Publizieren – Why Open Access?المجلة الدولية للقانون

جــامعـة قطـــــر

تاريخ الاستلام: 19/10/2023                   تاريخ التحكيم: 19/01/2024                   تاريخ القبول: 09/02/2024

ضمانات الموظف العام أثناء التحقيق الإداري في ضوء أحكام قانون الموارد البشرية المدنية القطري رقم 15 لسنة 2016

يوسف إبراهيم الحمادي https://orcid.org/0009-0006-2209-2585

مدير إدارة الشؤون القانونية، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلاميةدولة قطر

yiha1402@gmail.com

ملخص

يسلط البحث الضوء على الضمانات المتوفرة للموظف العام خلال التحقيق الإداري، حسب أحكام قانون الموارد البشرية المدنية القطري رقم 15 لسنة 2016، ومدى اتساقها مع المبادئ العامة المستقرة في القانون الإداري، وأوجه القصور في القانون المشار إليه فيما يتعلق بهذه الضمانات، ومدى الحاجة إلى تعديل تشريعي يعالج أوجه القصور والإشكالات العملية التي تواجه إجراءات التحقيق الإداري في ضوء القانون ولائحته التنفيذية. اعتمد البحث المنهج الوصفي والتحليل النقدي لمعالجة موضوعها مدعمًا بالاستشهاد بالأحكام القضائية والآراء الفقهية، مع المقارنة بالقانون المقارن في بعض المواضع؛ فهي من ناحية استخدمت المنهج الوصفي للوقوف على الوضع الراهن في التشريع القطري والمبادئ المستقرة في القانون الإداري، ومن ناحية أخرى استعملت المنهج التحليلي لتوضيح أوجه القصور ومكامن الخلل في التشريع القطري والآثار المترتبة على الوظيفة العامة والمرفق العام. خلص البحث إلى نتائج أهمها ضرورة التدخل التشريعي لإصلاح أوجه القصور التي بينها البحث في التشريع الحالي، خاصةً تلك المتعلقة بحقوق شاغلي بعض الدرجات الوظيفية التي أغفل قانون الموارد البشرية المدنية القطري الحالي حقهم في التظلم من القرارات التأديبية الصادرة بشأنهم.

الكلمات المفتاحية: التحقيق الإداري، الموظف العام، ضمانة، الهيئة التأديبية، المرفق العام

 

للاقتباس: الحمادي، يوسف إبراهيم. «ضمانات الموظف العام أثناء التحقيق الإداري في ضوء أحكام قانون الموارد البشرية المدنية القطري رقم 15 لسنة 2016»، المجلة الدولية للقانون، المجلد الرابع عشر، العدد المنتظم الأول، 2025، تصدر عن كلية القانون، وتنشرها دار نشر جامعة قطر. https://doi.org/10.29117/irl.2025.0319

© 2025، الحمادي، الجهة المرخص لها: كلية القانون، دار نشر جامعة قطر. نُشرت هذه المقالة البحثية وفقًا لشروط Creative Commons Attribution Non-Commercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0). تسمح هذه الرخصة بالاستخدام غير التجاري، وينبغي نسبة العمل إلى صاحبه، مع بيان أي تعديلات عليه. كما تتيح حرية نسخ، وتوزيع، ونقل العمل بأي شكل من الأشكال، أو بأية وسيلة، ومزجه وتحويله والبناء عليه، ما دام يُنسب العمل الأصلي إلى المؤلف. https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0


 

 

Publizieren – Why Open Access?International
 Review of Law
Qatar University

Submitted: 09/02/2023                     Peer-Reviewed: 19/01/2024                           Accepted: 19/10/2023

The Public Servant Guarantees During the Administrative Investigations in the Light of Provisions of Qatari Civil Human Resources Law No. 15 of 2016

Yousuf Ibrahim AL Hammadi https://orcid.org/0009-0006-2209-2585

Director of the Legal Affairs Department, Ministry of Endowments and Islamic Affairs–State of Qatar

yiha1402@gmail.com

Abstract

This study aims to shed light on the guarantees available to the public servant during the administrative investigation in the light of the provisions of the Qatari Civil Human Resources Law No. 15 of 2016. It illustrates their consistency with the general principles، that established in the administrative law, in order to examine the need for a legislative amendment that addresses the shortcomings and practical problems facing administrative investigation procedures in the light of the aforementioned law and its executive regulations. The study adopted the descriptive approach and the critical analysis to address the subject of the study, supported by citing the precedents cases and the jurisprudential opinions with comparison with comparative law in some parts. The descriptive approach was used to find out the current situation in the Qatari legislation and the established principles in the administrative law, while the analytical approach used to clarify the deficiencies and defects in the Qatari legislation and its implications on the public servant and the public utility. Finally, the study concluded the high demand of Legislative intervention to address the deficiencies in the current legislation, especially those related to the rights of the occupants of some job grades that was neglected by the current civil human resources law, especially, their right to complain against disciplinary decisions issued against them.

Keywords: Administrative Investigation; Public Servant; Guarantee; Disciplinary Authority; Public Utility

 

Cite this article as: AL Hammadi, Y. I. "The Public Servant Guarantees During the Administrative Investigations in the Light of Provisions of Qatari Civil Human Resources Law No.15 of 2016," International Review of Law, Vol. 14, Regular Issue 1, 2025. https://doi.org/10.29117/irl.2025.0319

© 2025, AL Hammadi, Y. I., licensee, IRL & QU Press. This article is published under the terms of the Creative Commons Attribution Non-Commercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0), which permits non-commercial use of the material, appropriate credit, and indication if changes in the material were made. You can copy and redistribute the material in any medium or format as well as remix, transform, and build upon the material, provided the original work is properly cited. https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0


مقدمة

يعد موضوع التحقيق الإداري أحد الموضوعات المهمة المتجددة في مجال الوظيفة العامة، فبالرغم من استقرار الكثير من المبادئ والقواعد العامة التي تحكم إجراءات التحقيق وضماناته في القانون الإداري؛ إلا أن تلك الإجراءات والضمانات قد تتسع دائرة مراعاتها، أو تضيق مع كل تشريع جديد يصدر بتنظيم الوظيفة العامة. ومن هذا المنطلق تتجدد الحاجة إلى البحث بين ثنايا نصوص التشريع الجديد؛ لعرضها على المبادئ العامة المستقرة في القانون الإداري والنظر فيما إذا كان المشرع قد راعى عند صياغته لمواد التشريع الجديد تلك المبادئ التي استقر عليها الفقه والقضاء لضمان مساءلة تأديبية عادلة ونزيهة للموظف العام، يُراعى فيها تحقيق التوازن بين المصلحة العامة التي تتطلب إجراء التحقيق ومساءلة الموظف المخالف من جهة، وبين حق الموظف في أن تحفظ له جميع الضمانات القانونية التي تحميه من تعسف وشطط جهة الإدارة إن هي حادت عن طريق المشروعية وتنكبت تلك المبادئ، والقواعد الضامنة لعدالة التحقيق من جهة أخرى، فعدم مراعاة جهة الإدارة لضمانات التحقيق الإداري، قد تنزل بمرتبة التحقيق الإداري في بعض الحالات إلى مرتبة العدم، وقد توصف إجراءات الجهة الحكومية بعدم المشروعية ويتعرض التحقيق الذي أجرته للبطلان في كثير من الحالات، ومن هنا تأتي أهمية تضمين أي تشريع جديد يعنى بالوظيفة العامة لتلك الضمانات العامة التي أبدعها وأقرها القضاء والفقه الإداريين وأضحت مبادئ عامة لا يسع أي جهة إدارية إغفالها عند مباشرتها للتحقيق الإداري.

 وعملًا بالقاعدة المنطقية (الحكم على الشيء فرعٌ عن تصوره) يحسن بنا تعريف كلمة التحقيق، فهي لغة مأخوذة من الجذر حَق أي صح الأمر وثبت، ومنه حَقَّق، فيقال: «حقَّق الأمر: أثبته وصدَّقه. يقال حقَّق الظن، وحقَّق القول والقضية والشيء والأمر؛ أحكمه»[1].

أما تعريف التحقيق الإداري في اصطلاح القانون الإداري؛ فقد تعددت تعريفاته بين الفقه والقضاء الإداريين، فعرفه بعض الفقهاء بأنه: «إجراء تمهيدي يهدف إلى كشف حقيقة العلاقة بين المتهم والتهمة المنسوبة إليه»[2]؛ بينما عرفته المحكمة الإدارية العليا في مصر بأنه: «سؤال العامل فيما هو منسوب إليه عند مقارفته لذنب إداري»[3].

ولم يورد المشرع القطري تعريف التحقيق الإداري؛ في نصوص قانون الموارد البشرية المدنية رقم (15) لسنة 2016، وهذا الاتجاه يتماشى مع منهج التشريع في أغلب الدول إذ يحجم المشرعون عن وضع تعريفات للعديد من المفاهيم القانونية؛ حتى لا تُقَيد تلك المفاهيم بحدود فيخرج منها ما كان من المفترض أن يكون فيها، أو يوسعها بإدخال ما ليس منها فيها[4].

والحقيقة أن هذا النهج التشريعي سليم؛ إذ يضفي على مفهوم التحقيق الإداري المرونة المطلوبة، التي تجعله يتسع لجميع أعمال وإجراءات التحقيق التي استقر الفقه والقضاء على اعتبارها مندرجة تحته. وفي ذات الوقت لا يكون التعريف عرضة للتفسيرات الجامدة التي تقف عند حرفية النص التشريعي؛ لا سيما في حال لم يضبط التعريف في التشريع ضبطًا جامعًا مانعًا.

ومع ذلك فقد عرفت محكمة التمييز القطرية المقصود بالتحقيق الإداري مع ذكرها الضمانات الواجب توفرها فيه بقولها إن التحقيق الإداري هو «تحري الحقيقة فـي الاتهام الموجَّه للمخالِف مع تمتعه بضمانات أساسية لبث الطمأنينة فـي نفسه وتأمين عدالة الجزاء التأديبي»[5].

أهمية البحث:

لقد جاء قانون الموارد البشرية المدنية القطري رقم (15) لسنة 2016 على معظم المبادئ العامة الضامنة لعدالة التحقيق، واعتنى بها وضمّنها نصوصه إلا أنه قد أغفل بعض تلك المبادئ فلم يرسم القانون، أو لائحته التنفيذية الطريق الذي ينبغي على الجهة الحكومية أن تسلكه حفاظًا على مبدأ المشروعية؛ مراعاةً لتلك المبادئ لضمان تحقيق ومساءلة تأديبية عادلة تعطي لكل ذي حق حقه، ومن هنا جاءت أهمية هذا البحث لتسلط الضوء على نصوص قانون الموارد البشرية المدنية سالف البيان، ودراسة مدى التزامها بالمبادئ العامة التي تحكم نشاط التحقيق الإداري، التي استقر عليه القضاء والفقه الإداريان، ولتبيين مدى أهمية النص على بعض الضمانات الشكلية والموضوعية التي أغفلها القانون الحالي، التي قد تنال من عدالة التحقيق إن هي تُركت لتحكم الإدارة في فهمها وتفسيرها، لا سيما وأن الاجتهاد القضائي في دولة قطر لم يتبلور إلى الآن في بعض المسائل التي قد تثار في التحقيق الإداري؛ لذلك فإن تركها دون تنظيم تشريعي يفتح الباب لاجتهادات جهة الإدارة التي قد تكون خطأً وتهدر بسببها الضمانات التي ينبغي أن تحيط بنشاط التحقيق الإداري التي استقرت عليها مبادئ القانون الإداري، وفي مراعاتها حفاظًا على المصلحة العامة وضمانًا لسير المرفق العام بانتظام واطراد، وفي ذات الوقت حفاظًا على حق الموظف في أن يتمتع بالضمانات التي تكفل له حقه في إجراء تحقيق ومساءلة تأديبية عادلة ونزيهة.

