cid:image007.png@01DA94D4.752A8770Publizieren – Why Open Access? 

 

 

تاريخ الاستلام: 16 مارس 2023 | تاريخ التحكيم: 30 مايو 2023 | تاريخ القبول: 30 سبتمبر 2023

 

مقالة بحثية

التجسير بين علوم الشريعة وعلوم الطبيعة: التفسير العلمي نموذجًا - مقاربة تقييمية تقويمية

شيماء فوخري https://orcid.org/0009-0000-8992-9614

باحثة مستقلة في الدراسات القرآنية والتفسير- المغرب

Chaymae.chama1994@gmail.com

ملخص

تناولت الدراسة مفهوم التجسير بين علوم الشريعة وعلوم الطبيعة، من خلال التفسير العلمي للقرآن. وسَعت إلى تقييم هذا النموذج من التجسير بطرح جملة من الأسئلة عليه، منها سؤال الجدوى، وسؤال احترامه لطبيعة العلوم المجسَّر منها وإليها، وكذا سؤال احترامه لطبيعة الفضاء المعرفي الإسلامي. ولتحقيق هذا الغرض توسّلت الدراسة المنهج الوصفي والمقارن؛ حيث انطلقت من وصف ماهية التجسير من خلال نماذج من تفسير مفاتيح الغيب للرازي، وأخرى من كتاب مفتاح دار السعادة لابن القيم، ثم مضت إلى المقارنة بين هذه النماذج ونماذج أخرى تنتمي إلى القرنين 19 و20م، وذلك لمتابعة التغيرات التي شهدتها هوية التجسير، وتحليل أسبابها. كما رصدَت بعض الاعتراضات التي وُجّهت إلى هذا النمط من التجسير واستثمرَتها في بناء مفهوم أقوم له. انتهت الدراسة إلى جملة من النتائج أهمها: أن التجسير أداةٌ تدخّل السياقُ المعرفيّ في تشكيل هويتِها، ما أدّى إلى تغيير ماهية التفسير العلمي من كونه انعكاسًا للنموذج المعرفي الإسلامي إلى كونه انعكاسًا للنموذج الغربي بتحيزاته، بفعل تأثير حركة الاستشراق عليه. وهو ما استدعى التفكير في إعادة تأسيس التجسير باقتراح نموذج يتسق وطبيعة السياق المعرفي الإسلامي هو: "فقه الوِجهة" أو "الأقْوَمة".

الكلمات المفتاحية: التجسير، التفسير العلمي، التحيز، الدراسات البينية، الأقوَمة، الاستشراق

للاقتباس: فوخري، شيماء. "التجسير بين علوم الشريعة وعلوم الطبيعة: التفسير العلمي نموذجًا – مقاربة تقييمية تقويمية"، مجلة تجسير لدراسات العلوم الإنسانية والاجتماعية البينية، المجلد السابع، العدد 2 (2025). https://doi.org/10.29117/tis.2025.0227

© 2025، فوخري، الجهة المرخص لها: مجلة تجسير، دار نشر جامعة قطر. نُشرت هذه المقالة البحثية وفقًا لشروط Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0). تسمح هذه الرخصة بالاستخدام غير التجاري، وتنبغي نسبة العمل إلى صاحبه، مع بيان؛ أي تعديلات عليه. كما تتيح حرية نسخ، وتوزيع، ونقل العمل بأي شكل من الأشكال، أو بأي وسيلة، ومزجه وتحويله والبناء عليه، طالما يُنسب العمل الأصلي إلى المؤلف. https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0

 


 

Publizieren – Why Open Access?Tajseer
Interdisciplinary Studies in
Humanities and Social Science

Submitted: 16 Mar 2023 | Reviewed: 30 May 2023 | Accepted: 30 September 2023

 

Research Article

Bridging Sharia Sciences and Natural Sciences: Scientific Interpretation as a Model–An Evaluative and Assessment Approach

Chaymae Fouikhri https://orcid.org/0009-0000-8992-9614

Independent Researcher in Qur’anic Studies and Exegesis-Morocco.

Chaymae.chama1994@gmail.com

Abstract

This paper examines the concept of bridging (Tajseer) Islamic sciences and natural sciences, using the scientific interpretation of the Qur’an as a foundational framework. The study aims to evaluate this bridging model through a set of key questions: its practical utility, its respect for the intrinsic nature of the sciences involved, and its compatibility with the Islamic epistemic framework. To achieve this, the paper employs description, analysis, and comparison. It begins by outlining the nature of bridging through examples from al-Razi’s exegesis and Ibn al-Qayyim’s Miftah Dar al-Sa‘adah, then compares these with models from the 19th and 20th centuries to trace the evolution of bridging practices and analyze the underlying factors driving these developments. The study also considers critiques of this approach to construct a more robust concept of bridging. Findings indicate that the practice of bridging reflects the influence of its epistemic context, which led scientific interpretation to shift from alignment with the Islamic epistemic model to adoption of Western frameworks with their inherent biases, under the influence of Orientalist discourse. The paper concludes by proposing the reestablishment of bridging according to a model consistent with the Islamic epistemic context, referred to here as “Fiqh al-Wajha” or “Al-Aquameh.”

Keywords: Bridging; Scientific Interpretation; Bias; Interdisciplinary Studies; The Jurisprudence of Perspective, Orientalism

Cite this article as: Fouikhri, C. “Bridging Between Sharia Sciences and Natural Sciences: Scientific Interpretation as a Model (An Evaluative and Assessment Approach),” Tajseer Journal for Interdisciplinary Studies in Humanities and Social Science, Vol. 7, Issue 2 (2025): pp. 00-00. https://doi.org/10.29117/tis.2025.0227

© 2025, Fouikhri, licensee, Tajseer & QU Press. This article is published under the terms of the Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0), which permits non-commercial use of the material, appropriate credit, and indication if changes in the material were made. You can copy and redistribute the material in any medium or format as well as remix, transform, and build upon the material, provided the original work is properly cited. https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0


مقدمة

يمثّل التجسير بين المعارف مدخلًا أساسيًا إلى إنضاج العلوم، ذلك أن العلوم حقول معرفية متجاورة لا يستوي نضجها إلا بالتواصل المفضي إلى التلاقح. ولذلك كان من سمات العقل السعيُ المستمر إلى تأسيس فضاءات للتواصل بين العلوم؛ وجسور تسهّل التلاقح بين المعارف. وقد كان حظ العقل العربي[1] من هذا السعي وافرًا؛ حيث شهد الفكر الإسلامي منذ لحظاته التأسيسية الأولى نشوء علاقات معرفية متينة بين علوم متعدّدة، حين استند التفسير مثلًا إلى علوم اللغة، وتكامل الفقه مع علوم الجبر، وتداخل علم الكلام مع أصول الفقه...إلخ، ولذلك ليس من الغريب في شيء أن يشهد العقل العربي اليوم يقظة منهجية تدفعه من جديد نحو استئناف التجسير -بوصفه فعلًا معرفيًا أصيلًا- لاستعادة أهم خصائص المعرفة الإسلامية، المتمثلة في وحدة المعرفة وتكاملها.

إلا أن هذه اليقظة المنهجية قد اصطدمت بواقع جديد شكّلت فيه العلوم الطبيعية بتحيّزاتها الغربية المحور الذي تدور حوله العقلانية الحديثة، وهو ما حوّل توجّه العقل العربي من التجسير البيني بين العلوم الإسلامية، إلى التجسير بينها وبين العلوم الوافدة بتحيزاتها. وهو توجّه وإن بدا واعدًا من حيث الإمكانات التي يفتحها أمام تجديد الفكر الإسلامي؛ فإنه لا يخلو من أخطار منهجية تهدّد المعرفة الإسلامية في نظامها الداخلي. ويستدعي هذا التهديد مواكبةً منهجية صارمة تحدّد شروط التجسير وضوابطه، وتعيد مساءلة حدوده، فليس كلّ تجسير محمودًا، ولا كلّ تداخل بين الحقول المعرفية مثمرًا بالضرورة؛ لذا كان لا بدّ من مساءلة التجسير ذاته: ما غايته؟ وما حدود الحاجة إليه؟ وهل يمكن أن يتمّ دون أن يمسّ البنية الداخلية لأحد الطرفين؟

من هذه الأسئلة ينطلق البحث، ساعيًا إلى مساءلة مفهوم التجسير بين التفسير والعلوم الطبيعية، استجلاءً لجدواه، وتحريًا عن نهجه، واقتراحًا لنموذج تجسير يتلاءم وطبيعة المعرفة الإسلامية من حيث مصادرها ومقاصدها وأدواتها.

ولتحقيق هذه الغاية، توزّعت المعالجة على مستويات وصفية وتحليلية ومقارنة، تضافرت جميعها لصياغة رؤية نقدية لتاريخ التجسير ومآلاته، بدأتُ فيها بتمهيد يقدّم لموضوع البحث ويعرض إشكالاته وأهدافه، ثم تناولت التجسير كما نشأ في الفكر الإسلامي الكلاسيكي، من خلال تحليل نماذج مختارة من تفسير مفاتيح الغيب للرازي، ومفتاح دار السعادة لابن القيم؛ عكست النموذج الإسلامي للتجسير. بعد ذلك، تتبّعت التطور الذي طرأ على هذا النمط من التجسير في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، مع الاستعانة بنماذج من تفسير الإمام محمد عبده، مدعومةً بإضاءات الأستاذ رشيد رضا، وقرأتُها بوصفها محاولاتٍ تلفيقية أخضعت المعنى القرآني لمقررات العلوم الحديثة بتأثير من السياق الثقافي الذي فرض المقاربة الدفاعية عن الذات في مواجهة الاستشراق.

ثم خصّصتُ حيزًا لتقييم هذا المسار من خلال نموذجين بارزين؛ اعتراض الإمام الشاطبي على التفسير العلمي انطلاقًا من مركزية وظيفة الإفهام ومعهود الأمّيّين[2]، ونقد الدكتور محمد كامل حسين للتفسير وللإعجاز العلميين، بوصفهما تمركزًا حول النموذج العلمي الحديث وإقحامًا للتحيزات الغربية في فضاء المعرفة الإسلامية. وقد أسهمت هذه الأدوات في بلورة مقترحٍ أسميتُه «فقه الوِجهة»، يقوم على جعل اتجاه التجسير من القرآن إلى العلم وليس العكس؛ بحيث تضبط البوصلة القرآنية الممارسة العلمية، من غير أن تملي توجيهًا على نتائجها. وبكيف يجنّب الفضاء الإسلامي الخضوع للتحيّزات الغربية المربكة للمعرفة الإسلامية.

أولًا: نشأة التجسير بين التفسير والعلوم الطبيعية وهاجسُ إثبات الخالق

إن مساءلة مفهوم التجسير بين العلوم تستدعي ابتداءً وجود ممارسة واقعية لهذا التجسير؛ إذ لا يُعقل نقد مفهوم لم يجد طريقه إلى التطبيق، ومن ثَمَّ، كان من الضروري العودة إلى التراث الإسلامي لاستكشاف نموذج قائم يمكن أن يشكّل قاعدة صلبة لعملية النقد والتحليل. وقد تبيَّن أن التفسير العلمي يمثّل النموذج الأنسب لذلك، لما انطوى عليه من محاولات صريحة لربط الحقول التفسيرية بالمعارف العلمية وإيجاد مساحات للتواصل بينهما.

1.     التجسير عند الإمام الرازي: تجاورُ المعارف وغاية الوصل بين "الخالق" و"الآمر"

يُعدّ تفسير مفاتيح الغيب للإمام الرازي نموذجًا تأسيسيًا للتجسير بين علوم التفسير والمعارف الطبيعية؛ إذ يُبرز تداخل الممارسة التفسيرية مع المعطيات العلمية المتاحة آنذاك؛ مما يجعله من أوائل نماذج التفسير العلمي، إن لم يكن أولها. وفيما يلي نصوص مختارة من هذه الممارسة التفسيرية، يُتيح تحليلُها استجلاء طبيعة الفعل التجسيري كما تَشَكَّل أول مرة في سياق الحضارة الإسلامية.

