيف برنامج الرزم الإحصائية (SPSS) من أجل تطبيق التحلي ل واستخلاص النتائج.

الجدول (16): الأبعاد الرئيسة والعوامل المرتبطة بها

البعد

العوامل أو المتغيرات المرتبطة به

الثقة

بالآخرين

وضع الثقة في جميع الناس

يجب دائما توخي الحذر

بالمؤسسات

وزارة الصحة والحماية الاجتماعية

منظمة الصحة العالمية

استخدِمَت قيم البعدين المذكورين، اعتمادا على مجموعة من المتغيرات (الفئة العمرية ومستوى الدخل والحرمان النسبي وغيرها، بحسب المطلوب).

يؤكد "كولمان" أن جزءًا مهمًا ومتميزًا من رأس المال البشري؛ إضافة إلى المهارات والمعارف، يرتبط بقدرة الناس على الاجتماع والتواصل فيما بينهم، وهو أمر حاسم الأهمية لكل جانب من جوانب الوجود الاجتماعي. وبدورها تستند قدرة الأفراد على الاجتماع والتواصل إلى مدى اشتراك الجماعات بالقيم والمعايير الأخلاقية ومقدرتها على إخضاع المنافع الشخصية الضيقة للمصالح الجماعية الأشمل. ومن هذه القيم المشتركة تنبع الثقة.

من هذا المنطلق تنبع الأسباب النظرية لتضمين الثقة ضمن مفهوم الرأس مال الاجتماعي، في كون الثقة (بين الأشخاص أو في المؤسسات) تعد عنصرا هاما على اعتبار أنها تعطي إحساسا بالأمن والطمأنينة في العلاقات البينذاتية، وبالرضا من الخدمات المقدمة إليه، وترتبط بالسلوك التعاوني القائم على المعايير المشتركة لأفراد المجموعة[22]. وقد استخدمت في كثير من الدراسات كمعيار تقريبي للرأسمال الاجتماعي. وتصف الثقة الإيمان بالنوايا الطيبة والسلوك المتوقع للآخرين، وتنشأ نتيجة الخبرة المتراكمة في العلاقة مع الآخرين أو نتيجة الآراء المتأصلة اجتماعيًا حول الآخرين. وبالتالي، فهي تعكس توقعات والتزامات متبادلة.

الجدول (17): مؤشرات الثقة بالآخرين أثناء الجائحة عند عينة الدراسة بحسب الجهات

 

جهات الدراسة

 

المجموع %

جهة الداخلة-وادي الذهب

جهة العيون-الساقية الحمراء

جهة كلميم- واد نون

هل أنت متفق مع وضع الثقة في معظم الناس أثناء انتشار المرض أم أنه يجب توخي الحذر في التعامل مع الآخرين؟

يمكن وضع الثقة في معظم الناس

%5.3

%9

6.2%

%20.5

يجب دائما توخي الحذر

%25.5

%35

%19

%79.5

المجموع %

%30.8

44%

25.2%

%100

تظهر معطيات الجدول (17)، أن عينة الدراسة في كل جهة من الجهات الثلاثة، تعتقد أن معظم الناس غير جديرين بالثقة أثناء فترة تفشي الفيروس كورونا؛ حيث إن ما نسبته (79.5%) من مجموع أفراد العينة، أكدوا على ضرورة توخي الحذر في التعامل مع الناس أثناء فترة دروة تفشي المرض، في مقابل (20.5%) من الذين رأوا بإمكانية وضع الثقة في معظم الناس؛ وعند تدقيق النظر في بيانات الجدول، نلاحظ أن نسبة فقدان الثقة في الآخرين ترتفع أكثر عند الفئة الشابة بجهة العيون -الساقية الحمراء (35%)، تليها جهة الداخلة-وادي الذهب بما نسبته (25.5%)، ثم جهة كلميم-وادي نون بنسبة (%19).

تنطبق صورة ضعف مستوى الثقة هذه، إلى حد كبير، على التفاعلات الاجتماعية داخل المجتمع المغربي في الحالات الطبيعية، وتشير المعطيات الميدانية إلى أن المغاربة ينتمون إلى صنف المجتمعات الحذرة والمحترزة. سواء في الدراسة الدولية حول القيم، أو البارومتر العربي[23]، أو البحث المنجز حول الثقافة السياسية في المغرب.[24] ويلخص الجدول (17) أسفله تلك المعطيات (بالنسب المئوية):

الجدول (18): نتائج بعض الأبحاث حول الثقة الاجتماعية في المغرب (بالنسبة المئوية)

 

البحث الدولي حول القيم

البارومتر العربي

البحث حول الثقة السياسية بالمغرب

يمكن وضع الثقة في معظم الناس

13

19.6

16.3

يجب دائما توخي الحذر

87

87.5

82.2

لا أدري

.

1.9

2.5

 

تقود الملاحظة السالفة إلى أن ما غيّر بعمق بعض المجتمعات وحوّر مجرى تاريخها، هو ظهور مجموعات بشرية تعاظمت عندها الثقة بفعل انخراط أفرادها وهم ينتجون شروط وجودهم الاجتماعي، في جملة من القيم المعنوية والأخلاقية، بشكل يسمح لهم بتوقع أن يسلك الآخرون مسلك النظام، والأمانة؛ سواء في الظروف الطبيعية، أو حتى في الفترات الصعبة أثناء الكوارث التي صيب مجتمعاتهم.

عموما، تبقى المجتمعات التي مستها تحولات عميقة على الصعيد الاجتماعي، هي التي تعرف مستويات عالية من مشاعر الثقة، وفي المقابل، تسجل المجتمعات التقليدية أو تلك السائرة على درب التحولات، مستويات متدنية. وتوضح البيانات المعروضة في الجدول (19) ذلك.

الجدول (19): الثقة بحسب المجتمعات (بالنسب المئوية)

 

النرويج

فلندا

الولايات المتحدة الأمريكية

اليابان

إيران

مصر

غانا

يمكن وضع الثقة في معظم الناس

74.2

58.9

39.3

30.9

10.6

18.5

8.5

يجب دائما توخي الحذر

25.8

41.1

60.7

69.1

81.5

81.5

91,5

يُظهر الجدول (19) أعلاه، تفاوتا كبيرا في مجال الثقة الاجتماعية بين الدول المتقدمة والدول السائرة في طريق النمو؛ حيث يلاحظ تدني مستويات هذا المعطى في مصر وإيران وغانا. ويعزى ذلك بالنسبة للمجتمعات التقليدية والمحافظة، بتمركز الثقة في الدوائر العائلية للعلاقات الاجتماعية، وعدم قدرتها على التعالي خارج الأسس الدموية للاجتماع السياسي. ويتضح ذلك كثيرًا في مجال الاقتصاد؛ حيث يحتل الأصهار والإخوة والأقرباء مراكز المسؤولية في المقاولات. أما من ناحية التنمية السياسية، فيشير الباحثون إلى وجود علاقات بين مشاعر الثقة وتكنولوجيا السلطة[25]. فهيمنة فئة اجتماعية قليلة على مراكز القرار، يسهم في انطواء الأفراد والجماعات، وتقهقرهم نحو البنيات الأولية للتفاعل الاجتماعي. وتمنع علاقات السلطة في هذه المنظومات المبنية على الرقابة، بروز أشكال التواصل الكفيلة بالإفصاح عن إمكانات جديدة للاجتماع البشري. وفي السياق الثقافي لمشاعر اللاثقة، يبدو كل فرد كعميل محتمل في نظر أقرانه، ما يحبط كل إمكانات التعاون والبناء المشترك.

يربط "آلان بيرفيت" (Alain Peyrefitte) بين الخزان الثقافي لمشاعر الثقة وقضايا التنمية الاجتماعية والسياسية، ويعتقد أن الإقلاع التنموي يقوم على عوامل سيكولوجية تتجلى في القدرة على تعبئة الاستعدادات المؤسسة للتعاون المشترك مع الغير، ويقول بشكل بليغ:

"إن مجتمع اللاثقة هو مجتمع يهيكله الزوج "رابح - خاسر". ولذلك، يشكل في العيش المشترك لعبة نتيجتها الصفر: "إذا ربحت، فسأخسر". إنه مجتمع الصراع والاجتماع السلبي، تسوده العزلة والحسد الاجتماعي والعدوانية الناتجة عن المراقبة المتبادلة. أما مجتمع الثقة، فهو في تقدم ملحوظ، ويهيكله الزوج: "رابح-رابح"، أي إذا ربحت، فسأربح. إنه مجتمع التضامن المشروع المشترك والانفتاح والتبادل والتواصل"[26].

