cid:image007.png@01DA94D4.752A8770Publizieren – Why Open Access?

 

تاريخ الاستلام: 04 أكتوبر 2024 | تاريخ التحكيم: 04 ديسمبر 2024 | تاريخ القبول: 12 يناير 2025

ترجمة

البينيَّة من منظورٍ تاريخي*

تأليف: ميتشل غراهام اش**

ترجمة: هناء خليف غني

أستاذ في قسم الترجمة، كلية الآداب، الجامعة المستنصرية–العراق

h.horizons2013@uomustansiriyah.edu.iq

https://orcid.org/0009-0004-5863-0918

ملخص

تُقدِّم هذه الورقة البحثيَّة سردًا تاريخيًّا موجزًا عن البينيَّة، حيث تطرح ادعاءً مركزيًا مفاده أن المشهد الحديث للتَّخصُّصات العلميَّة والإنسانيَّة والبينيَّة قد نشأ معًا؛ ولأنَّ كلما يتسم بحركية مستمرة، وتجب دراستها تاريخيًا من حيث ارتباطهما ببعضهما البعض كممارسات مؤسسيَّة. ويتصل الادعاء الثاني بتزايد ظاهرة التعقيد، حيث ظهرت مجالات جديدة عند تقاطعات التخصصات منذ أواخر القرن التاسع عشر، وتلتها مبادرات متعدِّدة التَّخصُّصات وعابرة للتخصُّصات في القرن العشرين، وصولًا إلى البحث البرامجيّ العابر للتخصُّصات في أواخر القرن العشرين ومطلع القرن الحادي والعشرين. وكانت هذه المراحل مدفوعةً، بنحوٍ رئيسٍ، بوكالات التَّمويل السَّاعية إلى توجيه العلوم ودفعها في مسارات اجتماعية وسياسية مرغوبة (في الأنظمة الدِّيكتاتوريَّة والدِّيمقراطيَّة أيضًا)، بينما بقيت التَّخصُّصات التَّقليديَّة قائمة وشهدت ظهور تخصُّصات جديدة. وقد أسهمت هذه المبادرات السَّياسيَّة في تحويل مفهومي التَّخصُّص والبينيَّة بطرق غير متوقعة، في حين لم يطرح السؤال حول ما إذا كانت الترتيبات متعددة أو عابرة التخصّصات تُنتج نتائج معرفية أفضل في العلوم أو الدراسات الأكاديمية من قبل الفاعلين الذين يسهلون إنشاءها.

الكلمات المفتاحيَّة: البينيَّة، تعدد التَّخصُّصات، والتَّخصُّصات العابرة، التَّاريخ، السِّياسة

للاقتباس: غراهام اش، ميتشل. "البينيَّة من منظورٍ تاريخي"، ترجمة هناء خليف غنى، مجلة تجسير لدراسات العلوم الإنسانية والاجتماعية البينية، المجلد السابع، العدد 1 (2025): 167-192. https://doi.org/10.29117/tis.2025.0213

© 2025، خليف غنى (مترجم)، الجهة المرخص لها: مجلة تجسير، دار نشر جامعة قطر. نُشرت هذه المقالة البحثية وفقًا لشروط Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0). تسمح هذه الرخصة بالاستخدام غير التجاري، وتنبغي نسبة العمل إلى صاحبه، مع بيان أي تعديلات عليه. كما تتيح حرية نسخ، وتوزيع، ونقل العمل بأي شكل من الأشكال، أو بأي وسيلة، ومزجه وتحويله والبناء عليه، طالما يُنسب العمل الأصلي إلى المؤلف. https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0

 


 

 Publizieren – Why Open Access?

Submitted: 04 October 2024 | Reviewed: 04 December 2024 | Accepted: 12 January 2025

Translation

Interdisciplinarity in Historical Perspective

Authored by: Mitchell G. Ash

Translated by: Hanaa Khlaif Ghena

Professor, Department of Translation, College of Arts, Al-Mustansiriya University, Iraq

h.horizons2013@uomustansiriyah.edu.iq

https://orcid.org/0009-0004-5863-0918

Abstract

This paper sketches a historical account of interdisciplinarity. A central claim advanced is that the modern array of scientific and humanistic disciplines and interdisciplinarity emerged together; both are moving targets, which must therefore be studied historically in relation to one another as institutionalized practices. A second claim is that of a steadily increasing complexity; new fields emerged on the boundaries of existing disciplines beginning in the late nineteenth century, followed by multi- and transdisciplinary initiatives in the twentieth, and finally transdisciplinary programmatic research in the late twentieth and early twenty-first centuries. The latter two phases in this development have been driven primarily by funding agencies seeking to move the sciences in particular directions deemed socially or politically desirable (in dictatorships as well as democracies), while the existing disciplines remained in place and new ones came into being. Such policy initiatives have transformed both disciplinarity and interdisciplinarity in unanticipated ways. The question whether multi- or transdisciplinary arrangements produce epistemically better science or scholarship appears not to have been raised, let alone examined, by the policy actors driving their creation.

Keywords: Interdisciplinarity; Multidisciplinary; Transdisciplinary; History; Policy

Cite this article as: Mitchell G. Ash. “Interdisciplinarity in Historical Perspective,” trans. Hana Khalief Ghena, Tajseer Journal for Interdisciplinary Studies in Humanities and Social Science, Vol. 7, Issue 1 (2025), pp. 167-192. https://doi.org/10.29117/tis.2025.0213

© 2025, Khalief Ghena (trans.), licensee, Tajseer & QU Press. This article is published under the terms of the Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0), which permits non-commercial use of the material, appropriate credit, and indication if changes in the material were made. You can copy and redistribute the material in any medium or format as well as remix, transform, and build upon the material, provided the original work is properly cited. https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0

