![]()
تاريخ الاستلام: 16 مارس 2023 | تاريخ التحكيم: 4 يونيو 2023 | تاريخ القبول: 30 سبتمبر 2023
مقالة بحثية
علي جعفري https://orcid.org/0009-0001-5428-0605
أستاذ علم الاجتماع، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة القاضي عياض – المغرب
تسعى هذه المقالة إلى استكشاف التعاون الحالي وإمكانات التكامل المستقبلي بين علمي الاجتماع والأعصاب، من خلال طرح السؤال المركزي: هل تحمل البنى المفاهيمية لكل من علم الأعصاب وعلم الاجتماع طبيعة تكاملية؟ لمقاربة هذه الإشكالية، تم تتبع أهم أبرز المحطات المفاهيمية الفارقة في علاقة المجالين، والتي لا ترسم خطًا تطوريًا زمنيًا بقدر ما كانت إشكالية ومفاهيمية. تبدأ الدراسة بالشرارة الأولى للتكامل عبر صياغة نظرية "النوروسوسيولوجيا" (Neurosociology) عام 1972، تليها مرحلة إغلاق جسر التكامل مع ظهور براديغم "السوسيوبيولوجيا" (Sociobiology) عام 1975، الذي أثار ردود فعل قوية لدى علماء الاجتماع للدفاع عن فرادة علم الاجتماع وأحقيته الموضوعية والمنهجية والإبستيمولوجية. واستمر الترقب حتى ظهور "العلوم العصبية الاجتماعية" مطلع التسعينيات، مدعومة بتمويلات ضخمة في أمريكا، ثم أوروبا، فالصين، ضمن ما عُرف بـ"عشرية الدماغ" ((Decade of the Brain. مما أسفر عن أبحاث رصينة في علم الأعصاب، وأدى إلى تطوير نظريات عصبية جديدة امتدت لتفسير السلوك الفردي والظواهر الاجتماعية التي لطالما كانت من صميم اهتمام العلوم الاجتماعية. تختتم الدراسة بتوضيح مثال لتفسير ظاهرة التفاوتات الاجتماعية عبر تكامل علمي الاجتماع والأعصاب، إضافة إلى تقديم مقترحات لمعالجة مخاوف السوسيولوجيين من فقدان فرادة علم الاجتماع عند الاستعانة بالنظريات العصبية.
الكلمات المفتاحية: العلوم العصبية الاجتماعية، الخلايا العصبية المرآة، الإبستيمولوجيا، الدماغ الاجتماعي
للاقتباس: جعفري، علي. "علم الأعصاب وعلم الاجتماع: التكامل ضد الاختزالية"، مجلة تجسير لدراسات العلوم الإنسانية والاجتماعية البينية، المجلد السابع، العدد 2 (2025). https://doi.org/10.29117/tis.2025.0230
© 2025، جعفري، الجهة المرخص لها: مجلة تجسير، دار نشر جامعة قطر. نُشرت هذه المقالة البحثية وفقًا لشروط Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0). تسمح هذه الرخصة بالاستخدام غير التجاري، وتنبغي نسبة العمل إلى صاحبه، مع بيان أي تعديلات عليه. كما تتيح حرية نسخ، وتوزيع، ونقل العمل بأي شكل من الأشكال، أو بأي وسيلة، ومزجه وتحويله والبناء عليه، طالما يُنسب العمل الأصلي إلى المؤلف. https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0
Tajseer
Interdisciplinary Studies
in
Humanities and Social Science
Submitted: 16 March 2023 | Reviewed: 4 June 2023 | Accepted: 30 September 2023
Research Article
Neuroscience and Sociology: Integration Versus Reductionism
Ali Jafry https://orcid.org/0009-0001-5428-0605
Professor of Sociology, Faculty of Arts and Human Sciences, Cadi Ayyad University – Morocco
Abstract
This Article explores the current collaboration and future potential for integration between sociology and neuroscience. It addresses the central question: Do the conceptual frameworks of neuroscience and sociology inherently allow for integrative approaches? To answer this systematically, the study traces key conceptual milestones that have shaped the interaction between the two fields, emphasizing ideas over a strict chronological narrative. The analysis begins with the initial attempt of integration through the formulation of “Neurosociology” in 1972, followed by a setback with the emergence of the Sociobiology paradigm in 1975, which prompted sociologists to defend the epistemological integrity and uniqueness of the social domain. Interdisciplinary anticipation persisted until the advent of social neuroscience in the early 1990s, supported by substantial funding in the United States and later expanding to Europe and China during the so-called “Decade of the Brain”. This development facilitated significant neuroscientific research and the emergence of novel neural theories, extending to the understanding of individual behavior and social phenomena traditionally examined by sociology. The paper concludes with an illustration of explaining social inequalities through the integration of sociological and neuroscientific perspectives, along with recommendations to alleviate sociologists’ concerns about losing the distinctiveness of their discipline when adopting neural frameworks.
Keywords: Social Neurosciences; Mirror Neurons; Epistemology; Social Brain
Cite this article as: Jafry, Ali. “Neuroscience and Sociology: Integration Versus Reductionism,” Tajseer Journal for Interdisciplinary Studies in Humanities and Social Science, Vol. 7, Issue 2 (2025). https://doi.org/10.29117/tis.2025.0230
© 2025, Jafry, licensee, Tajseer & QU Press. This article is published under the terms of the Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0), which permits non-commercial use of the material, appropriate credit, and indication if changes in the material were made. You can copy and redistribute the material in any medium or format as well as remix, transform, and build upon the material, provided the original work is properly cited. https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0
يشهد النقا ش الفكري والعلمي اليوم اهتمامًا متزايدًا بالتعددية التخصصية والدراسات البين تخصصية. ويبرر المدافعون عن هذا الطرح أهميته في تعزيز التعاون والتكامل بين العلوم؛ لتطوير أطرها وأدواتها. ومع ذلك، لا يجب أن تفهم التعددية والبينية كتخلٍ عن التخصص؛ إذ إنهما لا ولن تنجحا إلا بتعميق التخصصات. فالتخصص المتين هو الذي يمنح صاحبه ما يمكن أن يبادله ويكمل به تخصصا آخر. والتجسير بين العلوم رهين بذلك أيضا، كما أنه متوقف لا محالة على كون نتائج أبحاث المجالات المختلفة تصب في موضوعات مشتركة.
هذا ما تسعى هذه المقالة إلى معاينته، من خلال فحص إمكانية التجسير بين علم الاجتماع وعلوم الأعصاب. وبما أن العلوم تقوم، أولا وأخيرا، على بناء للمفاهيم؛ فإننا سنعمل على تتبع السيرورة المفاهيمية التي تارة تعزز التكامل، وتارة تضعفه. ففي حالة التعزيز تظهر القابلية للتجسير، أما في حالة الإضعاف يبرز الطابع الاختزالي؛ أي محاولة فرض هيمنة علم على مجال خارج نطاقه.
لقد شكّل مسار التقارب بين علم الاجتماع وعلم الأعصاب منعرجًا كبيرًا. فقد بدأت المحاولات الأولى سنة 1972 بتعاون علماء أمريكيين في المجالين، فأثمر ذلك نظرية (علم الأعصاب الاجتماعي) التي أبانت عن أن تشكل دماغ الفرد يتأثر بتفاعله مع مجتمعه؛ إذ تحدد الثقافة التي نشأ فيها الفرد أيًا من المنطقتين في الدماغ، اليسرى (المعنية بالتفكير والمنطق) أو اليمنى (المعنية بالقدرات المكانية والرصدية)، ستكون أكثر تطورًا. ومن هذه الفرضية، أمكن التوصل إلى التفسير الجزئي لإعادة إنتاج الفقر.
غير أن هذا التعاون لم يستمر، إذ انحسر مع صدور كتاب (السوسيوبيولوجيا) لإدوارد ويلسون (Edward O. Wilson). وقد أثارت مخاوف السوسيولوجيين من هيمنة البيولوجيا ردود فعل دفاعية، فاستندوا إلى تراث المؤسسين، مثل أوغست كونت (Auguste Comte) وإميل دوركهايم (Émile Durkheim)، لاستدعاء أدوات منهجية وإبستيمولوجية يواجهون بها الطرح البيولوجي وتفرعاته؛ فانكمش التجسير بعد أن كان واعدًا. ولم يستأنف بقوة إلا في مطلع تسعينيات القرن العشرين مع ظهور ما سمي "العلوم العصبية الاجتماعية". وفي تلك الفترة بالذات جعلت الولايات المتحدة عقد التسعينيات "عقد علوم الأعصاب"، لتلحق بها أوروبا ثم الصين. وقد أتيح لعلوم الأعصاب تمويل ضخم وإمكانيات بشرية واسعة؛ مما مكنها من تحقيق السبق في الأبحاث والاكتشافات. وخلال هذه الفترة، وضع علماء الأعصاب فرضية "الدماغ الاجتماعي" (Social Brain) التي اختزلت الأفعال والوقائع في نشاط الخلايا العصبية، مع إدخال بعض التعديلات من طرف أقران أكثر واقعية. وفي السياق نفسه، اكتشف عالم الأعصاب الإيطالي جاكومو ريزولاتي (Giacomo Rizzolatti) "الخلايا العصبية المرآة" (Mirror Neurons) المسؤولة عن الفهم والتفاعل. غير أن هذه الفرضية لم تسلم بدورها من النزعة الاختزالية، فتصدى لها علماء الاجتماع بالتحليل والنقد، لكون مقصود الفهم في علم الأعصاب يختلف جوهريًا عن مقصوده في علم الاجتماع.
لقد وسم هذا التأرجح بين الإقبال والصد علاقة علم الاجتماع بعلم الأعصاب. ومع ذلك، يظل في كلا الفريقين من يسعى إلى التعاون بعيدا عن منطق الاستقواء. ومن أبرز الأمثلة على ذلك محاولة تفسير التفاوتات الاجتماعية بالمزج بين فرضيات من علمي الاجتماع والأعصاب، كما في دراسة جيف دايفيس (Jeff Davis)، الباحث في "النوروسوسيولوجيا" (Neurosociology). وتختتم هذه الورقة ببيان الشروط الكفيلة بفتح آفاق التعاون بين التخصصين.
أول من استعمل تعبير (علم الاجتماع العصبي: النوروسوسيولوجيا) هو عالم الاجتماع الأمريكي وارين تينهوتن (Warren Tenhouten) وزملاؤه[1]، أستاذ السوسيولوجيا بجامعة كاليفورنيا آنذاك، على إثر مقال له حول "البعد الآخر للدماغ"[2]، نُشر في مجلة متخصصة في مجال الأعصاب سنة 1972. صياغة "البعد الآخر للدماغ" تحمل دلالة فارقة؛ فالبعد الأول للدماغ يتمثل في البحث والتقصي في موضوعه باستخدام متغيرات بيولوجية فقط، من دون الحاجة إلى متغيرات خارجية، وهو ما يُعرف باكتفاء المجال العلمي بنفسه[3]. أما البعد الآخر فيتجلى في محاولة فهم اشتغال الدماغ عبر متغيرات غير بيولوجية، وهنا يقصد تينهوتن وزملاؤه المتغيرات الاجتماعية.
تركز فرضية البحث في التفكير (الدماغ)، إذ يُفترض أن الإنسان يفكر بطريقتين: إما تجاورية أو اقتراحية. التفكير التجاوري، وهو "جيستالتي-تركيبي"، مقره الشق الأيمن من الدماغ، أما التفكير الاقتراحي، وهو "منطقي-تحليلي"، فمحله الشق الأيسر. هذه الفرضية تستلزم "تبعات سوسيولوجية سنأتي على ذكرها في الفقرة المخصصة للمناقشة، وهذا هو الهدف الأساسي لهذه الورقة"[4].
