مظاهر التجديد المقاصدي وأثره في فتاوى الأسرة والمرأة للشيخ يوسف القرضاوي

عربية لعناني

أستاذة محاضرة -ب- في الفقه وأصوله، جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية، قسنطينةالجزائر

arbia.lanani@gmail.com

تاريخ الاستلام: 16/10/2023                            تاريخ التحكيم: 13/03/2024                               تاريخ القبول: 06/05/2024

ملخص البحث

أهداف البحث: يهدف هذا البحث إلى بيان ماهية التجديد المقاصدي، ومنهج الشيخ يوسف القرضاوي-رحمه الله-فيه، وإبراز أهم الإضافات التي قام بها، وبيان مدى نجاعته في معالجة قضايا الأسرة والمرأة.

منهج الدراسة: اعتمد هذا البحث المنهج الوصفي لوصف التعاريف والأحكام والفتاوى، والمنهج الاستقرائي في تتبع عبارات المقاصد للوصول إلى الصورة الكلية لإضافات الشيخ المقاصدية، والمنهج التحليلي في تحليل تعريف ومظاهر التجديد المقاصدي، وكيفية تفعيله في قضايا الأسرة والمرأة.

النتائج: توصل البحث إلى أن منهج الاجتهاد المقاصدي من أنجع المناهج الشرعية في تجديد واقع الأمة الإسلامية، وإثبات مبدأ صلاحية الشريعة الإسلامية في كل زمان ومكان، وحتمية دفع عجلة الاجتهاد، وصيانة التصرفات من دعوات الاستحداث أو التعطيل، وحماية الباعث الفطري وإيقاظه، وهذا ما هدفت إليه الإضافات المقاصدية للشيخ.

أصالة البحث: الاجتهاد المقاصدي منهج عرف عند المتقدمين، وقد توجه المعاصرون إلى اعتماده كمنهج اجتهادي لبناء الأحكام، وتم بيانه من خلال أمثلة من فتاوى المرأة والأسرة للشيخ، والتي لم تلق طرحا مقنعا بالرغم مما استفيض فيها من الحديث قديما وحديثا مثلما وفق فيه الشيخ عند اعتماده له، فأثبت ضرورة تفعيله في حل ما يستقبل من قضايا الأمة.

الكلمات المفتاحية: التجديد المقاصدي، القرضاوي، الأسرة، المرأة

 

للاقتباس: لعناني، عربية. «مظاهر التجديد المقاصدي وأثره في فتاوى الأسرة والمرأة للشيخ يوسف القرضاوي»، مجلة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة قطر، المجلد 43، العدد 1 (2025)، عدد خاص بمؤتمر «قراءات في قضايا التجديد والترشيد في فكر الشيخ يوسف القرضاوي».

https://doi.org/10.29117/jcsis.2025.0400

 ©2025، لعناني، عربية. مجلة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، دار نشر جامعة قطر. نّشرت هذه المقالة البحثية وفقًا لشروط Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0). تسمح هذه الرخصة بالاستخدام غير التجاري، وينبغي نسبة العمل إلى صاحبه، مع بيان أي تعديلات عليه. كما تتيح حرية نسخ، وتوزيع، ونقل العمل بأي شكل من الأشكال، أو بأية وسيلة، ومزجه وتحويله والبناء عليه، طالما يُنسب العمل الأصلي إلى المؤلف. https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0

 


 

Aspects of Maqāṣid-Based Renewal and Its Impact on Fatwas Involving Women and the Family by Sheikh Yūsuf al-Qaraḍāwī

Arbia Lanani

Professor Lecturer B of Jurisprudence and Its Principles – D.Sc.
Emir Abd El Kader University for Islamic Sciences, Constantine–Algeria

arbia.lanani@gmail.com

Received: 16/10/2023                     Peer-reviewed: 13/03/2024                           Accepted: 06/05/2024

Abstract

Objectives: This study aims to clarify the essence of maqāṣid-based renewal (renewal based on the higher objectives of the Sharia), examine Sheikh Yūsuf al-Qaraḍāwī’s approach in this field, highlight his most significant contributions, and assess the effectiveness of these contributions in addressing issues related to women and the family.

Methodology: This study employs a descriptive method to detail definitions, rulings, and fatwas, an inductive method to trace statements on maqāṣid to form a comprehensive view of the Sheikh’s contributions, and an analytical method to examine the definition and manifestations of maqāṣid-based renewal, and its application in family and women’s issues.

Results: The outcome of this study is that independent reasoning (ijtihād) based on the higher objectives (maqāṣid) of the law is one of the most effective ways to renew Islamic society. It affirms the suitability of Islamic law for all times and places and is essential for advancing the progress of ijtihād. A safeguard against misplaced calls for innovation or abrogation, it preserves or awakens what we would naturally be inclined to do. These are the very objectives that the contributions of the Sheikh sought to achieve.

Originality: Maqāṣid-based ijtihād was known to early scholars, and contemporary legal experts have increasingly adopted it as a method for deriving rulings. The approach was illustrated with examples from Sheikh al-Qaraḍāwī’s fatwas on women and the family, which, despite extensive discussion over time, have rarely been presented convincingly as the Sheikh managed to do, establishing the necessity of its application in addressing future issues in society.

Keywords: Maqāṣid-based renewal; al-Qaraḍāwī; Family; Women

 

Cite this article as: Lanani, A. “Aspects of Maqāṣid-Based Renewal and Its Impact on Fatwas Involving Women and the Family by Sheikh Yūsuf al-Qaraḍāwī”, Journal of College of Sharia and Islamic Studies, Qatar University, Vol. 43, Issue 1 (2025), Special Issue on “Reflections on Renewal and Moderation in the Thought of Sheikh Yūsuf al-Qaraḍāwī”.

https://doi.org/10.29117/jcsis.2025.0400

© 2025, Lanani, A. Published in Journal of College of Sharia and Islamic Studies. Published by QU Press. This article is published under the terms of the Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0), which permits non-commercial use of the material, appropriate credit, and indication if changes in the material were made. You can copy and redistribute the material in any medium or format as well as remix, trans.form, and build upon the material, provided the original work is properly cited. The full terms of this licence may be seen at: https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0

 


 

مقدمة

يعدّ النظر المقاصدي من الأسس الهامة التي كانت حاضرة في أذهان فقهاء الصحابة رضي الله عنهم ومن جاء بعدهم من فقهاء التابعين، وفيما نظر له الفقهاء المتقدمون والمتأخرون، والذين بنوا عليه أغلب مسائل الفقه، وإن كان ذلك على سبيل التعريض في الغالب، ونظرا للزخم الهائل من التقلبات والتغيرات العصرية المتدافعة التي أفضت إلى حالة الاستحداث المتزايد لصور المعاملات والنوازل الفقهية، فإن عملية الاجتهاد الفقهي تقتضي تفعيل أنجع المناهج الشرعية الممكنة لإمكانية استيعاب المستجدات اللامتناهية في هذا العصر، فكان لاعتماد واعتبار المقاصد التي ترمي إليها الشريعة أثره الواضح في التأثير في دفع عجلة الاجتهاد وتحريك النظر الفقهي، للإحاطة بتلك المسائل والصور المتجددة، بالإجابات الشرعية المقنعة للسائل والقارئ حتى يرى صدق وحتمية صلاح ما يقرره الشرع الحنيف من الأحكام الشرعية.

ويعد الشيخ يوسف القرضاوي رحمه اللهمن السباقين إلى اعتماد هذا المنهج الشرعي، والإفتاء على حسب ما تقتضيه مقاصد الشارع ومعانيه السمحة.

وبهذا فإن أهمية هذا البحث تظهر جليًا في بيان مظاهر وملامح التجديد المقاصدي عند الشيخ يوسف القرضاوي، وكيفية اعتماده للمقاصد كمنهج في النظر في المستجدات، وعلاج العديد من النوازل العالقة التي تحتاج إلى إجابات شرعية ملحة، تقتضيها ملابسات العصر المتجددة، وفائدة تلك الإجابات الفقهية المقاصدية في حماية تصرفات المكلف من إنفاذها في واقع الحياة على خلاف ما شرع، فتكون المقاصد على أقل اعتبار لها أداة اجتهادية تحوطية، في عدم ترك سريان تلك التصرفات وفق الأهواء المفضية إلى تغييب دور التشريع الإسلامي في تحليل الحلال وتحريم الحرام، والذي يحول بينها وبين الوقوع في المحظورات والمفاسد الشرعية.

وعلى هذا الأساس فإن إشكالية البحث تتلخص في السؤال الآتي:

ما معالم التجديد المقاصدي عند الشيخ، وما أثره في فتاوى الأسرة والمرأة؟

وتتفرع عن هذا الإشكال جملة من الأسئلة، هي:

-      ما منهج الشيخ في التجديد المقاصدي؟

-      وما الإضافات التي تناولها في هذا الصدد؟

-      وما أثرها في باب فتاوى الأسرة والمرأة على وجه الخصوص؟

أهداف البحث

يهدف هذا البحث إلى:

-      بيان منهج الشيخ في التجديد المقاصدي، وإبراز ما أضافه في مجال الدراسات المقاصدية.

-      الكشف عن أثر التجديد المقاصدي، وبيان دوره في معالجة قضايا الأسرة والمرأة.

منهج البحث

عُرضت مضامين هذا البحث وفق المناهج الآتية:

-      المنهج الوصفي: وقد استُخدم في وصف تعاريف الشيخ لمصطلح التجديد، ووصف الأحكام والفتاوى.

-      المنهج الاستقرائي: وتم تناوله في تتبع عبارات المقاصد في كتب الشيخ للوصول إلى الصورة الكلية لكل إضافة من الإضافات المقاصدية.

-      المنهج التحليلي: واستُعمِل في تحليل العبارات المقاصدية لبيان مظاهر التجديد المقاصدي التي انطوت عليها العبارات المستقرأة، وكيفية تفعيله لبيان أثره في معالجة قضايا الأسرة والمرأة.

خطة البحث

عولجت إشكالية هذه الدراسة من خلال تمهيد ومبحثين، هما:

المبحث الأول: الجديد الإضافي للشيخ القرضاوي في منهجه في اعتماد المقاصد ومسالك الكشف عنها.

