المجلة
الدولية
للقانون
جــامعـة
قطـــــر
تاريخ الاستلام: 13/09/2024 تاريخ التحكيم: 20/10/2024 تاريخ القبول: 18/11/2024
فؤاد شهاب شياب
أستاذ القانون التجاري المشارك، كلية الحقوق، جامعة طيبة–المملكة العربية السعودية
fshyyab@taibahu.edu.sa
https://orcid.org/0009-0002-1938-1627
يهدف البحث إلى دراسة شرط توطين الكمبيالة في كل من القانون السعودي والقطري والفرنسي. وفي الحقيقة، فضلًا عن أهميته من الناحية العملية، لم يخضع شرط التوطين سابقًا لدراسة مستقلة مما يسمح لهذا البحث بسد فجوة في المكتبة القانونية العربية. وفي إطار منهج وصفي وتحليلي تم شرح مفهوم هذا الشرط بتحديد أطرافه ونطاقه مع تمييزه عن المفاهيم المشابهة. كما تعرض البحث لآثار هذا الشرط في علاقة الشخص الموطنة لديه الكمبيالة تارة مع المسحوب عليه وتارة مع حامل الكمبيالة وتارة مع الساحب. كما تناول البحث بالدراسة الكمبيالة المعالجة إلكترونيًا، خصوصا تلك التي تسمى بالكمبيالة المقترنة بكشف. وأيضًا، استهدف التحليل، في ضوء أحكام القضاء الفرنسي، استخراج النصوص أو المبادئ واجبة التطبيق لحل ما قد ينشأ عن شرط التوطين من نزاعات. وتنبع قيمة البحث العلمية وأصالته من وقوفه على مثلث القانون الصرفي والقانون المصرفي وقانون الإفلاس أحيانًا، وذلك مع توضيح بعض مفاهيم القانون المدني التي تتدخل في حكم هذه الشرط، لا سيما مبدأ الأثر النسبي للعقود أو دعوى رد غير المستحق أو قواعد المسؤولية المدنية. وأخيرًا، تمثلت أهم نتائج البحث في تحديد مسؤوليات الأطراف ذات العلاقة، سواء التعاقدية أو التقصيرية، وتمت صياغة القواعد الخاصة بها بطريقة تمكن القوانين العربية من اقتباسها كنصوص قانونية وهو ما توصي به الدراسة.
الكلمات المفتاحية: شرط توطين الكمبيالة، شرط الدفع في محل مختار، الكمبيالة المقترنة بكشف، غرفة المقاصة، دفع غير المستحق، الأثر النسبي للعقد
للاقتباس: شياب، فؤاد شهاب. «شرط توطين الكمبيالة، دراسة مقارنة في ضوء أحكام القضاء الفرنسي». المجلة الدولية للقانون، المجلد الرابع عشر، العدد المنتظم الثاني، 2025، تصدر عن كلية القانون، وتنشرها دار نشر جامعة قطر. https://doi.org/10.29117/irl.2025.0000
© 2025، شياب، الجهة المرخص لها: كلية القانون، دار نشر جامعة قطر. نُشرت هذه المقالة البحثية وفقًا لشروط Creative Commons Attribution Non-Commercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0). تسمح هذه الرخصة بالاستخدام غير التجاري، وتنبغي نسبة العمل إلى صاحبه، مع بيان أي تعديلات عليه. كما تتيح حرية نسخ، وتوزيع، ونقل العمل بأي شكل من الأشكال، أو بأية وسيلة، ومزجه وتحويله والبناء عليه، ما دام يُنسب العمل الأصلي إلى المؤلف. https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0
International
Review of Law
Qatar University
Submitted: 13/09/2024 Peer-Reviewed: 20/10/2024 Accepted: 18/11/2024
Fuad Shehab Shyyab
Associate Professor of Commercial Law Faculty of Law, Taibah University–Saudi Arabia
fshyyab@taibahu.edu.sa
https://orcid.org/0009-0002-1938-1627
The research aims to study the bill of exchange domiciliation clause (BEDC) in Saudi, Qatari and French law. Apart from its practical importance, the BEDC has not yet been the subject of an independent study. Hence, this research fills an important gap in the Arabic legal literature. The BEDC concept is approached both descriptively and analytically, determining its scope and distinguishing it from similar concepts. Furthermore, the effects of the Clause were addressed in terms of the relationship between the domicilee with the drawee, the bill holder and the drawer. Moreover, the research focused on studying the electronic bill of exchange, especially the bill of exchange with a statement. The research examined the French judiciary rulings to extract texts or principles that must be applied to resolve conflicts arising from the use of the BEDC. The scholarly value and originality of the research stem from its focus on the triangle of the law of commercial documents, banking law, and sometimes bankruptcy law. Furthermore, the research clarifies some concepts of civil law that intervene in the ruling of the BEDC, especially the relative effect of contracts, the restitution of undue payment or civil liability rules. Finally, the research's key findings are the identification of contractual or tortious responsibilities of the parties involved, illustrating that their own rules were formulated in a way that enables Arabic jurisdictions to quote them as legal texts, which is what the study recommends.
Keywords: Domiciled Bill of Exchange; Clause Of Payment In A Chosen Place; Electronic Trade Documents; Clearing House; Payment Of Undue; Relative Effect Of The Contract
Cite this article as: Shyyab, F. S. "The Bill of Exchange Domiciliation Clause, A Comparative Study In The Light Of French Judicial Rulings," International Review of Law, Vol. 14, Regular Issue 2, 2025. https://doi.org/10.29117/irl.2025.0000
© 2025, Shyyab, F. S., licensee, IRL & QU Press. This article is published under the terms of the Creative Commons Attribution Non-Commercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0), which permits non-commercial use of the material, appropriate credit, and indication if changes in the material were made. You can copy and redistribute the material in any medium or format as well as remix, transform, and build upon the material, provided the original work is properly cited. https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0
واسع الانتشار في الحياة العملية، تكاد لا تخلو كمبيالة منه بسبب طغيان التدخل البنكي في دفع وتحصيل الأوراق التجارية. ومع ذلك، فإنه لم يحظ ولو ببحث فقهي واحد يكشف عن نظامه القانوني وما قد ينشأ عنه من مشكلات قانونية أو عملية، ولذا ظهر جديرًا بالاهتمام التعرض لشرط توطين الكمبيالة الذي ازدادت أهميته مع التوسع في استعمال الأوراق التجارية المعالجة بالوسائل الإلكترونية. وفي هذا الصدد، نصت المادة (4) من نظام الأوراق التجارية السعودي رقم (37) لعام 1964م (1383هـ) على أنه «يجوز اشتراط وفاء الكمبيالة في موطن شخص آخر غير المسحوب عليه سواء كان هذا الموطن في الجهة التي فيها موطن المسحوب عليه أو في جهة أخرى»[1].
كما أشارت إلى صيغة شرط التوطين المادة (27) من نظام الأوراق التجارية السعودي، وتقابلها المادة (497) من قانون التجارة القطري لعام 2006م والمادة (L. 511-18) من التقنين التجاري الفرنسي، وبموجبها يجب تحديد شخص من يقوم بالوفاء، وإلا «جاز للمسحوب عليه تعيينه عند القبول»، فيجوز إذن استكمال شرط التوطين غير المكتمل عند القبول، وهو ما أشارت إليه الفقرة الأولى من المواد سالفة الذكر. وأيضا نصت الفقرة الثانية على شرط التوطين المحدد بصورة كلية من قبل المسحوب عليه، فذكرت أنه «وإذا كانت الكمبيالة مستحقة الوفاء في موطن المسحوب عليه جاز له أن يعين في صيغة القبول عنوانًا في الجهة التي يجب أن يقع فيها الوفاء». وبهذا فالمقصود بشرط التوطين توكيل شخص آخر غير المسحوب عليه بالوفاء. وعلى أي حال، طالما أن شرط التوطين لم يكن محلًا لبحث علمي باللغة العربية، فهذا يقود إلى دراسته في ضوء أحكام القضاء الفرنسي. وأيضًا، طالما أن توطين الكمبيالة يتم بموجب اتفاق وتنبغي لتمامه شروط خاصة ويجب تنفيذه تحت طائلة المسؤولية التي قد تترتب في مواجهة الأطراف ذات الصلة، فهذا يقود إلى تحديد أسئلة الدراسة.
بالرغم من التعامل به على نطاق واسع إلا أن شرط التوطين لم يحظ بدراسة فقهية مستقلة. وينبغي، في المقام الأول، التساؤل عن مفهوم شرط التوطين، وهي مسألة دقيقة تقتضي بحث العديد من المسائل الفرعية كأطراف شرط التوطين وكيفية صياغته وطرق تنفيذه، هذا فضلًا عن القواعد المتعلقة بتنظيم احتجاج عدم الوفاء والاختصاص القضائي؟ ولبيان المقصود بهذا الشرط ينبغي حتى التوسع في طرح الأسئلة، فيلزم، من جهة، توضيح الفرق بين هذا الشرط وبعض المفاهيم المشابهة كتعدد مكان الوفاء أو تعدد المسحوب عليهم أو الوفاء بالتدخل؟ ومن جهة أخرى، سيكون مفيدًا الاستعلام عن نطاق هذا الشرط ولا سيما مدى انطباق أحكام شرط توطين الكمبيالة على السند لأمر والشيك؟
وفي المقام الثاني، يجدر تحديد الآثار المحتملة والحقوق والالتزامات أو المسؤوليات التي قد تترتب في العلاقة بين الموطن إليه والمسحوب عليه، من جهة، وفي العلاقة بين الموطن إليه وحامل الكمبيالة، من جهة أخرى؟ وهذه الآثار يمكن أن تترتب بين الموطن إليه والساحب أيضًا خصوصا إذا تعلق الأمر بكمبيالة معالجة بالطرق الإلكترونية؟ كل هذه التساؤلات تنم بالدرجة الأولى عن توسع حجم الدراسة ولكن البحث سيقتصر على أهم المسائل القانونية بهدف فتح مجال بحثي جديد.
على الرغم من كونه اختياريًا، إلا أنه يلبي العديد من المصالح العملية، أهمها، إعلام الحامل مسبقًا بالمكان الذي يلزمه الاتجاه إليه للحصول على قيمة الورقة التجارية[2]. وعندما يتم التوطين لدى أحد البنوك، فإنه يسمح للمسحوب عليه بدفع الصك عن طريق السحب من حساب مصرفي مع تجنب مخاطر الاحتفاظ الشخصي بالنقود في منزله أو مكان عمله. وأيضًا يصبح الوفاء ممكنًا عن طريق التحويل بين بنكين، إذا تم خصم السند الصرفي أو تم تظهيره على سبيل التحصيل إلى بنك مختلف عن بنك المسحوب عليه[3]. وأخيرًا، يشكل التوطين أحد محاور الكمبيالة الإلكترونية أو المقترنة بكشف التي يتم الوفاء بها عن طريق كمبيوتر المقاصة. وفضلًا عن هذه المصالح العملية، يوفر شرط التوطين مصلحة عامة يسمح بتحويل البنوك المحلية إلى هيئات مساعدة للسلطات الوطنية المسؤولة عن مراقبة الصرف وإلى مستشارين في العلاقات المالية لعملائها مع البلدان الأجنبية[4]. وأما الأهمية النظرية فتكمن في شرح وتحليل هذا الموضوع الهام والمتطور لا سيما في ظل تطور وسائل الدفع الإلكتروني، وبذا، فإن هذا البحث يشكل لبنة أولى عن طريق تقديم مادة علمية متناسقة.
ستعتمد الدراسة على المنهجين الوصفي المقارن والمنهج التحليلي لتحديد مفهوم وآثار شرط التوطين. ويعتبر المنهج الوصفي المقارن ملائمًا في هذا المقام لا سيما وأن معظم القوانين متأثرة بمعاهدة جنيف لعام 1930م التي اقترحت قانونًا موحدًا حول الكمبيالة والسند لأمر. ومن ثم، فإن ما يقال بالنسبة لأحد القوانين يكون إلى حد كبير صالحًا بالنسبة لغيره من القوانين. وعليه، فإن دراسة شرط التوطين تقتضي التعرض له في مبحثين على التوالي:
المبحث الأول: مفهوم شرط توطين الكمبيالة
المبحث الثاني: آثار شرط توطين الكمبيالة
يقصد بدراسة المفهوم القانوني التعرض للبناء الفكري لأحد المواضيع بهدف الإحاطة به وما يطبق بشأنه من قواعد وأحكام. ولذلك فإن هذا المبحث سيرتكز على شرح وتحليل شرط التوطين بدراسة أحكامه واختلاطه بغيره من المفاهيم المشابهة ونطاقه.