لا يثني هذا التفسير، بأهميته، عن ضرورة تعميق البحث سعيا وراء مقاربة سؤال مركزي غالبا ما كان يزعج بقوة دوائر المعرفة التي تشتغل على الأسس الثقافية للتفاعل الاجتماعي: لماذا تسود مشاعر اللاثقة في بلد –(المغرب) ومعه مجتمع بحثنا – يشكل فيه الإسلام مسودة للتنظيم الاجتماعي، بتعبير إرنست غلنر (Ernest Gellner)، وتحث فيه الأعراف والقيم الاجتماعية على الإخلاص والوفاء بالوعود والتضامن أثناء الشدائد؟ أيمكن الافتراض أن التنشئة الدينية المتداولة قد أسهمت في طقسنة الإسلام وتلقينه كخطوط حمر عوض تدريب الحس على الامتثال البيداغوجي المتدرج لمبادئه السامية؟ أم أن المنطوق الصريح للأعراف ليس سوى آلية دفاعية لوعي جمعي بئيس ومتفنن في تلميع خادع للذوات والجموع؟

لا نتوفر على المعطيات الكافية للإجابة عن هذا التساؤل الأنثروبولوجي؛ ولكننا في المقابل، سوف نحاول إلقاء بصيص من الضوء على المتغيرات التي ترتبط بها الثقة في الآخرين. وفي هذا الإطار، يعتقد تريانديس (Triandis) أن الحذر الاجتماعي يظل خاصية ميزة للعلاقات الاجتماعية في سياق الندرة والكوارث، فحيث تقل الموارد الضرورية لتلبية الطلب الاجتماعي على إشباع الحاجات الفيزيولوجية، يكثر التنافس بين الأفراد والجماعات، وتقل مشاعر الإخاء وتقدير الذوات ويظهر ذلك بشكل جلي على سبيل المثال في التهافت على اقتناء الحاجيات من الأسواق. وقد حاولنا اختبار هذا الافتراض من خلال دراسة علاقة الثقة الاجتماعية بالمتغيرات الدالة على البؤس الاجتماعي والاقتصادي، وذلك بالتركيز على بعض المتغيرات من قبيل المستوى التعليمي ومستوى الدخل والحرمان النسبي والإحساس بالرفاه الاجتماعي. وقد جاءت النتائج مؤكدة للافتراض السالف الذكر. ويوضح الشكل (2) علاقة الثقة الاجتماعية بالمستوى التعليمي؛ حيث يتضح كلما ازداد المستوى التعليمي إلا وتنقص الثقة الاجتماعية والعكس صحيح.

 

الشكل (2): الثقة الاجتماعية أثناء الجائحة حسب المستوى التعليمي

 

الشكل (3): الثقة الاجتماعية لدى العينة حسب الدخل

كما يوضح الشكل (2) علاقة الثقة الاجتماعية بمستوى الدخل؛ حيث يتضح وجود ارتباط إيجابي بينهما. فكلما ارتفع الدخل، يميل متوسط الثقة في الآخرين إلى الصعود. لا يحيد "انجلهارت" (Ronald Inglehart) عن دور التنمية الاقتصادية في تفسير المستويات المتدنية أو المرتفعة من الثقة المتبادلة، ويعتقد أن الازدهار الاقتصادي يؤدي إلى إشباع الحاجات الأساسية، الأمر الذي ينعكس إيجابًا على الثقة الاجتماعية. وقد لاحظ وجود ارتباط دال بين هذه الأخيرة والدخل القومي الإجمالي حسب الفرد (r =0,55)[27]. غير أنه يعتقد في وجود عوامل أخرى كطبيعة النظام السياسي[28]. كما يثير الانتباه إلى كون الثقة ظاهرة ثقافية ترتبط بتجارب الشعوب وخبراتها، وليست خاصية طبيعية وراثية. ولكنه ينبه، في المقابل، إلى أن مستويات متدنية من الثقة، مقرونة بعوامل أخرى كعدم الرضا عن الحياة، قد تدفع إلى دعم التجمعات السياسية المتطرفة[29]. تسهم هذه البيانات في تذويب الإبهام حول ما إذا كان تدني الثقة لدى شباب جهات الدراسة في فترة الجوائح، كما حال كورونا، يعود إلى انتقال مجتمع عيشهم من التماسك العصبوي إلى التضامن العضوي.

يلزم كذلك إدراج أبعاد أخرى مثل الثقة بالمؤسسات[30]. وتحيل الثقة في المؤسسات مباشرة على مفهوم المشروعية، أي مشروعية المؤسسات المشكلة للنظام السياسي، والمدني، والاجتماعي، والثقافي. فما موقف شباب جهات جنوب المملكة من الثقة في المؤسستين ذات الصلة بموضوع كورونا وهما وزارة الصحة والحماية الاجتماعية ثم منظمة الصحة العالمية؟

تجدر الإشارة إلى ضرورة الأخذ بعين الاعتبار في مستوى التحليل، أن ارتفاع مستوى الثقة في المؤسسات أو ضعفها يتأثر كثيرًا بالسياق الاجتماعي، والثقافي، وكذا بالمناخ السياسي السائد. وتؤدي التنشئة العائلية والمدرسية والسياسية دورا مهما في تكريس قيمة الشعور بالثقة اتجاه المؤسسات لدى الأفراد. 

الجدول (20): الثقة في المؤسسات أثناء الجائحة

 

Rotated Component Matrixa

 

 

Component

المؤسسات العمومية/الوطنية

المؤسسة الدولية

وزارة الصحة والحماية الاجتماعية

0.530

 

منظمة الصحة العالمية

 

0.790

 

Extraction Method: Principal Component Analysis.

Rotation Method: Varimax with Kaiser Normalization.

 

a. Rotation converged in 3 iterations.

تُظهر بيانات الجدول (20)، أن الثقة في المؤسسات تندرج تحت عاملين اثنين. يمكن أن نسمي العامل الأول الثقة في المؤسسة العمومية الوطنية، ويتعلق الأمر وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، في حين يشمل العامل الثاني الثقة في المؤسسة الدولية أي الثقة في منظمة الصحة العالمية (L'OMS).

 

الشكل (4): عدم الثقة في مؤسسة وزارة الصحة والحماية الاجتماعية

 

الشكل (5): عدم الثقة في منظمة الصحة العالمية

أظهرت المعطيات المستخلصة من تحليل منحنى كوس في الشكلين (4 و5)، أن أغلب عينة البحث تميل إلى نزع الثقة خاصة من الأرقام التي تقدمها مؤسسة وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، ونفس الشيء بالنسبة لمنظمة الصحة العالمية، بخصوص حالات الإصابة بالفيروس وحالات التعافي منه، وغيرها من المعطيات، وكذلك من اللقاح الذي ثم إجبار أغلب الناس على أخذه. فمؤشر الثقة يعرف انخفاضا واضحا. هذا يكشف عن درجة عالية من الشك والقلق لدى سكان الجهة وخاصة الشباب فيما يتعلق بتعاطي المؤسستين الصحيتين الوزارة ومنظمة الصحة مع إجراءات الحماية والوقاية والعلاج من الفيروس. وعندما يتعلق الأمر بوزارة الصحة والحماية الاجتماعية؛ فإن الأمر في اعتقادنا يعكس وجها آخر من عدم رضا المواطنين بمنطقة الدراسة عن الاستراتيجية التي بها يتم تدبير الأزمات والمعضلات الصحية من طرف القطاعات الوصية بمختلف أشكالها.

الجدول (21): علاقة عدم الثقة في وزارة الصحة والحماية الاجتماعية أثناء الجائحة بحسب بعض المتغيرات

 

عدم الثقة في وزارة الصحة والحماية الاجتماعية

عدم الثقة في وزارة الصحة والحماية الاجتماعية

Pearson Corrélation

1

Sig. (2-tailed)

 

N               

500

المستوى الاقتصادي الذاتي

Pearson Corrélation

0.165*

Sig. (2-tailed)

0.043

N

500

المستوى الدراسي

Pearson Corrélation

**0.146

Sig. (2-tailed)

0.02

N

500

تعرض معطيات الجدول (21)، علاقة مؤشر عدم الثقة في وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، أثناء الجائحة لدى عينة الدراسة، ببعض المعطيات السوسيوديموغرافية (المستوى الاقتصادي الذاتي والمستوى الدراسي). وتكشف في المستوى الأول، عن وجود علاقة موجبة ودالة إحصائيا بين المستوى الاقتصادي الذاتي والتموضع على مؤشر عدم الثقة في الوزارة. وقد بلغ معامل ارتباط بيرسون لهذه العلاقة r= -0.165 عند مستوى دلالة P<0.05. ويفيد ذلك، أنه كلما ارتفع المستوى الاقتصادي الذاتي، إلا وازدادت الثقة في هذه المؤسسات. وفي مستوى ثاني، تبين المعطيات المدرجة في الجدول ()، وجود علاقة موجبة وذات دلالة إحصائية بين المستوى الدراسي والتموضع على مؤشر عدم الثقة في وزارة الصحة، إذ بلغ معامل ارتباط بيرسون لهذه العلاقة r= 0.146 عند مستوى دلالة P<0.05، مما يعني أنه كلما ارتفع المستوى الدراسي عند المبحوثين إلا وتعاظمت الثقة في هذه المؤسسة.

الجدول (22): علاقة عدم الثقة في منظمة الصحة العالمية أثناء الجائحة بحسب بعض المتغيرات

 

عدم الثقة في منظمة الصحة العالمية

عدم الثقة في منظمة الصحة العالمية

Pearson Corrélation

1

Sig. (2-tailed)

 

N                

500

المستوى الاقتصادي الذاتي

Pearson Corrélation

0.61*

Sig. (2-tailed)

0,037

N

500

المستوى الدراسي

Pearson Corrélation

0.166**

Sig. (2-tailed)

0,020

N

500

تبين معطيات الجدول (23) الذي يقارب علاقة مؤشر عدم الثقة في منظمة الصحة العالمية أثناء جائحة كورونا ببعض المعطيات السوسيوديموغرافية لعينة البحث، عن وجود علاقة موجبة ودالة إحصائيا بين المستوى الاقتصادي الذاتي والتموضع على مؤشر عدم الثقة في المنظمة، وقد بلغ معامل ارتباط بيرسون لهذه العلاقة r= -0,162 عند مستوى دلالة P<0,05، ويفيد ذلك أنه كلما ارتفع المستوى الاقتصادي الذاتي إلا وازدادت الثقة في المنظمة. كما توضح المعطيات المدرجة في الجدول وجود علاقة موجبة وذات دلالة إحصائية بين المستوى الدراسي والتموضع على مؤشر عدم الثقة في المنظمة. إذ بلغ معامل ارتباط بيرسون لهذه العلاقة r= 0,166 عند مستوى دلالة P<0,05، مما يعني أنه كلما ارتفع المستوى الدراسي عند المبحوثين إلا وتعاظمت الثقة في منظمة الصحة العالمية.