1.     مقدمة

المُلاحظات الآتية مُقدمةٌ من منظور مؤرخٍ للعلم. ولهذا ما يُسوغه، أوّلًا، لأنَّ للمنظور التَّاريخيّ القدرة على تسليط الضَّوء على طبيعة القيود الَّتي فُرِضت على التَّفاعلات البينيَّة عبر الزَّمن. وثانيًا، لأنَّ الأمثلة التَّاريخيَّة تُعزز وعينا بالتَّنوع الفعليّ والطَّبيعة المُتغيرة لهذه التَّفاعلات؛ الشَّيء الذي يُمثل تحديًا للجهود الَّتي يبذلها الفلاسفة، فضلًا عن آخرين، لوضع تعاريف عامة (أو معايير) للممارسات البينيَّة. في مُستهل الحديث، دعوني أُبين بإيجازٍ ما يعنيه المنظور التَّاريخي في هذه الحالة. فاستنادًا إلى الانطباع الأوليّ، يبدو تاريخ العلوم بينيًّا في ذاته بالنَّظر إلى استثمار المناهج التَّاريخيَّة في دراسة تخصُّصات أُخرى. ومع أنَّ هذا الانطباع ليس خاطئًا بالتَّأكيد، يبدو لي، في ظل الوضع الحالي لهذا المجال، أنَّ من الأفضل وصف تاريخ العلم بأنَّه تخصُّصٌ بينيّ (inter-discipline)، إذ تُستخدم المناهج التَّاريخيَّة لتحليل التَّغيرات في مجالات المعرفة الأُخرى على مر الزَّمن[1]. لم يعد هذا المجال مقتصرًا على العلوم الطَّبيعيَّة والطِّبيَّة أو تاريخ التَّخصُّصات، بل إنَّه يُخاطب أيضًا التَّطور التَّاريخيّ لما يُمكن أن نطلق عليه مجالات المعرفة بمعناها الواسع، فكانت النَّتيجة المترتبة على ذلك هي أنَّ تاريخ العلم والتَّاريخ العام للمعرفة لم يعودا نشاطين مختلفين تمامًا[2]. وقدر تعلق الأمر بالموضوع قيد البحث هنا، فإنَّ نهجي في دراسة تاريخ العلم هو نهجٌ عابر للتخصُّص، بمعنى أنَّني لا أتقيد في دراساتي بتاريخ أيّ تخصصٍ واحدٍ ولا بتاريخ الأفكار العلميَّة أو الرُّؤى العالميَّة، إنَّما أحاول وصف وتحليل التَّحولات في المعرفة وكذلك في المؤسسات المُولِّدة لهذه المعرفة والمُوزِعة لها عبر الزَّمن[3]. ومع ذلك، فإنَّ المقاربة الَّتي أعتمدها، من النَّاحية المنهجيَّة، هي مقاربةٌ أُحادية التَّخصص (monodisciplinary)، توافقًا مع تقييم مؤرخة العلوم، لورين داستن (Lorraine Daston)، للوضع الحالي للحقل: "أصبح مؤرخو العلوم، إلى حدٍّ كبيرٍ، وبسبب التَّفويض الذي يقضي بتضمين العلم في السِّياق، متخصِّصين تخصُّصًا واعيًا، والتَّخصُّص الذي ألزموا به أنفسهم هو التَّاريخ"[4].

ما الفائدة الَّتي يُمكن أن تُقدمها أيٌّ من المنظورات التَّاريخيَّة آنفة الذِّكر في الاعتبارات العامة للبينيَّة؟ قبل محاولة الإجابة عن هذا السُّؤال، ثَمَّة حاجةٌ إلى إيراد بعض الملاحظات الأساسيَّة عن المسائل المفاهيميَّة لأسبابٍ ستتضح أدناه. فكما هو معروف، من الممكن، بل والوجب، تمييز البينيَّة (interdisciplinarity) المعروفة اختصارًا بـID عن نوعين إضافيَّين من البحث يتجاوزان حدود التَّخصُّص، وهما تعدد التَّخصُّصات (multidisciplinarity أو MD)، والتَّخصُّصات العابرة (transdisciplinarity أو TD)[5]. تجمع المشاريع متعدِّدة التَّخصُّصات الأعمال من عدة تخصُّصات لغرض معالجة موضوعٍ أو مسألةٍ بحثيَّةٍ واحدةٍ مع القليل من التَّجاوز للحدود التَّخصُّصيَّة في الإسهامات الفرديَّة أو انعدام هذا التَّجاوز. المثال المحتمل على ذلك هو مجلد يجمع بين المقاربات الاجتماعيَّة والتَّاريخيَّة والسِّياسيَّة لموضوع القوميَّة. ومع أنَّ البينيَّة هي الوصف المعتاد لهذا النَّوع من المُجلدات الجامعة، يتبين عند الفحص الدَّقيق أنَّها متعدِّدة التَّخصُّصات في الواقع، مع اقتصار الإشارة إلى البينيَّة – إن أُشير إليها في الأصل – في مُقدمة المُحرر فقط. تشتمل التَّخصُّصات العابرة، بنحوٍ عامٍ، على معالجة مسألةٍ تتجاوز – كما يدل اسمها ضمنًا – حدود التَّخصُّص، وذلك لتعذر التَّعامل مع الموضوع تعاملًا وافيًا بالغرض إذا ما أُوكِل إلى تخصُّصٍ واحدٍ أو مجموعة من التَّخصُّصات. وعلم المناخ هو مثالٌ حديثٌ واضحٌ على الموضوع العابر للتخصُّصات. لكن التَّخصُّصات العابرة قد تكون منهجيَّةً أيضًا عند اشتمالها على طرائق لمعالجة المسائل التي لا تقتصر على تخصُّصات مفردة أو مجموعات إضافيَّة من التَّخصُّصات. وانطلاقًا من هذه الرُّؤية، فإنَّ البينيَّة ليست عابرة للتخصُّصات ولا متعدِّدة التَّخصصات مع أنَّ تعريفًا من هذا النَّوع يبدو غير كافٍ لأنَّه لا يُمثل ما هي البينيَّة تمثيلًا وافيًا.

