cid:image007.png@01DA94D4.752A8770Publizieren – Why Open Access?

 

تاريخ الاستلام: 24 فبراير 2025 | تاريخ القبول: 09 مارس 2025

تقرير

مؤتمر: مدى كفاءة نظريات العلوم الاجتماعية في تفسير الواقع العربي

الدوحة: 23 نوفمبر 2024

سارة ناصر

مساعد باحث في العلاقات الدولية في مركز ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة قطر–قطر

s.nasser@qu.edu.qa

https://orcid.org/0009-0001-8608-0368

Report

The Efficiency of Social Sciences Theories in Explaining Arab Reality

Doha: November 23, 2024

Sarah Nasser

Research Assistant in International relations at Ibn Khaldon Center for Humanities and Social Sciences, Qatar University–Qatar

s.nasser@qu.edu.qa

https://orcid.org/0009-0001-8608-0368

 

 

للاقتباس: ناصر، سارة. "تقرير عن مؤتمر: مدى كفاءة نظريات العلوم الاجتماعية في تفسير الواقع العربي"، مجلة تجسير لدراسات العلوم الإنسانية والاجتماعية البينية، المجلد السابع، العدد 1 (2025): 247-252. https://doi.org/10.29117/tis.2025.0217

© 2025، ناصر. الجهة المرخص لها: مجلة تجسير، دار نشر جامعة قطر. نُشرت هذه المقالة البحثية وفقًا لشروط Creative Commons Attribution-Noncommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0). تسمح هذه الرخصة بالاستخدام غير التجاري، وتنبغي نسبة العمل إلى صاحبه، مع بيان أي تعديلات عليه. كما تتيح حرية نسخ، وتوزيع، ونقل العمل بأي شكل من الأشكال، أو بأي وسيلة، ومزجه وتحويله والبناء عليه، طالما يُنسب العمل الأصلي إلى المؤلف. https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0


 

عقد مركز ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعيّة في الثالث والعشرين من نوفمبر 2024، في قاعة كليّة القانون بجامعة قطر مؤتمرًا دوليًا بعنوان: "مدى كفاءة نظريات العلوم الاجتماعية في تفسير الواقع العربيّ". استعرض هذا المؤتمر ثلاث عشرة ورقة بحثيّة بمشاركة باحثين من مختلف الدول العربية، شملت: (سوريا، فلسطين، الأردن، اليمن، عُمان، الكويت، الجزائر، المغرب)، وفي حقول متنوعة، من بينها: (العلاقات الدولية، والسياسة المقارنة، وعلم الاجتماع، والإعلام، وعلم الإدارة والاقتصاد، والقانون، واللغة). وقد انضمت للجلسة النقاشية المفتوحة في ختام المؤتمر كوكبة من الخبراء والباحثين والأكاديميين المهتمين بمناقشة جدوى نظريات ابن خلدون في تفسير الواقع المعاصر، بالإضافة إلى تحديات استثمار النظريات في السياق العربي.

جاء هذا المؤتمر في سياق الاستعانة بجهود الباحثين من مختلف المجالات الاجتماعية للبحث في مدى كفاءة النظريات في مختلف فروع العلوم الاجتماعية في تفسير ما يكتنزه الواقع العربي من أحداث وظواهر وتفاعلات، والهدف المباشر من ذلك اختبار مدى صلاحية هذه النظريات في السياق العربي، ومن ثم النظر في إعادة تموضعها في مجالي البحث والتدريس، وهو ما يأتي ضمن اهتمام مركز ابن خلدون بمشروع "توطين العلوم الاجتماعية" في العالم العربي.

توزعت المشاركات على جلستين أساسيتين سبقتهما جلسة افتتاحية لأعمال المؤتمر، وأعقبتهما حلقة نقاشيّة مفتوحة تداولت الإمكانات التفسيرية لأحدث إصدارات المركز في سياق توطينه للعلوم الاجتماعيّة، الذي يحمل عنوان: "استدراكات على النموذج الخلدونيّ: تطبيق على الحالتين اليمنية والتونسية"، بالإضافة إلى معالجة تحديات استثمار النظريات في سياقنا العربي.

