هاروت وماروت في كتب التفسير: دراسة مقارنة

عبد الرحمن بن عبد الله العلي

باحث دكتوراه، برنامج التفسير وعلوم القرآن، كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة قطر

uk45@hotmail.com

محمد عبد اللطيف عبد العاطي

أستاذ التفسير، كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة قطر

mlatif@qu.edu.qa

تاريخ الاستلام: 03/03/2024                                   تاريخ التحكيم: 27/06/2024                                   تاريخ القبول: 14/10/2024

ملخص البحث

أهداف البحث: الوقوف على الراجح في حقيقة هاروت وماروت، وبيان أثر هذه الدراسة في الجانب المعرفي والإيماني.

منهج البحث: لتحقيق غاية البحث استُخدمت عدة مناهج، هي: المنهج الاستقرائي، والمنهج المقارن، والمنهج النقدي، والمنهج التاريخي، وذلك بتتبع أقوال المفسرين في حقيقة هاروت وماروت، وفحص أدلتهم، ومناقشتها، ثم اختيار الراجح.

النتائج: توصل البحث إلى أن كون هاروت وماروت مَلَكَيْن هو القول الراجح؛ لاعتبارات متعددة، منها؛ كثرة المرجِّحين له من المفسرين المتقدمين والمتأخرين، وقوة أدلتهم، وعدم قطعية الاعتراضات الواردة عليه، وعدم وجود أدلّة صالحة لترجيح أيّ قول من الأقوال الأخرى، وأن الزعم بأن قصة هاروت وماروت مأخوذةٌ من التلمود تكذِّبه الآثار الصحيحة، والدراسات الحديثة، وأن تعيين الراجح في هاروت وماروت يُسهم في الرد على فرية اتِّكاء القرآن على الكتب السابقة وأخذه منها، وأخيرًا تأكيد أن القرآن الكريم لا يمكن أن يكون كلام بشر، وأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.

أصالة البحث: تتجلَّى في رَصْدِ اعتراضاتٍ حديثةٍ على القول بأن هاروت وماروت ملَكان، وفي الأثرين المعرفي والإيماني لنتائج هذا البحث؛ حيث ترُدُّ التفاصيلُ الدقيقةُ التي ذكرها القرآن الكريم الزعمَ بأنه مأخوذٌ من كُتب أهل الكتاب، وتؤكد على ربَّانية مصدره.

الكلمات المفتاحية: التفسير، هاروت وماروت، الملائكة، الشياطين، السِحْر

للاقتباس: العلي، عبد الرحمن بن عبد الله، وعبد العاطي، محمد عبد اللطيف. «هاروت وماروت في كتب التفسير: دراسة مقارنة»، مجلة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة قطر، المجلد 43، العدد 2 (2025).

https://doi.org/10.29117/jcsis.2025.0416

 ©2025، العلي وعبد العاطي. مجلة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، دار نشر جامعة قطر. نّشرت هذه المقالة البحثية وفقًا لشروط Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0). تسمح هذه الرخصة بالاستخدام غير التجاري، وينبغي نسبة العمل إلى صاحبه، مع بيان أي تعديلات عليه. كما تتيح حرية نسخ، وتوزيع، ونقل العمل بأي شكل من الأشكال، أو بأية وسيلة، ومزجه وتحويله والبناء عليه، طالما يُنسب العمل الأصلي إلى المؤلف. https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0


 

Hārūt and Mārūt in Books of Tafsir– A Comparative Study

Abdulrahman bin Abdullah Al Ali

PhD Candidate in Tafsir and Qur’anic sciences,  College of Sharia and Islamic Studies, Qatar University

uk45@hotmail.com

Mohamed Abdellatif Abdelaati

Professor of Tafsir and Qur’anic Sciences, College of Sharia and Islamic Studies, Qatar University

mlatif@qu.edu.qa

Received: 03/03/2024                     Peer-reviewed: 27/06/2024                                         Accepted: 14/10/2024

Abstract

Objectives: This study aims to determine the preponderant view regarding the truth about Hārūt and Mārūt and examine its implications on the epistemological and theistic aspects.

Methodology: The research employs an inductive, comparative, critical, and historical approach by analyzing exegetical discussions on Hārūt and Mārūt. It traces the views of exegetes, reconstructs and assesses their proofs and their counter argents, and finally determines the most substantiated views.

Findings: This study concludes that the preponderant view is that Hārūt and Mārūt are angels, based on various considerations. These include the consensus of both classical and contemporary scholars, the strength of the supporting evidence, and the absence of definitive objections to this view. Additionally, recent scholarship rebutted claims that the story of Hārūt and Mārūt was derived from the Talmud. Establishing the dominant interpretation of Hārūt and Mārūt also serves to counter allegations that the Qur’ān borrows from earlier scriptures, which reinforces its divine origins and negated claims of human authorship. 

Originality: This research contributes novel insights by addressing recent objections to the classification of Hārūt and Mārūt as angels and exploring its epistemological and theistic implications. Furthermore, it demonstrates the ways the Qur’an’s precise details challenge Orientalist claims that it has been derived from earlier scriptures, and thus it reaffirms its divine authenticity.

Keywords: Tafsir; Hārūt and Mārūt; Angels; Demons; Magic

 

Cite this article as: Al Ali, A.A. & Abdelaati, M.A. "Harut and Marut in Books of Tafsir– A Comparative Study." Journal of College of Sharia and Islamic Studies, Qatar University, Vol. 43, Issue 2 (2025).

https://doi.org/10.29117/jcsis.2025.0416

© 2025, Al Ali, A.A. & Abdelaati, M.A., Published in Journal of College of Sharia and Islamic Studies. Published by QU Press. This article is published under the terms of the Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0), which permits non-commercial use of the material, appropriate credit, and indication if changes in the material were made. You can copy and redistribute the material in any medium or format as well as remix, transform, and build upon the material, provided the original work is properly cited. The full terms of this licence may be seen at: https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0

 

 


 

مقدمة

في هذه المقدمة سيرتكز الحديث حول بيان أسئلة البحث وأهدافه ومنهجه وهيكلته، بالإضافة إلى الدراسات السابقة.

أسئلة البحث:

يسعى البحث للإجابة عن السؤال المركزي الآتي: ما الراجح من أقوال المفسرين في حقيقة هاروت وماروت؟ 

ويتفرع عنه ثلاثة أسئلة هي:

1.   ما أدلة المفسرين على ما رجَّحوه في هذا الخلاف؟

2.   ما مدى وجاهة الاعتراضات التي اعترض بها بعض المفسرين على بعض فيه؟ 

3.   كيف يُوَظَّف الترجيح في حقيقة هاروت وماروت في الجانب المعرفي والإيماني؟

أهمية البحث:

1.    محاولة الحسم في خلافٍ قديمٍ جديدٍ؛ حيث لم يقتصر وجوده عند المتقدِّمين من المفسِّرين، بل امتدَّ إلى مفسِّري عصرنا، وهذا ما ساعد على رَصْدِ اعتراضاتٍ حديثةٍ على بعض الأقوال.

2.    البحث بمثابة تطبيق لقواعد الترجيح على خلافٍ قويٍّ خصب الموارد؛ حيث تتنازعه الأدلة المتنوِّعة، وتكثر فيه الاعتراضات الوجيهة.

3.    كَشْفُ الأثر الإيجابي لدراسة قصة هاروت وماروت في الجانب المعرفي والإيماني.

أهداف البحث:

1.    استقراء الأقوال الواردة في حقيقة هاروت وماروت بأدلتها.

2.    تطبيق قواعد الترجيح المختلفة على الأقوال الواردة في هاروت وماروت.

3.    بيان فوائد دراسة الخلاف في حقيقة هاروت وماروت، والتي يعتبرها بعض المتأخرين مباحث نظرية لا طائلَ من ورائها.

منهج البحث:

1.    المنهج الاستقرائي: من خلال تتبع أقوال المفسِّرين المختلفة وأدلتهم.

2.    المنهج التاريخي: وذلك من خلال النظر في الحدث التاريخي لقصة هاروت وماروت سواءً في كتب التفسير القديمة أو الحديثة أو من غير كتب التفسير.

3.    المنهج المقارن: من خلال مقارنة أقوال المفسِّرين من المتقدمين والمتأخرين، والترجيح بينها.

4.    المنهج النقدي: وذلك من خلال نقد الأدلة التي احتجَّ بها المفسِّرون على أقوالهم.

الدراسات السابقة:

1.    محمد إدريس ميرغني، «حقيقة هاروت وماروت في ضوء القرآن والسُّنَّة: دراسة موضوعية»، 2018م، مجلة كلية التربية الأساسية للعلوم التربوية والإنسانية، العراق، ع38 (2018):

يهدف هذا البحث إلى دراسة حقيقة هاروت وماروت في ضوء القرآن الكريم والسنة النبوية، ففي المبحث الأول تكلم الباحث بكلامٍ عامٍّ عن الملائكة، وفي المبحث الثاني تناول حقيقة هاروت وماروت في ضوء القرآن الكريم، واكتفى بإيراد أقوال أربعة من المفسرين: القرطبي والشوكاني والبيضاوي والسعدي، ولم يقارن بينهم، ثم جاء بنقلٍ عن الطبري يُجيب فيه عن إشكال تعليمهم السحر مع كونهم ملائكة، ثم في المبحث الثالث بحث حقيقة هاروت وماروت في السنة النبوية، وكان من أبرز نتائجه أن الراجح من أقوال أهل العلم في حقيقة هاروت وماروت أنهما ملَكان، وأن من الروايات الواردة في قصتهما مع الزهرة ما هو ثابتٌ وله حكم الرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

والدراسة معنية بجانب السنة النبوية أكثر من المقارنة بين المفسرين؛ ولذلك كان عدد المفسرين في البحث قليلًا جدًا، أما دراستنا فتهدف إلى المقارنة بين عددٍ أكبر من المفسرين، وتطبق قواعد الترجيح المختلفة على الأدلة المتنوعة للأقوال، وتستنبط فوائد دراسة الخلاف في حقيقة هاروت وماروت.