5.     حدود المشاركة الاجتماعية

الجدول (23): متوسطات النشاطات أو مبادرات التطوعية لمساعدة المجتمع على التعامل مع أثار جائحة كورونا

التحليل الوصفي للبيانات الاجتماعية

 

عدد المشاركين (N)

الحد الأدنى

الحد الأقصى

المتوسط الحسابي

الانحراف المعياري

توعوية

500

0.00

2.00

0.0750

0.34637

مادية

500

0.00

2.00

0.0750

0.34637

عدد الحالات الصالحة

500

 

 

 

 

تظهر المتوسطات المدرجة في الجدول (23)، أن انخراط عينة البحث في أو مبادرات التطوعية لمساعدة المجتمع على التعامل مع أثار جائحة كورونا ضعيف. سواء من الناحية التوعوية أو المادية؛ وهو استنتاج يفيد، أن شباب المحلي لم يتملك بعد ثقافة التعاون والانخراط في المجتمع المدني، ولم يستوعب بعد فضائل ثقافة التطوع والتعاون، ولم يستدمجها في صلب بنياته الذهنية. هكذا، لا يمكن الحديث عن تشكل مفهوم للمجتمع المدني، إلا إذا وضعناه في سياقه وبعده التاريخي، كما هو الشأن في العديد من الدول الإفريقية.

أما الاستفسار عن تقييم الشباب المستجوبة في كلا الجهات لدورهم الشخصي في تعزيز التواصل الاجتماعي، ودعم الأخرين، وعن دورهم في إطلاق مبادرات ثقافية، أو اجتماعية، لتعزيز التواصل، وتنمية الوعي بمخاطر الفيروس خلال فترة الأزمة. فقد أبانت النتائج عن ضعف المبادرات والتواصل لتحقيق تلك الغايات، وقد عبر بعض الذين أجريت المقابلات معهم أن السبب لا يعود إلى غياب الرغبة، وإنما يرجع السبب بالدرجة الأولى إلى سببين رئيسين هما:

-      ضعف الإمكانات المادية؛

-      ضعف أو انعدام التأطير في مجال العمل التطوعي والجمعوي بهذه المناطق؛

6.     الآثار الاجتماعية والثقافية

أحدث انتشار فيروس كورونا العديد من الآثار في النواحي الاجتماعية وتغيير العادات السائدة بين المجموعات والأفراد؛ حيث أحدث ما يمكن أن نسميه التحول الجذري في أسس الحضارة الإنسانية والعادات والتقاليد الشخصية، نتيجة الإغلاق الاجتماعي ونتيجة التباعد الاجتماعي الذي بات أداة مهمة في مواجهة المرض[31].

وقد وجدت دراسة أجراها "أوسترهوف وآخرون"[32]، أن التأثير الاجتماعي لكورونا يظهر في مدى الوعي بأهمية الصحة العقلية والاجتماعية، والقناعة بتطبيق إجراءات التباعد الاجتماعي، كما أن هناك تأثيرات على السلوك الصادر من الأفراد من حيث انتشار القلق، وتفاوت مستويات الانتماء الاجتماعي لدى الأفراد، وهو ما أحدث تفاوتا في تبني المسؤولية الاجتماعية بزيادة التباعد الاجتماعي.

بالعودة إلى نتائج الدراسة الميدانية، جرى استخراج المتوسطات والانحرافات المعيارية للآثار الاجتماعية والثقافية لأزمة كورونا، كما هو مبين في الجدول التالي:

الجدول (24): المتوسطات الحسابية والانحرافات المعيارية للآثار الاجتماعية والثقافية لأزمة كورونا

الرقم

الآثار الاجتماعية والثقافية لأزمة كورونا

المتوسط الحسابي

الانحراف المعياري

الدرجة

الرتبة

1

زاد الاعتقاد بتأثير الجائحة على العلاقات الاجتماعية والثقافية في المجتمع المحلي

4.37

1.01

مرتفعة

1

2

تأثير جائحة كورونا على القيم والتقاليد الثقافية في المجتمع المحلي كان سلبيا

3.22

0.94

متوسطة

3

3

تأثير جائحة كورونا على القيم والتقاليد الثقافية في المجتمع المحلي كان إيجابيا

4.31

1.07

متوسطة

2

التأثير ككل

3.96

1.00

مرتفعة

-

 

يتبين من خلال معطيات الجدول (24)، أن "ازدياد الاعتقاد بتأثير الجائحة على العلاقات الاجتماعية والثقافية في المجتمع المحلي"، قد جاء بأعلى متوسط حسابي (4.37) وبانحراف معياري بلغ (1.01) وبدرجة مرتفعة، يليه "تأثير جائحة كورونا على القيم والتقاليد الثقافية في المجتمع المحلي كان إيجابيا" بمتوسط حسابي (4.31) وبانحراف معياري (1.07) وبدرجة مرتفعة، في مقابل ذلك، تأتي في المرتبة الثالثة "تأثير جائحة كورونا على القيم والتقاليد الثقافية في المجتمع المحلي كان سلبيا" بمتوسط حسابي (3.22) وبانحراف معياري (0.94) وبدرجة متوسطة؛ وتكشف هذه المعطيات عن مدى تأثير الجائحة القوي، في نظر أفراد العينة من الشباب، على العلاقات الاجتماعية والثقافية في المجتمع الصحراوي. كما توضح، أن أفراد العينة، يرجحون كفة التأثير الإيجابي عن كفة التأثير السلبي الذي أحدثه الوباء على قيم المجتمع وثقافته. رغم أن هناك دراسات أبانت عن التأثيرات الاجتماعية السلبية لك والمؤسسات، لأفراد والجماعات والمؤسسات؛ حيث أشارت دراسة "موهلو وآخرون"[33]، إلى تزايد معدلات السلوك الإجرامي وانتشار الجريمة بسبب الإجراءات المفاجئة وغير التقليدية للتباعد الاجتماعي، والخوف من العدوى، والأغلاق الكامل للأماكن العامة، وقيود التجمعات وإغلاق الأنشطة الاقتصادية، كلها عوامل أدت إلى انتشار الجريمة في المجتمع. إضافة إلى تزايد حالات العنف المختلفة خاصة العنف في نطاق الأسرة وحدوث حالات من سوء المعاملة[34]. عبر أحد المبحوثين* عن التأثير الإيجابي لكورونا على قيم المجتمع الصحراوي وثقافته، مشيرًا إلى أن "المغاربة معروفون بقيم التضامن والوحدة، التي تظهر أثناء الأزمات، من تضامن وعطاء وكرم ونكران الذات" وإيجابية كورونا في أنها أعادت إحياء تلك القيم وأكدت عن وجودها في البنية اللاشعورية للفرد الصحراوي، وكجزءٍ من هويته الجماعية". وعن التأثيرات السلبية تعلق إحدى المبحوثات**: "لقد سمعنا عن كون كورونا ولدت مظاهر عنف داخل الأسر، كما رافق ذلك سلوكات مشينة ومخلة بالحياء العام والأمن، من سرقات واغتصابات، وغيرها، إلا أننا والحمد لله، لم يشهد مجتمعنا الصحراوي مثل تلك المظاهر؛ لأننا متخلقون بالفطرة، نحن مجتمع محافظ ومتدين، وهو أمر يقوينا ويمدنا بالحصانة الأخلاقية".

تكشف هذه المعطيات والتحليلات، أن هذه النظرة التشخيصية التفاؤلية لانعكاسات كورونا السوسيو-ثقافية على المجتمع الصحراوي، لا تلغي وجود مسافة احترازية تفترض وجود تأثيرات وتداعيات سلبية لا تقل خطورة عن تلك التي أشار إليها الباحثون، إذا ما افترضنا كذلك أن كل المجتمعات لم تسلم من غضب الفيروس وحدته، إنْ على الصعيد المعنوي وكذلك المادي. وهذا أمر يستدعي دراسة خاصة في هذا الموضوع.