افتتح المؤتمر بكلمة ألقاها الدكتور نايف بن نهار، مدير مركز ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية، رحب فيها بالمشاركين والحضور، مشيرًا إلى تميّز هذا المؤتمر بآلية عرض غير مسبوقة للأوراق المشاركة تمثّلت في عرض مقطع فيديو يلخص جوهر كل ورقة فيما لا يتجاوز أربع دقائق، تلتها مداخلة في حدود ثلاث دقائق أبدى من خلالها معقّب الورقة جُملة من الملاحظات المتعلقة بمنهج الورقة ومعالجة الأفكار الواردة فيها. وقد أشاد نهار بجهود الباحثين وإقبالهم الشديد على مساءلة كفاءة النظريات الغربية في سياقنا العربي؛ مؤكدًا على أنّ هدف المؤتمر توطين العلوم الاجتماعية، ليس فقط من خلال اختبار النظريات المستوردة، بل كذلك عبر المساهمة في تطويرها بما يخدم مجتمعاتنا العربية، آملًا أن تسهم المناقشات والأبحاث المعروضة في تحقيق نقلة نوعية على صعيد البحث الأكاديمي والاجتماعي.

ترأس الجلسة الأولى الدكتور محمد بن راشد المري، الأستاذ المساعد في العقيدة والدعوة بجامعة قطر، وعُرضت في هذه الجلسة ست أوراق بحثية ناقشت موضوعات متعددة من حقول متباينة؛ ففي حقل العمارة جادلت الورقة الأولى للدكتورة رحيمة إسماعيل، تحمل عنوان: "مدى كفاءة النظريّة السوسيولوجية لبيار بورديو في تحليل العمران الجزائريّ"؛ بعجز النظرية عن فهم المجتمع الجزائريّ بوضعه الحالي، وعلى وجه التحديد عند محاولتها تفسير ظاهرة (المدينة). فمفهوم الهابيتوس الذي يفترض إعادة إنتاج المدينة بكل عمرانها ومعمارها الأصلي، لا يتفق مع حال المدن الجزائرية التي انتهى بها الأمر إلى تشكيلات فسيفسائية يصعب على أجزائها ومكوناتها تشكيل صورة متكاملة المعنى ومترابطة المبنى على حد قولها. أما الأستاذة أمل رمضان فسعت ورقتها المتموضعة في مجال التخطيط الحضري، تحت عنوان: "مدى كفاءة نظرية إنتاج الفضاء في فهم الواقع الاجتماعي المكاني في المدن العربية التاريخية: دمشق وغرناطة نموذجًا" إلى أشكلة مفهوم الفضاء من خلال مساءلة نظرية إنتاج الفضاء في سياق مدينتي دمشق وغرناطة. فمن ناحية، شهدت دمشق أحداثا نجم عنها تغيير الذاكرة المكانية القديمة وإنتاج نسخة جديدة من المدينة. ومن ناحية أخرى، شهدت غرناطة الأندلسية انسجامًا بين الفضاء الطبيعي والاجتماعيّ. وجادلت الورقة بضرورة الانطلاق من الحياة اليومية كنواة جوهرية لتغيير الحياة الحضرية.

وإلى حقل اللغة وتحليل الخطاب؛ نظرت ورقة الأستاذة الدكتورة منال نجّار المعنونة بـ"مدى كفاءة نظرية فان ديك المعرفية في تحليل خطاب أبي عبيدة في معركة طوفان الأقصى" في الكفاءة التفسيرية لمثلث فان ديك (الخطاب والمعرفة والمجتمع) في سياق تحليل خطاب أبي عبيدة في معركة طوفان الأقصى، وخلصت إلى أن نظريته ساهمت في فهم خطاب أبي عبيدة ومعانيه الحقيقية والخفية، ومقاصده، ومواقفه، وكذلك معتقداته.