مشكلة البحث:

تكمن مشكلة البحث في أن قانون الموارد البشرية المدنية القطري وبالرغم من أنه راعى بالمجمل الضمانات التي ينبغي توافرها للموظف العام خلال التحقيق الإداري؛ إلا أن القانون أغفل بعض الضمانات الأخرى المهمة التي قد تنال من حياد ونزاهة الجهة التي تتولى التحقيق، كما أنه لم يعتنِ ببعض الجوانب الشكلية التي قد ينجم عن عدم مراعاتها إهدار حق الموظف في إعداد دفاعه وإبدائه، فضلًا عن ذلك أغفل القانون بعض الإشكالات العملية التي تطرأ في بعض حالات إحالة الموظف للتحقيق فلم يقدم القانون ولا لائحته التنفيذية الحلول لهذه الفرضيات التي قد تهدد مشروعية التحقيق برمته لا سيما مع وجود فراغ تشريعي ينظم هذه الفرضيات.

منهج البحث:

اعتمد ا البحث المنهج الوصفي التحليلي المقارن؛ للوقوف على موضوعه في التشريع القطري الحالي وبيان مدى توافقه مع المبادئ العامة المستقرة في القانون الإداري مع مقارنة القانون القطري بالقانون المقارن في عدة مواضع. ومن جهة أخرى تبنى البحث منهج التحليل النقدي لبيان أوجه القصور والعوار التشريعي في القانون القطري وأثرها على الموظف العام.

خطة البحث:

قسم البحث إلى ثلاثة مباحث رئيسة، تبدأ بالمبحث الأول وفيه مطلبان، بينما يتكون المبحث الثاني من ثلاثة مطالب، ثم المبحث الثالث وفيه مطلبان، وأخيرا تأتي الخاتمة متضمنة النتائج والتوصيات.

المبحث الأول: الضمانات الشكلية المقررة في قانون الموارد البشرية المدنية

سيتناول هذا المبحث الضمانات الشكلية المقررة للموظف العام المحال إلى التحقيق الإداري في ضوء قانون الموارد البشرية المدنية رقم 15 لسنة 2016، فنظرًا لكون نشاط التحقيق الإداري قد تترتب عليه آثار خطيرة تمس المركز الوظيفي للموظف ممثلة بتوقيع الجزاء التأديبي في حال انتهت نتيجة التحقيق إلى إدانة الموظف، وقد يصل هذا الجزاء في بعض الحالات إلى جزاء الفصل من الوظيفة؛ لذلك أحاطت التشريعات الوظيفية في مختلف الدول الموظف العام خلال التحقيق بسياج من الضمانات التي تكفل له الحق في مساءلة تأديبية عادلة ونزيهة تحميه من أي تجاوزات قد تحصل من جهة الإدارة عند مباشرتها للتحقيق، وتأسيسًا على ما تقدم سيتم تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين رئيسين، يتم تسليط الضوء فيهما على الضمانات الشكلية المقررة في قانون الموارد البشرية المدنية وهي كالتالي:

المطلب الأول: وجوب أن تكون كافة إجراءات التحقيق مكتوبة

يتضح من الاطلاع على نصوص القانون أن المشرع جعل الكتابة شرطا رئيسًا في كافة إجراءات التحقيق بدءًا بإخطار الموظف بموعد التحقيق وصولا إلى كتابة محاضر التحقيق وانتهاءً بوجوب كتابة القرارات التأديبية وهو ما سيظهر من خلال الفرعين التاليين:

الفرع الأول: وجوب إخطار الموظف المحال للتحقيق كتابةً

أوجبت المادة (94) من اللائحة التنفيذية لقانون الموارد البشرية المدنية على الإدارة في حال إحالة الموظف إلى التحقيق، إخطاره بذلك كتابةً وذلك بنصها على أنه: «يجب إخطار الموظف بميعاد الحضور للتحقيق معه، وذلك بموجب إخطار كتابي يسلّم إليه شخصيًا بمقر عمله، وإذا تعذر تسليمه الإخطار، يتم إخطاره بكتاب مسجل على عنوانه الثابت بملف خدمته، أو إخطاره بإحدى الوسائل الإلكترونية الحديثة»[6].

والغاية من إخطار الموظف بموعد التحقيق كتابةً  التأكد من  إحاطة الموظف المحال إلى التحقيق بوقت وتاريخ التحقيق، ولتمكينه من إعداد دفاعه، ولم ينص القانون ولا اللائحة التنفيذية على ضرورة تضمين الإخطار فحوى المخالفة المنسوبة إليه؛ لكي يحيط بها علمًا، ويعد دفاعه ورده على ما نسب إليه، وقد يُتصور للوهلة الأولى أن في ذلك إخلالًا بحق الموظف في إعداد دفاعه، والحقيقة أن القانون نص على أنه لا يجوز توقيع الجزاء التأديبي إلا بعد التحقيق مع الموظف كتابةً وسماع أقواله وتحقيق أوجه دفاعه[7]، كما ينبغي التنبيه على أمر في غاية الأهمية، وهو التفريق بين استدعاء الموظف لسماع أقواله، وبين استدعائه لاستجوابه، فسماع أقوال الموظف هو أول مرحلة في التحقيق دون توجيه أي اتهام إليه؛ أما استجوابه فهو مواجهته بالمخالفة المنسوبة إليه والأدلة المثبتة لها، والاستدعاء أول مرحلة من مراحل التحقيق ويكون بإخطار كتابي يسلم في مقر العمل، أو بكتاب مسجل مصحوب بعلم الوصل، أو بإحدى الوسائل الإلكترونية، وينطوي على اسم الموظف وصفته وموضوع التحقيق وزمان ومكان التحقيق وتوقيع من صدر منه أمر الاستدعاء، ولم يوجب القانون شكلًا معينًا للإخطار سوى أن يحاط الموظف علمًا بشكل رسمي بأنه مطلوب للتحقيق في الزمان والمكان المحددين لحضوره[8].

ونجد أن اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية المصري نصت على عدد من البيانات التي لا بد من أن يتضمنها الإخطار، ومنها موضوع المخالفة المنسوبة إلى الموظف المحال إلى التحقيق وهو ما خلت منه نصوص التشريع القطري[9].

ويرى الباحث أنه كان من الأفضل أن يشير التشريع القطري إلى ضرورة أن ينطوي الإخطار على موجز المخالفة المنسوبة إلى الموظف، لا سيما وأن الممارسة العملية تثبت أن الاستدعاء لأول مرة، يتم فيه استجواب الموظف مباشرةً ومواجهته بالمخالفات المنسوبة إليه دون تفريق بين مجرد الاستدعاء لسماع الأقوال والاستجواب، ويعود ذلك لرغبة المحقق، أو الإدارة في الانتهاء من التحقيق في أسرع وقت، أو لعدم تفريق المحقق بين الاستدعاء لسماع الأقوال والاستجواب؛ لذلك فان عدم تضمين الإخطار موجز لموضوع المخالفة المنسوبة للموظف، قد يعد إخلالًا بحق الموظف في إعداد دفاعه وإبدائه.

·      أثر تخلف إخطار الموظف بموعد التحقيق:

ويترتب على عدم تكليف الموظف بالحضور بطلان التحقيق، كما يترتب على ذلك بطلان قرار الجزاء، ولكن إذا تمكن الموظف من الحضور أمام الهيئة التأديبية، تكون قد أتيحت له الفرصة لتقديم دفاعه، وبذلك يتم تدارك العيب الذي شاب التحقيق، فلا يقبل منه بعد ذلك الدفع ببطلان التحقيق استنادًا إلى الإخلال بحقه في الدفاع عن نفسه؛ لأنه يستطيع أن يتدارك ما فاته من وسائل دفاع أمام الهيئة التأديبية[10].

الفرع الثاني: محضر التحقيق المكتوب

من الضمانات الشكلية الأساسية في التحقيق الإداري كتابة محضر التحقيق؛ لذلك نصت المادتان (83 و84) من قانون الموارد البشرية على كتابة محضر التحقيق، فقد أشارت المادة (83) إلى بعض المعلومات الجوهرية التي لا بد أن يتضمنها المحضر، وهي تاريخ ومكان وساعة افتتاح المحضر وساعة إتمامه واسم المحقق واسم كاتب التحقيق، كما أشارت إلى ضرورة أن ترقم أوراق المحضر بأرقام متسلسلة، وتذيل كل ورقة بتوقيع المحقق والكاتب، والغاية من ذلك  تنظيم المحضر وكتابته بشكل واضح وتضمينه المعلومات الجوهرية، ويرى الباحث أن المشرع قد أحسن عند ما نص على وجوب التزام هذه التفاصيل، ففي ذلك ضمانة أن يكون محضر التحقيق منضبطًا ومعرفًا تعريفًا نافيًا للجهالة، كما أن فيه منعًا من ظهور المحاضر المبهمة التي قد تضر بمصلحة التحقيق والموظف في ذات الوقت.

وأشارت المادة (84) إلى عدم جواز توقيع أي جزاء تأديبي على الموظف إلا بعد التحقيق معه كتابةً، ومعنى ذلك أن التحقيق غير المكتوب يكون تحقيقًا باطلًا ولا ينتج عنه أي أثر، ولكن استثناءً من ذلك أجازت ذات المادة في فقرتها الثانية التحقيق شفاها في بعض الأحوال بنصها على أنه «يجوز بالنسبة لتوقيع جزائي الإنذار والخصم من الراتب مدة لا تتجاوز ثلاثة أيام على أحد شاغلي وظائف الدرجات من الرابعة فما دونها، أو ما يعادلها من الراتب، أن يكون التحقيق شفاها، على أن يثبت مضمونه في القرار الصادر بتوقيع الجزاء، ويصدر قرار الجزاء في هذه الحالة من مدير الإدارة التي يتبعها الموظف»[11].

ويرى الباحث أن إعطاء الحق لإدارة الموظف التحقيق معه شفهيًا في بعض المخالفات البسيطة التي لا يتجاوز جزاؤها التأديبي الإنذار، أو الخصم ثلاثة أيام من الراتب، يكفل للإدارة المرونة المطلوبة لسرعة ردع الموظف المخالف الذي يرتكب مخالفة بسيطة لا تحتاج السير بإجراءات الإحالة التي قد تطول، وفي نفس الوقت ضمنت للموظف أن يكون قرار الجزاء مكتوبًا ومحتويًا على مضمون التحقيق الشفهي الذي أجري معه؛ حيث اشترطت أن يكون قرار الجزاء صادرًا من مدير الإدارة، وعلاوة على ذلك يستطيع الموظف التظلم من هذا القرار إلى الرئيس التنفيذي خلال ثلاثين يومًا من تاريخ إخطاره به.