يسري على شرط التوطين العديد من القواعد التي تتعلق بأطرافه وصياغته وتعديله وتنظيم احتجاج عدم الوفاء والاختصاص القضائي. ونجمل ذلك بالحديث عن أطرافه وأحكام المطالبة بوفاء الكمبيالة التي تتضمن شرط التوطين.
أطراف عملية التوطين هم المُوَطِن والموطن لديه. وبالنسبة للـمُـوَطِــن، فهو غالبًا الساحب، ولكن شرط التوطين قد يصدر عن المسحوب عليه عند القبول. ولا يجتمع شرط عدم التقديم للقبول مع شرط التوطين[5]، وذلك لضرورة إطلاع المسحوب عليه على الكمبيالة قبل تاريخ الاستحقاق لإزالة أي غموض حول مكان الوفاء أو الملتزم بالوفاء. وعادة لا يضع الساحب شرط التوطين بدون موافقة مسبقة من المسحوب عليه، وإلا كان لهذا الأخير أن يرفض قبولها، وعلى العكس من ذلك، إذا كان التوطين ناشئًا عن اتفاق بينهما، فلا يجوز للمسحوب عليه، تحت طائلة مسئوليته تجاه الساحب، أن يرفض وفاء الكمبيالة الموطنة حسب الأصول[6].
وشرط التوطين الذي يضعه الساحب قد يكون مكتملًا أو غير مكتمل. فيكون مكتملًا إذا تم تعيين الموطن لديه الملتزم بالوفاء مع تعيين مكان الأداء. فإذا لم يعين من يجب الوفاء عنده، فهنا نكون أمام ثلاث فرضيات، الأولى، إذا لم يوجد اتفاق على التوطين مع المسحوب عليه ولم يتم تقديم الكمبيالة للقبول، فللموطن لديه أن يمتنع عن وفائها، بل على الحامل التوجه إلى المسحوب عليه في مكان الأداء المعين في الكمبيالة وليس في موطن المسحوب عليه، ويتحمل الساحب المسؤولية عن أي ضرر نتيجة عدم وجود المسحوب عليه في ذلك المكان. والفرضية الثانية، أن يتم تقديمها إلى المسحوب عليه للقبول، فيقبلها ويقوم بتعيين اسم الشخص الذي يجب الوفاء عنده، فهنا على الحامل التوجه إلى الموطن إليه في مكان الأداء المعين. والفرضية الثالثة، أن يوقع عليها المسحوب عليه بالقبول ولا يعين اسم الشخص الذي يجب الوفاء عنده، ففي هذه الحالة، يعد توقيعه بالقبول بمثابة موافقة على الدفع في محل الأداء المختار والتزامًا بالدفع فيه.
وإذا وضع المسحوب عليه شرط التوطين عند القبول، فعلى الموطن لديه أن يوفي في مكان الأداء المختار وبحسب الشروط المتفق عليها مع المسحوب عليه. وفي العلاقة بين المسحوب عليه والحامل، نصت المادة (27) من نظام الأوراق التجارية السعودي على أنه «وإذا كانت الكمبيالة مستحقة الوفاء في موطن المسحوب عليه جاز له أن يعين في صيغة القبول عنوانًا في الجهة التي يجب أن يقع فيها الوفاء». ومن هذا النص يتضح أنه يجوز للمسحوب عليه أن يشير عند القبول إلى عنوان، في نفس المكان، الذي يجب أن يتم فيه الدفع، أي أنه لا يجوز إجبار الحامل على تقديم الكمبيالة في مكان آخر غير ذلك المعين في الكمبيالة كمكان للدفع، وأيضًا فليس له أن يلزم الساحب بتسليم مقابل الوفاء في غير المكان المتفق عليه[7]. ونظرا لعمومية النص فقد يكتفي المسحوب عليه بتعيين محل مختار للوفاء دون تعيين شخص آخر وقد يعين شخصًا آخر يلزم تقديم الكمبيالة له، فهو إذن شرط توطين ينطوي على توكيل بالوفاء.
وبالنسبة للموطن لديه، وهو الموكل بالدفع نيابة عن المسحوب عليه، فعادة ما يكون بنكًا، ولكنه قد يكون أي شخص طبيعي أو اعتباري. وعلى أي حال، يجب أن يكون شخصًا آخر غير المسحوب عليه، فالتوطين يفترض أن الكمبيالة ستكون مستحقة الدفع في موطن طرف ثالث، إما في المنطقة التي يوجد فيها موطن المسحوب عليه، أو في منطقة أخرى. وإذا كان شرط التوطين لا يتطلب شكلًا معينًا أو صيغة محددة، فإن تعيين الموطن لديه يجب أن يكون دقيقًا بما فيه الكفاية، وتكفي لذلك الإشارة إلى رقم الحساب على الكمبيالة لتحويل المؤسسة التي تدير هذا الحساب إلى موطن لديه[8]. وفي الكمبيالة المقترنة بكشف، يلزم أن يحصل بنك الدائن (الساحب) على كشف بيانات حساب المسحوب عليه لتحديد هوية المسحوب عليه، ولا سيما موطنه البنكي[9].
ويبقى أن نتساءل عما إذا كان للمسحوب عليه خيار تعديل شرط التوطين الكامل الذي أدخله الساحب، من أجل استبداله بعنوان آخر في نفس المنطقة، أو، إذا كانت لديه الإمكانية، عند القبول، بتوطين الكمبيالة عند شخص آخر مقيم في نفس المنطقة التي يقيم فيها، إذا كان الساحب قد منع التوطين؟ ويبدو أن كل ذلك جائز للمسحوب عليه وهو الأكثر انسجامًا مع السلطات الممنوحة للمسحوب عليه بموجب المادة (L. 511-18) من التقنين التجاري الفرنسي[10].
طالما أن الموطن لديه ليس طرفًا في العلاقة الصرفية، فلا يجب تقديم الكمبيالة إليه للقبول ولا التبليغ القضائي في حالة اتخاذ إجراءات قضائية لمباشرة الحقوق الناجمة عن الكمبيالة[11]. ولكن، يجب تقديم الكمبيالة للوفاء في موطن الشخص الذي وطنت لديه، وهذا مقتضى الشرط، وقد سبق للقضاء الفرنسي أن أوجب «على حامل الكمبيالة، تحت طائلة اعتباره حاملًا مهملًا، تقديمها للوفاء في المكان المحدد في شرط التوطين والذي لا يستطيع تعديله»[12]. وفي حالة الامتناع عن الوفاء، يجب تنظيم احتجاج عدم الوفاء في مواجهة المسحوب عليه وليس في مواجهة الموطن لديه لأن هذا الأخير ليس ملتزمًا صرفيًا بها. ولا ينبغي الخلط بين توطين الكمبيالة مع تعيين شخص لوفائها عند الاقتضاء، ويسمى المفوض بالوفاء[13]، فيجب أن تقدم الكمبيالة للوفاء في موطنه باعتباره ملتزمًا بالوفاء وفيه يجب عمل احتجاج عدم الوفاء، أو في موطن القابل بالتدخل إن وجد[14]. وهذان الشخصان يتدخلان في حال امتناع المسحوب عليه عن الوفاء بينما لا ينم توطين الكمبيالة عن حالة تخلف عن الوفاء وإنما عن توكيل بالوفاء.
ولكون الموطن لديه ملتزم بالوفاء بموجب اتفاق مع المسحوب عليه، فإلى الموطن لديه يجب تقديم الكمبيالة للوفاء وفي موطنه يجب عمل احتجاج عدم الوفاء، أي في المكان الذي توجد فيه الأموال المخصصة لوفاء الكمبيالة. ولكن ماذا لو تم تنظيم احتجاج عدم الوفاء، بطريق الخطأ، في موطن المسحوب عليه بالرغم من وجود شرط التوطين؟ كانت لمحكمة النقض الفرنسية الفرصة للإجابة عن هذا التساؤل بالقول إن هذه المخالفة ليس من شأنها أن تحرم الحامل من الرجوع على المسحوب عليه القابل[15].
وجدير بالذكر، أن توطين الكمبيالة يؤثر عمليًا على البيانات الواجب ذكرها في احتجاج عدم الوفاء. ففي حالة رفض الوفاء بكمبيالة غير موطنة، فإن احتجاج عدم الوفاء يتضمن ذكر سبب عدم الوفاء أو رفض التوقيع، وفائدة هذه البيانات أنها تنبئ الحامل بالأسباب التي تمنع المسحوب عليه أو تدفعه إلى عدم الوفاء بالكمبيالة. ولكن، انتشار توطين الكمبيالة على نطاق واسع يجعل الالتزام بوضع هذه البيانات غير فعال، فغالبًا لا يقوم البنك الموطن لديه بتحديد الأسباب التي تدفعه إلى رفض الوفاء[16].
وبالنسبة لقواعد الاختصاص القضائي فإنها تخضع للقانون الوطني، ففي النظام السعودي مثلا تعد الأوراق التجارية حاليًا سندات تنفيذية بموجب المادة (9) من نظام التنفيذ رقم (م/53) لسنة 1433هـ، ومن ثم، تختص محكمة التنفيذ بالدعوى الصرفية، ويكون الاختصاص المكاني، بمنح الخيار للمدعي في رفع الدعوى إما في موطن الساحب، باعتباره مكان الجهة التي أنشئ المحرر في منطقتها، أو في موطن المسحوب عليه باعتباره موطن المدين. وهذا بالطبع لا يخل باختصاص المحاكم الأخرى بالنسبة للدعوى غير الصرفية التي يمكن أن ترفع على الموطن لديه في موطنه باعتباره المدعى عليه، سواء من قبل المسحوب عليه أو من قبل الحامل. وبالنسبة للقانون الفرنسي، يكون الخيار للمدعي بين المحكمة التجارية في موطن المدعى عليه أو في محكمة المكان الذي يجب أن يتم فيه تنفيذ الالتزام[17].
وأما في القانون القطري، فتختص المحكمة الابتدائية في الدعاوى المدنية والتجارية الناشئة عن الأوراق التجارية بحسب نص المادة (22-24) من قانون المرافعات المدنية والتجارية رقم (13) لسنة 1990، كما أنه لا مجال لتطبيق قواعد الاختصاص المكاني لوجود محكمة ابتدائية واحدة في مدينة الدوحة[18]. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الشيكات أصبحت سندات تنفيذية خاضعة لاختصاص محكمة التنفيذ بموجب قانون التنفيذ القضائي رقم (4) لسنة 2024.
يقتضي الفهم السليم لمسألة توطين الكمبيالة تمييزها عن غيرها من المسائل التي قد تتشابه معها أو تختلط بها. ومن هذه المسائل تعدد مكان الوفاء أو تعدد المسحوب عليهم أو الوفاء بالتدخل. ولا يتعلق الأمر فيما يلي من شروح بمجرد تمييز توطين الكمبيالة عن هذه المسائل بل بتوضيح أثرها أيضا على شرط التوطين أو بيان أثر شرط التوطين عليها.
أثار تعدد أماكن الوفاء مناقشات حادة في مؤتمر جنيف جعلت المؤتمرين يتركون تنظيمها للتشريعات الوطنية[19]. وفي ظل غياب نص قانوني صريح، رتب البعض بطلان الكمبيالة، ليس فقط لضرورة وحدة مكان الوفاء من أجل تحديد حقوق والتزامات أطراف الكمبيالة، بل أيضًا لتسهيل تداولها وتجنب إثارة الشكوك عند ممارسة الحامل لحقه في استلام قيمة الكمبيالة أو في الرجوع على الضامنين[20]. ومع ذلك، يجيز الرأي الراجح تعدد مكان الوفاء بشرط أن تذكر الأماكن على سبيل التخيير لا الإلزام وتحت طائلة بطلان الكمبيالة في حال تخلف الشرط[21].