2.    جون سي. ريفز (John C. Reeves)، «بعض المظاهر شبه الكتابية في قصة هاروت وماروت»، مجلة المجتمع الأمريكي الشرقي، مج135، ع4 (2015):

تقارن الدراسة بين مرويات قصة هاروت وماروت عند المسلمين، ثم تحلل هذه الروايات من حيث ما جاء فيها من تفاصيل في الكتب المقدسة عندهم وشِبه الكتابية، وهي دراسة فيلولوجية كما وصفها مركز تفسير للدراسات القرآنية والمشرف على ترجمة هذه الدراسة، وقد تم الاطلاع على هذا البحث عن طريق ترجمة مركز تفسير للدراسات القرآنية، بترجمة مصطفى الفقي، وقد بلغ عدد صفحات النسخة المترجمة 77 صفحة، وقد كان من أبرز نتائجه ما وصفه بالنتيجة الأكثر أهمية؛ وهي أن قصة هاروت وماروت الإسلامية ومثيلاتها ربما تعيد قصة الأجيال الأولى من البشر على وجه الأرض وعلاقتها بكائناتٍ سماويةٍ تفاعلوا معها، وأصل الفنون السحرية وعلوم المعادن.

وبهذا يتبين أن دراسة الباحث لا تُقارِن بين أقوال المفسرين وترجح بينها، وإنما تركز على جانب المرويات وتحليلها ومقارنتها بما جاء في كتبهم المقدسة وما يرتبط بها، والناحية التاريخية لقصة هاروت وماروت، أما دراستنا فتقارن بين أقوال المفسرين، وترجح بينهم وترصد فوائد هذا الترجيح.

3.    نادي بن محمود الأزهري، «هاروت وماروت بين الإنكار والثبوت: دراسة نقدية في ضوء كتب المفسرين وأقوال العلماء المعتبرين»، مجلة كلية أصول الدين والدعوة بأسيوط، مصر، مج2، ع32 (2014):

عرض صاحب البحث مرويات قصة هاروت وماروت في كتب التفسير ثم بين العلماء الذين أثبتوا أصل القصة وصححوا بعض طرقها، وأتبعهم بالعلماء الذين أنكروها، وحكموا بضعفها ثم ناقش الإشكالات على القصة، وختم بحثه بدروسٍ مستخلصةٍ من قصة هاروت وماروت، ومن أبرز نتائجه أن بعض سياقات القصة فيها إغراب ونكارة، إلا أنها بالمقابل فيها قدر كبير متفق عليه في السياق، مما يعطي صورة مقبولة يمكن أن يثبت به أصل القصة.

وبهذا يتبين أن هذا البحث مَعْنِيٌّ بسبر أغوار المرويات التفسيرية لقصة هاروت وماروت واستجلاء حقيقتها، واستظهار أي الفريقين كان أصوب في تقويمه وأسدَّ في توجيهه، وأما دراستنا فتُعني بالمقارنة بين أقوال المفسرين، وتطبق قواعد الترجيح المختلفة على الأدلة المتنوعة للأقوال، وترصد فوائد دراسة الخلاف في حقيقة هاروت وماروت.

4.    عمر بن عبد الوهاب الكحلة، «هاروت وماروت وآراء العلماء فيهما»، مجلة كلية العلوم الإسلامية بجامعة الموصل، العراق، مج3، ع5 (2009):

تطرَّق الباحث إلى دراسة مفردتي هاروت وماروت عند اللغويين ثم ذكر الأقوال فيهما، ولم يهتم باستقراء المفسرين المرجحين لهذه الأقوال فعلى سبيل المثال في القول بأنهما ملَكان ذكر من المرجحين لهذا القول الطبري والبيضاوي فقط، ثم ذكر قصة هاروت وماروت وذكر بعض المؤيدين والمنكرين لهذه القصة ثم ذكر اعتراضات من قال بإبطال القصة، وتوصل في الختام إلى أن القصة المروية من الإسرائيليات، وأنه يجوز أن يكونا رجلين ساحرين زعما أنهما ملَكان.

ولم يسرد الباحث أدلة كل قول ويرجِّح بينها، ولم يهتم باستقصاء أكبر عددٍ ممكن من المفسرين ومعرفة ترجيح كلٍّ منهم وأدلته، وكان اهتمامه منصبًّا في المقام الأول على ثبوت القصة من عدمه، وهذا اختلافٌ جذريٌّ بين دراستنا ودراسته.

5.    عيادة بن أيوب الكبيسي، «قصة هاروت وماروت في ميزان المنقول والمعقول»، مجلة الدراسات الإسلامية، باكستان، مج27، ع3 (1992):

تناول الباحث الروايات التي تحدثت عن هاروت وماروت، وقارن بين الروايات المرفوعة والروايات التي وردت عن كعب الأحبار من طريق عبد الله بن عمر رضي الله عنهم أجمعين، ثم بيَّن آراء العلماء في القصة، وناقش القصة من ناحية عقلية، ثم أشار إلى كلمتي (ما) و(الملكين) في الآية، وانتهى في آخر بحثه إلى رد الخبر باعتبار أنه جاء عن كعب الأحبار رضي الله عنه.

دراسة الباحث معنية بالبحث في الروايات بالدرجة الأولى، وقد وقفنا على بعض الأخطاء في نسبة بعض الأقوال للمفسرين، حيث عزى في ص45 القول بأن هاروت وماروت قبيلتان من الشياطين إلى القاسمي وابن عاشور، وهذا ليس صحيحًا، كما أن دراستنا تُعنى بالمقارنة بين أقوال المفسرين، وتطبق قواعد الترجيح المختلفة على الأدلة المتنوعة للأقوال، وترصد فوائد دراسة الخلاف في حقيقة هاروت وماروت.

هيكل البحث:

البحث يتضمن مقدمة وأربعة مطالب تتناول الآتي:

المطلب الأول: مَوْرِد آية هاروت وماروت، وأقوال المفسرين فيهما.

المطلب الثاني: اعتراضات المفسرين على الأقوال في هاروت وماروت.

المطلب الثالث: مناقشة أقوال المفسرين والترجيح بينها.

المطلب الرابع: الترجيح وتوظيفه في الجانب المعرفي والإيماني.

بالإضافة إلى خاتمة أجملت أهم النتائج والتوصيات.

المطلب الأول: مَوْرِد آية هاروت وماروت وأقوال المفسرين فيهما

أولًا: مَوْرِد الآية

الآية التي ذُكِر فيها هاروت وماروت وردت في سورة البقرة في قوله تعالى: ﴿وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتۡلُواْ ٱلشَّيَٰطِينُ عَلَىٰ مُلۡكِ سُلَيۡمَٰنَۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيۡمَٰنُ وَلَٰكِنَّ ٱلشَّيَٰطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحۡرَ وَمَآ أُنزِلَ عَلَى ٱلۡمَلَكَيۡنِ بِبَابِلَ هَٰرُوتَ وَمَٰرُوتَۚ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنۡ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَآ إِنَّمَا نَحۡنُ فِتۡنَةٞ فَلَا تَكۡفُرۡۖ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنۡهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِۦ بَيۡنَ ٱلۡمَرۡءِ وَزَوۡجِهِۦۚ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِۦ مِنۡ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمۡ وَلَا يَنفَعُهُمۡۚ وَلَقَدۡ عَلِمُواْ لَمَنِ ٱشۡتَرَىٰهُ مَا لَهُۥ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ مِنۡ خَلَٰقٖۚ وَلَبِئۡسَ مَا شَرَوۡاْ بِهِۦٓ أَنفُسَهُمۡۚ لَوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ [البقرة: 102]. ومحل البحث منها في هاروت وماروت تحديدًا.

ثانيًا: مناسبة الآية للسياق

تَقَدَّم هذه الآية مباشرةً قولُه تعالى: ﴿وَلَمَّا جَآءَهُمۡ رَسُولٞ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٞ لِّمَا مَعَهُمۡ نَبَذَ فَرِيقٞ مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ كِتَٰبَ ٱللَّهِ وَرَآءَ ظُهُورِهِمۡ كَأَنَّهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ [البقرة: 101]. وقد لمح البقاعيُّ (885هـ) مناسبةً ظاهرةً في تعاقب هاتين الآيتين، فقال: «ولما كانت سُنَّةُ اللهِ جاريةً بأنه ما أمات أحدٌ سُنَّةً إلا زاد في خذلانه، بأن أحيا على يده بدعةً، أعقبهم نبذُهم لكلام الله أَولى الأولياء إقبالَهم على كلام الشياطين الذين هم أعدى الأعداء»([1]).

وما ذكره البِقاعي في ربطه بين الآيتين من جريان سُنَّةُ الله تعالى فيمن أمات سُنَّةً بأن يُزاد في خذلانه ؛حتى يُحيى على يده بدعة، تُقرِّره هذه القصة أتم تقرير؛ فإنه جاء فيها أنهما كانا ملَكين، وبعدما أُنزلا إلى الأرض، ورُكِّبَت فيهما الشهوة، أماتا سُنَّةَ الطُّهر والطَّاعة، وبدَّلا وغيَّرا. فهذا الخذلان الذي وقعا فيه من المعصية عُوقبا عليه ([2]). وبعد ندمهما وتوبتهما صارا لَا يُعَلِّمَانِ أَحَدًا السحر ؛حتى يَقُولا: إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ ([3]).

ثالثا: أقوال المفسرين في هاروت وماروت وأدلتهم

1.    ذكر الأقوال إجمالًا:

يمكن تلخيص الأقوال التي قيلت في هاروت وماروت، في ستة أقوال:

القول الأول: أنهما مَلَكان؛

القول الثاني: أنهما شيطانان؛

القول الثالث: أنهما رجلان تظاهرا بالصلاح؛

القول الرابع: أنهما رجلان صالحان؛

القول الخامس: أنهما ملِكان؛

القول السادس: أنهما قبيلان من الجن.

2.    تفصيل الأقوال:

القول الأول: هاروت وماروت مَلَكان

‌أ.     أبرز القائلين بهذا القول:

الطبري (310هـ)، وعبد القاهر الجرجاني (471هـ)، والراغب الأصفهاني (502هـ)، والبغوي (516هـ)، والفخر الرازي (606هـ)، والنسَفي (710هـ)، وابن جزي (741هـ)، والبقاعي (885هـ)، وأبو السعود (982هـ)، والشوكاني (1250هـ)، والألوسي (1270هـ)، وصِديق حسن خان (1307هـ)، وابن عثيمين (1421هـ) ([4]).

‌ب. أبرز الأدلة على هذا القول:

الدليل الأول: الآثار التي تبين أن هاروت وماروت ملَكان ([5]).

الدليل الثاني: الأخذ بظاهر الآية ([6]).

الدليل الثالث: جواز وقوع ذلك؛ إذ إن لله أن يمتحن عباده بما شاء، فله الأمر والحكم ([7]).

الدليل الرابع: بيان فساد الأوجه الأخرى عن طريق ملاحظة النَّظم ([8]).