أما ورقة الدكتور مشاري الرويّح وساره ناصر المعنونة بـ"من الأمن إلى المكانة الدوليّة: المحدودية التفسيرية لنظرية الواقعية والمسايرة" المندرجة تحت حقل العلاقات الدولية؛ فقد سعت إلى مساءلة الكفاءة التفسيرية لنظرية المسايرة بوصفها نظرية دقيقة تتفرع عن نظرية عامة هي الواقعية الجديدة، استدعى ذلك تسليط الضوء على تفسيرات نظرية المسايرة التي تختزل أهداف الفاعلية في ثنائية الأمن والربح دون النظر إلى الأبعاد الاجتماعية والفكرية والوجدانية اللازمة لسعي الدول خلف المكانة الدولية. وقدمت الورقة الركون مفهومًا توصيفيًا يتيح تطوير بُنى تفسيرية أكثر نجاعة في شرح سلوك المنطقة.

ومن العلاقات الدولية إلى حقل القانون الدولي قدمت ورقة الدكتورة زهراء العندليب "مدى كفاءة النظرية الوضعية في القانون الدولي: العالم بوصفه مركزًا وهامشًا" محاولة للنظر في مدى قدرة النظرية الوضعية السائدة في مناهج القانون الدولي على تحليل وشرح واقع القانون الدولي في المنطقة العربية. وأوضحت الورقة من خلال أمثلة واقعية الإشكاليات الناشئة في مجال القانون الدولي بسبب افتقاره لمرجعية معيارية قيمية، ودعت الورقة إلى ضرورة توطين مناهج القانون الدولي في عالمنا العربي بما يلائم خصوصية قضايانا الدولية. ومنه إلى ميدان الجيش والسياسة في دراسات التحول الديمقراطي؛ حيث قدمت ورقة الدكتورين رشاد توّام وعاصم خليل "الجيش والسياسة في المنطقة العربية: جدل الكفاءة التفسيرية للنظرية الدستورية وجدوى المقاربات متداخلة الحقول" نقدًا للنظرية الدستورية التقليدية من خلال النظر في مكانة الجيش ضمن التجربتين المصرية والتونسية، وقد افترضت الدراسة عجز النظرية الدستورية عن تفسير مكانة الجيش في التجربتين وقدرة نظرية التنازع المتموضعة في مقاربة قانونية مركبة معها على الاضطلاع بذلك الدور التفسيري، وخلصت الورقة إلى تأكيد جدوى المقاربات متداخلة الحقول، وكذا تأكيد على أن عدم جدوى النظرية هو مشترك عالمي؛ لكونها تقليدية بمعنى "قديمة" أكثر مما لكونها غربية. وتعد دراستهما هذه حلقة في سلسلة دراسات عمل، ويعمل عليها الباحثان ضمن مشروعٍ بحثيّ كانا قد شرعا فيه منذ عام 2014.

وبعد استراحةٍ وجيزة انطلقت أعمال الجلسة الثانية بإدارة الأستاذة أفراح العتيبي، وهي باحثة في علم الاجتماع بمركز ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية. وضمّت هذه الجلسة سبع أوراق بحثية من حقول متنوعة؛ فناقشت الورقة الأولى المعنونة: ب "مدى كفاءة نظرية قوة الروابط الضعيفة في تفسير الروابط الاجتماعية في السياق المغربي" للدكتور بوشعيب مجدول الكفاءة التفسيرية لنظرية "قوة الروابط الضعيفة" للباحث الأمريكيّ مارك جرانوفتير. وتُعرّف هذه النظرية الروابط الضعيفة بالعلاقات الاجتماعية التي يندر فيها الاتصال ويغيب عنها القرب العاطفي، ويتضاءل فيها تاريخ الخدمات المتبادلة بين الطرفين. في حين ترى الروابط القوية التقليدية بأنها العلاقات التي تتميز بكثافة الاتصال وطول مدته وزيادة الاعتماد المتبادل. وتتأسس هذه النظرية على افتراض أن الروابط الاجتماعية الضعيفة قد يعتريها شيءٌ من القوة المبنية على فرص وإمكانات قد تغيب عن نطاق الروابط القوية. مع ذلك، يشير مجدول إلى أن تناول قدرة النظرية على تفسير السياق المغربي يعكس محدوديتها في التقاط تعقيد المجتمع المغربي ذي الطبيعة المركبة، الذي تتشابك فيه القيم، والروابط، والبنى التقليدية والحديثة؛ كالصداقة العابرة والجوار وكذا الانتماء الأسري والقبلي والديني، وفق مبدأ التكامل بين الروابط الضعيفة والقوية.