النموذج الأول: في سياق تفسيره لقوله تعالى: ﴿أَوۡ كَصَيِّبٖ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٞ وَرَعۡدٞ وَبَرۡقٞ يَجۡعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمۡ فِيٓ ءَاذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلۡمَوۡتِۚ وَٱللَّهُ مُحِيطُۢ بِٱلۡكَٰفِرِينَ [البقرة: 19]؛ يتساءل الإمام الرازي "ما الرعد والبرق؟ الجواب: الرعد الصوت الذي يسمع من السحاب كأن أجرام السحاب تضطرب وتنتقض وترتعد [...] والبرق الذي يلمع من السحاب من برق الشيء بريقًا إذا لمع [...] ما الصاعقة؟ الجواب: أنها قصف رعد ينقض منها شعلة من نار وهي نار لطيفة قوية لا تمر بشيء إلا أتت عليه إلا أنها مع قوتها سريعة الخمود"[3].

ويكشف هذا المقطع أن الرازي لا يقف عند التفسير اللغوي للألفاظ؛ بل يستدعي ملاحظاتٍ طبيعيةً تشرح الظواهر المذكورة في الآية. غير أن هذه المعارف لا تُنشئُ معنىً قرآنيًّا جديدًا ولا تُعيد بناء الدلالة؛ فهي تحضر على سبيل الاستطراد الإيضاحي. بحيث يرسم الرازي نمطًا من التجسير التواصلي الأفقي: يُجاوِر فيه الوصفُ الطبيعيُّ للظواهرِ البيانَ القرآنيَّ لتقريب الصورة الذهنية، من غير أن يتحوّل العلم إلى مُحدِّدٍ لمعنى النص أو إلى إطارٍ مُؤسِّس لفهمه.

وهو النسق الذي يتردّدُ في النموذج الثاني حين تفسيره لقوله تعالى: ﴿هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمُ ٱلۡبَرۡقَ خَوۡفٗا وَطَمَعٗا وَيُنشِئُ ٱلسَّحَابَ ٱلثِّقَالَ [الرعد: 12]، إذ يواصل تفسيره العلمي للظواهر الطبيعية ليبين أن البرق والريح والصاعقة كلها دلائل على قدرة الله تعالى، فيقول: "السحاب لا شك أنه جسم مركب من أجزاء رطبة مائية، ومن أجزاء هوائية ونارية ولا شك أن الغالب عليه الأجزاء المائية والماء جسم بارد رطب، والنار جسم حار يابس وظهور الضد من الضد التام على خلاف العقل، فلا بد من صانع مختار يظهر الضد من الضد [... و] أن أمر الصاعقة عجيب جدًا وذلك لأنها تارة تتولد من السحابوالحكماء بالغوا في وصف قوتها، ووجه الاستدلال أن النار حارة يابسة وطبيعتها ضد طبيعة السحاب، فوجب أن تكون طبيعتها في الحرارة واليبوسة أضعف من طبيعة النيران الحادثة عندنا على العادة، لكن ليس الأمر كذلك؛ فإنها أقوى نيران هذا العالم، فثبت أن اختصاصها بمزيد تلك القوة لا بد وأن يكون بسبب تخصيص الفاعل المختار"[4]. ولا يتجاوز حضور المعطيات الطبيعية في هذا النموذج أيضا وظيفة وصل الملاحظة الكونية بالحقائق العقدية، من غير انتقالٍ إلى تداخلٍ بنيوي بين مناهج العلم ومنهج التفسير.

أما النموذج الثالث، فهو نموذج مختلف نسبيا، وهو نموذج تفسير قوله تعالى: ﴿هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٖ ثُمَّ قَضَىٰٓ أَجَلٗاۖ [الأنعام: 2] إن "الإنسان مخلوق من المني ومن دم الطمث، وهما يتولدان من الدم، والدم إنما يتولد من الأغذية، والأغذية إما حيوانية وإما نباتية؛ فإن كانت حيوانية كان الحال في كيفية تولد ذلك الحيوان كالحال في كيفية تولد الإنسان، فبقي أن تكون نباتية، فثبت أن الإنسان مخلوق من الأغذية النباتية ولا شك أنها متولدة من الطين، فثبت أن كل إنسان متولد من الطين [...] وأما الوجه الثاني: وهو أن يكون المقصود من هذا الكلام تقرير أمر المعاد، فنقول لما ثبت أن تخليق بدن الإنسان إنما حصل، لأن الفاعل الحكيم والمقدر الرحيم، رتب حلقة هذه الأعضاء على هذه الصفات المختلفة بحكمته وقدرته... وذلك يدل على صحة القول بالمعاد"[5]. ويحرّك الرازي في هذا النموذج بين المعطى القرآني والمعطيات العلمية في مسار دائري، يبدأ بالنصّ لينتقل إلى الملاحظة العلمية ثم يعود مجددًا إلى النصّ لتقرير معنى عقدي هو إثبات المعاد. ويكشف هذا التناول عن تجسير أكثر ديناميكية، لكنه يبقى في حدود التجسير الأفقي؛ إذ يظل توظيف العلم محصورًا في مستوى التوضيح، دون أن يبلغ مستوى التداخل المنهجي أو إنتاج معنى جديد للآية.

ويبدو من هذه النماذج أن للمعرفة العلمية حضورًا قويًّا في تفسير الرازي، وصحيح أن هذه النماذج محدودة على نحوٍ لا يسمح بالحكم على المشروع التفسيري برمّته، غير أن طبيعة الموضوع تقتضي تجاوز هذه الإشكالية المنهجية، وذلك باعتبار الجزء ممثلًا للكلّ. ويستند هذا التجاوز إلى أمرين: أوّلهما أن الاستقراء الكامل متعذّر في هذا البحث لضيق الحيّز المتاح، وثانيهما أن التفسير عملٌ منهجيّ بالأساس، ما يعني أن المنهج المتّبع في تفسير آية يُرجّح أن يتردّد في غيرها، وإلا كان التفسير عملًا اعتباطيًّا يفتقر إلى الاتساق.

 ولعلّ ما يلفت النظر في هذه النماذج ليس حضور المعرفة العلمية؛ بل الكيفية التي تمت بها المزاوجة بينها وبين التفسير؛ إذ يبدو أن الاتصال بين المعرفتين تمّ على نحوٍ من التجاور الأفقي أكثر منه تداخلًا بنيويًا؛ حيث تجاورت المعارف الشرعية والعلمية دون أن تنصهر وتنتج دلالة قرآنية جديدة. ويظهر ذلك في تناول الرازي لظاهرتي البرق والصاعقة، إذ ينطلق من الألفاظ القرآنية ليتأمل تجلياتها الكونية في مسارٍ أقرب إلى التفكر في الكون منه إلى تفسير النص، مع حضور محتشم لعملية التجسير؛ حيث حضرت المعطيات العلمية على سبيل الاستطراد التوضيحي دون أن تسهم في إنتاج معنى قرآني مضاف.

أما النموذج الثاني فقد بدا فيه الفعل التجسيري أوضح، إذ اعتمد فيه الرازي التحليل العلمي وسيلةً لإثبات وجود الخالق، منتقلًا بذلك من التجسير بين العلوم الطبيعية والشرعية إلى التجسير بين «الخالق» و«الآمر». ومع ذلك، ظلّ هذا التجسير أقرب إلى التجاور منه إلى التداخل؛ إذ اقتصر دور المعارف العلمية على تدعيم البنية العقدية دون أن يتحول إلى أداة منهجية لتوليد معنى جديد للنص.

ويُمثل النموذج الثالث أبرز الأمثلة على عملية التجسير؛ إذ وظّف الرازي معرفته الطبية لتفسير معنى الخلق من طين؛ حيث تداخلت المعارف العلمية والشرعية لتوليد معنى للآية، لكن في مسارٍ ظلّت فيه المعرفة العلمية موجِّهة لإطار الفهم ومحدِّدة لاتجاهه، حين فسّر الخلق من طين بدلالة تغذية الإنسان من النبات الذي يتغذى بدوره من الطين. وعلى غرار النموذج الثاني، استثمر الرازي هنا معارفه العلمية لتوكيد حقيقة وجود خالق مدبّر لهذا الكون.

يمكن القول إذًا؛ إن التجسير عند الرازي، لم يبلغ مستوى التكامل الكلّي بين البنى الداخلية للمعرفتين؛ ففي الحالات التي وقع فيها تداخل، اقتصر الربط على وصل النتائج العلمية بالعقيدة الإيمانية (وجود الخالق)، دون تجاوز ذلك إلى تبنّي المناهج العلمية أو استثمار أدواتها الإجرائية في فهم النص القرآني. وعليه، يمكن اعتبار هذا النمط تجسيرًا تواصليًّا ذا طابع أفقي وسطحي؛ إذ يكتفي بإنشاء قنوات للتواصل بين مجالين معرفيين متباينين، دون أن يرقى إلى مستوى التجسير البنيوي الذي يقتضي اندماج البنى الداخلية للعلوم.

ولنتابع مسار هذا التجسير عبر الزمن المعرفي، لنستكشف ما إذا كان قد نضج لاحقًا وأفضى إلى تغيّر في خصائصه وهويته.

2.     التجسير عند ابن القيم: استدعاء دليل العناية ودليل الاختراع

يكشف تتبّع مسار هذا النمط من التفسير أنه لم يشهد تراكمًا معرفيًّا واضحًا؛ إذ لم يتحوّل التفسير العلمي بعد الإمام الرازي إلى تيار واضح المعالم في الممارسة التفسيرية؛ بل ظلّ محض محاولات متباعدة، ومتناثرة في المتن التفسيري، دون أن ترقى إلى مستوى الاتجاه المنهجي المتكامل. وفي هذا السياق، نتوقف عند إحدى هذه المحاولات التي ظهر فيها هذا النَّفَس «العلمي»، وهي ممارسة ابن القيم في كتابه "مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة". وعلى الرغم من أن الكتاب لا يُصنّف ضمن كتب التفسير، إلا أنه يزخر بلطائف تفسيرية وتجسيرية يمكن أن تسهم في بناء تصوّر عن الفعل التجسيري الذي عرفته الممارسة المعرفية الإسلامية.

في معرض تفسيره لقوله تعالى: ﴿يُولِجُ ٱلَّيۡلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلَّيۡلِ [فاطر: 13]، يبرز ابن القيم عناية الخالق بمقادير الليل والنهار، ويرى "أن مقدار اليوم والليلة لو زاد على ما قدر عليه أو نقص لفاتت المصلحة واختلت الحكمة بذلك؛ بل جعل مكيالهما أربعة وعشرين ساعة، وجُعلا يتقارضان الزيادة والنقصان بينهما"[6]. ويعرض في هذا السياق قولين في تفسير الآية: أولهما "أن المعنى يُدخل ظلمة هذا في مكان ضياء ذلك، وضياء هذا في مكان ظلمة الآخر فيدخل كل واحد منهما في موضع صاحبه، وعلى هذا فهي عامة في كل ليل ونهار. والثاني: أنه يزيد في أحدهما ما ينقصه من الآخر، فما نقص منه يلج في الآخر لا يذهب جملة [...] موضّحا كيف أن هذا التعاقب بين الليل والنهار إنما يتم تحت مفهوم العناية الإلهية بالمخلوقات بحيث "إذا زاد على ذلك انحرف ذلك الإقليم في الحرارة أو البرودة إلى أن ينتهي إلى حد لا يسكنه الإنسان ولا يتكون فيه النبات"[7]، مبيّنا أن اختلال هذا التوازن يؤدي إلى أحوال مناخية لا تصلح معها الحياة، إذ لا يسكن الإنسان في مناطق التجاوز المناخي، ولا ينبت فيها زرع، وهو ما يدل على العناية الإلهية البالغة. ويستكمل ابن القيم هذا المنحى التأويلي في تفسيره لقوله تعالى: ﴿ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ مَهۡدٗا [طه: 53]؛ حيث يشير إلى أن جعل مهبّ الشمال أعلى من مهبّ الجنوب إنما هو تدبير إلهي حكيم، يضمن انحدار المياه على وجه الأرض لتسقيها وترويها وتصب في البحار، كما يفعل البنّاء حين يرفع أحد طرفي السطح ليُصرف الماء، ولو كانت الأرض مستوية لبقي الماء راكدًا، فسدّ الأرض ومنع الانتفاع بها وأضرّ بالناس وقطع الطرق. وهذا – في نظر ابن القيم – لا يمكن أن يكون وليد صدفة؛ بل هو من عناية الله بعباده[8].