‌ج.   التحليل:

يُلاحظ أنَّ هذا القول عليه كثيرٌ من المفسِّرين من المتقدِّمين والمتأخِّرين. وقد قال عنه ابن كثير (774هـ): «وذهب كثيرٌ من السلف إلى أنهما كانا ملَكين من السماء، وأنهما أُنزلا إلى الأرض، فكان من أمرهما ما كان»([9]). وفيه تكون (ما) التي في قوله تعالى: ﴿وَمَآ أُنزِلَ عَلَى ٱلۡمَلَكَيۡنِموصولةً، فتكون معطوفةً على ﴿مَا تَتۡلُواْ ٱلشَّيَٰطِينُٰ، ويكون ﴿هَٰرُوتَ وَمَٰرُوتَ بدلًا من ﴿ٱلۡمَلَكَيۡنِ، والأدلة التي ذكرت منها ما يُعيِّن القول، وهي عديدة، ولكن بعضها يحتاج للنظر في صحته وهي الآثار الواردة. والدليل الثالث لا يعين وإنما يصلح لدفع اعتراض، والدليل الرابع حسن، ولكنه يحتاج تأملًا وبسطًا في القول.

القول الثاني: هاروت وماروت شيطانان

‌أ.      أبرز القائلين بهذا القول:

رجَّحه من المفسرين: القرطبي (671هـ) ([10])، وذكره الراغب الأصفهاني (502هـ) عن بعض المفسرين -ولم يُسمِّهم ([11])، مما يدل على أنه قيل به قبل القرطبي.

‌ب.  أبرز أدلة القول:

الدليل الأول: دفع الأصول للقول بأنهما كانا ملَكين.

الدليل الثاني: عدم صحة الأخبار الواردة في كونهما ملَكين ([12]).

‌ج.   التحليل:

بناء على هذا القول تكون (ما) في قوله تعالى: ﴿وَمَآ أُنزِلَ عَلَى ٱلۡمَلَكَيۡنِنافية؛ فتكون معطوفةً على ﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيۡمَٰنُ، ويكون ﴿هَٰرُوتَ وَمَٰرُوتَ بدلًا من ﴿ٱلشَّيَٰطِينُ، والأدلة التي ذكرت لا تعين القول، وإنما تصلح كاعتراضات على القول الأول.

القول الثالث: هاروت وماروت رجلان تظاهرا بالصلاح

‌أ.      أبرز القائلين بهذا القول:

القاسمي (1332هـ) ([13]).

‌ب.  أبرز أدلة القول:

الدليل الأول: كون المقام في الذم، فلا يصح أن يُمدح به هاروت وماروت لو كانا ملَكين.

الدليل الثاني: إنكار القرآن نزول ملائكة إلى الأرض ليعلموا الناس -سوى الوحي-.

الدليل الثالث: أن القول بأنهما ملَكان مأخوذٌ من التلمود ([14]).

‌ج.   التحليل:

القول بأنهما رجلان -على الاختلاف في كونهما صالحين أم طالحين- ذهب إليه قليلٌ من المتأخرين، وفيه تكون (ما) التي في قوله تعالى: ﴿وَمَآ أُنزِلَ عَلَى ٱلۡمَلَكَيۡنِموصولةً، فتكون معطوفةً على ﴿مَا تَتۡلُواْ ٱلشَّيَٰطِينُ، ويكون ﴿هَٰرُوتَ وَمَٰرُوتَ بدلًا من ﴿ٱلنَّاسَ، والأدلة التي ذُكرت لا تُعَيِّن القول، وإنما تصلح كاعتراضات على القول الأول.

القول الرابع: هاروت وماروت رجلان صالحان

‌أ.      أبرز القائلين بهذا القول:

المراغي (1371هـ)، وابن عاشور (1393هـ) ([15]).

‌ب.  أبرز أدلة القول:

لم نجد -فيما وقفنا عليه- استدلالات على هذا القول من القائلين به.

‌ج.   التحليل:

القائلون به قليل، وهم من المتأخرين، ولم يقدموا أدلةً تعين هذا القول.

 

القول الخامس: هاروت وماروت ملِكان

‌أ.      أبرز القائلين بهذا القول:

لم نقف على أحدٍ رجَّحه من المفسرين.

‌ب.  أبرز أدلة القول:

ذُكرت له قراءة شاذَّة ([16])، وهي تصبُّ في القول الثالث والرابع -الفروع- لمن قال من أصحابها أنهما كانا ملِكين.

‌ج.   التحليل:

بُنِيَ هذا القول على قراءة ﴿وَمَآ أُنزِلَ عَلَى ٱلۡمَلَكَيۡنِبالكسر وهي شاذَّة ([17])، والحقيقة أن هذا القول فيه تداخلٌ مع القول الثالث والرابع، ولذلك كان له هذان الفرعان:

1.   أن الملِكين داود وسليمان ([18]).

2.   أن المِلكين عِلجان ([19]).

القول السادس: هاروت وماروت قبيلان من الجن

‌أ.      أبرز القائلين بهذا القول:

لم نقف على أحد رجَّحه من المفسرين، إلا أن ابن كثير (774هـ) ذكره عن ابن حزم (456هـ) ([20]).

‌ب.  أبرز أدلة القول:

لم نقف له على أدلةٍ، ولم نقف على أحد رجَّحه من المفسرين.

المطلب الثاني: اعتراضات المفسرين على الأقوال في هاروت وماروت

أولًا: أبرز الاعتراضات على القول الأول

اعترض عددٌ من المفسرين على القول بأن هاروت وماروت كانا مَلَكين وجرى منهما ما جرى؛ وكان من أبرز ما اعترضوا به على هذا القول:

1.   عدم صحة الأخبار الواردة فيه.

2.   مناقضته للأصول التي تقرر بأن الملائكة لا يعصون الله تعالى.

3.   أخذه من الإسرائيليات.

ومن أبرز المعترضين على هذا القول من المتقدمين القرطبي، ومن المتأخرين القاسمي؛ حيث رأى الأخير أن هذا القول مأخوذٌ من التلمود ([21]). وقرر ابن عطية أن رواياته لا يُقطع منها بشيء، وأنه قد اختصره لذلك ([22]). وقال القرطبي: «هذا كله ضعيف وبعيد عن ابن عمر وغيره، ولا يصح منه شيء»([23]). بينما قرر ابن كثير أن القصة ليس فيها حديثٌ مرفوعٌ صحيحٌ متصلُ الإسناد إلى الصادق الذي لا ينطق عن الهوى ([24]).

وكان من أبرز الاعتراضات على هذا القول أيضًا كونه يناقض الأصول التي تقضي بعصمة الملائكة من الوقوع في المعاصي ([25]).

ثانيًا: أبرز الاعتراضات على القول الثاني

تعقَّب القول الثاني - أنهما شيطانان - عددٌ من المفسرين، فذكر أبو السعود أن فيه إخلالًا بنظام الكلام ([26])، ورأى الشوكاني أنه بعيدٌ ومتكلَّف ([27])، وتعجَّب الألوسي من هذا القول، وانتقده([28])، واعتبره ابن عاشور من التأويل الخطأ؛ «إذ يصير قوله: (على الملكين) كلامًا حشوًا»([29]).

ثالثًا: أبرز الاعتراضات على الأقوال المتبقية

وأما الأقوال الأخرى، فلعله لقلة القائلين بها وتأخرهم زمنًا، فإننا لم نقف على اعتراضاتٍ عليها، عدا القول السادس - أنهما قبيلان من الجن؛ حيث استبعده ابن كثير ([30]) وضعَّفه أبو السعود ([31]).

المطلب الثالث: مناقشة أقوال المفسرين والترجيح بينها

       بعد استعراض الأقوال وأدلتها، وتأمل الاعتراضات عليها، يتضح أن الأقوال كلها -عدا القول الأول- ليس لها أدلةٌ تُعَيِّن ما ذهب إليه أصحابها، وغايةُ ما فيها أنها اعتراضات على كون هاروت وماروت ملَكين، ونَستثني مِن هذا مَن قال بأنهما ملِكان -بالكسر؛ لأن ما استدلَّ به يُعيِّن ما ذهب إليه، إلا أن ما استدلَّ به ليس قطعيًا لكونه قراءة شاذَّة ([32]).

وقد ظهر من تأمل كلام النافين أن يكونا ملَكين أن الباعث لاختيارهم هذا هو التنزيه، لا أنَّ دليلًا دلَّ على قولهم الذي ذهبوا إليه، وهذا واضحٌ من كلام القرطبي: «وهذا كفرٌ نعوذ بالله منه ومن نسبته إلى الملائكة الكرام صلوات الله عليهم أجمعين، وقد نزهناهم، وهم المنزهون عن كل ما ذكره ونقله المفسرون»([33]).

ويظهر من استعراض أدلة الأقوال أن القول الأول له أدلةٌ عديدة، وأقوى هذه الأدلة -بناءً على عدد المحتجِّين بها مُراعىً بها الترتيب-: الآثار الواردة، والنَّظْم، ومُراعاة الظاهر.

وظهر أيضًا أن هذا القول قد نوزع في أول أدلته منازعةً قوية، واعتُرض عليه باعتراضاتٍ فيها وجاهة. وفيما يلي مناقشةٌ للاعتراضات على هذا القول للوقوف على صحتها، ونبدأ بالبحث في جواز وقوعه، ثم فيما يُعين كونهما ملَكين:

أما فيما يتعلق بجواز الوقوع، فأبرز مستندٍ لنفيه أمران:

1.   ما قرره القرطبي من أن نسبة المعاصي إلى الملائكة مناقضٌ للأصول.

2.   ما قرره القاسمي من إنكار القرآن نزول الملائكة إلى الأرض معلمين.

وأما فيما يتعلق بالتعيين، فأبرز مستندٍ لنفي تعيين كونهما ملائكة:

1.   تضعيف عددٍ من المفسرين الروايات الواردة فيه.

2.   ترجيح ابن كثير كونَه مأخوذًا من كعب الأحبار (32هـ).

3.   ما قرره القاسمي من كونه مأخوذًا من التلمود.

ومناقشة ما يتعلق بجواز الوقوع على النحو الآتي:

أولًا: نسبة المعاصي إلى الملائكة مناقضٌ للأصول

مع أن ابن كثير قد توقف عن ترجيح أي قولٍ على الآخر، إلا أنه أجاب عن هذا الاعتراض، فقال: «الجمع بين هذا وبين ما ورد من الدلائل على عصمة الملائكة أن هذين سبق في علم الله لهما هذا، فيكون تخصيصًا لهما، فلا تعارض حينئذ»([34]). فبيَّن أن هذا الأصل لا يمنع أن يُستثنى منه، والاستثناء لا يقدح في الأصل بشرط أن يصحَّ الدليل فيه، كما يأتي عن القرطبي بعد هذه الفِقرة.