7.     استراتيجيات التكيف مع تغيرات البيئة الناجمة عن جائحة كورونا

لتعرف الاستراتيجيات التي تبناها الشباب عينة الدراسة بهدف التكيف مع تغيرات البيئة الناجمة عن جائحة كورونا، فقد جرى استخراج التكرارات والنسب المئوية لطبيعة الاستراتيجيات* المعتمدة من لدن عينة الدراسة، كما يوضح الجدول (25):

الجدول (25): التكرارات والنسب المئوية لاستراتيجيات التكيف مع تغيرات البيئة الناجمة عن جائحة كورونا

 

 

لمساعدتك ومساعدة الناس في للتكيف مع التحديات الناجمة عن جائحة كورونا، ما الاستراتيجيات التي اتبعتها؟

استراتيجيات الدعم المجتمعي

استراتيجيات الدعم النفسي

هما معا

 

 

المجموع العام

التكرار

التكرار

التكرار

%

%

%

341

95

64

500

%68.2

%19

%12.8

100%

حسب معطيات الجدول (24)، يتبين أن "استراتيجيات الدعم المجتمعي" قد جاءت بأعلى تكرار (341) بنسبة مئوية بلغت (%68.2)، تليها "استراتيجيات الدعم النفسي" بتكرار (95) وبنسبة مئوية بلغت (19%)، في حين جاء "اعتمادهما معًا" بتكرار (64) وبنسبة مئوية بلغت (12.8 %) ؛ ويفهم من ذلك، أن عينة الشباب تميل إلى الحلول التي تتأسس على ما هو اجتماعي أكثر منها نفسي؛ بمعنى أن الذات الفردية تستقي الأمان، والحلول من البيئة الاجتماعية، وتؤمن بجدواها وبفاعليتها، وليس من القدرات النفسية الذاتية. وتجب الإشارة إلى وجود العديد من العوامل التي تؤدي إلى ظهور فروق فردية في بناء استراتيجيات ملائمة لمواجهة الخطر. تؤدي كلا من الشخصية، مستوى الكفاءة الذاتية، مركز الضبط، الأسلوب المعرفي، والخبرة[35].

يبدو أن اعتماد الأسلوب الاستراتيجي المزدوج، كان ضعيفا مقارنة بالاجتماعي الخالص؛ فاعتماد الخبرة الذاتية في تقييم المنفعة وعمليات اتخاذ القرار، واعتماد مجموعة من الاستراتيجيات الذهنية، لفهم عالم غير مؤكد يقتضي في نظر هؤلاء، استهداف ما هو اجتماعي بالدرجة الأولى. فتقدير ما هو نفسي وما يرتبط به من مشاعر الطمأنينة والهدوء والسكينة، إنما ترتبط بمستوى متقدم من المطالب، التي تنادي بها الفئات التي حققت مستوى عال من الرفاه الاقتصادي والاجتماعي، بعد أن حققت إشباعا ماديا وتجاوزت قاعدة هرم ماسلو، ويتعلق الأمر بالمجتمعات المابعد تعاقدية. بيد أن مناطق الجنوب كغيرها من مناطق المغرب، لم يحقق أفرادها مستوى جيد من الرفاه المادي، كما بينت الدراسة عند قياس مستوى الدخل الأسري لدى عينة البحث.

إذا كان تعزيز التواصل الاجتماعي والثقافي مهما في تحقيق التكيف والتعايش في ظل جائحة كورونا؛ فإن بلوغ تلك الغاية في ظل ظروف حياتية صعبة بسبب الوباء، وما رافقه من ظروف احترازية، يجعل من توظيف التكنولوجيا، ووسائل التواصل الاجتماعي منفذا أو قناة لتسهيل تحقيق ذلك. بيد أن هذا التوظيف للميديا عموما، لا يتحقق لدى الأفراد والمجتمعات بالنسب ذاتها، لاعتبارات عدة في مقدمتها، عدم توفر كل الأفراد والأسر على تغطية متاحة لشبكة "الإنترنت"، لا سيما في تلك الفترة من تفشي وباء كورونا. في هذا السياق، تم طرح سؤال توظيف التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي من أجل تعزيز التواصل الاجتماعي والثقافي، فجاءت النتائج كما يلي:

الجدول (26): التكرارات والنسب المئوية لاستخدام التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي
 
للمساهمة في تعزيز التواصل الاجتماعي والثقافي خلال الجائحة

 

هل استخدمت التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي للمساهمة في تعزيز التواصل الاجتماعي والثقافي خلال الجائحة؟

نعم

لا

المجموع العام

التكرار

التكرار

%

%

366

134

500

73.2%

 26.8%

100%

حسب معطيات الجدول (26)، يتبين أن "استخدام التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي للمساهمة في تعزيز التواصل الاجتماعي والثقافي خلال الجائحة" جاء بأعلى تكرار (366) بنسبة مئوية بلغت (%73.2)، في حين أن "عدم استخدام التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي للمساهمة في تعزيز التواصل الاجتماعي والثقافي خلال الجائحة" جاء بتكرار (134) وبنسبة مئوية بلغت (26.8%)؛ وهذا يفيد بوضوح، أن عينة الدراسة قد اعتمدت بشكل كبير على توظيف التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي للمساهمة في تعزيز قيم التواصل الاجتماعي والثقافي داخل المجتمع المحلي في ظل ظروف جائحة كورونا.

تتقاطع هذه النتيجة مع ما تؤكده أحدث المؤشرات، أن أكثر من نصف إجمالي سكان العالم أصبحوا يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي، بفضل أزمة فيروس كورونا، بحسب تقرير ديجيتال 2020 الصادر في يوليو 2020 عن (Data Reportal)، بالتعاون مع (Social Are We)، وشركة "هوتسوت". ويكشف تحليل البيانات في التقرير، أن (3.96) مليار شخص صاروا يستخدمون اليوم وسائل التواصل الاجتماعي، بما يمثل حوالي %51 من سكان العالم؛ بفضل وجود أكثر من (376) مليون مستخدم جديد منذ يوليو 2019، وهو ما يشير إلى أن أعداد المستخدمين تنمو اليوم بشكل أسرع مما كانت عليه في بداية عام 2020. وهذا المعطى ينم عن كون فضاءات التواصل الاجتماعي باتت جزءًا لا يتجزأ من سلوكنا اليومي.

يمكن تفسير سلوكيات المستخدمين، في ظل جائحة كورونا، من خلال نظرية "الاستخدامات والإشباعات"، التي تعتبر من أهم نظريات العالم الجديد المتعلقة بالجمهور، و"تقوم هذه النظرية على أن المتلقي يقوم باستخدام وسائل العالم المختلفة؛ لإشباع لرغباته الكامنة لديه، ولتلبية دوافعه النفسية، أو الاجتماعية أو المعرفية. وبالتالي يعبر استخدام أفراد عينة الدراسة لوسائل الإعلام، وفق الفروض النظرية، عن حاجاته التي الاجتماعية، أو المعرفية، وبالتالي يستطيع دائما تحديدها، ويشارك بفعالية من خلالها في عملية الاتصال الجماهيري[36]. وتؤكد هذه النظرية أن جمهور الإعلام الجديد هو في الأساس جمهور ناشط، ويقوم باستخدامها. بشكل رئيس إشباع احتياجاته النفعية والطقوسية، والإشباعات الاجتماعية والتوجيهية[37].

8.     مستقبل الشباب

يشير زلسكي (Zaleski)[38] إلى أن أكثر ما يثير القلق لدى الأفراد هو المستقبل؛ بل إن غياب القدرة على تحديد معالم مستقبلهم يشعرهم بالإحباط والقلق على ذواتهم، ووجودهم، وعلى علاقاتهم بالآخرين. ويرى زهران[39]، أن عالم الشباب يحتاج إلى فهم عميق، ولكي تفهم الشباب وعالمهم، لا بد أن تفهمه من وجهة نظر الشباب أنفسهم، ومن واقع إطارهم المرجعي. ولقد ساهمت التغييرات التي جاءت مع جائحة كورونا في خلق فرص غير مسبوقة لمساءلة الشباب بالجنوب المغربي لمستقبلهم ولطموحاتهم، وبالتالي تكوين صورة عن مستقبلهم. فما الصورة التي يحملها هذا الشباب عن مستقبله؟

الجدول (27): المتوسطات الحسابية والانحرافات المعيارية لآثار الجائحة على مسارات الحياة المستقبلية لدى الشباب