ومن التركيز على السياق المغربي العام إلى التركيز على سياق سائقي العربات في المغرب، يجادل الدكتور زكرياء أكضيض في ورقته التي تحمل عنوان "مدى كفاءة نظريّة الحركات الاجتماعية عند آلان تورين في تفسير النضالية الرقميّة لسائقي العربات في المغرب"؛ بأن فهم حركة سائقي العربات في الحقل الرقمي المغربي يسلط الضوء على عجز التصورات السوسيولوجية بشقيها الكلاسيكي والحديث وما تكتنفه من مفاهيم من قبيل السلوك الجمعي والحرمان النسبي والبنيات عن تفسير حيثيات هذه الحركة، وقامت الورقة على منهج الفردانية الرامي إلى فهم المعاني النضالية الرقمية لسائقي العربات مستخدمة أداتي الملاحظة والمقابلة في الفترة ما بين 15 أبريل إلى 15 مايو 2024 لفهم المطالب والممارسات وطبيعة العضوية في شبكات التواصل الاجتماعيّ.

تبع ذلك عرض ورقة الدكتور عبد الواحد غبيبي المعنونة بـ"مدى كفاءة النظرية الانقسامية في تفسير الحالة المغربية" التي أشار من خلالها إلى أنّه على الرغم من أهمية النظرية الانقسامية في تشخيص الواقع العربي، خاصة في شمال أفريقيا، إلا أنها لعبت دورًا مفصليًا في قولبة هذا الواقع وفق افتراضاتها الانتقائية والتعميمية، كما عكفت على بناء مواقف وأفعال اجتماعية أثّرت على النسق السياسي المغربي والعربي؛ فنجم عنها عزوف عن المشاركة في العملية الانتخابية بالإضافة إلى عدم الثقة التي تصل أحيانًا حد اليأس في ما تقدمه المؤسسات السياسية والأحزاب من فائدة. وبناءً على ذلك، قدمت الورقة نموذجًا بديلًا يجسّر التراث العربي والإسلامي بالفكر السياسي الغربي، ويستوعب السياق الثقافي والفكري للواقع المدروس.

وفي إطار النظرية نفسها، قدّم الدكتور مصطفى قميّة في ورقته التي تحمل عنوان: "مدى كفاءة النظرية الانقسامية في تفسير الواقع: من السودان إلى المغرب" معالجة للنظرية الانقسامية في السياق السوداني والمغربي، فمن خلال تتبعه لجذور النظرية على الصعيد الإبستيمولوجي، عرج قميّة على السوسيولوجيا الفرنسية وأعمال ابن خلدون وعلاقتها بالنظرية الانقسامية، مؤكدًا أنّه بغض النظر عن السجال بين ما إذا كانت النظرية ذات جذور خلدونيّة أو غربية؟ فإن السؤال يظل عن القيمة التفسيرية للنظرية في سياق المجتمعات قيد الدراسة. واستعرض قميّة بعض التحديات التي تواجه النظرية، ومن بينها: 1- تحدي إيجاد نموذج تفسيري لكل مجتمع على حدة. 2- تحدي تجاوز النزعة التبسيطية. 3- تحدي تجاوز المنهج الوظيفي البنيوي. 4- تحدي التفسير الميكروسوسيولوجي.