الخلاصات الكبرى لهذا البحث الاستباقي في التجسير بين علم الأعصاب وعلم الاجتماع هي:
- تشكيل شقّي الدماغ لكل فرد مرتبط بالتأثيرات الثقافية المبكرة التي يتعرض لها. وقد أدت هذه الفكرة إلى بلورة مفهوم "التشكيل الفردي للدماغ". في الثقافات التي يتعرض فيها الأفراد لتربية تعليمية مكثفة (القراءة، والكتابة، وقواعد اللغة)، يغلب لديهم الدماغ الاقتراحي (تفكير منطقي-تحليلي) حتى في المسائل التي تتطلب اشتغال الشق الآخر من الدماغ (الجيستالتي-التركيبي). على العكس من ذلك، يغلب لدى الأفراد الذين تربوا في كنف ثقافة شفهية اشتغال الشق الأيمن من الدماغ، الذي يتميز بكفاءات مكانية (التموضع والرصد المكاني).
- في المجتمعات المركبة المكونة من مجموعات فرعية ذات أصول مختلفة، يتعرض الأفراد لتربية وتكوين مختلف؛ مما يؤدي إلى اختلاف في اشتغال التفكير التجاوري/التفكير الاقتراحي بحسب الفئات الاجتماعية ونسبة تعاونهما. كشف البحث الميداني أن الهنود الهوبي والسود يتفوقون بدرجة أقل من البيض في المشكلات التي تتطلب اشتغال الشق الأيسر من الدماغ.
- من المتوقع أن يقل ولوج المجموعات المتأثرة بالهيمنة في المجتمعات التكنولوجية إلى التفكير الاقتراحي، فيعوضون ذلك بالاعتماد على استراتيجية التجاور كبديل.
مباشرة بعد نشر هذا البحث سنة 1972، والذي وضع أسسا للجسور بين علم الاجتماع وعلم الأعصاب، أصدر تينهوتن كتابًا حول علم الأعصاب السوسيولوجي بتعاون مع كابلان (Kaplan)[5]. ويُلخص ديفيد فرانك (David Frank)، أحد كبار المختصين في المجال، موضوع الكتاب قائلًا: "يعرض فيه [السوسيولوجيان] نظرية حول طرق تأثير الثقافة على مسارات الخلايا العصبية للدماغ"[6]؛ أي محاولة الإجابة على سؤال الكيفية التي تنتقي بها الضغوط الثقافية لمجتمع ما القدرات العصبية، التي تؤهل الفرد ليكون مندمجًا مع مجموعة انتمائه عبر اكتساب قدرات دماغية تستجيب لمتطلبات محيطه الاجتماعي. وتعدّ الدراسة، على حد قول جون أوين (John Owen)، "مساهمة علمية فريدة في التحليل المقارن بين أنساق التفكير وبناءات الواقع"[7].
ولا بأس بالتذكير أن علم الأعصاب علم متفرع عن علم البيولوجيا، وقد ضُم إليه (نورو-بيولوجيا) كما ضُمت علوم أخرى (الفيزياء عبر نورو-فيزياء، والكيمياء عبر نورو-كيمياء، والطب عبر نورو-طب) تحت لافتة العلوم العصبية، التي من جراء هذا التوسع خشي البعض هيمنتها إلى حد إقصاء تخصصات معرفية أخرى. وحتى المحسوبون على العلوم الإنسانية، بشتى تلويناتها، لم يأمنوا هذا التوسع؛ فاندفعوا إلى الدفاع عن قلاعهم.
إن كان عالم الأعصاب جوزيف بوجن (Joseph Bogen)[8] قد حقق تكاملًا قل نظيره مع عالمي الاجتماع (تينهوتن وديزور) في البحث النوروسوسيولوجي الذي خلص إلى تكامل النظريات العصبية والنظريات الاجتماعية؛ فإن ذكرى ويلسون وسوسيوبيولوجيته "الأليمة" ما تزال عالقة بالأذهان، أليمة للعلوم الاجتماعية، لأنها تقتحم معقلها من خلال تفسير سلوك الأفراد والجماعات بالجينات[9]، وتقصي جملة وتفصيلًا تفسيرات علوم المجتمع. يقول ويلسون صراحة: "أحد وظائف السوسيوبيولوجيا هي إعادة صياغة أسس العلوم الاجتماعية بطريقة تجعلها تنظم للتوليفة الجديدة؛ أي النظرية التطورية للداروينية الجديدة"[10].
ومن الملاحظ أن الانضمام قد يؤدي إلى الذوبان، فتفقد علوم الإنسان هويتها بفقدان ثلاثة أنواع من المرتكزات: المرتكز المنهجي، والمرتكز الإبستيمي، والمرتكز النظري. وهكذا كان سيكون الحال مع البراديغم للسوسيوبيولوجية"[11]. تكفي الإشارة هنا إلى الترسانة المفاهيمية التي ساقها ويلسون في مستهل كتابه، وخاصة في الفصل الأول من القسم الأول بعنوان "المفاهيم الأولية للسوسيوبيولوجية"[12]. قبل الدخول في صلب هذه المفاهيم، قدم البيولوجي الأمريكي ما سماه التعريفات الأساسية، ووصَف بعضها بالبيولوجية، وبعضها الآخر بالسوسيولوجية، تلك السوسيولوجية المهتمة بدراسة مجتمع الحيوانات[13]. هذه التعريفات خصّت بالضبط المجتمع، التجميع، الجماعة، الفرد، القطيع، العصابة، الساكنة، التواصل، التنسيق، التراتب، والضبط. أما المفاهيم فهي ستة: التأثير المضاعف، محرك التطور والانجراف الاجتماعي، الديموغرافية المتكيفة، أنواع ودرجات الاجتماع، السلم السلوكي، ازدواجية التطورية البيولوجية.
المتصفح لكتاب ويلسون سيلاحظ أن:
- هذه التعريفات الأساسية والمفاهيم الأولية مستمدة من استقراء الظواهر الجارية في مملكة الحيوانات.
- التعريفات البيولوجية وحتى السوسيولوجية، كما المفاهيم الأولية، كلها صيغت على أساس جيني. فالسوسيوبيولوجيا الإنسانية ترتكز على السوسيوبيولوجيا الحيوانية[14]، التي بدورها تتأسس على الإيثولوجي (علم السلوك الحيواني).
ومن حيث إن هذه الترسانة المفاهيمية هي أدوات اشتغال السوسيوبيولوجيا، فهي تظل حاضرة في كل دراسة اجتماعية تريد المزواجة بين العلمين، ولو من وراء حجاب كمسلمات. فهي إذن لا تسعى للتعاون مع السوسيولوجيا، ماضية كما هي في تقعيد الاجتماعي حصريًا على البيولوجي. يقول ويلسون: "في هذه النظرة الماكروسكوبية، تتقلص العلوم الإنسانية والاجتماعية إلى فروع متخصصة من البيولوجيا"[15]. وهذا هو الذوبان. يتساءل البيولوجي الأمريكي: "لماذا تتميز المجتمعات الإنسانية بالمرونة؟ لأن الأعضاء يتنوعون في السلوك والإنجاز [...]. الفرضية التي يجب مراعاتها، إذن، هي أن الجينات التي تعزز المرونة في السلوك الاجتماعي يتم انتقاؤها بقوة على مستوى الفرد"[16]. بمعنى آخر، إن اعترض معارض على آلية القياس مجتمع الحيوان/مجتمع الإنسان بحجة ارتفاع منسوب المرونة عند الجماعات البشرية، قال له ويلسون وصحبه إن المرونة بعينها لم تكن لتتجذر لو لم "تفطن" الجينات لأهميتها عند بني البشر. فهي التي أقرتها وغرستها في سلوك الفرد لحتمية وظائفها في التكيف.
سأورد مثالًا من كتاب ويلسون يبين مدى النسج الاستدلالي قياسًا على مملكة الحيوانات، ويظهر الأساس البيولوجي الجيني لكل الأنشطة الإنسانية. البرهنة الويلسونية غالبًا ما تتخذ الوجهة الآتية:
- عند الحديث عن الظواهر الثقافية في المجتمعات البشرية، لم يقاوم ويلسون نزعته في جعل الإنسان كالحيوانات خصوصًا الثدييات منها: "تمتلك الثدييات العليا غير الإنسان أساسيات الثقافة، ولا سيما القرد الياباني والشامبانزي؛ ولكن في الإنسان فقط تسللت الثقافة بعمق إلى جميع جوانب الحياة"[17]. السوسيوبيولوجيا الحيوانية هي براديغم مرجعي للسوسيوبيولوجيا الإنسانية، وإلا لما سلّم ويلسون بوجود الثقافة عند الحيوانات حتى في حدها الأدنى.
- وكما عوّدنا البيوسوسيولوجيون المتطرفون، الجينات، عصا سليمان، تفسر الظواهر البيولوجية كما الظواهر السوسيولوجية: "التفاصيل الإثنوغرافية موصوفة وراثيًا بشكل أخف؛ مما يؤدي إلى تنوع كبير بين المجتمعات. لكن هذا لا يعني أن الثقافة قد حررت نفسها من الجينات"[18].
- التنوع الثقافي في بعديه الديني والطقوسي في الزمان والمكان مبعثه التطور الذي يعتمد على ثنائية الانتقاء والتكيف بغية البقاء. لكي ينجح ويلسون في تطبيق أدوات التطورية على الدين والطقوس، قام بتأويلهما على أنهما يمارسان قابلية الامتثال للتلقين المذهبي على الأفراد والجماعات؛ أي الخضوع للمجتمع: "عندما يضعف الامتثال تزول المجموعات (...)؛ كلما كثر الأنانيون والانتهازيون، إلا وضعف المجتمع وتسرعت وتيرة انقراضه. تحل المجتمعات ذات الترددات العالية من الجينات التي تورث الامتثال محل تلك التي تختفي"[19]. بهذا التحليل، يقر السوسيوبيولوجي الأمريكي أن غريزة البقاء أجبرت على التكيف الجيني. نلاحظ هنا كيف ابتكر ويلسون تفسيرًا جينيًّا للدين والطقوس عبر إفرادهما ببعد واحد هو الخضوع؛ وفي ذات الوقت تفسير سلوك الإيثار والأنانية بنفس الخدعة الجينية.
- الهدف الأسمى للسلوك الفردي والجماعي هو أولًا وأخيرًا الحفاظ على الحزمة الجينية.
هذا التوقف المتأني عند السوسيوبيولوجيا لم يكن اعتباطيًا. الغرض منه هو وضع الإصبع على مكمن التوجس عند علماء الاجتماع من علم السوسيوبيولوجيا، الذي هو محاولة البيولوجية الانقضاض؛ بل والاستحواذ على موضوع علم الاجتماع، وذلك عبر تأسيس الانتظامات الفردية والجماعية على البيولوجي ذي النزعة الطبيعانية الصرفة ذات التوجه الاختزالي؛ اختزال الفعل الاجتماعي والظاهرة الاجتماعية في الجيني، وفي التكيف من أجل البقاء. لو فتح السوسيولوجيون الباب لرياح البيولوجية لفقدوا مناهجهم، كما نظرياتهم. وبفقدانها، تنقرض العلوم الاجتماعية لأنها، مع مضي الوقت، ستفقد موضوعها المتفرد (الوقائع الاجتماعية).
المحطة هذه من تاريخ علم الاجتماع في علاقته مع البيولوجية (فترة السبعينيات) أغلقت لديه باب الانفتاح على العلوم الأخرى بشكل راديكالي، سواء كانت علومًا اجتماعية تشاركه نفس الموضوع (الأنثروبولوجيا، علم السياسة، علم النفس الاجتماعي..)، أو علومًا طبيعية كانت ملهمة له وقت التأسيس. الهم الوحيد هو الحفاظ على الوحدة الترابية للسوسيولوجيا.
وكان من دواعي هذه الفترة، تحت وقع تجربة ويلسون وورثته، قطع الصلة مع علم الأعصاب مهما كان متكاملًا ومتعاونًا، وإن لم تكن عقيدته الاختزالية. استنجد أهل علم الاجتماع بمبدأ التنافي من خلال تحريك سلاح الإبستيمولوجيا لتأكيد تفرد وخصوصية موضوع علم الاجتماع.