الرقم

تأثير الجائحة على مسارات الحياة المستقبلية

المتوسط الحسابي

الانحراف المعياري

الدرجة

الرتبة

1

مع كورونا انعدمت فرص جديدة مستقبلية للشباب جنوب المغرب

4.31

1.01

مرتفعة

2

2

أصبح الأفق غير واضح بخصوص فرص العمل

4.52

1.34

متوسطة

1

3

غياب أفق واضح لمجتمع إدماجي للشباب

4.29

1.30

متوسطة

3

4

تضاءلت فرص الشباب في بناء مستقبل أفضل

4.15

1.22

مرتفعة

4

5

سيتغير دور الشباب في المجتمع بعد انتهاء الجائحة نحو الأحسن

3.08

1.06

متوسطة

6

6

تم اكتساب الخبرات التي ستؤثر إيجابًا على مسار الحيا المستقبلية

3.11

1.07

متوسطة

5

التأثير ككل

3.91

1.16

مرتفعة

-

يتبين من الجدول (27)، أن "أصبح الأفق غير واضح بخصوص فرص العمل" قد جاءت بأعلى متوسط حسابي (4,52) وبانحراف معياري بلغ (1.34) وبدرجة مرتفعة، تليه "مع كورونا انعدمت فرص جديدة مستقبلية للشباب جنوب المغرب" بمتوسط حسابي (4.31) وبانحراف معياري بلغ (1.01) وبدرجة مرتفعة، في حين جاءت "غياب أفق واضح لمجتمع إدماجي للشباب" بمتوسط حسابي (4.29) وبانحراف معياري بلغ (1.30) وبدرجة مرتفعة؛ بينما جاءت" تضاءلت فرص الشباب في بناء المستقبل أفضل" بمتوسط حسابي (4.15) وبانحراف معياري بلغ (1.22) وبدرجة مرتفعة، ويأتي "تم اكتساب الخبرات التي ستؤثر إيجابًا على مسار الحيا المستقبلية" بمتوسط حسابي (3.11) وبانحراف معياري بلغ (1.07) وبدرجة متوسطة، لتبقى في المرتبة الأخيرة "سيتغير دور الشباب في المجتمع بعد انتهاء الجائحة نحو الأحسن" بمتوسط حسابي (3.08) وبانحراف معياري بلغ (1.06) وبدرجة متوسطة، في حين جاء التأثير الكلي للجائحة على مستقبل الشباب عينة البحث بمتوسط حسابي (3.91) وبانحراف معياري بلغ (1.16) وبدرجة مرتفعة. مما يؤكد على عمق الآثار الذي تركته جائحة كورونا على مستوى مستقبل الشباب بالجهات الجنوبية الثلاث للمملكة، ولا سيما فيما يتعلق بزيادة الإحساس بانسداد آفاق الشباب وشعورهم القاتل بعدم الجدوى وما يواكب من الشعور بانعدام الفرص الجديدة للمستقبل، ما يولد الاعتقاد بالفشل داخل معترك الحياة التي تطلب منهم اليوم الكثير. وفي إطار غياب أفق لمجتمع إدماجي، يمكنهم من تحقيق رغبتهم في الرقي المادي والرفاه الذي يتطلبه مجتمعهم وثقافتهم. ولعل هذا الفشل يتعارض جوهريا مع فكرة المستقبل، فالعديد من الدراسات توصلت إلى وجود علاقة جدلية بين المستقبل والنجاح في العمل، وتحقيق الذات، والإمكانيات الكامنة، والنجاح في العلاقات مع الآخرين.

ثالثًا: النتائج والتوصيات

1.     النتائج

توصلت الدراسة إلى مجموعة من الاستنتاجات، التي كانت ذات موضوعية نسبية، ينسحب عليها ما ينسحب على نتائج العلوم الاجتماعية من قابلية للمراجعة؛ فإننا نعتقد أنها استنتاجات جديرة بالانتباه، وأيضًا يستحق بعضها بحوثًا مستقلة يحفر فيها بشكل أكثر عمقًا.

باستقراء نتائج الدراسة، اتضح أن استجابة أفراد العينة لمحاور الاستبيانة، جاء منسجمًا في العديد من النقط التي تهم تأثير جائحة كورونا على تغير نمط التفكير، وإعادة تشكل السلوك في سياق الشرط الصحراوي المعاصر. فما هي أهم النتائج والأفكار التي ساعدت في عملية التفسير والفهم؟

في مستوى أول: سعيًا نحو الكشف عن تمثلات عينة الدراسة لفيروس كورونا، وتقييم المعرفة به. يتبين أن مستوى المعرفة بالفيروس جاء بالدرجة الأولى" متواضعا" على العموم، إذ جاء بأعلى تكرار (325) وبنسبة مئوية بلغت (65%).

-     كشفت نتائج الدراسة في سياق بحثها عن الكيفية التي بها يتمثل أفراد العينة من الشباب جائحة كورونا، أن التوجه كان يميل إلى اعتبارها "مؤامرة" بأعلى متوسط حسابي (4.02) وبانحراف معياري بلغ (1.11) وبدرجة مرتفعة.

-     بينما جاء تمثل أفراد العينة للجائحة "كظاهرة علمية لها أسبابها الخاصة"، بمتوسط حسابي (3.55) وبانحراف معياري (1.13) وجاء بدرجة متوسطة، في حين ظل تمثلهم للجائحة "كعقاب إلهي"، في الرتبة الثالثة بمتوسط حسابي (3.17) وبانحراف معياري (1.18).

-     تنوعت مصادر المعرفة بصدد فيروس كورونا لدى أفراد العينة، واختلفت متوسطاتها الحسابية، وانحرافاتها المعيارية. ويتبين أن الاهتمام بالشبكة العنكبوتية كان مصدرًا أوليًا ورئيسًا لدى عينة الدراسة لبناء المعرفة بصدد فيروس كورونا التاجي، بأعلى متوسط حسابي (4.37) وبانحراف معياري بلغ (1.01) وبدرجة مرتفعة.

-     استأثرت كورونا باهتمام الشباب، بأعلى تكرار (375) بنسبة مئوية بلغت (75%).

في مستوى ثان؛ فإن بحث مسألة تأثير كورونا على تفكير وممارسات جيل الشباب المحلي، أفضى إلى تبين أن كورونا قد تغيرت طرق التفكير لدى عينة الدراسة نحو الإيجابي، بأعلى تكرار (425) بنسبة مئوية بلغت (85%). كما عبر عموم أفراد عينة البحث، عن تشكل مشاعر وتوجهات قيمية في صفوفهم بعد أزمة كورونا، تعكس في جوهرها نوعا من هيمنة التفكير الإيجابي بأعلى المتوسطات الحسابية، في مقابل تدني المتوسطات المعبرة عن التفكير السلبي.

وقد توزعت أنشطة المبحوثين اليومية خلال الجائحة بين أربعة أشكال من الممارسات: في المرتبة الأولى، نجد ممارسة الأنشطة الرياضية مع التواصل عبر الميديا والموسيقى بأعلى متوسط حسابي (4.08) وبانحراف معياري بلغ (1.02) وبدرجة مرتفعة. في المرتبة الثانية، تأتي ممارسة أعمال التوعية بمخاطر كورونا مع أعمال التعاون لفائدة المحتاجين إضافة إلى المطالعة، بمتوسط حسابي (4.03) وبانحراف معياري بلغ (1.06) وبدرجة مرتفعة. في المرتبة الثالثة، تحضر ممارسة أعمال التوعية والمطالعة والرياضة، بمتوسط حسابي (4.00) وبانحراف معياري بلغ (1.06) وبدرجة مرتفعة. في المرتبة الرابعة، نجد ممارسة التعبد مع المطالعة والرياضة، بمتوسط حسابي (3.58) وبانحراف معياري بلغ (1.11) بدرجة متوسطة؛ يكشف هذا التوزيع للأنشطة والممارسات اليومية عن بعض الملاحظات في مقدمتها أن ممارسة أنشطة الرياضة تكاد تغطي كل المجموعات، ونفس الأمر يقال عن التواصل عبر الميديا، والملفت للانتباه، بناء على هذه النتائج، هو ضعف التعاطي مع الممارسات الدينية (التعبد) خلال ضائقة كورونا، رغم أن الممارسات التعبدية يمكن أن يكون لها دور في مواجهة المشاعر من انعدام الأمن، خاصة بين الشباب الذين ينتمون إلى هذا المجال؛ حيث يُعد التدين بالنسبة لهم مصدرًا ثقافيًا أو عاطفيًا أو اجتماعيًا بسبب التنشئة الاجتماعية الدينية المبكرة.

-     يعطي أفراد العينة الأولوية "لبناء العلاقات"، بمتوسط حسابي (4.17) وبانحراف معياري بلغ (1.03) وبدرجة مرتفعة، تليها تقدير قيمة ما هو "مادي" بمتوسط حسابي (4.00) وبانحراف معياري بلغ (0.87)، ويأتي تقدير "الديني" في الرتبة الثالثة بمتوسط حسابي (3.82) وبانحراف معياري بلغ (1.04) وبدرجة مرتفعة، غير أن تقدير ما هو "عاطفي" جاء في مرتبة رابعة، بمتوسط حسابي (362) وبانحراف معياري بلغ (1.14).

-     تشهد الروابط الوثيقة والودية قدرا كبيرا نسبيا بين الشباب والآخرين خلال الأزمة. هذا الارتفاع النسبي للخبرة الشخصية في التعامل مع الآخرين، هو نوع من الاستجابة الاجتماعية. لكن دون نفي دور العوامل السيكولوجية في ذلك.

-     لم تتغير انطباعات عينة البحث حول الناس خللا جائحة كورونا، فقد جاء هذا النفي بأعلى تكرار (401) وبنسبة مئوية (80.2%)، في حين جاء تأكيد تغير الانطباعات حول الناس بأقل تكرار (99) وبنسبة مئوية (19.8%).

-     تأكيد الشعور بتغير الصور الذاتية والمشاعر نحو الذات بسبب كورونا" جاء بأعلى تكرار (490) وبنسبة مئوية بلغت (98%)، في حين، جاء نفي الشعور بتغير الصور الذاتية والمشاعر نحو الذات بسبب كورونا بأقل تكرار (10) وبنسبة مئوية ضعيفة (2%) فقط.

-     يعتبر السلوك التعاوني التشاركي، أهم من العزلة والاستقلالية في نظر عينة الدراسة. فقد عبرت بنسبة (% 86.8) عن ذلك، مقابل (% 13.2). وقد تبين أن ذلك لا يعني أن الشباب يطبقون ويجسدون ذلك على أرض الواقع؛ لأن القول بالتطبيق سيتعارض مع النتائج السابقة حيث تبين أن الشباب عبروا عن صعوبات لبلوع التعاون والانخراط المادي والتعاوني على أرض الواقع في ظل الجائحة.