ولا يخفى ما تنطوي عليه هذه التأملات من تجسير واضح بين المعرفتين القرآنية والعلمية[9]، ومن تجسير بين أفعال الخالق في الكون ومقاصد الآمر في القرآن؛ حيث تتجاور المعرفتان وتتكاملان للتأكيد على وجود الخالق عبر ما يسمى دليل العناية[10]. فضمن أفق هذا الدليل يوظف ابن القيم معارفه العلمية لبيان مظاهر العناية الإلهية بالإنسان كما تشير إليها الآيات القرآنية. وتكشف هذه الممارسة أن التجسير بين المعرفتين لم يشهد تحولًا في جوهره من الرازي إلى ابن القيم؛ إذ ظلّ محصورًا في حدود الوصل بين الملاحظات العلمية والحقائق العقدية، في إطارٍ من التفاعل الأفقي الذي لم يرقَ إلى مستوى التفاعل البنيوي العميق بين البنى الداخلية للمعرفتين.

3.     "التجسير" بين الإمامين الرازي وابن القيم ومركزية الرؤية القرآنية

تكشف النماذج المستقاة من تفسير الرازي وكتاب ابن القيم أن التجسير بين المعرفتين القرآنية والعلمية في تلك المرحلة ظلّ محافظًا على هويته الإسلامية؛ فعلى الرغم من الحضور الملحوظ للمعطيات العلمية في عملية التفسير، لم تكن المرجعية النهائية للعلم ولا للعقلانية؛ بل للرؤية القرآنية للعالم[11]، التي شكّلت الإطار الناظم للعقل ووجّهت نظرته إلى الكون بوصفه مجالًا للاستخلاف. ومن ثمّ لم يكن العلم هو المحدّد للمعنى؛ بل كانت الغاية الأسمى لهذا التجسير هي الاستدلال على الخلق وإبراز أفعال الخالق، وصولًا إلى بناء صلة متينة بين صورة الفاعل في الكون وصورة الآمر في الوحي، من خلال الجمع بين التفكّر في آيات الكون والتدبّر في آيات القرآن. ويمثّل النموذج الثالث عند الإمام الرازي حالة فريدة ضمن هذه النماذج؛ إذ اتّسم بحركة تجسيرية مزدوجة تبدأ من النص القرآني وتنفتح على المعطى العلمي، ثم تعود مجددًا إلى النص. ورغم أن هذا النموذج لا يكتفي بالقرآن موجّها وحيدًا للمعرفة؛ فإن الفعل التجسيري هنا قد ظلّ وفيًّا لغايته المتمثّلة في الجمع بين قراءة القرآن وقراءة العالم لتأكيد الحقائق العقدية المتعلّقة بالخلق والمعاد.

وهذا يؤكّد أن الحرص على تثبيت الحقائق العقدية كان المحرّك الأساس الذي أطلق مسار التجسير بين كتاب الخلق (الكون) وكتاب الأمر (القرآن)، في سياقٍ تاريخيّ اتّسم بتدافع معرفيّ مع الفلسفة اليونانية، التي مثّلت آنذاك تجربة فكرية ذات أفق ماديّ ملحد، عجز عن إدراك وجود خالق مدبّر لهذا الكون[12]. ومن ثمّ نشأ هذا التجسير بهويّة إسلامية قوامها ترسيخ الإيمان بالخالق وبكمال تدبيره للوجود، ومحرّكها التدافع مع النظم المعرفية المضادة.

ثانيًا: تطور التجسير بين التفسير والعلوم الطبيعية وهاجس إثبات الذات

استئنافًا للرصد التاريخي لمسارات التجسير بين التفسير والمعرفة العلمية، ننتقل إلى مرحلة معرفية مفصلية شكّلت منعطفًا حاسمًا في تاريخه وأحدثت تحولًا عميقًا في ماهيته؛ وهي المرحلة التي تحددت ملامحها في القرنين التاسع عشر والعشرين. ففي هذه الحقبة، لم يعد التجسير محصورًا في غايته الأولى المتمثّلة في إثبات وجود الخالق وإبراز دلائل عنايته؛ بل تحوّلت الغاية لتعكس هاجسًا حضاريًا عميقًا تمثل في السعي إلى إثبات الذات العربية والدفاع عنها في ظلّ سياق عالمي يهيمن عليه التفوق العلمي الغربي.

1.     التجسير عند محمد عبده وحاكمية العلم على القرآن

يمكن الشروع في تتبّع هذا التحوّل في ماهية التجسير من خلال تحليل اجتهادات الشيخ محمد عبده وتلميذه الأستاذ رشيد رضا، اللذين يُعَدّان من أبرز رموز النهضة في القرن التاسع عشر. وقد اتخذا من المعرفة العلمية الحديثة مرجعًا لتأويل النصوص القرآنية، في محاولة لإبراز توافق القرآن مع مكتشفات العصر، ودحض الشبهات التي رُوّجت حول تعارض القرآن مع العلم.

يقول الشيخ محمد عبده في تفسير قوله تعالى: ﴿وَأَرۡسَلَ عَلَيۡهِمۡ طَيۡرًا أَبَابِيلَ٣ تَرۡمِيهِم بِحِجَارَةٖ مِّن سِجِّيلٖ٤ فَجَعَلَهُمۡ كَعَصۡفٖ مَّأۡكُولِۢ٥ [الفيل: 3-5]: "يجوز لك أن تعتقد أن هذا الطير من جنس البعوض أو الذباب الذي يحمل جراثيم بعض الأمراض وأن تكون هذه الحجارة من الطين المسموم [...]؛ فإذا اتصل بجسد دخل في مسامه فأثار فيه تلك القروح التي تنتهي بإفساد الجسم وتساقط لحمه وإن كثيرًا من هذه الطيور الضعيفة يعد من أعظم جنود الله في إهلاك من يريد إهلاكه من البشر وإن هذا الحيوان الصغير الذي يسمونه الآن بالمكروب لا يخرج عنها"[13].

وفي تفسير قوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَبَثَّ مِنۡهُمَا رِجَالٗا كَثِيرٗا وَنِسَآءٗۚ [النساء: 1]. يقول: "ليس المراد بالنفس الواحدة آدم بالنص، ولا بالظاهر؛ فمن المفسرين من يقول إن كل نداء مثل هذا يراد به أهل مكة أو قريش؛ فإذا صح هذا جاز أن يفهم منه بنو قريش أن النفس الواحدة هي قريش أو عدنان، وإذا كان الخطاب للعرب عامة جاز أن يفهموا منه أن المراد بالنفس الواحدة يعرب أو قحطان، وإذا قلنا إن الخطاب لجميع أهل الدعوة إلى الإسلام؛ أي لجميع الأمم فلا شك أن كل أمة تفهم منه ما تعتقده"[14].

وقد يبدو هذا النموذج في ظاهره بعيدًا عن التفسير العلمي، غير أن تعقيب الأستاذ رشيد رضا على هذا النصّ يكشف بجلاء وجه الصلة بينه وبين ما نحن بصدد التأصيل له، فيقول: "للأستاذ الإمام – ويقصد أستاذه محمد عبده – في هذا المقام رأيان: أحدهما أن ظاهر هذه الآية يأبى أن يكون المراد بالنفس الواحدة آدم؛ أي سواء كان هو الأب لجميع البشر أم لا، لما ذكره من معارضة المباحث العلمية والتاريخية له [...] وثانيهما أنه ليس في القرآن نص أصولي قاطع على أن جميع البشر من ذرية آدم [...] ثم إن ما ذهب إليه الأستاذ الإمام يرد الشبهات التي ترد في هذا المقام"[15]، ثم يضيف: "وقد صرحنا بهذا؛ لأن بعض الناس كان فهم من درسه أنه يقول إن القرآن ينفي هذا الاعتقاد؛ أي اعتقاد أن آدم هو أبو البشر كلهم، وهو لم يقل هذا تصريحًا ولا تلويحًا وإنما بين أن ثبوت ما يقوله الباحثون في العلوم وآثار البشر وعادياتهم والحيوانات من أن للبشر عدة أصول ومن كون آدم ليس أبًا لهم كلهم في جميع الأرض...كلّ هذا لا ينفي القرآن ولا يناقضه ويمكن لمن ثبت عنده أن يكون مسلما مؤمنا بالقرآن"[16].

ويبدو واضحًا التحوّل العميق الذي أصاب هوية التجسير بين التفسير والعلوم، وما ترتب عن ذلك من تغيّر في ماهية التفسير العلمي؛ إذ لم يعد التجسير مجرّد تجاور بين المعرفتين؛ بل تحوّل إلى حالة من التداخل؛ حيث أصبحت المعرفة العلمية مرجعًا ينطلق منه المفسِّر في فهم الآيات. فقد مال الشيخ محمد عبده إلى التوفيق بين المعارف العلمية والمعطيات القرآنية على نحوٍ "تلفيقي" جعل فيه للعلم سلطة موجِّهة للمعنى القرآني. وعلى الرغم من استعماله لعبارة "يجوز الاعتقاد" في محاولة لنفي القول بأن هذا هو التفسير الوحيد للنص؛ فإن طريقة تفكيره تكشف عن إشكال عميق ومنعطف حادّ دخله العقل العربي في تلك المرحلة. وما يثير الانتباه في اجتهادات محمد عبده هو سؤال الجدوى والدافع وراء هذا التجسير؛ فما الفائدة من البحث في تفاصيل كيفية هلاك أصحاب الفيل؟ وهل يسهم الخوض في هذه الجزئيات في تعميق الإيمان بقدرة الله تعالى، كما زعم، أم أن للأمر دوافع أخرى أكثر تعقيدًا؟

في الواقع، لم يكن إثبات القدرة الإلهية هو الباعث الأساس على هذا النمط من التجسير؛ لأن تفاصيل هلاك أصحاب الفيل لا تضيف شيئًا جديدًا إلى معنى القدرة أو العناية الإلهية؛ مما يعني أننا أمام نمط جديد من التجسير غيّر غاياته الأصلية ليصبح مدفوعًا بدوافع مغايرة لتلك التي حكمت انطلاقته الأولى. وهنا يبرز النص الذي أورده الأستاذ رشيد رضا باعتباره مفتاحًا لفهم دوافع هذا التحول؛ إذ يكشف أن المحرّك الأساس كان مواجهة الشبهات التي زعمت وجود تعارض بين معاني الآيات القرآنية وبين نتائج المباحث العلمية والتاريخية الحديثة، إضافة إلى الحاجة الملحّة لإثبات أن القرآن لا يتناقض مع ما توصل إليه العلم. وتعكس هذه الحاجة أزمة عميقة عاشها العقل العربي في تلك الحقبة؛ إذ لم يكن هذا العقل قد بلغ بعد مستوى المشاركة في إنتاج المعرفة العلمية أو تمحيص نتائجها، فوجد نفسه مضطرًا إلى قبولها والتسليم بها؛ بل وتوظيفها في الدفاع عن هويته. وهكذا تحوّل التجسير بين العلم والمعرفة القرآنية من نموذج ينطلق من هوية إسلامية متماسكة إلى نموذج مختلف تمامًا باتت الحاكمية فيه للعلم. وقد أدى هذا المسار إلى تمييع الغاية التي نشأ التجسير من أجلها في بداياته، وهي ترسيخ "دليل العناية" في النفس البشرية، لينزاح لاحقًا نحو غاية أخرى تتمثل في محض التوفيق بين القرآن والعلم؛ بل بلغ الأمر إلى ما يمكن تسميته -بلغة أوضح-إخضاع القرآن للعلم"؛ حيث أصبح الإيمان بالعلم أسبق من الإيمان بالنص، وأضحى القرآن يُقرأ تحت مظلة مرجعية العلم لا العكس.

2.     التحوّل في ماهية التجسير وتأسيس الاستشراق لمركزية النموذج الغربي

 لم يكن الشعور بالضعف الذي تملّك العقل العربي نتيجةً مباشرة للثورة العلمية فحسب؛ بل كان أيضًا ثمرةً للاستشراق الذي عرف كيف يوظف السياق التاريخي والمعرفي في توجيه العقل العربي. فقد سعى الخطاب الاستشراقي إلى ترسيخ اعتقاد مفاده أن تفوق الغرب إنما تحقق بتحويل الدين إلى ممارسة فردية منعزلة عن الشأن العام، وأن مشكلة المسلمين هي الإسلام. ولتوضيح ذلك، أعود إلى المحاضرة التي ألقاها إرنست رينان (Ernest Renan) في السوربون في 29 أغسطس 1883، وموضوعها: الإسلام والعلم؛ وتُمثل هذه المحاضرة، وما تلاها من مناظرة بينه وبين الشيخ جمال الدين الأفغاني، محطّة أساسية تفسّر التحول العميق الذي سيعرفه الفعل التجسيري.