الأدبيات حافلةٌ بالعديد من المعايير والتَّعريفات الإيجابيَّة للبينيَّة، بالنَّظر إلى الحقيقة الواضحة الَّتي تقول – مع أنَّها، ربما، ليست حقيقة مُبتذلةً تمامًا – إنَّ "للبينيَّة مظاهرَ كثيرة"[6]. وقد بُذِلت بعض الجهود لتنظيم هذا التَّنوع والتَّعدد عبر تطوير "تصنيفات" للبينيَّة[7]. ومع أَّني لا أجرؤ على إبداء الرأي في مدى فائدة هذه الجهود للفلاسفة أو خبراء دراسات العلوم، هناك، على الأقل، ثلاث نقاط تبدو واضحةً من القراءة الأوّليَّة بالنِّسبة لمؤرخٍ مثلي. أوَّلًا، يجب على تحليلات البينيَّة، سواء أكانت تاريخيَّة أم غير ذلك، أن تتناول التَّخصُّصيَّة (disciplinarity)، وتُعرفها بطريقةٍ ما، تصريحًا أو تلميحًا[8]. ثانيًا، تُمثل التَّخصُّصات نفسها والعلاقات فيما بينها، مهما كانت أشكالها، ما يُسميه علماء الاجتماع بـالأهداف المتحركة. يفترض هذا الادعاء ضمنًا أنَّ العديد من التَّخصُّصات، بل الجزء الأكبر منها في الواقع، لم يكن موجودًا على الدَّوام، مع أنَّ له مواقع قابلة للتحديد في الزَّمن التَّاريخيّ، ويفترض أيضًا أنَّه حتَّى تلك التَّخصُّصات الَّتي كانت موجودةً فتراتٍ طويلةً تُظهر تغيرًا على مر الزَّمن[9]. يُبين هذا أنَّ تقسيماتِ أو تصنيفاتِ البينيَّة ليست سوى لقطات سريعة للوضع في أيّ زمنٍ محددٍ. إنَّ جمع ودمج الأشكال والأساليب السَّابقة والحاليَّة من الممارسة البينيَّة، كما يحدث غالبًا في هذا النَّوع من الجهود التَّصنيفيَّة، ليس بذي نفع للتحليل الدَّقيق. ثالثَّا، لا يوجد حدٌ، من حيث المبدأ، لأنواع البينيَّة، الشَّيء الذي يجعل أيّ جهد لاستخلاص معايير أو قواعد مُلزمة لهذا المفهوم يبدو عبثيًا مُسبقًا[10]. في الوضع المثاليّ، سيتبنى كُل تخصُّصٍ من التَّخصُّصات المعنية بالبينيَّة الحقيقيَّة، مفردات ومفاهيم ومناهج من التَّخصُّصات الأُخرى الشَّريكة والمتعاونة[11]. قد يبدو هذا المعيار جذابًا في ظاهره، إلَّا أنَّ مشاريع البينيَّة لا تمتثل دائمًا، أو حتَّى بنحوٍ متكررٍ، لهذا المعيار الرَّفيع. ولحسن الحظ، فإنَّ مهمة المؤرخ هي مهمةٌ تجريبيَّةٌ في الأساس لا معياريَّة. غير أنَّ ذلك لا يمنع أن تكون المناقشات المفاهيميَّة للبينيَّة مفيدةً في تحليل أمثلةٍ محددةٍ، ومفيدة أيضًا للملاحظات التَّاريخيَّة عن البينيَّة ضمن الحدود الَّتي حاولت للتو بيانها.

2.     نحو تأريخ (historicizing) البينيَّة

لا تُفصح تعريفات البينيَّة أو قوائم ممارساتها عن الكثير حول السِّياقات المؤسسيَّة والاجتماعيَّة والسياساتيَّة الَّتي تنشأ فيها هذه المُمارسات. وعندما يستخدم المؤرخون مصطلح البينيَّة، فإنَّهم لا يكتفون بالحديث فقط، أو حتَّى بنحوٍ أساسيّ، عن الأفكار والممارسات المجردة بمعزلٍ عما يُحيط بها – مهما كان المقصود بذلك – بل إنَّهم يتحدثون عن الممارسات المؤسسيَّة. وإذا اتفقنا مع الادعاء آنف الذِّكر، الذي يُفيد أنَّ التَّخصُّصات بوصفها كيانات تاريخيَّة ليست كيانات ثابتة، بل هي أهداف متحركة، فيجب أن يكون واضحًا أنَّ الممارسات المؤسسيَّة للبينيَّة لا يُمكن التَّعامل معها بوصفها من المُسلمات، بل هي في حاجةٍ إلى تأريخها أيضًا. يعني هذا ضرورة الاستِعلام عن الظُّروف الَّتي نشأت فيها هذه التَّخصُّصات: هل هذه الظُّروف مستقرة أم مضطربة، وهل انتهت أم اتخذت لها مسارات جديدة؟ ويعني ذلك أيضًا، قدر تعلق الأمر بي، أنَّ الافتراضات الضِّمنيَّة أو الادعاءات الصَّريحة عن قيمة البينيَّة، أو انعدام هذه القيمة، في حاجةٍ إلى أن تؤرخ أيضًا. وبطبيعة الحال، ليس بوسعي، تقديم هذا السَّرد التَّاريخيّ المعقد للتخصُّصيَّة والبينيَّة في هذه المساحة المحدودة المتوفرة، مع أنّي آمل حقًا تقديم بعض التَّلميحات لِما قد يبدو عليه مشروع من هذا النَّوع.