-     ضعف الثقة الاجتماعية لدى شباب الجهات الثلاثة، فما نسبته (79.5%) من مجموع أفراد العينة، أكدوا على ضرورة توخي الحذر في التعامل مع الناس أثناء فترة دروة تفشي المرض، في مقابل (20.5%) من الذين رأوا بإمكانية وضع الثقة في معظم الناس. وقد تم تسجيل نوع من التباين في ضعف الثقة حسب متغير الجهة: (فقدان الثقة في الآخرين ترتفع أكثر عند الفئة الشابة بجهة العيون -الساقية الحمراء (35%)، تليها جهة الداخلة-وادي الذهب بما نسبته (25.5%)، ثم جهة كلميم وادي نون بنسبة (%19)).

-     أغلب عينة البحث تميل إلى نزع الثقة في مؤسسة وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، ونفس الشيء بالنسبة لمنظمة الصحة العالمية. وتساهم بعض المتغيرات السوسيو ديموغرافية في بناء هذا الرفض: إذ تبين وجود علاقة موجبة ودالة إحصائيا بين المستوى الاقتصادي الذاتي والتموضع على مؤشر عدم الثقة في الوزارة. وقد بلغ معامل ارتباط بيرسون لهذه العلاقة r= -0.165 عند مستوى دلالة P<0.05. إضافة إلى وجود علاقة موجبة وذات دلالة إحصائية بين المستوى الدراسي والتموضع على مؤشر عدم الثقة في وزارة الصحة، إذ بلغ معامل ارتباط بيرسون لهذه العلاقة r= 0.146 عند مستوى دلالة P<0.05، كما تبين وجود علاقة موجبة ودالة إحصائيا بين المستوى الاقتصادي الذاتي والتموضع على مؤشر عدم الثقة في منظمة الصحة العالمية، وقد بلغ معامل ارتباط بيرسون لهذه العلاقة r= -0.162 عند مستوى دلالة P<0.05؛ إضافة إلى وجود علاقة موجبة وذات دلالة إحصائية بين المستوى الدراسي والتموضع على مؤشر عدم الثقة في المنظمة. إذ بلغ معامل ارتباط بيرسون لهذه العلاقة r= 0.166 عند مستوى دلالة P<0.05،

-     ضعف الانخراط في المبادرات التطوعية لمساعدة المجتمع على كيفية التعامل مع أثار جائحة كورونا؛ سواء من الناحية التوعوية أو المادية؛ وهو استنتاج يفيد أن الشباب المحلي لم يتملك بعد ثقافة التعاون والانخراط في المجتمع المدني، ولم يستوعب بعد فضائل ثقافة التطوع والتعاون، ولم يستدمجها في صلب بنياته الذهنية.

في مستوى ثالث؛ فإن بحث الآثار الاجتماعية والثقافية لأزمة كورونا، كشف عن تشكل اعتقاد لدى شباب عينة الدراسة بازدياد تأثير الجائحة على العلاقات الاجتماعية والثقافية في المجتمع المحلي، الذي جاء بأعلى متوسط حسابي (4.37) وبانحراف معياري بلغ (1.01) وبدرجة مرتفعة، كما استوعب التأثير الإيجابي لجائحة كورونا على القيم والتقاليد الثقافية في المجتمع المحلي، بمتوسط حسابي (4.31) وبانحراف معياري (1.07) وبدرجة مرتفعة.

في المستوى الرابع؛ فإن دراسة استراتيجيات التكيف مع تغيرات البيئة الناجمة عن جائحة كورونا لدى العينة، أبانت عن ميل الشباب إلى ترجيح كفة "استراتيجيات الدعم المجتمعي" التي جاءت بأعلى تكرار (341) بنسبة مئوية بلغت (%68.2)، تليها "استراتيجيات الدعم النفسي" بتكرار (95) وبنسبة مئوية بلغت (19%)، في حين جاء "اعتمادهما معًا" بتكرار (64) وبنسبة مئوية بلغت (12.8 %).

كما يتبين أن "استخدام التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي للمساهمة في تعزيز التواصل الاجتماعي والثقافي خلال الجائحة"، جاء بأعلى تكرار (366) بنسبة مئوية بلغت (%73.2)، وهذا يفيد بوضوح، أن عينة الدراسة قد اعتمدت بشكل كبير على توظيف التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي للمساهمة في تعزيز قيم التواصل الاجتماعي والثقافي داخل المجتمع المحلي في ظل ظروف جائحة كورونا.

في المستوى الخامس والأخير، الذي يستهدف بحث أثر كورونا على مستقبل شباب جنوب المغرب، فقد يتبين أن الإقرار بعدم وضوح الأفق بخصوص فرص العمل لدى الشباب، قد جاءت بأعلى متوسط حسابي (4.52) وبانحراف معياري بلغ (1.34) وبدرجة مرتفعة، يليه إدراك الشباب لتأثيرات كورونا على تغييب الفرص الجديدة المستقبلية للشباب جنوب المغرب، بمتوسط حسابي (4.31) وبانحراف معياري بلغ (1.01) وبدرجة مرتفعة، في حين تأكيد غياب أفق واضح لمجتمع إدماجي للشباب قد حضي بمتوسط حسابي (4.29) وبانحراف معياري بلغ (1.30) وبدرجة مرتفعة؛ بينما جاء تأكيد تضاؤل فرص الشباب في بناء مستقبل أفضل بعد كورونا، بمتوسط حسابي (4.15) وبانحراف معياري بلغ (1.22) وبدرجة مرتفعة، ويأتي تبني فكرة كون كورونا قد زودت الشباب بالخبرات التي ستؤثر إيجابًا على مسار الحياة المستقبلية، بمتوسط حسابي (3.11) وبانحراف معياري بلغ (1.07) وبدرجة متوسطة؛ بينما يضعف تفاؤل الشباب في تغير دوره في المجتمع بعد انتهاء الجائحة نحو الأحسن، إذ جاء بمتوسط حسابي (3.08) وبانحراف معياري بلغ (1.06) وبدرجة متوسطة، في حين جاء التأثير الكلي للجائحة على مستقبل الشباب عينة البحث بمتوسط حسابي (3.91) وبانحراف معياري بلغ (1.16) وبدرجة مرتفعة.

2.     التوصيات

لقد أعطانا علم الأوبئة مؤشرات واضحةً نسبيًا حول كيفية الدفاع عن أنفسنا ضد فيروس كورونا كمجتمع، وأعطانا الطب الأدوات اللازمة للوقاية منه، وعلاجه جزئيًا على أساس فردي. ومع ذلك، يجب أن تتماشى هذه الإنجازات مع الفهم العام للتهديد، وتطبيق التدابير الوقائية، والمرونة، والصبر، والتعاون. هذه مهام نفسية؛ إلى حد كبير.

يبدو أن ما يزال ينقصنا في المعركة ضد الوباء هو الفاعلية، التي تأتي من استيعاب تأثير الجائحة على الأفراد؛ خاصةً الشباب، وكيفية استجابتهم له. فالتعبئة المجتمعية والامتثال لخطة عقلانية توافقية لا يمكن أن تتحقق إن لم نستطع، وبشكل علمي، فهم وإدراك عمق الأثر الذي سببه الوباء على هذه الفئة من المجتمع وغيرها من الفئات الأخرى. هذا هو الفضاء الذي يتقاطع فيه علم الاجتماع مع علم النفس الاجتماعي والمجتمعي، وعلم نفس الإعلام، والتربية الصحية، وعلم النفس السريري، والاقتصاد السلوكي، وغيرها. علاوة على ذلك؛ فإن هذا المجال مشبع بمجموعة من التحديات الأخلاقية والمعنوية.

وفي حين أن البحث أمر بالغ الأهمية؛ فإن الفائدة الاجتماعية الحقيقية تأتي من العمل، وتطبيق المعرفة المتراكمة ونقل هذه الحكمة إلى صناع القرار والسياسيين. وينبغي للسياسات العامة أن تستفيد من التعاون مع الخبراء، وعلماء الاجتماع، والممارسين على أساس منتظم. وقد شهدنا ارتفاعًا في عدد العلماء (الاجتماعيين) كخبراء ومثقفين عامين في أزمة كوفيد.

المراجع

أولًا: العربية

الحلو، كلير. "مواقع التواصل الاجتماعي وأثرها على الحالة النفسية للطالب الجامعي: دراسة مقارنة متعدّدة الدول". المجلة الدولية للدراسات التربوية والنفسية 3، ع2 (2018)، ص235-268. https://doi.org/10.12816/0048161

زهران، حامد عبد السلام. علم النفس الاجتماعي. القاهرة: عالم الكتاب، 2000.

سداتي، عبد الخالق. الشباب والمؤسسات في الصحراء، إشكالية الفاعل والنسق في ظل التحول الثقافي وبروز الهويات الجديدة. الرباط: مطبعة برانت مروة، 2021.

عماد، عبد الغني. الهوية والمعرفة، المجتمع والدين، علم اجتماع المعرفة: الاتجاهات الجديدة والمقاربات العربية. بيروت: دار الطليعة، 2017.

غدنز، أنتوني. علم الاجتماع. ترجمة فايز الصياغ. بيروت: المنظمة العربية للترجمة، 2005.

المسيري، عبد الوهاب. العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة. القاهرة: دار الشروق، 2002.