لقد كانت المحاضرة التي ألقاها رينان هجومًا على الهوية الإسلامية، وتجليًّا للنظرة الغربية للذات العربية آنذاك؛ حيث تحدث عن تردي أحوال الدول التي يحكمها الإسلام وعن بلادة أذهان المؤمنين وانغلاقها[17]، كما أكّد احتقار المسلمين للعلوم والمعارف الغربية[18]؛ بل ونسب تألق الحضارة الإسلامية في الماضي إلى الفرس وإلى الإدارة المسيحية، وإلى أجناس أخرى تعايشت مع العرب، نافيًا أن تكون للإسلام صلة بذلك. بل واعتبر أن الإسلام دائمًا ما كان يضطهد العلم والفلسفة[19]. ورأى أن فلسفة ابن رشد وابن طفيل وابن باجة هي في الحقيقة فلسفة يونانية كتبت بالعربية[20]، وحمّل الذات الإسلامية كلّ أوزار التخلّف والرجعية. وقال: "الإسلام لم يكن إلا ضارًا [...] لقد جعل من البلدان التي فتحها مجالًا مغلقًا أمام الثقافة العقلانية للعقل. إن ما يميز المسلم في الواقع بشكل جوهري هو كراهية العلم"[21].

لم تكن هذه المحاضرة محض كلمات عابرة مرّت بالذات الإسلامية؛ بل كانت كلمات وجدت سبيلها إلى الشخصية الإسلامية فأعادت تشكيلها. ففي لحظة ضعف المجتمع الإسلامي، كانت هذه الكلمات بمثابة يد خفية أعادت تشكيل بنية العقل؛ حيث جعلت المسلمين يرون مقدار بعدهم عن العقلانية والعلوم. ولنفهم كيف تفاعلت الذّات الإسلامية مع الاتهامات، نعود إلى المناظرة التي جرت بين الأفغاني ورينان. إن الناظر في الرد الذي أرسله الشيخ جمال الدين الأفغاني إلى رينان لا بد أن يصاب بالدهشة مما قرأه، إلى درجة قد يتهم فيه الأفغاني في دينه وفكره، وهو الأمر الذي حدث فعلًا بعدما أرسل الرجل بالرد، ويدل على ذلك ما حدث من مناقشة حول موقفه من محاضرة رينان[22]، فقد كان في الرد إعلاء من شأن رينان؛ بل وإقرار ضمني له على كثير مما ذهب إليه[23]. ولا يعود ذلك إلى ما ظنّه الناس بالأفغاني آنذاك؛ بل إلى التردد الذي كان يختلج في الذات الإسلامية فقد كان رد الأفغاني المعلي حينًا من شأن الذات الإسلامية والعربية، والمعترف أحيانا أخرى بتقييد الإسلام لأفق التفكير[24]، صورة عن حالة التخبط التي كان يعيشها العقل العربي، الذي وجد نفسه منفصلًا عن الثورة العلمية التي لم يكن جزءًا منها. وقد أحدثت هذه المناظرة حالة من الارتباك في الوسط العلمي؛ ممّا دفع الشيخين محمد عبده ورشيد رضا إلى الردّ على هذه الاتهامات، مبيّنين أن الأفغاني لم يقصد القول بأن الإسلام عدو العلم، وإنما أراد التفرقة بين إسلام القرآن وإسلام الحكام[25].

من هنا، بدأت الذات العربية طريقها نحو إثبات عكس ما ادعاه رينان، ودخلت في حالة من الدفاع التي كانت انعكاسًا لنفس الارتباك الذي أجاب به الأفغاني: التسليم والنفي في آن واحد. حيث سَلّم العقل العربي بمركزية العلوم الطبيعية؛ أي بمرجعية النموذج الغربي، ومضى إلى التأكيد على أن القرآن متوائم مع هذا المرجع. وفي هذا الفضاء الذي تغيرت فيه هوية العقل الذي أنتج المعرفة الإسلامية، ستتغير فيه هوية التجسير أيضًا، ليصبح العلم هو المرجع، ويصبح مسار حركة التجسير: من العلم إلى القرآن.

هذا هو السياق المعرفي والتاريخي الذي نشأت فيه النماذج التي أوردتُها عن محمد عبده وأطّرَت فكر رشيد رضا والعقل العربي بعد ذلك، فظل يفكر من خلال هذا السياق، إلى درجة دفعت الشيخ طنطاوي جوهري، صاحب "الجواهر في تفسير القرآن"، إلى القول بأن القرآن يستحيل أن ينتفع به المسلمون إلا إذا قرأوا جميع العلوم[26]. وواضح أثر السياق المعرفي الذي أنتج رغبة الوصل بين العلم والقرآن، على جوهري من خلال ما بثه في مقدمة تفسيره، يقول: "ولي رجاء أن يؤيد الله هذه الأمة بهذا الدين وينسج على منوال هذا التفسير المسلمون [...] وليكونن هذا الكتاب داعيًا حثيثًا إلى درس العوالم العلوية والسفلية، وليقومن من هذه الأمة من يفوقن الفرنجة في الزراعة والطب والمعادن والحساب والهندسة"[27]. فالغاية من التجسير بين العلوم والقرآن باتت عند جوهري متمثلة في أن يولع المسلمون بالعلوم وينافسوا في ذلك الغرب، وهو ما يعني تحول العلوم إلى المركز إذ بات العقل العربي يقارب العالم من خلال هذا المركز الجديد. ولا أقول إن هذا التحول في الغايات والتغير في مفهوم التجسير قد قضى على النموذج الذي نشأ في الفكر الإسلامي أول مرة، ولكنني أقول إن هذا النمط تفرّع عنه، وبات الاثنان مسلكين يغذيان العقل العربي.

3.     تجذر النموذج الغربي في العقل العربي ونشأةُ القول بالإعجاز العلمي

نواصل تتبّع مسار تشكّل هذا التجسير، ونتوقّف عند تعريفات التفسير العلمي؛ إذ إن وضع التعريفات لا يتمّ إلا بعد أن يبلغ العلم أو المعرفة درجة من النضج والاستقرار، ما يجعل هذه التعريفات انعكاسًا دقيقًا لصيرورة المعرفة وتطورها. بل يمكن القول إن التعريفات تمثّل معطًى أوضح من النماذج التطبيقية ذاتها، لما تحمله من بُعد إضافي؛ فهي قد تصف الظاهرة كما هي في الواقع، وقد ترسم ملامحها كما يُفترض أن تكون. ومن ثمّ؛ فإن التعريف لا يُختزل في كونه مجرّد تصوير للممارسة التطبيقية؛ بل يتجاوز ذلك ليكون أيضًا مرآةً للتنظير وللمسار التطوري الذي مرت به هذه الممارسة عبر الزمن.

يُعرّف أمين الخولي التفسير العلمي بقوله: "التفسير الذي يحكم الاصطلاحات العلمية في عبارة القرآن ويجتهد في استخراج مختلف العلوم والآراء الفلسفية منها"[28]. أما صلاح الخالدي فيعرّفه بقوله: "تفسير الآيات تفسيرًا علميًّا وفق قواعد العلم الحديث وبيان المضامين العلمية للآيات وفق مقررات وتحليلات العلم الحديث"[29]. ويرى الشيخ عبد المجيد الزنداني أن التفسير العلمي هو "الكشف عن معاني الآية أو الحديث، في ضوء ما ترجحت صحته من نظريات العلوم الكونية"[30]. في حين يعتبر فهد الرومي أن التفسير العلمي هو: "اجتهاد المفسر في كشف الصلة بين آيات القرآن الكريم الكونية ومكتشفات العلم التجريبي على وجه يظهر به إعجاز للقرآن يدل على مصدره وصلاحيته لكل زمان ومكان"[31].

تحيل هذه التعريفات على عملية التجسير بين التفسير والعلوم الكونية، غير أن الملاحظ في بنيتها هو مركزية العلم ومرجعيته. فعلى سبيل المثال، يجعل تعريف الخولي من استخراج العلوم من القرآن غاية لهذا التجسير، وهي غاية تختلف جذريًا عن الوظيفة الأصلية للتفسير، التي تتمثل في الكشف عن مراد الله من نصوص الوحي. أما تعريف الخالدي، فيجعل التجسيرَ تشبيكًا بين قواعد العلم الحديث والتفسير، وهو طرح غير دقيق؛ لأن الواقع التطبيقي للتفسير العلمي يقوم على التجسير بين مضامين العلم الحديث والآيات القرآنية، لا بين قواعد العلم ومناهجه وبين النصوص. ومن هنا يمكن القول إن هذا التعريف لا يصف ما هو كائن في الممارسة التفسيرية؛ بل يعبر عمّا ينبغي أن يكون عليه التفسير العلمي وفق تصور نظري مثالي. ويزيد هذا الإشكال وضوحًا حين يحدد الخالدي غاية التجسير في بيان المضامين العلمية للآيات وفق ما وصل إليه العلم الحديث؛ فهنا تتجلى مركزية العلم بوضوح، إذ يصبح الهدف هو المواءمة بين مكتشفات العلم الحديث وبين النص القرآني، بما يجعل الحاكمية في هذا النمط من التجسير للعلم لا للنص. بل إنّ التعريف يوحي بأن علمية التفسير غاية قائمة بذاتها، لا مجرد وسيلة لخدمة الفهم القرآني؛ إذ تصبح النتيجة المرجوة من التفسير هي أن يكون تفسيرًا علميًا فحسب، لا أن يكون تفسيرًا للقرآن وفق مقاصده وأبعاده المعرفية. والبون هنا شاسع بين أن يكون الهدف فهم القرآن وإبراز هداياته، وبين أن يكون الهدف مقصورًا على إخضاع النص لمعيار "العلمية" كما يحدده النموذج المعرفي الغربي.

أما تعريف الزنداني فقد تجاوز هذا الإشكال؛ حيث بدأ التعريف بتحديد الغاية التي لأجلها تم التجسير بين علم التفسير وعلوم الكون وقد كانت الغاية بالنسبة له هي الكشف عن معاني الآيات والأحاديث، وهي وظيفة التفسير أصلًا، وأضاف قيدًا لم يتطرق إليه التعريفان السابقان وهو اشتراط صحّة النظريات التي يفسر في ضوئها القرآن، وهو ما يعني أن المركزية في هذا التعريف ليست للعلم، ولكنّها للقرآن الذي سيفرض قانونه على عملية التجسير؛ حيث لا يستقدم من العلم إلا ما ثبتت صحّته. إلا أن هذا القيد سيخرج من التفسير العلمي التفاسير القديمة مثل تفسير الرازي، الذي لا يقتصر على الحقائق العلمية؛ لأن حقائق الأمس ليست هي حقائق اليوم. وقد نحا تعريف الرومي منحى آخر، فقد حدّد دور المفسّر "العلمي" في كشف الصلة بين الآيات الكونية في القرآن ومكتشفات العلم التجريبي، وجعل غاية ذلك هو إثبات إعجاز القرآن وصلاحيته لكل زمان ومكان، ويبدو أنّ المركزية في هذا التعريف ليست للعلم، فالعلم ليس إلا وسيلة إلى إثبات إعجاز القرآن.