وإذا كان تعدد مكان الوفاء مسألة جدلية، فإن توطين الكمبيالة جائز قانونًا وواسع الانتشار من الناحية العملية، وهو ليس من حالات تعدد مكان الوفاء، بل ينسجم مع مبدأ وحدة مكان الوفاء حيث يجب تقديمها للوفاء في موطن شخص واحد وهو الموطن لديه. والأهم من ذلك، يبدو أنه لا ينبغي الخلط بين شرط الوفاء في محل مختار وبين تعدد مكان الوفاء، فقد يذكر في الكمبيالة مكانًا للوفاء في غير موطن المسحوب عليه مع ذكر عنوان المسحوب عليه بجانب اسمه، فهذه الحالة لا تتعلق بتعدد مكان الوفاء وإنما بشرط الوفاء في محل مختار يكون تقديم الكمبيالة للوفاء واجبًا فيه، وأما المكان بجانب اسم المسحوب عليه، فلا يعتد به لأنه مذكور احتياطًا في حال عدم ذكر مكان للوفاء بشكل مستقل. ولا شك أن هذه المسألة حمالة أوجه، فقد تتعلق بشرط توطين غير مكتمل، وقد تتعلق فقط بشرط الوفاء في محل مختار. ولذا فقد نصت المادة (27) سالفة الذكر على أنه «إذا عين الساحب في الكمبيالة مكانًا للوفاء غير موطن المحسوب عليه، دون أن يعين من يجب الوفاء عنده، جاز للمسحوب عليه تعيينه عند القبول»، وفي هذا إشارة إلى شرط التوطين غير المكتمل، فيجوز للمسحوب عليه استكماله عند القبول. وأضافت ذات المادة «فإذا لم يعينه اعتبر القابل ملزمًا بالدفع في مكان الوفاء»، أي في حالة عدم تعيين شخص تكون الكمبيالة موطنة لديه، فيكون القابل ملزمًا بالدفع، ليس في موطنه، وإنما في مكان الوفاء المختار الذي يجب فيه تقديم الكمبيالة للوفاء. ولكننا لا نكون هنا بصدد شرط توطين لأن المُوَطن لديه يجب أن يكون شخصًا آخر غير المسحوب عليه. ومن ثم، يقصد بشرط التوطين توكيل شخص آخر للوفاء نيابة عن المسحوب عليه، سواء أكان عنوان المُوَطن لديه في نفس موطن المسحوب عليه أو في موطن مختلف، بينما الوفاء في محل مختار لا يقصد به إلا تعيين مكان للوفاء مختلف عن موطن المسحوب عليه مع بقاء هذا الأخير ملتزمًا بالوفاء، وباعتباره كذلك، في حالة الامتناع عن الوفاء، فإن إجراءات الاحتجاج تنظم في موطن المسحوب عليه وفي مواجهته وليس في مكان الوفاء المختار.
ينكر البعض جواز تعدد المسحوب عليهم نظرًا لما قد ينشأ عن هذه الحالة من مشكلات عملية لا سيما وأن نص النظام قد جاء بصيغة المفرد (اسم من يلزمه الوفاء) وليس بصيغة الجمع[22]. ومع ذلك، أجاز غالب الفقه تعدد المسحوب عليهم بشرط أن تسحب الكمبيالة بصيغة تفيد الجمع بينهم (س وص وع) أو ذكرهم على سبيل التخيير (س أو ص أو ع)، وتبرير ذلك أن هذه الصيغ لا تخل بوضوح هوية المسحوب عليه أو تجيز للحامل مطالبة أي منهم في المكان الذي يناسبه، فيجوز للحامل تقديم الكمبيالة لهم جميعًا أو إلى أي منهم للقبول أو للوفاء، فإذا دفع أحدهم تبرأ ذمة الجميع في مواجهة المستفيد والساحب، وإذا امتنع أحدهم عن القبول أو عن الوفاء، فللحامل اتخاذ إجراءات الاحتجاج في مواجهتهم جميعًا أو في مواجهة أي منهم. ومع ذلك، غالب الفقه لا يجيز تعدد المسحوب عليهم على سبيل التعاقب (س ثم ص ثم ع)، فهذه الصيغة تولد صعوبة بالغة على الحامل في الرجوع عليهم بالترتيب خصوصًا إذا تعددت مواطنهم أو تجعل المسحوب عليه غير محدد بشكل كاف مما يثير الشك حول أي من المسحوب عليهم سيدفع قيمة الورقة[23]. ومما سبق يتضح أن مسألة تعدد المسحوب عليهم مسألة خلافية في جوازها وفي أحكامها التي اجتهد الفقه في بيانها، وذلك بخلاف توطين الكمبيالة فهي مسألة جائزة بحكم القانون، كما أنها ليست من حالات تعدد المسحوب عليهم، وذلك لأن الموطن لديه ليس مسحوبًا عليه ولا ملتزما صرفيًا بها، بل يقوم بالوفاء نيابة عن المسحوب عليه.
وجدير بالذكر أنه لا مانع من توطين الكمبيالة التي يتعدد فيها المسحوب عليهم، بل يؤدي توطينها إلى وحدة مكان الوفاء فيلزم الحامل بتقديمها للوفاء فقط عند من وطنت لديه. ولكن يثور التساؤل فيما إذا كان يجوز توطين الكمبيالة لدى أحد المسحوب عليهم؟ هذه الفرضية تجد سندها في أنه لا يوجد ما يمنع من أن يقوم المسحوب عليهم بتوكيل أحدهم بالوفاء نيابة عن الآخرين، وقد يتم ذلك عند تقديمها للقبول إلى أحد المسحوب عليهم، فيقوم القابل بتعيين من يتم الوفاء عنده من بين المسحوب عليهم، فما صحة مثل هذا الإجراء؟ وفي الحقيقة، فإن هذا الإجراء لا يلزم الحامل بالتوجه إلى المسحوب عليه المعين عند القبول، أولًا، لأن تعدد المسحوب عليهم يجيزه الفقه على شرط أن يكون على سبيل الجمع أو التخيير، والقول بجواز توطينها لدى أحد المسحوب عليهم يجعل ترتيب الرجوع عليهم على سبيل التعاقب. وثانيًا، على فرض توجه الحامل إلى المسحوب عليه المعين لوفاء الكمبيالة عند قبولها، فلا يكون الرجوع على هذا الشخص بوصفه موطنًا لديه بل بوصفه مسحوبًا عليه. وأيضًا، في حال امتناع المسحوب عليه، المعين لوفائها، عن الوفاء بقيمتها، فيجوز أن توجه إجراءات احتجاج عدم الوفاء في مواجهته بوصفه مسحوبًا عليه وليس بوصفه شخصًا وطنت لديه الكمبيالة. وتفسير ذلك، أنه يشترط في توطين الكمبيالة حتى يعتبر كذلك أن يكون الموطن لديه من الغير وليس أحد المسحوب عليهم[24].
يشترك الموفي بالتدخل مع الموطن لديه في أن كليهما موكل بوفاء الكمبيالة في تاريخ الاستحقاق. ولكن، إذا كان يجوز للموفي بالتدخل أن يدفع بصفته نائبًا عن أحد الملتزمين بالكمبيالة[25]، فلا يجوز له أن يوفي نيابة عن المسحوب عليه غير القابل ولا لمصلحته، لأنه ليس ملتزمًا صرفيًا بها، وهذا خلافًا للموطن لديه الذي يقوم بالوفاء نيابة عن المسحوب عليه فقط، سواء أكان قابلًا أو غير قابل. وفي حين أن الموطن لديه يكون لزامًا شخصًا آخر غير المسحوب عليه، فإن الموفي بالتدخل قد يكون من الغير أو أحد الملتزمين الصرفيين بالكمبيالة، وقد يكون هو ذاته المسحوب عليه غير القابل، لمصلحة أي ملتزم بالسند، خصوصا إذا لم يكن المسحوب عليه قد تلقى مقابل الوفاء من الساحب.
وفي حين أن الوفاء من قبل الموطن لديه يطفئ الالتزام الصرفي وينهي حياة الكمبيالة، لأنه يتم بالنيابة عن المسحوب عليه، فليس هذا أثر الوفاء بالتدخل الذي لا ينقضي به الالتزام الصرفي، بل يكتسب الموفي بالتدخل حقًا يحوز جميع خصائص الحق الصرفي لمن تم التدخل لمصلحته وإن كان مستقلًا عنه، ويخول الموفي بالتدخل أيضًا الرجوع على من تدخل لمصلحته وعلى الملتزمين السابقين عليه. ومع ذلك، يهدف الوفاء بالتدخل إلى إخراج الكمبيالة من دائرة التداول بسبب تزعزع الثقة بها بعد أن حرر بشأنها احتجاج عدم الوفاء، ولذا يحظر تظهيرها من جديد تظهيرًا ناقلًا للملكية[26].
ومن حيث تاريخ التوطين، فقد يتم من قبل الساحب عند إنشاء الكمبيالة وقد يكون من قبل المسحوب عليه عند القبول، كما أن الوفاء بالكمبيالة من قبل الموطن لديه يجب أن يتم في تاريخ الاستحقاق وليس قبله. والوفاء من قبل الموطن لديه، بصفته وكيلًا بالوفاء، ينم عن حالة تفيد رغبة المسحوب عليه في الوفاء. وأما الوفاء بالتدخل، فإنه يمكن أن يتم في تاريخ الاستحقاق، بسبب امتناع المسحوب عليه عن الوفاء أو قبله بسبب إحدى حالات الرجوع قبل تاريخ الاستحقاق، كامتناع المسحوب عليه عن القبول أو إفلاس الساحب المشترط عدم تقديمها للقبول أو إفلاس المسحوب عليه. وينبغي التذكير بأن امتناع الموطن عليه عن وفاء الكمبيالة وتحرير احتجاج عدم الوفاء في مواجهة المسحوب عليه يفتح الباب أمام الوفاء بالتدخل.
يقتضي تحديد نطاق شرط التوطين التعرض لمسألتين، الأولى تتعلق بتطبيق شرط التوطين على الكمبيالة الإلكترونية والثانية تتعلق بتطبيق شرط التوطين على السند لأمر والشيك.
الأوراق التجارية الإلكترونية، ليست بديلًا عن الأوراق التجارية الورقية ولكنها تمثل تطورًا وامتدادًا لها وتتمتع بطبيعة مختلفة أحيانًا وتفترض وجود أحكام خاصة بها نتيجة لمعالجتها إلكترونيًا. ومن أهم خصائصها أنها ناجمة عن تطور الصناعة البنكية الهادفة إلى تخفيف تكاليف وإجراءات التحصيل عن طريق حاسوب المقاصة مع اختصار الوقت. ونظرًا لعدم امتلاك الأفراد تقنيات إصدار واستيفاء مبلغ الكمبيالة الإلكترونية، يتدخل بنك الساحب لإصدارها ويتدخل بنك المستفيد ليُطالِب بوفائها. ولأنه لا يمكن أن يُطالَب المسحوب عليه مباشرة بوفائها فلا مناص إذن من شرط التوطين كبيان إلزامي في الكمبيالة الإلكترونية، في حين أنه بيان اختياري في الكمبيالة الورقية وإن كان واسع الانتشار.