إذا أردنا أن نأخذ على محمل الجد المعنى الظَّاهري لمصطلح البينيَّة، مع التَّركيز على الجذر اللَّاتيني للجزء الأول منه؛ أي inter، إذًا، يجب على العلاقات، الَّتي يدل عليها هذا المصطلح، أن تكون علاقات بين كيانين يُسميان تخصُّصين أو كيانات تُسمى تخصُّصات. وفي هذا الموضع يبرز دور النُّقطة الأولى المذكورة آنفًا: أي الادعاء بأنَّه من المستحيل، من حيث المبدأ، تأريخ البينيَّة من دون أن نحاول، أوّلًا، أن نذكر شيئًا عن ظهور التَّخصُّصات وتاريخها اللَّاحق. وهذا يقودني إلى أطروحتي الأولى:

الأطروحة الأولى: يعتمد النِّطاق المحتمل لأنواع البينيَّة (interdisciplinarities) على نطاق التَّخصُّصات الموجودة مهما كانت طريقة تعريفها. وثَمَّ ادعاء آخر مرتبطٌ بهذا القول مؤداه أنَّ الزِّيادة في عدد التَّخصُّصات وتنوعها وأنواعها ستؤدي حتمًا إلى زيادةٍ أكبر في العدد المحتمل للأنشطة البينيَّة، وفي تنوعها أيضًا.

تُشير كلمة التَّخصُّص إلى مجالٍ واحدٍ محددٍ تحديدًا نسبيًا من المعرفة، مع أنَّه لا يقترن، بالضَّرورة، اقترانًا دائمًا بموضوعِ التَّدريب الأكاديميّ أو المهنيَّ. وتبعًا لذلك، ليست التَّخصُّصات معنيةً بالتَّقدم فحسب، بل أيضًا، وبنحوٍ أساسيّ في الواقع، بتوثيق المعرفة. والتَّخصُّصات، في ضوء هذا المعنى الأخير، مُحافظة بطبعها بحسب هذا التَّعريف، على الرَّغم من وفرة الادعاءات الَّتي فحواها أنَّ الابتكار هو غاية العلم. لقد وُجِدت التّخصُّصات في شكلٍ من الأشكال منذ وجود المدارس. ومعنى ذلك أنَّها كانت على الدَّوام وحدات للمعرفة، ووحدات للإدارة أيضًا، على الأقل في الثَّقافة الأوروبيَّة، والثَّقافة في أمريكا الشَّماليَّة، وربما في خارج أوروبا وأمريكا الشَّماليَّة كذلك، مع أنَّه يتعذر عليّ الحديث عن هذا الموضوع في هذا المقام.

كان التَّدريب في القرون الوسطى المُبكرة، الذي يسبق ممارسة التَّخصُّصات، الَّتي كانت تُعد في ذلك الوقت تخصُّصات أكاديميَّة حقيقية (أي القانون والطَّب واللَّاهوت)، تدريبًا مُنظمًا على وفق إحدى نُسخ الفنون اللَّيبراليَّة السَّبعة المُعتمدة والمُعترف بها، وهي: الفُنون الثُّلاثة: (النَّحو= اللَّاتينيَّة، الدِّيالكتيك أو الجدل (=المنطق)، والبلاغة (=فنون الكلام والكتابة)؛ والعُلوم الأربعة: الحساب (العدد في ذاته)، والهندسة (الأعداد الثَّابتة أو الأشكال)، والفلك (بما فيه التَّنجيم)، ونظرية الموسيقا (بما فيها نظرية الانسجام الكونيّ)[12]. ولم تكن الغاية من هذا التَّدريب هو تحصيل التَّعليم الأساسيّ فحسب، بل كانت هناك غاية أساسيَّة أُخرى، في الواقع، هي تعليم الفرد ما يعنيه أن يعرِف أو يُثبت شيئًا، بأيَّة حالٍ. لم تكن المعرفة العمليَّة هي الغاية، مع أنّه كان من المفترض أنَّ الأفراد ذوي العقول المُنظمة تنظيمًا جيدًا، الذين فهموا ما يعنيهم أن يعرفوا أو يُثبتوا شيئًا، سيكونون أفضل استعدادًا لتعلم التَّخصُّصات "الأرقى" المذكورة للتو، أو، على الأقل، العمل بكفاءةٍ في المناصب الإداريَّة. لم يكن أبناء الطبقة النَّبيلة، الذين كانوا الحاملين الأساسيِّين للسلطة الحقيقيَّة في المجتمع، يلتحقون بالجامعات في ذلك الوقت، لكنَّهم كانوا يحصلون فعلًا على أساسيّات المعرفة المُنظمة ومبادئها إمَّا بالتَّتلمذ على مُدرِّسين خصوصيّين وإمَّا بالتَّوجُّه لاحقًا إلى مدارس تُعرف بالأكاديميَّات، الَّتي على الرَّغم من أسمائها، فإنَّها لا صِلة كبيرة لها بأكاديميَّات العلوم الَّتي تأسست منذ القرن السَّابع عشر فصاعدًا. كف مقياس التَّقسيم إلى الفنون الثَّلاثة والعُلوم الأربعة عن أن يكون معيارًا عالميًّا حتَّى قبل عصر النَّهضة مع أنَّ فكرة اكتساب المعرفة الأساسيَّة، ووسائل الانخراط في التَّأمل النَّقدي في "المقدمات الفلسفيَّة" قبل الانتقال إلى المرحلة المتقدمة التَّالية في دراسة القانون أو الطِّب أو اللَّاهوت، بقيت نافذةً وسارية المفعول. كان غاليلو غاليلي (Galileo Galilei) يُدرِّس الرِّياضيات، في الأصل، في الكُليَّات "الفلسفيَّة" في مدينتيّ بيزا وبادوا. وأسهم ظهور الجامعة الحديثة في القرنين الثَّامن عشر والتَّاسع عشر، ولا سيما بنُسختها المدفوعة بما يُعرف بالإلزام البحثيّ[13] في إضافة ديناميَّة حركيّة غير معروفة سابقًا إلى هذا المزيج.