إلا أنّ هذا التعريف يكشف عن تحول جوهري في مسار التجسير؛ إذ انتقلت الغاية من محاولة المواءمة بين النص القرآني والمعارف العلمية إلى جعل الكشف عن الإعجاز العلمي للقرآن محور العملية التفسيرية. وقد ترافق هذا التحول مع بروز التباس اصطلاحي بين مصطلحي التفسير العلمي للقرآن والإعجاز العلمي في القرآن؛ فالأول يُقصد به عملية تفسير الآيات من خلال توظيف المعطيات العلمية للكشف عن معانيها، في حين يشير الثاني إلى الحقائق العلمية التي تضمّنها القرآن قبل أن يتوصل إليها العلم الحديث. وتبقى العلاقة بينهما وثيقة، إذ غالبًا ما يُجعل الإعجاز العلمي موضوعًا للتفسير العلمي. ورغم أن إثبات إعجاز القرآن غاية قديمة في الفكر الإسلامي[32]؛ حيث تبلورت منذ المراحل المبكرة لنشوء علوم القرآن واللغة والبيان؛ فإن الحديث عن الإعجاز العلمي تحديدًا لم يتبلور إلا مع القرنين التاسع عشر والعشرين. ففي هذه المرحلة، أصبحت العلوم الطبيعية المحور المركزي للعقلانية الحديثة، وتهيأت الأدوات المعرفية والمنهجية التي سمحت بربط النص القرآني بالمكتشفات العلمية. وهكذا جاء نشوء القول بالإعجاز العلمي امتدادًا لتجلي المركزية الغربية وهيمنتها المعرفية[33]؛ إذ وجد العقل العربي نفسه يسعى لإثبات صلاحية النص القرآني من داخل المرجعية العلمية الغربية، لا من خارجها، وهو ما يعني أن ظهور القول بالإعجاز العلمي لا يعكس مركزية القرآن بقدر ما يعكس تحوّل العلم إلى المركز، على نحو دفع المسلمين إلى التفكير في طبيعة القرآن ضمن هذا المرجع الجديد.

ثالثًا: التجسير بين التفسير والعلوم الطبيعية: من تقييمات المعترضين إلى التأسيس لفقه الوِجهة

لاستئناف بناء صورة متكاملة عن التجسير الذي نشأ في الفضاء الإسلامي بين العلوم والتفسير، ننتقل إلى الاعتراضات التي وُجّهت إلى هذا النمط من التجسير؛ إذ تمثل هذه الاعتراضات في جوهرها تقييمًا وتقويمًا لهذا النموذج، ما يجعلها جزءًا أصيلًا من عملية فهم وتحديد ملامح مفهوم التجسير. وسنقف هنا عند نموذجين بارزين من هذه الاعتراضات: أولهما للإمام الشاطبي من المتقدمين، وثانيهما للدكتور محمد كامل حسين من المتأخرين.

1.     اعتراض الشاطبي على التجسير بين التفسير والعلوم الطبيعية ومركزية وظيفة الإفهام

يعترض الإمام الشاطبي على عملية التجسير بين التفسير والعلوم الطبيعية، موجّهًا نقدًا شديدًا إلى الإمام الرازي، وحجّته في ذلك أن هذا النمط من التجسير «ليس تحته عمل»، وأن التفسير بالعلوم الطبيعية خارج عن معهود الأميين الذين بعث فيهم رسول الله ﷺ[34]. ولا يخفى أن هذا الاعتراض راجع إلى قوله بأميّة الشريعة وما يترتب على هذا القول من وجوب فهم القرآن وفق معهود الأميين الذين نزل القرآن بلسانهم، وهو وإن كان رأيا منتقدا، لأن البيان القرآني جاء للعالمين. فإن ما ينبغي الانتباه إليه هو أنه ينطوي على محدّدات أخرى مهمّة منها انتباهه إلى وظيفة علم التفسير.

إنّ وظيفة التفسير، كما هو معروف، هي الكشف عن مراد الله ﷻ بهدف تحقيق الإفهام. ولم يكن التجسير بين العلوم والتفسير – في نظر الشاطبي – محترمًا لهذه الوظيفة ولهذه الغاية؛ حيث إن توظيف هذه العلوم وتعليق فهم القرآن عليها يعدّ بالنسبة للأميين تكليفًا بما لا يطاق، وهو ما يتعارض ومقاصد الشارع، وبذلك لا يمكن أن يعدّ من التفسير. ولذلك لم يجد الإمام الشاطبي حرجًا في اعتبار بعض التأملات في معاني الآيات التي خرجت عن معهود العرب ومعهود الأميين مقبولة شريطة ألا تنسب إلى التفسير؛ حيث نجده يقول: "تلك الأنظار الباطنة في الآيات المذكورة إذا لم يظهر جريانها على مقتضى الشروط المتقدمة فهي راجعة إلى الاعتبار غير القرآني وهو الوجودي، ويصح تنزيله على معاني القرآن لأنه وجودي أيضًا [...] فإن من ذكر عنه مثل ذلك من المعتبرين لم يصرح بأنه المعنى المقصود المخاطب به الخلق؛ بل أجراه مجراه وسكت عن كونه هو المراد. وإن جاء شيء من ذلك وصرح صاحبه أنه هو المراد، فهو من أرباب الأحوال الذين لا يفرقون بين الاعتبار القرآني والوجودي"[35]. ويجلّي هذا النص مذهب الشاطبي في المسألة إذ يرى أن هذا النمط من التجسير ليس محلّه التفسير، احترامًا لوظيفة هذا العلم. ويضاف إلى هذا الاعتراض تساؤله عن جدوى هذا التجسير أصلًا، إذ يقول: "تفسير قوله تعالى: ﴿أَفَلَمۡ يَنظُرُوٓاْ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَوۡقَهُمۡ كَيۡفَ بَنَيۡنَٰهَا وَزَيَّنَّٰهَا [ق: 6] بعلم الهيئة (وهو علم الفلك اليوم) الذي ليس تحته عمل؛ غير سائغ"[36]. وما يعنينا في هذا السياق أن اعتراضات الشاطبي تطرح سؤالين جوهريين ينبغي أن يؤطّرا كل محاولة للتجسير: الأول: هل احترم التجسير طبيعة العلمين المجسّر بينهما؟ والثاني: هل لهذا التجسير جدوى واضحة؟

2.     اعتراض محمد كامل حسين على التجسير بين التفسير والعلوم الطبيعية ونقد وهم التمركز حول النموذج الغربي

لقد وجّه محمد كامل حسين في كتابه: "الذكر الحكيم"، نقدًا لاذعًا إلى هذا النمط من التجسير؛ حيث عقد فصلًا بعنوان: "التفسير العلمي للقرآن بدعة حمقاء". ورأى أن هذا التجسير قد قام على الظن بأن البراهين إنما تستمد صدقها من الحقائق العلمية الحديثة[37]، معتبرًا ذلك انعكاسا لوهم التمركز حول العلم، الذي عزز "شعور الحاجة عند المسلمين" إلى تقوية دينهم بهذا المركز الجديد، موضحًا الاختلاف بين موضوع الدين وموضوع العلم، ذلك أن موضوع العلوم الحديثة هو الطبيعيات وهو في نظره أبسط قوانين الكائنات وأيسرها درسًا، فهو أسهل في الكشف عنه من قوانين الحياة وقوانين الإنسان وقوانين النفس البشرية والغيب، وهي موضوع الكتب السماوية، ولذلك فلا يضير هذه الكتب أن تكون بمعزل عن العلوم[38].

ويذهب حسين إلى أن هذا التجسير هو من قبيل التماس الأسرار الخفية فيما هو واضح؛ حيث يتوسل البعض العلم ليكشف في آيات القرآن الواضحة والبينة عن الخفاء، والتماسُ الأسرار في الواضح هو أصل السحر والأساطير، وهو دليل على تأصل التفكير البدائي في بعض العقول وإن نشأت في حضن التفكير الحديث[39]؛ بل ويرى أن القول بالإعجاز العلمي قول لا علاقة له بالحقيقة[40] بل هو بدعة سخيفة[41]، منتقدًا جملة من نماذج هذا الإعجاز المزعوم.

3.     التفسير العلمي ومشكل التجسير بين النسبي والمطلق

إن المتتبع لمسار هذا النمط من التجسير لابدّ أن تشدّ انتباهه ملاحظة مهمة، وهي أن التجسير لم ينشأ عن حاجاتنا الداخلية؛ بل نشأ عن التأثير الخارجي؛ حيث كان الباعث على التجسير في مرحلته الأولى هو مواجهة الروح اليونانية الملحدة، وفي المرحلة الثانية مواجهة الاستشراق؛ أما في المرحلة الثالثة فقد كان الدافع إليه هو البحث في إعجاز القرآن دفاعًا عن الذات أمام المركزية الغربية. فنحن إذًا لم نجسّر بين التفسير والعلوم لأن حاجاتنا المعرفية دعتنا إلى ذلك؛ بل لأن التدافع مع النموذج الغربي فرض علينا ذلك. وهذا لا يعني إلا شيئًا واحدًا، هو أّن الإسلام والقرآن قد صارا، بهذا التجسير، يكتسبان شرعيتهما بمقدار اقترابهما من النموذج الغربي، على نحو جعل النموذج الغربي نقطة مرجعية مطلقة، فبات العقل العربي، خلال تدافعه مع الغرب، يستبطن نموذجهم[42]. فالمسلمون تدافعوا مع الغرب، دون تدافع مع النموذج المعرفي الغربي.

وعلى الرغم من أن البحث في الإعجاز العلمي يبدو في ظاهره انطلاقًا من الذات الإسلامية ومن النموذج الإسلامي؛ فإن الباطن غير ذلك؛ لأن الرؤية الإعجازية هي، في الأصل، رؤية دفاعية، تنطلق من النظر إلى الذات المعجَزَة، وانطلاقًا من هذه الذات يُبنى مفهوم الإعجاز. والذات المعجزَة، حين الحديث عن الإعجاز العلمي، ليست هي الذات العربية – كما هو الحال مع الإعجاز اللغوي، على اعتبار أن العرب هم نموذج البلاغة الأسمى – بل هي الذات الغربية؛ لأنها النموذج الأبلغ للعلمية، وهو ما يعني أن الغرب يمثل – حين التجسير بين العلوم والتفسير بقصد الكشف عن الإعجاز العلمي للقرآن – المرجع الذي يقارب من خلاله هذا الإعجاز.

وتجدر الإشارة إلى أن الرؤية الإعجازية هي رؤية غير إسلامية، فلفظا الإعجاز والمعجزة لم يردا في القرآن ولا في السنة ولا ضمن أقوال الصحابة[43]، ولم يظهر هذا المصطلح إلا في القرن الثاني، وهو ما يعني أنه مصطلح تمّ استيراده من نماذج معرفية أخرى، والغريب أنه مفهوم حلّ محلّ مفاهيم أصيلة مثل: الآية والبينة. ولعلك إذا تتبعت لفظي الآية والمعجزة في الفكر الإسلامي وجدت كفّة المعجزة راجحة مع أن الآية لفظ قرآني، ولكنه لفظ تضاءل وتلاشى أمام المعجزة فاختُزل في الدلالة على الجملة القرآنية[44]، ولم يكن ذلك محض ترادف للألفاظ؛ بل كان عبثًا بالرؤية القرآنية، ذلك أن منطق المعجزة قائم على إعجاز المُتحدَّى، في حين أن منطق الآية والبرهان والبينة قائم على الإيضاح والبيان للمتلقي، وشتّان ما بين المنطقين!

ولأن الرؤية الإعجازية هي في الأصل رؤية دفاعية تمثل رد الفعل وليس الفعل، فقد كرّس التجسير الذي ظهر لغاية الكشف عن الإعجاز الغاية الدفاعية، فظلّ يعبر عن اللحظة الدفاعية للأمة وليس عن اللحظة البنائية. والمفاهيم التي تنشأ في لحظات الدفاع تحمل عن الغير الذي ندافع ضدّه أكثر مما تحمله عن الذات. ثمّ إن هذا التجسير، وكما بدا من اعتراض الشاطبي عليه، لم يحترم وظيفة التفسير، التي هي إيضاح المعنى للمتلقي، وإنما تعدى هذه الوظيفة إلى وظيفة الدفاع ضد الآخر، ولذلك فقد وقع هذا التجسير – على الرغم من كونه نشأ للدفاع عن الذات – في الاستلاب لكونه سلّم بالنموذج الغربي الذي جعل العلم في المركز، ثم راحت العلوم الإسلامية تكتسب شرعيتها من مدى اقترابها من هذا النموذج، وليس التفسير العلمي للقرآن إلا اقترابًا من هذا النموذج[45].