أولًا: ضياع أوراق التحقيق

ويثور التساؤل عن مصير التحقيق في حال ضياع أوراقه، فهل يبطل التحقيق؟ وتبطل المساءلة التأديبية ويُصار إلى إعادة الإجراءات مجددًا، والحقيقة أن القضاء الإداري قد حسم هذه المسألة، فقد سارت محكمة التمييز القطرية على نهج المحكمة الإدارية العليا في مصر، وقضت أن «ضياع أوراق التحقيق لا يعني مطلقًا سقوط الذنب الإداري الذي بني على تلك الأوراق متى قام الدليل أولًا على وجودها ثم فقدانها، وأما محتوياتها فيستدل عليها بأوراق أخرى صادرة من أشخاص لهم صلة عمل وثيقة بها»[12].

والحكم سالف البيان يتفق مع اتجاه المحكمة الإدارية العليا في مصر الذي استقر على هذا المبدأ منذ أحكام المحكمة الأولى، وصولًا إلى أحكامها الحديثة فقد قضت «أن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن الفهم القائم على أن عدم تقديم أوراق التحقيق، أو فقدها يجعل القرار المطعون فيه كأنه منتزع من غير أصول موجودة، هو فهم ظاهر الخطأ، فما كان من ضياع أوراق التحقيق، بل ضياع سند الحق بمضيع للحقيقة ذاتها في شتى مجالاتها مدنيا، أو جنائيا، أو إداريًا، ما دام من المقدور الوصول إلى هذه الحقيقة بطرق الإثبات الأخرى»[13].

ثانيًا: محضر التحقيق الإلكتروني

وفي ذات حكم محكمة التمييز المشار إليه قررت المحكمة أن إتلاف مسودة محضر التحقيق المكتوب وإفراغ محتوى التحقيق في محضر تحقيق إلكتروني اشتمل على مضمون التحقيق الذي أجري مع المطعون ضده، يتبين منه إحاطته علمًا بالمخالفة التي أتاها ومواجهته بالأدلة المؤيدة لها، وإبداؤه دفاعه على نحو من التفصيل، يكون التحقيق في هذه الحالة قد استوفى إجراءاته الأساسية التي تتحقق بها الغاية التي استهدفها المشرع مما يجعله منتجًا لأثره القانوني في ترتيب الجزاء الإداري[14].

ويتضح مما تقدم أن القضاء الإداري يتجه إلى الحكم بالبطلان إذا كان الشكل الذي أغفل يعد شكلًا جوهريًا يخل بضمانات التحقيق الأساسية؛ أما إذا لم يترتب على تخلف الشكل إهدار ضمانة جوهرية تؤثر على التحقيق فلا يترتب على ذلك بطلان التحقيق؛ إلا إذا نص القانون على ترتيب البطلان صراحةً[15].

المطلب الثاني: تحديد سلطة الإحالة إلى التحقيق والجهة التي تتولى التحقيق والمساءلة

من مظاهر الضمانات المقررة بموجب القانون، ضرورة مراعاة شكل الإحالة إلى التحقيق والشخص الذي يتولى مباشرة أعمال التحقيق وتحديدها بأشخاص بعينهم، وهذا التحديد يوفر ضمانة مهمة بألا يكون التحقيق سيفا مسلطًا على الموظف بإمكان أي مسؤول أن يشهره في أي وقت دون أن تكون هناك حاجة إلى الإحالة، كما يسهم في منع الانحراف في استعمال السلطة؛ لذلك حدد القانون سلطة الإحالة إلى التحقيق والجهة التي تتولى التحقيق، على النحو الذي سيتضح في الفروع التالية:

الفرع الأول: سلطة الإحالة إلى التحقيق

حددت المادة (83) من قانون الموارد البشرية المدنية سلطة الإحالة إلى التحقيق بشكل حصري في الرئيس، أو الرئيس التنفيذي وذلك بنصها:

«تتولى الشؤون القانونية، أو أحد القانونيين بالجهة الحكومية التحقيق في المخالفات المنسوبة إلى أي من موظفي الجهة وذلك بموافقة الرئيس، أو الرئيس التنفيذي»[16]، ولا مجال للاجتهاد مع قطعية دلالة هذا النص بحصره سلطة الإحالة في الرئيس، أو الرئيس التنفيذي، ويترتب على ذلك أن أي إحالة إلى التحقيق لم تصدر من قبل الرئيس، أو الرئيس التنفيذي، تكون باطلة ويترتب عليها بطلان التحقيق والنزول به إلى مرتبة العدم؛ كون الإحالة صدرت من سلطة غير مختصة، وعلى غير الشكل الذي رسمه القانون.

وانتقد جانب من الفقه جعل سلطة الإحالة من اختصاص الرئيس، بحجة أن الرئيس في هذه الحالة سيكون هو سلطة الاتهام والسلطة التي يُتظلم أمامها في الوقت نفسه، ويرى الباحث أن هذا النقد في غير محله، فمن المعلوم أن الرئيس هو الوزير، أو الرئيس الأعلى في الجهاز الحكومي، ومن الأمور البدهية في العرف الإداري أن من يملك السلطة الأعلى يملك السلطة الأدنى، وهو اتجاه جانب كبير من فقهاء القانون الإداري؛ لأن الوزير يملك السلطة الأصيلة في عقاب الموظفين الذين يملك وكيل الوزارة إحالتهم للتحقيق، والإحالة إنما هي إجراء تمهيدي لممارسة سلطة التأديب[17].

ويرى الباحث أن النقد الموجه لمنح الرئيس سلطة الإحالة إلى التحقيق بني على وصف خاطئ، فالوزير عند ما يحيل الموظف إلى التحقيق ليس بالضرورة أن يتبنى الاتهام؛ بحيث يكون سلطة اتهام، وقياس الوزير على سلطة الاتهام في النظام القضائي ممثلة بالنيابة العامة قياس مع الفارق؛ لأن الواقع العملي يثبت أن قرارات الإحالة التي تصدر من الوزير تصدر عادة بعد رفع الشكوى واتهام الموظف من قبل رئيسه المباشر، وبناء عليه يأمر الوزير بإحالة الموظف للتحقيق للتثبت من صحة الاتهامات الموجهة إليه، فقرار الإحالة من قبل الوزير لا يعني بالضرورة توجيه الاتهام للموظف، بل على العكس من ذلك، فهو بمثابة ضمانة إضافية للموظف تبعث في نفسه الطمأنينة، أن قرار إحالته كان بمعرفة أعلى سلطة في الجهة الحكومية، التي في الغالب ستكون أكثر موضوعية وحيادية؛ نظرًا لبعدها عن الاتصال المباشر بالموظف المحال إلى التحقيق.

الفرع الثاني: تولي التحقيق الأولي بواسطة الشؤون القانونية

إذا كان التحقيق الجنائي يجري بواسطة النيابة العامة، أو قاضي التحقيق في بعض الحالات، واستثناءً من ذلك قد يقوم به مأمورو الضبط القضائي، فإن التحقيق الإداري تجريه الجهة الإدارية المختصة، أو النيابة الإدارية كما هو الحال في بعض الدول[18].

وقد حدد المشرع القطري الجهة التي تتولي التحقيق الإداري في المادة (83) من قانون الموارد البشرية وجعلها الشؤون القانونية بالجهة الحكومية، والغاية من ذلك ضمان أن تتولى التحقيق جهة يتوفر في موظفيها التأهيل العلمي والخبرة الفنية في أصول التحقيق ومبادئه، ولاشك أن في ذلك ضمانة للموظف العام، ولا ينال من ذلك استثناء بعض المخالفات البسيطة التي جعل القانون سلطة التحقيق فيها للإدارة التي يتبعها الموظف على أن يصدر الجزاء من مدير الإدارة مكتوبًا ومسببًا، فذلك ملائم ومناسب لتمكين الإدارة من ضبط العمل في المرفق العام وبسط سلطتها على المخالفات البسيطة التي يشيع حدوثها بين أوساط الموظفين مع عدم الإخلال بحق الموظف في التظلم من ذلك القرار لدى الرئيس التنفيذي[19].

وعلى الرغم من أن تولي التحقيق بواسطة الشؤون القانونية هو أيضا الغالب في ظل القانون المصري، [20] إلا أن المشرع المصري لم يستلزم ذلك، فقد يتولاه الرئيس الإداري بنفسه، أو عن طريق من يكلفه من الرؤساء المباشرين، أو قد يحيل التحقيق لجهة إدارية أخرى تتوفر فيها ضمانات التحقيق[21]، ويرى الباحث أن مسلك المشرع القطري في جعل الاختصاص بتولي التحقيق للشؤون القانونية دون غيرها؛ هو المسلك الأمثل، لما سبق ذكره آنفا في الفقرة السابقة.

ومن ناحية أخرى لم يخص التشريع القطري أصحاب الوظائف القيادية، مثل درجة الوكيل المساعد بحكم خاص فيما يتعلق بالجهة التي تتولى التحقيق معهم، مما يعني أن الوكيل المساعد ينبغي أن يحقق معه وكيل مساعد من ذات الدرجة فحسب، بخلاف التشريع المصري؛ حيث نصت المادة (60) من قانون الخدمة المدنية المصري رقم 81 لسنة 2016 على أن تتولى النيابة الإدارية دون غيرها التحقيق مع شاغلي الوظائف القيادية، وكذلك التحقيق في المخالفات المالية التي يترتب عليها ضياع حق من حقوق الدولة المالية[22]، ويرى الباحث أنه وإن كان الوضع في النظام القانوني المصري يختلف مع وجود النيابة الإدارية التي تتولى التحقيق في كثير من حالات التحقيق في مجال الوظيفة العامة، والحال يختلف في النظام القانوني القطري؛ إلا أن ذلك لا يمنع من تدخل المشرع القطري لإيجاد جهة إدارية مستقلة، أو تخصيص عدد من الموظفين القانونين المؤهلين بوزارة العدل، أو ديوان الخدمة المدنية والتطوير الحكومي ممن يشغلون درجة وكيل الوزارة المساعد للتحقيق مع الوكلاء المساعدين، فالحاصل أن هناك إشكالية عملية تحصل مع إحالة من يشغل درجة الوكيل المساعد للتحقيق، ففي الغالب لا يتمتع بدرجة الوكيل المساعد إلا عدد محدود جدًا من الموظفين في كل جهة إدارية، مما يشكل صعوبة في توفر الموظف القانوني المؤهل للتحقيق مع شاغلي هذه الدرجة.

الفرع الثالث: تولي التحقيق والمساءلة بواسطة الهيئة التأديبية

بعد أن يرفع محقق الشؤون القانونية نتيجة التحقيق مشفوعة بالمستندات والأدلة المؤيدة لوقوع المخالفة إلى الرئيس التنفيذي طبقا للمادة (85) من قانون الموارد البشرية، يكون للأخير سلطة حفظ التحقيق، أو الاكتفاء بتوقيع إحدى الجزاءات المنصوص عليها في المادة سالفة الذكر على الموظف، أو إحالته إلى الهيئة التأديبية لمساءلته، والهيئة التأديبية قد تكون اللجنة التأديبية التي يصدر بتشكيلها قرار من الوزير وفقا لما جاء في المادة (90) من القانون، وقد تكون الهيئة هي المجلس الدائم للتأديب، والذي يتشكل برئاسة الوزير وزير التنمية الإدارية والعمل والشؤون الاجتماعية - وحل محله الآن رئيس ديوان الخدمة المدنية والتطوير الحكومي، ويصدر بتعيين أعضاء المجلس قرار من رئيس مجلس الوزراء، ويتحدد اختصاص الهيئة التأديبية وفقا للدرجة الوظيفية للموظف المحال للتحقيق فإذا كان الموظف من الدرجة الثانية فأدنى ينعقد الاختصاص للجنة التأديبية؛ أما إذا كان من الدرجة الأولى إلى درجة وكيل الوزارة المساعد فيكون الاختصاص معقودا للمجلس الدائم للتأديب[23].