منذ تأسيس علم الاجتماع وهو حامل لبذور الانغلاق على نفسه. الغرض من ذلك صون حرمته من الاختراقات، كان مصدرها علوم إنسان (الفلسفة، السيكولوجيا) أو علوم طبيعة (البيولوجيا..). وهو ما يمكن تفهمه في تلك الحقبة من أواخر القرن التاسع عشر، التي هي لحظة تكوين. اتخذ التحصين ثلاث وجهات:
منذ تأسيس علم الاجتماع، كان حاملًا لبذور الانغلاق على نفسه، بغرض صون حرمته من الاختراقات، سواء كان مصدرها علوم الإنسان (الفلسفة، السيكولوجيا) أو علوم الطبيعة (البيولوجيا…). ويمكن تفهم ذلك في تلك الحقبة من أواخر القرن التاسع عشر، التي تمثل لحظة التكوين؛ حيث اتخذ التحصين ثلاث وجهات:
منذ التقديم لكتاب (قواعد المنهج السوسيولوجي)، يلح دوركهايم في أكثر من موضع على اكتفاء علم الاجتماع بنفسه، قائلًا: "لا يمكن تجاوز الوقائع، سواء بغية تفسيرها أو بقصد تعديل وجهتها، إلا إذا اعتبرناها لاعقلانية. إذا كانت قابلة للمعرفة في شموليتها، فهي مكتفية للعلم وللتطبيق؛ لأنه لا سبب للبحث خارجها عن أسباب وجودها"[20]. ويقول صراحة: "في الواقع، توجد في كل مجتمع مجموعة محددة من الظواهر التي تتسم بخصائص مميزة عن تلك التي تدرسها العلوم الطبيعية الأخرى"[21]، "ولا يمكن الخلط بينها وبين الظواهر العضوية؛ لأن مضمونها تمثلات وأفعال؛ ولا مع الظواهر السيكولوجية التي توجد في وعي الفرد وبه؛ إنها تكوّن نوعًا جديدًا جديرًا لوحده بصفة الاجتماعي"[22].
يمنع المؤسس الفرنسي لعلم الاجتماع بهذا الموقف الإبستيمولوجي التعاون مع علوم أخرى للبحث عن التفسيرات الأقوى لظواهره. لكن في الصفحة 14 من الكتاب، نقرأ: "للتجليات الفردية للظواهر الاجتماعية شيء من الاجتماعي، لأن الأفراد يعيدون إنتاج نموذج جماعي جزئيًا؛ لكن كل تجل للظاهرة الاجتماعية على المستوى الفردي يعتمد أيضًا، وإلى حد كبير، على التكوين العضوي-السيكولوجي، كما على الظروف الخاصة التي يتواجد عليها الفرد". قد نفهم أن دوركهايم يرخص تفسير الفعل الفردي بالتعاون مع البيولوجي والسيكولوجي، لكنه يعود سريعًا ويدقق تماشيًا مع مبدأ استقلالية علم الاجتماع، فيقول: "هذا النوع من تجليات الظواهر الاجتماعية ليست ظواهر سوسيولوجية بحتة (...) تهم السوسيولوجي من دون أن تشكل الموضوع المباشر لعلم الاجتماع"[23]. هذا التدقيق يُبقي الباب مواربًا أمام البيولوجي والسيكولوجي، وبنوع من التوسع في المعنى، مع علم الأعصاب؛ لأن الدماغ عضو بيولوجي، ولأن السيكولوجي أنجب مجالًا جديدًا سُمّي بالنوروسيكولوجي.
الجدير بالانتباه فيما يخص قواعد الملاحظة أنها كلها تحدو قواعد الملاحظة الجارية في علوم الطبيعة. أول قاعدة في علم الاجتماع، كما أسس لها دوركهايم، هي: "القاعدة الأولى والأكثر أهمية هي اعتبار الوقائع الاجتماعية على أنها أشياء"[24]. يعترف مؤسس السوسيولوجيا، معتمدًا على باكون، أن هذه القاعدة أصلت للعلوم الفيزيائية وسمحت بفصل فروعه العلمية (علم الفلك، الكيمياء) عن غيرها (علم التنجيم، الخيمياء)[25].
أبانت القاعدة عن جدواها في علوم الطبيعة، فحري أن يأخذ بها علم الاجتماع. اتباع قواعد الفيزياء شكلًا وليس مضمونًا، ينبه إليه دوركهايم عندما قال "لا تتحقق الأشياء الاجتماعية إلا بالناس؛ إنها نشاط إنساني". هنا صد لباب التعاون بين علوم الفيزياء التي هي منبع القاعدة المنهجية في اعتبار الوقائع أشياء. نفس التعامل مع البيولوجيا عندما استعمل قياسا قاعدتها (الملاحظة) للفصل بين الظواهر الباثولوجيا والظواهر العادية، دون السماح بتدخلها في تفسيرها[26]. قد نتساءل ما هي الأشياء؟ هيكل ما يُمنح للملاحظة ويفرض نفسه عليها بأن يعتبره الباحث معطى، ويجعل منه نقطة الانطلاق. فالأشياء خارج الأفراد، مادام أنها وقائع اجتماعية، فتصبح بالتالي خارج حكم البيولوجيا وجيناتها.
سأعرض فقرة من الكتاب يجاور فيها دوركهايم، قياسًا وتحليلًا، مجتمع الحيوانات بمجتمع الإنسان. محاولة منه لوضع طرق بناء النماذج المثالية سوسيولوجيًا استلهم من المملكة الحيوانية: "بيولوجيا، التنوع ناتج عن تركيبات متنوعة لنفس الوحدة التشريحية. مجتمعيًا، فرق شاسع بين المملكتين. المميزات الجينية لدى الحيوانات منغرسة بشكل يقاوم التغير، وتأثير الوسط عند نوع مقارنة مع نوع آخر (...). قوة داخلية تقوي المميزات الجينية رغما عن ضغوط التنويع الآتية من الخارج (...). في مملكة الإنسان تغيب هذه القوة الداخلية"[27]. دوركهايم يعارض بشكل مباشر بناء الفئات الاجتماعية وتمييزها على قاعدة الجينات التي تفصل بين أنواع الحيوانات، ويقر بوجودها أسوة بمملكتهم.
إنه المستوى الأكثر توسلًا من لدن علماء الاجتماع للاعتراض على تفسيرات مبنية على غير الاجتماعي، كيفما كان مصدرها. يتصدى دوركهايم، ضد سبنسر (Spencer)، لإعطاء الأولوية للتفسيرات الغائية بالوظيفة[28]، ويرفع التفسيرات السببية إلى المرتبة الأولى. وهنا نتذكر التأويلات البيولوجية التي تجعل للظواهر الاجتماعية وظيفة صون الجينات الأقوى بغرض الاستجابة لغريزة البقاء. مرة أخرى، يرفض دوركهايم الوظيفية كتفسير أولي، مستلهمًا ذلك من عالم البيولوجيا عبر المقولة المشهورة: "الوظيفة لا تصنع العضو".
كما يرفض دوركهايم التفسير بالطبيعة الإنسانية؛ أي تلك التفسيرات المنبثقة من القوانين السيكولوجية للأفراد. هنا يستحضر السوسيولوجي الفرنسي أستاذه أوجست كونت ويعيب عليه قوله: "الاستعدادات الفعلية التي تكشفها الملاحظة السوسيولوجية تتأصل كبذرة في هذا النوع الأولي الذي شيدته البيولوجيا قبل علم الاجتماع"[29]. قد يُؤوَّل الاعتراض على البيولوجيا والسيكولوجيا باعتباره اعتراضًا على تفسيرات علم الاجتماع العصبي، ما دام الدماغ عضوًا بيولوجيًا، ومادام الدماغ يفسر المشاعر عبر النوروسيكولوجيا.
لم يسلم هيربيرت سبنسر كذلك من الانتقاد وللسبب نفسه؛ أي توجهه لتقعيد التفسير السوسيولوجي على "وحدات اجتماعية (...) مؤسسة فيزيائيًا، مشاعريًا وفكريًا، وتمتلك بعض الأفكار المكتسبة من تاريخ بعيد مع أحاسيس متوافقة"[30].
يصدر دوركهايم حكمه المنهجي-الإبستيمولوجي: البحث عن تفسير الحياة الاجتماعية في طبيعة المجتمع نفسه، وهو ما تمت صياغته في القاعدة المعروفة بتفسير الاجتماعي بالاجتماعي[31]؛ بل ويرد عن دعاة تفسير الاجتماعي بالفردي (السيكولوجي، الجيني، الخلايا الدماغية) بقلب قاعدتهم عن طريق جعل الفردي يستنبط من الاجتماعي. "السوسيولوجيا ليست ملحقة لأي علم"، هكذا يختم المؤسس الفرنسي (كتاب قواعد المنهج). هذه حزمة أدوات منهجية إبستيمولوجية يخرجها علماء الاجتماع للدفاع عن جغرافية علمهم. وليست فقط سوسيولوجيا دوركهايم التي تقف حائلًا أمام التداخل البين-علمي، فسوسيولوجيا فيبر لم تكن الأكثر تسامحًا.
في كتابه (اقتصاد ومجتمع)، يضع فيبر من الفصل الأول ركائز علم الاجتماع كما يتصوره. "نسمي السوسيولوجيا علمًا يقترح فهم الفعل الاجتماعي عن طريق التأويل، ومن ثمة تفسير حدوثه وتأثيراته سببيًا. نعني بالفعل سلوكًا إنسانيًا (فعل خارجي، حميمي، إهمال أو تسامح) عندما وكلما منحه الفاعل معنى ذاتي. الفعل الاجتماعي، بحسب معناه المقصود من طرف فاعله أو فاعليه، هو فعل يرتبط بسلوك الآخر، ويتوجه حسب سيره"[32].
هذا التعريف القصير يتضمن تضييقًا لمجال علم الاجتماع بحيث لا يأخذ في الحسبان كل الأفعال الإنسانية؛ بل الفعل الاجتماعي فحسب الذي يتحدد في "التفاعل" الآني أو المستقبلي مع فاعل "إنساني" أو مؤسساتي، كانت المؤسسة مادية، أو لا مادية. علم الأعصاب على العكس من ذلك يمكن أن يمتد في تفسيراته إلى جميع السلوكيات الإنسانية، وظائف بيولوجية كانت، أو سلوكيات فردية، أو اجتماعية. وكيف لعلم الأعصاب أن يخوض في أفعال الفاعل الجماعي الطبيعي والمؤسساتي؟[33]
من منطلق اختلاف منهجية البحث وطرق التفسير. تقترح السوسيولوجيا الفيبرية آلية "التقمص العاطفي" من أجل استشعار معنى الفعل بغية تأويله لغاية الفهم؛ أي لفهم الفعل كمحطة وسطية بينه وبين تفسير الظواهر، مثل فهم أفعال الفقراء ثم تفسير ظاهرة الفقر سببيًا عبر تركيب تلك الأفعال. بالمقابل يقترح علم الأعصاب أدوات تشخيصية مغايرة، مثل التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي لتحديد المناطق النشطة في الدماغ، ويفسر الفعل عبر بنية الخلايا العصبية وطريقة اشتغالها.
في السوسيولوجيا الفٍيبرية لا يمكن مطلقًا وصف أو تفسير فعل ما بمعزل عن فعل آخر؛ بل ضرب لنا مثلًا بمجموعة من الناس فتح كل واحد منهم مظلته تزامنًا مع الآخرين، ونفى أن يكون فتح المظلة فعلًا اجتماعيًا، لا لشيء إلا لكون سلوك الفتح غير موجه لفعل الآخر؛ بل للاحتماء من المطر. فتح المظلة موجه لحالة الطقس، وأكثر من ذلك، سلوك الفرد تحت تأثير الجماعة (الحشد، العنف الجماعي..) ليس فعلًا اجتماعيًا، ولا يدخل في موضوع علم الاجتماع، لماذا يا ترى؟ لأن الفرد في هذه الحالات لا يمنح معنًا ذاتيًا مقصودًا لسلوكه. من هنا يتبين أن الفهم يستهدف فهم المعنى الذي يعطيه الفرد لفعله، وليس فهم الفعل موضوعيًا من دون الرجوع للفاعل، كما في فهم الظواهر في علوم الطبيعة.