المبحث الثاني: أثر التجديد المقاصدي للشيخ في فتاوى الأسرة والمرأة.

ثم أتبعا بخاتمة بأهم النتائج.

تمهيد في معنى التجديد المقاصدي عند الشيخ يوسف القرضاوي

أولا: معنى التجديد عند الشيخ القرضاوي

التجديد المقاصدي مصطلح ساد في هذا العصر الذي يعتبر من أشد العصور حاجة إلى تفعيله، وهو الذي رافق من حيث الاستعمال والتفعيل الحركات التجديدية المعاصرة، وتعلق على وجه الخصوص بالاجتهاد في القضايا الفقهية في العصر الحديث والمعاصر، طلبا للتغيير بعد الفترة الاستعمارية التي قضت على المعاني والمفاهيم الإسلامية، وأخمدت الفكر الواعي في أوساط المجتمعات الإسلامية، فظهر هذا المصطلح في إطار عمليات تغييرية، وحركات علمية تسعى لإحياء وبعث أخلاق وتشريعات الإسلام في نفوس وأذهان المكلفين من جديد.

وقد تطرق الشيخ القرضاوي إلى الحديث عن المعنى المقصود لهذا المصطلح؛ ونفى كونه تطويرا واستحداثا لأمر ديني ليس من الدين؛ لأن هذا ابتداع في الدين، بل هو: «إحياء الاجتهاد فيه، والرجوع إلى منابعه الأصيلة، والتحرر من الجمود والتقليد، والنظر في التراث نظرة ناقدة للاستفادة من إيجابياته، وتفادي مواضع الخلل»([1]).

ثم حرر معنى التجديد في العقيدة بقوله: «تجديد الإيمان بالدين، والتمسك بقيمه وأصوله، وتجديد الدعوة إليه»([2])، وهذا ما يوافق مراد الشارع من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص: «إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب الخلق، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم»([3]).

إلا أن ما يلاحظ على تعريف الشيخ أنه تعريف مطول وغير محدد الحدود، وغير منضبط بقيود جامعة مانعة، فهو أشبه ما يكون بتفسير مراده وشرح ما يندرج تحته من المتعلقات الدينية، حيث فصل بين معنى التجديد في الشريعة والتجديد في العقيدة، ومصطلح الدين جامع لكليهما، لذا أرى أن العبارة التي أوردها في كتابه في تعريف «التجديد» «تجديد الدين في ضوء السنة» أضبط من حيث الحدود، وأوفى بالمقصود دون الإطالة حيث قال بأنه: «العودة به إلى حيث كان في عهد الرسول وصحابته ومن تبعهم بإحسان»([4]).

ثانيا: معنى المقاصد عند الشيخ

عرف الشيخ يوسف القرضاوي المقاصد بأنها: «الغايات التي تهدف إليها النصوص من الأوامر والنواهي والإباحات، وتسعى الأحكام الجزئية إلى تحقيقها في حياة المكلفين، أفرادا وأسرا وجماعات وأمة»([5]).

وليؤكد الشيخ على المراد الدقيق لمعنى المقاصد، أوضح أن المقاصد غير العلل، لأن العلة الأصولية هي الوصف الظاهر المنضبط المناسب؛ بمعنى أن العلة هنا هي: سبب الحكم والسبب ليس هو الغاية المراد الوصول إليها أو تحقيقها([6]).

ذلك لأن المقصد هو الحكمة التشريعية التي قصد الشارع حصولها وتحققها من تطبيق الحكم، وهي وصف غير منضبط.

ما يلاحظ على تعريفات الشيخ يوسف القرضاوي أنها تعاريف تفسيرية غير حدية، فهي تعرف المصطلح بشرحه شرحا تظهر فيه غاية المؤلف؛ وهي التبصير والتبسيط للقارئ بكل مستوياته، وهذا ما يظهر على كتاباته الأصولية والفقهية، فهي كتابات متجهة نحو تغيير المجتمع، فيتخير من الأساليب ما يوفي بغرض التغيير في واقع الحياة.

ومنها ما ورد في الشطر الأخير من التعريف من زيادة لبيان هدف الكتابات لديه، وهو الإفادة المجتمعية بكل تفاصيلها ومستوياتها، كما يظهر في عبارة «أفرادا وأسرًا ومجتمعات وأمة»، وهذا الذي استوقفني في اختيار العنوان بالتجديد تعبيرا عن غاية الشيخ الجوهرية، فهو لا يؤلف لمستوى تخصصي، ولكن يؤلف بهدف التغيير الاجتماعي الواسع، وهدفه هو كيف يجدد لهذه الأمه دينها.

فالإنتاج الفقهي والمقاصدي والأصولي للشيخ كان إنتاجا مزج بين قوة الاستدلال الشرعي، وغاية الإفهام الشامل لمختلف فئات المجتمع، وليس التنزيل فحسب، فكانت المقاصد هي الوسيلة المناسبة والواسطة الروحية التي تدفع وتحفز المكلفين للرقي إلى مستوى فهم التشريع، بما يتضمنه من ميزة الحث والترغيب التي تنبئ عن محاسن التشريع، الدافعة إلى بعث إرادة الالتزام بتعاليم الشارع، والإحياء والعودة إلى الحياة الآمنة التي نص عليها التشريع، كما في قوله تعالى: ﴿مَنۡ عَمِلَ صَٰلِحٗا مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَلَنُحۡيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةٗ طَيِّبَةٗۖ [النحل: 97]، والحياة الطيبة هي الحياة الآمنة التي تتحقق بتحقق أهداف التشريع ومراميه، المتمثلة في الإيمان بالله والعمل الصالح.

وبناء على تعريف الشيخ سأبين لاحقا منهجه المتبع في العمل بالمقاصد، وأهم المسائل المقاصدية التي جدد فيها، والإضافات التي أضافها وقررها بحول الله.

وبضم اللفظين، وتركيب المعنيين، يمكن تعريف مصطلح «التجديد المقاصدي» في نظر الشيخ بأنه: «الإحياء والعودة إلى المعاني والغايات التي سعى التشريع إلى تحقيقها من أحكامه في حياة المكلفين، بما فيه جلب المصالح ودرء المفاسد».

وهذا التعريف يفهم منه ما قصده الشيخ من العودة إلى مراد الشارع، والعمل بمقتضى مقصوده من التشريعات والأحكام، التي تتضمن جلب المصالح للمكلفين، ودرء المفاسد عنهم.

المبحث الأول: الجديد الإضافي للشيخ القرضاوي في منهجه في اعتماد المقاصد ومسالك الكشف عنها

لدراسة وبيان أهم وأهمية الإضافات المقاصدية التي توصل إليها الشيخ يوسف القرضاوي، كان لزاما علي أن أبين أهم الدوافع([7]) التي رسخت عنده أهمية العمل بمقاصد التشريع وتفعيلها في الدراسات الشرعية؛ ليتسنى من خلالها تصوير منهجه وأهم إضافاته المقاصدية.

المطلب الأول: دوافع الشيخ إلى التجديد المقاصدي

بناء على ما أبداه وباح به الشيخ رحمه الله من آرائه العلمية في هذا الصدد، فهناك جملة من الدوافع التي ساقته إلى صياغة جديدة للمقاصد وتتمثل في:

أولا: أن المقاصد تساعد في الوصول إلى الحكم الشرعي الصحيح([8])

وبيانه من وجهين: أولهما: أن المستنبط للأحكام أثناء تطبيق قواعد الأصول التي على وفقها يعرف الحكم الشرعي، يلوح له عند النظر أن الحكم هو هذا أو ذاك، فيختلط عليه أي الأحكام الظنية يمكن اعتباره، فتكون القراءة المقاصدية لما تحققه من المصالح الشرعية وتدفعه من المفاسد، وفق الموازنات المقاصدية وقواعد الترجيح، ترجيح ما يوافق إرادة الشارع من الأحكام الشرعية، سواء فيما تعارض عند فقيه واحد أثناء الاستنباط، أو ما تعارض بين الفقهاء في المسألة الواحدة.

وثانيهما: أن المقاصد الجزئية هي إحدى الوسائل في تأكيد الحكم من خلال تعليل الأحكام الثابتة بالنصوص الظنية؛ كما أن التعليل المقاصدي له دور في الترجيح بين صور المعاملات والنوازل العصرية المستجدة والحكم عليها، والتي ليس فيها نص ليبين ما لا يوافق مراد الشارع في إطار كليات التشريع العامة.

ثانيا: عدم التوقف عند ظواهر النصوص

 ويكون «بالتدبر في القرآن الكريم...استقراء أحكام الشريعة وما تحويه من مثل عليا، وقيم رفيعة، وغايات حميدة ومصالح أصيلة»([9])؛ وبيانه: أن طلب الحكم الشرعي الاجتهادي مما يحتاج إلى بذل الوسع واستفراغ الجهد في الوصول إليه، على الوجه الذي يتحقق معه مقصود الشارع، لأن الوقوف عند ظواهر النصوص مما ينافي شرعية الاجتهاد والترغيب فيه، كما أن تحقيق مراد الشارع لإثبات صلاحية التشريع لكل زمان ومكان ضمن ما يقتضيه النص فعلا، ويكون في إطار ما يتجدد من الملابسات وفي فقه واقع الحال، والنظر بظواهر النصوص مما لا يحقق مقصود الشارع، بل ويعطل سلطان التشريع ويؤخر تحقيق وإمضاء مقصوده.

ثالثا: مطابقة تفعيل المقاصد لما سمى الله به نفسه تعالى

فالله هو الحكيم، فما من حكم يشرعه إلا ويتضمن تحقيق حكمة، فتشريع الخالق ليس عبثا([10])، ولا يصدر منه فعل إلا لحكم، منها ما يتعلق بأفعال الخلق([11]) لتحقيق ما يصلح أمورهم، ويدفع عنهم المفاسد حتى لا يقعوا في الحرج والمشقة والعنت. والله تعالى «غني عن عباده»([12])، بل هم محتاجون إليه؛ وتمام حاجتهم إليه أن شرع لهم ما يحقق مصالحهم العاجلة والآجلة، ويدفع عنهم المضار في الأولى، والخذلان في الآخرة.