ومن السودان والمغرب إلى سلطنة عمان، سعت الباحثات جوهرة العبدلية وسارة السرحنية وسارية الغنيمية في ورقتهن: "مدى كفاءة نظرية التبادل الاجتماعي في تفسير السلوك العمانيّ إبّان الأزمات: إعصار شاهين نموذجًا" إلى اختبار قدرة نظرية التبادل الاجتماعي في تفسير العلاقة التبادلية بين الوطن وأبناء الشعب العماني في سياق التصدي للأزمات والكوارث. وقد أشارت الباحثات إلى تجسّد هذه العلاقة في مختلف المجالات الاجتماعية والنفسية والاقتصادية، حيث بادر الشعب العماني منطلقًا من مشاعر الولاء والانتماء للوطن الذي وفر له الأمن الاجتماعي والرفاهية، إلى مساعدة المتضررين من إعصار شاهين ماديًا ومعنويًا. وقد عكست هذه المبادرات قيمًا اجتماعية من بينها: الإحسان، والعطاء، والإيثار.

ومن حقل علم الاجتماع الذي هيمن على معظم أعمال الجلسة الثانية إلى حقل الاقتصاد، قدم الدكتور لحلو بوخاري في بحثه "معضلة النظرية الاقتصادية النيو كلاسيكية بين محدودية الكفاءة التفسيرية والهيمنة على مناهج التدريس والبحث وصنع السياسات" محاولة للنظر في قدرة المبادئ والفرضيات التي قامت عليها النظرية الاقتصادية النيو كلاسيكية على تفسير واقع الاقتصاد العربي. وقد هدف بحثه إلى الكشف عن السياقات التاريخية والثقافية لتطور هذه النظرية، ومن ثم تقييم كفاءتها التفسيرية، بالإضافة إلى تسليط الضوء على الإشكاليات المتأتية من تطبيق السياسات النيو ليبرالية في اقتصادات المنطقة. وأكدّ البحث وجود تضارب بين الرؤية الكونية الإسلامية للمجتمعات العربية والمنهج الاقتصادي النيو كلاسيكي القائم على الفردانية وتعظيم المنافع.

وأخيرًا، إلى حقل الإعلام اختتمت أعمال الجلسة الثانية بمشاركة مصورة للدكتورة سجود عوايص، عرضت من خلالها ورقتها المعنونة بـ"مدى كفاءة نظرية التأطير الإعلاميّ في دراسة قضايا الإعلام العربيّ وتعامل الباحثين العرب معها". وقد أشارت عوايص إلى أنّ ورقتها نظرت في إشكاليتين جوهريتين: الأولى؛ هي كفاءة نظرية التأطير الإعلامي من حيث قابليتها للتعاطي مع الخصوصية العربية؛ والثانية؛ تتعلق بأداء الباحثين العرب عند استخدامهم لفروض هذه النظرية. فمن خلال الوقوف على 42 دراسة إعلامية عربية صدرت في الفترة ما بين 2022 و 2023؛ خلصت الورقة إلى أن نظرية التأطير الإعلامي أثبتت قصورها في تفسير أداء الإعلام العربي من حيث اختلاف سياق نشأتها وما تلاه من تغييب للخصوصية العربية، ناهيك عن مرونة النظرية التي قد تصل إلى حد الهُلامية التي غاب عنها وضوح المنهج والمصطلح. وقد أكدّت عوايص أن هذا القصور قد ألقى بظلاله على تعامل الباحثين العرب مع النظرية من ناحية تعاظم الضعف في تطبيق فروضها واقعيًا. هذا وأوصت عوايص بضرورة العمل على إخراج عُدة منهجية عربية توائم واقع الإعلام العربي وقضاياه المحورية.