في الصفحة 29 من كتاب (اقتصاد ومجتمع) يصدر مؤسس السوسيولوجيا الفردانية حكمه: "في العديد من حالات السيرورات السيكو-فيزيائية، لا نجد أبدًا فعلًا ذا معنى؛ أي قابلًا للفهم. في حالات أخرى هذا المعنى لا ينجلي إلا للمختصين"[34]. تأثير هذه السيرورات على الفعل الإنساني ثابت من دون أن تكون مفهومة. مثال ذلك الملاحظات التجريبية المتعلقة بالظواهر السيكولوجية والسيكوفيزيائية كالعياء، الذاكرة، والنشوة المفرطة من جراء سلوك التعذيب"[35].لا ينبغي للباحث التخلي عنها. يتعامل معها على أنها "معطيات".
هذ الموقف المنهحي-الإبستيمولوجي في مكانه وزمانه ليس دوغمائيًا. "إذا كان اليوم هذا هو الحال، يمكن في المستقبل أن نكتشف انتظامات غير مفهومة في سلوك ذي معنى لكنه مختلف. (...) يمكن لهذه الانتظامات أن تؤثر سوسيولوجيًا، بشكل مهم على نمط السلوك (...). السوسيولوجيا آنذاك ملزمة بأن تعتبر هذه الوقائع كالاختلافات المتأتية من الوراثة البيولوجية [العرق مثلا] معطيات"[36]. من أجل ذلك، يشترط فيبر شرطين: الدليل الإحصائي[37]الحاسم لتأثير تلك الانتظامات على السلوك، وأن تكون علاقة الارتباط بينها وبين السلوك ذات معنى.
بقراءة هذا المقطع، يتبادر إلى ذهن المهتم أن فيبر منفتح على علوم الطبيعة، لكن سرعان ما سيصاب بخيبة أمل عندما سيطالع الفقرة الموالية: "الاعتراف بالأهمية السببية (لهذه الوقائع غير الاجتماعية) لن يغير في شيء من مهام علم الاجتماع التي هي الفهم عن طريق التأويل للأفعال الموجهة معنا"[38]. يكتفي الباحث إلى جانب الدوافع المفهومة باستحضار بعضًا من الوقائع غير المفهومة، ويمثل السوسيولوجي الألماني عليها بالمؤشر الدماغي، لون الجلد، ومميزات فيزيولوجية أخرى.
للمطلع على أعمال فيبر المنهجية والإبستيمولوجية أن يعرف حق المعرفة أنه يفصل بين الفهم الآني، والفهم التفسيري. هذا الأخير لا يتسنى إلا بالقبض على "المجموعات ذات المعنى" القابلة للفهم، "ونعتبر فهمها تفسيرًا"[39]، بحسب المعنى المقصود ذاتيًا؛ أي الذي يحدده الباحث إما "في الواقع" (سياق الفعل) بالنسبة لفاعل منفرد، أو بحساب المتوسط، أو بشكل تقريبي بالنسبة لدراسة الجماهير؛ إما بنموذج مثالي مبني مفاهيميا. بهذه المنهجية في التفسير، يصد فيبر الباب على تفسيرات سببية أخرى تخالفها. يقولها بشكل صريح: "قد يكون مفيدًا؛ بل وضروريًا لأهداف علمية أخرى، أن نعتبر الفرد تجمع خلايا، أو مركب تفاعلات بيو كيميائية (...). بهذه المسارات نصل، من دون شك، إلى معارف ثمينة على شكل قوانين سببية. ومع ذلك، لا يتأتى لنا فهم السلوك من هذه العناصر التي ركبت في هذه القواعد. وينطبق هذا أيضًا على العناصر السيكولوجية لأننا نفهمها بشكل أقل كلما صيغت من خلال أساليب علوم الطبيعة"[40]. ما تنتجه علوم الطبيعة لا يحقق موضوع علم الاجتماع الفيبيري الذي هو "تأويل السلوك بحسب المعنى المقصود".
سوسيولوحيا دوركهايم (مؤسس المنهجية الكليانية)، وسوسيولوجيا فيبر (مؤسس الفردانية المنهجية) مثالان باراديغماتيان على شرعيتين منهجيتين، وإبستيمولوجيتين يحتمي بهما علماء الاجتماع للحفاظ على هويتهم. فتكون النتيجة رفض التكامل، والتجسير.
يعود الفضل في ذلك لجون كاشيوبو وغاري بيرنتسون (John T. Cacioppo, Gary G. Berntson) اللذين وقعا مقالًا في الموضوع سنة 1992بعنوان "مساهمات علم النفس الاجتماعي في عشرية الدماغ. منهج التحليل المتعدد المستويات"[41]. بإجماع المختصين، يعتبر الباحثان من صاغا مصطلح "علوم الأعصاب الاجتماعية". بالفعل، فلقد عنونا آخر جزء من مقالهما بسؤال "علم الأعصاب الاجتماعي؟"[42] مستفهمين حول إمكانية التعاون والتكامل.
على عكس ويلسون وتابعيه، دعاة الاختزالية، يتبنى كاشيوبو وبيرنتسون مبدأ التجسير بين العلوم الاجتماعية والعلوم العصبية. يقولان في هذا الصدد: "تؤثر الأحداث النورو-كيميائية على السيرورات الاجتماعية، كما تؤثر السيرورات الاجتماعية على الأحداث النورو-كيميائية"[43]. يسوقان مثالًا من المملكة الحيوانية مفاده أن السلوك الاجتماعي للحمامة المطوقة (مشي الذكر بفخر وخيلاء) ينتج تغيرًا في الهرمونات (إفراز أكثر للأستروجين لدى الأنثى)، الذي بدوره، من خلال سببية لولبية، يحدث تغيرًا في السلوك الاجتماعي (التودد والتزاوج)، وهكذا دواليك توالي التغيرات البيولوجية والاجتماعية إلى أن يكبر صغر الطيور. تمت ملاحظة نفس السلوك عند الثدييات.
مثال آخر من المملكة الانسانية هذه المرة يوضح التأثير البيني بين عالم الخلايا العصبية وعالم التفاعلات الاجتماعية، أو ما يسميه كاشيوبو وزميله "الحتمية المتعددة". المثال حول ظاهرة الإدمان على استهلاك المخدرات. لقد تم تحديد مناطق الدماغ المتدخلة في الإدمان. إنها "مستقبلات المخدرات" عن طريق إطلاق عمليات فيزيولوجية، ذهنية، وعاطفية. ما يلاحظ هو أنه بالرغم من تواجد نفس المستقبلات في دماغ الأفراد إلا أنه منهم من يرضخون بسهولة للإدمان، ومنهم من يتمنع. أبحاث إضافية برهنت أن الانسياق من عدمه رهين بمتغيرات اجتماعية واقتصادية، كما بتأثير مجموعة الأقران ودينامية الأسرة[44]. كثير هي الأمثلة التي أوردها الباحثان لظواهر عصبية-بيولوجية واجتماعية (الجنس، الوراثة، العنف، الهيمنة..)، التي تحتاج لفهمها بالضرورة إلى العلوم الاجتماعية.
يفصل مبتكرًا تعبير "علم الأعصاب الاجتماعي" بين المستوى الأحادي للتحليل الذي لا يمكن إلا أن يكون اختزاليًا، والمستوى المتعدد للتحليل الذي لن يكون إلا متعاونًا ومتكاملًا. يسميانه "منهج التحليل المتعدد المستويات" ويميزانه بثلاثة مبادئ، ولازمة:
1- مبدأ الحتمية المتعددة: حدوث ظاهرة ما في مستوى معين من "التنظيم" المركب (مثل الدماغ أو المحيط) كرد فعل عصبي أو عاطفي، أو استجابة معيارية، لا يعني أن الظاهرة ناتجة فقط عن ذلك الحدث أو الاستعداد؛ بل هي مرتبطة بعدد من المتغيرات الأخرى في التنظيم المركب.
2- مبدأ الحتمية غير القابلة للتجميع: الكل لا يُحدّد عبر جمع الأجزاء إلا بعد دراسة دقيقة لخصائص كل مكوّن[45].
3- مبدأ الحتمية المتبادلة: تأثير متبادل بين المتغيرات الدقيقة (الميكرو، مثل البيولوجية) والمتغيرات الكبرى (الماكرو، مثل الاجتماعية) في تحديد العمليات الدماغية والسلوكية.
4- لازمة القرب: عزل العناصر المتدخلة يصبح أكثر تعقيدًا مع ازدياد المستويات الوسطية.
يذكرنا "التحليل المتعدد المستويات" لكاشيوبو وبيرنتسون (1992) بــ"البعد الآخر للدماغ" لتينهوتن (1972)، فكلاهما يطرح التجسير كأداة لتمكين العلوم من تعزيز قوة منظوماتها النظرية، والمفاهيمية، والمنهجية، والفرضية، والنتائج.
ظهرت هذه الفرضية أول ما ظهرت في علم الأعصاب مع ليسلي بروذرز[46]. الذي عرف الدماغ الاجتماعي بقوله: "أعني بالدماغ الاجتماعي معالجة كل معلومة ينتج عنها إدراك دقيق لاستعدادات ونوايا الأفراد الآخرين"[47]. يعتمد هذا الإدراك على استشعار ومعالجة معلومات مرتبطة بهوية الآخر، اتجاه حركته، وضعية جسده، ملامح وجهه، نبرة صوته، معرفة أقاربه وطبيعة معاملاتهم.
تم اختبار الفرضية أولًا عند الثدييات ثم امتدت لتشمل الإنسان. فالثدييات قادرة على توقع الوقائع النفسية (استعدادات ونوايا) لدى الآخرين؛ مما يؤهلها لضبط سلوكها أثناء التفاعل. بمعنى آخر، من دون دماغ اجتماعي، لا يمكن للإنسان أن يكون اجتماعيًا. ومن هنا يطرح السؤال: هل هذه الكفاءة يكتسبها الدماغ من تفاعله مع محيطه، أم أنها فطرية؟
للإجابة، أجريت دراسات على مجموعات من القردة والرضع الآدميين، وخلصت إلى الآتي:
- تتوفر لديهم سلوكيات التعاون والتعاطف، وقدرة على التعرف على نوايا الآخرين. عند الإنسان، هذه القدرة أكبر؛ إذ يمكنه تمثل حالات نفسية أكثر تعقيدًا، ليس فقط عبر التعاطف كما لدى القردة؛ بل عبر التقمص العاطفي، الذي قد يكون مصدر مؤازرة أو عدوان. تعزز فرضية الدماغ الاجتماعي ملاحظة أن آليات إدراك نوايا الآخر واستعداداته تنشط فقط مع الكائنات الشبيهة، ولا تُستخدم مع الأشياء الجامدة، ما يشير إلى أن المعرفة الاجتماعية معرفة متخصصة.
- نشأت المعرفة الاجتماعية عند الإنسان (الدماغ الاجتماعي) وراثيًا وتطوريًا من عمليات ذهنية اجتماعية لحل مشاكل اجتماعية معقدة لدى أسلافه من الثدييات. تتجلى صفة التعقد في بعدين: يتعلق الأول بتركيبة الجماعة بحسب عدد الأفراد وتداخلهم، وتراتب المجموعات الفرعية[48]. ويرتبط الثاني بزيادة كفاءة أفراد المجموعة في مجالي الخدعة والتلاعب، ما دفعهم لاكتساب آليات دماغية متطورة لإدراك نوايا الآخرين.