وينبغي أن أشير إلى أن اعتراض الشاطبي على هذا النمط من التجسير لعدم جريانه على معهود العرب هو رأي عميق وأكثر نضجًا من الرأي الذي رأى التجسير أمرا ضروريا؛ لأن المركز الذي انطلق منه الشاطبي للحكم على مدى جدوى هذا التجسير هو: المكلّف، فراح يسائل نفسه هل سيحقق هذا النموذج إفهام المكلّف؟ في حين كان المركز الذي انطلق منه القائلون بضرورة التجسير هو: العلم، ولم يطرح هؤلاء سؤال حاجة المكلف لهذا التجسير؛ بل كان يكفي للحكم على هذا التجسير بالجدوى، كونه علميًّا؛ أي كونه اقترب من النموذج الغربي زلفى، ولذلك فقد مثّل اعتراض الشاطبي – على الرغم من عدم صحة تفاصيل هذا الاعتراض – صورة لنموذج آخر للعالم، المركزُ فيه ليس للعلم ولكن للمكلف، فكأننا إذًا أمام صراع بين رؤيتين أشار إليهما الشهرستاني في نصّ نفيس بقوله: "غاية الحكيم عند الفلاسفة هي أن يتجلى لعقله كل الكون، ويتشبه بالإله الحق تعالى بغاية ما يستطيع. وغاية النبي أن يتجلى له نظام الكون، فيقدر على المصالح العامة، حتى يبقى نظام العالم وتنظيم مصالح العباد"[46]، وشتان ما بين الرؤيتين والغايتين.

وحين أقول إن التجسير بين العلوم والتفسير لم يحترم وظيفة التفسير، ينبغي أن أشير إلى مشكلة هنا، وهي أننا في الحقيقة لا نملك علم تفسير، فهو ليس علمًا واضح المنهج، دقيق المبادئ، منضبط المعالم، كما هو الحال مثلًا في أصول الفقه، وليس في هذا انتقاص من علم التفسير؛ بل هو توصيف لطبيعته، التي تُعيق إمكانية التجسير المنضبط بينه وبين العلوم الطبيعية. فالتفسير، من حيث بنيته، فضاء مفتوح على القرآن، ولذلك فإن ما يُسمّى تجسيرًا بين العلوم الطبيعية والتفسير لم يُقم في الواقع بين علمين محدَّدين؛ بل بين العلوم الطبيعية والقرآن ذاته؛ مما يجعل الحديث عن هذا التجسير حديثًا مجازيًا أكثر منه توصيفًا علميًا دقيقًا. وهكذا؛ فإن عملية التجسير قد قامت في الحقيقة بين المطلق والنسبي، فكيف يستساغُ التجسير من النسبي إلى المطلق؟ والانتقال من العلوم إلى القرآن لا يمكن أن يكون محايدًا، إذ لا بدّ أن ينقل معه التحيزات الكامنة في بنية العلم نفسه، لأن العلم لا يعمل في فراغ موضوعي؛ بل يتحرك ضمن رؤى وإطارات معرفية متحيّزة.

والحقيقة أن هذا التجسير – والذي آن الأوان أن يقال بوضوح إنه كان بين القرآن والعلوم – قد حمَل تحيزات بدت جلية من خلال الممارسة التفسيرية؛ فانطلاق محمد عبده في تفسير قصة أصحاب الفيل مثلًا، والخوض في تفاصيل كيفية هلاكهم، لم يكن إلا انعكاسًا لتحيز إلى الرؤية الغربية التي لا تطرح سؤال الجدوى والغاية. أما الرؤية الإسلامية، فهي على خلاف ذلك؛ إذ "كل مسألة لا ينبني عليها عمل، فالخوض فيها خوض فيما لم يدل على استحسانه دليل شرعي"[47]، و"روح العلم هي العمل، وإلا فالعلم عارية وغير منتفع به"[48]. ونقل العلم بتحيزاته إلى القرآن، إنما يعني العبث بالرؤية القرآنية، لأن هذه الرؤى ستجاور النصوص وتتزاحم معها على نحو يُكسبها الشرعية. ثمّ ﴿أن هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ يَهۡدِي لِلَّتِي هِيَ أَقۡوَمُ [الإسراء: 9]، وهذه هي وظيفة القرآن الأسمى: الهدايةُ للّتي هي أقوم، ولا تجسير بين العلوم والقرآن إلا على نحو يحترم هذه الطبيعة.

4.     التجسير بين القرآن والعلوم الطبيعية: من التفسير العلمي إلى تأسيس فقه الوِجهة

هنا ننتهي إلى طرح الأسئلة التي تُقوِّم التجسير الذي نشأ في فضائنا المعرفي على نحوٍ يوائم فكرنا ولحظتنا الراهنة: فما نموذج التجسير الذي يُعبِّر عن حاجاتنا نحن؟ وما النموذج الذي يحترم طبيعة نصّنا المؤسس؟ لا شكّ أن الدراسة البينية بين العلوم الشرعية والعلوم الطبيعية تمثل مسارًا واعدًا يمكن أن يسهم في تطوّر علومنا الشرعية، غير أن عقبات عديدة ما تزال تعترض هذا المسار، من أبرزها تحيز العلوم الحديثة، ولذلك يظل استثمار المعرفة العلمية في تطوير المعرفة الشرعية أمرًا سابقًا لأوانه في سياقنا الراهن؛ ذلك أن هذه المعارف، مهما بدا عليها من طابع موضوعي، تحمل في بنيتها فلسفة السياق الغربي الذي نشأت فيه، ما يجعل كل محاولة للتجسير معها مدخلًا محتملًا لاستيراد رؤاها وأولوياتها. ونحن أحوج إلى تأسيس ذاتنا الأصيلة قبل إغنائها بالغير. من هنا؛ فإن التجسير الذي نحن في حاجة ماسّة إليه اليوم هو التجسير من القرآن إلى العلم، أو بعبارة أخرى: التجسير بين فقه الوِجهة الذي مصدره القرآن، والعلوم الطبيعية التي مصدرها الكون؛ لأن ما ينقص العلم اليوم ليس المعلومة؛ بل الوجهة؛ أي البوصلة التي تهديه إلى التي هي أقوم. وهذا لا يتعارض مع طبيعة العلم؛ فالقرآن لا يوجّه نتائج العلم نفسها، ولكنه يوجّه توظيف هذه النتائج.

إنّ تأسيس فقه الوِجهة في فضائنا الإسلامي، بحيث نعيد توجيه العلوم الحديثة التي فقدت بوصلتها، سيتيح لنا بناء نموذج معرفي جاذب، لما تحمله الرؤية القرآنية من أقومِيّة. لأن ما يصنع النموذج ليس هو امتلاك المعرفة، ولكن امتلاك فقه توظيف هذه المعرفة.

. وهنا يفرض السؤال النقدي نفسه: هل تعكس وجهة البحث العلمي في جامعاتنا حاجاتنا المعرفية ورؤيتنا للعالم ووجهتنا القرآنية، أم أن أبحاثنا ما تزال انعكاسًا لرؤية الآخر ووجهته؟

لقد قام التجسير في فضائنا الإسلامي بين التفسير والعلوم في مراحل سابقة على نحو لم يحترم طبيعة معرفتنا الإسلامية، وهو ما يثير سؤال الجدوى: فهل أفرز هذا التجسير أثرًا حقيقيًا على واقعنا المعرفي والحضاري يستحق أن يُبنى عليه، أم أنه منحنا اطمئنانًا نظريًا أكثر مما أحدث تغييرًا عمليًا؟

إنّ ما أقترحه في هذا السياق هو أن يبدأ التجسير الجديد من فقه الوِجهة ليعيد توجيه المعرفة، لأن العقل الذي لا يجد قيودًا ضابطة يتحيز ضد نفسه وضد الإنسان. وإذا كانت الثورة العلمية في أوروبا قد قامت على تحرير العقل؛ فإن ثورةً أخرى ينبغي أن تليها، بحيث تقوم على تقييد تصرفات هذا العقل، بتأسيس فقه الوِجهة، أو ما أسميه التأسيس للأقومية.

وهنا أشير إلى أن جهودًا كبيرة قد بُذلت في مجال توجيه العلوم، ومنها مشروعُ إسلامية المعرفة ومشروع التأصيل الإسلامي للمعرفة والتوجيه الإسلامي للمعرفة[49] وغيرها من المشاريع التي اختلفت في التفاصيل واتحدت في الهدف وهو: إعادة تأسيس العلوم والمعارف على نحو يتسق مع المنهجية المعرفية القرآنية[50] وهي على الحقيقة مشاريع للتجسير بين النموذج المعرفي القرآني والعلوم.

وقد كان لهذه الجهود دورها الكبير في التنبيه على التحيزات التي قد تحملها المعارف المستوردة من الغرب، إلا أنها لم تحقّق الغاية المنشودة وهي: إقامة نموذج معرفي إسلامي يتدافع مع النموذج الغربي. وسبب ذلك أن هذه المشاريع قد عكست هي الأخرى لحظتنا الدفاعية، فالأسلمة هي ردّ الفعل الذي جاء ليواجه التغريب والتحديث[51] وليحمي الهوية بعد الاستعمار[52]وكذلك هما مشروعا التأصيل والتوجيه. ويظهر البعد الدفاعي جليًا في مشاريع الأسلمة والتأصيل الإسلامي والتوجيه الإسلامي للمعارف من خلال الدوافع التي حركت هذه المشاريع وتجلت في الإحساس بالاستلاب[53] والشعور بالظلم المقيت[54] وبأن الروح الإسلامية تغتصب أمام عيوننا[55] وكذلك من خلال مقصد استعادة الشخصية الإسلامية الذي مثّل غاية الأسلمة وهدف التأصيل والتوجيه الإسلاميين للمعرفة[56] ومقصد التغلب على الانبهار بالغرب[57] وغيرها من المقاصد[58] التي دلّت على أن هذه المشاريع هي في عمقها مشاريع دفاع على الذات الإسلامية. وكان الأجدى، في تقديري، أن تنصرف هذه المشاريع إلى طرح السؤال الجوهري: هل ينبغي أصلًا أن تنطوي العلوم على تحيزات؟ فالعلوم الغربية تنطوي بالفعل على تحيزات، وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها، لكن السؤال الأهم: هل هذا الواقع حتمي أم أن تغييره ممكن؟ إن طرح هذا السؤال هو في جوهره مساءلة للنموذج الغربي الذي يستمد "الواجب" مما هو "كائن"، ويبني ما ينبغي أن يكون على أساس ما هو واقع. وبهذا المنطق، يمنح النموذج الغربي المشروعية لجملة من القضايا المشكلة. أما النموذج المعرفي الإسلامي فيقوم على تقويم الواقع لا التسليم به. وعليه؛ فإن الأسلمة في تقديري تمثل شكلًا من التسليم بالنموذج الغربي؛ لأنها تقبل بمبدأ التحيز وتعيد إنتاجه، وإن بصيغة إسلامية. ومن هنا؛ فإن ما أقترحه من فقه توجيه المعرفة، أو الأقومة، ليس مجرد تغيير في المصطلح؛ بل تغيير في الرؤية؛ إذ ينقلنا من مشروع تجسير هدفه تعزيز الشخصية الإسلامية؛ أي الانطلاق من مركزية الذات إلى مشروع تجسير غايته تعزيز التي هي أقوم؛ أي الانطلاق من مركزية الموضوع.

فإذا كانت الأسلمة تنصرف إلى إعادة تأسيس العلوم وفق النموذج الإسلامي، وهو مسار يتعارض مع الطبيعة الحيادية للعلم بوصفه أداة لوصف الظواهر كما هي؛ فإن الأقومة تهدف إلى أمرين متكاملين، هما:

1.     مساءلة العلوم للتحقق من مدى التزامها بمقتضيات العلمية، وهو مسار يحترم طبيعة العلم ويعزز موضوعيته.

2.     توجيه توظيف العلوم نحو تحقيق التي هي أقوم، ليس حماية للذات الإسلامية فحسب؛ بل حماية للإنسان والإنسانية جمعاء.

خاتمة

إنّ التجسير -وبناء على ما سبق- أداة منهجية تُستدعى بناءً على الأسئلة التي يطرحها السياق، ولذلك شهد الفكر الإسلامي نشوء أشكال مختلفة من التجسير تعكس احتياجات الأمة. ففي حين نشأ التجسير في الفكر الإسلامي في البداية للبرهنة على وجود الخالق؛ فإنه في لحظة من لحظات الاستلاب غيّر هويته ليصبح أداة للدفاع عن الذات الإسلامية؛ مما يعني أن هذه الأداة المنهجية تكتسب هويتها من السياق المحيط بها. ولأن الأمم تبدأ مسارها الفكري باستخدام الأداة، ثم تستكمله – حين النضج – بالتفكير في الأداة نفسها؛ فإن لحظتنا الحالية، التي تفرض علينا النضج، تستدعي أن نفكر في التجسير باعتباره أداة منهجية، وأن نقوّم هذه الأداة لتعكس رؤيتنا المعرفية اليوم، ولتجيب عن الإشكالات التي يطرحها واقعنا المعاصر.