وقد منح القانون الهيئة التأديبية المختصة الحق في استيفاء التحقيق من تلقاء نفسها، أو بناء على طلب الموظف ولها أن تعهد بذلك إلى أحد أعضائها، وهنا يثور التساؤل في حال إذا ما كان أحد أعضاء الهيئة التأديبية قد تولى التحقيق الإداري الذي أجري بواسطة الشؤون القانونية، أو يكون قد أبدى رأيًا قانونيًا في موضوع التحقيق الذي يجرى مع الموظف، فهل يقدح ذلك في حياد عضو الهيئة التأديبية؟ لم يجب قانون الموارد البشرية المدنية عن هذه الفرضية ويرى الباحث أن عدم إجابة القانون، أو على الأقل لائحته التنفيذية على هذه الفرضية محل نقد، لا سيما وأن هذه الفرضية تتكرر عملًا وبالأخص أمام اللجنة التأديبية حيث نص القانون على أن يكون أحد أعضائها من الوحدة المختصة بالشؤون القانونية في الجهة، والذي قد يكون هو من تولى التحقيق مع الموظف الماثل أمام الهيئة التأديبية، مما يعني أنه قد تشكلت عقيدته مسبقًا عن الموظف وعبر عنها بنتيجة التحقيق التي رفعها إلى الرئيس التنفيذي، وقد يكون في الهيئة التأديبية من وجه الاتهام للموظف مثل أن يكون مدير الإدارة التي يتبعها الموظف الذي رفع الشكوى في الموظف هو في ذات الوقت عضو في الهيئة التأديبية، ويرى جانب من الفقه عدم جواز اشتراك كل من باشر عملًا من أعمال التحقيق، أو كل من أبدى فيه رأيًا من الآراء في مجالس التأديب؛ استنادًا إلى الأصل القائل بوجوب الفصل بين سلطة التحقيق(الاتهام) من جهة، وبين سلطة المحاكمة من جهة أخرى، كما أن ذلك لا يجوز إعمالا للمبادئ القانونية المستقرة في أصول المحاكمات ولقاعدة مستقرة في الضمير توجبها العدالة[24].

ويتفق الباحث مع هذا الجانب من الفقه؛ لما تقدم من أسباب، ويرى ضرورة تنحي عضو الهيئة التأديبية عن المساءلة التأديبية في حال توليه التحقيق، أو إبدائه لرأي في موضوع التحقيق، والقول بصحة المساءلة بحجة أن المساءلة تتم أمام جهة إدارية وليست أمام القضاء ليست في محلها؛ حيث إن أصول التحقيق وقواعد المساءلة والعدالة واحدة لا تختلف سواء تمت أمام جهاز قضائي أو إداري، والقول بغير ذلك يؤدي إلى التناقض، فبناءً على هذا الرأي يراعى تطبيق القواعد المستقرة أمام القضاء المتعلقة بتمكين المتهم من إبداء دفاعه وسماع الشهود وغيرها من المبادئ التي يلجأ إليها عملًا بقواعد العدالة المستقرة قضاءً، بينما تتجاهل في مسألة جوهرية لا تقل أهمية تتعلق بحياد عضو الهيئة التأديبية، وهو اجتزاء غير مبرر لا سيما والواقع العملي الحالي يثبت أن حل هذه المسألة ليس بالأمر الصعب خصوصًا مع كثرة المتخصصين القانونين في الجهاز الحكومي للدولة.

الفرع الرابع: شرط الدرجة الوظيفية للمحقق

اشترطت المادة (83) من قانون الموارد البشرية المدنية المشار إليه على ألا تقل الدرجة الوظيفية للمحقق عن درجة المحال للتحقيق وذلك بنصها على أنه «وفي جميع الأحوال، يجب ألا تقل الدرجة الوظيفية للمحقق عن درجة الموظف المحال للتحقيق. فإذا لم يتوافر ذلك في أي من موظفي الشؤون القانونية، يكلف الرئيس أحد موظفي الجهة الحكومية ممن يتوافر فيهم هذا الشرط بإجراء التحقيق»[25].

والغاية من ذلك هي حفظ كرامة الموظف المحال للتحقيق، أن يتولى التحقيق معه من هو في نفس درجته الوظيفية، أو أعلى منه درجة، كما أن في ذلك ضمانه أخرى للموظف فيطمئن أن المحقق الذي يتولى التحقيق لا تقل خبرته الوظيفية عن خبرته إن لم تكن تفوقها، وقد نظم المشرع حالة عدم توفر شرط الدرجة في موظفي الشؤون القانونية، ففي هذه الحالة يكلف الرئيس من يتوفر فيه هذا الشرط من موظفي الجهة الحكومية، ولكن للأسف لم ينظم المشرع فرضية عدم توفر هذا الشرط في أي من موظفي الجهة الحكومية وهو فرض غير مستبعد من الناحية العملية، خاصة في حال إذا كانت الجهة الحكومية صغيرة الحجم وعدد الموظفين فيها محدود، ويرى الباحث أنه كان يحسن بالمشرع النص على تنظيم هذه الفرضية في القانون، أو اللائحة التنفيذية، وعدم تركها للقواعد العامة المنظمة للندب والإعارة في القانون؛ لأن تلك القواعد تطول إجراءاتها وتحتاج إلى صدور موافقة الرئيسين في حالة الندب، وموافقة رئيس الجهة المعار منها الموظف في حالة الإعارة، وهذا مما لا شك فيه سيطيل أمد التحقيق ويضر بالمصلحة العامة التي تستلزم سرعة انجاز التحقيق، لتحقيق الردع وضمان سير المرفق العام بانتظام واطراد.

المبحث الثاني: الضمانات الموضوعية المقررة لمصلحة الموظف العام

بعد الضمانات الشكلية؛ سيتناول هذا المبحث الضمانات الموضوعية المقررة لمصلحة الموظف العام، أثناء إحالته للتحقيق سواء كانت تلك المقررة بموجب التشريع القطري، أو كانت مستنبطة من المبادئ العامة المستقرة قانونًا وسيقسم المبحث إلى ثلاثة مطالب رئيسة على النحو التالي:

المطلب الأول: الضمانات المقررة أثناء التحقيق والمساءلة بموجب قانون الموارد البشرية المدنية رقم 15 لسنة 2016

عند دراسة الضمانات الموضوعية التي نص عليها قانون الموارد البشرية المدنية، نجد أن القانون راعى جل المبادئ العامة التي أقرها الفقه والقضاء الإداريين؛ إلا أن ذلك لا يعني أنه يسلم من النقد فهو قد أخل ببعضها، إضافة إلى جوانب الضعف الناجمة عن إغفال تنظيم بعض الإجراءات العملية، التي كان من الأجدر أن تتضمنها اللائحة التنفيذية، وهذا ما يستضح عند دراسة الضمانات الموضوعية التي أقرها القانون في خمس نقاط رئيسة، نتناول كلا منها في فرع، فيما يلي:

الفرع الأول: وجوب سماع أقوال الموظف وتحقيق أوجه دفاعه

أشارت المادة (84) من قانون الموارد البشرية المدنية المشار إليه إلى وجوب سماع أقوال الموظف وتحقيق أوجه دفاعه، فنصت على أنه «لا يجوز توقيع أي جزاء تأديبي على الموظف إلا بعد التحقيق معه كتابةً وسماع أقواله وتحقيق أوجه دفاعه، وذلك على النحو الذي تبينه اللائحة التنفيذية لهذا القانون ويجب أن يكون القرار الصادر بتوقيع الجزاء على الموظف مسببًا»[26].

ويتضح مما تقدم أن المشرع شدد على وجوب سماع أقوال الموظف المحال للتحقيق وإعطائه المجال لا بداء دفاعه، وأكد على ضرورة التثبت من أوجه دفاعه وتمحيصها، وبناءً عليه يتبين بأنه لا يجوز للمحقق تجاهل ما يبديه الموظف من دفاع والتركيز فقط على إثبات وقوع المخالفات المنسوبة إلى الموظف، ففي ذلك إخلال بضمانة مهمة قررها المشرع لمصلحة الموظف وهي حقه في ابداء دفاعه، والذي يترتب عليه واجب مقابل يقع على عاتق جهة التحقيق، وهو تمحيص هذا الدفاع والتثبت من صحته وإلى أي مدى يؤثر هذا الدفاع على نفي التهمة الموجهة للموظف، فمن الأخطاء الشائعة أن يعمد المحقق إلى استجواب الموظف والحرص على أن تكون الأجوبة محددة وفي مسار معين، ومنع الموظف من إبداء أي أقوال أخرى قد تفصح عن دفاعه، أو تحسن من موقفه في التحقيق، ولاريب أن في ذلك إخلالًا بحق الدفاع، الذي يعتبر أهم حق للمتهم في مرحلة التحقيق فهو يقوم على مواجهته بما هو منسوب إليه، وتمكينه من الدفاع عن نفسه بجميع الوسائل المشروعة[27].

وقد أحسن المشرع في المادة (97) من القانون حينما أجاز للموظف إبداء دفاعه كتابةً، وأجاز له الاستعانة بمن يشاء للحضور عنه في جلسات المساءلة، وفي ذلك تعزيز لحق الموظف في إبداء دفاعه، وبناءً عليه نستخلص أن من حق الموظف تكليف محام للحضور نيابة عنه في جلسات المساءلة التأديبية.

وقد أكدت محكمة التمييز على ضرورة إحاطة الموظف بكافة عناصر الاتهام وأكدت على وجوب تمكينه من تحقيق أوجه دفاعه، وفي ذلك قضت أن الذي يفهم من جماع النصوص، أن المشرع «استوجب أن يكون توقيع الجزاء على الذنب الإداري مسبوقًا بتحقيق متكامل لا يقتصر على بعض عناصر الاتهام، بل يحيط بها جميعًا، ويمحص أدلتها، فلا يكون التحقيق مبتسرًا، أو مجردًا من ضمان موضوعيته، بل محيطًا بكل جوانبه، ولا تبلغ تلك الضمانة منتهاها إلا بوجوب اطّلاع الموظف على المخالفة التأديبية المسندة إليه، ومواجهته بشواهدها وشهودها إن كان - وسماع أقواله ودفاعه بشأنها، وما قد يتساند إليه من شهود نفي، فضمانة الدفاع وتحقيقه هي المفترض الأولي لصون حقوق الأفراد والموظفين، والتغاضي عنها يفقد التحقيق مقوماته، ويحيد به عن أغراضه وأهدافه، وينوء به عن الاكتمال، فيشوبه النقصان، ويوصمه البطلان»[28].

الفرع الثاني: سماع الشهود الذين يتقدم بهم الموظف

يعتبر سماع الشهود الذين يتقدم بهم الموظف من الضمانات العامة التي قررها القانون، فقد أشارت المادة (97) سالفة الذكر إلى أن للموظف أن يطلب سماع الشهود أمام الهيئة التأديبية، وعلى الرغم من عدم النص على ذلك في التحقيق الذي تجريه الشؤون القانونية؛ إلا أن هذا الحق في طلب سماع الشهود في التحقيق من الأمور البدهية في التحقيق التي لا تحتاج إلى النص عليها في كل موضع؛ لذلك يجب على المحقق سماع أي شاهد يرى أنه يفيد التحقيق، أو يكون بطلب من الموظف، أو الإدارة[29].