- أن المعرفة الاجتماعية مكتسب متوارث. أظهرت تجارب برادرز (Brothers) على الرضع البشريين أنهم مجهزون بآليات إدراك الوجوه والأصوات، ومحاكاة حركات الوجه (مثل فتح وإغلاق الفم)، واستجابة لبكاء الرضع الآخرين، إضافة إلى سلوكيات فطرية مثل الابتسامة الاجتماعية والتحديق الدوري في وجه من يعتني بهم. ويعد التطور الجيني لهذه القدرات دليلًا على التخصص العصبي الفطري للسلوك الاجتماعي"[49]. كما يظهر الآباء سلوكًا تعبيريًا فطريًا تجاه الرضيع، وهو أساس التناغم النفسي بينهما.
- الأفراد الذين يعانون من التوحد يفتقدون الدماغ الاجتماعي، فهم غير قادرين على التقمص العاطفي؛ أي فهم استعدادات ونوايا الآخرين، نتيجة إصابات في الدماغ تعيق التعرف على الوجوه، فهم الإحساس من نبرة الصوت، والتعبير عن المشاعر.
- المعرفة الاجتماعية تستلزم منظومة من الخلايا العصبية المتخصصة[50].
يستنتج من ذلك أن الدماغ الاجتماعي فطري، إلا أن خصوصيته الاجتماعية لم تكتسب من عدم؛ فالعيش في مجموعة هو شرط أساسي لتفعيل هذه القدرات. أما الانعزال فيمنع تعلم لغة التواصل وقوالب السلوك الجاهزة (عادات، قيم…). وبالتالي، التحول من الفردانية إلى الاجتماع درّب الدماغ على مدى آلاف السنين على المهارات الاجتماعية. كما أن حجم وتعقد الدماغ عند الثدييات، ومنها الإنسان، مرتبط بحجم وتعقد جماعاتها، فالمتطلبات الاجتماعية لمجموعات كبيرة ومعقدة تنتقي دماغًا قادرًا على التفاعل المطلوب[51].
بشكل مقتضب، يعرف كريس فريث (Chris D. Frith)، عضو معهد علوم الأعصاب بجامعة كوليج لندن، الدماغ الاجتماعي بقوله: "إن الدماغ الاجتماعي هو ما يمكننا من التفاعل مع الآخرين. (...) وظيفة الدماغ الاجتماعي هو أن يمنحنا القدرة على القيام بالتوقعات أثناء التفاعل"[52]. تتم التوقعات عبر تحليل "الحالة الذهنية" للمشاركين في وضعية التفاعل، وهو ما يسميه علماء الأعصاب تَمَلُّك "نظرية ذهنية"[53]. هذه الأخيرة تسمح بولوج خَلَدَ الآخر لمعرفة ما يدور به؛ أي حالة[54] المتفاعل، وهي عبارة عن استعدادات طويلة الأمد (جدير بالثقة، غير موثوق)، أحاسيس قصيرة الأمد (خوف، غضب)، رغبات (توجه السلوك نحو هدف خاص)، ومعتقدات (تحدد سلوكنا بغض النظر عن صحتها أو خطئها).
على خلاف ليسلي بروذرز، يؤكد فريث على دور المتغيرات الاجتماعية. بالرجوع إلى تجارب حول "الخلايا العصبية المرآة"، التي بالرغم من اشتغالها أوتوماتيكيا من دون مراقبة واعية من طرف الفرد، إلا أنها لا تحدد سلوك الفعل في أيما اتجاه أرادت التعاطف مع المظلوم بتأثير من الخلايا العصبية المرآة من خلال مشاهدة واقعة الظلم، بتذكرها، أو بحكيها. لكن هل نتعاطف آليا مع المظلوم الذي سبق وإن أساء لنا؟ ربما قلنا: نال جزاءه. علم الأعصاب لم يتوصل بعد إلى تأكيد أو نفي ما إذا كان الترابط بين الخلايا العصبية المرآة مع التعاطف يتأثر خلال التفاعل. "من الجلي أن اشتغال الخلايا المرآة في دماغنا يخضع لتعديل تحت تأثير المتغيرات الاجتماعية"[55]. وهذه أحد مداخل التعاون بين علوم الأعصاب والعلوم الاجتماعية حتى يتسنى الفهم بدقة للدماغ، كما للفرد والمجتمع.
تؤكد دراسات من الأرشيف الأركيولوجي، من زاوية تطورية، أن الدماغ تطور منذ الإنسان المنتصب، عندما انتقل من مساكن مغلقة (مغارات) إلى مساكن مفتوحة (سهول وغابات)، البحث عن الأكل والاحتماء من خطر التعرض للافتراس، حتم عليه أولا التحالف (العيش في مجموعات)، وصناعة أدوات الصيد والحماية (ثقافة مادية)[56]. بالتالي أمكن القول إن الدماغ والمجتمع في تأثير بيني. لن تكون إذن فرضية الدماغ الاجتماعي صائبة إلا إذا أُوِّلت في منحيين؛ منحى علم الأعصاب كون الدماغ مجهز ليسمح للفرد بأن يكون اجتماعيًا. ثم منحى العلوم الاجتماعية بأن الدماغ يتجهز ويتطور تجهيزه تدريجيًا استجابة لما تقتضيه الكينونة الاجتماعية للفرد.
جاز القول إن اكتشاف علماء الأعصاب "للخلايا العصبية المرآة" مع ربطها بعدد من السلوكيات والظواهر يقوي من فرضية الدماغ الاجتماعي. يعد مقال العالمين الإيطاليين ريزولاتي (Rizzolatti) وليلًا كريغرو (Laila Craighero) مؤسسًا في هذا الموضوع[57]. "الخلايا العصبية المرآة هي فئة معينة من الخلايا العصبية الحركية، تم اكتشافها أصلًا في المنطقة (ف 5) من القشرة الأمامية الحركية (للدماغ) للقرد، التي تُفَرَّغ عندما يقوم القرد بفعل معين وعندما يلاحظ فردًا آخر (قرد أو إنسان) يقوم بعمل مماثل". التجربة على قرد المكاك أبانت على أن منطقة الخلايا المرآة تنشط عندما يقوم القرد بفعل (يمسك فول سوداني)، أو عندما يرى فردًا آخر يقوم بذلك. بمعنى آخر، وارتباطًا مع أطروحة ليسلي برادرز، الخلايا العصبية المرآة تسمح بتوقع وإدراك نوايا الآخر[58].
علوم الأعصاب خصوصًا علم الأعصاب الفيزيولوجي الذي كان وراء الاكتشاف أسس على الخلايا العصبية المرآة مجموعة من الخلاصات التي تتقاطع ومجالات علم الاجتماع، كما هي مضمنة في الملخص الذي يقدم للدراسة المنشورة[59]. أولًا هي أساس الفهم لدى الإنسان "ومن دون الحاجة للتفكير"[60]. لولا فهم أفعال الآخرين لما تمكنا من الاستمرار في العيش المشترك، ثانيًا تضمن ملكة التعلم بالمحاكاة، وهذه الملكة هي أساس الثقافة الإنسانية، ثالثًا، هي التي كانت مصدر تطور الانسان نحو اكتساب اللغة، فالتواصل. بتعبير آخر وبحسب علماء الأعصاب، لفهم وتفسير ظواهر الاجتماع (العيش المشترك)، التعلم، التقليد، الثقافة، اللغة والتواصل، لا نُدْحة عن الخلايا العصبية المرآة.
خلال الدراسة، تأكدت فرضيتا الباحثين[61]. الخلايا العصبية هي الوسيط نحو المحاكاة بمعنى القدرة على تعلم القيام بفعل عند مشاهدة من يقوم به؛ ثم ثانيًا إنها أساس فهم الفعل. قد يتبادر إلى الذهن أننا بهذا الاكتشاف قد ندحض النظريات السوسيولوجية لفهم الأفعال، مثل الانعكاسية كمنهجية للفهم والسوسيولوجية الفهمية الفيبرية، وكذا "قوانين المحاكاة" لغابرييل تارد (Gabriel Tarde). لحسن الحظ، ريزولاتي (Rizzolatti) لم يكن قطعيًا؛ حيث إنه لم يلغِ آليات أخرى للفهم عندما قال "لا يمكننا الجزم على أن الخلايا العصبية المرآة هي الوحيدة التي تمكن من فهم أفعال الآخرين"[62].كيف تمكن الخلايا العصبية المرآة الفرد من الفهم؟ الآلية حسب تعبير العالمين "سهلة". في كل مرة يشاهد فيها فرد فعلًا يقوم به فرد آخر؛ فإن الخلايا المرآة المسؤولة عن ذلك الفعل تنشط لدى الفرد المشاهد، وكأنه هو الذي يقوم بالفعل. هذا "التمثل الحركي" (وكأن المشاهد يقوم بالفعل) للفعل المشاهَد هو نفسه عندما يأتي الفاعل هو نفسه الفعل. ومن حيث كون الفاعل المشاهِد يعلم مسبقا نتيجة فعل الفاعل المرئي (التقاط كأس الماء في ظروف الشرب، النتيجة هي الشرب) فإنه يفهم الفعل. تجربتان لتأكيد مسؤولية الخلايا العصبية المرآة على الفهم: سماع فعل يصدر صوتًا دون مشاهدته (القيام بتشغيل محرك سيارة مثلًا)، ثم القيام بتمثل ذهني للفعل. في كلتا الحالتين، الخلايا العصبية المرآة نشطت. تفاعل الخلايا هذا دليل عند علماء الأعصاب على انها آلية الفهم.
مشكل ما قد يعيق الفهم. عندما أكون بصدد مشاهدة فعل لم أره من قبل. إذا وُجِدْتُ مثلا في بلاد أجنبية، وساقتني الظروف لملعب كتب عليه ملعب الغولف ولم أعلم بهذه الرياضة من ذي قبل، هل سأفهم فعل رياضي يجر حقيبة لوازم رياضته وبيده عصا؟ الفهم يقتضي بحسب النوروفيزيولولوجيا (Neurophysiology) أن أعلم بنتيجة حمل العصا. لن أعلم بذلك، ولم تتكون لدي خلايا عصبية مرآة أصلا مرتبطة بالموضوع؛ لأن دماغي لم يشفر بعد لا مرئيا ولا حركيا "الفعل والحركات المرتبطة باستخدام عصا الغولف"[63]. إذا، التشفير لا بد له من المجتمع الذي يحتضن الثقافة. نفس الملاحظة بالنسبة لظاهرة المحاكاة. "عندما يرى المشاهد حدثا حركيا يتقاسم مميزات ما مع حدث حركي مشابه موجود في ذخيرته الحركية؛ فإنه يميل إلى تقليده"[64]. بالتالي يكون التواجد في الذخيرة أسبق على المحاكاة. تطعيم الذخيرة لن يتأتى إلا من المحيط لكسب خطاطات حركية جديدة.
هناك من علماء الاجتماع من نفى على الفهم العصبي أن تكون له نفس الحمولة كالفهم السوسيولوجي، مفرقًا بين الفهم كتمثل للخاصيات الفزيقية للأجسام (الحجم، الكتلة، الشكل، اللون، السرعة..)، وكتمثل لطريقة تنفيذ لفعل حركي (قبط، رفع، دفع..)، كما التسلسل الزمني للتنفيذ (المدة الزمنية لفتح اليد، ثم لشدها من أجل قبط شيء)، والفهم الدلالي، الذي هو من صميم الاجتماع، والذي يفرق مثلا بين كأس لشرب الماء، وكأس لشرب الشاي.
عند اكتشاف الخلايا العصبية المرآة، عاشت أوساط علم الاجتماع جدلًا واسعًا بين من رأى فيها نهاية لمفاهيم ونظريات سوسيولوجية، وبين من رأى فيها تأكيدا لمفاهيم ونظريات أخرى. ومثال هذا النقاش، تلك المواجهة بين ليزاردو (Lizard) وتورنور (Turner)[65] حول نظرية الممارسات. تورنور يستنجد بالخلايا العصبية المرآة لدحض الأخيرة، وليزاردو يستعين بها لتأكيد صحتها.