والقرطبي، وهو من أبرز المشنعين على كون هاروت وماروت من الملائكة، ومن الذين احتجّوا بقوة بهذا الاعتراض؛ إلا أنه قال بعد ذلك: «وأما العقل فلا ينكر وقوع المعصية من الملائكة، ويوجد منهم خلاف ما كلفوه، ويخلق فيهم الشهوات، إذ في قدرة الله تعالى كل موهوم». لكنه عاد فقال: «ولكن وقوع هذا الجائز لا يُدرك إلا بالسمع، ولم يصح»([35]).

فتبيَّن من هذا أن هذه الحجة -مناقضة نسبة المعاصي إلى الملائكة للأصول- لا تصلح بنفسها حجةً لرد القول بأنهما ملَكان إلا بانعدام الرواية الصحيحة.

ثانيًا: إنكار القرآن نزول الملائكة إلى الأرض معلِّمين

ذكر القاسمي حُجَجًا لهذا القول من أن الملَك لا ينزل إلى الأرض مُعَلِّمًا مُنذرًا؛ لأن المشركين طلبوا أن ينزل ملك فلم يُجبهم، ولو كان ممكنًا لَأُرسل مؤيدًا للرسول ([36]).

والحق أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: «فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم»([37]) كافٍ في ردِّ استحالة أن ينزل الملَك إلى الأرض معلِّمًا.

وأما عدم الاستجابة لطلبات المشركين؛ فإن ذلك لأمرين:

الأول: أن تعيين الآيات ليس لهم، وإنما لله تعالى، ﴿قُلۡ إِنَّمَا ٱلۡأٓيَٰتُ عِندَ ٱللَّهِ [العنكبوت: 50]، فإذا شاء ينزلها أو يمنعها ([38]).

الثاني: أنهم إنما طلبوا ذلك تعنُّتًا، وهذا التعنُّت منصوص عليه في مواضع أُخَر من القرآن الكريم، وقد علم الله سبحانه أنه لو فعل لهم ما اقترحوه لن يؤمنوا ([39]).

أما مناقشة ما يتعلق بالتعيين، فأبرز مستندٍ لنفي تعيين كونهما ملائكة:

أولًا: تضعيف عددٍ من المفسرين الروايات الواردة فيه

وهذا يُنَاقَشُ بأمرين:

الأول: أنه مُقابَلٌ بمن ذهب إلى تصحيحها؛ ومنهم الراغب الأصفهاني الذي انتقد تضعيف بعضهم لهذه القصة بقوله: «فقد استسخف جماعة الجدليين قائل هذا الحديث، وعدوه خرافةً يُنَزَّه العاقل سمعه عن سماعه»([40])، ولذلك قال القاسمي: «وللراغب الأصفهاني احتمالاتٌ في تصحيح القصة»([41]). ومنهم ابن كثير؛ فإنه مع تضعيفه للمرفوع، إلا أنه صحَّح بعض الآثار الموقوفة ([42]). ويأتي في الترجيح بيان موقفه منها بحول الله وقوته. ومنهم الشهاب الخفاجي في قوله: «قال المحدِّثون: وجميع رجاله غير موثوق بهم، لكن قال خاتمة الحفاظ الشهاب ابن حجر: أخرجه أحمد في مسنده، وابن حبان في صحيحه، وأنَّ له طرقًا كثيرةً جمعتها في جزءٍ مفردٍ، يكاد الواقف عليها يقطع بصحتها، لكثرتها، وقوَّة مخارجها، وقال بعضهم: بلغت طرقه نيفًا وعشرين»([43]).

الثاني: أن المضعفين لهذه الأخبار قد يحملهم قصدهم الحسن من تنزيه الملائكة وغير ذلك إلى رد هذه الأحاديث، وقد يردونها لمجرَّد ورودها في التلمود. حيث ذكر القاسمي أنها مأخوذة من التلمود ثم حكم بحكمٍ شديدٍ على الراوين لها بقوله: «وجاراه جهلة القُصَّاص من المسلمين، فأخذوها منه»([44])، مع أن ابن كثير قال: «وذهب كثيرٌ من السلف إلى أنهما كانا ملكين من السماء، وأنهما أنزلا إلى الأرض، فكان من أمرهما ما كان»([45]). وحكى استفاضتها عن جماعة من الصحابة والتابعين ابن رجب (795هـ) حيث قال: «وقد استفاض عن جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وأن هاروت وماروت كانا ملَكين، وأنهما خُيِّرا بعد الوقوع في المعصية بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، فاختارا عذاب الدنيا لعلمهما بانقطاعه»([46]). ومع ذلك نجد القاسمي يُصدر هذا الحكم الشديد لمجرد ورود هذه القصة في التلمود!

والحق أنه لا يُعتمد على مثل هذا في تضعيف الروايات إذا تبين ثبوت سندها إلى الصحابة، وقد بيَّن المختصون بعلم الحديث كابن كثير وابن حجر وغيرهما ثبوت عددٍ من هذه الروايات.

ثانيًا: ترجيح ابن كثير كونه مأخوذًا من كعب الأحبار

توقف ابن كثير في هذه المسألة مع تصحيحه أسانيد بعض الروايات للقصة، ذلك أنه بعد تصحيحه لبعض الروايات الموقوفة رجَّح أن يكون بعضها من كعب الأحبار، حيث قال عن الرواية: «وأقرب ما في هذا أنه من رواية عبد الله بن عمر، عن كعب الأحبار، لا عن النبي صلى الله عليه وسلم»([47]). وترجيحه هذا يكشف السبب عن توقفه في المسألة؛ لأنها إذا كانت من الإسرائيليات؛ فإننا لا نردها ولا نقبلها، لأننا أُمرنا ألا نصدقها ولا نكذبها، فنتوقف، وهذا ما فعله ابن كثير ([48]).

لكن قد يقال: إنه مع ذلك كان يجب أن تُرد هذه الإسرائيليات ولا يُتوقف فيها؛ لأنها تُصادم أصلًا ثابتًا، ونحن إنما نتوقف فيما لا يصادم أصلًا شرعيًا، أما ما يصادم فلا مجال للتوقف فيه.

وهذا كلامٌ وجيه، لا نظنه يخفى على مثل ابن كثير، لعله كان متنبهًا إلى أن رد الروايات الإسرائيلية إنما يكون مع القطع بكونها من الإسرائيليات، والحاصل أن ذلك محتمل، فهذا الاحتمال المتردد بين كونها لها حكم الرفع وبين كونها من الإسرائيليات هو الذي جعله يتوقف فيها، وهو -إن حدث- تصرفٌ حكيمٌ جارٍ حسب الأصول، ويدل على رسوخٍ وتمكنٍ.

وهنا ينبغي أن نناقش كونها مأخوذةً عن أهل الكتاب أم لا:

أولًا: من الروايات الصحيحة في ذلك ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما (68هـ) وابن عمر رضي الله عنهما (73هـ). ورجح ابن كثير أن تكون مرويةً عن كعب الأحبار لأثر ابن عمر دون أثر ابن عباس، وقد جاء ما يدل على أن ابن عباس لم يكن يأخذ عن أهل الكتاب، فقد قال كما في صحيح البخاري: «يا معشر المسلمين، كيف تسألون أهل الكتاب وكتابكم الذي أنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم أحدث الأخبار بالله تقرؤونه لم يشب؟! وقد حدثكم الله أن أهل الكتاب بدلوا ما كتب الله، وغيروا بأيديهم الكتاب، فقالوا: هو من عند الله، ليشتروا به ثمنًا قليلًا، أفلا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مساءلتهم؟! ولا والله ما رأينا منهم رجلا قط يسألكم عن الذي أنزل عليكم»([49]).

ثانيًا: أثر ابن عمر رضي الله عنهما الذي تلقَّاه عن كعب الأحبار حُجَّةٌ في الباب، لأن ابن عمر جزم بصحة كون الزهرة هي التي فتنت الملكين. وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله (728هـ) في مقدمته في أصول التفسير: «ومع جزم الصاحب فيما يقوله، فكيف يقال إنه أخذه عن أهل الكتاب وقد نُهوا عن تصديقهم؟»([50]). وهذه ملاحظة مهمة من شيخ الإسلام؛ فلا يُساء الظن بالصحابة بأنهم يجزمون بما نُهوا عن تصديقه ([51]). فلا بد أن يكون ابن عمر قد اعتمد في جزمه بصحة ما قصَّه كعبٌ عليه على أمر آخر غير تحديث كعب إياه.

 وأثر ابن عمر الذي جزم فيه بصحة قصة هاروت وماروت قال الألباني عن سنده: «أخرجه ابن أبي حاتم بسندٍ صحيحٍ عن مجاهد»([52])، والأثر وإن كان فيه طولٌ، إلا أننا نورده لأهميته:

قال مجاهد: «كنت نازلًا على عبد الله بن عمر في سفر، فلما كان ذات ليلة قال لغلامه: انظر طلعت الحمراء، لا مرحبًا بها ولا أهلًا ولا حياها الله! هي صاحبة الملكين قالت الملائكة: رب كيف تدع عصاة بني آدم وهم يسفكون الدم الحرام، وينتهكون محارمك، ويفسدون في الأرض؟ قال: إني قد ابتليتهم فلعلي إن ابتليتكم بمثل الذي ابتليتهم به فعلتم كالذي يفعلون. قالوا: لا، قال: فاختاروا من خياركم اثنين، فاختاروا هاروت وماروت فقال لهما إني مهبطكما إلى الأرض وعاهد إليكما ألا تشركا ولا تزنيا ولا تخونا فأُهبطا إلى الأرض، وألقى عليهما الشبق وأهبطت لهما الزهرة في أحسن صورة امرأة فتعرضت لهما فأراداها عن نفسها فقالت: إني على دين لا يصلح لأحد أن يأتيني إلا من كان على مثله قالا: وما دينك؟ قالت: المجوسية قالا: الشرك هذا شيء لا نقربه فمكثت عنهما ما شاء الله ثم تعرضت لهما، فأراداها عن نفسها فقالت: ما شئتما، غير أن لي زوجًا وأنا أكره أن يطلع على هذا مني فأفتضح فإن أقررتما لي بديني، وشرطتما لي أن تصعدا بي إلى السماء فعلت، فأقراها بدينها وأتياها فيما يريان ثم صعدا بها إلى السماء فلما انتهيا بها إلى السماء اختطفت منهما وقطعت أجنحتهما، فوقعا خائفين نادمين يبكيان وفي الأرض نبيٌّ يدعو بين الجمعتين، فإذا كان يوم الجمعة أجيب فقالا: لو أتينا فلانا فسألناه يطلب لنا التوبة. فأتياه فقال: رحمكما الله كيف يطلب أهل الأرض لأهل السماء؟! قالا: إنا قد ابتلينا قال: ائتياني في يوم الجمعة، فأتياه فقال: ما أُجبت فيكما بشيء، ائتياني في الجمعة الثانية، فأتياه فقال: اختارا فقد خُيرتما، إن أحببتما معاقبة الدنيا وعذاب الآخرة، وإن أحببتما فعذاب الدنيا وأنتما يوم القيامة على حكم الله. فقال أحدهما: الدنيا لم يمض منها إلا قليل وقال الآخر: ويحك إني قد أطعتك في الأمر الأول فأطعني الآن، إن عذابًا يفنى ليس كعذابٍ يبقى، وإننا يوم القيامة على حكم الله، فأخاف أن يعذبنا قال: لا إني لأرجو إن علم الله أنا قد اخترنا عذاب الدنيا مخافة عذاب الآخرة ألا يجمعهما علينا قال: فاختاروا عذاب الدنيا فجُعلا في بَكَراتٍ من حديدٍ في قليبٍ مملوءةً من نارٍ عليهما سفلهما»([53]).