وقد تتم معالجة الكمبيالة إلكترونيًا بصورة كلية عندما تصدر منذ البداية على شريط ممغنط ومستوفية لكافة البيانات اللازمة لصحتها لا سيما تلك المتعلقة بالمستفيد والمسحوب عليه والتوقيع الإلكتروني، ويسمى هذا الشريط بالكمبيالة الممغنطة المقترنة بكشف، ويرمز لها اختصارًا بــ (LCR- Magnétique)، يقوم الساحب بإرساله إلى بنكه الذي يتولى بدوره تقديمها للوفاء إلى بنك المسحوب عليه عبر كمبيوتر المقاصة. ويمثل هذا النوع قمة الاستفادة من التقنية لأنه لا يستلزم مطلقًا وجود دعامة ورقية سواء عند إنشاء الكمبيالة أو عند استيفائها، ويكون التوطين فيها ضروريًا لأن استيفاءها لا يكون إلا عن طريق بنك المسحوب عليه. ومع ذلك، تعجز هذه الكمبيالة عن القيام بالدور المنوط بها كأداة ائتمان ووفاء في نفس الوقت، فضلًا عن عدم قابليتها للتداول وعدم إمكانية تقديمها للقبول، بما يفيد عدم تطبيق قانون الصرف عليها، فلم يبق لها من الكمبيالة إلا الاسم[27]. وفي حين أن الكمبيالة الورقية تستمد ضمانات الوفاء بقيمتها من طابعها الشكلي، فإن الشريط الممغنط لا يعدو كونه مجرد دليل إثبات ويستمد ضمانات الوفاء به من علاقة الثقة بين العميل والبنك. وأخيرًا، فالكمبيالة الممغنطة لا تصلح بطبيعتها لمنح ائتمان حقيقي عن طريق الخصم، فهي تؤدي وظيفتها كأداة للتحصيل فقط[28].
وأما الكمبيالة المعالجة إلكترونيًا بصورة جزئية، وتسمى بالكمبيالة المقترنة بكشف (LCR-Papier)، فهي تصدر بداية على محرر ورقي يتضمن توقيع الساحب اليدوي وكافة بيانات الكمبيالة الإلزامية قبل إدخال مضمونها على شريط ممغنط مع إضافة البيانات البنكية للمسحوب عليه التي تحتوي طبعًا اسم البنك الذي وطنت لديه الكمبيالة[29]. كما يمكن للكمبيالة المقترنة بكشف أن تؤدي وظيفيتها كأداة للتحصيل أو الخصم كمثيلتها التقليدية، ولذا فهي تعد كمبيالة حقيقية خاضعة لقانون الصرف. وأما الكمبيالة الورقية فلا يتم تداولها بل يحتفظ بها بنك الساحب، ولاستيفائها يتم تقديم الشريط الممغنط من قبل بنك الساحب، إلى البنك الذي وطنت لديه الكمبيالة عبر كمبيوتر المقاصة[30]. ولدى استلام الكمبيالة من قبل البنك الموطن لديه فإنه يصدر لعميله المسحوب عليه كشفا ورقيا من نسختين للكمبيالات المطلوب دفعها، وبدوره يعيد المسحوب عليه إرسال نسخة من الكشف ويحدد بالنسبة لكل واحدة منهما إما مقبول للدفع أو رفض الدفع. وإذا تم قبول الدفع، فإن خصم قيمتها من حساب العميل المسحوب عليه يثبت وفاءها، ولا مجال هنا إلى إعادة تسليم الكمبيالة المدفوعة إلى المسحوب عليه، وذلك لأن قبوله بدفعها يعني قبوله ضمنًا بالضوابط التي يفرضها التعامل بالكمبيالة المرفقة بكشف[31].
ولكن، إذا لم يقم العميل بإعادة الكشف إلى البنك الموطن لديه على أقصى تقدير قبل يوم من تاريخ الاستحقاق، فعلى البنك رفض الدفع بشكل فوري وإعادة الكمبيالة المرفقة بكشف بنفس الطريقة التي استلمها بها إلى بنك الساحب. وقد يرفض بنك المسحوب عليه الدفع بسبب عدم وجود مقابل وفاء في حساب العميل. وفي كل هذه الحالات يتم وضع كافة المعلومات المتعلقة بعدم الدفع على الشريط الممغنط من قبل البنك الموطن لديه، ويتم تقديمها في اتجاه معاكس إلى كمبيوتر المقاصة.
من الممكن توطين السند لأمر مع مراعاة عدم التعارض مع ماهيته وطبيعته الخاصة[32]، فإذا حدد المتعهد مكانًا للوفاء مختلفا عن مكان إقامته، وبدون أن يحدد شخصا آخر يكون الوفاء واجبا لديه، فيعد هو نفسه الملزم بالوفاء في المكان المحدد، وهذا ما تبنته القوانين التي أخذت باتفاقية جنيف[33]. ومع ذلك، فتوطين السند لأمر يستدعي بعض الملاحظات، أولها، أنه لا وجود للمسحوب عليه في السند لأمر، فلا يتصور التوقيع عليه بالقبول كما لا يتصور وجود فكرة مقابل الوفاء. ولكن لأن «المتعهد في السند لأمر ملزم بنفس الطريقة التي يلزم بها المسحوب عليه القابل في الكمبيالة»، فيمكن أن توجد فكرة مقابل الوفاء في السند لأمر عندما يتم توطينه، وهذا ما كان محلًا لقرار محكمة النقض الفرنسية التي قررت أن الأموال اللازمة للوفاء بالسند لأمر الموطَّن يمكن أن تكون، شأنها شأن مقابل الوفاء في الكمبيالة، محلًا لتخصيص محدد، أي بهدف الوفاء بالسند لأمر[34]. وبذا يمكن إلزام البنك الموطن لديه بتجميد قيمة السند لأمر وتخصيصها للوفاء به، ويمكن القول بانتقال ملكية المال المخصص للوفاء بقيمة السند لحاملي السند المتعاقبين كما هو الحال بالنسبة للكمبيالة. ولكن، لا يمكن توطين السند لأمر إلا وقت إنشائه، خلافًا للكمبيالة التي يمكن توطينها عند الإنشاء أو عند قبولها من المسحوب عليه. وبالطبع في حالة توطين السند لأمر يجب تقديمه للوفاء لدى الموطن لديه. وتجدر الإشارة إلى أن السند لأمر يمكن أن يحرر بالطرق الإلكترونية (Billets à Ordre-Relevés)، ويرمز له اختصارا بـ (BOR)، ومن أهم خصائصه استبعاد التقديم المادي للسند إلى البنك الموطن لديه، بل يحتفظ البنك المسؤول عن التحصيل بالسند الورقي المقدم له من قبل المستفيد ويدون المعلومات الأساسية على شريط ممغنط يرسله إلى كمبيوتر المقاصة قبل مدة محددة (ثمانية أيام في القانون الفرنسي) من تاريخ الاستحقاق. وهذا الكمبيوتر هو المسؤول عن توزيع النطاقات بين البنوك المحلية المسؤولة عن الدفع وفقًا لتواريخ الاستحقاق[35].
وأيضًا، لا شيء يمنع من وضع شرط التوطين في الشيك[36]، بأن يكون الوفاء به لدى بنك آخر غير البنك المسحوب عليه، وهو بالطبع من الشروط الاختيارية الجائزة[37]. وتجدر الإشارة إلى أن الفائدة الأولى من توطين الكمبيالة هي أن يتم الوفاء بها عن طريق البنك بالسحب من الحساب البنكي بدلًا من الاحتفاظ الشخصي بالنقود، في حين أن هذه الفائدة متحققة أصلًا في الشيك لأن المسحوب عليه يجب أن يكون دائمًا بنكًا. ولأن الموطن لديه يكون أيضا بالضرورة بنكًا، فإن توطين الشيك غير معتاد[38]. ولأن الشيك مستحق لدى الاطلاع، فلا يتصور فيه القبول ومن ثم لا يتصور استكمال شرط التوطين إذا لم يعين شخص الموطن لديه من قبل الساحب. وهذا يعني أن الساحب فقط هو المخول بوضع شرط التوطين، فيحدد في ذات الوقت المسحوب عليه والبنك الموطن لديه. وهذا الشرط لا يمكن وضعه عمليًا من قبل الساحب بدون الاتفاق مع المسحوب عليه ومع الحامل.
ونخلص مما سبق إلى اتساع نطاق شرط التوطين مع ازدياد أهميته في الحياة التجارية، وحتى يتسنى تطبيقه بشكل سليم من قبل الأطراف المعنية، فهو يحتاج إلى فهم دقيق لأحكامه وعدم خلطه بغيره من المفاهيم. وأكثر من ذلك، يفتقر الأدب القانوني العربي إلى دراسة تعنى بآثار الشرط مع غياب الأحكام القضائية في هذا المجال، ولذا يبدو ضروريا الاستعانة بأحكام القضاء الفرنسي لتبيان آثار شرط التوطين.
تختلف آثار شرط التوطين تبعًا للأشخاص المعنيين. فالعلاقة بين المسحوب عليه والموطن لديه يحكمها اتفاق التوطين الذي يرتب مسؤوليتهم عند مخالفة الالتزامات الناشئة عنه. ولكن شرط التوطين يرتب آثارا في العلاقة بين الموطن لديه والحامل الذي لا يستطيع تعديل الشرط، بل يلتزم الحامل به مما يوجب عليه مطالبة الموطن لديه في تاريخ الوفاء تحت طائلة اعتباره مهملًا. ويتوجب على الموطن لديه الوفاء للحامل تحت طائلة مسؤوليته تجاه المسحوب عليه أو الحامل أو حتى تجاه الساحب لا سيما إذا تعلق الأمر بكمبيالة مقترنة بكشف. وعليه سنشرح هذه العلاقات بشيء من التفصيل.
الموطن لديه، هو في كثير من الأحيان مصرف، لا يوفي إلا بموجب تفويض تلقاه من المسحوب عليه. ومع ذلك، لا شيء يمنع الأطراف من الاتفاق على منح المصرف تفويضًا دائمًا بالدفع. وفي هذا الصدد، يجدر التساؤل عن مسؤولية الموطن لديه الذي يقوم بالدفع دون إشعار وكذلك عن مسؤوليته عندما يمتنع عن الدفع بالرغم من وجود اتفاق على التوطين.
استقرت أحكام القضاء على اعتبار مسؤولية البنك الموطن لديه عندما يوفي بكمبيالة، ولو تم قبولها، بدون تلقي إشعار توطين أو أي مستند مماثل صادر من عميله، أي موكله المسحوب عليه. فهو يتحمل المسؤولية تجاه عميله لا سيما عندما يدفع ورقة تجارية على الرغم من أنه تلقى تعليمات بعدم الدفع، ولكنه يتحمل المسؤولية أيضًا إذا دفع دون استلامه الإشعار[39]. وبذا، فقد أيدت محكمة النقض الفرنسية محكمة الاستئناف التي ألزمت البنك بالرد لأنه قام بالدفع بدون أن يتلقى تعليمات من عميله، ودون الحاجة إلى تحديد ما إذا كان الضرر الذي لحق بالشركة أقل من هذا المبلغ. كما أنه لا يحق للبنك أن يتخذ إجراءات استرداد المبلغ غير المستحق ضد حامل الكمبيالة، إذ لم يستلم هذا الأخير إلا ما هو مستحق له[40].