يرفض تورنور رفضًا باتًا أن تكون لتلك الأشياء غير المرئية التي يسميها علماء الاجتماع ممارسات (الهابيتوس، الاستعدادات، البراديغمات، التقاليد، الاتفاقات الضمنية ...) قوة تفسيرية. من المستحيل أن يُعَيِّن بالتحديد من يضفي عليها سببية تفسيرية آلية بداخلها، يبرهن من خلالها عن اقتران الدافع بشكل دقيق وممنهج بالفعل الناتج عنه فرضًيا[66]. هذا النوع من التفسيرات المهيمنة في علم الاجتماع تسلم بالترابط دون أن تبين كيفية الانتقال، انتقال المعايير من المجتمع إلى الفرد. وحتى آلية التنشئة غير مقنعة بالنسبة لتورنور؛ لأنها تسلم ولا تبرهن. يقترح استبدال مفهوم الممارسة بمفهوم العادة التي لا نحتاج لأن نسلم بكونها مشتركة (مسلمة تحتاج لتبيان كيفية الانتقال مجتمع >فرد) لأنها تحيل على وجود أساس مادي لها، بصمة ذهنية، الذي هو اليوم التشفير الخلوي العصبي. تصبح التنشئة بذلك معتمدة على "مسارات بيولوجية عصبية".
يستند ليزاردو إلى الخلايا العصبية المرآة ليستدل على صدقية نظرية الممارسات، خصوصا نظرية الهابيتوس. إن الخلايا المرآة دليل على انطباع خطاطة ضوابط في الدماغ وتوجه اشتغاله، وهو ما يذهب إليه مفهوم الهابيتوس. تبرهن كذلك على القدرة على اكتساب معارف تطبيقية بشكل «طبيعي" مقترنا بحركية التطور العصبي، من دون أن تكون الحاجة ماسة للانغراس الاجتماعي. بين تورنور وليزاردو، يبق الهابتوس معلقًا بين أساس مادي بيولوجي فرداني مرتبط بالدماغ، وتصور كلياني تشكل التطورية عبر الانتقاء والتكيف مرتكزه الأهم. إن كان هناك أساس مشترك للمعرفة الاجتماعية (معرفة الحس المشترك التي تيسر العيس المشترك؛ أي الاجتماع) فهو الخلايا العصبية المرآة[67].
قدم السوسيولوجي الأمريكي جيف دايفيس (Jeff Davis) تفسيرًا نوروسوسيولوجيًّا للتفاوتات المستمرة. "هذا الفصل يقدم نموذجا نوروسوسيولوجيا لسيرورة سوسيولوجية بالغة التعقيد: التفاوت المستمر"[68]. من حيث إن دايفيس، عالم اجتماع بجامعة كاليفورنيا، يبحث عن أسباب التفاوتات الاجتماعية المستمرة في الدماغ، فهو يسلم إذا بفرضية الدماغ الاجتماعي. ولكن حتى لا يكون مختزِلًا للظاهرة في الخلية العصبية، سارع إلى التأكيد عند افتتاح مساهمته في كتاب (علم الأعصاب الاجتماعي) على ما يلي: "أبانت دراسات عديدة في العلوم العصبية الاجتماعية حساسية السيرورات العصبية البيولوجية للمحيط الاجتماعي (...)؛ تحاليل مقارناتية على النوع البشري وغير البشري توضح تطور الأنظمة العصبية تحت تأثير انتقاء اجتماعي قوي"[69].
بالفعل، دراسات عديدة أبانت عن نفاذ العصبي للاجتماعي. يحمل الدماغ بصمات محيطه على مدد زمنية طويلة توافق نموذج "انتقاء-تكيف" بحسب الجماعة الاجتماعية الذي يعيش فيها الفرد. فهو يتأثر بالطقوس، بالوضع التراتبي في التنظيم، بفرص الحراك الاجتماعي المتوفرة، بالإقصاء الاجتماعي، بالتعلم وانتقال المعطيات الثقافية، بالأخلاق والعدالة التوزيعية[70].
انطلق دايفيس من نموذج تشارلز تيلي (Charles Tilly) للتفاوتات الاجتماعية المستمرة[71]. النموذج يحدد أربع آليات على أنها المسؤولة عن التفاوتات المستمرة: الاستغلال، تراكم الفرص، التنافس والتكيف. لكل آلية منفصلة تأثيرها الخاص في استمرار التفاوتات، كما لها تأثير مركب في دينامياتها الترابطية.
- الاستغلال: "عندما يتحكم أشخاص أقوياء ومتشابكون في الموارد، ويجنون منها عوائد أعلى بكثير من خلال تنسيق جهود أشخاص آخرين خارجيين (من خارج الفئة) مع اقصائهم من القيمة المضافة الكاملة الناتجة عن تلك الجهود"[72]. نحن نعلم أن التعليم اليوم يتجه لتكوين تقنيين، وليس لتعليم الفكر النقدي. إنه إملاء سوق الشغل الذي يطلب يدًا وعقلًا منفذين.
- تراكم الفرص: إنه المراقبة والمحافظة على مورد قيمة، أو مورد ينتج قيمة من طرف المنتمين لفئة اجتماعية معينة. الطلب المتزايد على العلوم التطبيقية يجعل المتعلم مكتف ببيع "قوة عمله"، الشيء الذي يبعده عن الفرص التي تبقى حكرًا على فئة معينة. يستحضر الجميع، حسب دايفيس الذي يحيل على تيلي، الوضع على أنه مألوف تحت تأثير القواعد المؤسساتية والمعايير الثقافية المحدِّدة للوضع الاجتماعي. وكلها تقوي اعتقاد الفرد في استحقاق وضعه في التراتبية الاجتماعية المحلية[73]. وحتى التنظيمات يطالها هذا الاعتقاد فتعيد انتاج التفاوت الفئوي في طرق التشغيل والترقية. بمعنى آخر، تيلي يرى أن الثقافي هو الذي يصوغ ويشرعن التفاوتات.
- هي التنافس: هو الذي يعمم التفاوت الاجتماعي. الكل يتنافس مع الكل. في دراسة حول التنافس بين المكسيكيين والأونجلوساكسونيين في جنوب كاليفورنيا منذ الحرب الأمريكية المكسيكية، التجأ الأنجلوساكسونيون الذين جردوا الأسر المكسيكية من أراضيها لكبار أغنيائهم ليدلُّوهم على أفضل الطرق لاستغلال العمال المكسيكيين. كان انتشار أشكال الاستغلال هاته الحاسم في استمرار التفاوت بين الفئات الاجتماعية بين المكسيكيين والأونجلوساكسونيين حسب مينشاكا (Menchaca)[74]. وهو ما يسميه هذا الأخير "الفصل الاجتماعي" عبر التمييز في التعليم، عند التوظيف، وفي الولوج للقروض.
- التكيف. يعرفه تيلي على أنه ابتكار مساطر وحلول تيسر التفاعل اليومي. التفاعل هذا قد ينشئ تدريجيا عند الفرد تفاؤلا أو تشاؤما حسب درجة يسر التفاعلات مع الأخر، فردًا أو مؤسسة. دائمًا ما يكون عند الشباب الذي ينشأ في ظروف قاهرة اعتقاد كبير في اضمحلال فرص نجاحه؛ غالبَا ما يكون الحل هو اللامعيارية: الانقطاع الدراسي، وعزل سوق العمل مقابل أرباح قصيرة المدى كروابط اجتماعية متينة مع الأقران، وتقدير الذات.
حاول التحليل النوروسوسيولوجي أن يفهم ظاهرة التفاوتات المستمرة باستعمال مؤشرات اجتماعية، كما طرق اشتغال الدماغ. ومنها كون الدماغ يستدعي "موجهات إرشادية" ليتعامل مع المحيط. موجهات ترسخت بالتطور تحت تأثير إكراه الحفاظ على الطاقة أثناء التعامل مع محفزات المحيط. هذه الموجهات الارشادية هي آليات اتخاذ القرار عند الأفراد في ظروف اللايقين المطبوعة بثنائية المنافسة-التكيف. غالبَا ما يكثر العنف لدى شباب الأحياء الفقيرة. ظروفهم يطبعها اللايقين. موجهاتهم الإرشادية للخروج منه تحثهم على الاعتماد على مورد مجدي يملكونه: القدرة الجسدية التي تمكنه من تحقيق الاعتراف في أوساطهم. لكن بالتنافس في إظهار هذه الموهبة ينشأ العنف. عصبيًا، المحيط المتميز باللاتوقع يؤثر على اشتغال الدماغ كأي شكل من أشكال الإجهاد. يرد الدماغ بتوظيف موجهات إرشادية تعلي من شأن الأفضليات التي ترجح المكافآت على المدى القصير في محيط غير سليم.
الدماغ هنا يعمل عكس المألوف بسيرورة مراقبة السلوك "صاعدة"[75]. أهم ما يميزها التخلي عن فرملة السلوكيات الانفعالية الآتية من مناطق الدماغ المسؤولة عن الأحاسيس. مجموعة من الهورمونات تتدفق في حالات اللايقين والضغط الشديد للمحيط فتعدل من عمل الدماغ، فيكون تحليل الإشارات الآتية من الخارج بعكس ما يكون في بيئة مستقرة"[76]. اتخاذ القرار ينحصر في إعمال استراتيجيات قوامها برامج التعلم الاجتماعي والأفضليات المكتوبة في الجينات"[77]. التعلم عن طريق المحاولة والخطأ مستبعد في ظروف الضغوط الاجتماعية؛ لأن تكلفته عالية في حالة الخطأ مقارنة بأرباح المحاولة. برامج التعلم الاجتماعي تعتمد على المحاكاة، التي أحد أدواتها الخلايا العصبية المرآة والذاكرة، وهذا لا يكفي لأن الدماغ بتفاعله مع المجتمع، ولكي يوطد تعلمًا، يلزمه تشفيره. ومن هنا يكون التعاون والتكامل بين علم الأعصاب وعلم الاجتماع فرض عين وليس فرض كفاية. "أتوقع مستقبلًا لامعًا لعلم الأعصاب الاجتماعي". هكذا يختم دايفيس مساهمته.
في كتابه (تاريخ عسر النطق)، يلخّص دينيس فوريست (Denis Forest) في بضعة أسطر أرضية التوافق بين علمي الأعصاب والاجتماع قائلًا: "منطقة (بروكا) لا تحتوي على الكلمات أكثر من احتواء المنطقة الحركية [...] على إيماءة اليد؛ ومع ذلك فهي تسمح ببرمجة الإيماءة المقصودة، بنطق الجمل، وتساهم في رصد الحركة التي يتم تنفيذها أمامي لفهم الغاية منها. إن هذا الأساس المادي للوظيفة لن يكون كذلك إلا من خلال الإعداد للقيام بها في سياقات المبادلة"[78].
هنا يؤكد مؤرخ وفيلسوف العلوم الفرنسي أن التجسير لن يتأتى إلا بالتكامل. تكامل الدماغ المبرمِج للفعل، مع المجتمع الذي يوفر معطيات البرمجة. نعم، الدماغ مجهز لتعلم اللغة، لكن الجماعة هي من تحدد اللغة التي سيتعلمها. لا شك، الدماغ به إعدادات لتعلم طقوس التعبد، لكن مجموعة الانتماء هي من تعين تحديدا الطقوس المناسبة لدينها.
للتجسير بين علمي الأعصاب والاجتماع، لا سبيل إلا إذا اعتقد أهل الاختصاصْين بمبدأين؛ رفض الاختزال المتبادل، والإيمان بأهمية الواحد للآخر.