واستمرارًا في التأسيس لتجسير يعكس حاجاتنا المعرفية، ويعبر عن رؤيتنا للعالم، فقد آن الأوان لنشرع في استجلاء معالم "فقه الوِجهة" أو مشروع "الأقومة" من القرآن، الذي يمكن أن يصبح بمثابة الإطار الذي يؤطر العلم والجماعة العلمية، ويوجههما نحو ما يخدم الإنسان، كما ينبغي البحث في التراث الإسلامي عن معالم هذا الفقه، وإخراجه إلى الوجود، ومن ثم تقييمه وتقويمه ليكون هذا الفقهُ الأساس الذي ننطلق منه نحو بناء "فقه الوِجهة" ومشروع "الأقومة".


 

المراجع

أولًا: العربية

إيزوتسو، توشيهيكو. الله والإنسان في القرآن علم دلالة الرؤية القرآنية للعالم. ترجمة: هلال محمد الجهاد. لبنان: المنظمة العربية للترجمة، 1997.

بدوي، مجدي مصطفى محمد. "ندوة حول أسلمة المعرفة قضية مصيرية". مجلة الوعي الإسلامي، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الكويت، مج26، ع303 (1989).

البشري، عايش عطية عبد المعطي. الزبيدي، علي إبراهيم عمودي. "أسس التوجيه الإسلامي للعلوم، دراسة وصفية ناقدة لبعض كتابات الباحثين في هذا المجال". مجلة التربية، كلية التربية، جامعة الأزهر، ج2، ع196 (أكتوبر 2022).

جوهري، طنطاوي. الجواهر في تفسير القرآن. مصر: مصطفى البابي الحلبي وأولاده، 1351هـ..

حسين، محمد كامل. الذكر الحكيم. القاهرة: مكتبة النهضة المصرية، 1971.

حمد، محمد أبو القاسم حاج. منهجية القرآن المعرفية أسلمة فلسفة العلوم الطبيعية والإنسانية. لبنان: دار الهادي، 2003.

الحمصي، نعيم. فكرة إعجاز القرآن منذ البعثة النبوية إلى عصرنا الحاضر. لبنان: مؤسسة الرسالة، ط2، 1980.

حنفي، ساري. "أسلمة وتأصيل العلوم الاجتماعية: دراسة في بعض الإشكاليات"، المستقبل العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، لبنان، مج39، ع451 (2016).

الخالدي، صلاح عبد الفتاح. تعريف الدارسين بمناهج المفسرين. دمشق: دار القلم، ط3، 2007.

الرازي، فخر الدين. مفاتيح الغيب. بيروت: دار إحياء التراث العربي، ط3، 1420هـ..

ابن رشد، أبو الوليد. الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة. شرح وتقديم محمد عابد الجابري. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط4، 2014.

رضا، محمد رشيد. تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار). مصر: الهيئة المصرية للكتاب، 1990.

الرومي، فهد. اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر. السعودية: مؤسسة الرسالة، ط3، 1997.

الرويح، مشاري حمد. "التجسير المعرفي، الرؤية المنطلقات والمسارات". مجلة تجسير، مج1، ع1 (2019). https://doi.org/10.29117/tis.2019.0011

الزنداني، عبد المجيد. تأصيل الإعجاز العلمي في القرآن والسنة. صيدا: المكتبة العصرية،2008.

أبو سليمان، عبد الحميد. "إسلامية المعرفة: مهمة باقية: كلمة التحرير". مجلة إسلامية المعرفة، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، مكتب الأردن، مج13، ع52 (2008).

الشاطبي، أبو إسحاق. الموافقات. تحقيق: أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان. السعودية: دار ابن عفان، 1997.

شاكر، محمد محمود. مداخل إعجاز القرآن. مصر: مطبعة المدني، جدة: دار المدني،2008.

الشدِّي، عادل. التفسير العلمي التجريبي للقرآن الكريم. الرياض: مدار الوطن، 2011.

الشهرستاني، أبو الفتح محمد. الملل والنحل. تحقيق عبد العزيز محمد الوكيل. القاهرة: مؤسسة الحلبي وشركاه للنشر والتوزيع، 1968.

عبد الحافظ، مجدي. الإسلام والعلم مناظرة رينان والأفغاني. القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، 2005.

عبده، محمد. تفسير القرآن الكريم، جزء عم. مصر: الجمعية الخيرية الإسلامية، مطبعة مصر، ط3، 1341هـ..

الفاروقي، إسماعيل. "أسلمة المعرفة"، البنوك الإسلامية، ع32 (1983).

ابن قيم الجوزية. مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة، تحقيق عبد الرحمن بن حسن بن قائد. مكة المكرمة: دار عالم الفوائد، 1432هـ، ج2.

المسيري، عبد الوهاب. "فقه التحيز"، ضمن إشكالية التحيز، رؤية معرفية ودعوة للاجتهاد. تحرير: عبد الوهاب المسيري. الولايات المتحدة الأمريكية: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ط2، 1996.

المصلح، عبد الله بن عزيز. "الإعجاز العلمي في القرآن والسنة تاريخه وضوابطه"، ضمن أعمال المؤتمر العلمي الأول للباحثين في القرآن وعلومه – جهود الأمة في خدمة القرآن وعلومه. الرباط: مؤسسة البحوث والدراسات العلمية – مبدع والرابطة الحمدية للعلماء، 2011.

ملكاوي، فتحي حسن. "حوارات إسلامية المعرفة غرض وتحليل". مجلة إسلامية المعرفة، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، الولايات المتحدة الأمريكية، مج7، ع99 (2001).

منياوي، محمد. "تاريخ أسلمة المعارف والعلوم". لارك للفلسفة واللسانيات والعلوم الاجتماعية، كلية الآداب، جامعة واسط، العراق، مج2، ع45 (2022).

النشار، علي سامي. نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام. القاهرة: دار المعارف، ط7، 1977.

هيئة تأليف. الوجيز في إسلامية المعرفة، المبادئ العامة وخطة العمل. الولايات المتحدة الأمريكية: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1987.

ثانيًا: الأجنبية                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                     

References:

Abd al-Ḥāfiẓ, Majdī. Al-Islām wa-al-ʻilm munāẓarah Rinān wa-al-Afghānī (in Arabic). Cairo: al-Majlis al-Aʻlá lil-Thaqāfah, 1st ed., 2005.

ʻAbduh, Muḥammad. Tafsīr al-Qurʼān al-Karīm, Juzʼ ʻAmma (in Arabic). Egypt: Al-Jamʻīyah al-Khayrīyah al-Islāmīyah, Maṭbaʻat Miṣr, 3rd ed., 1341AH.

Abū Sulaymān, ʻAbd al-Ḥamīd. Islāmīyah al-Maʻrifah: muhimmah bāqiyah: Kalimah al-Taḥrīr,” (in Arabic) Majallat Islāmīyah al-Maʻrifah, Vol. 13, No. 52 (2008).

Al-Bishrī, ʻĀyish ʻAṭīyah ʻAbd al-Muʻṭī. Al-Zubaydī, ʻAlī Ibrāhīm ʻAmūdī. “Usus al-Tawjīh al-Islāmī lil-ʻUlūm, dirāsah waṣfīyah nāqidah li-baʻḍ Kitābāt al-bāḥithīn fī Hādhā al-majāl” (in Arabic). Majallat al-Tarbiyah, Kullīyat al-Tarbiyah, Jāmiʻat al-Azhar, No.196, b2 (Oct 2022).

Al-Fārūqī, Ismāʻīl. “Aslamat al-Maʻrifah” (in Arabic). Al-bunūk al-Islāmīyah, No. 32 (1983).

Al-Ḥimṣī, Naʻīm. fikrat Iʻjāz al-Qurʼān mundhu al-Baʻthah al-Nabawīyah ilá ʻaṣrinā al-ḥāḍir (in Arabic). Lebanon: Muʼassasat al-Risālah, 2nd ed., 1980.

Al-Jawzīyah, Ibn Qayyim. Miftāḥ Dār al-Saʻādah wa-manshūr Wilāyat al-ʻIlm wa-al-irādah (in Arabic) ʻAbd al-Raḥmān ibn Ḥasan ibn Qāʼid (ed.), Makkah al-Mukarramah: Dār ʻĀlam al-Fawāʼid, 1st ed., 1432AH.

Al-Khālidī, Ṣalāḥ ʻAbd al-Fattāḥ, Taʻrīf al-dārisīn bi-manāhij al-mufassirīn (in Arabic), Damascus: Dār al-Qalam, 3rd ed., 2007.

Al-Khūlī, Amīn. Al-tafsīr Maʻālim ḥayātuhu – manhajuhu al-yawm (in Arabic). Egypt: al-Hayʼah al-ʻĀmmah lil-Kitāb, 2003.

Al-Misīrī, ʻAbd al-Wahhāb. “fiqh al-Taḥayyuz” (in Arabic). In: ʻAbd al-Wahhāb al-Misīrī (ed.), Ishkālīyat al-Taḥayyuz, ruʼyah maʻrifīyah wa-daʻwah lil-ijtihād, Vol. 1, United States: International Institute for Islamic Thought, 2nd ed., 1996.

Al-Muṣliḥ, ʻAbd Allāh ibn ʻAzīz, "Al-iʻjāz al-ʻIlmī fī al-Qurʼān wa-al-sunnah tārīkhuh wa-ḍawābiṭuhu", (in Arabic). fī Aʻmāl al-Muʼtamar al-ʻIlmī al-Awwal lil-Bāḥithīn fī al-Qurʼān wa-ʻUlūmih-jhwd al-ummah fī khidmat al-Qurʼān wa-ʻUlūmih, Vol. 5. Al-Rabāṭ: Muʼassasat al-Buḥūth wa-al-Dirāsāt al-ʻIlmīyah-Mubdiʻ wa-al-Rābiṭah alḥmdyh lil-ʻUlamāʼ, 2011.

Al-Nashshār, ʻAlī Sāmī. Nashʼat al-Fikr al-falsafī fī al-Islām (in Arabic). Cairo: Dār al-Maʻārif,7th ed., 1977.

Al-Rāzī, Fakhr al-Dīn. Mafātīḥ al-ghayb (in Arabic). Beirut, Dār Iḥyāʼ al-Turāth al-ʻArabī, 3rd ed., 1420AH.

Al-Rūmī, Fahd. Ittijāhāt al-tafsīr fī al-qarn al-rābiʻ ʻashar, (in Arabic) Al-Saʻūdīyah: Muʼassasat al-Risālah, 3rd ed., 1997.

Alruwaih, Meshari Hamad. “Knowledge Bridging: Vision, Justifications, and Pathways” (in Arabic), Tajseer Journal, Vol. 1, No.1 (2019), pp. 99-120. https://doi.org/10.29117/tis.2019.0011

Al-Shahrastānī, Abū al-Fatḥ Muḥammad. Al-milal wa-al-niḥal (in Arabic), Vol. 2, ʻAbd al-ʻAzīz Muḥammad al-Wakīl (ed.), Cairo: Muʼassasat al-Ḥalabī wa-Shurakāh lil-Nashr wa-al-Tawzīʻ, 1968.

Alshddī, ʻĀdil. Al-tafsīr al-ʻIlmī al-tajrībī lil-Qurʼān al-Karīm (in Arabic). al-Riyadh: Madār al-waṭan, 2011.

Al-Shāṭibī, Abū Isḥāq. Al-Muwāfaqāt (in Arabic). Abū ʻUbaydah Mashhūr ibn Ḥasan Āl Salmān (ed.), KSA: Dār Ibn ʻAffān, 1st. ed., 1997.

al-Zandānī, ʻAbd al-Majīd. Taʼṣīl al-iʻjāz al-ʻIlmī fī al-Qurʼān wa-al-sunnah (in Arabic). Sidon: al-Maktabah al-ʻAṣrīyah, 2008.

Badawī, Majdī Muṣṭafá Muḥammad. “Nadwat ḥawla Aslamat al-Maʻrifah Qaḍīyat maṣīrīyah” (in Arabic). Majallat al-Waʻy al-Islāmī, No. 303 (1989).