وفي قضية حديثة أيدت محكمة النقض قضاة الاستئناف الذين قرروا منح تعويضات للمسحوب عليه لأن البنك الموطن لديه وفى بكمبيالة قدمت إليه بدون أن يكون قد تلقى تعليمات من عميله[41]. ومن خلال هذا القرار لخصت محكمة النقض كل مراحل التطور القضائي خلال ما يقارب عشرين سنة سابقة. فعدم وجود إشعار بالتوطين يفيد أمرًا صريحًا بالوفاء، يجعل البنك مسؤولًا مسؤولية تعاقدية في مواجهة المسحوب عليه، وهو ما يوجب على البنك رد قيمة الكمبيالة للمسحوب عليه، ولا يستطيع البنك مطالبة الحامل حيث إن الوفاء لم يكن ناتجًا عن غلط. وهذا يعني أن عدم استلام تعليمات صريحة بالوفاء، يلزم البنك، وبشكل إجباري، بأن يسأل عميله، وهذه المبادئ هي جوهر هذه القضية حيث قام البنك بوفاء الكمبيالة بدون أن يتلقى ردا بالموافقة من قبل العميل. في هذا الصدد، يلاحظ أن محكمة النقض تتبنى حلًا صارمًا في مواجهة البنك بصفته وكيلا[42]. فما هو إذن جزاء الوفاء بدون تلقي تعليمات من العميل؟
إذا كانت مسؤولية البنك ليست محلًا للنقاش، فإن مدى هذه المسؤولية لم يكن واضحًا، ويفترض أن يتعرض الموطن لديه لمسؤولية تعاقدية تلزمه بالتعويض بمقدار الضرر الذي تعرض له المسحوب عليه، وهذا الضرر قد لا يكون موجودًا وقد يكون أقل من قيمة الكمبيالة خصوصا إذا كانت الكمبيالة مقبولة وكان المسحوب عليه فعلا مدينا للساحب[43]. ولكن هذا الجزاء تم استبعاده بموجب القرار الصادر في 30 نوفمبر لعام 1999م والذي أعطى للمسحوب عليه الحق في استرداد مبلغ الكمبيالة حتى ولو كانت خسارته أقل من هذا المبلغ. وهذا يعني ضمنًا أن الحكم يؤكد بطلان الدفع الذي قام به المصرف أو على الأقل عدم قابليته للتنفيذ تجاه العميل المسحوب عليه. وأيضا، بالاستناد صراحةً إلى وضع البنك باعتباره مودعًا لديه، أكثر من استناده إلى وضع البنك باعتباره وكيلًا، فإن هكذا جزاء في مواجهة البنك يمتاز بالمنطقية والبساطة، ولكنه لا يتمتع بالمرونة التي يوفرها اللجوء إلى قواعد المسؤولية[44]. وتلخيصًا للمبدأ القضائي في هذا الصدد يمكن القول إن البنك الموطن لديه الذي تقدم إليه الكمبيالات الصادرة على أحد عملائه بقصد الوفاء بها لا يجوز له أن يتنازل عن الأموال المودعة من قبل أحد عملائه إلا بناء على تعليمات صادرة من العميل، وبغض النظر عن ذكر توطينها لديها، فإذا لم يوجد تفويض بالدفع، يجب على البنك الذي دفع كمبيالة مقبولة ومسجلة في سجلات النقد لديه أن يعيد قيد حساب المسحوب عليه بمبلغ الصك التجاري المدفوع على هذا النحو، حتى لو كان الضرر الذي لحق بالمسحوب عليه أقل.
قدمنا أن الموطن لديه لا يلتزم بالدفع إلا بموجب تعليمات من المسحوب عليه، وهذه التعليمات قد تصدر في صورة وكالة خاصة أو دائمة، وهي عادة ما تصدر في صورة إشعار بالتوطين، ووجود تعليمات ضروري حتى ولو كان المسحوب عليه (العميل) قابلًا للكمبيالة، ولكن لا شيء يمنع الأطراف من استبعاد تطبيق الأحكام السابقة من خلال منح المصرف تفويضًا دائمًا بالدفع[45]. ففي هذه الحالة، أي في ظل وجود اتفاق يوصف بأنه «اتفاقية دفع باستثناء حالة الاعتراض» (paiement sauf désaccord)، يجب على المصرف الموطن لديه دفع الصكوك المقدمة إليه، ليس على ضوء ما ورد من توقيع بالقبول ظاهر على السند، ولكن بموجب الاتفاق الخارجي بالتوطين، والذي يضع على عاتق المسحوب عليه التزامًا بإجراء عمليات التحقق المناسبة من الكشف المرسل بخصوص الكمبيالات المطلوب دفعها ويفيد الموافقة الضمنية للمسحوب عليه في حالة عدم الاعتراض على أي منها[46].
وفي إحدى القضايا، تم إبرام اتفاقية إطارية بالتوطين، وهي معتادة في الحياة التجارية، وتم تكييفها على أنها «اتفاقية دفع باستثناء حالة الاعتراض»، تنص على التزام البنك بدفع الكمبيالات المقبولة ما لم يرد إشعار مخالف من قبل المسحوب عليه الذي سيتلقى عن طريق البريد بيانًا بالفواتير مستحقة الدفع، ولكن العميل استند على تزوير توقيع القبول، المقلد بشكل فظ ومختلف، على أربع كمبيالات، للاعتراض على سدادها من قبل البنك، وتتعلق هذه القضية بكمبيالة إلكترونية مما يعطيها أهمية خاصة.
ولكن الغرفة التجارية لمحكمة النقض الفرنسية أقرت محكمة الاستئناف التي رفضت هذا الادعاء. فطالما تم التأكد من أن كشف الكمبيالات المقرر دفعها قد تم إرساله إلى العميل الذي لم يعرب عن عدم موافقته، كان على البنك دفع الكمبيالات التي سيتم تقديمها إليه ليس على ضوء التفاصيل المذكورة على الكمبيالة، حتى لو تعلقت ببيان قبولها الذي يظهر على الصك، ولكن بموجب أمر خارجي غير مذكور في الصك وهو ناتج عن الموافقة الضمنية للمسحوب عليه الذي تعهد بإجراء عمليات التحقق المناسبة عند استلام البيان الخاص بالكمبيالات التي سيتم وفاؤها من قبل البنك. وهذا الحل يقره أيضًا الفقه الفرنسي لأنه تطبيق مجرد وبسيط لأحكام العقد، أي اتفاقية التوطين التي يبدو أنه يمكن بموجبها استبعاد الأحكام القانونية المستندة إلى قواعد الكمبيالة نفسها. وينجم عن ذلك، أن البنك لا يتعامل مع الورقة التجارية إلا باعتباره وكيلًا بالوفاء، وأنه غير معني بالتحقق من توقيع المسحوب عليه القابل (أو المتعهد في السند لأمر) إلا إذا اتخذ قرارًا بالوفاء في حالة عدم وجود اتفاقية توطين أو في حالة أن اتفاقية التوطين تنص على وجوب التحقق من صحة التوقيعات[47].
قد يمتنع الموطن لديه عن الوفاء بالكمبيالة مما يدعو إلى التساؤل عن شروط تحقق مسؤوليته. ويجدر التنويه إلى أن الغالب في مثل هذه القضايا أن تفتتح إجراءات الإفلاس ضد المسحوب عليه، وهو أمر تنبئ به أحيانًا حالة الحساب الذي لا يتوفر فيه مقابل وفاء كاف لدفع قيمة الكمبيالة.
استقر الاجتهاد القضائي الفرنسي على ترتيب مسؤولية الموطن لديه عندما لا يقوم بوفاء كمبيالة تلقى تعليمات بوفائها، فقررت محكمة النقض أنه «طالما أن البنك الموطن لديه قد تلقى من المسحوب عليه أمرًا (وكالة) بالدفع وطالما أن حالة الحساب تسمح بالدفع بالنظر إلى مبلغ السحب على المكشوف المسموح به، فإنه يكون ملزمًا بتنفيذه تحت طائلة مسؤوليته تجاه الحامل»[48]. وتحتل هذه القضية أهمية خاصة لا سيما بالنظر إلى أوجه الدفاع التي أبداها البنك (الموطن لديه) للتحلل من مسؤوليته. فقد ادعى البنك بطلان الكمبيالة بحجة أنها لا تحتوي على تاريخ الإنشاء وأن التاريخ الموضوع لاحقًا كان غير صحيح. ومن جهتها استبعدت محكمة النقض هذا الدفع مبينة أن «البنك لا يستطيع أن يدفع بالبطلان بسبب تخلف أحد بياناتها إلا إذا كان المسحوب عليه يستطيع هو نفسه الدفع بعدم التزامه بمستند ناقص وأيضا إذا تضمنت الوكالة ما يخول الوكيل أن يثير هذا الدفع لحساب المسحوب عليه». ويتضح من هذا القرار أنه يضع شرطين يجب توافرهما مجتمعين: الأول، أن تكون الكمبيالة مشوبة بعيب أو بنقص يجعلها باطلة في حين أن البنك استند إلى عدم صحة تاريخ الإنشاء وهو عيب لا يرتب البطلان خلافًا لحالة عدم وجوده بالكلية. ولكن، لا يتصور أن يقوم البنك بوفاء كمبيالة باطلة بدون الرجوع إلى موكله العميل وذلك تحت طائلة تحمله للمسؤولية التعاقدية. فعندما يكون العيب المرتب للبطلان ظاهرًا، فهو يشكل مانعا حقيقيا (fait majeur) لا يسمح للبنك بوفائها قبل أن يستعلم من الموكل حيالها. وأيضًا، بوصفه وكيلًا مأجورًا ومهنيا محترفا، على البنك أن يتخذ إجراءات الحيطة والحذر اللازمة، كالتحقق من تسلسل التظهيرات لا من صحة توقيعات المظهرين وعليه أيضًا رفض دفع كمبيالة يشوبها عيب أو نقص ظاهر يجعلها باطلة[49]. والشرط الثاني، يجب أن تتضمن الوكالة صلاحية إثارة الدفع ببطلان الكمبيالة. وهذا الشرط يثير الحيرة حسب قول بعض الفقه[50]. وكأن محكمة النقض تشترط أن تذكر هذه الصلاحية في عقد الوكالة ذاته في حين أن إشعار التوطين أو الإشعار بالوفاء يتخذ، من الناحية العملية، صورة أمر بالدفع من قبل العميل ولا يشترط فيه شكلية معينة. ولذا يمكن القول إن الوكالة بالوفاء بموجب التوطين تمنح البنك ضمنيًا سلطة رفض الصكوك التي ليس لها وصف الكمبيالة بسبب عدم وجود بيان جوهري، كتوقيع الساحب، أو التي يشوب بيان القبول فيها عيب ظاهر[51].
ولكن بمجرد حصول البنك على تفويض بالدفع من المسحوب عليه، وكون حالة الحساب تسمح بذلك، فإن البنك ملزم بتنفيذ الأمر الصادر من العميل، أي بالوفاء باسم المسحوب عليه ولحسابه. ومن ثم، فإن رفض الكمبيالة بدافع وجود شبهة غير مبررة يجعل البنك مرتكبًا لخطأ ينشأ عنه بالنسبة للحامل الحق في مطالبة البنك بالتعويض، وهذا ما قرره القضاء الفرنسي في قضايا أخرى مشابهة. فقد سبق لمحكمة النقض أن أدانت البنك الموطن لديه عدة كمبيالات عندما قام بوفاء بعضها على حساب أخرى وذلك لأنه كان هو نفسه الحامل للكمبيالات التي قام بوفائها[52]. ولكن في قضية أخرى لم يحكم بمسؤولية البنك الذي تلقى عدة مطالبات بوفاء حاملين مختلفين لكمبيالات يتجاوز مبلغها الإجمالي مقابل الوفاء المودع لدى البنك. وجاء في قرار المحكمة تحديدًا بأن البنك الموطن لديه عدد من الكمبيالات «في غياب تعليمات دقيقة من قبل العميل لا يستطيع الوفاء لأي من الحاملين بقيمة كمبيالات محددة على حساب آخر»[53]. ويشار إلى أن دعوى التعويض المرفوعة ضد البنك من قبل حامل الكمبيالة هي دعوى المسؤولية التقصيرية، وتمكن ممارستها حتى ولو لم يتقدم حامل السند بمطالبته بإجراءات الإفلاس للمسحوب عليه[54]. وهذا يقود لتناول دعوى المسؤولية التي يرفعها الحامل ضد البنك الموطن لديه في حالة افتتاح إجراءات الإفلاس.