فرضية الدماغ الاجتماعي اختزالية ليست صالحة للتجسير. فرضية المعاني للاجتماعي والثقافي وفقط، هي كذلك تهدم قناطر العبور بين العلمين. التوافق يقتضي أن تلتقي الفرضيتان على أرضية مشتركة. لن يتسنى ذلك إلا بقبول علماء الأعصاب مجاورة "مفهوم الدماغ الاجتماعي" لمفهوم "مرونة الدماغ". تلك المرونة التي تخول له خلق روابط وإعادة تشكيل أخرى ليجعل الفرد مندمجا في مجموعاته المختلفة الأسرية، المهنية، الدينية، والسياسية.
من المعلوم أن من دون خلايا عصبية سليمة، لن يتمكن الفاعل الاجتماعي من أن يقوم بوظائف بيولوجية خاصة به، ومنها تلك التي تختص في تفاعلاته مع مجتمعه. من دون حاسة السمع والبصر على سبيل المثال، لن يندمج بقدر ما يندمج به السليم. من دون خلايا عصبية قادرة، ستصير وظائف اجتماعية (المحادثة، التنسيق، التعاطف..) لا وظيفية. لكن من يحدد وظائف المجتمع؟ قد يكون ما هو وظيفي هنا، لا وظيفي هناك. لباس مجتمع الشامان، أنضمان، والنوبا مثلًا معياريًا عندهم، لا معياري في مجتمعاتنا. المجتمع يُعَلِّم فيركب الدماغ. ومنه، الأهمية القصوى لمفهوم "مرونة الدماغ".
يبقى الحوار بين الجماعات العلمية من كلا الجانبين هو الخطوة الأولى لتقريب الهوة. يكفي الاطلاع على كتابات علماء الاجتماع في موضوع العلوم العصبية الاجتماعية للوقوف على حجم انتقادات السوسيولوجيين لها. ليس من دون وجاهة. لا يرد ولا يوضح علماء الأعصاب موفقهم. فيستمر سوء الفهم؛ بل المحير في الأمر هو أن علماء الاجتماع هم من يساجل بعضهم بعضا[79].
إجمالًا يعاب على علم الأعصاب أربعة أمور:
1- فك ارتباط الفرد بالمجتمع وجعله حصريًا "فردًا دماغيًا"،
2- نتائج تجارب مختبرات علم الأعصاب صالحة للمختبر، غير قابلة للتطبيق كلية في المجتمع.
3- مخاوف من استعمال علم الأعصاب الاجتماعي للسيطرة والتلاعب بالأفراد والمجتمعات[80] عن طريق تفعيل نتائجه في السياسات الصحية.
4- التشكيك في استنتاجات علوم الأعصاب من "المادة" إلى "التفكير"، من "الفيزيقي" إلى "الأخلاقي"، ومن "البيولوجي" إلى "الاجتماعي"، إن على مستوى التقنيات، وإن على مستوى طبيعة وقوة الترابط بين المتغيرات.
وحده الانفتاح على الآخر يذيب الاختلاف، ويفتح آفاق التكامل. سيسمح بنقاش هذه المؤاخذات، ويستوضح كل من علماء الاجتماع والأعصاب الاختلافات عن بينة. إذ ذاك، تكون الخطوة الثانية، العمل على برامج بحث مشتركة. وإن لم يكن، يعمل كل من جانبه على تحويل خلاصات الآخر إلى فرضيات في مجال اختصاصه. بهذا يكون المكسب مكسبين. من جهة، تجريب توجهات بحثية جديدة، ثم اختبار صواب تلك الفرضيات. وعند نشر النتائج، يناقش علماء الضفتين عبر مجلاتهم وكتبهم النتائج.
هذا ما أوصى به مارسيل موس عندما قال: "[...] أختم بأنه لن نتمكن من رؤية واضحة لكل هذه الوقائع، للسباق، للسباحة...، إن لم نُدْخِل في الحسبان ثلاثة اعتبارات وليس اعتبارًا واحدًا، سواء كان ميكانيكيًا وفيزيقيًا، كنظرية تشريحية وفيزيولوجية للمشي، أو كان على العكس سيكولوجيًا أو سوسيولوجيًا. إنها وجهة نظر ثلاثية، وجهة نظر (الإنسان الكلي)، وهي الضرورية"[81].
References:
Arnsten, Amy F. T. “Stress signaling pathways that impair prefrontal cortex structure and function,” Nature Reviews Neuroscience, Vol 10. No. 6 (2009), pp. 410-422. https://doi.org/10.1038/nrn2648
Brothers, Leslie. “The social brain: A project for integrating primate behavior and neurophysiology in new domain.” In: John Cacioppo and et al (eds.), Foundations in social neuroscience. Massachusetts Institute of technology: The MIT Press, Massachusetts, 2002.
Cacioppo, J. T. & Berntson, G. G. “Social psychological contributions to the decade of the brain. Doctrine of multilevel analysis”, American PSychologist, Vol. 47, No. 8 (August 1992), pp. 1019-1028. https://doi.org/10.1037/0003-066X.47.8.1019
Cacioppo, J. T. & Patrick, W. Loneliness: Human nature and the need for social connection. New York: W. W. Norton, 2009.
Cherkaoui, Mohamed. La sociologie de l’éducation. Paris: QUE SAIS JE, 2010.
Creel, S. & Sands, J. L. “Is social stress a consequence of subordination or cost of dominance?” In: F. B. M., Waal &P.L. Tyack (eds.), Animal social complexity: intelligence, culture and individual society. Cambridge, MA: Harvard University, 2003.
Davis, Jeff. “Persistent inequality: A neurosociological perspective,” In: David D. Franks & Jonathan H. Turner (eds.), Handbook of neurosociology. Dordrecht, Heidelberg, New York, London: Springer, 2013.
Dunabr, Robin. “The social brain hypothesis.” In: John Cacioppo, et al. (eds.), Foundations in social neuroscience. Massachusetts: Massachusetts Institute of Technology: The MIT Press, 2002.
Durkheim, Emile. Les règles de la méthode sociologique. Paris: Félix Alcan Editeur, 1895.
Ehrenberg, Alain. “Le cerveau ‘social’: Chimère épistémologique et vérité sociologique,” Esprit, Vol. 341 (2008), pp. 79-103. https://doi.org/10.3917/espri.0801.0079
Forest, Denis. “Histoire des aphasies”, Figures de la psychanalyse, No. 13 (2006), pp 245-247. https://doi.org/10.3917/fp.013.0245
Frank, David D. Neurosociology: Fundamentals and current findings. New York, London: Springer, 2019.
Frith, Chris D. “The social brain?” Philosophical Transactions of the Royal Society B: Biological Sciences. Vol. 362 )2007), pp. 671- 678. https://doi.org/10.1098/rstb.2006.2003
Gazzaniga, Michael S. The social brain. Discovering the networks of the mind. New York: Basic Books, 1985.
Lacoboni, Marco & et al. “Grasping the intentions of others with one’s own mirror neuron system.” Plos Biology. Vol. 3 No. 3 (2005), pp. 529-535. https://doi.org/10.1371/journal.pbio.0030079
Lizardo, Omar. “Mirror neurons, collective objects and the problem of transmission: reconsidering Stephen Turner’s critique of practice theory,” Journal of the theory of social behavior, Vol. 37, Issue3 (2007), pp. 319-350. https://doi.org/10.1111/j.1468-5914.2007.00340.x
Maryanski, Alexandra. “The secret of the hominin mind: An evolutionary story.” In: David D. Franks & Jonathan H. Turner (eds.), Handbook of Neurosociology. Dordrecht, Heidelberg, New York, LLondon: Springer 2013.
Mauss, Marcel. Sociologie et anthropologie. Paris: PUF, 1934.
Menchaca, Martha. Mexican outsiders: A community history of marginalisation and discrimination in California. Austin: University of Texas Press, 1995.
Ogien, Albert. “Les sciences cognitives ne sont pas des sciences humaines: Une réponse à «Vers un naturalisme social» de Laurence Kaufman et Laurent Cordonier,” Sociologie (2011). https://doi.org/10.4000/sociologies.3635
–––. “Normativité social et normativité neuronale: La découverte des ‘neurones miroirs’ et ses usages en sociologie,” Revue française en sociologie. Vol. 51, No. 4 (2010), pp. 667- 691. https://doi.org/10.3917/rfs.514.0667
Owen, J. E. Tenhouten, Warren D. and Kaplan, Charles D. “Science and Its Mirror Image: A Theory of Inquiry.” The ANNALS of the American Academy of Political and Social Science. Vol. 412, No.1, (1974). pp. 240-255. https://doi.org/10.1177/000271627441200176.
Panese, Francesco, Arminjon, Mathieu, & Pidoux, Vincent. La fabrique du sujet entre cerveau et société: Tensions critiques. Neuchâtel: Université de Neuchâtel, MAPS, 2017.
Rizzolatti, Giacomo & Craighero, Laila. “The mirror-neuron system.” Annuaire Review Neuroscience. Vol. 27 (2004), pp. 169-192. https://doi.org/10.1146/annurev.neuro.27.070203.144230
Rizzolatti, Giacomo & Matelli, Massimo. “Two different streams form the dorsal visual system: anatomy and functions,” Experimental Brain Research, Vol. 153, No. 2 (2003), pp. 146-157. https://doi.org/10.1007/s00221-003-1588-0
Rizzolatti, Giacomo & Sinigaglia, Corrado. Mirrors in the brain: How our minds share actions and emotions. Oxford: Oxford University press, 2008.
Rose, Nikolas & Abi-Rached, Joelle M. Neuro: The new brain science and the management of the mind. U.S.A, Princeton: Princeton University Press, 2013.
Ruelland, Jacques G. L'empire des Gene: Histoire de la sociobiologie. France: Lyon, 2004.
Tenhouten, Warren D. & et al. “The other side of the brain the A-P ratio, Vol. IV.” Bulletin of the Los Angeles neurological societies. Vol. 37, No. 2(1972), pp.49-61.
Tilly, Charles. Durable inequality. Berkeley: University of California Press, 1998.
Turner, Stephen. The social theory of practices: tradition, tacit knowledge and presuppositions. London: Polity Press, 1994.
Weber, Max. Economie et société. Paris: Plon, 1971.
Wilson, Edward O. Sociobiology: The New Synthesis. Cambridge: Harvard University Press, 1975.
[1] البحث من إعداد ثلاثة علماء اجتماع وعالم أعصاب؛ علماء الاجتماع هم: تينهوتن و ديزور ( Tenhouten & DeZure) (جامعة كاليفورنيا)، ومارش (Marsh) (بيتزر كوليج) ؛ وعالم أعصاب هو بوجن (Bogen) (روس-لوس ميداكال غروب).
[2] Warren D. Tenhouten & et al., “The other side of the brain the A-P ratio, Vol. IV,” Bulletin of the Los Angeles neurological societies, Vol. 37, No.2 (1972), p. 49.
[3] هذا الموقف الإبستيمولوجي يذكرنا قياسًا بالمبدأ الذي سنه إميل دوركهايم لسوسيولوجيا التربية عندما أصبغ عليها مبدأ الاستقلالية النسبية عن المجالات الأخرى. Mohamed Cherkaoui, La sociologie de l’éducation (Paris: QUE SAIS JE, 2010), pp. 3-8
[4] Tenhouten, “The other side of the brain the A-P ratio, Vol. IV,” p. 49.
[5] J. E. Owen, Warren D. Tenhouten and Charles D. Kaplan, “Science and Its Mirror Image: A Theory of Inquiry,” The ANNALS of the American Academy of Political and Social Science, Vol. 412, No. 1 (1974), pp. 240-255
[6] David D. Frank, Neurosociology: Fundamentals and current findings (New York, London: Springer, 2019), p. 12.
[7] Owen, Tenhouten and Kaplan, “Science and Its Mirror Image: A Theory of Inquiry,” p. 220.
[8] عالم أعصاب فيزيولوجي أمريكي (1926-2005)، تخصص في الأبحاث حول تكوين الدماغ ونظريات الوعي، واشتغل بالتدريس في جراحة الأعصاب بجامعة جنوب كاليفورنيا.