رابعا: السبيل إلى إحياء وتمكين التشريع في قلوب الناس: وهذا ما استخلصته من مجمل ما قرأته من كتاباته المقاصدية؛ فالهدف العام من هذا التجديد المقاصدي هو تجديد الدين في قلوب الخلق، وإعادتهم إلى ما يجب عليهم أن يكونوا عليه من الأحوال التي تحقق إرادة الشارع.

فكل هذه الأسباب قد قعدت لفكرة الاجتهاد المقاصدي لدى الشيخ، مما ساعده على خلق بعض الإضافات المقاصدية التي سار عليها في منهجه المقاصدي، وما ترتب عنها من آثار فقهية وفتاوى.

المطلب الثاني: منهج الشيخ في التجديد المقاصدي

للشيخ القرضاوي منهج خاص في التجديد المقاصدي، تظهر معالمه في النقاط الآتية:

أولا: اعتبار المقاصد تحقيقا للوسطية

تظهر فائدة اعتبار المقاصد في نهج الوسطية التي جاء بها التشريع، وسعى إلى تحقيقها في حياة المكلفين، أفرادا وجماعات، قال تعالى: ﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَٰكُمۡ أُمَّةٗ وَسَطٗا [البقرة: 143]، وقد نبه الشيخ إلى أن تحقيقها مرهون بتفعيل القراءة المقاصدية المعمقة للنصوص الشرعية، لتحقيق مراد التشريع الذي سعى إليه من خلال ما نص وشرع من أحكام، وهذه هي المدرسة الوسطية([13]).

ثم بين أن سبب الوقوع في التطرف والغلو المنهي عنه شرعا، هو العدول عن الوسطية بسبب إلغاء البعد المقاصدي، وانتهاج نهج طرفي الفهم والاجتهاد المنحرف([14])؛ والذي تمثله مدرستان، الأولى: المدرسة الحرفية التي لا تعترف بالتعليل، والبحث في وجوه المصالح الشرعية والمعاني التي تحقق مقصود الشارع، وتحكم على التصرفات بمجرد القراءة الحرفية الظاهرية، وقد أطلق عليهم مسمى الظاهرية الجدد([15])؛ وهي مدرسة قد عملت على تعطيل مصالح الأمة بأكملها، كما هو ملاحظ ومعايش في هذا العصر، فقامت بتعطيل الشريعة، وجمدت الاجتهاد الفقهي.

والثانية: هي الأخطر على التشريع الإسلامي، والتي تتحلل من ربقته جملة وتفصيلا، وهي المدرسة الحداثية التي تتنصل من ذاتية النص الشرعي، ولا تعمل حتى بظاهره، «مدعية أن الدين جوهر لا شكل، وحقيقة لا صورة»([16])، فجعلت للأهواء سبيلا إلى إلقاء الأحكام، ورسم الحلول المبتورة التي لا تزيد الأمة إلا خبالا، وأخطر ما في هذه المدرسة أنها تدعي أن اجتهاداتها تحقق مقصد الشارع، وتزين قولها بالمصالح الموهومة التي تلغي حتى النصوص الصريحة في الدين، والتي لا تقبل التأويل من جميع الوجوه، وبالتالي فهي تلغي الاجتهاد المقاصدي باسم المقاصد الموهومة، مما جرت به على الأمة الويلات والشرور العظيمة في الدين والدنيا.

فشريعة الله كاملة متكاملة، لا يجوز التأخير أو التعطيل أو التملص من تحكيمها، ومن فعل فقد أسند رأيه إلى داعية هواه، ولا حظ له في الفهم المقاصدي الشرعي، وما كان من قول يظهر لهذه المدرسة، يجب أن يرفض لأنه قد عرف في المقاصد بأنه لا تقصيد بدون دليل شرعي يعضده أو يؤيده.

ثانيا: الكليات المقاصدية بين الانحصار والابتكار

ذهب الشيخ القرضاوي إلى أن المقاصد الشرعية لا تنحصر فقط في الكليات الخمس التي حددها العلماء المتقدمون؛ أمثال الغزالي والآمدي([17])، وإنما هناك من المقاصد ما لا ينتظم تحت الكليات الخمس.

وبداية الخروج عن إطار هذه الكليات الخمس هي الإضافة التي أضافها الإمام القرافي، وهي حفظ مقصد العرض الذي شرع من أجله حد القذف، وقد بين الشيخ أهمية التنصيص على عقوبة القذف، واعتبار مقصد العرض؛ لأن ذلك يدخل في إطار حقوق الإنسان المتمثلة في الحفاظ على سمعة الإنسان وكرامته([18]).

ولقد كان للشيخ أيضا بعض لفتات التجديد في هذا الإطار، حيث اعتبر أن جملة من المقاصد تنطوي ضمن كليات أخرى غير التي ذكرت بقوله: «وهناك مقاصد أو مصالح ضرورية لم تستوعبها هذه الخمس المذكورة»([19])، فأضاف إلى تلك الخمس كليات تتعلق: إما بالقيم الاجتماعية كالحرية والمساواة، والتكافل وحقوق الإنسان، أو ما يتعلق بالمجتمع والدولة والأمة، ومنها ما يتعلق بالأخلاق، ثم حصرها في خمس كليات جديدة تجب مراعاتها خاصة، أثناء النظر في مستجدات العصر اليوم، وتتمثل في: بناء الإنسان الصالح، بناء الأسرة الصالحة، بناء المجتمع الصالح، بناء الأمة الصالحة، والدعوة إلى خير الإنسانية([20]).

وكان تعليله لعدم انحصار الكليات في خمس، بأن تلك الكليات تشمل رعاية مصلحة المكلف فقط، دون النظر إلى مصالح المجتمع والدولة والأمة والعلاقات الإنسانية.

يفهم مما ذهب إليه الشيخ أن الكليات لا تتوقف عند مصلحة الفرد فحسب، بل لا بد من رعاية مصلحة الجماعة، ولربما ظهر للشيخ اعتباره لهذه الكليات وعدم التفات العلماء الأوائل إليها حسب ما يفرضه كل واقع، فالواقع القديم كان بحاجة إلى رصد تصرفات المكلف، والبحث في نصوص التشريع عن مصالحه فتجلب ومفاسده فتدرأ، أما الواقع المعاصر فقد حوى من التقلبات والتغيرات الهائلة ما يستدعي البحث فيما يتعدى أمر الفرد، ولما اختلف الواقع، انتقل من رعاية الفرد والمكلف إلى رعاية مصالح المجتمع والأمة المهدورة في هذا العصر.

وهذا ما يثبت صلاحية الشريعة في كل زمان ومكان من جهة، وضرورة التجديد في كل عصر، بإعادة استقراء النصوص الشرعية والبحث في مضامينها بما يخدم كل عصر ويجدد للناس دينهم.

وأرى أن هذه المحاولة التجديدية قد نبعت من عمق الإحساس بالمأساة التي يعيشها العالم الإسلامي، والوهن الذي أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم، حيث أصبح الاهتمام بقضاياه العامة والجماعية، التي تواجه تحديات مختلفة الاتجاهات سياسيا، ومتنوعة النزعات اجتماعيا، ومتعارضة المفهوم والتطبيق اقتصاديا، بل قد أصبح المكلف تابعا في تصرفاته لكل تلك الأيديولوجيات العالمية التي تعصف بمصالح الجماعة والفرد على حد سواء، ولتحقيق مصالح الجماعة والأمة والدولة شرعا، كان الاجتهاد فيها اجتهاد أصالة، وأما تحقيقها على مستوى الفرد فيكون بالتبع بلا ريب.

كذلك أثار الشيخ قضية الأخلاق في العصر الحاضر؛ وأشار إلى منزلتها في أنواع المقاصد عند المتقدمين، ثم انتقل مباشرة إلى الحديث عن كلية الدين على أن الأخلاق متضمنة فيه([21]).

لكن لم يفصل القول في منزلتها في العصر الحاضر، والذي أرى أن تدرج فيه دون تردد في مرتبة الضروريات التي لابد للإنسانية أن تلتزم بها، نظرا للانحلال الواسع في أخلاق الفرد، والانحراف الواضح الذي لا تحده حدود. فالأخلاق حث عليها الدين، لكن تشترك فيها الكثير من المجتمعات الإنسانية على أنها تجمل تصرفات الخلق وتحسنها، بغض النظر عن كونها منطوية تحت كلية الدين؛ لأن الأخلاق لم تعد تطلب لترقية النفس وتورعها، بل أصبحت تطلب لتحقيق أشد الضروريات الدينية والدنيوية، نظرا لفساد الفطرة، وانحراف السلوك الإنساني.

ومن جهة ثانية فإن الشيخ لم يصرح بمرتبتها في هذا العصر، مما يلمس القارئ فيه نوعا من التردد الحاصل في الفصل في تصنيفها مقاصديا، فبقي رأيه منشطرا بين آراء العلماء القدامى في اعتبارها أمرا تحسينيا، أم هي من الضروري لأنها مدرجة تحت ضرورية الدين.

وهذا من الإشكالات التي بقي الحديث فيها من طرف الشيخ محبوسا ضمن سردية تصنيفها قديما والتي تحتاج إلى ترجيح وزيادة بيان.

كما أنه كان من المفترض أن يعالج مسألة الأخلاق في هذا العصر، وتجديد البحث في الوسائل التي تحفظها في واقع وتصرفات الخلق اليوم خاصة من ناحية العدم.

وفي إطار الحديث عن الكليات، تطرق الشيخ إلى الحديث عن وسائل حفظ العقل على أنها لا تحصر في تحريم الخمر وفرض العقوبة، بل تتعدى إلى ما سواه من الوسائل مثل طلب العلم والرحلة في طلبه وتحصيله، لإنشاء العقلية العلمية التي تميز بين الحق فتتبعه، وبين الهوى والباطل فترفضه، وأن يتعدى الأمر حتى إلى العوام([22]).