3.     تأريخ البينيَّة والتَّخصُّصيَّة: نموذج ثُلاثي الأطوار

إذن، كيف يُمكننا، أو كيف يجب علينا، تأريخ كُل هذه الأمور؟ إنَّنا الآن مستعدون للتعامل مع اعتبارات أشد جوهريَّة. ولغرض إثراء النِّقاش، اسمحوا لي باقتراح ثلاثة أطوار تاريخيَّة لوصف ما حدث منذ حوالي العام 1800 من دون تقديم أيّ ادعاء بالكمال أو الدِّقة[14].

الطَّور الأوَّل: التَّخصُّصيَّة والتَّخصُّص الدَّقيق في إنشاء الجامعة البحثيَّة

يمتدُ هذا الطَّور من أواخر القرن الثَّامن عشر إلى أوائل القرن العشرين، وهي المُدة الَّتي شهدت تحول الجامعات إلى الجمع بين المؤسستين التَّعليميَّة والبحثيَّة، في الولايات الألمانيَّة، في البداية، ثُمَّ في بلدان أُخرى. وأُشدد هنا على التَّعليم والبحث معًا لأنَّ تأسيس "الإلزام البحثيّ" (بحسب تسمية مؤرخي الجامعات له منذ أن قَدمَ ر. ستيفن تيرنر (R. Steven Turner) المصطلح في 1971)[15] كان مرتبطًا بتحولٍ مصاحبٍ في وظيفة تصديق الشهادات الَّتي تؤديها الجامعات[16]. وكان الأمر الجوهريّ هنا، على الأقل في العالم النَّاطق بالألمانيَّة حيث بدأت هذه العمليَّة، هو التَّحوُّل الجذريّ لكُلية الفلسفة من مُجهز بـ التَّعليم العام" بالمعنى الموصوف أعلاه إلى مُجهز بالتَّدريب البحثيّ المبني على العلم للمُعلمين في المدارس الثَّانويَّة العُليا (أو المدارس الدَّاخليَّة المعروفة في ألمانيا بالجيمنازيوم (Gymnasium). إذن، كان نطاق التَّخصّصُات المعتمدة في هذه الكُليَّة مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بالمواد الدِّراسيَّة في المرحلة الثَّانويَّة العُليا، وإن كان بعيدًا كُل البُعد عن الاقتصار عليها. وخلافًا للروايات الرَّائجة الَّتي تُشدد على العلوم الطَّبيعيَّة والتَّكنولوجيا والطِّب[17]، ينبغي التَّأكيد على النّقاط الآتيَّة: ليس العلم الطَّبيعيّ ولا المختبر البحثي هو الذي أسس، في الأصل، باراديغم العلم أو نموذجه الإرشادي (paradigm of the Wissenschaft) في هذا البناء المعقد، بل الذي أسسه هو فقه اللُّغة الكلاسيكيّ والحلقة النِّقاشيَّة البحثيَّة؛ وكان الطَّلب في السُّوق، بالمعنى الضَّيق للمفردة، هو الدَّافع القطعي والمؤكد لهذه العملية في الكيمياء وبعض العلوم الطَّبيعيَّة الأُخرى، مع أنَّ ذلك لم يحدث في الأماكن كُلها؛ ومع أنَّ التَّصنيع ومكننة الزِّراعة كانا من المُحفِّزات المُهمة، فإنَّهما لم يكونا الدَّافعين الوحيدين وراء إضفاء الطَّابع المؤسسيّ على الجامعة البحثيَّة.

وعلى أيَّة حال، فإنَّ العمليَّة الَّتي أحاول وصفها لم تكن تقتصر على ما يُسمى بكُليَّة الفلسفة (المُعادلة على وجه التَّقريب لكُلية الفنون والعلوم في الجامعات الأمريكيَّة)، بل امتدت لتشمل كُليات الطِّب والقانون أيضًا. تمكن الاستعانة بعلامات متعدِّدة للتدليل على ظهور التَّخصُّصات بوصفها مؤسسات، منها إصدار المجلات الأكاديميَّة وإنشاء الجمعيات العلميَّة أو البحثيَّة. وثَمَّ أمر ذو صِلة في هذا السِّياق هو تأسيس كراسي الأُستاذيَّة المُسماة والمعاهد أو الحلقات النِّقاشيَّة البحثيَّة المرتبطة بها. وقد استخدم علماء الاجتماع، منذ أمدٍ بعيدٍ، مصطلح "التَّمايز (differentiation)" لوصف العمليَّة المعنية هنا[18]. ولهذه العمليَّة وجهان: تمايز العلم عن اللاعلم أو العلم الزَّائف (على خلاف البحث الدِّينيّ أو النَّفسيّ، على سبيل المثال)، مع وجود "حدود عمل أو فواصل" مقابلة في المجال العام[19]، وتمايز ضمن مجال العلم والمنح البحثيَّة الَّتي عادةً ما تُسمى (بنحوٍ مضللٍ) "التَّخصص الدَّقيق" (specialization). والعمليَّة الأخيرة هي محور نقاشي هنا.

ولأنَّ ضيق المساحة هنا لا يسمح لي بالإفاضة في الحديث عن آلّيَة عمل هذه العمليَّة؛ فلا يسعني سِوى ذكر بعض المُسميات بوصفها مؤشرات في مسار التَّحليل الملائم. وتشمل الأمثلة على ذلك: فصل التَّاريخ "الحديث" عن التَّاريخ "العام" الذي صار فيما بعد "التَّاريخ القديم"، أو فصل اللُّغات والآداب "الحديثة" عن "فقه اللُّغة" بنحوٍ عامٍ، والذي كان يعني، في الأصل، دراسة الآداب اللَّاتينيَّة واليونانيَّة. أمَّا الأمثلة في العلوم الطَّبيعيَّة فتشتمل على فصل الكيمياء العضويَّة وغير العضويَّة فضلًا عن علمي النَّبات والحيوان بوصفها أقسامًا ضمن ذلك الجزء من "التَّاريخ الطَّبيعيّ" المُكرس للكائنات الحيَّة (لم يكن المصطلح المُدمج "البايولوجيا أو علم الأحياء" معروفًا حتَّى القرن العشرين)[20]، وعلوم الأرض (علوم الجيولوجيا والمعادن والصُّخور)، الَّتي انفصلت أيضًا عن "التَّاريخ الطَّبيعي"[21]. وكما هو معروف، ومع نهاية القرن التَّاسع عشر، أصبحت الفيزياء النَّظريَّة تخصُّصًا ضمن الفيزياء [العامة] ولها أساتذة يتولون العمل فيها في حين برزت إلى الواجهة، في الوقت نفسه، بعض التَّخصُّصات الفرعيَّة في الفيزياء التَّجريبيَّة، من أمثال البصريَّات والسَّمعيَّات[22]. وحدث الأمر نفسه في الطِّب، إذ انفصل علم وظائف الأعضاء عن علم التَّشريح، وبرزت في الطِّب السَّريريّ، بحلول العام 1900، تخصُّصات إضافيَّة من نحو طب العيون، وطب الأنف والأذن والحنجرة وطب العِظام فضلًا عن طب الأعصاب والطِّب النَّفسيّ[23].