[9] في كتابه (السوسيوبيولوجيا: توليفة جديدة)، يخصص ويلسون مؤسس النظرية البيولوجية لتفسير الاجتماعي فصلًا بعنوان (الإنسان: من السوسيوبيولوجيا إلى السوسيولوجيا). يعرض فيه تفسيرات بخلفية جينية لعدد من الظواهر الاجتماعية، مثل: التنظيمات، والتبادلية، والإيثار، والترابط، والجنس، وتقسيم العمل، والتواصل، والأخلاق، والثقافة، والطقوس، والدين. Edward O. Wilson, Sociobiology: The New Synthesis (Cambridge: Harvard University Press, 1975), pp. 547-575.
[10] Ibid., p. 4.
[11] Ibid., pp. 7-31.
[12] Ibid.
[13] Jacques G. Ruelland, L'empire des Gene: Histoire de la sociobiologie (France : Lyon, 2004).
[14] Ibid.
[15] Wilson, Sociobiology: The New Synthesis, p. 547.
[16] Ibid., p. 549.
[17] Ibid., p. 549.
[18] Ibid, p. 559.
[19] Ibid.
[20] Emile Durkheim, Les règles de la méthode sociologique (Paris: Félix Alcan Editeur, 1895), p. VIII.
[21] Ibid., p. 5.
[22] Ibid., p. 8.
[23] Ibid., p. 14.
[24] Ibid., p. 20.
[25] Ibid., p. 23.
[26] Ibid., p. 51.
[27] Ibid., p. 108.
[28] Ibid., p. 111.
[29] Ibid., p. 121.
[30] Ibid., p. 123.
[31] Ibid., pp. 135; 148; 177.
[32] Max Weber, Economie et société (Paris: Plon, 1971), p. 28.
[33] السؤال هنا ليس استنكاريًا؛ بل منهجي حقيقي، يظهر بعض من الجواب عنه في الصفحات المخصصة لمفهومي الدماغ الاجتماعي والخلايا العصبية المرآة، كما تمثِّل عليه الفقرة المخصصة لتفسير استمرار التفاوتات الاجتماعية. قد يكون من المفيد أن نفيئ العلوم العصبية على أنها تنتمي إلى خانة المنهجية الذرية (methodological atomism)، في مقابل المنهجية الفردانية والمنهجية الكليانية. لكن إن اقترنت العلوم العصبية بالاجتماعية؛ أصبح لزامًا عليها أن تكون فردانية، وليس في مقدورها أن تكون كليانية؛ إذ تأخد النزعة الذرية هي التي بعين الاعتبار متغيرات فردية وفقط؛ بينما تأخذ النزعة الفردانية في الحسبان متغيرات فردية ومتغيرات سياقية بنيوية. النزعة الكليانية تقصي من مجال دراستها المتغيرات الفردية، وتكتفي بالمتغيرات البنيوية.
[34] Weber, Economie et société, pp. 29, 32.
[35] Ibid., p. 33.
[36] Ibid.
[37]من نقاط الانتقاد اليوم في علم الأعصاب هو أن الاستنتاجات السببية في علوم الأعصاب الاجتماعية ضعيفة. انظر:
Francesco Panese, Mathieu Arminjon & Vincent Pidoux, La fabrique du sujet entre cerveau et société: Tensions critiques (Neuchâtel: Université de Neuchâtel, MAPS, 2017).
[38] Weber, Economie et société, p. 33.
[39] Ibid., p. 35.
[40] Ibid., p. 40.
[41] J. T. Cacioppo & G. G. Berntson, “Social psychological contributions to the decade of the brain. Doctrine of multilevel analysis”, American PSychologist, Vol. 47, No. 8 (August 1992), pp. 1019-1028.
هذه المقالة تفرز عنوانًا لعشرية الدماغ (Decade of the Brain) في صفحاتها 2019-2020، التي أقرها إعلان الكونغرس الأمريكي، وجعل عشرية التسعينيات عشرية الدماغ بما يترتب على ذلك من إعادة تصويب منحى البحوث والميزانيات.
[42] Cacioppo & Berntson, “Social psychological contributions to the decade of the brain,” p. 1025.
[43] Ibid., p. 1020.
[44] Ibid., p. 1024.
[45] هذه الخاصية بنيوية في أغلب الظواهر الاجتماعية، ونبّه لها غالبية مؤسسي علم الاجتماع من دوركهايم وفيبر وسميث، ويعبَّر عنها بالكل لا يساوي مجموع أجزائه. وهو ما يجعل معظم الظواهر الاجتماعية انبثاقية، وليست ناتجة بتعبير كارل هامبل؛ أي مقصودة. وهذه كناية عن استحالة التنبؤ بحدوثها؛ لأنها لا تخضع لمنطق تيليولوجي؛ أي من فعل الأفراد لغايات بعينها. فلنا أن تتخيل مدى قوة انبثاقية الظواهر في النوروسوسيولوجيا التي تشتغل بمتغيرات اجتماعية، وأخرى عصبية.
[46] Leslie Brothers, “The social brain: A project for integrating primate behavior and neurophysiology in new domain,” In: John Cacioppo and et al (eds.), Foundations in social neuroscience (Massachusetts Institute of technology: The MIT Press, Massachusetts, 2002), pp. 1; 27-61.
تجدر الإشارة إلى أن عالم الأعصاب غازانيغا (Gazzaniga) هو أول من استعمل تعبير (الدماغ الاجتماعي) عنوانًا لكتابه سنة، 1985 لكن دون أن يعطي للدماغ حمولة تختص في فهم الحياة الاجتماعية، بل من زاوية كون أمراض الدماغ تعيق السير السليم للحياة الاجتماعية للفرد. انظر:
Michael S. Gazzaniga, The social brain. Discovering the networks of the mind (New York: Basic Books, 1985).
[47] Brothers, “The social brain: A project for integrating primate behavior and neurophysiology in new domain,” p. 367.
[48] يربط روبين دينبار (Dunbar) فرضية الدماغ الاجتماعي ببعد "المجتمع المعقد" الذي أشر عليه بحجم المجموعة الذي حدده في متوسط 150 فردًا للجماعات الثديية وللجماعات البشرية التقليدية التي تعيش علي القطف والقنص. تعقد المجتمع هو ما جعل قياس حجم دماغ الثدييات أكبر مما سواها حسب دينبار مفندًا فرضيات منافسة : حجم الدماغ متناسب مع حجم الجسم، حجم الدماغ رهين بالإمداد الغذائي للجنين من طرف الأم، الحجم مرتبط بالحمية الغذائية، مرتبط بالخريطة الدهنية للتنقيب على الغذاء (الثدييات التي تتغذى على الفواكه تتوفر على دماغ أكبر مقارنة مع التي تتغذى على أوراق النباتات؛ لأن الفواكه سريعة الزوال ومتناثرة).
Robin Dunbar, “The social brain hypothesis,” in John Cacioppo et al. (eds.), Foundations in social neuroscience (Massachusetts: Massachusetts Institute of Technology: The MIT Press, 2002), pp. 69-83.
[49] Brothers, “The social brain: A project for integrating primate behavior and neurophysiology in new domain,” p. 371.
[50] Ibid., p. 383.
[51] Nikolas Rose & Joelle M. Abi-Rached, Neuro: The new brain science and the management of the mind (U.S.A, Princeton: Princeton University Press, 2013), p. 143.
[52] Chris D. Frith, “The social brain?” Philosophical Transactions of the Royal Society B: Biological Sciences, Vol. 362 )2007), pp. 671- 678.
[53] يرفض كثيرون من علماء الاجتماع فرضية الدماغ الاجتماعي، في شقها الاختزالي الصرف الذي لا فهم للاجتماعي وللفردي إلا به:
Alain Ehrenberg, “Le cerveau ‘social’ : Chimère épistémologique et vérité sociologique,” Esprit, Vol. 341 (2008), pp. 79-103.
[54] بالنسبة إلى علم الأعصاب هناك أربع مناطق محددة في الدماغ تختص في النفاذ إلى الحالات الذهنية للمتفاعل، حتى لا نعتقد أن ذلك النفاذ ناتج عن فرضيات اجتماعية يصيغها الفاعل بالنظر لوضعية التفاعلFrith, “The social brain?” p. 671.
[55] Ibid., p. 675.
[56] Alexandra Maryanski, “The secret of the hominin mind: An evolutionary story,” In: David D. Franks & Jonathan H. Turner (eds.), Handbook of Neurosociology (Dordrecht, Heidelberg, New York, LLondon: Springer 2013), pp. 302-307.
[57] Giacomo Rizzolatti & Laila Craighero, “The mirror-neuron system,” Annuaire Review Neuroscience, Vol. 27 (2004), pp. 169-192.
[58] Marco Lacoboni & et al., “Grasping the intentions of others with one’s own mirror neuron system,” Plos Biology, Vol. 3 No. 3 (2005), pp. 529-535.
[59] Ibid., p. 169.
[60] Giacomo Rizzolatti, Corrado Sinigaglia, Mirrors in the brain: How our minds share actions and émotions (Oxford: Oxford University press, 2008), p. 125.
[61] Ibid., p. 172.
[62] Ibid.
[63] Giacomo Rizzolatti & Massimo Matelli, “Two different streams form the dorsal visual system: anatomy and functions,” Experimental Brain Research, Vol. 153, No. 2 (2003), pp. 146-157.
[64] Rizzolatti and Craighero, “The mirror-neuron system,” p. 180.
[65] Stephen Turner, The social theory of practices: tradition, tacit knowledge and presuppositions (London: Polity Press, 1994), pp. 19-24; Omar Lizardo, “Mirror neurons, collective objects and the problem of transmission: reconsidering Stephen Turner’s critique of practice theory,” Journal of the theory of social bahaviour, Vol. 37, No. 3 (2007), pp. 319-350.
[66] Albert Ogien, “Normativité social et normativité neuronale: La découverte des ‘neurones miroirs’ et ses usages en sociologie,” Revue française en sociologie,, Vol. 51, No. 4 (2010), p. 675.
[67] Ehrenberg, “Le cerveau ‘social’ : Chimère épistémologique et vérité sociologique,” p. 85.
[68] Jeff Davis, “Persistent inequality: A neurosociological perspective,” In: David D. Franks & Jonathan H. Turner (eds.), Handbook of neurosociology (Dordrecht, Heidelberg, New York, London: Springer, 2013), p. 333.
[69] Ibid.
[70] John T. Cacioppo & William Patrick, Loneliness: Human nature and the need for social connection (New York: W. W. Norton, 2009); S. Creel & J. L. Sands, “Is social stress a consequence of subordination or cost of dominance?” In: F. B. M., Waal & P.L. Tyack (eds.), Animal social complexity: intelligence, culture and individual society (Cambridge, MA: Harvard University, 2003), pp. 153-169.
[71] Charles Tilly, Durable inequality (Berkeley: University of California Press, 1998).
[72] Ibid., p. 74.
[73] Davis, “Persistent inequality: A neurosociological perspective,” p. 333.
[74] Martha Menchaca, Mexican outsiders: A community history of marginalisation and discrimination in California (Austin: University of Texas Press, 1995).
[75]Amy F. T. Arnsten, “Stress signaling pathways that impair prefrontal cortex structure and function,” Nature Reviews Neuroscience, Vol. 10. No. 6 (2009), pp. 410-415.
[76] Davis, “Persistent inequality: A neurosociological perspective,” p. 333.
[77] Ibid., p. 342.
[78] Denis Forest, “Histoire des aphasies,” Figures de la psychanalyse, No. 13 (2006), pp. 245-247.
[79] Albert Ogien, “Les sciences cognitives ne sont pas des sciences humaines: Une réponse à «Vers un naturalisme social» de Laurence Kaufman et Laurent Cordonier,” Sociologie (2011).
[80] Rose, Abi-Rached, Neuro, pp. 166-167.
[81] Marcel Mauss, Sociologie et anthropologie (Paris: PUF, 1934).