فإذا افترض أن هذا الرأي صحيح، فهل يتسنى لكل الخلق تحصيل هذا المدرك، وكيف السبيل إلى تحصيله، أليس الأفضل بدل طرح الحديث المستفيض في توسيع تعداد وسائل أخرى، أن يكون الحديث أولى في تصوير الآليات السياسية التي يجب على ولاة الأمور تمكينها في مجتمع الخلق، ومن بينها أن تبتكر الآليات الميدانية في إطار ميزان جلب المصالح ودرء المفاسد، لجعل هذه الوسائل واقعا حقيقيا ترتقي فيه المجتمعات، وتصنع فيه العقلية العلمية بطرق أكثر نجاعة، فكما يعرف في باب السياسة الشرعية أن الرعية تبع لرعاتها حسنا وقبحا، وكما حدث في الكثير من المجتمعات التي لم تر النور إلا بعد جعل مفاهيم الدين والبحث في تطوير وحل المشكلات واقعا سياسيا، تتزعمه سياسات تزيح الفساد، وتفرض سبل ووسائل حماية كلية العقل، التي تظهر بوضوح قوة غيابها في هذا العصر، حتى أصبحت وسيلة تحريم الخمر التي نص عليها علماء المقاصد الأوائل قد تميعت ولم يكن لها أي أثر في واقع الحياة.

فبعض الطرح الذي تطرق إليه الشيخ، كان يميل إلى التنظير والطرح الفكري، دون البحث في تصوير الآليات التي يمكن تنزيلها عٍلى واقع الناس الذي أصبح لا يرى للعلم أثرا لا في حفظ العقل، ولا في حفظ المصالح والكليات الأخرى.

ورغم إشارته إلى البحث في وسائل حفظ الكليات الأخرى مما فيه متسع لكشفها، فإنني أرى أن كشف كل ذلك يحتاج إلى رؤية تكاملية بين النظري وإيجاد الآليات الميدانية لتمكينه في واقع الناس.

فالواقع الراهن يشهد أن التغيير والإحياء لا يتوقفان عند حدود التنظير، ولكن لا بد أن يرافقه تطبيق ضمن رؤى ميدانية تصلح للتأثير في واقع الخلق، لترقيته وتوجيه فكره وسلوكه، وقد نجحت المجتمعات المتطورة بسبب نجاح سياسات من ينفذها في الواقع، كما يرشد إليه علماء السياسة الشرعية القدامى، على أن الشعوب تصنع بحكامها فسادا وصلاحا، وإن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.

فالإشكال الآخر والمطروح؛ ليس في إيجاد الحلول النظرية فحسب، بقدر ما هو في تصوير الآليات وكيفية تطبيقها في واقع الحال، للانتقال من فقه التنظير وفقه التنزيل إلى فقه التطبيق والإجراء.

غير أنني أرى أن الشيخ من جهة أخرى قد أصاب في ذلك؛ فالتجديد الذي ظل يطلب كان مناسبا لذلك الواقع الذي عايشه؛ حيث كانت المرحلة تحتاج إلى عملية التأصيل المقاصدي لتصرفات الخلق التي خلت من تحقيق غايات التشريع وقد وفق فيه، أما واقع اليوم فقد أصبح لا يستجيب لمجرد التنظير والتنزيل الواقعي لأسباب عديدة، بل يستجيب إلى الإجراء الميداني الذي يحتاج إلى نوع آخر من الفقه، وهو تصور آليات تطبيق ذلك التجديد الذي نظر له وتوصل إليه الشيخ، إكمالا وتمكينا لجهوده.

ثالثا: فقه الأولويات وعلاقته بفقه المقاصد

عرف الشيخ فقه الأولويات بأنه «فهم لكيفية ترتيب الأمور والأفكار والأعمال، وتقديم بعضها على بعض، وفق ما جاءت به الأوامر الإلهية والتوجيهات النبوية»([23]).

وقد ربطه الشيخ بالجانب الواضح من المقاصد، بالرغم من أن كل أنواع الفقه التي تتعلق به يبنى فهمها على المقاصد، وفي فهم الحكم الجزئي في ظل المقاصد الكلية([24])، كما تعطي أولوية لما علل بالمقاصد على ما فهم من ظاهر النص&&&([25])، إلا أنها تتجلى بصورة واضحة في فقه الموازنات، من خلال ما أورده في كتابه أولويات الحركة الإسلامية.

وفقه الموازنات هو أحد أنواع فقه الأولويات&&&([26])، ومن أشهر قواعده الموازنة بين الكليات الخمس: الدين والنفس والعقل والنسل والمال، ومراتبها الثلاث وهي: الضروريات والحاجيات والتحسينيات، والموازنة بين أنواع المصالح الشرعية، كتقديم المصلحة العامة على الخاصة، ومصلحة الجماعة على مصلحة الفرد...، والموازنة بين أنواع المفاسد، وبين المصالح والمفاسد عند التعارض، فهو يقوم على تطبيق فقه الأولويات بتقديم ما هو أولى بالاعتبار.

كما طبق الشيخ قاعدة فقه الأولويات في تقديم الأحكام الشرعية المستندة إلى المقاصد الشرعية على ما فهم من ظاهره([27])، ونص عليه بقوله: «أولوية المقاصد على الظواهر»([28])، وقد فسر هذا بضرورة تقديم النظر المقاصدي الذي يربط الحكم بعلته، والجزئي بكليه، والفرع بأصله، على الفهم المستفاد من ظاهر النص، لما فيه من مفسدة تجميد التشريع، وتعطيل مراد الشارع([29]).

وبين أن فقه الأولويات علم عملي بمقتضى الفطرة في جميع أطر الحياة المختلفة، وفي جل تصرفات المكلفين، فهو منظومة مركوزة في العباد مذ خلقوا([30]).

إلا أن السؤال الذي يطرح في هذا الصدد. هل أن فقه الأولويات علم متاح لكل الخلق، وهل الجميع يستطيع ترجيح أولى الأمرين على نحو صائب على أنه أمر مركوز في الخلق عند بداية خلقهم، فالفطرة لا تبقى على سلامتها عند الجميع، وإذا كان كذلك ما هو الدال على أولويات الأمور إذا فسدت الفطرة، وربما قيل إن العقل يدل على ذلك، لكن المقرر في الشرع أن العقل قاصر عن إدراك الصواب دون النقل، وهذا الأخير لا يتسنى للجميع فهمه بكل جزئياته، لإمكانية فقه الأولى في جميع اهتمامات البشر، خاصة وأن الشيخ قد بين في بداية تحديد معنى فقه الأولويات أنه يكون وفق الأوامر والنواهي الشرعية.

ففي هذا المقام نوع من التناقض بين ما حدد في المفهوم مسبقا، وبين ما فصل في ثنايا الكتاب من أن فقه الأولويات يمكن تطبيقه بغير ما جاء به النقل، بل بالفطرة والفطرة لا تثبت على حال السلامة عند الجميع، وبالتالي إذا ترك الأمر للعقل والمنطق اختلفت التقديرات العقلية في تحديد الأولى فالأولى أثناء التطبيق، فيما صرح به النقل واتضح، أو فيما اتفقت عليه العقول السليمة وبينته، أو فيما عرف بداهة عند جميع الخلق وكلها أنواع قد أبانها الشيخ-رحمه الله .

وهذا هو مجال تجديده الذي عرف بعلم فقه الأولويات، وهو مجال واسع يبنى عموما على الفكرة المقاصدية.

المطلب الثالث: مسالك الكشف عن المقاصد عند الشيخ القرضاوي

لما كان الشيخ أحد المؤمنين بالاجتهاد المقاصدي وضرورته في هذا العصر، قام بتجديد في باب مسالك الكشف عنها، من خلال ما أورده في كتابه فقه مقاصد الشريعة.

ومما ساعده على اختيار مسالك جديدة تمكنه من كشف المقاصد بعض المقومات مثل التدبر في كلام الله تعالى؛ وهو سبيل لمعرفة حكم تشريعه، وأسبابه وعلله، والقراءة المستمرة والدقيقة للمؤلفات التي تعنى بالمقاصد، كما أن تتبع النصوص الجزئية، والتأمل في معانيها وأسرارها، والمعايشة والاحتكاك بالعلماء الذين يؤمنون بإعمال المقاصد في الاجتهاد دون إهمالها، قد قاد الشيخ إلى سلوك نوعين بارزين من المسالك([31]) وهما:

أولا: تتبع النصوص التي جاءت بتعليلات في القرآن والسنة

وهي النصوص المشتملة على العلل، المعرفة للغاية من تشريع الحكم الوارد فيها، ويكون المعرِّف أحيانا حروف التعليل([32]) التي تدرس في النحويات، مثل قوله تعالى: ﴿لَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلَنَا بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَأَنزَلۡنَا مَعَهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلۡقِسۡطِۖ [الحديد: 25]، فالغاية والمقصد من إرسال الرسالات وإنزال الكتب هو تحقيق العدل في حياة الناس، أو بأداة الاستثناء كما في قوله تعالى: ﴿وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا رَحۡمَةٗ لِّلۡعَٰلَمِينَ١٠٧[الأنبياء: 107] «وما أرسلناك - أيها الرسول - إلا رحمة لجميع الناس، فمن آمن بك سَعِد ونجا، ومن لم يؤمن خاب وخسر»، والمقصد من إرساله صلى الله عليه وسلم هو الرحمة بالناس بما يشرع لهم من الأحكام، أو الحصر كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»([33])، فحصر الغاية من بعثته صلى الله عليه وسلم في تمكين الأخلاق في تصرفات الخلق، أو بالتنصيص عليها، كما في قوله تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة: 179]. فالمقصد من تشريع القصاص هو استدامة الحياة بردع الجناة، والزجر لغيرهم بمنعهم من اللجوء إلى القتل ابتداء.

فهذه النصوص قد جاءت بتعليلات عرفت بالغاية والحكمة من تشريع تلك الأحكام التي جاءت بها.

ثانيا: استقراء الأحكام الجزئية

مسلك الاستقراء من المسالك المتفق عليها بين جميع علماء المقاصد، وقد نبه عليه الشيخ في أكثر من موضع، كما أنه بين محل الاستقراء في هذا الموضع حيث خصصه بالتصريح بكونه مسلكا وطريقا تعرف به المقاصد، باستقراء الأحكام الجزئية([34]).