لم تقع أيٌّ من هذه التَّمايزات ضمن المجالات العلميَّة والبحثيَّة من تلقاء نفسها، ولم تبرز في الأماكن كافة في نفس الوقت. ومع ذلك، ثَمَّة نقطةٌ واحدةٌ تبدو واضحةً هي الادعاء بأنَّ الطَّلب في المجتمع أو في السُّوق على التَّخصُّصات الجديدة كان غالبًا السَّبب الرَّئيس وراء موافقة الحكومات على تمويلها؛ وأنَّ الحُجج العلميَّة أو البحثيَّة لم تكن يومًا ما كافيةً في ذاتها حتَّى لو اقترحها أساتذة أجِلاء. في الدِّراسات الإنسانيَّة وكذلك في العلوم، كانت الحاجة إلى مُعلمين متمرسين في البحث العلمي للمساعدة في التَّعامل مع التَّحول إلى الموضوعات "الحديثة" في المدارس (الَّتي تُدرِّس العلوم الطَّبيعيَّة واللُّغات الحديثة) حُجةً شائعةً، لكنَّها لم تكن الوحيدة. وتبعًا لذلك، تعينت إضافة الممارسات الضَّروريَّة إلى قائمة الأنشطة الَّتي استشهدت بها للتو من أجل إقناع وكلاء التَّمويل المُتمثلين بالمسؤولين الحكوميَّين – بنحوٍ رئيسٍ في أوروبا القاريَّة في هذه الفترة – بإنشاء مناصب أُستاذيَّة فضلًا عن إقامة ندوات وحلقات نِقاشيَّة أو مُختبرات للتخصُّصات الجديدة وكذلك تأسيس مجلات وجمعيات علميَّة. وليست هذه الأنشطة "خارجيَّة" بطريقةٍ ما، على التَّخصصيَّة، بل إنَّ ما هو "خارجي" هو الظُّروف الَّتي تجعل التَّخصُّصيَّة ممكنةً بأي شكلٍ من الأشكال. لاحظ أنَّني لا أتحدث هنا عن التَّخصُّص "العلمي" فقط، بل إنَّ مدار حديثي هو التَّخصُّصات العلميَّة والبحثيَّة. وعلى النَّقيض من مواضع الالتباس الجوهرانيّ الشَّائعة المتصلة بهيمنة مفهوم "الثَّقافتين"[24]، فإنَّ الأنشطة المُتضمنة في تأسيس الدِّراسات الإنسانيَّة والعلوم الاجتماعيَّة، الَّتي يُنظر إليها بوصفها ممارسات مؤسسيَّة، لا تختلف كثيرًا – وهو ما يدعو للدهشة – عن الأنشطة المتضمنة في تأسيس العلوم الطَّبيعيَّة والطِّبيَّة أو التَّقنيَّة. وبالمناسبة، هذه هي الفترة الَّتي أصبحت فيها الفلسفة تخصصًا مثل غيرها من الموضوعات، وبدأت بخسارة مكانتها المتميزة بوصفها "علم العلوم" في المستوى المجرد العام (meta-level) أو بوصفها موقعًا متميزًا لوضع المعايير للعلم والبحث في ذاتهما[25].