وعلى الرغم من أن ضرورة سماع الشهود الذين يطلبهم الموظف يخضع للسلطة التقديرية للمحقق عند تقدير الأدلة؛ إلا أن سماع الشهود الذين يطلبهم الموظف قد يتحتم في بعض الأحوال مثل إذا كانت المخالفة قد ثبتت على الموظف بشهادة الشهود فقط، ففي هذه الحالة يجب سماع شهود النفي الذين يطلب الموظف سماع شهادتهم؛ لأن ذلك من الأمور التي تقضي بها العدالة كمبدأ عام في كل محاكمة سواء كانت جنائية، أو تأديبية دون الحاجة إلى نص خاص يحددها[30].

وقد نصت اللائحة التنفيذية لقانون الموارد البشرية على أن الموظف الذي يدعى للشهادة، ويتخلف عن الحضور يُساءل تأديبيًا ويرى الباحث أن المشرع قد وفق بالنص على ذلك؛ إذ إن في ذلك تعزيزًا لسلطات المحقق، وإعانة له على إنجاز التحقيق في أسرع وقت وفي ذلك مصلحة وضمانة للموظف ومصلحة للمرفق العام في ذات الوقت[31].

وإذا كان الأصل هو وجوب تحليف الشهود قبل سماع شهادتهم كما هو الحال في المحاكمات وهو ما أقرته بعض التشريعات المقارنة في مجالس تأديب الموظفين، فعلى سبيل المثال اشترط نظام الخدمة الأردنية ألا تسمع أقوال أي شاهد إلا بعد القسم القانوني[32]، كما يرى جانب من الفقه أن أداء الشاهد لليمين «يبدو أمرًا بدهيًا ولازمًا حتى مع غياب النص عليه»[33]؛ إلا أن الكثير من الأحكام ذهبت إلى صحة سماع شهادة الشهود في التحقيق الإداري مع عدم تحليف الشاهد؛ لذلك ومع اختلاف الفقه والقضاء في هذه المسألة ومع عدم نص قانون الموارد البشرية القطري على تحليف الشاهد، يرى الباحث أن الأصل صحة سماع أقوال الشاهد دون تحليف لعدم نص القانون على ذلك ولعدم استقرار هذه المسألة في الفقه والقضاء الإداريين[34].

الفرع الثالث: حق الموظف في الاطلاع على ملف التحقيق

من الحقوق المقررة للموظف حق الاطلاع على أوراق التحقيق، وهو ما نصت عليه المادة (96) من القانون؛ حيث نصت في عجزها «ومع ذلك يحق له الاطلاع على ما تم من تحقيقات وعلى جميع الأوراق المتعلقة بها وأن يحصل على صورة منها»[35]، وتجدر الإشارة إلى أن حق الموظف في الحصول على أوراق التحقيق اشارت إليه المادة سالفة الذكر في معرض بيانها للإجراءات المتبعة أمام الهيئة التأديبية، وليس للتحقيق الذي يجري بواسطة الشؤون القانونية، وهنا يثور التساؤل هل من حق الموظف الاطلاع على أوراق التحقيق الذي أجرته الشؤون القانونية قبل أمر الإحالة إلى الهيئة التأديبية، وهل من حقه الحصول على الأوراق من الشؤون القانونية بعد الإحالة إلى الهيئة التأديبية، ويرى الباحث أنه ليس من حق الموظف طلب أوراق التحقيق من الشؤون القانونية قبل صدور قرار الإحالة إلى الهيئة التأديبية؛ إذ إنه ليس في معرض مساءلة تأديبية حتى الآن؛ أما بعد الإحالة فمن الناحية القانونية يقع الالتزام بمنحه أوراق التحقيق على عاتق الهيئة التأديبية، فيجب أن يوجه طلب الأوراق إليها وليس إلى الشؤون القانونية، ومن الناحية العملية أوراق التحقيق الذي أجري بواسطة الشؤون القانونية ستكون بالضرورة في ملف التحقيق لدى الهيئة التأديبية.

الفرع الرابع: حق الموظف في حضور جلسات التحقيق

أشارت المادة (96) من القانون إلى حق الموظف في حضور جميع إجراءات التحقيق وجلسات المساءلة، واستثناءً من ذلك أجازت إقامة الجلسات في غيبته إذا اقتضت مصلحة التحقيق والمساءلة إجراءها في غيبته، وهنا يثور التساؤل هل من حق الهيئة التأديبية اتخاذ جميع إجراءات التحقيق في غيبة الموظف، وهل يقدح ذلك في الضمانة الأساسية المتمثلة في تمكينه من إبداء دفاعه، ويرى الباحث أنه لا بد في جميع الأحوال من مواجهة الموظف المحال للتحقيق من قبل الهيئة التأديبية بالتهم المنسوبة إليه واستجوابه عنها، والقول بغير ذلك يؤدي إلى تناقض نصوص القانون؛ حيث أشارت المادة (95) إلى ضرورة إخطار المحال للتحقيق بتاريخ الجلسة المحددة لمساءلته، مما يعني استحالة تخلف المحال إلى التحقيق عن جميع إجراءات التحقيق والمساءلة؛ لذلك كان من الأفضل أن تشير اللائحة التنفيذية إلى هذا التفصيل قطعًا لدابر أي خلاف قد ينشأ في فهم كيفية الجمع بين النصوص، فعلى سبيل المثال من القانون المقارن نجد أن المادة (69) من اللائحة الداخلية للنيابة الإدارية في مصر تشير بأنه «في كافة الأحوال يتعين مواجهة المخالف بما هو منسوب إليه وبالأدلة التي تؤيد المخالفة، وذلك لا بداء ما يكون لديه من أقوال، أو أوجه دفاع جديد وتحقيقها»[36].

وقد يقول قائل أن المادة (97) نصت على وجوب سماع دفاع الموظف قبل أن تصدر الهيئة التأديبية قرارها، ولكن ذلك لا يكفي فقد يُسمح للموظف بإبداء دفاعه دون أن تكون قد تمت مواجهته بالمخالفة المنسوبة إليه، ويتحقق هذا الفرض إذا سلمنا أن من حق الهيئة التأديبية إجراء جميع جلسات المساءلة في غيبة الموظف لمصلحة التحقيق، مع الأخذ بعين الاعتبار أن القانون عندما نص على إخطار الموظف بالتحقيق معه لم ينص على ضرورة أن يتضمن الإخطار المخالفة المنسوبة للموظف، وإن كان ذلك لازمًا على جهة التحقيق عملًا بأصول التحقيق، ولكن مع عدم نص القانون على ذلك صراحةً فلا يُستبعد من الناحية العملية عدم تضمن الإخطار مضمون المخالفة، فإذا صادف ذلك إجراء المساءلة التأديبية في غيبته، ستكون المحصلة أن مواجهة الموظف لم تتم؛ لذلك يرى الباحث أن النص صراحة على وجوب مواجهة الموظف بالمخالفات المنسوبة إليه من قبل الهيئة التأديبية، كان سينهي أي شبهة قد تثار حول مواجهة الموظف بما هو منسوب إليه وتمكينه من إبداء دفاعه.

الفرع الخامس: إيقاف الموظف لمصلحة التحقيق

يعد إيقاف الموظف عن العمل لمصلحة التحقيق من أهم الآثار التي قد تترتب على الإحالة إلى التحقيق[37]؛ حيث أشارت المادة (86) من القانون إلى حق الرئيس التنفيذي بوقف المحال للتحقيق عن العمل لمصلحة التحقيق لمدة لا تجاوز ثلاثين يومًا، ولا يجوز مدها أكثر من ذلك إلا بقرار من الهيئة التأديبية، كما أشارت المادة (90) من القانون إلى اختصاص الهيئة التأديبية بالنظر في إيقاف الموظفين المحالين للمساءلة التأديبية ومد إيقافهم سواء كان قرار الإيقاف صادرًا منها أومن الرئيس التنفيذي.

ويرى الباحث أن منح الهيئة التأديبية سلطة مد الإيقاف لمدة غير محدودة، يضر بمصلحة الموظف الذي قد يوقف عن العمل لمدة غير محدودة دون صدور قرار بإدانته بالمخالفة الوظيفية وهو ما يتنافى مع العدالة، وقد ينطوي على جزاء مبطن. الأمر الذي يتعارض مع القاعدة العامة في المحاكمات، التي تفيد أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة عدالة؛ لذلك لا بد من تأقيت مدة الإيقاف حتى لا يتحول إلى نوع من العزل من الوظيفة، أو العقوبة المقنعة[38].

الجدير بالذكر أن التشريع القطري لم يحدد مدة زمنية ينبغي أن ينتهي خلالها التحقيق، بخلاف التشريع المصري حيث حددت المادة (160) من اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية المصري متى يبدأ التحقيق ونصت على ضرورة ألا تتجاوز مدة التحقيق ثلاثة أشهر يجوز مدها لمدة مماثلة بموافقة السلطة المختصة، ويرى الباحث أنه كان من الأفضل أن يضع المشرع القطري نص مماثل يضمن عدم بقاء التحقيق مفتوحًا لأجل غير مسمى، وهو ما يجافي العدالة ويضر بمصلحة الموظف والمصلحة العامة على حد سواء[39].

المطلب الثاني: الضمانات الموضوعية المرتبطة بالجزاءات التأديبية

تخضع الجريمة في التحقيق الجنائي لمبدأ «لا جريمة إلا بنص»؛ لذلك إذا وجد المحقق الجنائي أن الوقائع المنسوبة إلى المتهم لا تشكل جريمة بموجب القانون، تعين عليه حفظ الدعوى نهائيًا، وفي المقابل لا يُعمل بهذا المبدأ في إطار التحقيق الإداري لأن معظم التشريعات حددت الواجبات الإيجابية والسلبية التي يجب على الموظف مراعاتها، ويبقى بعد ذلك للإدارة سلطة تقديرية في تحديد المخالفات الوظيفية دون أن تخضع لحصر، أو تحديد كما هو الحال في القانون الجنائي، ومن هنا تظهر صعوبة مهمة المحقق الإداري لأنه يكيف الفعل من جهة ثم يوازن بينه وبين الجزاء التأديبي المناسب من جهة أخرى، بخلاف مهمة المحقق الجنائي الذي يطبق نصوص تجريميه واضحة ومحددة[40].

لذلك فان الضمانات المقررة لمصلحة الموظف في قانون الموارد البشرية المدنية عند التحقيق والمساءلة التأديبية تمتد إلى الجزاء التأديبي الذي يوقع على الموظف في حال ثبوت وقوع المخالفة في حقه، وسيتناول هذا المطلب مظاهر هذه الضمانات المرتبطة بالجزاءات التأديبية وهي كالتالي:

أولًا: عدم جواز توقيع الجزاء التأديبي إلا بعد التحقيق مع الموظف

هذه الضمانة المهمة المقررة لمصلحة الموظف طبقا للمادة 84 من القانون، تعني أن أي جزاء يوقع على الموظف دون تحقيق يكون جزاءً باطلًا والقرار الصادر به تشوبه شائبة عدم المشروعية لتخلف ضمانة التحقيق الإداري المقررة بموجب القانون، ويرى الباحث أن المشرع قد أحسن بالنص على ذلك في القانون تأكيدًا على هذه الضمانة وعدم جواز مخالفتها، والحقيقة أن هذه الضمانة تشكل مبدأ راسخًا في القانون الإداري وجاء التشريع ليؤكد هذا المبدأ، فقد قضت محكمة التمييز قبل صدور التشريع الحالي في أحد أحكامها أن توقيع الجزاء على الموظف دون التحقيق معه شفاهه، أو كتابة وما يترتب علي ذلك من آثار أبرزها الخصم من الراتب والتفات محكمة الموضوع عن هذا الدفع يعد من الخطأ في تطبيق القانون، وهو ما يستوجب معه تمييز الحكم الطعين[41].