لكن الشيخ لم يصرح بنوع الأحكام الجزئية، فمنها المنصوص عليه، ومنها ما استفيد بطريق الاستنباط، وفق قواعد الأصول والقياس، فالأحكام التي دل عليها النص صراحة، يكفي استقراء نصوصها للوصول إلى مقصد شرعي كلي يفهم من مجموع تلك الأحكام، أما الأحكام المستنبطة من مفهوم النص، أو بالقياس، فإن الحكمة تعرف بتتبع تلك الأحكام واستقرائها للوصول إلى مقاصد كلية يبنى عليها غيرها من الأحكام الجزئية التي تصلح أن تندرج تحتها.

كما يلاحظ أن المسالك لدى الشيخ تتعدى هذين المسلكين اللذين صرح بهما في كتابه «فقه مقاصد الشريعة»؛ ففي كتابه «فقه الأولويات» يقرر من جهة أخرى أن مسالك معرفة مصالح الشارع ومفاسده تستفاد بالعقل أو الشرع أو كليهما، وذكر قول العز لتأكيد ما ذهب إليه، ثم أورد تفصيل قول العز فيها([35])، فمنها: ما نص الشارع على كونه مصلحة أو مفسدة وصرح به، فإن خفي عرف من أدلة الشرع المتفق عليها وهي: الكتاب والسنة والإجماع، أو بالأدلة المختلف فيها ومنها: القياس المعتبر والاستدلال الصحيح، على أن تستفاد المصالح الدنيوية بطريق الضرورة أو الظن المعتبر، أما العقل فهو أداة الترجيح بين الراجح والمرجوح منهما أو التجارب([36]).

وما يلاحظ من تعداد هذه المسالك واعتبارها تأثر الشيخ القرضاوي برؤية العز بن عبد السلام([37]) في تعداد المسالك التي يعرف بها المقصد الشرعي، فهو يقر المسالك التي أقرها العز، وله حظ في التجديد في باب مسالك الكشف عن المقاصد، والتي تتمثل في تتبع العلل الواردة في نصوص الكتاب والسنة، وكذا استقراء الأحكام الجزئية التي تتضمن مقاصد شرعية.

المبحث الثاني: أثر التجديد المقاصدي للشيخ في فتاوى الأسرة والمرأة

لقد جال الشيخ وصال في أغوار الاجتهاد المقاصدي كما تقدم بيانه والذي أصبحت الحاجة ملحة لتفعيله، للإجابة الشرعية التي توافق مراد الشارع، بل وتحقق مقصوده في كل ما شرع، لأن هذا التشريع لم يأت عبثا، والهدف العام للتشريع يقودنا إلى الاعتراف بالعمل بالمقاصد، لأنه ما من حكم شرعي إلا وتضمن مصلحة أراد جلبها أو مفسدة أوجب دفعها، ونظرا لكثرة ما تجدد في هذا العصر من المستجدات على نحو متسارع، فرض على العقل الاجتهادي اليوم التجديد وإعادة النظر بطريقة تحقق مقصود الشرع، وتدفع عجلة الاجتهاد حتى لا تبقى تلك المسائل والنوازل عالقة دون أن ينظر في حليتها أو حرمتها، وللإسراع إلى تمكين أدائها على الوجه المشروع، قبل أن تحال إلى عالم التطبيق عن جهل فتؤدي إلى مفاسد قد لا يمكن درؤها، ومنها إلى الفساد الذي خيم على العديد من المجتمعات وواقع الخلق اليوم.

ومن أجل ذلك كتب وفرض على الأمة الاجتهاد وعدم تعطيله، بل ورغب في الاجتهاد فقال صلى الله عليه وسلم: «إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر»([38])، تشجيعا على بذل الوسع وحماية الاجتهاد من غلقه، فكان التعليل المقاصدي واجب الحضور إلى الساحة الاجتهادية في هذا العصر، وقد وفق الشيخ في التعويل عليه في أغلب اجتهاداته، وهذا ما سأبينه في أمثلة من خلال فتاويه في قضايا الأسرة والمرأة على النحو الآتي:

المطلب الأول: أثر التجديد المقاصدي للشيخ في فتاوى الأسرة

على وفق ما أشار إليه الشيخ القرضاوي من ضرورة إعادة الناس إلى عالم الوسطية، التي كان للنظر المقاصدي أثر عظيم في اعتبارها، والعمل بها في واقع الخلق، ومنها دراسته لقضايا المرأة بين نظرة المتغربين، ونظرة المتشددين الذين أوقعوا الناس في الحرج لعدم فهم روح التشريع الإسلامي والعمل بما يوافق مقصود الشارع.

ومن أظهر المسائل في باب الأسرة، وأكثرها احتداما ووقوعا في واقع الناس، وأوسعها تناولا بين تلك المدارس في رصد الآراء وإلقاء الأحكام مسألة الزواج بالكتابية التي اتسعت رقعة انتشارها في العالم، وخاصة بعد التواصل العالمي عبر مواقع التواصل الاجتماعي الذي انفتح انفتاحا عظيما، حتى أصبح العالم وكأنه دولة واحدة.

فالزواج من نساء أهل الكتاب مما أبيح عند جمهور الفقهاء وعلماء المسلمين، على خلاف الصحابي عبد الله بن عمر، ترجيحا بالعمل بقوله تعالى: ﴿وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ حِلّٞ لَّكُمۡ وَطَعَامُكُمۡ حِلّٞ لَّهُمۡۖ وَٱلۡمُحۡصَنَٰتُ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ وَٱلۡمُحۡصَنَٰتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِكُمۡ إِذَآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحۡصِنِينَ غَيۡرَ مُسَٰفِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِيٓ أَخۡدَانٖۗ[المائدة:5].

ثم بين الشيخ قيود الإباحة في الزواج بالكتابية في عدة أمور([39])، بينتها الآية الكريمة وهي: الاستيثاق من كونها كتابية، وأن تكون عفيفة محصنة، وأن تكون ذميه لا حربية، وألا يكون الزواج من الكتابية يحمل من ورائه فتنة أو ضررا محققا أو مرجحا وفق قاعدة الضرر([40])، و«الضرر يزال».

غير أن الشيخ قد حكم في هذه المسألة على خلاف ما ذهب إليه الجمهور، وقال: «لا يجوز الزواج من الكتابية في عصرنا إلا لحاجة ملحة»([41]). واستدل بميزان المصالح والمفاسد التي يتسبب فيها هذا الزواج، وبرؤية مقاصدية تحقق مقاصد الشريعة في هذا العصر، ثم بميزان فقه الأولويات، وتفصيل القول فيها في النقط الآتية([42]):

-      أولوية الزواج من المسلمات خشية وقوعهن في فتنة انصراف الرجال المسلمين عنهن.

-      كما أن الفتنة الأكبر في تربية الأبناء الذين تلتصق نشأتهم بأمهاتهم، لما فيه من الضرر على تدينهم وانتمائهم الديني والقومي.

-      ومن مضاره التي تحدث عنها: وقوع المسلمات في المجتمعات ذات الأقلية الإسلامية في الحرام؛ باللجوء إلى الزواج من غير المسلم، أو الانحراف والوقوع في الرذيلة، وهو من الكبائر، وإما الحرمان الدائم من حياة الزوجية والأمومة.

-      كما أن زواج المسلم بالمسلمة أصون وأرعى للحياة المتوافقة فكريا ومذهبيا، وأحرص على مصلحة الأسرة، وأقدر على حفظ الزوج في نفسه وولده وماله وعرضه.

فكل هذه المفاسد قد حرص التشريع على درئها، وهو المقصود والمراد للشارع، وهو نفسه الضرر الذي حرص عمر بن الخطاب على تلافيه ودرئه، وأمر الصحابي حذيفة بن اليمان بتطليق امرأة يهودية تزوجها، خشية الفتنة بجمالهن، وهو الذي يخشى منه فعلا في هذا العصر، خاصة مع الاندماج التام للمجتمعات عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

إذا فاتجاه الشباب المسلم نحو الكتابيات، والذي انتشر واسعا اليوم، مفض غالبا إلى تفاقم العنوسة في بلاد المسلمين، وتضرر المجتمع بفقدانه للتوازن بين عدد الرجال الذي يصبح أقل بكثير من عدد المسلمات، خاصة وأنهن لا يجوز لهن مطلقا الزواج بغير المسلم([43])، ولو كان كتابيا، وهذا رعاية لمصلحة المسلم على مصلحة غير المسلم، ومصلحة المجتمع العامة على المصلحة الخاصة لمن أراد التزوج بالكتابية وفق فقه الموازنات، وفقه الأولويات.

ورجح الشيخ مذهب عبد الله بن عمر وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما في هذه المسألة على رأي الجمهور نظرا لتغير الملابسات والظروف، والفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والظروف، حيث صرح بقوله: «إن سلطان الرجل على المرأة المثقفة قد ضعف، وإن شخصية المرأة قد قويت، وبخاصة المرأة الغربية»([44]).

ذلك أن الأسرة في ظل غياب الوازع الديني الذي يضع الأسرة في سياج محاط بالحقوق والواجبات، وتحقيق مصالحها ودرء المفاسد عنها، قد ولى إلى حد معتبر، كما أن حدة التحرر لدى المرأة الغربية قد بلغ أوجه، فما عساه الرجل يفعل مع امرأة لا شأن لها برعاية الأسرة، وتعهد الأبناء في غيبته، والحرص على مصالح الأسرة، والمرأة الغربية لا تسطر الحياة الزوجية وفق ما يسطر في الإسلام، بما تعيشه من حالة التحرر الذي لا حدود له، فالإسلام يأمر المكلف مهما نال من الحرية أن يتقيد بما يجلب مصالحه الشرعية، ويتجنب المفاسد التي تنبئ عادة بخراب الأسرة، فحرية الزوجة والزوج في الإسلام مقيدة بتعاليم حفظ الكيان الأسري من الانفراط من عقيدة وشريعة هي التي رفعت من شأنه وكرامته.