البارومتر العربي (موقع إلكتروني) 02/03/2024: http://www.arabbarometer.org/ar/

ثانيًا: الأجنبية                                                                                                                                          

Reference

al-Ḥulw, klyr. "mawāqiʻ al-tawāṣul al-ijtimāʻī wa-atharuhā ʻalá al-ḥālah al-nafsīyah llṭālb al-Jāmiʻī : dirāsah muqāranah mtʻdddh al-Duwal" (in Arabic). al-Majallah al-Dawlīyah lil-Dirāsāt al-Tarbawīyah wa-al-nafsīyah, Vol. 3, No. 2 (2018), pp. 235-268. https://doi.org/10.12816/0048161

al-Misīrī, ʻAbd al-Wahhāb. al-ʻAlmānīyah al-juzʼīyah wa-al-ʻalmānīyah al-shāmilah (in Arabic). Cairo: Dar al-Shuruq, 2002.

Arab Barometer (Website). March 2, 2024. Accessed September 14, 2025. http://www.arabbarometer.org/ar

Boons, F., et al. "Institut de la consommation durable; Manchester: Covid-19, évolution des pratiques sociales et transition vers une production et une consommation durables." Version 1.0 (Mai 2020).

Bourquia, Rahma. Culture politique au Maroc: à l’épreuve des mutations. Paris: L’Harmattan, 2011.

Breakwell, Glynis M. The Psychology of Risk, Cambridge: Cambridge University Press, 2nd ed., 2014.

Brewer, Marilynn B. "Ingroup Identification and Intergroup Conflict: When Does Ingroup Love Become Outgroup Hate?" In: Richard D. Ashmore, Lee Jussim & David Wilder (eds.), Social Identity, Intergroup Conflict and Conflict Resolution. New York: Oxford University Press, 2001. pp. 17-41. https://doi.org/10.1093/oso/9780195137422.003.0002

Brewer, N. T., et al. "Meta-analysis of the Relationship between Risk Perception and Health Behavior: The Example of Vaccination." Health Psychology. Vol. 26, No. 2 (2007), pp. 136-145. https://doi.org/10.1037/0278-6133.26.2.136

Campbell, A. M. "An increasing risk of family violence during the Covid-19 pandemic: Strengthening community collaborations to save lives," Forensic Science International: Reports, Vol. 2 (2020), pp. 1-3. https://doi.org/10.1016/j.fsir.2020.100089

Chakraborty, I., & P. Maity. "COVID-19 outbreak: Migration, effects on society, global environment and prevention." Science of the Total Environment, Vol. 728 (2020), pp. 1-7. https://doi.org/10.1016/j.scitotenv.2020.138882

Corlett, J. A. Responsibility and Punishment, Dordrecht: Springer, 4th ed., 2013. https://doi.org/10.1007/978-94-007-0776-4

DataReportal. "Digital 2020: July Global Report." AReportal on SlideShare (July 2020), p. 58. Accessed March 5, 2024. https://bit.ly/3jmEi6x

Fukuyama, Francis. La confiance et puissance: Vertus sociales et prospérité économique. trad. Pierre-Emmanuel Dauzat. Paris: Plon, 1997.

Gaube, S., et al. "The Concept of Risk Perception in Health-Related Behavior Theory and Behavior Change." In: M. Raue, B. Streicher & E. Lermer (eds.), Perceived Safety: A Multidisciplinary Perspective. Switzerland: Springer, 2019. https://doi.org/10.1007/978-3-030-11456-5_7.

Giddens, Anthony. Sociology (in Arabic). Trans. Fāyiz alṣyāgh. Beirut: al-Munaẓẓamah al-ʻArabīyah lil-Tarjamah, 2005.

Grasso, M., et al. "L’impact de la crise du coronavirus sur les sociétés européennes. Qu’avons-nous appris et où allons-nous à partir de maintenant? Introduction au tome COVID." European Societies, Vol. 23, No. 1 (2021), pp. S2–S32. https://doi.org/10.1080/14616696.2020.1869283

Hall, Stuart. "The Great Moving Right Show," Marxism Today, Vol. 23, No. 1(1979), pp, 14-20. https://doi.org/10.1515/9781478002413-020

Houard, Jean & Marc Jacquemain. Capital social et dynamique régional. Bruxelles: Deboek Université, 2006.

Hougua, Ben Ahmed. Culture politique et action protestataire au Maroc: Incidences des facteurs culturels sur la disposition à la protestation chez les Marocains (2001-2011). Thèse de doctorat en sciences politiques.

ʻImād, ʻAbd al-Ghanī. al-huwīyah wa-al-maʻrifah, al-mujtamaʻ wa-al-dīn, ʻilm ijtimāʻ al-Maʻrifah : al-Ittijāhāt al-Jadīdah wa-al-muqārabāt al-ʻArabīyah (in Arabic). Beirut: Dār al-Ṭalīʻah, 2017.

Inglehart, Ronald. La transition culturelle dans les sociétés industrielle avancées. Paris: Economica, 1993.

Janis, Irving L. Groupthink - Psychological Studies of Policy Decisions and Fiascoes, Boston: Hougton Mifflin Company, 1982.

Krajewski, M. et al. "The bright side of the crisis. The positive aspects of the COVID-19 pandemic according to the Poles," European Societies, Vol. 23, No. S1 (2021), pp. S777-S790. https://doi.org/10.1080/14616696.2020.1836387

Macey, David. "Rethinking Biopolitics, Race and Power in the Wake of Foucault," Theory, Culture & Society, Vol. 26, No. 6 (2009), pp. 186-205. https://doi.org/10.1177/0263276409349278

Mohler, G. et al., "Impact of social distancing during COVID-19 pandemic on crime in Los Angeles and Indianapolis," Journal of Criminal Justice, Vol. 68 (2020). pp. 1-7. https://doi.org/10.1016/j.jcrimjus.2020.101692

Oblinger, Diana and James Oblinger, Educating the Net Generation. New York: Educause, 2005.

Ohlbrecht, H., & J. Jellen. "Unequal Tensions: The Effects of the Coronavirus Pandemic in Light of Subjective Health and Social Inequality Dimensions in Germany." European Societies, Vol. 23, NO. S1 (2020), pp. 1-18. https://doi.org/10.1080/14616696.2020.1852440.

Oosterhoff, B., et al. "Adolescents’ motivations to engage in social distancing during the COVID-19 pandemic: Associations with mental and social health," Journal of Adolescent Heath, Vol. 67, No. 2 (2020), pp. 179-185. https://doi.org/10.1016/j.scitotenv.2020.138882

Peyrefitte, Alain. La société de confiance: Essai sur l’origine du développement. Paris: Odile Jacob, 2005.

Rokeach, M. Beliefs, Attitudes and Values: A Theory of Organization and Change. San Francisco: Jossey-Bass, 1976.

Sidati, Abdelkhalek. al-Shabāb wa-al-muʼassasāt fī al-ṣaḥrāʼ, Ishkālīyat al-fāʻil wa-al-nasaq fī ẓill al-taḥawwul al-Thaqāfī wa-burūz al-huwīyāt al-Jadīdah (in Arabic). Rabat: Maṭbaʻat Brānt Marwah, 2021.

Urry, John. Mobilities. Cambridge: Polity Press, 2007.

Watson, D. & Clark, L. A. "Negative Affectivity: The Disposition to Experience Aversive Emotional States." Psychological Bulletin, Vol. 96, No. 3 (1984), pp. 465-490. https://psycnet.apa.org/doi/10.1037/0033-2909.96.3.465

Weber, M. Essais sur la théorie de la science. Paris: Librairie Plon, 1965.

Zahrān, Ḥāmid ʻAbd al-Salām. ʻilm al-nafs al-ijtimāʻī (in Arabic). Cairo: ʻĀlam al-Kitāb, 2000.

Zaleski, Z. "Future Anxiety: Concept, Measurement, and Preliminary Research." Personality and Individual Differences. Vol. 21, No. 2, (1996). pp. 165-174. https://doi.org/10.1016/0191-8869(96)00070-0



[1] Grasso, M., et al., “L’impact de la crise du coronavirus sur les sociétés européennes. Qu’avons-nous appris et où allons-nous à partir de maintenant ? Introduction au tome COVID,” European Societies, Vol. 23, No. 1 (2021), pp. S2–S32.

 

[2] Gaube, S., et al., “The Concept of Risk Perception in Health-Related Behavior Theory and Behavior Change,” In: M. Raue, B. Streicher & E. Lermer (eds.), Perceived Safety: A Multidisciplinary Perspective (Switzerland: Springer, 2019), pp. 101-118.

[3] N. T. Brewer, et al., “Meta-analysis of the Relationship between Risk Perception and Health Behavior: The Example of Vaccination,” Health Psychology, Vol. 26, No. 2 (2007), pp. 136-145.

[4] M. Weber, Essais sur la théorie de la science (Paris: Librairie Plon, 1965), pp. 47-49.

* يطلق اسم الصحراء الأطلنتية على الشريط الممتد من مصب وادي درعة (28° شمالًا) إلى الرأس الأبيض (21° جنوبًا).

** يتحدد مفهوم الشباب في دراستنا، منظورًا إليه داخل سياق المجتمع وداخل المسيرة التاريخية لكل ثقافة، كمجال للحياة يتسم بكونه مجالًا هشًّا. تميزه التقطعات وعدم الثبات. هذه السمات التي يمكن أن نربطها بالفئة العمرية في السيرة الذاتية للفرد، والممتدة ما بين 18 و38؛ من حيث إن هذا العمر في تقديرنا، هو الذي يبرز فيه الفرد كفاعل منافس ومتمرد أو كخاضع مستسلم للثبات المؤسساتي والنظام القائم. وسنأخذ بهذا التعريف في تحليلاتنا للمعطيات الميدانية.