ثانيًا: تحديد الجزاءات التأديبية التي من الممكن توقيعها على الموظف على سبيل الحصر

إذا كانت العقوبة في كل من المجالين التأديبي والجنائي تنطوي على معنى الايلام والقسر، فإن هذا الايلام يختلف في طبيعته بين المجالين اختلافًا كبيرًا، ويتجلى ذلك في أن العقوبة الجنائية قد تصل إلى درجة المساس بالحياة كما هو الحال في عقوبة الإعدام، أو المساس بالحرية كما في عقوبتي السجن والحبس، بينما لا يعدو الجزاء في النظام التأديبي أن يكون مساس بمركز الموظف الوظيفي[42].

وقد حدد المشرع القطري الجزاءات التي تملك جهة الإدارة الحق في توقيعها على الموظف على سبيل الحصر وذلك عملًا بقاعدة لا عقوبة إلا بنص؛ حيث نص قانون الموارد البشرية على عدد تسعة جزاءات للهيئة التأديبية توقيعها على الموظفين من الدرجة الثانية فما دونها وتسعة جزاءات خاصة بالموظفين من درجة وكيل وزارة المساعد إلى الدرجة الأولى، كما حدد الجزاءات التي للرئيس التنفيذي أن يوقعها على الموظف بجزاءين فقط للموظفين من الدرجة الثانية فما دونها وثلاثة جزاءات أخرى للموظفين من درجة وكيل وزارة المساعد إلى الدرجة الأولى[43]، وبعد تحديد الجزاءات على سبيل الحصر ترك المشرع للهيئة التأديبية، أو الرئيس التنفيذي بحسب الأحوال، سلطة تقديرية في اختيار الجزاء المناسب، وينبغي عند توقيع الجزاء مراعاة أن يتناسب هذا الجزاء مع جسامة الذنب الإداري المرتكب؛ لأن السلطة التقديرية الممنوحة للإدارة في توقيع الجزاء مقيدة بقيد عدم إساءة استعمال السلطة، أو الغلو فيها؛ حيث إن الغلو قد يخرج القرار من نطاق المشروعية إلى نطاق عدم المشروعية[44].

وفي ذلك قضت محكمة التمييز: «أنه للسلطات التأديبية - ومنها المحاكم التأديبية - سلطة تقدير درجة خطورة الذنب الإداري وما يناسبها من جزاء؛ حيث إن مناط مشروعية هذه السلطة ألا يشوب استعمالها غلو فـي تقدير الجزاء وأن تكون ملائمة بين درجة خطورة الذنب الإداري ومقداره»[45].

ثالثًا: مبدأ عدم جواز توقيع أكثر من جزاء عن ذات المخالفة

نصت المادة (89) بعد سردها للجزاءات التأديبية على أنه لا يجوز توقيع أكثر من جزاء على ذات المخالفة، ويرى الباحث أن في ذلك قطعًا لأي شبهة قد تثار حول إمكانية توقيع أكثر من جزاء عن نفس المخالفة في ذات الوقت، أو مساءلة الموظف عن ذات المخالفة التي لم يكررها الموظف، والقرار التأديبي الذي يصدر بأكثر من عقوبة عن ذات المخالفة يعد قرارا معيبًا نظرًا لمخالفته هذا المبدأ[46].

رابعًا: حق الموظف في التظلم من قرار الجزاء التأديبي

بعد صدور قرار الجزاء التأديبي يكون من حق الموظف التظلم من هذا القرار، لدى الرئيس فقد أشارت المادة (85) من القانون على حق الموظف بالتظلم من قرار الجزاء الصادر من الرئيس التنفيذي، بينما نصت المادة (90) على حق الموظف بالتظلم من قرار الجزاء الصادر من اللجنة التأديبية، ويلاحظ أن التشريع القطري جعل الهيئة التأديبية المختصة بمساءلة الموظفين من درجات وكيل وزارة مساعد إلى الدرجة الأولى، هيئة تتضمن عنصر قضائي وجعل الاختصاص بالطعن في قرارتها إلى الدائرة الإدارية الاستئنافية بمحكمة الاستئناف، ويرى الباحث أن هذا الاتجاه يشكل ضمانة إضافية لهذه الفئة من الموظفين، التي قضت في الوظيفة العامة سنوات طويلة، فتقديرا لها جعل المشرع الهيئة المختصة بمساءلتها هيئة ذات اختصاص قضائي، إضافة إلى أن رئاسة الهيئة أنيطت لرئيس ديوان الخدمة المدنية والتطوير الحكومي، مما يكفل لهذه الفئة من الموظفين مساءلة تتوفر فيها الخبرة الإدارية والقضائية الكافية[47].

المطلب الثالث: الضمانات المقررة بموجب المبادئ العامة المستقرة في القانون الإداري

إن التحقيق الإداري، كنشاط ينطوي على العديد من الإجراءات والتفصيلات التي هي بمثابة الأصول التي ينبغي على المحقق مراعاتها عند توليه التحقيق، ولا يعني عدم النص على تلك المبادئ في نصوص التشريع إغفالها، نظرًا لأن القانون الإداري بطبيعته متطور وقائم على فكرة الإبداع التي يقوم بها الفقه والقضاء؛ لذلك سنستعرض بشكل موجز في هذا المطلب بعض الضمانات العامة للموظف التي لم ينص عليها قانون الموارد البشرية المدنية ولكنها أضحت مبادئ عامة في التحقيق يجب مراعاتها ولا يسع المحقق، أو جهة المساءلة إغفالها وهي كما يلي:

أولًا: حيدة المحقق وجهة المساءلة التأديبية

مبدأ الحيدة في التحقيق والمساءلة التأديبية يقصد به نزاهة المحقق وعضو الهيئة التأديبية، وهو يقوم على التجرد من الأهواء والميول وعدم التحيز، وإذا كان من غير الممكن تحقيق مبدأ الحيدة في خصوص القرارات التأديبية التي تصدر من الرؤساء الإداريين مثل القرار الذي يصدر من مدير الإدارة، أو الرئيس التنفيذي، فإن القضاء مستقر على إعمال هذا المبدأ بخصوص المحاكمات التأديبية التي تتم أمام المجالس التأديبية، أو المحاكم التأديبية، ومن ثم من يشترك، أو سبق له الاتصال بمراحل الاتهام(التحقيق) ليس له الحق أن يجلس لمحاكمة المتهم[48].

ويرى الباحث أن هذا المبدأ لا بد من تطبيقه أمام لجان ومجالس التأديب المشكلة بموجب قانون الموارد البشرية، حرصًا على نزاهة المساءلة التأديبية.

ثانيًا: مبدأ السرية

تعد سرية التحقيق والمساءلة التأديبية مسألة محسومة في مبادئ القانون العام، وعلى الرغم من نص قانون الموارد البشرية المدنية على سرية جلسات المساءلة فقط، فإن السرية تنسحب على جميع إجراءات التحقيق الإداري سواء ذلك الذي يجري بمعرفة الشؤون القانونية أم بواسطة الهيئة التأديبية، ويقضي العمل بمبدأ السرية عدم جواز حضور التحقيق من أشخاص ليست لهم صلة بالتحقيق الذي يجري مع الموظف، وفي هذا المنع حفظًا لسرية المعلومات التي يتناولها التحقيق وحفظًا لسمعة الموظف وكرامته في الوقت نفسه.

وهذه السرية تقتضي عدم إباحة أي شيء مما يدور في التحقيق للغير وهي من الضمانات الأساسية المقررة لمصلحة الموظف أثناء التحقيق[49].

ثالثًا: عدم جواز تحليف الموظف المتهم اليمين

عدم جواز تحليف المتهم اليمين قاعدة عامة تنطبق على أي متهم سواء كان موظفا عامًا أم غير موظف، فلا يجوز تحليف الموظف اليمين؛ إلا إذا كان في مقام الشهادة على غيره؛ لأن من شأن اليمين أن تؤثر على إرادة المتهم في الإجابة. فاليمين قد يسلب من المتهم حريته ويجعله في موقف حرج، فهو في صراع بين خيارين إما إقراره بما هو منسوب إليه وهو ما يوجب عقابه وإما تعريضه لليمين الغموس، لهذا منع العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الصادر لعام 1966 أي شخص أن يكون شاهدًا ضد نفسه[50].

ويرى الباحث ضرورة الالتزام بهذأ المبدأ نظرًا لاستقراره كمبدأ عام يجب مراعاته عند محاكمة أي متهم، مع التحفظ على تبريراته المذكورة آنفًا، فيجب ألا يُفهم أن في إقرار هذا المبدأ إباحة للكذب وإخفاء الحقيقة.

رابعًا: حق الموظف المتهم في الصمت

إن العمل في التحقيق الإداري يتنافى والضغط على إرادة الموظف المحال للتحقيق، وهو ما يستلزم القول بحقه في الصمت، بمعنى أنه له الحق في الامتناع عن الإجابة، فلا يجبر على الحديث، فله أن يتخذ موقفًا سلبيًا متى رأى أن ذلك في مصلحته، دون أن يتخذ المحقق، أو الهيئة التأديبية ذلك الصمت قرينة ضده[51].

مع الأخذ بعين الاعتبار أن الموظف إذا اتخذ موقف الصمت، ليس من حقه بعدئذ أن يدفع بالإخلال في حق الدفاع، فللهيئة التأديبية أن تتخذ القرار التأديبي في ضوء الأوراق والمستندات والأدلة المتوفرة لديها[52].

وفي هذا المعنى قضت المحكمة الإدارية العليا في مصر بأنه: «إذا كان المدعي قد امتنع عن إبداء أقواله وبيان دفاعه للأسباب التي ساقها فإنه يكون قد فوت على نفسه هذا الحق ولا يلومن إلا نفسه»[53].

المبحث الثالث: الآثار المترتبة على توفر، أو تخلف ضمانات التحقيق

بعد دراسة ضمانات الموظف العام أثناء التحقيق في المبحثين السابقين، سيلقي المبحث الثالث الضوء على الآثار التي تنتج عن توفر، أو تخلف هذه الضمانات في التحقيق وسنقسمها إلى مطلبين أولهما للآثار الإيجابية والآخر للآثار السلبية وهما كالتالي:

المطلب الأول: الآثار الإيجابية الناتجة عن توفر الضمانات على الموظف والمرفق العام

عند الحديث عن الآثار الإيجابية الناتجة عن توفر ضمانات الموظف أثناء التحقيق، نجد أن هذه الآثار الإيجابية من الممكن تقسيمها إلى قسمين؛ قسم يمثل الآثار القانونية الإيجابية المتمثلة في تحقيق العدالة الإدارية، وسلامة وصحة الإجراءات القانونية المتبعة أثناء التحقيق والمساءلة التأديبية، فضلًا عن مشروعية القرار الصادر بالجزاء التأديبي، والقسم الثاني يتمثل في الآثار الإدارية الإيجابية المتمثلة بضبط المرفق العام وحسن سيره، وذلك بضبط أداء الموظفين الذي يشكلون العنصر الأساسي في تسيير هذا المرفق، ولاريب أنه كلما تمت مراعاة الضمانات انعكس ذلك بالإيجاب على الموظف؛ إذ إنه اطمأن إلى أن مساءلته تمت في أجواء عادلة، وفي ذات الوقت تحققت المصلحة العامة بتحقيق الردع وضبط المرفق العام، إضافة إلى تقليل حالات التقاضي وتخفيف الضغط على مرفق القضاء.