ثالثًا: كون القصة مأخوذة من التلمود

جزم القاسمي بأن هذه القصة مأخوذةً من التلمود، فقال: «وهذه القصة من اختلاق اليهود وتَقَوُّلاتهم، ولم يقل بها القرآن قط، وإنما ذكرها التلمود، كما يُعلم من مراجعة «مدارس يدكوت» في الإصحاح الثالث والثلاثين، وجاراه جهلة القُصَّاص من المسلمين فأخذوها منه»([54]).

ويمكن مناقشة القاسمي على النحو الآتي:

أولًا: ما قرَّره مردودٌ بما مرَّ، وهو ثبوت الروايات عن الصحابة والتي لها حكم الرفع. ومن المعلوم أن مجرَّد ورودها في التلمود أو غيره من الكتب كالتوراة والإنجيل لا يستلزم ردَّها؛ فإن القرآن جاء حاكمًا على صحة ما في الكتب السابقة أيضًا.

ثانيًا: الجزم بأن المسلمين أخذوها من التلمود فيه مجازفة وقولٌ بغير علم؛ فإن من المختصين في هذا المجال وهو جون ريفز -أستاذ الدراسات الدينية بجامعة نورث كالورينا- قرَّر ما يدلُّ على أن مدراشًا من العصور الوسطى مدينٌ في هذه القصة للقرآن الكريم، حيث قال: «ومن الجدير بالملاحظة أيضًا أن روايات المدراش عن شمهازي وعزازيل تُحاكي بشكلٍ واضحٍ البُنية الهيكلية لبعض الروايات المصقولة بشكلٍ أكثر حِرَفيَّة من قصة هاروت وماروت، وتمامًا كما تُختتم قصة هاروت وماروت بربطها تفسيريًا بآية سورة البقرة، فإن رواية شمهازي وعزازيل ستنتهي أيضًا باقتباسٍ من الكتاب المقدَّس اليهودي...، وهكذا يبدو أن مدراش العصور الوسطى اليهودي قد يكون مدينًا بنيويًّا وموضوعيًا للقصة الإسلامية الأقدم»([55]). ثم بعدها أشار إلى أن بعض التفاصيل في المدراش قد تكون مأخوذة من مواطن أخرى سابقة عن الإسلام. ثم في موطنٍ متأخِّرٍ من بحثه قال: «وكما رأينا، ربما يكون المدراش مدينًا للقصة الإسلامية»([56]). ومن الملاحَظ أنه لم يقل إن الرواية الإسلامية مأخوذةٌ من التلمود، مما يجعل هذا الزعم يحتاج إلى زيادة جلاء ومقارنة بين ما جاء في هذا الإصحاح وما جاء في الروايات الصِّحاح. وعلى كلِّ حالٍ فالذي يفصل في هذا هي النقطة الأولى التي ذكرناها آنفًا.

ثالثًا: ذكر القاسمي أن القصة مأخوذة من (مدارس يدكوت)، وبعد البحث نغلّب أنه أُريد به (مدراش يَلكوت). وإن كان هذا المدراش هو ما قصده القاسمي؛ فإنه يكون قد أخطأ خطًا فادحًا؛ إذ إن هذا المدراش يُرجَّح أنه كُتب على مراحل، أكثرها متأخر عن هذه القصة الإسلامية ([57])، وبذلك يغلب أن المدراش هو المدين للقصة الإسلامية لا العكس! والله أعلم.

المطلب الرابع: الترجيح وتوظيفه في الجانب المعرفي والإيماني

أولا: الترجيح

الراجح من الأقوال هو كون هاروت وماروت مَلَكَيْن، لاعتباراتٍ متعددة؛ منها:

1.    كثرة المرجحين له من المفسرين المتقدمين والمتأخرين.

2.    قوة أدلتهم.

3.    عدم قطعية الاعتراضات الواردة عليه.

4.    عدم وجود أدلة صالحة لترجيح أي قولٍ من الأقوال الأخرى.

ثانيا: توظيف الترجيح في حقيقة هاروت في الجانب المعرفي والإيماني:

وبعد استعراض هذه الأقوال والمناقشة والترجيح، نلفت نظر القارئ الكريم إلى مسألةٍ مهمة تتعلق بسؤال: هل هناك ثمَّةَ فائدة من الترجيح في هذا الخلاف أم لا؟ يعني هل مُجرَّد كونه خِلافًا نظريًا يجعل دراسته عديمة النفع في هذا العصر الذي طغت فيه العلمانية المادية التي لا تهتم بمثل هذه البحوث النظرية، وتراها ترفًا فكريًا؟

من المؤسف أن بعض من تناول هذه الآية بالتفسير قلَّل من فائدة البحث في حقيقة هاروت وماروت؛ ومن هؤلاء محمد حسين فضل الله، حيث قال: «وعن شخصية هاروت وماروت، هل هما ملَكان أم شيطانان أم آدميان؟ وغير ذلك من الأبحاث، وإننا لا نجد مجالًا مُفيدًا للإفاضة في ذلك فيما سيقت له الآية»([58]).

وهذا المجال المفيد الذي لم يجده فضل الله إنما كان لغفلةٍ منه عمَّا سيقت له الآية. وقد تبيَّن من خلال السياق ارتباط الوقوف على حقيقة هاروت وماروت ارتباطًا وثيقًا بالسياق الذي جاءت فيه، وأثر ذلك في المعنى الذي سيقت له. وينبغي أن يُعلم أن معرفة حقيقة ما يدل عليه اللفظ القرآني ليس ترفًا أو أمرًا ثانويًا، بل هو أمرٌ لا غنى عنه؛ لأن هذا اللفظ هو الأساس لبيان القرآن الكريم، بحكم أنه وعاء دلالاته، ومكمن حقائقه، ومستودع أسراره. ولهذا كانت معرفته مقدَّمةً في الرتبة ([59]).

والحقيقة أن إغفالَ أثر التعمق في دراسة قصة هاروت وماروت ومحاولة الوصول إلى الراجح في حقيقة أمرهما فيه بخسٌ لغزارة النَّص القرآني الذي يُعَدُّ وجود كلِّ كلمةٍ فيه في موضعها هدى، ويمكن أن يكون في العناية بتفسيرها أثر كبير يحتاجه غيرنا، وإن توهم البعض عدمَ الحاجة إليه.

ونشير إلى قصةٍ تدل على هذا المعنى، قال الرافعي (1356هـ): «والتفسير كلُّه لكلمة ﴿فَٱسۡتَعۡصَمَ [يوسف: 32] التي في الآية، وكنت ذكرت شيئًا منه للمازني وهو لا يؤمن بالقرآن، فآمن! وهذا كله يجعلني لا أستريح إلا إذا أخرجت أسرار الإعجاز؛ لأن الناس متهيئون للإيمان، ولكن ينقصهم من يكشف لهم عن أماكنه»([60]). فهذا مما يؤكد أن كل كلمةٍ ذُكرت في القرآن الكريم لها أثرٌ بالغٌ في هداية البشر.

ويتجلى توظيف الترجيح في حقيقة هاروت وماروت في الجانب المعرفي والإيماني فيما يأتي:

1.    ردُّ مطاعن المستشرقين في زعمهم أن القرآن اعتمد على أهل الكتاب، كما قال رؤوف أبو سعدة: «لم يهتدِ المستشرقون إذن إلى وجهٍ في هاروت وماروت إلا هذا، وهو ركيكٌ كما ترى، ولكنه يُريك إلى أيِّ مدىً يتخبَّط أولئك المستشرقون المنكرون الوحي على القرآن. زعموا أن القرآن يتوكَّأ على معاصرين من أهل الكتاب، فكيف عَلِمَ القرآن ما جَهِلُوه؟ كيف حَفِظَ هو أخبار أخنوخ السلافي وأخنوخ الحبشي وأضاع أصحاب التوراة الأصل العبري لسفرٍ يُنسب إلى أخنوخ؟!»([61]).

2.    على الرغم من طعن بعض من تناول تفسير هذه الآية في القصة بكونها مأخوذةً من أهل الكتاب، إلا أن هذا التشابه قد يُنظر له من ناحيةٍ أُخرى قررها القرآن الكريم، وهي هيمنة القرآن الكريم على الكتب السابقة. ومن الغريب أن هذه النقطة الجوهرية التي غابت عن بعض المفسرين كالقاسمي قد لاحظها جون ريفز، أستاذ الدراسات الدينية بجامعة نورث كالورينا، حيث قال في بحثه عن هاروت وماروت آنف الذكر: «وقد لوحظ أيضًا أنه ؛حتى القرآن يمكنه غالبًا أن يُسلِّط الضوء على الثغرات البنيويَّة والتفسيريَّة الموجودة في بعض الروايات من القصص الكتابية، بما في ذلك الروايات القانونية»([62]).

3.    إعادة النظر في حدثٍ تاريخي يسعى علماء الغرب في الوقوف عليه، حيث قال جون ريفز أيضًا: «ما قد يَثبُت في النهاية بوصفه النتيجة الأكثر أهمية لهذه الورقة هو احتمال أن قصة هاروت وماروت الإسلامية ومثيلاتها ربما تُعيد بناء قصةٍ ما -كانت قائمة بالتأكيد قبل الإسلام وربما قبل أسفار موسى الخمسة- عن الأجيال الأولى من البشر على وجه الأرض، وعلاقتهم المضطربة مع الكائنات السماوية التي سبقتهم وتفاعلوا معها»([63]).