وبعد استراحةٍ مطوّلة استمرت نحو الساعة، اجتمع المشاركون والحضور مجددًا لبدء أعمال الجلسة النقاشية التي تباحثت في مسألة (جدوى النظرية في البحث الاجتماعيّ). سعت الجلسة أولًا – كما أشرنا في مستهل هذا التقرير – إلى استعراض فكرة كتاب "استدراكات على النموذج الخلدونيّ"؛ حيث أشار الأستاذ الدكتور التيجاني عبد القادر إلى أن هذا المشروع أتى للنظر في مدى ملاءمة النموذج الخلدوني لتفسير حالة نشأة الدول وسقوطها، وقد تعاطى الباحثون مع النموذج الخلدونيّ باعتباره إطارًا تفسيريًا لا أيديولوجيًا، وبالتالي وقع الاختيار على بعض المقولات الخلدونيّة التي نظر الباحثون في مدى قدرتها على تفسير نشأة الدول وسقوطها في حالتين هما: اليمن في عهد الإمامة الزيديّة وتونس الحديثة.

فمن ناحية تُمثّل اليمن آنذاك مجتمعًا تقليديًا سابقًا للحداثة، في حين تمثل تونس مجتمعًا وقع عليه الاستعمار وتسللت فيه الحداثة. وبالتالي، إن صحّت المقولات الخلدونية في تفسير هاتين الحالتين المتقابلتين دون تعسّف الواقع لإثبات جدواها – على حد قول التجاني – فهي بذلك تثبت كفاءتها التفسيرية. وقد أكد التيجانيّ أن هذا المشروع قد انتهج أسلوب الاستدراك في تعاطيه مع هذه المقولات؛ إذ لم يرفضها جُملة واحدة ولم يقبلها برمتها دون تمحيص، ومن أهم الاستدراكات التي خلص إليها المشروع:

1-     مسألة البادية، فبخلاف ما أشار إليه ابن خلدون من حيث إن العصبية لا تنشأ إلا في البادية؛ كانت العصبية الزيدية "عصبية مذهبية" أهلها علماء وحضر، فجرى اندماج بين العصبية القبلية والمذهب، فبرز دور الدين في ذلك الاندماج، وهو دور لم يغفل عنه ابن خلدون، إلا أنه لم يتعاط معه باعتباره عاملًا مستقلًا كما في حالة اليمن.

2-     مسألة العامل الخارجي، حيث أثبتت حالتا اليمن وتونس وجود دور جوهري للتدخلات الخارجية في نشأة الدول وسقوطها. وعلى الرغم من أن ابن خلدون لم يغفل عنها أيضًا؛ حيث وصفها بـما أسماه "السلطان الأكبر"؛ إلا أنّ استقراء الحالتين أضاف إلى هذا المفهوم العابر سعة تفسيرية. وختم التجانيّ مداخلته بفتح النقاش أمام الجمهور للنظر في قيمة هذا النموذج، متسائلًا عما إذا كان من المفيد المضيّ في دراسة حالة أخرى تحت نفس النموذج وبنفس الآلية؟

بعد ذلك، تساءل الدكتور نايف بن نهار عن جدوى استعادة نموذج ابن خلدون، وجدوى استنطاق النظريات السابقة، بل وجدوى استعادة النظريات في التفكير الاجتماعي، مشيرًا إلى أن للنظريات مجالين: مجال النشأة، ومجال الاستثمار؛ ففي الأول تنشأ النظريّة ضمن سياق معيّن وتكون بذلك (نظرية)، وفي الثاني تُنقل النظرية إلى سياق آخر فتصير بذلك فرضيّة؛ إذ إن النظرية في غير سياقها فرضية غير مثبته. واختتم ابن نهار حديثه بالتساؤل الآتي: هل تتعطل لدينا القدرة على تفسير الواقع إذا ألغينا النظريات؟ وقد تباينت التعقيبات على هذا التساؤل فهناك من أشار إلى تعطّل عملية التراكم المعرفي في حال غياب النظرية، وهناك من أثار مسألة الدخول في حالة من الاستبداد المعرفي في حال تجاوزها، وهناك من دعا للنظر في تاريخ نشأة النظريات وارتباطها بانفصال العلوم عن الفلسفة والأخلاق، وكذا انفصال الحقيقة عن القيمة، وما يترتب على ذلك من صعوبة تجاوز النظرية في العالم العلماني لاعتبارها بمثابة النص المرشد دائمًا للعلماء.