المطلب الثاني: أثر التجديد المقاصدي للشيخ في فتاوى المرأة:

قضايا المرأة من أعظم القضايا التي تناولتها كل الأطراف بالحديث من حيث التحليل والحكم عليها، والدعوة إلى الترشيد أو إلى الانحراف، والتحريف في حقيقتها وتحقيق حقوقها، والظلم والإنصاف، والإفراط في اعتبارها والتفريط في التعويل عليها، وفيها يجمل الشيخ فصل الخطاب بقوله: «لا توجد قضية التبس فيها الحق بالباطل، واختلط فيها الصواب بالخطأ، ووقع فيها الغلو والتقصير، مثل قضية المرأة في مجتمعاتنا الإسلامية»([45]).

ولكن السؤال الذي تنبغي الإجابة عنه هو: ما الذي جعل قضية المرأة تصعد وتتصدر كل المسائل في هذا العصر كما قال الشيخ؟

الجواب متضمن في اجتهادات الشيخ المقاصدية التي أعادت النظرة الحقيقية في الفهم الحقيقي للتشريع، فأوقعت المجتمعات بمختلف أطيافها، وبكل مستوياتها في الحرج وكثرة الانشغال بقضايا المرأة.

وللبيان سأكتفي بالإجابة بما ذهب إليه الشيخ، وبينه من خلال فتاويه في قضايا المرأة، بضرب مثالين بارزين احتدم النقاش وكثرت الإشكالات حولهما في هذا العصر، وهما: مسألة الاختلاط، ومسألة عمل المرأة خارج البيت، على النحو الآتي:

أولا: مسألة عمل المرأة

الأصل في عمل المرأة أنه مباح، لأن الأصل في الأشياء الإباحة، إلا إذا دل الدليل على حرمته.

وقد ذهب الشيخ إلى أنه قد تعتريه أحكام تكليفية أخرى بحسب الحاجة إليه، فقد يكون مستحبا أو واجبا إذا كانت أرملة أو مطلقة يتطلب الأمر منها أن تعول نفسها فهو خير لها من أن تسأل الناس أعطوها أو منعوها([46]).

كما يتحدث حال الواقع عن احتياجها لسد حاجات الأسرة إذا كان الزوج معسرا، أو لا يحقق الاكتفاء الميسور للاستجابة لمطالب الأسرة([47]) وخاصة في هذا الوقت المعاصر، الذي سادت فيه النظرة المادية.

ولهذا ما يدل عليه من الكتاب في عمل ابنتي الشيخ الكبير، قال تعالى: ﴿قَالَتَا لَا نَسۡقِي حَتَّىٰ يُصۡدِرَ ٱلرِّعَآءُۖ وَأَبُونَا شَيۡخٞ كَبِيرٞ [القصص:23].

كما يدل عليه الأثر في مساعدة أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها لزوجها الزبير بن العوام في أعماله.

كما أن هذه المسألة قد راج فيها التجاذب بين أهل التنطع وأهل التسيب([48])، الذين شددوا الخناق على المرأة حتى أصدروا حكما بمنعها حتى من المسجد وعارضوا نص الحديث القائل: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله»([49])، حتى أضحت ضحية لا تعلم ولا تعقل من أمور الدنيا ولا الآخرة شيئا، فمثلت تلك الشخصية الجاهلة بكل ما يصلح أمر دنياها وأخراها.

أما تيار التسيب فقد جرها إلى الخروج من بيتها إلى حيث لا تعرف ما هي أولوياتها في الحياة، وما يحقق لها السعادة الحقيقية، فتباشر أي عمل ولو كان مما لا يحفظ كرامتها أو أخلاقها أو ينكس فطرتها.

لكن مقاصد التشريع الإسلامي قد حسمت أمر عمل المرأة على الوجه المشروع، فلا تريد للمرأة أن تبقى حبيسة الظلم والجهل، وخاصة في هذا العصر الذي أصبح فيه البيت محلا للفساد بما تنشره القنوات الفضائية، وتتابعه المرأة من داخل بيتها، كما أن مواقع التواصل الاجتماعي قد فتحت المجال واسعا أمام الفساد في البيوت، حتى انغمست فيه المرأة وأصبحت لا تكاد ترى أدنى أولوية لأسرتها، أو تصنع نفسها، أو تنتبه لتقيم شطر دينها.

فإذا درسنا مفاتيح الفساد، وأمعنا النظر فيها، سوف لن يبقى معنى للحديث عن منع المرأة من العمل، إلا ما كان فيه تخلف، أو تسبب في تضييع مصالح الأسرة واستيفاء حقوق الزوجية فيها.

وإذا كان عمل المرأة مما يحقق مصالحها المادية أو الأسرية، فهذا أمر مستحب، أو واجب إذا وصل الأمر حد الحاجة وسؤال الناس كما تقدم بيانه.

بل قد ذكر الشيخ أن تكون حاجة المجتمع إليها أكبر بكثير من مصلحتها الخاصة، كما في بعض الأعمال، مثل التطبيب والتمريض والتعليم، ونحو ذلك مما يحقق مصلحة اجتماعية عامة، وتقديم أولوية تعامل المرأة مع المرأة على معاملة الرجال معها([50])، وهذا الاجتهاد هو عينه إعمال لمقصود الشرعي في الحكم على عمل المرأة حال المنع، وحال الاستحباب، وحال الوجوب، وكل حكم يقتضي تحقيق مصلحة شرعية.

وأرى أن عمل المرأة في هذه الحالات بين الواجب الكفائي إذا وجد من يقوم به، والواجب العيني إذا لم يوجد غيرها لمباشرته. وهذا لا يعني أن تنساق المرأة وراء أي عمل، بل لا بد من شروط يخضع لها عمل المرأة، كما بينها الشيخ في النقط الآتية([51]):

-      أن يكون العمل مشروعا، لمنع ما تنجر عنه مفاسد، كالذي يكون في خلوة، أو غير جائز لذاته كبيع خمر...

-      الالتزام بآداب الخروج والدخول والتعفف في القول والفعل، حتى لا تنتشر مفسدة ما ينجر عن الخضوع بالقول أو التبرج وغيره.

-      ألا يؤدي عملها إلى إهمال ما هو أوجب منه من تربية الأبناء ورعايتهم، والقيام بحقوق الزوجية وغيرها

 وهذا كله يدخل في باب العمل بفقه الأولويات، وألا يعود الفرع على الأصل بالإبطال.

ثانيا: مسألة الاختلاط

يقصد بالاختلاط هنا الاختلاط بين الرجل والمرأة، وهي مسألة قديمة حديثة، تتجدد في كل عصر، ولكل عصر ظروفه وملابساته التي تأخذ فيها الفتوى مجراها الذي يناسبها، فما حكمه في هذا العصر الذي تغيرت فيه جميع أطر الحياة اختلافا لم يسبق له نظير، زمن كثر فيه الاستحداث وتعقدت فيه صور المعاملات والعلاقات؟

هل كل اختلاط محرم؟ وإن كان غير ذلك، فمتى يكون جائزا وما صورته في نظر الشرع؟ وهل أن خارج البيت جعل للرجال دون النساء؟([52]) وإن كان غير ذلك، فما هي ضوابط الشرع التي ترسم الحدود الآمنة أو الصورة الجائزة التي توافق روح التشريع وأهدافه العامة لخروج المرأة واختلاطها بالرجل؟

كل هذه الأسئلة قد أجاب عنها الشيخ القرضاوي بنظر مقاصدي يهدف إلى إثبات أن الشريعة حاكمة لتصرفات الخلق في كل عصر مهما تغير الزمن واختلف.

كما أجاب بقوله: «مشكلتنا أننا في أكثر القضايا الاجتماعية والفكرية، نقف بين طرفي الإفراط والتفريط، وقلما نهتدي إلى التوسط الذي يمثل إحدى الخصائص العامة والبارزة لمنهج الإسلام ولأمة الإسلام»([53])، فالمشكلة يراها الشيخ في عدم التوسط في النظر، فإما أن نفرض عليها التقاليد الغربية، المتسمة بالانحراف والإباحية، والتحلل من ربقة التكليف الشرعية، والخروج عن الفطرة، وكل هذا جر ما جر من الويلات والمفاسد والشرور التي هدمت المجتمع والأمة، وإما باتباع طرف ادعى التدين في معاملته للمرأة، ففرض عليها تقاليد تحمل سوء الظن بالمرأة وبقدراتها العقلية في إدارة أمورها على وجه الحكمة، مما أوقعها في الحرج والضيق، والمشكلة أن ما يقوم به هذا التيار قد نسبه إلى الدين، بناء على فهم له أو منهج اتبعه([54]).

والاختلاط في نظر الشيخ مصطلح دخيل على التراث الإسلامي، مما يدل على أن معناه مما لا يريح حس المسلم لكثرة ما يعنيه من المعاني التي لها نوع من التوجه السيء، إلا أن نظرة الشرع لا تحكم عليه من وجهه العام، بل ينظر فيما استعمل على وجه الخصوص، وهو مسألة الاختلاط بين الرجال والنساء في الحياة العامة، بحيث ينظر فيه من جهة ما يحققه من المصالح، وما يدفعه من الضرر الذي يخشى منه، وما يراعى في ذلك من اعتبارات الشرع([55]).

ولتأصيل هذه المسألة وفق ما قصده التشريع الإسلامي فقد بين فيه صفة الاختلاط في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، والذي لم تكن فيه المرأة بمعزل عن الحياة والمجتمع؛ فقد كانت تشهد الصلوات كالجماعة والجمعة والعيدين، حتى جعل لهن مجلس مع النبي صلى الله عليه وسلم([56]).

وكما هو معلوم كيف كانت النساء يشهدن المعارك والغزوات، بل تعدى أمرهن إلى النشاط الحربي، في التمريض والتطبيب والإسعاف ورمي السهام وحتى القتال([57])، كما كان من أمر أم عمارة يوم أحد، وغيرها من الأعمال التي توحي بمخالطة الرجال، وقد عين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الشفاء بنت عبد الله العدوية محتسبة في السوق، ومحادثة موسى لابنتي الشيخ الكبير فيما وضحه القرآن كما تقدم، فساعدهما في عملهما، ولم يتحرج أي طرف منهما.