4.    التأكيد على أن القرآن لا يمكن أن يكون من صنع بشرٍ، قال رؤوف أبو سعدة: «أَوَ قد فرَّغ القرآنُ نفسه لجهدٍ استنفد من جمهرة المستشرقين سنين في تَتَبُّع أخبار السلاف والأحباش، والجمع بينها، كي يصوغ منها في النهاية خبرًا يأتي عَرَضًا في آيةٍ أو بعض آية؟ فما بالك بغير هاروت وماروت من أخبار القرآن، ومن علوم القرآن، وما أدراك ما علوم القرآن؟! أنَّى يتَّسع لبعض هذا جهد بشر، أو عقل بشر، أو عُمر بشر، فردًا أو جماعةً، وإن عكفوا عليه أجيالًا!»([64]).

5.    العِبَر الحاصلة من هذه القصة؛ ومنها: أن الدنيا أشد سحرا من هاروت وماروت؛ لأن هاروت وماروت ليسا من جنس الآدميين، والآدمي خُلِق من الأرض، فهو يألف جنسه؛ ولذلك فإن فتنته بها أكبر من فتنته بهاروت وماروت، وأيضًا فهاروت وماروت يُحذِّران من فتنتهما بقولهما: ﴿إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ﴾ [البقرة: 102]، بينما الدنيا تُعَلِّمُ سحرها وتُخفي فتنتها ([65])، إلى غير ذلك من الدروس والعِبر الكثيرة التي يُمكن استخلاصها من هذه القصة.

خاتمة

وفي الختام نعرض أبرز نتائج البحث وتوصياته:

أولًا: النتائج

-      دراسة هاروت وماروت في تفاسير المتقدمين والمتأخرين ليست ترفًا فكريًا؛ لأن معرفة حقيقة أي لفظٍ قرآنيٍّ ليس ترفًا أو أمرًا ثانويًا؛ إذ إن هذا اللفظ هو الأساس لبيان القرآن الكريم، بحكم أنه وعاء دلالاته، ومكمن حقائقه، ومستودع أسراره. وقد ظهر ارتباط قصة هاروت وماروت ارتباطًا وثيقًا بالسياق الذي جاءت فيه، وظهر أثرُ ذلك في بيان المعنى الذي سيقت له.

-      الراجح أن هاروت وماروت مَلَكَيْن، لاعتبارات متعددة، منها؛ كثرة المرجحين له من المفسرين المتقدمين والمتأخرين، وقوة أدلتهم، وعدم قطعية الاعتراضات الواردة عليه، وعدم وجود أدلة صالحة لترجيح أي قول من الأقوال الأخرى.

-      تعيين الراجح في هاروت وماروت يُسهم في الرد على فِرية المستشرقين في اتِّكاء القرآن على الكتب السابقة وأخذه منها، ويزيد في التأكيد على أنه لا يمكن أن يكون كلام بشر.

-      الزعم بأن قصة هاروت وماروت مأخوذةٌ من التلمود تكذِّبه الآثار الصحيحة عن الصحابة، وكذلك الدراسات الحديثة كدراسة جون ريفز التي توصل فيها إلى أن المدراش الذي فيه قصة هاروت وماروت هو المدين للقصة الإسلامية.

-      أهمية التأني في الحكم على ما جاء عن الصحابة بأنه من الإسرائيليات، وإعمال القاعدة التي قرَّرها شيخ الإسلام ابن تيمية من أن الصحابي إذا نقل عن أهل الكتاب، ثم جَزَمَ، فإنه يَبعُد الظنُّ أنه اعتمد عليهم فيه؛ لكونه منهيًّا عن تصديقهم.

ثانيًا: التوصيات

-      إجراء دراسة مقارنة بين قصة هاروت وماروت التي جاءت في الروايات الصحيحة في التراث الإسلامي بالمصدر الذي ذكره القاسمي من التلمود، وبيان أوجه المشابهة والمفارقة بينهما، ومحاولة الوقوف على تاريخ كتابة هذا الإصحاح من التلمود.

-      تناوُل مبحث كيفية توظيف الترجيح في حقيقة هاروت وماروت بشكلٍ مركَّزٍ وموسَّعٍ؛ بإفراد دراسةٍ تكون بحثًا مستقلًا مختصًا بهذه النقطة، بحيث يتم إثراء ما بدأناه في هذا البحث بشكلٍ يتناسب مع كونه الإشكالية الأساس فيه.

المصادر والمراجع

أولًا: العربية

ابن أبي حاتم، عبد الرحمن بن محمد. تفسير القرآن العظيم، تحقيق: أسعد محمد الطيب، المملكة العربية السعودية: مكتبة نزار مصطفى الباز، ط3، 1419هـ.

ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم. مقدمة في أصول التفسير. بيروت: دار مكتبة الحياة، 1390هـ.

ابن جزي، محمد بن أحمد. التسهيل لعلوم التنزيل، تحقيق: عبد الله الخالدي. بيروت: دار الأرقم بن أبي الأرقم، ط1، 1416 هـ.

ابن رجب، عبد الرحمن بن أحمد. التخويف من النار والتعريف بحال دار البوار، تحقيق: بشير محمد عيون. دمشق: دار البيان، ط2، 1409هـ.

ابن عاشور، محمد الطاهر. التحرير والتنوير. تونس: الدار التونسية للنشر، 1984.

ابن عثيمين، محمد بن صالح. تفسير القرآن الكريم: الفاتحة والبقرة، الملكة العربية السعودية: دار ابن الجوزي، ط1، 1423هـ.

ابن عطية، عبد الحق بن غالب. المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، تحقيق: عبد السلام عبد الشافي محمد. بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1422هـ.

ابن كثير، إسماعيل بن عمر. تفسير القرآن العظيم، تحقيق: سامي بن محمد السلامة. دار طيبة للنشر والتوزيع، ط2، 1420هـ.

أبو السعود، محمد بن محمد. إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم. بيروت: دار إحياء التراث العربي، [د.ت].

أبو سعدة، رؤوف. العَلَم الأعجمي في القرآن مُفَسَّرًا بالقرآن. دار الهلال، [د.ت].

آدم، إبراهيم إلياس. «الروايات الإسرائيلية في تفسير المدرسة العقلية الحديثة دراسة نقدية تحليلية». مجلة أفكار، مج19، ع1 (2017)، ص67-112.

الألباني، محمد ناصر الدين بن الحاج نوح. سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة. الرياض: دار المعارف، ط1، 1412هـ.

الألوسي، محمود بن عبد الله. روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، تحقيق: علي عبدالباري عطية. بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1415 هـ.

باخلف، بشرى غالب. «تحرير مصطلح الإسرائيليات». مجلة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة قطر، مج39، ع1 (2021)، ص19-41. https://journals.qu.edu.qa/index.php/sharia/article/view/201

البخاري، محمد بن إسماعيل. صحيح البخاري، تحقيق: مصطفى ديب البغا. دمشق: دار ابن كثير، ط5، 1414هـ.

البغوي، الحسين بن مسعود. معالم التنزيل في تفسير القرآن، تحقيق: عبد الرزاق المهدي. بيروت: دار إحياء التراث العربي، ط1، 1420هـ.

البقاعي، إبراهيم بن عمر. نظم الدرر في تناسب الآيات والسور. القاهرة: دار الكتاب الإسلامي، [د.ت].

الجرجاني، عبد القاهر بن عبد الرحمن. دَرْجُ الدُّرر في تفسير الآي والسور، تحقيق: طلعت صلاح، عمَّان: دار الفكر، ط1، 1430هـ.

الحكيم الترمذي، محمد بن علي. نوادر الأصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، تحقيق: عبد الرحمن عميرة. بيروت: دار الجيل، [د.ت].

الخفاجي، أحمد بن محمد، عناية القاضي وكفاية الراضي على تفسير البيضاوي. بيروت: دار صادر، [د.ت].

الرازي، محمد بن عمر. التفسير الكبير. بيروت: دار إحياء التراث العربي، ط3، 1420 هـ.

الراغب الأصفهاني، الحسين بن محمد. تفسير الراغب الأصفهاني، تحقيق: محمد عبد العزيز بسيوني. مصر: كلية الآداب بجامعة طنطا، ط1، 1420هـ.

الرافعي، مصطفى صادق. رسائل الرافعي. الدار العمرية، [د.ت].

ريفز، جون سي.. بعض المظاهر شِبه الكتابية في قصة هاروت وماروت، ترجمة: مصطفى الفقي. مركز تفسير للدراسات القرآنية، [د.ت].

السعدي، عبد الرحمن بن ناصر. تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنَّان، تحقيق: عبد الرحمن بن معلا اللويحق. المملكة العربية السعودية: مؤسسة الرسالة، ط1، 1420هـ.

السمعاني، منصور بن محمد. تفسير القرآن، تحقيق: ياسر بن إبراهيم وغنيم بن عباس بن غنيم. الرياض: دار الوطن، ط1، 1418هـ.

الشنقيطي، محمد الأمين. أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن. الرياض: عطاءات العلم، ط5، 1441هـ.

الشوكاني، محمد بن علي. فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير. بيروت: دار بن كثير، ط1، 1414هـ.

صديق حسن خان، محمد صديق خان القنوجي. فتح البيان في مقاصد القرآن، تحقيق: علي عبدالباري عطية. بيروت: المكتبة العصرية، 1412هـ.

الطبري، محمد بن جرير. جامع البيان عن تأويل آي القرآن، تحقيق: عبد الله التركي. دار هجر، ط1، 1422هـ.

عبد العاطي، محمد بن عبد اللطيف. «إقامة المصطلح القرآني في الدراسات القرآنية: المفهوم والآليات». مجلة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة قطر، مج32، ع2 (2014)، ص17-50.

فضل الله، محمد حسين. من وحي القرآن. بيروت: دار الملاك، ط2، 1419هـ.

القاسمي، محمد جمال الدين بن محمد. محاسن التأويل، تحقيق: محمد باسل عيون السود، (بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1418هـ).

القرطبي، محمد بن أحمد. الجامع لأحكام القرآن، تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش. القاهرة: دار الكتب المصرية، ط2، 1384هـ.

المراغي، أحمد بن مصطفى. تفسير المراغي. مصر: مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، ط1، 1365هـ.

مسلم، مسلم بن الحجَّاج. صحيح مسلم، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي. القاهرة: مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه، 1374هـ.

المسيري، عبد الوهاب. موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، (نسخة المكتبة الشاملة).

النسفي، عبد الله بن أحمد. مدارك التنزيل وحقائق التأويل، تحقيق: يوسف علي بديوي. بيروت: دار الكلم الطيب، ط1، 1419هـ.