وعلى الرَّغم من أنَّ التَّخصّصُ الدَّقيق وتشظي التَّخصُّصات الذي نتج عن كل هذا كان محل تأسفٍ واسع النِّطاق منذ البداية، فإنَّه كان مفهومًا أيضًا أنَّ ما حدث هو نتيجة حتميَّة لنمو المعرفة وتشعبها. وكما عبر عنه عالم الفسيولوجيا والفيزياء، هرمان فون هلمهولتز (Hermann Helmholtz) في 1862: "إنَّ إحدى النَّتائج الواضحة والمترتبة على هذا التَّوسع الهائل لحدود العلم هو اضطرار التَّلميذ إلى اختيار مجال أدق وأضيق نطاقًا لكتابة بحثهِ، فلا يكون بوسعه سِوى الحفاظ على معرفة غير كاملةٍ حتَّى بالمجالات الحليفة"[26]. وعند ملاحظتها في هذا السِّياق، يُمكن فهم ظهور التَّخصُّصات البينيَّة الأولى في نهاية القرن التَّاسع عشر بوصفها مجموعة فرعيَّة مُعقدة من عمليَّة التَّمايز. يُمكن تحقيق هذه التَّحولات بطرائق متنوعةٍ، منها التَّهجين: والحالة الكلاسيكيَّة والمدروسة جيدًا هنا هي الكيمياء الفيزيائيَّة[27]. يبدو أنَّ هذين النَّوعين من الممارسات البينيَّة كانا أساسيَّين في هذه الحالة، إذ تأتي في المقدمة الدِّراسات التَّجريبيَّة (الإمبريقيَّة) للعلاقات بين الخصائص الفيزيائيَّة والكيميائيَّة للمواد، مع أنَّ مصطلح "الكيمياء الفيزيائيَّة" استُخدِم أوَّل مرةٍ لتوليد واستثمار التَّناظرات القابلة للقياس بين العمليَّات الفيزيائيَّة والكيميائيَّة (من مثل الضَّغط التَّناضحيّ وقانون بويل للغازات)، وأيضًا، وعلى وجه الخصوص، في تطبيق النَّماذج الرِّياضيَّة على النَّوعين كليهما من العمليَّات. وعلى المنوال نفسه، برزت فروعٌ هجينةٌ جديدةٌ في أوائل القرن العشرين منها الكيمياء الحيويَّة والفيزياء الحيويَّة. وبالطبع، لم يحدث أيٌّ من هذا من دون معارضةٍ. ففي وقتٍ لاحقٍ هو العام 1936،، تذمَّر عالم الكيمياء البريطانيّ، هنري ارمسترونغ (Henry Armstrong)، في إشارةٍ منه إلى تبني عالم الكيمياء السُّويديّ، سفانت أوغست ارهنيوس (Svant Arrhenius)، للكيمياء الفيزيائيَّة ودفاعه عنها، من "تدخل العقيدة الارهنيوسيَّة [نسبةً إلى العالم السُّويدي]" في الكيمياء، مما أدى إلى "إضافة فئة جديدة من العاملين في هذا التَّخصُّصفئة لا معرفة لديها بالفنون المختبريَّة، وليس لها القدر الكافي من المعرفة بالرِّياضيَّات، فتضلها الإحداثيَّات المنحنية عن الطريق... والحقيقة أنَّ الكيمائيَّين الفيزيائيَّين لا يستخدمون بصيرتهم، ويفتقرون افتقارًا يؤسف له إلى الثقافة الكيميائيَّة"[28]. جدير بالملاحظة هنا استخدام ارمسترونغ لكلمة "الثَّقافة" لوصف أسلوبٍ مشتركٍ في العمل.

شهدت هذه المرحلة ظهور تخصُّص بينيّ آخر هو علم النَّفس التَّجريبيّ. كانت الغاية من هذه الخطوة هنا هي معالجة بعض المسائل في الفلسفة، ولا سيّما ذلك الجزء من الفلسفة الذي كان يُعرف سلفًا بالأبستمولوجيا، بمساعدة المفاهيم والممارسات العلميَّة الطَّبيعيَّة[29]. وقد تكرر كثيرًا الاستشهاد بمثال فلهلم ماكسيلميان فونت (Wilhelm Wundt)، الذي انتقل فعلًا من علم الفسيولوجيا إلى الفلسفة، دعمًا للادعاء الذي فحواه أنَّ التَّهجين كان فاعلًا ومؤثرًا هنا أيضًا[30]. لكنَّ حالة فونت كانت فريدةً. إذ كان اقتراض مفاهيم ومناهج بحثيَّة من الفيزياء أكثر تواترًا وشيوعًا، كما في الفيزياء النَّفسيَّة لغوستاف تيودور فخنر (Gustav Theodor Fechner)، على سبيل المثال، أو التَّقنيات من علم الفسيولوجيا المختبريَّة، ومن بينها استخدام الفلاسفة الأصغر سِنًا لأدوات بحثيَّة من نحو الكرونوسكوب أو مُسجل الزَّمن[31]. وقد عُدَّت جهود هؤلاء الفلاسفة، لعقودٍ من الزمن، بمنزلة نهج جديدٍ في الفلسفة. ومع أنَّها حظيت، في البداية، ببعض الاهتمام، فإنَّها تعرضت لانتقاد ورفضٍ شديدين من "الجانبين" كليهما. ومع أنَّ بعض علماء الفسيولوجيا، من أمثال الألماني إيفال هيرنغ (Ewald Hering)، اقترحوا مراعاة ما يراه الأفراد بوصفه تفسيرًا لعلم وظائف الأعضاء الحسيَّة[32]، والذي كان سيتطلب تعاونًا مع علماء النَّفس التَّجريبيّين، فإنَّ أكثريتهم درسوا وتناولوا وظيفة الأعضاء الحسيَّة من دون مساعدةٍ من علم النَّفس. من جهةٍ أُخرى، رفض الفلاسفة الكانتيون-المحدثون (Neo-Kantian) فضلًا عن الفلاسفة الظَّاهراتيَّين رفضًا شديدًا ما سموه "النَّزعة النَّفسانيَّة" في نظرية المعرفة، وأنكروا أن يكون للمعرفة التَّجريبيَّة بالسيرورات العقليَّة الواعية أيَّة تأثيرات في النِّقاشات المعنية بطبيعة الوعي في ذاته[33]. وتنطوي أزمة المشروعيَّة النَّاتجة المتصلة بالتَّخصُّص الجديد، الذي سماه بعضهم سلفًا بالعلم الجديد، على جانبٍ عمليّ لأنَّ الوقت اللَّازم لتعلم وتنفيذ الممارسات البحثيَّة النَّفسيَّة التَّجريبيَّة أسهم في فصل علماء النَّفس "الجُدد" عن الفلسفة والفلاسفة. ومع ذلك، فقد أصروا على تناول المسائل في الأبستمولوجيا، وبالتالي، أصروا أيضًا على الأهمية الفلسفيَّة لنتائجهم. أُقِر البديل الواضحأيّ تأسيس تخصُّص جديد مفصول عن الفلسفة والفسيولوجيافي الولايات المتحدة أوَّل مرةٍ، حيث تزامن نقل المناهج التَّجريبيَّة من ألمانيا مع بروز الجامعة البحثيَّة القائمة على الأقسام بدلًا من قيامها على الكُليَّات، كما هو شائع في ألمانيا؛ وهذا التَّزامن المؤسسي مكَّنَ من إنشاء مناصب أستاذيَّة جديدة وأقسام لعلم النَّفس. وليس مصادفةً أن يتزامن تأسيس علم النَّفس بوصفه تخصُّصًا مستقلًا في الولايات المتحدة مع التَّحول في موضوع هذا التَّخصُّص بعيدًا عن التَّجربة الواعية، ونحو السُّلوك، من دون التَّخلي عن التَّجربة المختبريَّة بوصفها الطَّريق المُباشر للمكانة العلميَّة. وعلى خلاف ذلك، استمرت ممارسة تكليف أساتذة من علم الفلسفة بشغل مواقع الأستاذيَّة في علم النَّفس حتَّى أربعينيَّات القرن العشرين. وكما تُبين هذه الأمثلة، وغيرها كثير، كان ظهور النِّظام الحديث للتخصُّصات، والظُّهور اللَّاحق للتخصُّصات البينيَّة عمليات مشروطة تاريخيًّا، ولم تقع قط من دون مقاومة. وأفعال الإقناع الَّتي سبقت تأسيسها، على الرَّغم من المعارضة، يجب أن تكون جزءًا من أيّ تاريخ للبينيَّة، حتَّى عندما لا تكون موجَّهةً دائمًا للعلماء أو مُقدمة بصيغ علميَّة، أو خاصَّة لكونها غير موجَّهة لهم.