ومن جهة أخرى فإن منع المرأة من الخروج وحبسها في البيت هو عقوبة قررها التشريع في حق الزانية في أول ما نزل من العقوبات، التي نسخت بحد الجلد، فلا يستقيم عند ذي عقل أن يكون البيت صفة ملازمة للمرأة دون تطلعها إلى الخارج، والمشاركة في الحياة العامة وهي بريئة من كل ذنب([58]).

والأدلة في هذا الشأن كثيرة جدا لا حصر لها، وهي تدل على أن الاختلاط بمفهومه الهادف والمقصود في رفع الحرج أمام المرأة لقضاء حوائجها، أو أداء منافع ومصالح خاصة أو عامة، أو حتى ما فيه خدمة للعباد والمجتمعات هو جائز، بل ومطلوب إذا كان غرضه تحقيق مصلحة شرعية عامة.

إلا أن الواجب الذي يجعل هذا الاختلاط جائزا، أن يرافقه في بلوغه قصده وهدفه ما يوافق قصد التشريع وروحه من الآداب والضوابط وقد أجملها الشيخ في: الالتزام بغض البصر، وستر العورة، وإلزام لباس العفاف والحياء مما يحقق السترة الشرعية بأوصافها المرعية في شروط الحجاب، ولزوم الآداب في الكلام والمشي والحركة، وتجنب المغريات والمثيرات من الروائح والعطور، والابتعاد عن الخلوات لأنها أكبر الذرائع إلى الحرام وغيرها مما شرعه الله من الأحكام والآداب التي يجب على المرأة أن تلتزم بها حتى لا تقع فيما يحرم من الاختلاط، والابتعاد عن التوسع في الاختلاط إلا ما يقضى به الغرض وتحصل به الغاية المشروعة([59]).

فهذه جملة الاستدلالات المقاصدية التي تدل على جواز الاختلاط بمفهومه الهادف، أما ما سواه من الاختلاط الذي يؤدي إلى هدم الأخلاق، أو انتهاك الحرمات واقتراف الكبائر، أو ما كانت فيه شبهة الوقوع في الحرام، فهذا لا يجوز، لأنه يؤدي إلى الفتن ويفضي إلى مفاسد في الدين والعرض، وانحراف الفطرة وانطلاق الشهوات وسوء الأخلاق.

خاتمة

بعد عرض أهم مضامين هذا البحث ومناقشة جزئياته تم التوصل إلى أن النظر المقاصدي من أنجع المناهج الشرعية التي تسهم في تجديد واقع الأمة الإسلامية في هذا العصر، وبيانه من خلال ما يأتي من النتائج:

1.    إن النظر المقاصدي مما يحقق مبدأ صلاحية الشريعة الإسلامية لكل زمان ومكان، والذي ظهر بصورة واضحة في اجتهادات الشيخ في أغلب فروع الشريعة، سواء في استنباط الأحكام ومعالجة المستجدات، أو في الإصلاح الاجتماعي والسياسي والاقتصادي كما تبين ولوحظ في عموم كتاباته.

2.     إن اعتماد الشيخ للنظر المقاصدي الذي صبغ أغلب مؤلفاته ينبئ بكون هذا النوع من المناهج في النظر الشرعي حتمية اقتضتها حالة العصر الحاضر، الذي يتعرض للهجمة الشرسة من أعداء الدين في تمييع الساحة الإسلامية وإبعادها عن هويتها من جهة، ومن جهة ثانية إيجاد الحل الشرعي المقنع أمام عصرنة العقل وحصره في النظر المادي الذي لا يقتنع بمنطق الحل والحرمة الشرعيين، نحو منهج تحفيزي ترغيبي تعليلي يحقق قوة الإقناع للعقلية الحاضرة.

3.    إن النظر المقاصدي هو أنجع المناهج لتحريك العقل الاجتهادي الذي ظهرت عليه ملامح الجمود التي يهيئ لها قصور بعض أنواع الفكر والفهم للفقه الإسلامي ونصوص الشرع، فكان اعتماد الشيخ للتجديد المقاصدي في الطرح الفقهي خاصة، ضمانة حقيقية وواقعية لصيانة التصرفات وأنواع التوجهات الفكرية، الحاضرة والمستقبلية، من الانزلاق في مهاوي الاستحداث، أو الخنوع للفهم المختزل والمعطل لقصد الشارع ومراده؛ لبعث المفاهيم الحضارية المتسمة بالقصد والاعتدال والوسطية دون إفراط أو تفريط، في كل زمان ومكان.

4.    يكشف النظر المقاصدي لقارئ كتب الشيخ أن الشريعة واقع ونظام حقيقي ميداني يكفل الحياة الآمنة للبشر كافة؛ المسلم وغير المسلم، لأنه يصنع نهضة النظم الحياتية ويبعثها من جديد نحو التطور والتصحيح لكافة الانحرافات والخروق والسلوكيات التي حادت عن الفطرة، ويقطع الطريق أمام الكثير من الادعاءات الغربية في كفالة الإنسان وحقوقه المادية والمعنوية التي جرت الكثير من الويلات والشرور على المجتمعات الإسلامية، في جعلها رهائن وأسرى لتحقيق أهدافها المقيتة.

5.    النظر المقاصدي مكن الشيخ من الربط بين فروع الشريعة وجعلها كلا متكاملا، بالمزج بين الأداء الاجتهادي الفقهي والترشيد، وهذا نوع من التجديد الذي يصور بعث منهج فهم النص الشرعي الذي يصور الحكم الفقهي مع بيان فائدته وثمرته على مستوى تصرفات المكلف ونفسيته، ويعد هذا المنهج الجامع جبرا لخطأ التخصص الذي دعت إليه المؤسسات الأكاديمية، مما أدى إلى تعرية بعض التخصصات عن الروح التشريعية التي تبعث في الذات روح التمسك بها والاستقامة، والثبات على المعاني الفطرية السليمة، والتي أحبطت الجانب التربوي للتشريع في مواد وإجابات شرعية جافة تسقط فائدة إنزال الوحي، وغاية بعث الرسل، وهي تجديد التوحيد والتشريع في نفوس الخلق للربط بين الهيكل والمحتوى، وبين الجسد والروح.

6.    ساهمت النظرة التجديدية والإضافات الجديدة في مجال الكليات الشرعية في الانتقال من رعاية مصالح المكلف والفرد إلى رعاية مصالح الأسرة والمجتمع والأمة، وهي نقلة واضحة في الاجتهاد المقاصدي للشيخ، تبين شمولية التشريع في معالجة قضايا الإنسان؛ أفرادا وجماعات، أسرًا ومجتمعات، أمما ودولا.

7.    كشف النظر المقاصدي الذي اعتمده الشيخ أنه من أنجع الوسائل في معالجة المسائل الخاصة بالمرأة والأسرة، باعتبارها أهم المحاور التي استغرقت اهتمام المفكرين والمصلحين في العصر الحاضر، والتي استطاع الشيخ وضعها ضمن الوضع الطبيعي المقصود شرعا، وتحريرها من فتاوى التعجيز والتحرر من الضوابط، إلى فتاوى الاستقامة، والرقي، والوسطية.

توصيات:

-      بحسب ما حققه البحث من النتائج فإنه يوصى بتطوير الدراسات الشرعية، وربطها بالدراسات الكونية من خلال الدراسة المقاصدية؛ لما تملكه هذه الأخيرة من القدرة على نقد وتقويم العلوم والمعارف الكونية، لتصويب أو تثمين ما وصل إليه العقل العلمي، أو حتى بناء العلوم الأخرى وفق ما تقدمه النصوص الشرعية من مقدمات تسهل عناء البحث، وتختصر نوعا من الجهد والوقت في اكتشاف مكنونات الكون.

-      الاستعانة بالنظر المقاصدي في تصوير الحلول والآليات الميدانية التي تمكن نقل العقل الاجتهادي من التأصيل والتنظير والتنزيل، إلى واقع التطبيق والإجراء في حياة الخلق، لضمان تكييف فعلي لمقتضيات التشريع، وتحقيق مقاصده في المجتمع.

المصادر والمراجع

أولا: العربية

الآمدي، على بن محمد. الإحكام في أصول الأحكام. الرياض: مؤسسة النور، ط1، 1387هـ.

البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل. الجامع الصحيح. تحقيق جماعة من العلماء. مصر: المطبعة الأميرية الكبرى، 1311هـ.

الحاكم، أبو عبد الله محمد بن عبد الله. المستدرك على الصحيحين بتعليقات الذهبي. تحقيق مصطفى عبد القادر عطا. بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1411هـ/1990م.

الطبراني، أبو القاسم سليمان بن أحمد. المعجم الكبير. تحقيق حمدي بن عبد المجيد السلفي. القاهرة: مكتبة ابن تيمية، ط2.

العز، أبو محمد عزالدين بن عبد السلام. قواعد الأحكام في مصالح الأنام. مراجعة وتعليق عبد الرؤوف طه صعد. القاهرة: مكتبة الكليات الأزهرية، 1414هــ/1991م.

الغزالي، أبو حامد محمد بن محمد. المستصفى من علم الأصول.

القرافي، شهاب الدين أحمد بن إدريس. نفائس الأصول في شرح المحصول. تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود؛ علي محمد المعوض. مكتبة نزار مصطفى الباز، 1416هــ/1995م.

القرضاوي، أبو محمد يوسف عبد الله. أولويات الحركة الإسلامية. القاهرة: مكتبة وهبة، 1990م.

–––. دراسة في فقه مقاصد الشريعة بين المقاصد الكلية والنصوص الجزئية. القاهرة: دار الشروق، ط3، 2008م.

–––. فتاوى المرأة المسلمة. القاهرة: مكتبة وهبة.

–––. فقه الأسرة وقضايا المرأة. تركيا: الدار الشامية، ط1، 1438هــ/2017م.

–––. في فقه الأولويات. القاهرة: مكتبة وهبة، ط2، 1416هــ/1996م.

–––. كيف نتعامل مع السنة النبوية. القاهرة: دار الشروق، ط2، 1423هــ/2002م.

–––. مدخل لمعرفة الإسلام. القاهرة: مكتبة وهبة، [د.ت].