ثانيًا:

References:

Abdelaati, Mohamed Abdellatif. “Establishing the Quranic Terminology in Quranic Studies: It’s Meaning and Mechanisms.” Journal of College of Sharia and Islamic Studies, Vol. 32, No. 2 (2014): 17-50. https://journals.qu.edu.qa/index.php/sharia/article/view/201

Abū al-Saᶜūd, Muhammad b. Muhammad. Irshād al-ᶜaql al-salīm ilā mazāyā al-kitāb al-karīm. (in Arabic), Beirut: Dār Iḥyāᵓ al-Thurāt al-ᶜArabī.

Abū Saᶜda, Raᵓūf. Al-ᶜAlam al-aᶜjamī fīl-Qurᵓān mufassaran bil-Qurᵓān. (in Arabic), Dār al-Hilāl.

Ādam, Ibrāhīm Ilyās. “Al-Riwāyāt al-isrāʼīliyah fī tafsīr al-madrasah al-ʻaqliyah al-ḥadīthah: dirāsah naqdiyyah taḥlīliyah.” (in Arabic), Majallat Afkār 19-1 (2017): 67-112.

Al-Albānī, Muhammed Nāṣir al-Dīn. Silsilat al-aḥādīṯh al-ḍaᶜīfa wal-mawḍūᶜa wa aṯharuhā al-sayyiᵓ fil-ummah. (in Arabic), Riyadh: Dār Al-Maᶜārif, 1991.

Al-Alūsī, Maḥmūd b. ᶜAbdallah. Rūḥ al-maᶜānī fī tafsīr al-Qurᵓān al-ᶜaẓīm wal-sabᶜ al-mathānī. (in Arabic), Ed. ᶜAlī ᶜAbdulbārī ᶜAṭiyya. Beirut: Dār al-Kutub al-ᶜIlmiyya, 1994.

Al-Baghawī, al-Ḥusayn b. Masᶜūd. Maᶜālim al-tanzīl fī tafsīr al-Qurᵓān. (in Arabic), Ed. ᶜAbd al-Razzāq al-Mahdī. Beirut: Dār Iḥyāᵓ al-Turāth al-ᶜArabī, 2000.

Al-Biqāᶜī, Ibrāhīm b. ᶜAmr. Naẓm al-durar fī tanāsub al-āyāt wal-suwar. (in Arabic), Cairo: Dār al-Kitāb al-Islāmī.

Al-Bukhārī, Muḥammad b. Ismāᶜīl. Saḥīḥ al-Buḳhārī. Ed. Muṣṭafā Dīb al-Baghā. (in Arabic), Damascus: Dār Ibn Kathīr, 1993.

Al-Ḥakīm al-Tirmidhī, Muhammad b. ᶜAlī. Nawādr al-uṣūl fī aḥādīth al-rasūl. (in Arabic), Ed. ᶜAbd al-Rahmān ᶜAmīra. Beirut: Dār al-Jīl.

Al-Jurjānī, ᶜAbd al-Qāhir b. ᶜAbd al-Raḥmān. Darju al-durar fī tafsīr al-āy wal-suwar. (in Arabic), Ed. Ṭalᶜat Ṣalāḥ. Amman: Dār al-Fikr, 2009.

Al-Khaffājī, Aḥmad b. Muḥammad. ᶜInāyat al-qāḍī wa kifāyat al-rāḍī ᶜalā Tafsīr al-Bayḍāwī. (in Arabic), Beirut: Dār Ṣādir.

Al-Marāghī, Aḥmad b. Muṣṭafā. Tafsīr al-Marāghī. (in Arabic), Cairo: Muṣṭafā al-Bābī al-Ḥalbī, 1946.

Al-Masīrī, ᶜAbd al-Wahhāb. Mawsūᶜat al-yahūd wal-yahūdiyya wal-ṣuhyūiyya. (in Arabic), Shamela edition

Al-Nasafī, ᶜAbd Allah b. Aḥmad. Madārik al-tanzīl wa ḥaqāᵓiq al-taᵓwīl. Ed. Yūsuf ᶜAlī Baddīwī. (in Arabic), Beirut: Dār al-Kalim al-Ṭayyib, 1998.

Al-Qāsimī, Muhammad Jamāl al-Dīn. Maḥāsin al-taᵓwīl. (in Arabic), Ed. Muhammed Bāsil. Beirut: Dār al-Kutub al-ᶜIlmiya, 1998.

Al-Qurṭubī, Muhammad b. Aḥmad. Al-Jāmiᶜ li-aḥkām al-Qurᵓān. (in Arabic), Eds. Aḥmad al-Bardūnī and Ibrāhīm Aṭfīsh. Cairo: Dār al-Kutub al-Miṣriya, 1965.

Al-Rāfiᶜī, Muṣṭafā Ṣādiq. Rasāᵓil al-Rāfiᶜī. (in Arabic), Al-Dār al-ᶜAmriya.

Al-Rāghib Al-Aṣfahānī, al-Ḥusayn b. Muhammad. Tafsīr al-Rāghib al-Aṣfahānī. (in Arabic), Ed. Muhammad ᶜAbd al-ᶜAzīz Basyūnī. Cairo: Kulliyat al-Ādāb bi-Jāmiᶜat Ṭanṭā, 1999.

Al-Rāzī, Muhammad b. ᶜAmr. Al-Tafsīr al-Kabīr. (in Arabic), Beirut: Dār Iḥyāᵓ al-Turāth al-ᶜArabī, 1999.

Al-Saᶜdī, ᶜAbd al-Rahmān b. Nāṣir. Taysīr al-Karīm al-Raḥmān fī tafsīr kalām al-Mannān. (in Arabic), Ed. ᶜAbd al-Rahmān b. Maᶜallā al-Lawīḥaq. Riyadh: Muᵓassasat al-Risāla, 1999.

Al-Samᶜānī, Manṣūr b. Muḥammad. Tafsīr al-Qqurᵓān. Ed. Yāsr b. Ibrāhīm and Ghanīm b. ᶜAbbās. (in Arabic), Riyadh: Dār al-Waṭan, 1996.

Al-Shanqīṭī, Muhammad al-Amīn. Aḍwāᵓ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurᵓān bil-Qurᵓān. (in Arabic), Riyadh: ᶜAṭāᵓāt al-ᶜIlm, 2020.

Al-Shawkānī, Muhammad bin ᶜAlī. Fatḥ al-Qadīr al-jām bayn fannay al-riwāya wal-dirāya min ᶜilm al-tafsīr. (in Arabic), Beirut: Dār Ibn Kathīr, 1994.

Al-Ṭabarī, Muhammad Ibn Jarīr. Jāmiᶜ al-bayān ᶜan taᵓwīl āy al-Qurᵓān. (in Arabic), Ed. ᶜAbd Allah al-Turkī. Dār Hajar, 2001.

Bākhalaf, Bushrā Ghālib. “Taḥrīr muṣṭalaḥ al-isrāᵓīliyyāt.” (in Arabic), Journal of College of Sharia and Islamic Studies 39-1 (2021): 19-41. https://doi.org/10.29117/jcsis.2021.0285

Faḍl Allah, Muhammad Ḥusayn. Min waḥy al-Qurᵓān. (in Arabic), Beirut: Dār al-Malāk, 1998.

Ibn Abī Ḥātim, ᶜAbd al-Rahmān b. Muḥammad. Tafsīr al-Qurᵓān al-ᶜaẓīm. (in Arabic), Ed. Asᶜad Muhammad al-Ṭayyib. Riyadh: Maktbat Nizār Muṣṭafā al-Bāz, 1999.

Ibn ᶜĀshūr, Muhammad al-Ṭāhir. Al-Taḥrīr wal-tanwīr. (in Arabic), Tunis: al-Dār al-Tūnisiya, 1984.

Ibn ᶜAṭiyya, ᶜAbd al-Ḥaqq b. Ghālib. Al-Muḥarrar al-wajīz fī tafsīr al-kitāb al-ᶜazīz. (in Arabic), Ed. ᶜAbd al-Salām ᶜAbd al-Shāfī Maḥmūd. Beirut: Dār al-Kitāb al-ᶜIlmiya, 2001.

Ibn ᶜUthaymin, Muhammad b. Ṣaliḥ. Tafsīr al-Qurᵓān al-karīm: al-Fātiḥa wal-Baqra. (in Arabic), Riyadh: Dār Ibn al-Jawzī, 2002.

Ibn Juzayy, Muhammad b. Aḥmad. Al-Tashīl li-ᶜulūm al-tanzīl. (in Arabic), Ed. ᶜAbd Allah al-Khālidī. Beirut: Dār al-Arqam, 1996.

Ibn Kathīr, Ismāᶜīl b. ᶜAmr. Tafsīr al-Qurᵓān al-ᶜaẓīm. (in Arabic), Ed. Sāmī b. Muhammad al-Salāma. Dār Ṭayba, 1999.

Ibn Rajab, ᶜAbd al-Raḥmān b. Aḥmad. Al-Taḳhwīf min al-nār wal-tᶜrīf biḥāl dār al-bawār. (in Arabic), Ed. Bashīr Muhammad ᶜUyūn. Damascus: Dār al-Bayān, 1989.

Ibn Taymiyya, Aḥmad b. ᶜAbd al-Ḥalīm. Muqaddima fī uṣūl al-tafsīr. (in Arabic), Beirut: Dār Maktbat al-ḥayāt, 1970.

Muslim, Ibn al-Hajjāj. Ṣaḥīḥ Muslim. Ed. Muḥammad Fuᵓād ᶜAbd al-Bbāqī. (in Arabic), Cairo: ᶜĪsā al-Bābī al-Ḥalbī, 1955.

Reeves, John C. Baᶜḍ al-maḓāhir shibh al-kitābiya fī qiṣṣat Hārūt wa Mārūt. (in Arabic), Trans. Muṣṭafā al-Faqqī. Tafsīr Center for Quranic Studies.

Ṣiḍdīq, Ḥasan Ḳhān Muhammad Ṣadīq Ḳān al-Qannūjī. Fatḥ al-bayān fī maqāṣid al-Qurᵓān. (in Arabic), Ed. ᶜAlī ᶜAbd al-Bbārī ᶜAṭiyya. Beirut: al-Maktba al-ᶜAṣriya, 1992.



([1]) إبراهيم بن عمر البقاعي، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور (القاهرة: دار الكتاب الإسلامي، [د.ت])، ج2، ص72.

([2]) يُنظر: عبد الرحمن بن محمد المشهور بابن أبي حاتم، تفسير القرآن العظيم، تحقيق: أسعد محمد الطيب (المملكة العربية السعودية: مكتبة نزار مصطفى الباز، ط3، 1419هـ)، ج1، ص190، برقم 1007.