[5] David Macey, “Rethinking Biopolitics, Race and Power in the Wake of Foucault,” Theory, Culture & Society, Vol. 26, No. 6 (2009), pp. 186-205.

[6] John Urry, Mobilities (Cambridge: Polity Press, 2007).

[7] Stuart Hall, “The Great Moving Right Show,” Marxism Today, Vol. 23, No. 1(1979), p. 15.

[8] عبد الوهاب المسيري، العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة (القاهرة: دار الشروق، 2002)، ص54.

[9] عبد الغني عماد، الهوية والمعرفة، المجتمع والدين، علم اجتماع المعرفة: الاتجاهات الجديدة والمقاربات العربية (بيروت: دار الطليعة، 2017)، ص158.

[10] المسيري، العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة، ص54.

[11] Diana Oblinger& James Oblinger, Educating the Net Generation (New York: Educause, 2005).

[12] Irving L. Janis, Groupthink - Psychological Studies of Policy Decisions and Fiascoes (Boston: Hougton Mifflin Company, 1982).

* مقابلة مع شابة من مدينة العيون (22 سنة، طالبة جامعية) في 1 أبريل 2024.

* يحيل معنى التفكير الإيجابي في تجلياته كما وضحه الباحث لعينة الدراسة، على قدرة الفرد على إصدار أحكام إيجابية؛ حيث يكون الجهد متكاملًا، والإحساس بالمسؤولية عاليا، والقدرة على الاستكشاف والنزوع نحو حل المشكلات، مع اتباع ممارسات حياتية ذات صبغة عقلانية سواء على مستوى التدبير، والتخطيط، وتحسين سبل التعامل مع كل الاختيارات، من قبيل، أنماط الاستهلاك بشقيه المادي والأخلاقي.

** يتفق المعنى الذي تأخذ به الدراسة لمفهوم التفكير السلبي، مع تعريف واتسون وكلارك أنه: "نزعة الفرد لخوض تجارب انفعالية سلبية عبر الزمن والمواقف". ويعتبر الباحث أزمة كورونا موقفا يمكن أن يولد لدى الأفراد شعورا بعدم الرضا، وبالتالي إصدار أحكام سلبية، يغيب معها الجهد المتكامل وتنعدم الرغبة في الاستكشاف والنزوع نحو حل المعضلات في الحياة اليومية، بالإضافة إلى سوء التدبير والتخطيط وضعف الإحساس بالمسؤولية.

D. Watson & L. A. Clark, “Negative Affectivity: The Disposition to Experience Aversive Emotional States,” Psychological Bulletin, Vol. 96, No. 3 (1984), pp. 465-490.

* مقابلة مع شاب من مدينة بوجدور (18 سنة، تلميذ بالسلك الثانوي التأهيلي)، في 4 أبريل 2024.

** مقابلة مع شاب من مدينة الداخلة (30 سنة، موظف بالقطاع العام)، في 30 مارس 2024.

[13] F. Boons, et al., “Institut de la consommation durable; Manchester: Covid-19, évolution des pratiques sociales et transition vers une production et une consommation durables,” Version 1.0 (Mai 2020).

[14] M. Krajewski, et al., “The bright side of the crisis. The positive aspects of the COVID-19 pandemic according to the Poles,” European Societies, Vol. 23, No. S1 (2021), pp. S777-S790.

[15] H. Ohlbrecht & J. Jellen, “Unequal Tensions: The Effects of the Coronavirus Pandemic in Light of Subjective Health and Social Inequality Dimensions in Germany.” European Societies, Vol. 23, NO. S1 (2020), pp. 1-18.

* تحتوي القيم الغائية لدى "روكيش" على فئتين فرعيتين، الأولى: قيم خاصة بالشخص وتدور حول الذات (-centered Self)؛ كقيمة تقدير الذات، والثانية: قيم خاصة بالعلاقات بين الأشخاص أو المجتمع (centered-Society)؛ كقيمة السلام العالمي. كما تشتمل القيم الوسيلية أيضًا على فئتين: القيم الأخلاقية (Moral Values)؛ كالأمانة، وقيم الاقتدار أو الكفاءة (Values Competence) كالمنطقية.

M. Beliefs Rokeach, Attitudes and Values: A Theory of Organization and Change (San Francisco: Jossey-Bass Pub, 1976), pp. 344-357.

* مقابلة مع شاب من مدينة كلميم (39 سنة، موظف بالقطاع الخاص)، في 12 مارس 2024.

[16] عبد الخالق سداتي، الشباب والمؤسسات في الصحراء، إشكالية الفاعل والنسق في ظل التحول الثقافي وبروز الهويات الجديدة (الرباط: مطبعة برانت مروة، 2021)، ص118-119.

[17] Ben Ahmed Hougua, Culture politique et action protestataire au Maroc: Incidences des facteurs culturels sur la disposition à la protestation chez les Marocains (2001-2011), Thèse pour L’obtention du Doctorat en Sciences Politiques.

[18] Marilynn B. Brewer, “Ingroup Identification and Intergroup Conflict: When Does Ingroup Love Become Outgroup Hate?” In: Richard D. Ashmore, Lee Jussim & David Wilder (eds.), Social Identity, Intergroup Conflict and Conflict Resolution (New York: Oxford University Press, 2001), pp. 17-41.

[19] أنتوني غدنز، علم الاجتماع، ترجمة فايز الصياغ (بيروت: المنظمة العربية للترجمة، 2005)، ص90.

[20] J. A. Corlett, Responsibility and Punishment (Dordrecht: Springer, 4th ed., 2013).

[21] حامد عبد السلام زهران، علم النفس الاجتماعي (القاهرة: عالم الكتاب، 2000).

[22] Francis Fukuyama, La confiance et puissance: Vertus sociales et prospérité économique, trad. Pierre-Emmanuel Dauzat (Paris: Plon, 1997).

[23] Rahma Bourquia, Culture politique au Maroc: à l’épreuve des mutations (Paris: L’ Harmattan, 2011).

 

[24] البارومتر العربي (موقع إلكتروني) 02/03/2024: http://www.arabbarometer.org/ar.

[25] Bourquia, Culture politique au Maroc, p. 126-127.

[26] Alain Peyrefitte, La société de confiance: Essai sur l’origine du développement (Paris: Odile Jacob, 2005), p. 449.

[27] Ronald Inglehart, La transition culturelle dans les sociétés industrielle avancées (Paris: Economica, 1993), p.42.

[28] Ibid., p. 43.

[29] Ibid., p. 44.

[30] Jean Houard & Marc Jacquemain. Capital social et dynamique régional (Bruxelles: Deboek Université, 2006), pp. 41-46.

[31] I. Chakraborty & P. Maity, “COVID-19 outbreak: Migration, effects on society, global environment and prevention,” Science of the Total Environment, Vol. 728 (2020), pp. 1-7.

[32] B. Oosterhoff, et al., “Adolescents’ motivations to engage in social distancing during the COVID-19 pandemic: Associations with mental and social health,” Journal of Adolescent Heath, Vol. 67, No. 2 (2020), pp. 179-185.

[33] G. Mohler, et al., “Impact of social distancing during COVID-19 pandemic on crime in Los Angeles and Indianapolis,” Journal of Criminal Justice, Vol. 68 (2020). pp. 1-7.

[34] A. M. Campbell, “An increasing risk of family violence during the Covid-19 pandemic: Strengthening community collaborations to save lives,” Forensic Science International: Reports, Vol. 2 (2020), pp. 1-3.

 

* مقابلة مع شاب من مدينة العيون (36سنة، أستاذ)، في 1 أبريل 2024.

** مقابلة مع شابة من مدينة العيون (30 سنة، طالبة دكتوراه في العلوم السياسية)، في 1 أبريل 2024.

*** تنظر الدراسة إلى مفهوم الاستراتيجية بما هي مجموعة من القرارات والتوجيهات التي تؤثر على مستقبل الفرد أو المؤسسة. إذ تتضمن الاستراتيجية تحديد الأهداف الطويلة الأمد، وتحديد الطرق التي سيتم بها تحقيقها، بالإضافة إلى تخصيص الموارد، واتخاذ القرارات التكتيكية والاستراتيجيات لتحقيق هذه الأهداف. يمكن أن تشمل الاستراتيجية أيضًا تقييم البيئة الخارجية والداخلية للفرد أو المؤسسة، وتحليل الفرص والتهديدات، بحيث تساعد في تحديد الاتجاهات والخطط المستقبلية.

[35] Glynis M. Breakwell, The Psychology of Risk (Cambridge: Cambridge University Press, 2nd ed., 2014).

[36] DataReportal, “Digital 2020: July Global Report,” AReportal on SlideShare (July 2020), p. 58. Accessed March 5, 2024. https://bit.ly/3jmEi6x

[37] كلير الحلو، "مواقع التواصل الاجتماعي وأثرها على الحالة النفسية للطالب الجامعي: دراسة مقارنة متعدّدة الدول"، المجلة الدولية للدراسات التربوية والنفسية، مج 3، ع2 (2018)، ص235.

[38] Z. Zaleski, “Future Anxiety: Concept, Measurement, and Preliminary Research,” Personality and Individual Differences. Vol. 21, No. 2 (1996). pp. 165-174.

[39] حامد عبد السلام زهران، علم النفس الاجتماعي (القاهرة: عالم الكتاب، 2000)، ص145.