فالتحقيق الإداري إجراء قانوني مهم يصب في مصلحة العدالة الإدارية، ومصلحة سير المرفق العام بانتظام واطراد في آن واحد، وتتجلى الآثار الايجابية بشكل واضح بالنظر إلى الأهداف التي تتحقق بإجراء التحقيق ومنها الفوائد الآتية:

أولًا: توفير ضمانة جوهرية للموظف العام قبل توقيع الجزاء التأديبي

من خلال التحقيق الإداري يتوصل إلى كشف حقيقة المخالفة الوظيفية المنسوبة إلى الموظف المخالف عن طريق التثبت من وقوعها بإجراءات قانونية تكفل للموظف ألا يكون عرضة لاتهامات مرسلة لا تنهض على دليل حقيقي، فيضمن أن يساءل من خلال إجراءات قانونية سيتمتع بها بضمانات تحميه من التعسف وسوء استعمال السلطة قبل توقيع أي جزاء تأديبي في مواجهته.

ثانيًا: ضمان حسير سير المرفق العام

ومن ناحية أخرى يضمن التحقيق الإداري سير المرفق العام باضطراد وانتظام وذلك لأن التحقيق الإداري يعد الإجراء الأولي في النظام التأديبي الذي يسعى لمواجهة السلوك الخطأ المتفشي في مجال الوظيفة عن طريق تقرير إجراءات وقائية وعقابية على المخلين بواجبات الوظيفة العامة[54].

ثالثًا: تحقيق الردع الخاص والعام في مجال الوظيفة العامة

إن التحقيق الإداري يقوم بوظيفة فلسفة التلويح بالعقاب وليس العقاب ذاته، فمن خلاله يتحقق ردع الموظف المخالف بمجرد إحالته للتحقيق وهنا يتحقق الردع الخاص، كما يتحقق الردع العام بالنسبة للموظفين الآخرين، وذلك لأن مجرد الإحالة إلى التحقيق وإيقاف الموظف العامل عن العمل كما في بعض الحالات، سيُشكل عاملا هاما في ردع الموظفين الآخرين ومنعهم من سلوك سبيل الانحراف المهني وهو ما سيعمل على تقليل نسبة المخالفات الوظيفية في بيئة العمل[55].

المطلب الثاني: الآثار السلبية الناتجة عن تخلف الضمانات على الموظف والمرفق العام

وعلى نقيض الآثار الإيجابية الناتجة عن مراعاة ضمانات الموظف أثناء التحقيق والمساءلة التأديبية، نجد أن تخلف هذه الضمانات ينتج عنه آثار سلبية عديدة فمن الناحية القانونية قد يترتب على بطلان التحقيق بطلان المساءلة التأديبية التي أجريت بناءً عليه، كما يترتب على عدم مراعاة الضمانات الجوهرية أثناء التحقيق، بطلان القرار التأديبي الصادر بالجزاء، ومن الناحية الإدارية تنعكس الآثار السلبية بضعف الولاء الوظيفي لدى الموظف، فالموظف الذي تجوزت حقوقه أثناء التحقيق والمساءلة لاشك أن ولائه للجهة التي يعمل بها سيهتز، مما سينعكس سلبًا على أدائه وإنتاجيته في العمل، ولاشك أن هذه السلبيات لا يقتصر ضررها على الموظف بل يتعدها للمرفق العام الذي سيعاني من ضعف الأداء فضلًا عن عدم تحقق الردع في المرفق العام؛ إذ إن مراعاة الضمانات ليست في مصلحة الموظف فحسب، بل أيضًا يصب في مصلحة الادارة؛ حيث إن عدم مراعاتها سيجعل قرار الإدارة عرضة للإبطال على الرغم من صحة الوقائع المنسوبة للموظف المخالف، وبذلك سيستفيد الموظف المخالف من خطأ الادارة رغم سوء مسلكه الوظيفي، وبدلًا من تحقق الردع سيُضعف التحقيق المعيب من هيبة الإدارة لدى موظفيها عندما يجدون قرارتها التأديبية تُبطل رغم صحة المخالفات المرتكبة منهم، وهو ما سينعكس بالسلب في نهاية المطاف على حسن سير المرفق العام بانتظام واطراد.

خاتمة

توصل البحث إلى النتائج والتوصيات التالية:

أولًا: النتائج

      تضمنت نصوص قانون الموارد البشرية المدنية القطري معظم الضمانات الأساسية التي يجب مراعاتها أثناء التحقيق الإداري والمساءلة التأديبية، التي أقرها الفقه والقضاء الإداريان.

      أغفل قانون الموارد البشرية المدنية القطري بعض الضمانات المهمة الأخرى، مثل عدم جواز الجمع بين سلطتي التحقيق والمساءلة التأديبية، وهذا لا يعني أن الجهة الحكومية في حِل من مراعاتها؛ فهي من المبادئ العامة التي لا يسع الجهة الحكومية الإخلال بها.

      لم يخص التشريع القطري أصحاب الوظائف القيادية؛ مثل درجة وكيل الوزارة المساعد، ومن في حكمها، بنص خاص ينظم الجهة التي تقوم بالتحقيق معهم قبل المساءلة التأديبية، ومن الناحية العملية يصعب على الجهة الإدارية التحقيق مع هذه الفئة؛ لعدم توفر شرط الدرجة الوظيفية في المحقق القانوني في أغلب الحالات.

      ترك المشرع القطري مدة التحقيق مفتوحة ولم يقيدها بمدة محددة، وكان من الأفضل أن يحدها بزمن؛ لما قد يترتب على عدم إنهاء التحقيق خلال فترة محددة من آثار سلبية على الموظف والمرفق العام على حد سواء.

      أعطى قانون الموارد البشرية المدنية للهيئة التأديبية سلطة مطلقة في مد وقف الموظف المحال للتحقيق عن العمل لمصلحة التحقيق، وهو ما يتنافى مع مقتضيات العدالة التي تقتضي أن يكون المد محدودًا بمدة معينة.

      لم تنص اللائحة التنفيذية للقانون على ضرورة تضمين الإخطار موضوع المخالفة المنسوبة للموظف، وكان من الأفضل أن ينص على ذلك في اللائحة؛ لتمكين الموظف من إعداد دفاعه قبل الحضور في موعد التحقيق.

ثانيًا: التوصيات

بناءً على النتائج التي خلص إليها البحث؛ يقدم الباحث التوصيات التالية:

      إدخال تعديل تشريعي على قانون الموارد البشرية المدنية يمنع كل من تولى التحقيق، أو أبدى رأيًا فيه من أن يجلس كعضو في الهيئة التأديبية لمساءلة الموظف، لتعارض ذلك مع المبادئ العامة التي تمنع الجمع بين سلطتي التحقيق والمساءلة.

      إدخال تعديل تشريعي ينص على مدة معينة ينبغي مراعاتها عند إخطار الموظف قبل التحقيق معه في الشؤون القانونية؛ أسوةً بما نص عليه القانون عند إخطار الموظف للمثول أمام الهيئة التأديبية؛ حتى يتمكن من إعداد دفاعه الذي سيبديه أمام محقق الشؤون القانونية.

      إدخال تعديل تشريعي يجعل سلطة الهيئة التأديبية بوقف الموظف المحال للتحقيق لمصلحة التحقيق محدد بمدة معينة لا يجوز للهيئة التأديبية تجاوزها.

      إضافة مادة إلى اللائحة التنفيذية توضح المعلومات التي ينبغي تضمينها الإخطار المرسل إلى الموظف المحال للتحقيق، وأهمها ضرورة الإشارة إلى المخالفة المنسوبة إليه في الإخطار؛ ليتمكن من إعداد دفاعه.

      إضافة مادة تحدد الفترة التي ينبغي خلالها إتمام التحقيق.

      إدخال تعديل تشريعي ينص على جهة إدارية محددة تتولى التحقيق مع وكلاء الوزراء المساعدين ومن في حكمهم.

      إضافة مادة تسمح بندب من يتولى التحقيق من خارج الجهة الحكومية، بشكل سريع، يختلف عن القواعد العامة للندب التي نص عليها القانون، التي قد تطول إجراءاتها، وذلك في حالة عدم وجود من يصلح لتولي التحقيق في الجهة الحكومية.

المراجع

أولًا: العربية

1-  الكتب والمقالات

أنيس، إبراهيم وآخرون. المعجم الوسيط. مكتبة الشروق الدولية. القاهرة، ط5، 2010.

الحسيني، عمار عباس. أصول التحقيق الإداري. منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2016.

الحلو، ماجد راغب. القضاء الإداري. الدار الفنية للطباعة والنشر، الإسكندرية، 1985.

الطماوي، سليمان. القضاء الإداري قضاء التأديب. دار الفكر العربي، القاهرة، 2014.

الطهراوي، هاني علي. القضاء الإداري السعودي. مكتب المحامي كاتب بن فهد الشمري، قسم الدراسات والبحوث، الرياض، 1434هـ.

ظاهر، خالد خليل. أحكام تأديب الموظفين. مركز البحوث، معهد الإدارة العامة، الرياض، 2005.

كنعان، نواف. القانون الإداري. دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 2010.

عبد الهادي، ماهر. الشرعية الإجرائية في التأديب. ط2، دار الفكر العربي، القاهرة، 1986.

ماجد ياقوت، محمد. شرح القانون التأديبي للوظيفة العامة. دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2009.

عوض، نجوى. التحقيق الإداري كضمانة لتوقيع العقوبة التأديبية [رسالة ماجستير]، جامعة قطر، 2019.

حمرات، عبد القادر. «التعليق على المواد المتعلقة بالتحقيق في المخالفات التأديبية في قانون إدارة الموارد البشرية القطري». المجلة القانونية والقضائية، وزارة العدل، الدوحة، ع1 (2011).

علي، عبد الرحيم علي محمد. «إجراءات التحقيق وضماناته في ضوء أحكام قانون إدارة الموارد البشرية القطري». المجلة القانونية والقضائية، وزارة العدل، الدوحة، ع1 (2010).

الغفلي، أحمد. «ضمانات الموظف العام في مرحلة التحقيق الإداري». مجلة حقوق دمياط للدراسات القانونية والاقتصادية، جامعة دمياط، ع3 (2021).

محمد، صلاح الدين فايز. «مدى أحقية الموظف في الاعتراض على جهة التحقيق: ضوابط طلب إحالة التحقيق إلى النيابة في ضوء قانون الخدمة المدنية المصري الصادر بالرقم 81 لسنة 2016 وأحكام القضاء». مجلة الحقوق للبحوث القانونية والاقتصادية، جامعة الإسكندرية، مج1، ع2 (2023)، ص213-260. doi: 10.21608/lalexu.2023.296622

2-  التشريعات

الدستور الدائم لدولة قطر، 2004.

قانون رقم 7 بشأن الفصل في المنازعات الإدارية، قطر، 2007.

قانون رقم 15 بإصدار قانون الموارد البشرية المدنية، قطر، 2016.