في الوضع التقليدي الذي تفتتح فيه إجراءات الإفلاس في مواجهة المسحوب عليه، سواء أكان قابلًا للكمبيالة أو لا، قبل حلول أجل الكمبيالة، فإن من حق الحامل أن يمارس الرجوع الصرفي مباشرة، وتبرير ذلك أن الحامل لم تعد لديه أي فرصة لاستيفاء مبلغ الكمبيالة، فلا داعي لانتظار حلول تاريخ الاستحقاق، ففي هذه الحالة يصبح الحامل في حالة مساوية لحالة حامل الكمبيالة التي رفض المسحوب عليه قبولها. ولكن في الحكم الصادر في 23 نوفمبر 1999م أصبح الساحب هو ذاته الحامل، فلم يعد ممكنًا مباشرة الرجوع الصرفي، ولم يتبق له إلا أن يقيد دينه في سجل المطالبات، مثله كمثل الدائنين السابقين على افتتاح إجراءات الإفلاس. وفي هذه القضية، التي لا تسلم من بعض التعقيدات، كان البنك قد دفع الكمبيالة قبل افتتاح إجراءات الإفلاس بتسجيل قيمة الكمبيالة في الحساب المدين للمسحوب عليه ولكنه تراجع عن ذلك بعكس القيد، بعد (20) يوما وكان ذلك في اليوم التالي للحكم الصادر بافتتاح إجراءات الإفلاس، أي بعد انتهاء المدة النظامية للقيد العكسي وهي ستة أيام، وقام بإعادة الكمبيالة إلى الساحب باعتبار أن الكمبيالة باطلة لوجود تاريخ استحقاق غير صحيح. وفي الدعوى، دفع البنك بانقضاء دين الساحب تجاه المسحوب عليه وذلك بسبب عدم الإعلان عن دينه وعدم تقديم مطالبة في إجراءات الإفلاس القضائي المقامة في مواجهة المسحوب عليه. ولكن محكمة الاستئناف اعتبرت أن البنك تصرف في الحقيقة بهدف «الحد أكثر ما يمكن من الرصيد المدين للمسحوب عليه على حساب الدائنين الآخرين»، أي استيفاءً لدينه على حساب غيره من الدائنين، وهو ما دفع البنك في واقع الأمر لرفض الوفاء بالكمبيالة دون سبب مشروع مما يجعله مرتكبًا لخطأ مرتب مسؤوليته التقصيرية في مواجهة الحامل. كما أن محكمة النقض، ردًا على عدم تقديم مطالبة الحامل (الساحب) بدينه في إجراءات الإفلاس، قررت أن هذا الحادث لا أثر له لأن دعوى الحامل رفعت على أساس المسؤولية التقصيرية ضد الموطن لديه الذي ارتكب خطأ لعدم قيامه بوفاء الكمبيالة. ويؤيد الفقه هذا القرار طالما أن الدين وجد منذ اللحظة التي رفض فيها البنك خطًا الوفاء بقيمة الكمبيالة[55]. وعلى الرغم من أنه لا يستطيع مطالبة المسحوب عليه، لأنه لم يقدم مطالبة بدينه في إجراءات الإفلاس، فإنه يملك الحق في مطالبة البنك الذي ارتكب خطأ يجعله مسؤولا عن تعويض الضرر. ويجدر التذكير أن رجوع الساحب بصفته حاملًا للكمبيالة على البنك ليس رجوعًا صرفيًا وليس موجها ضد مدينه الذي يخضع لإجراءات الإفلاس، ومن ثم فنجاح دعواه لا يعتمد على تقديم مطالبة بقيد دينه في إجراءات الإفلاس، وذلك لأن البنك لم يحكم عليه بدفع قيمة الكمبيالة وإنما بتعويض الضرر على أساس المسؤولية التقصيرية.
وهذه القضية تؤكد حلًا سابقًا لمحكمة النقض في الحكم الصادر بتاريخ 21 مايو 1996عندما قررت أن تسجيل المبلغ في الحساب المدين للعميل يفيد خروج المال من ذمة العميل المدين[56]. في هذه القضية قام البنك، الموطنة لديه كمبيالة مسحوبه على إحدى عميلاته (شركة)، بقيد مبلغ الكمبيالة في الحساب المدين للشركة المسحوب عليها، ثم تم افتتاح إجراءات الإفلاس في مواجهة الشركة في اليوم التالي فقام البنك بإجراء قيد عكسي، فقررت محكمة الاستئناف أن فعل البنك يمثل خطأ يرتب مسؤوليته في مواجهة حامل الكمبيالة مبررة قرارها بالقول إن الكمبيالة تم وفاؤها بالقيد في الحساب المدين وأن مبلغها خرج من ذمة المدين بها، ولكن قرارها تم نقضه من قبل محكمة النقض التي ذكرت بأن مجرد القيد في الحساب المدين للمسحوب عليه من قبل البنك الموطنة لديه الكمبيالة لا يشكل وفاء لمصلحة الساحب، ومن ثم، فإن القيد العكسي لا يشكل خطأ، إذا اقتصر الأمر على مجرد القيد في الحساب المدين، بل يجب حتى يعتبر وفاء أن يتم قيد قيمة الكمبيالة في الحساب الدائن للساحب، فإذا تم هذا الأمر ومرت المدة النظامية، فإن الوفاء بالورقة التجارية يعتبر قد تم بما يعني أنه لا يمكن للبنك الرجوع فيه وإلا اعتبر مخطئا، وهو ما استقر عليه اجتهاد محكمة النقض[57].
طالما أن الموطن لديه يتصرف بصفته وكيلا عن المسحوب عليه، فلن يكون له أي حق في مواجهة الساحب إذا لم يكن للمسحوب عليه أصلا أي حق في مواجهة الساحب[58]. ومع ذلك، قد تبدو الأمور أكثر تعقيدًا خصوصًا إذا تعلق الأمر بكمبيالة ورقية مقترنة بكشف حيث يجدر بيان علاقة ساحب الكمبيالة المقترنة بكشف بغرفة المقاصة قبل تناول مسألة رجوع البنك الموطن لديه على الساحب.
يتم تقديم الكمبيالة المقترنة بكشف للوفاء من قبل بنك الساحب من خلال غرف المقاصة[59]. ويطرح التساؤل عن مدى جواز الاحتجاج بقواعد المقاصة من قبل العميل الموكل في مواجهة البنك (الوكيل)، مع الأخذ بعين الاعتبار أن العميل أجنبي على المجال البنكي وعلى الاتفاقات التي تجري بين المؤسسات البنكية بخصوص غرف المقاصة؟ وكقاعدة عامة، يجوز الاحتجاج بالعقد في مواجهة الغير ويمكن للغير أن يحتجوا به لمصلحتهم[60]. وفيما يخصنا، كان السؤال الرئيس الموجه لمحكمة النقض الفرنسية[61] فيما إذا كان ساحب الكمبيالة المقترنة بكشف يستطيع أن يحتج باتفاقات البنوك المنظمة لعملها والمتعلقة بالوفاء عن طريق غرف المقاصة؟ وللتذكير فهذه الاتفاقات (اللوائح التنظيمية لغرف المقاصة) تنص تحديدًا على أنه إذا لم يقم بنك المسحوب عليه (الموطن لديه) خلال مدة محددة (6 أيام) من معالجة الكمبيالة بواسطة كمبيوتر المقاصة بقبول أو رفض الكمبيالة، فإنها تعد مدفوعة.
أما وقائع القضية فتتلخص في قيام شركة فيليبس، بإصدار كمبيالة مقترنة بكشف، بواسطة بنك باريبا (Parisbas)، وهي مسحوبة على شركة ديكو-كويزين، ومستحقة الوفاء بتاريخ 1/8/1988، وقد قدم بنك باريبا (بنك الساحب) الكمبيالة للوفاء من خلال كمبيوتر المقاصة بتاريخ 2/8/1988 إلى البنك الموطن لديه الذي قام بعمل قيد دائن لحساب شركة فيليبس، غير أن شركة ديكو–كويزين (المسحوب عليه) خضعت لإجراءات الإفلاس بتاريخ 9/8/1988، وبتاريخ 11/8/1988، رفض البنك الموطن لديه دفع الكمبيالة، أي بعد أكثر من ستة أيام من القيد الذي تم عبر كمبيوتر المقاصة بتاريخ 2/8/1988. وعلى إثر ذلك، قام بنك باريبا بإجراء قيد عكسي، بتاريخ 6/9/1988 لتصحيح القيد الدائن بتاريخ 2/8/1988، وهو ما قاد شركة فيليبس إلى مطالبة البنك الموطنة لديه الكمبيالة بالوفاء بقيمتها. وفي هذه القضية ادعى البنك الموطن لديه أنه لا يمكن اعتباره مهملًا بسبب عدم الرفض خلال مدة الستة أيام، حيث إن الوفاء غير مسموح به بعد افتتاح إجراءات الإفلاس في مواجهة المسحوب عليه، ولكن محكمة النقض قررت أن لوائح غرف المقاصة تمنع الرفض المتأخر، ونظرًا لعدم وجود اتفاق مخالف، فإن الساحب يعد موافقًا ضمنًا على هذه اللوائح عندما يصدر كمبيالة مقترنة بكشف، وأنه نظرًا لعدم وجود قبول أو رفض بالوفاء من قبل الموطن لديه، خلال المدة المسموح بها، فإن الكمبيالة تعد مدفوعة بانتهاء هذه المدة، وبذا تكون محكمة الاستئناف قد بررت قراراها عندما حكمت بأن البنك الموطن لديه يعد مدينًا بالتزام شخصي بانقضاء هذه المدة، وأن افتتاح إجراءات الإفلاس في مواجهة المسحوب عليه لا أثر له على الحكم الصادر في النزاع. كما أردفت محكمة النقض بالقول بما أن «محكمة الاستئناف قد بينت بأن الساحب، العميل لدى بنك باريبا، ليس طرفًا في اللوائح التنظيمية فيما بين البنوك ذات الطبيعة التعاقدية، فمن حقه أن يتمسك بوجودها لمصلحته». ويأتي هذا الحكم مخالفًا لحكم سابق قررت فيه محكمة النقض أن لائحة غرفة المقاصة ليست لها قيمة تعاقدية إلا فيما بين البنوك ولا يمكن أن تحتج البنوك بها في مواجهة عملائها ولا أن يتمسك بها العملاء لمصلحتهم في مواجهة بنوكهم[62]. غير أن العديد من القرارات اللاحقة تراجعت عن ذلك مؤيدة حكم محكمة النقض الصادر في 28 نوفمبر 1995[63].
قد يحاول البنك التملص من الوفاء لبنك الساحب أو استرداد المبالغ التي دفعها لحساب موكله (المسحوب عليه) إما على أساس دعوى الإثراء بلا سبب أو دفع غير المستحق وإما على أساس قواعد المسؤولية المدنية. وإذا كان من غير الممكن التمسك بأي دفع في مواجهة الحامل حسن النية عندما تتأكد ملكية مقابل الوفاء بالقبول، فليس هذا حال الكمبيالة المقترنة بكشف غالبًا، ولذا فإن نطاق دعوى الإثراء بلا سبب ليس واسعًا، فيجب أولًا، إثبات وجود غنى من جانب المدعى عليه وافتقار من جانب المدعي مع وجود علاقة سببية بين كلا الفعلين، وأيضا يجب ألا يوجد سبب قانوني لكلا الفعلين (الغنى والافتقار) وألا ينتج الافتقار عن خطأ المفتقر ويقع عبء إثبات كل ذلك على عاتقه[64]. ويلاحظ في الحكم سالف الذكر الصادر في 28 نوفمبر 1995 أن البنك الموطن لديه لم يحترم ضوابط الوفاء من خلال غرفة المقاصة وهو ما يشكل خطأ يمنعه من مباشرة دعوى الإثراء بلا سبب.