محمد، أبو بكر المصلح. «مقاصد الخلق الخمسة وجوهر التربية الأصيل». مجلة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية. قطر، مج38، ع2 (2021)، https://doi.org/10.29117/jcsis.2021.0273

مسلم، أبو الحسين مسلم بن الحجاج. صحيح مسلم. تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي. بيروت: دار إحياء التراث العربي، 1431هـ.

ثانيا:

References:

Al-Āmidī, ʿAlī b. Muḥammad. Al-Iḥkām Fī ʾUṣūl al-Aḥkām (in Arabic), 1st ed.Riyadh: Muʾassasa al-Nūr, 1387AH.

Al-Bukhārī, Abū ʿAbd Allāh Muḥammad b. ʾIsmāʿīl. Al-Jāmiʿ al-Ṣaḥīḥ (in Arabic), ed. Jamāʿa min al-ʿUlamāʾ. Cairo: al-Maṭbaʿa al-Amīriya al-Kubrā, 1311AH.

Al-Ghazālī, Abū Ḥāmid Muḥammad b. Muḥammad. Al-Mustaṣfā Min ʿIlm al-ʾUṣūl (in Arabic).

Al-Ḥākim, Abū ʿAbd Allāh Muḥammad b. ʿAbd Allāh. Al-Mustadrak ʿAla al-Ṣaḥīḥayn (in Arabic), ed. Muṣṭafā ʿAbd Al-Qādir ʿAṭā. Beirut: Dār al-Kutub al-ʿIlmiya, 1411AH/1990AD.

Al-ʿIzz, Abū Muḥammad ʿIzz al-Din b. ʿAbd al-Salām. Qawāʿid al-Aḥkām Fi Maṣāliḥ al-Anām (in Arabic), ed. ʿAbd al-Raʾūf Ṭaha Ṣaʿd, Cairo: Maktaba al-kulliyāt al-Azhariya, 1414AH/1991AD.

al-Muṣliḥ, Muḥammad Abū Bakr, "The Five Purposes of Creation and the Authentic Essence of Tarbiya "Education": A Study in Light of the Holy Qur’an (in Arabic), Journal of College of Sharia and Islamic studies, Qatar University, Vol. 38, No. 2 (2021), https://doi.org/10.29117/jcsis.2021.0273

Al-Qaraḍāwī, Abū Muḥammad Yūsuf ʿAbd Allāh. ʾAwlawiyāt al-Ḥaraka al-Islāmiya (in Arabic), Cairo: Maktaba Wahba, 1990.

Al-Qarāfī, Shihāb al-Dīn Aḥmad b. ʾIdrīs. Nafāʾis al ʾUṣūl Fī Sharḥ al-Maḥṣūl (in Arabic), ed. ʿĀdil Aḥmad ʿAbd al-Mawjūd, ʿAlī Muḥammad al-Muʿawwaḍ, Maktaba Nizār Muṣṭafā al-Bāz, 1416AH/1995AD.

–––. Dirāsa Fī Fiqh Maqāṣid al-Sharīʿa Bayn al-Maqāṣid al-Kulliya Wa al-Nuṣūṣ al-Juzʾiya (in Arabic), 3rd ed., Cairo: Dār al-Shurūq, 2008.

–––. Fatāwā al-Marʾa al-Muslima (in Arabic), Cairo: Maktaba Wahba, [n.d].

–––. Fiqh al-ʾUsra Wa Qaḍāyā al-Marʾa (in Arabic), Turkiyā: al-Dār al Shāmiya, 1st ed., 1438AH/2017AD.

–––. Fī Fiqh al-ʾAwlawiyāt (in Arabic), Cairo: Maktaba Wahba, 2nd ed., 1416AH/1996.

–––. Kayfa Nataʿamal Maʿa al-Sunna al-Nabawiya (in Arabic), Cairo: Dār al-Shurūq, 2nd ed., 1423AH/ 2002 AD.

–––. Madkhal Limaʿrifat al-ʾIslām (in Arabic), Cairo: Maktaba Wahba.

Al-Ṭabarānī, Abū al-Qāsim Sulaymān Ibn Aḥmad. Al-Muʿjam al-Kabīr (in Arabic), ed. Ḥamdī b. ʿAbd al-Majīd al-Salafī, 2nd ed., Cairo: Maktaba Ibn Taymiya, [n.d].

Muslim, Abū al-Ḥusayn b. Al-Ḥajjāj. Ṣaḥīḥ Muslim (in Arabic), ed. Muḥammad Fuʾād ʿAbd al-Bāqī, Beirut: Dār ʾIḥyāʾ al-Turāth al-ʾArabī, 1431AH.



([1]) يوسف القرضاوي، كيف نتعامل مع السنة النبوية (القاهرة: دار الشروق، ط2، 1423هـ/2002م)، ص56.

([2]) المرجع السابق، ص56.

([3]) أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم، المستدرك على الصحيحين بتعليقات الذهبي، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا (بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1411هـ/1990م)، باب الإيمان، ج1، ص45، رقم الحديث 5؛ أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، المعجم الكبير، تحقيق حمدي بن عبد المجيد السلفي (القاهرة: مكتبة ابن تيمية، ط2)، باب عكرمة، ج13، ص36، رقم الحديث 84. الحديث لم يخرج في الصحيحين، لكن رواته ثقات كما أخبر الذهبي، انظر المستدرك الصفحة نفسها.

([4])القرضاوي، كيف نتعامل مع السنة، ص56.

([5]) يوسف القرضاوي، دراسة في فقه مقاصد الشريعة بين المقاصد الكلية والنصوص الجزئية (القاهرة: دار الشروق، ط3، 2008م)، ص20.

([6]) المرجع السابق، ص21.

([7]) المرجع نفسه، ص11.

([8]) المرجع نفسه.

([9]) المرجع نفسه.

([10]) المرجع نفسه.

([11]) محمد أبو بكر المصلح، «مقاصد الخلق الخمسة وجوهر التربية الأصيل»، مجلة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة قط، مج38، ع2 (2021(، ص180، http://doi.org/10.29117.jcsis.2021.0273، استعرض بتاريخ: 17/8/2020.

([12]) القرضاوي، دراسة في فقه مقاصد الشريعة، ص11.

([13]) المرجع السابق، ص40.

([14]) المرجع السابق، ص39.

([15]) المرجع نفسه.

([16]) المرجع نفسه.

([17]) أبو حامد محمد بن محمد الغزالي، المستصفى من علم الأصول، ج2، ص482؛ على بن محمد الآمدي، الإحكام في أصول الأحكام (الرياض: مؤسسة النور، ط1، 1387هـ)، ج4، ص275-277.

([18]) شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي، نفائس الأصول في شرح المحصول، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود؛ علي محمد المعوض (مكتبة نزار مصطفى الباز، 1416هـ/1995م)، ج7، ص3261.

([19]) القرضاوي، دراسة في فقه مقاصد الشريعة، ص28.

([20]) القرضاوي، دراسة في فقه مقاصد الشريعة، ص27؛ القرضاوي، مدخل لمعرفة الإسلام (القاهرة: مكتبة وهبة)، ص50-64.

([21]) القرضاوي، دراسة في فقه مقاصد الشريعة، ص28.

([22]) المرجع نفسه.

([23]) يوسف القرضاوي، في فقه الأولويات (القاهرة: مكتبة وهبة، ط2، 1416هـ/1996م)، ص5.

([24]) المرجع السابق، ص36.

([25]) المرجع السابق، ص69.

([26]) يوسف القرضاوي، أولويات الحركة الإسلامية (القاهرة: مكتبة وهبة، 1990م)، ص29؛ القرضاوي، في فقه الأولويات، ص5.

([27]) يوسف القرضاوي، في فقه الأولويات، ص69.

([28]) المرجع نفسه.

([29]) المرجع السابق، ص70.

([30]) القرضاوي، دراسة في فقه مقاصد الشريعة، ص11، 12.

([31]) المرجع نفسه.

([32]) المرجع نفسه، ص34.

([33]) الحاكم، ج2، ص670، رقم الحديث 4221، الحديث صحيح على شرط مسلم، انظر المستدرك، الصفحة نفسها.

([34]) يوسف القرضاوي، دراسة في فقه مقاصد الشريعة، ص24.

([35]) يوسف القرضاوي، في فقه الأولويات، ص31، 32.

([36]) المرجع نفسه، ص34.

([37]) أبو محمد عزالدين بن عبد السلام، قواعد الأحكام في مصالح الأنام، مراجعة وتعليق عبد الرؤوف طه صعد (القاهرة: مكتبة الكليات الأزهرية، طبعة جديدة، 1414هـ/1991م)، ج1، ص5-11.

([38]) أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، الجامع الصحيح، تحقيق جماعة من العلماء (مصر: المطبعة الأميرية الكبرى، 1311هـ)، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب أجر الحاكم إذا اجتهد، ج9، ص108، رقم الحديث 7352.

([39]) يوسف القرضاوي، فقه الأسرة وقضايا المرأة (تركيا: الدار الشامية، ط1، 1438هـ/2017م)، ص166-170.

([40]) المرجع نفسه.

([41]) المرجع السابق، ص167.

([42]) المرجع السابق، ص171-176.

([43]) المرجع نفسه.

([44]) المرجع السابق، ص175،176.

([45]) المرجع السابق، ص447.

([46]) المرجع السابق، ص612.

([47]) المرجع نفسه.

([48]) المرجع السابق، ص602.

([49]) البخاري، الجامع الصحيح، كتاب الجمعة، باب حدثنا عبد الله بن محمد، ج2، ص6، رقم الحديث 900؛ أبو الحسين مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي (بيروت: دار إحياء التراث العربي، 1431هـ)، باب خروج النساء إلى المساجد، ج1، ص327، رقم الحديث 136.

([50]) يوسف القرضاوي، فقه الأسرة، ص613.

([51]) المرجع نفسه، ص613، 614.

([52]) يوسف القرضاوي، فتاوى المرأة المسلمة (القاهرة: مكتبة وهبة)، ص31.

([53]) المرجع نفسه.

([54]) المرجع نفسه.

([55]) المرجع السابق، ص33.

([56]) المرجع نفسه، ص33و34.

([57]) المرجع نفسه، ص37.

([58]) المرجع نفسه، ص40.

([59]) المرجع نفسه، ص41، 42.