([3]) المرجع نفسه، ج1، ص192، برقم 1011.

([4]) ينظر: محمد بن جرير الطبري، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، تحقيق: د. عبدالله التركي (دار هجر، ط1، 1422هـ)، ج2، ص333؛ عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني، دَرْجُ الدُّرر في تفسير الآي والسور، تحقيق: طلعت صلاح (عمَّان: دار الفكر، 1430هـ)، ج1، ص208؛ الحسين بن محمد المشهور بالراغب الأصفهاني، تفسير الراغب الأصفهاني، تحقيق: محمد عبد العزيز بسيوني (مصر: كلية الآداب بجامعة طنطا، ط1، 1420ه)، ج1، ص278؛ الحسين بن مسعود البغوي، معالم التنزيل في تفسير القرآن، تحقيق: عبدالرزاق المهدي (بيروت: دار إحياء التراث العربي، ط1، 1420ه)، ج1، ص148؛ محمد بن عمر الرازي، التفسير الكبير (بيروت: دار إحياء التراث العربي، ط3، 1420 هـ)، ج3، ص630؛ عبدالله بن أحمد النسفي، مدارك التنزيل وحقائق التأويل، تحقيق: يوسف علي بديوي (بيروت: دار الكلم الطيب، ط1، 1419هـ)، ج1، ص116؛ محمد بن أحمد ابن جزي الكلبي، التسهيل لعلوم التنزيل، تحقيق: عبد الله الخالدي (بيروت: دار الأرقم بن أبي الأرقم، ط1، 1416 هـ)، ج1، ص92؛ البقاعي، نظم الدرر، ج2، ص77؛ محمد بن محمد بن مصطفى المشهور بأبي السعود، إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (بيروت: دار إحياء التراث العربي، [د.ت])، ج1، ص138؛ محمد بن علي الشوكاني، فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير (بيروت: دار بن كثير، ط1، 1414هـ)، ج1، ص140؛ محمود بن عبد الله الألوسي، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، تحقيق: علي عبدالباري عطية (بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1415 هـ)، ج1، ص341؛ محمد صديق خان القنوجي، فتح البيان في مقاصد القرآن، تحقيق: علي عبدالباري عطية (بيروت: المكتبة العصرية، 1412هـ)، ج1، ص239؛ محمد بن صالح العثيمين، تفسير القرآن الكريم: الفاتحة والبقرة (الملكة العربية السعودية: دار ابن الجوزي، ط1، 1423هـ)، ج1، ص329.

([5]) ينظر: الطبري، جامع البيان، ج2، ص341 وما بعدها.

([6]) ينظر: الشوكاني، فتح القدير، ج1، ص144.

([7]) ينظر: البغوي، معالم التنزيل، ج1، ص129.

([8]) ينظر: الطبري، جامع البيان، ج2، ص337.

([9]) إسماعيل بن عمر المشهور بابن كثير، تفسير القرآن العظيم، تحقيق: سامي بن محمد السلامة (دار طيبة للنشر والتوزيع، ط2، 1420هـ)، ج1، ص352.

([10]) ينظر: محمد بن أحمد القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش (القاهرة: دار الكتب المصرية، ط2، 1384هـ)، ج2، ص50.

([11]) الراغب الأصفهاني، تفسير الراغب الأصفهاني، ج1، ص278.

([12]) يُنظر هذان الدليلان عند: القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، ج2، ص52.

([13]) ينظر: محمد جمال الدين بن محمد القاسمي، محاسن التأويل، تحقيق: محمد باسل عيون السود (بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1418هـ)، ج1، ص365.

([14]) تُنظر الأدلة كلها في: المصدر السابق، ج1، ص366.

([15]) ينظر: أحمد بن مصطفى المراغي، تفسير المراغي (مصر: مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، 1365ه-1946م)، ط1، ج1، ص180؛ محمد الطاهر بن عاشور، التحرير والتنوير (تونس: الدار التونسية للنشر، 1984م)، ج1، ص641.

([16]) ينظر: منصور بن محمد السمعاني، تفسير القرآن، تحقيق: ياسر بن إبراهيم وغنيم بن عباس بن غنيم (الرياض: دار الوطن، ط1، 1418هـ)، ج1، ص116.

([17]) ينظر: المرجع نفسه.

([18]) ينظر: عبد الحق بن غالب ابن عطية، المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، تحقيق: عبد السلام عبد الشافي محمد (بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1422هـ)، ج1، ص186.

([19]) ينظر: السمعاني، تفسير القرآن، ج1، ص116.

([20]) ينظر: ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، ج1، ص352.

([21]) ينظر: القاسمي، محاسن التأويل، ج1، ص366.

([22]) ينظر: ابن عطية، المحرر الوجيز، ج1، ص187.

([23]) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، ج2، ص52.

([24]) ينظر: ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، ج1، ص360.

([25]) ينظر: القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، ج2، ص52.

([26]) ينظر: أبو السعود، إرشاد العقل السليم، ج1، ص139.

([27]) ينظر: الشوكاني، فتح القدير، ج1، ص140.

([28]) ينظر: الألوسي، روح المعاني، ج1، ص341.

([29]) ابن عاشور، التحرير والتنوير، ج1، ص640.

([30]) ينظر: ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، ج1، ص352.

([31]) ينظر: أبو السعود، إرشاد العقل السليم، ج1، ص139.

([32]) ينظر: السمعاني، تفسير السمعاني، ج1، ص116.

([33]) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، ج2، ص52.

([34]) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، ج1، ص352.

([35]) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، ج2، ص52.

([36]) ينظر: القاسمي، محاسن التأويل، ج1، ص366.

([37]) مسلم، صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب: بيان الإيمان والإسلام والإحسان ووجوب الإيمان بإثبات قدر الله سبحانه وتعالى، ج1، ص36، حديث رقم 8.

([38]) ينظر: عبد الرحمن بن ناصر السعدي، تيسير الكريم الرحمن، تحقيق: عبد الرحمن بن معلا اللويحق (المملكة العربية السعودية: مؤسسة الرسالة، ط1، 1420هـ)، ط1، ص633.

([39]) ينظر: محمد الأمين الشنقيطي، أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (الرياض: عطاءات العلم، ط5، 1441هـ)، ج3، ص741.

([40]) الراغب الأصفهاني، تفسير الراغب الأصفهاني، ج1، ص278.

([41]) القاسمي، محاسن التأويل، ج1، ص367.

([42]) يُنظر: ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، ج1، ص355-357.

([43]) أحمد بن محمد الخفاجي، عناية القاضي وكفاية الراضي على تفسير البيضاوي (بيروت: دار صادر، [د.ت])، ج2، ص214.

([44]) القاسمي، محاسن التأويل، ج1، ص366.

([45]) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، ج1، ص352.

([46]) عبد الرحمن بن أحمد المشهور بابن رجب، التخويف من النار والتعريف بحال دار البوار، تحقيق: بشير محمد عيون (دمشق: دار البيان، ط2، 1409هـ)، ص49.

([47]) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، ج1، ص354.

([48]) قارن بين تعامل ابن كثير الواعي مع الإسرائيليات وبين موقف المدرسة العقلية الحديثة منها، وقد بيَّن إبراهيم إلياس آدم موقف المدرسة العقلية منها بقوله: «وضعوا منهجية جديدة في التفسير، والتي من أبرز معالمها: ردُّ الإسرائيليات وإنكارها مطلقًا؛ لأنهم يرون أن لها دورًا لا يُستهان به في تشويه الفكر الإسلامي وتخلُّف الأمة الإسلامية، وبالرغم من أن هناك ضوابط وضعها العلماء في قبول الإسرائيليات وردها، إلا أن العقلانيين تطرَّفوا في إنكارها وفي منهجية التعامل معها في تفسيرهم». إبراهيم إلياس آدم، «الروايات الإسرائيلية في تفسير المدرسة العقلية الحديثة دراسة نقدية تحليلية»، مجلة أفكار، مج19، ع1 (2017)، ص71.

([49]) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الشهادات، باب: لا يسأل أهل الشرك عن الشهادة وغيرها، ج2، ص953، برقم: 2539.

([50]) أحمد بن عبد الحليم المشهور بابن تيمية، مقدمة في أصول التفسير (بيروت: دار مكتبة الحياة، 1390هـ)، ص22.

([51]) تقول بشرى غالب باخلف: «وإن كان عدد الصحابة الراوين للإسرائيليات نزرٌ قليلٌ بالنسبة إلى من بعدهم، إلا أن عدالتهم وشدة حذرهم جعلت عملهم منضبطًا وفق منهجٍ قويم». بشرى غالب باخلف، «تحرير مصطلح الإسرائيليات»، مجلة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة قطر، مج39، ع1 (2021)، ص28.

([52]) ينظر: محمد ناصر الدين الألباني، سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة (الرياض: دار المعارف، ط1، 1412هـ)، ج2، ص314، برقم: ٩١٢.

([53]) ابن أبي حاتم، تفسير القرآن العظيم، ج1، ص190، برقم 1007.

([54]) القاسمي، محاسن التأويل، ج1، ص366.

([55]) جون سي. ريفز، بعض المظاهر شِبه الكتابية في قصة هاروت وماروت، ترجمة: مصطفى الفقي (مركز تفسير للدراسات القرآنية، [د.ت])، ص41.

([56]) المصدر السابق، ص70.

([57]) ينظر: عبد الوهاب المسيري، موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، ج13، ص364.

([58]) محمد حسين فضل الله، من وحي القرآن (بيروت: دار الملاك، ط2، 1419هـ)، ج2، ص144.

([59]) ينظر: محمد عبد اللطيف عبد العاطي، «إقامة المصطلح القرآني في الدراسات القرآنية: المفهوم والآليات»، مجلة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، مج32، ع2 (2014)، جامعة قطر، ص22.

([60]) مصطفى صادق الرافعي، رسائل الرافعي (الدار العمرية، [د.ت])، ص190.

([61]) رؤوف أبو سعدة، العَلَم الأعجمي في القرآن مُفَسَّرًا بالقرآن (القاهرة: دار الهلال، [د.ت])، ص188.

([62]) ريفز، بعض المظاهر شِبه الكتابية في قصة هاروت وماروت، ص71.

([63]) المصدر السابق، ص76.

([64]) أبو سعدة، العَلَم الأعجمي في القرآن مُفَسَّرًا بالقرآن، ص188.

([65]) ينظر: محمد بن علي بن الحسن المشهور بالحكيم الترمذي، نوادر الأصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، تحقيق: عبد الرحمن عميرة (بيروت: دار الجيل، [د.ت])، ج1، ص130.