وأما دفع غير المستحق، بسبب خطأ في وفاء دين غير موجود أصلًا أو خطأ في شخص الموفى له، فإن إثباته ليس بالهين خصوصًا إذا لم يوجد أي من عيوب الرضا، وربما يجد الوفاء سببه إما في نية التبرع وإما في وجود معاملة مالية أخرى. ويلاحظ فيما يتعلق بالوفاء بعد انتهاء المدة، أن القضاء الفرنسي سبق وبين موقفه من خلال حكمين قضائيين، الأول في 16 مايو 1984 قبلت بموجبه محكمة النقض دعوى دفع غير المستحق وحكمت برد مبلغ الشيك إلى البنك الموطن لديه، بالرغم من خطأ البنك الذي تأخر في اتخاذ قراره برفض الوفاء، وذلك بسبب وجود احتيال من جانب الساحب[65]. وفي الحكم الثاني، الصادر في 4 أكتوبر 1988، رفضت محكمة النقض دعوى رد غير المستحق حيث إن البنك لم ينازع في أن الساحب قد قبض ما هو مستحق له، ولم يقدم دليلًا على وجود خطأ في دفعه[66]. وفي الحقيقة فإن البنك الموطن لديه، سواء تعلق الأمر بكمبيالة عادية أو بكمبيالة مقترنة بكشف، يقوم بالوفاء بناء على عقد الوكالة مع المسحوب عليه (عقد التوطين)، وسواء أكان هذا الأخير قادرًا على السداد أم لا، فإن وفاء البنك الموطن لديه يمكن تبريره مثلًا بالرغبة في منح المسحوب عليه تمويلًا أو ائتمانًا، وكان على البنك ألا يقوم بالدفع بدون إجراء التدقيق اللازم لا سيما وأن القضاء يشترط تلقيه إشعارا بالتوطين قبل إجراء الدفع[67]. وفضلًا عن ذلك، من حيث المبدأ، عندما يرتكب المدين خطأ فيقوم بالدفع دون أخذ الاحتياطات اللازمة ودون مراجعة وضعه القانوني أو بدون تدقيق حساباته، وعندما يقتصر الأمر بالنسبة للدائن على تلقي ما يستحقه من المدين، فإن القضاء يرفض عموما دعوى رد غير المستحق ولكنه قد يقبلها أحيانًا[68]. وفي هذه الحالة الأخيرة، فإن القضاء يجيز للدائن تقديم طلب عارض على أساس قواعد المسؤولية المدنية[69]. وتفسير ذلك، أن الدافع قد يقوم بالوفاء عن طريق الخطأ ولكنه قد يسبب ضررًا للدائن الذي سيجبر على الرد، في هذه الحالة لا يعتبر القضاء أن خطأ الدافع مانع من قبول دعوى الرد، ولكن الطلب العارض على أساس قواعد المسؤولية، الذي من خلاله يدعي متلقي الدفع أنه تعرض لضرر أجبره على الرد، سيؤدي إلى تقليل المبلغ الواجب رده وهذا يقدر بحسب الضرر الذي تعرض له هذا الأخير. ولهذا فإن القرار الصادر في 28 نوفمبر 1995م يحتل أهمية خاصة لأنه، من جهة، يضعف مبدأ الأثر النسبي للعقود، على الأقل في هذا المجال، ومن جهة أخرى، لأنه يبين، بسبب استحداث وسائل دفع جديدة لا سيما في مجال الكمبيالات المعالجة إلكترونيًا، أن القانون الصرفي لا يتطور فقط من الناحية الشكلية وإنما أيضًا من الناحية الموضوعية[70].
بالرغم من كثرة التعامل بشرط التوطين عند إنشاء الكمبيالة أو قبولها إلا أنه لم يسبق التعرض له من خلال بحث فقهي يشرح أحكامه ويبصر المتعاملين بما قد ينشأ عنه من مشكلات عملية أو قانونية وبحقوق الأطراف ذوي العلاقة. ولذا، جاءت الدراسة مدعومة بشروح وتطبيقات قضائية توضح الآثار القانونية لشرط التوطين والمسؤوليات المترتبة لا سيما في المعاملات التجارية والمصرفية خصوصًا. وقد توصلت الدراسة إلى عدد من النتائج نجملها على النحو التالي:
1. يحتاج شرط التوطين إلى عديد من الدراسات المتخصصة، ويبدو أنه لا ينبغي الخلط بين شرط الوفاء في محل مختار وشرط التوطين. فالأول يتعلق بالمحل ويكون عندما يعين الساحب أو المسحوب عليه مكانًا آخر للوفاء في غير موطن المسحوب عليه، فتكون مستحقة الوفاء في المكان المعين. وفي حالة الامتناع عن الوفاء، فإن إجراءات الاحتجاج تنظم في موطن المسحوب عليه وفي مواجهته وليس في مكان الوفاء المختار باعتباره ملتزما بالوفاء. وأما شرط التوطين، فيكون عندما يعين شخص آخر للوفاء سواء في نفس موطن المسحوب عليه أو في جهة أخرى. فيجب تنظيم احتجاج عدم الوفاء في موطن الشخص الموطن لديه ولكن في مواجهة المسحوب عليه. وأما الاختصاص القضائي في الدعوى المرفوعة على المسحوب عليه أو على الموطن لديه فيخضع للقانون الوطني في كل دولة.
2. قد يمتد شرط التوطين إلى الأوراق التجارية الأخرى ولكن بما ينسجم مع ماهيتها وطبيعتها، فنظرًا لعدم وجود مسحوب عليه في السند لأمر، فلا يمكن توطينه إلا وقت إنشائه. وبالتزام الموطن لديه بتجميد قيمته وتخصيصها للوفاء به، يمكن أن توجد فكرة مقابل الوفاء في السند لأمر الذي تنتقل ملكيته إلى حملة السند المتعاقبين. وبالنسبة للشيك، وإن كان اللجوء إلى شرط التوطين نادرا جدًا، فلا يتصور وضع شرط التوطين إلا من قبل الساحب لأن الشيك مستحق لدى الاطلاع ولا يتصور تقديمه للقبول.
3. لا يعد شرط التوطين من حالات تعدد مكان الوفاء بل ينسجم مع وحدة مكان الوفاء. ولا ينبغي خلط شرط التوطين بحالة تعدد المسحوب عليهم، بل يجب أن يكون الموطن لديه شخصًا آخر غير المسحوب عليه، وهذا يمنع توطينها لدى أحد المسحوب عليهم عند تعددهم. كما لا يجب الخلط بين توطين الكمبيالة ووفائها بالتدخل، فليس هناك تشابه بين أطراف هذه التصرفات، هذا فضلًا عن أن الوفاء من قبل الموطن لديه ينهي حياة الكمبيالة على عكس الوفاء بالتدخل.
4. لا يجوز للموطن لديه أن يوفي بكمبيالة، ولو كانت مقبولة، بدون أن يتلقى أمرًا بذلك من المسحوب عليه أو بدون موافقته، وذلك تحت طائلة ترتب مسؤوليته المدنية. وإذا كان الموطن لديه بنكًا يقع عليه التزام بالرد باعتباره مودعًا لديه، أي بإعادة قيد المبلغ المدفوع في الحساب الدائن للعميل المسحوب عليه ولو كان الضرر الذي تعرض له العميل أقل من ذلك.
5. يلتزم الموطن لديه، الذي تلقى أمرًا بوفاء كمبيالة موطنة، أن يقوم بوفائها طالما كانت حالة الحساب تسمح بذلك وهذا تحت طائلة المسؤولية التقصيرية وتعويض ما ينشأ من ضرر للحامل.
6. لعملاء البنوك، الأطراف في كمبيالة مقترنة بكشف، أن يتمسكوا لمصلحتهم بالقواعد والاتفاقات التي تحكم علاقات البنوك فيما بينها. وتعتبر هذه القاعدة تطبيقا موسعا لمبدأ الأثر النسبي للعقد في مواجهة البنك الموطنة لديه الكمبيالة خصوصا.
1. لم تحدد القوانين العربية عموما الحقوق والالتزامات التي تقع على عاتق الأطراف ذات العلاقة في عملية توطين الكمبيالة. ولذا توصي الدراسة القانونين القطري والسعودي بوضع المزيد من الأحكام التفصيلية والمترابطة التي توضح أحكام شرط التوطين، ولا يدعي الباحث إيراد مسلمات بل يوصي بمزيد من البحث في هذا المجال.
2. خلق اللجوء إلى الكمبيالة المعالجة إلكترونيا واقعًا قانونيًا معقدًا لا سيما وأن قواعد القانون الصرفي ذات أثر دولي وليست بمعزل عن معاملات التجارة الدولية[71]. ولتجنب ما قد ينشأ عن هذا النقص من مشكلات، فإننا نوصي القانونين السعودي والقطري، بتحديد آثار توطين الأوراق التجارية بشكل أكثر دقة، وأيضا الاستفادة من أحكام القضاء الفرنسي التي تولت الدراسة توضيحها.
أولًا: العربية
العبيدي، علي. الأوراق التجارية في القانون العراقي. [د. ن.]، بغداد، 1974.
العكيلي، عزيز. الأوراق التجارية وعمليات البنوك. ط8، دار الثقافة، عَمَّان، 2021.
القليوبي، سميحة. القانون التجاري، عمليات البنوك، الأوراق التجارية. دار النهضة العربية، القاهرة، 1986.
حداد، إلياس. الأوراق التجارية في النظام التجاري السعودي. مطبوعات معهد الإدارة العامة، الرياض، 1986.
سلامة، زينب. الأوراق التجارية في النظام السعودي. النشر العلمي والمطابع، جامعة الملك سعود، الرياض، 1998.
شطناوي، جبر. الأوراق التجارية والعمليات المصرفية. ط1، دار الثقافة، عَمَّان، 2022.
فاضل، باني. «النظام القانوني للأوراق التجارية الإلكترونية كوسيلة وفاء متطورة». مجلة الباحث للدراسات القانونية والقضائية، محمد قاسمي، المغرب، ع24 (2020).
الفقي، محمد. «المعلوماتية والأوراق التجارية: الكمبيالة كنموذج». مجلة كلية الحقوق للبحوث القانونية والاقتصادية، جامعة الإسكندرية، ع1 (2002).
قرمان، عبد الرحمن. الأوراق التجارية وإجراءات الإفلاس. ط2، دار الإجادة، الرياض، 2020.
كريم، زهير. الأوراق التجارية في النظام السعودي. ط1، دار الإجادة، الرياض، 2020.
ثانيًا: الأجنبية
References:
Al-‘Auqaili, Aziz. Al-Awrāq al-Tijāriyah wa-‘Amaliyāt al-Bunūk (in Arabic). 8th ed., Dār al-Thaqāfah, Amman, 2021.
Al-faqi, Muhamad. "Al-Ma’lūmātiyah wa-al-Awrāq al-Tijāriyah kanamūdhaj" (in Arabic). Majalat Kuliyat al-Ḥuqūq lil-Buhūth al-Qānūniyah wa-al-Iqtiṣādiyah, Issue 1, 2002.
Al-Qalyoubi, Samihah. Al-Qānūn Al-Tijārī, ‘Amaliyāt al-Bunūk (in Arabic). 1st ed., Dār Al-Nahḍah al-‘Arabiah, Cairo, 1986.
Al-ʻUbaydī, ʻAlī. Al-Awrāq al-Tijāriyah fī al-Qānūn al-Irāqī (in Arabic). Baghdad, 1974.
Bonhomme, R. "Chèque", Répertoire de droit commercial, Dalloz, février 2017.
Cabrillac, M. "La validité du paiement d'un effet de commerce par le domiciliataire", RTD Com. 2000.
Cabrillac, M. "Responsabilité du banquier domiciliataire d'une traite en cas de refus de paiement", RTD com., 2000.
Courtier, J.-L. "Un exemple d'effet secondaire des contrats : la lettre de change-relevé", LPA, 25/9/1996.
Czaplicki, P. "The Electronic Bill of Exchange Concept from an International Perspective" Białostockie Studia Prawnicze, vol. 26, no. 5, University of Bialystok, 2021, pp. 187-195. https://doi.org/10.15290/bsp.2021.26.05.11
Delpech, X. "Protêt", Répertoire de droit commercial, Dalloz, avril 2023.
Fadel, Bani. "Al-Niẓām al-Qānūnī lil-Awrāq al-Tijāriyah al-Eliketrūniyah kawassīlat Wafa’ mutaṭawirah" (in Arabic). Majalat al-Bahith al-Qānūniyat wa-al-Qaḍa’iyah, vol. 24, 2020.
Gibirila, D. "Billet à ordre", Répertoire de droit commercial, Dalloz, janvier 2023.
Gibirila, D. "Lettre de change", Répertoire de droit commercial, Dalloz, janvier 2023.
Hadād, ilyass. Al-Awrāq al-Tijāriyah fī al-Niẓām Al-Tijārī al-Saūdī (in Arabic). 1st ed., Maṭbū’āt Ma’had al-Idārah al-‘Aāmah, Riyadh, 1986.
Kareem Zuhayr. Al-Awrāq al-Tijāriyah fī al-Niẓām al-Saūdī (in Arabic). 1st ed., Dār Al-Ijādah, Riyadh, 2020.
Lienhard, A. "Le banquier domiciliataire qui paie des traites, même acceptées, sans instruction du tiré, lui en doit restitution", Recueil Dalloz, 2000.