قرار مجلس الوزراء رقم 32 بإصدار اللائحة التنفيذية لقانون الموارد البشرية المدنية، قطر، 2016.

قانون رقم 81 بإصدار قانون الخدمة المدنية، مصر، 2016.

قرار رئيس مجلس الوزراء 1216 لسنة 2017، بإصدار اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية الصادر بالقانون رقم 81 لسنة 2016، مصر، الجريدة الرسمية، ع21 مكرر، بتاريخ 27/5 /2017.

3-  الأحكام القضائية

·       الأحكام القطرية:

محكمة التمييز، الدائرة المدنية والتجارية، الطعن رقم 151لسنة 2013، س9 ق، جلسة 19/11/2013.

محكمة التمييز، الدائرة المدنية والتجارية، الطعن رقم 10 لسنة 2019، س14 ق، جلسة 5/3/2019.

محكمة التمييز، الدائرة المدنية والتجارية، الطعن رقم 14 لسنة 2013، س9 ق، جلسة 2/4/2013.

محكمة التمييز، الدائرة المدنية والتجارية، الطعن رقم 113 لسنة 2013، س9 ق، جلسة 18/6/2013.

·       الأحكام العربية:

حكم المحكمة الإدارية العليا، الطعن رقم 404، 23 ق، جلسة1/12/1979.

حكم المحكمة الإدارية العليا، الطعنان 3208، و3218، س39ق، جلسة29/9/1998.

حكم المحكمة الإدارية العليا، الطعن رقم646، س32 ق جلسة5/11/1998.

حكم المحكمة الإدارية العليا، الطعن 18034، س 54 ق، جلسة 19/11/2017.

ثانيًا الأجنبية

References:

ʻAbd al-Hādī, Māhir. Al-sharʻīyah al-ijrāʼīyah fī al-taʼdīb (in Arabic) 2nd ed, Dār al-Fikr al-ʻArabī, Cairo, 1986.

al-Ḥulw, Mājid Rāghib. Al-qaḍāʼ al-idārī (in Arabic) al-Dār al-fannīyah lil-Ṭibāʻah wa-al-Nashr, Alexandria, 1985.

al-Ḥusaynī, ʻAmmār ʻAbbās, uṣūl al-taḥqīq al-idārī (in Arabic) Manshūrāt al-Ḥalabī al-Ḥuqūqīyah, Beirut, 2016.

ʻAlī, ʻbdālrḥym ʻAlī Muḥammad. “Ijrāʼāt al-taḥqīq wa-ḍamānātuhu fī ḍawʼ Aḥkām Qānūn Idārat al-mawārid al-basharīyah al-Qaṭarī,” (in Arabic) al-Majallah al-qānūnīyah wa-al-Qaḍāʼīyah, No. 1, Doha, 2010.

al-Ṭahrāwī, Hānī ʻAlī. Al-qaḍāʼ al-idārī al-Saʻūdī (in Arabic) Maktab al-muḥāmī Kātib ibn Fahd alshmry-Qism al-Dirāsāt wa-al- Beirut, Riyadh, 1434h.

al-Ṭamāwī, Sulaymān. Al-qaḍāʼ al-idārī Qaḍāʼ al-taʼdīb (in Arabic) Dār al-Fikr al-ʻArabī, Cairo, 2014.

Anīs, Ibrahīm. & et al.Al-Muʻjam al-Wasīṭ. (in Arabic) 5th ed., Maktabat al-Shurūq al-Dawlīyah, Cairo, 2010.

ʻAwaḍ, Najwá. Al-taḥqīq al-idārī kḍmānh ltwqyʻ al-ʻuqūbah al-taʼdībīyah (in Arabic) (Risālat mājistīr), Jāmiʻat Qaṭar, Qatar, 2019.

Ḥmrāt, ʻAbd-al-Qādir. “Al-taʻlīq ʻalá al-mawādd al-mutaʻalliqah bi-al-taḥqīq fī al-mukhālafāt al-taʼdībīyah fī Qānūn Idārat al-mawārid al-basharīyah al-Qaṭarī,” (in Arabic) al-Majallah al-qānūnīyah wa-al-Qaḍāʼīyah, No. 1, Doha, 2011.

Kanʻān, Nawwāf. Al-qānūn al-idārī (in Arabic) Dār al-Thaqāfah lil-Nashr wa-al-Tawzīʻ, Amman, 2010.

Mājid Yāqūt, Muḥammad. Sharḥ al-qānūn al-taʼdībī llwẓyfh al-ʻĀmmah (in Arabic) Dār al-Jāmiʻah Al-Jadīdah, Alexandria, 2009.

Ẓāhir, Khālid Khalīl. Aḥkām taʼdīb al-muwaẓẓafīn (in Arabic) Markaz albḥwth-Maʻhad al-Idārah al-ʻĀmmah, Riyadh, 2005.



[1] إبراهيم أنيس وآخرون، المعجم الوسيط، ط5، مكتبة الشروق الدولية، القاهرة، 2010، ص194.

[2] ماجد راغب الحلو، القضاء الإداري، الدار الفنية للطباعة والنشر، الإسكندرية، 1985، ص571.

[3] حكم المحكمة الإدارية العليا، الطعن رقم 404 لسنة23 ق، جلسة 1/12/1979.

[4] عمار عباس الحسيني، أصول التحقيق الإداري، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2016، ص13.

[5] حكم محكمة التمييز، الطعن رقم 151 لسنة 2013، س9 ق الدائرة المدنية والتجارية، جلسة 19/11/2013.

 

[6] المادة (94) من اللائحة التنفيذية رقم 32 لسنة 2016 لقانون الموارد البشرية المدنية.

[7] المادة (84) من قانون الموارد البشرية المدنية رقم 15 لسنة 2016.

[8] عبد الرحيم علي محمد، «إجراءات التحقيق وضماناته في ضوء أحكام قانون إدارة الموارد البشرية القطري»، المجلة القانونية والقضائية، وزارة العدل، الدوحة، ع1 (2010)، ص15.

[9] المادة (152) من اللائحة التنفيذية رقم 1216 لسنة 2017 لقانون الخدمة المدنية المصري.

[10] علي، ص16.

[11] المادة (84) من قانون الموارد البشرية رقم 15 لسنة 2016.

[12] حكم محكمة التمييز، الطعن رقم 151 لسنة 2013، س9 ق الدائرة المدنية والتجارية، جلسة 19/11/2013.

[13]حكم المحكمة الإدارية العليا في مصر، (الطعن18034 سن 54 ق)، جلسة 19/11/2017.

[14] حكم محكمة التمييز (الطعن رقم 151 لسنة 2013، س9 ق الدائرة المدنية والتجارية)، جلسة 19/11/2013.

[15] سليمان الطماوي، القضاء الإداري قضاء التأديب؛ تنقيح عبد الناصر عبد الله أبو سمهدانة وحسين إبراهيم خليل، دار الفكر العربي، القاهرة، 2014، ص736.

[16] المادة (83) من قانون الموارد البشرية المدنية رقم 15 لسنة2016.

[17]نجوى عوض، التحقيق الإداري كضمانة لتوقيع العقوبة التأديبية [رسالة ماجستير]، جامعة قطر، 2019، ص22.

[18] الحسيني، ص38.

[19] الرئيس التنفيذي: وكيل الوزارة، أو المسؤول الذي يلي الرئيس، أو المسؤول التابعة له الوحدة الإدارية المختصة بالموارد البشرية بالجهة الحكومية بحسب الأحوال.

[20] محمد صلاح الدين فايز محمد، «مدى أحقية الموظف في الاعتراض على جهة التحقيق: ضوابط طلب إحالة التحقيق إلى النيابة في ضوء قانون الخدمة المدنية المصري الصادر بالرقم 81 لسنة 2016 وأحكام القضاء»، مجلة الحقوق للبحوث القانونية والاقتصادية، جامعة الإسكندرية، ع2، 2023، ص227.

[21] محمد ماجد ياقوت، شرح القانون التأديبي للوظيفة العامة، الطبعة الأولى، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2009، ص854.

[22] المادة (60) من قانون الخدمة المدنية المصري رقم 81 لسنة 2016.

[23] المواد (85، 90، 92، 93) من قانون الموارد البشرية المدنية رقم 15 لسنة 2016.

[24] نواف كنعان، القانون الإداري، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 2010، ص207؛ خالد خليل ظاهر، أحكام تأديب الموظفين، مركز البحوث، معهد الإدارة العامة، الرياض، 2005، ص225-226.

[25] المادة (83) من قانون الموارد البشرية المدنية رقم 15 لسنة 2016.

[26] المادة (84) من قانون الموارد البشرية المدنية رقم 15 لسنة 2016.

[27] الطماوي، ص735.

[28] حكم محكمة التمييز، الطعن رقم 10 لسنة 2019، س 14 ق الدائرة المدنية والتجارية، جلسة 5/3/2019.

[29] عبد القادر حمرات، «التعليق على المواد المتعلقة بالتحقيق في المخالفات التأديبية في قانون إدارة الموارد البشرية القطري»، المجلة القانونية والقضائية، وزارة العدل، الدوحة، ع1 (2011)، ص377.

[30] الطماوي، ص716.

[31] المادة (96) من قرار مجلس الوزراء رقم32 لسنة 2016 بإصدار اللائحة التنفيذية لقانون الموارد البشرية المدنية.

[32] كنعان، ص203.

[33] الحسيني، ص231.

[34] قضت المحكمة الإدارية العليا بمصر بأن عدم تحليف الشاهد اليمين لا يسم التحقيق بالبطلان. حكم المحكمة الإدارية العليا، الطعن رقم646، س32 ق، جلسة5/11/1998.

[35] المادة96، قانون الموارد البشرية المدنية رقم 15 لسنة 2016.

[36] الطماوي، ص736.

[37] أحمد الغفلي، «ضمانات الموظف في مرحلة التحقيق الإداري»، مجلة حقوق دمياط للدراسات القانونية والاقتصادية، جامعة دمياط، ع3 (2021)، ص380.

[38] ماهر عبد الهادي، الشرعية الإجرائية في التأديب، ط2، دار الفكر العربي، القاهرة، 1986، ص320.

[39] المادة (160) من اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية المصري.

[40] الطماوي، ص38.

[41] حكم محكمة التمييز، الطعن رقم 14 لسنة 2013، س9 ق، الدائرة المدنية والتجارية، جلسة 2/4/2013.

[42] الحسيني، ص38.

[43] المادتان (85، 89) من قانون الموارد البشرية المدنية رقم 15 لسنة 2016.

[44] كنعان، ص185.

[45] حكم محكمة التمييز، (الطعن رقم 113 لسنة 2013، س 9 ق الدائرة المدنية والتجارية) جلسة 18/6/2013.

[46] كنعان، ص187.

[47] المادتان (92، 93) من قانون الموارد البشرية المدنية رقم 15 لسنة 2016.

[48] الطماوي، ص766.

[49] علي، ص37.

[50] الحسيني، ص294.

[51] المرجع السابق، ص298.

[52] علي، ص18.

[53] حكم المحكمة الإدارية العليا في مصر، الطعنان 3208، و3218، لسنة 39 ق، جلسة 29/9/1998.

[54] هاني الطهراوي، القضاء الإداري السعودي، مكتب المحامي كاتب بن فهد الشمري، قسم الدراسات والبحوث، الرياض، 1434هـ، ص208.

[55] الحسيني، ص19.