Ḥamad, Muḥammad Abū al-Qāsim Ḥājj. manhajīyah al-Qurʼān al-maʻrifīyah Aslamat Falsafat al-ʻUlūm al-ṭabīʻīyah wa-al-insānīyah (in Arabic). Lebanon: Dār al-Hādī,1st ed., 2003.

Ḥanafī, Sārī. “Aslamat wa-taʼṣīl al-ʻUlūm al-ijtimāʻīyah: dirāsah fī baʻḍ al-ishkālīyāt” (in Arabic). Al-mustaqbal al-ʻArabī, Vol. 39, No. 451 (2016).

Hayʼat taʼlīf, Al-Wajīz fī Islāmīyah al-Maʻrifah, al-mabādiʼ al-ʻĀmmah wa-khiṭṭat al-ʻamal (in Arabic). USA: International Institute of Islamic Thought, 1987.

Ḥusayn, Muḥammad Kāmil. Al-dhikr al-Ḥakīm (in Arabic), Cairo: Maktabat al-Nahḍah al-Miṣrīyah, 1971.

Ibn Rushd, Abū al-Walīd. al-Kashf ʿan Manāhij al-Adillah fī ʿAqāʾid al-Millah (in Arabic). Muḥammad ʿĀbid al-Jābirī (ed.), 4th ed. Beirut: Center for Arab Unity Studies, 2014.

Iyzwtsw, twshyhykw. Allāh wa-al-insān fī al-Qurʼān ʻilm Dalālat al-ruʼyah al-Qurʼānīyah lil-ʻālam, (in Arabic). Trans. Hilāl Muḥammad al-jihād. Lebanon: al-Munaẓẓamah al-ʻArabīyah lil-Tarjamah, Markaz Dirāsāt al-Waḥdah al-ʻArabīyah, 1997.

Jawharī, Ṭanṭāwī. Al-Jawāhir fī tafsīr al-Qurʼān (in Arabic). Vols. 1-8. Egypt: Muṣṭafá al-Bābī al-Ḥalabī wa-Awlāduh, 1351AH.

Malkāwī, Fatḥī Ḥasan. “Hiwārāt Islāmīyah al-Maʻrifah ghrḍ wa-taḥlīl” (in Arabic). Majallat Islāmīyah al-Maʻrifah, Vol. 7, No. 99, (2001).

Minyāwī, Muḥammad ibn Sāmī ibn Ismāʻīl. “Tārīkh Aslamat al-Maʻārif wa-al-ʻUlūm” (in Arabic). lārk lil-falsafah wa-al-lisānīyāt wa-al-ʻUlūm al-ijtimāʻīyah, Vol. 2, No. 45 (2022).

Riḍā, Muḥammad Rashīd. Tafsīr al-Qurʼān al-Ḥakīm (tafsīr al-Manār) (in Arabic). Egypt: al-Hayʼah al-Miṣrīyah lil-Kitāb, 1990.

Shākir, Muḥammad Maḥmūd. Madākhil Iʻjāz al-Qurʼān (in Arabic). Egypt: Maṭbaʻat al-madanī, Jiddah: Dār al-madanī, 2008.



[1] أستعمل مصطلح العقل العربي؛ لأنني أُعرّف العقل انطلاقًا من أدواته المعرفية التي أراها عربية، وأستعمل مصطلح الفكر الإسلامي؛ لأنني أُعرّف الفكر انطلاقًا من مصدريته ونصوصه المؤسسة.

[2] قصد الإمام الشاطبي بهذا المفهوم ما كان معهودًا عند العرب من أميّةٍ في تلقّي النصّ القرآني؛ إذ فهموه فهمًا غير متكلّف لكونهم أمّةً أميّة. وقد صاغ هذا المفهوم في سياق تأصيله لأميّة الشريعة، وغايته من ذلك تأسيس الشريعة على نُظُمٍ يسع الأميّين إدراكُها، في مواجهة ما عرفه الفضاء الإسلامي من محاولات لتفسير القرآن بعلوم الفلسفة أو بعلم الهيئة، وهي ممارساتٌ رأى الشاطبي أنّها لا تليق بالبيان الأمي؛ أي بالبيان الجمهوري الذي يسع الجميع فَهْمه.

[3] فخر الدين الرازي، مفاتيح الغيب (بيروت: دار إحياء التراث العربي، ط3، 1420هـ.)، ج2، ص317.

[4] المرجع السابق، ج19، ص21.

[5] المرجع نفسه، ج12، ص480.

[6] ابن قيم الجوزية، مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة، تحقيق: عبد الرحمن بن حسن بن قائد (مكة المكرمة: دار عالم الفوائد، ط1، 1432هـ.)، ج2، ص596.

[7] المرجع نفسه، ج2، ص596-597.

[8] المرجع نفسه، ج2، ص621.

[9] المعرفة العلمية مبنية على التأمل في الكون وفي قوانين التشيؤ؛ أما المعرفة القرآنية فمبنية على العبور من قوانين التشيؤ إلى قوانين الخلق.

[10] يرى ابن رشد في سياق تحديده للطرق المؤدية إلى إثبات وجود الله أن الطريق التي نبَّه القرآن عليها، ودلّ عليها بالاستقراء إنما هو طريق العناية؛ حيث دلّ الوجود على أن كل ما خلق الله مسخر للإنسان، وذاك دليل العناية، ثم دليل الاختراع وهو ما يظهر من اختراع لجواهر الموجودات. أبو الوليد بن رشد، الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة، شرح وتقديم محمد عابد الجابري (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط4، 2014)، ص118.

[11] توشيهيكو إيزوتسو، الله والإنسان في القرآن علم دلالة الرؤية القرآنية للعالم، ترجمة هلال محمد الجهاد (لبنان: المنظمة العربية للترجمة،1997).

[12] علي سامي النشار، نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام (القاهرة: دار المعارف، ط7، 1977)، ج1، ص102.

[13]محمد عبده، تفسير القرآن الكريم، جزء عم (مصر: الجمعية الخيرية الإسلامية ومطبعة مصر، ط3، 1341هـ.)، ص157-158.

[14] محمد رشيد رضا، تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار (مصر: الهيئة المصرية للكتاب، 1990م))، ج4، ص265.

[15] المرجع السابق، ج4، ص265.

[16] المرجع نفسه، ج4، ص267.

[17] مجدي عبد الحافظ، الإسلام والعلم مناظرة رينان والأفغاني (القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، ط1، 2005م)، ص34.

[18] المرجع السابق، ص35.

[19] المرجع نفسه، ص44.

[20] المرجع نفسه، ص39.

[21] المرجع نفسه، ص47.

[22] المرجع نفسه، ص83، 84، 90.

[23] المرجع نفسه، ص54-57.

[24] المرجع نفسه، ص62.

[25] المرجع نفسه، ص97، 100.

[26] طنطاوي جوهري، الجواهر في تفسير القرآن (مصر: مصطفى البابي الحلبي وأولاده، 1351 هـ.)، ج8، ص196.

[27] المرجع نفسه، ج1، ص3.

[28] عادل الشدِّي، التفسير العلمي التجريبي للقرآن الكريم (الرياض: مدار الوطن، 2011)، ص12.

[29] صلاح عبد الفتاح الخالدي، تعريف الدارسين بمناهج المفسرين (دمشق: دار القلم، ط3، 2007)، ص566.

[30] عبد المجيد الزنداني، تأصيل الإعجاز العلمي في القرآن والسنة (صيدا: المكتبة العصرية،2008)، ص24.

[31] فهد الرومي، اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر (السعودية: مؤسسة الرسالة، ط3، 1997)، ج2، ص549.

[32] عبد الله بن عزيز المصلح، "الإعجاز العلمي في القرآن والسنة تاريخه وضوابطه"، ضمن أعمال المؤتمر العلمي الأول للباحثين في القرآن وعلومه-جهود الأمة في خدمة القرآن وعلومه (الرباط: مؤسسة البحوث والدراسات العلمية – مبدع والرابطة الحمدية للعلماء، 2011)، ص2179-2180.

[33] نعيم الحمصي، فكرة إعجاز القرآن منذ البعثة النبوية إلى عصرنا الحاضر (لبنان: مؤسسة الرسالة، ط2، 1980)، مج5، ص218.

[34] أبو إسحاق الشاطبي، الموافقات، تحقيق: أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان (السعودية: دار ابن عفان، ط1، 1997م)، ج2، ص127.

[35] المرجع نفسه، ج4، ص254.

[36] المرجع نفسه، ج1، ص59.

[37] محمد كامل حسين، الذكر الحكيم (القاهرة: مكتبة النهضة المصرية، 1971م)، ص182.

[38] المرجع نفسه، ص183.

[39] المرجع نفسه، ص185.

[40] المرجع نفسه، ص186.

[41] المرجع نفسه، ص190.

[42] عبد الوهاب المسيري، "فقه التحيز"، ضمن إشكالية التحيز، رؤية معرفية ودعوة للاجتهاد، تحرير: عبد الوهاب المسيري (الولايات المتحدة الأمريكية: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ط2، 1996)، ج1، ص36.

 [43]محمد محمود شاكر، مداخل إعجاز القرآن (مصر: مطبعة المدني، جدة: دار المدني،2008)، ص19.

[44] يستحق هذا الموضوع البحث والدراسة عن أسباب هذا التلاشي وأبعاده.

[45] يقول عبد الوهاب المسيري: "والسمة الأساسية لكل المشروعات الحضارية السابقة...أنها جعلت الغرب. مرجعية نهائية ومطلقة؛ أي أنها استنبطت رؤية الغرب لنفسه ولمشروعه الحضاري...فثمة نقطة واحدة تحاول كل المجتمعات الوصول إليها، وثمة طريقة واحدة لإدارة المجتمعات، ولتحديد تطلعات البشر وأحلامهم وسلوكهم؛ أي أنه توجد رؤية واحدة عالمية للإنسان والكون". المسيري، "فقه التحيز"، ص36، 37.

[46] أبو الفتح محمد الشهرستاني، الملل والنحل، تحقيق: عبد العزيز محمد الوكيل (القاهرة: مؤسسة الحلبي وشركاه للنشر والتوزيع، 1968)، ج2، ص117.

[47] الشاطبي، الموافقات، ج1، ص43.

[48] المرجع نفسه، ص75.

[49] ساري حنفي، "أسلمة وتأصيل العلوم الاجتماعية: دراسة في بعض الإشكاليات"، المستقبل العربي، مج39، ع451 (2016)، ومحمد بن سامي بن إسماعيل منياوي، "تاريخ أسلمة المعارف والعلوم"، لارك للفلسفة واللسانيات والعلوم الاجتماعية، مج2، ع45 (2022).

[50] اعتُبرت منهجية القرآن المعرفية هي الأرضية المنهجية التي تنبغي أسلمة العلوم في ضوئها، وفي ذلك كتب محمد أبو القاسم حاج حمد، منهجية القرآن المعرفية أسلمة فلسفة العلوم الطبيعية والإنسانية (لبنان: دار الهادي، ط1، 2003).

[51] هيئة تأليف، الوجيز في إسلامية المعرفة، المبادئ العامة وخطة العمل (الولايات المتحدة الأمريكية: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1987)، ص76.

[52] عبد الحميد أبو سليمان، "إسلامية المعرفة: مهمة باقية: كلمة التحرير"، مجلة إسلامية المعرفة، مج13، ع52 (2008)، ص5.

[53] المرجع نفسه، ص5.

[54] إسماعيل الفاروقي، "أسلمة المعرفة"، البنوك الإسلامية، ع32 (1983)، ص48.

[55] المرجع نفسه، ص53.

[56] مجدي مصطفى محمد بدوي، "ندوة حول أسلمة المعرفة قضية مصيرية"، مجلة الوعي الإسلامي، مج ع303 (1989)، ص87.

[57] أبو سليمان، "إسلامية المعرفة: مهمة باقية"، ص5.

[58] عايش عطية عبد المعطي البشري، علي إبراهيم عمودي الزبيدي، "أسس التوجيه الإسلامي للعلوم، دراسة وصفية ناقدة لبعض كتابات الباحثين في هذا المجال"، مجلة التربية، كلية التربية، جامعة الأزهر، ع196، ج2 (أكتوبر 2022)، ص423.