Lienhard, A. "Portée du mandat donné par le tiré à la banque domiciliataire quant à l'obligation de payer la traite", Recueil Dalloz, 2000.
Martin, D. "Du caractère fautif d'une contre-passation inversée", Recueil Dalloz, 1997.
Qurman, Abd-al-Rahman. Al-Awrāq al-Tijāriyah wa-Ijrā’āt al-Iflāss (in Arabic). 2nd ed., Dār Al-Ijādah, Riyad, 2020.
Revel, J. "Le contrat de domiciliation des effets de commerce", JCP CI, II. 12282, 1976.
Roblot, R. Les effets de commerce, Sirey, 1975.
Salamah, Zainab. Al-Awrāq al-Tijāriyah fī al-Niẓām al-Saūdī (in Arabic). 1st ed., al-Nashr al-‘eilmī wa-al-Maṭābi’, Jāmi’at al-Malik sa’aud, Riyadh, 1998.
Shatnawi, Jaber. Al-Awrāq al-Tijāriyah wal-Amaliyāt al-Maṣrifiyah (in Arabic). 1st ed., Dār al-Thaqāfah, Amman, 2022.
[1] ويقابلها نص (L. 511-2, al. 4) من تقنين التجارة الفرنسي، ولا يوجد نص مشابه في قانون التجارة القطري. ومع ذلك، فحكم هذه المادة معمول به ضمنا وهو ما تفيده نصوص أخرى، انظر مثلًا المادة (491، فقرة 2) من قانون التجارة القطري رقم (27) لسنة 2006م.
[2] زهير كريم، الأوراق التجارية في النظام السعودي، ط1، دار الإجادة، الرياض، 1441هـ/2020م، ص81.
[3] D. Gibirila, "Lettre de change", Répertoire de droit commercial, Dalloz, janvier 2023, n° 107.
[4] R. Roblot, Les effets de commerce, Sirey, 1975, no 150.
[5] انظر المادة (21/2) من نظام الأوراق التجارية السعودي، والمادة (491) من قانون التجارة القطري.
[7] Gibirila, "Lettre de change", Op. cit., n°104.
[8] Com. 29/6/1965, D. 1965, 823.
[9] Lyon, 7/12/2001, RJDA, 2002, n°1311.
[10] Gibirila, "Lettre de change", Op. cit., n°105.
[12] Com. 25/6/1965, D. 1965. 223.
[13] والمفوض بالوفاء، موفٍ احتياطي، يحدد سلفًا في الكمبيالة من قبل الساحب أو المظهرين أو الضامن الاحتياطي، والهدف من وجوده تجنب مخاطر احتمال عدم وفاء المسحوب عليه مما يزيد الثقة في الكمبيالة، بينما لا يحدد الموفي بالتدخل سلفًا بل يتدخل عندما يُستهدف أحد الموقعين بالرجوع عليه من قبل الحامل للوفاء بدلًا منه: جبر شطناوي، الأوراق التجارية والعمليات المصرفية، ط1، دار الثقافة، عَمَّان، 2022، ص225.
[14] انظر مثلًا المادة (68) من نظام الأوراق التجارية السعودي والمادة (543) من قانون التجارة القطري.
[15] Com. 16/12/1975, RTD com., 1976. 379, obs. M. Cabrillac et J.-L. Rives-Lange.
[16] X. Delpech, "Protêt", Répertoire de droit commercial, Dalloz, avril 2023, n°18.
[17] Gibirila, "Lettre de change", Op. cit., n°115.
[18] قانون السلطة القضائية القطري رقم (8) لسنة 2023.
[19] عزيز العكيلي، الأوراق التجارية وعمليات البنوك، ط8، دار الثقافة، عَمَّان، 2021، ص71.
[20] علي العبيدي، الأوراق التجارية في القانون العراقي، [د.ن]، بغداد، 1974، ص108؛ زينب سلامة، الأوراق التجارية في النظام السعودي، النشر العلمي والمطابع، جامعة الملك سعود، الرياض، 1419هـ، ص47؛ حيث ترى بطلان الكمبيالة في حال تعدد مكان الوفاء لأن النظام لا يسمح بذلك بعكس الشيك الذي أجاز فيه ذلك.
[21] إلياس حداد، الأوراق التجارية في النظام التجاري السعودي، مطبوعات معهد الإدارة العامة، 1407هـ، ص87؛ سميحة القليوبي، القانون التجاري، عمليات البنوك، الأوراق التجارية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1986، ص203.
[23] شطناوي، ص69.
[24] Aix-en-Provence, 23/4/1980, RTD com., 1981, 799, obs. M. Cabrillac et B. Teyssié.
[25] وغالبًا ما يتم الوفاء بالتدخل بالاتفاق المسبق بين أحد الملتزمين بوفاء الكمبيالة والموفي بالتدخل الذي قد يكون مدينًا للملتزم الذي تدخل لمصلحته، وقد يتدخل الموفي بالتدخل من تلقاء نفسه، وإن كان أمرًا نادرًا من الناحية العملية.
[26] قرمان، ص178.
[27] انظر: باني فاضل، «النظام القانوني للأوراق التجارية الإلكترونية كوسيلة وفاء متطورة»، مجلة الباحث للدراسات القانونية والقضائية، محمد قاسمي، المغرب، ع24 (2020)، ص281؛ محمد الفقي، «المعلوماتية والأوراق التجارية: الكمبيالة كنموذج»، مجلة كلية الحقوق للبحوث القانونية والاقتصادية، جامعة الإسكندرية، ع1 (2002)، ص7.
[28] الفقي، ص91.
[29] J.-L. Courtier, "Un exemple d'effet secondaire des contrats : la lettre de change-relevé", LPA, 25/9/1996, p. 17.
[30] انظر المادة (L. 511-26, al. 2) من تقنين التجارة الفرنسي التي تفيد أن تقديم الكمبيالة إلى إحدى غرف المقاصة يعد بمثابة تقديم للوفاء. ويقابلها مثلًا نص المادة (43) من نظام الأوراق التجارية السعودي والمادة (509/1) من قانون التجارة القطري.
[31] انظر المادة (44) من نظام الأوراق التجارية السعودي بشأن إثبات الوفاء بالكمبيالة التقليدية: «إذا وفى المسحوب عليه الكمبيالة جاز له طلب تسلمها من الحامل موقعا عليها بالتخالص». ويقابلها نص المادة (511/1) من قانون التجارة القطري.
[32] J. Revel, "Le contrat de domiciliation des effets de commerce", JCP CI, II. 1976, 12282.
[33] المادة (89/أ) من نظام الأوراق التجارية السعودي، الخاصة بالسند لأمر أحالت إلى قواعد الكمبيالة وبينت سريان بعض قواعد الكمبيالة على السند لأمر بما لا يتعارض مع طبيعته ومنها «الأحكام المتعلقة بالكمبيالة المستحقة الوفاء في موطن أحد الأغيار أو في مكان غير الذي يوجد به موطن المسحوب عليه». وهذا النص ينطبق ضمنا بموجب المادة (559) من قانون التجارة القطري؛ حيث نصت على سريان أحكام الوفاء على السند لأمر.
[34] Com. 3/3/1987, D. 1988. Somm. 6, obs. F. Derrida.
[35] D. Gibirila, "Billet à ordre", Répertoire de droit commercial, Dalloz, janvier 2023, n° 82.
[36] وقد نصت على جواز توطين الشيك بعض القوانين صراحة، كقانون التجارة المصري (المادة 484)، في حين أجازت قوانين أخرى توطين الشيك بالإحالة على قواعد الكمبيالة، انظر المادة (117) من نظام الأوراق التجارية السعودي والمادة (560) من قانون التجارة القطري.
[37] R. Bonhomme, "Chèque", Répertoire de droit commercial, Dalloz, février 2017, n° 46, 335.
[38] كريم، ص81.
[39] Com. 25/1/1955, Bull. civ., III, no 41; Com. 23/4/1976, RTD com., 1976, 755, obs. M. Cabrillac et J.-L. Rives-Lange. – Paris, 8/3/1990, RD bancaire et bourse, 1990, 237, obs. F.-J. Crédot et Y. Gérard.
[40] Com. 22/11/1977, JCP, 1978. II. 18997, note M. Gégout.
[41] Com. 30/11/1999, D. AJ, 2000, 24, obs. A. L; RTD com., 2000, 149, obs. M. Cabrillac.
[42] A. Lienhard, Le banquier domiciliataire qui paie des traites, même acceptées, sans instruction du tiré, lui en doit restitution, Recueil Dalloz, 2000 p. 24.
[43] وهذه القضية تتعلق بكمبيالة مقبولة بما يعني أنها بدون أدنى شك واجبة الوفاء للحامل حسن النية، ومع أن قبول الكمبيالة لا يفيد الترخيص بالسحب على المكشوف، ولكن، لو كانت الشركة تملك حسابًا دائنًا، فإنها ستتعرض لتنظيم احتجاج عدم الوفاء في مواجهتها في حال عدم الوفاء.
[44] M. Cabrillac, "La validité du paiement d'un effet de commerce par le domiciliataire", RTD Com., 2000, p. 149.
[45] Lyon, 19/2/1974, RTD com., 1974. 130, obs. M. Cabrillac et J.-L. Rives-Lange.
[46] Com. 9/2/1999, LPA, 1999, n°45, p. 9 ; D. Affaires, 1999. 761.
[47] M. Cabrillac, RTD Com. 1999, p. 472.
[48] Com. 23/11/1999, D. AJ, 2000, p. 3; obs. A. L.; RTD com., 2000, p. 150, obs. M. Cabrillac.
[49] A. Lienhard, "Portée du mandat donné par le tiré à la banque domiciliataire quant à l'obligation de payer la traite", Recueil Dalloz, 2000, p. 3.
[50] Ibid.
[51] M. Cabrillac. "Responsabilité du banquier domiciliataire d'une traite en cas de refus de paiement", RTD com., 2000. 150.
[52] Aix, 20/1/1982, Rev. jurisp. com. 1984. 21, note Delebecque.
[53] CA Paris, 7/6/1990, RTD com., 1990, p. 612, obs. Cabrillac et Teyssié.
[54] Com. 23/11/1999, Op. cit.
[55] M. Cabrillac, "Responsabilité du banquier domiciliataire d'une traite en cas de refus de paiement", Op. cit.
[56] Com. 21/5/1996, RTD Com. 1996, p. 695; note M. Cabrillac; D. Martin, Du caractère fautif d'une contre-passation inversée, Recueil Dalloz, 1997, p. 105.
[57] Com. 12/3/2002, D. 2002, 1343; RTD Com., 2002, p.520, note M. Cabrillac.
[58] obs. M. Vasseur, sous Com. 16/5/1984, D. 1985. IR. 329.
[59] انظر مثلًا المادة (43) من النظام السعودي، والمادة (509) من قانون التجارة القطري لسنة 2006.
[60] Com. 22/10/1991, D. 1993. 181, note Ghestin ; Conseil d'Etat, 22/3/2024, AJDA, 2024, 1017 ; Civ. 3e, 13/4/2023, D. 2023, 1420, obs. Zedda.
[61] Com., 28/11/1995, LPA 18 janv. 1996, n° 6.
[62] Com. 16/5/1984, D. 1985, IR. 329, obs. M. Vasseur ; RTD com., 1985.338, obs. Cabrillac et Teyssié.
[63] Com. 4/10/1988, D. 1989, somm. 330, obs. M. Vasseur ; Com. 17/7/2001, D. 2001. AJ, 2738, obs. Delpech; Com. 12/31996, D. 1997, somm. 261, obs. Cabrillac; Rennes, 25/1/2002, JCP, 2002, IV. 2785.
[64] Civ. 1ère, 22/10/1974, JCP, 1976. II. 18331, note Thuillier.
[65] Com. 16/5/1984, D. 1985, IR. 329, obs. M. Vasseur.
[66] Com. 4/10/1988, D. 1989, Op. cit.
[69] Civ. 1ère, 18/6/1979, D. 1980. 172, note Vasseur.
[70] Courtier, Op. cit.