الطَّور الثَّاني: تعدد التَّخصُّصات (MD) وظهور وكالات التَّمويل الوطنيَّة

يمتد الطَّور الثَّاني من أوائل القرن العشرين إلى الثّلث الأخير منه. والشَّيء الجوهريّ هنا من المنظور المؤسسيّ هو التَّأثير التَّحويليّ لبروز وكالات التَّمويل البحثيّ الكبيرة المُمولة إمَّا من القطاع العام وإمَّا من القطاع الخاص، والَّتي تعمل بنحوٍ رئيس، إنْ لم يكن بالكامل، على المستوى الوطنيّ. والعلامات الدَّالة على بداية هذه العمليَّة هي إنشاء مؤسسة كارنيجي للتعليم والتَّعلم في الولايات المتحدة في 1903، وجمعية القيصر فلهلم (Kaiser Wilhelm Society) لدعم العلوم في ألمانيا في 1911. يُمكن النَّظر إلى هذا الطَّور بوصفه قد اكتمل مع إنشاء المركز الوطني للبحث العلمي (CNRS) في فرنسا، ومؤسسة العلوم الوطنيَّة (NSF) في الولايات المتحدة بعد نهاية الحرب العالميَّة الثَّانية مباشرةً. ومنذ ذلك الوقت فصاعدًا، على أبعد تقدير، لم تعد الممارسات البينيَّة تقتصر على البحث في ذاتهِ، بل أضحت ممارسات التَّقييم البحثي، والحصول على التَّمويل، والإدارة مُهمةً أيضًا. وهذا يقودني إلى:

الأطروحة الثَّانية: في هذه الفترة، وليس في نهاية القرن العشرين، بدأ التَّحول الجوهريّ من أنماط الممارسة البحثيَّة أُحادية التَّخصُّص، فضلًا عن أفعال الاقتراض والانتقال من المجالات المجاورة، والبينيَّة الحقيقيَّة بوصفها ابتكارًا وتجديدًا على الحدود (أو بوصفها ابتكارًا في المستوى الأشد تطورًا وحداثةً، كما سيزعم بعضهم الآن) إلى نمط التَّخصُّصات العابرة (TD) المدفوعة بالموضوع، ونمط تعدد التَّخصُّصات (MD) الذي يركز على السّياسة.

الصَّحيح بدرجةٍ كافيةٍ أنَّ عمل وكالات التَّمويل هذه كان يستند إلى مبدأ التَّخصُّص، في بداية الأمر. وكانت توصيات التَّمويل في مؤسسة كارنيجي وكذلك جمعية الطَّوارئ للعلوم الألمانيَّة (عُرِفت لاحقًا بالمؤسسة الألمانيَّة للأبحاث أو DFG الَّتي تأسست في 1920، صادرة عن لجانٍ مؤلفة من الأعضاء البارزين في مجالات بعينها؛ والواقع أنَّ جمعية الطَّوارئ استعارت إجراءات المراجعة (reviewing) المُعتمدة لديها من مؤسسة كارنيجي[34]. إلَّا أنَّ تأسيس جمعية القيصر فلهلم شيءٌ مختلفٌ. إذ لم تؤسس المعاهد التَّابعة لهذه الجمعية، عن عمدٍ، بوصفها مؤسسات لتخصُّصات بديلةٍ، حتَّى عندما توحي مسمياتها (من نحو الكيمياء والكيمياء الفيزيائيَّة والكيمياء الكهربائيَّة وعلم الأحياء لاحقًا)، أحيانًا، كما لو أن هذا كان هو الحال. بل إنَّ معاهد القيصر فلهلم أُسِست بوصفها ملاذات للأبحاث رفيعة المستوى خارج أسوار الجامعات؛ مع أنَّها كانت تؤدي وظيفة تصديق الشَّهادات أيضًا الَّتي اقتصرت على مرحلة ما بعد الدكتوراه. كانت لهذه الأبحاث أهمية اقتصاديَّة، على الدَّوام، كما يتضح، على سبيل المثال، في معاهد القيصر فلهلم لأبحاث المعادن والألياف والفحم[35]، أو، مثلًا، في مضامين السِّياسة في معهد القيصر فلهلم للأنثروبولوجيا والوراثة البشريَّة، وتحسين النَّسل[36]. ويختلف هذا الوضع، بدرجةٍ معينةٍ فقط، عن نظيره في الولايات المتحدة، إذ أسهمت أنشطة مؤسستيّ كارنيجي وروكفلر، والمجلس الوطنيّ للأبحاث، الذي تأسس بمبادرة خاصة في 1916، في تعزيز ما يُعرف بالبحث "الأساس" في الجامعات، في مرحلة ما بعد الدُّكتوراه أيضًا، وفي الوقت نفسه تطوير البينيَّة المدفوعة بالموضوع.

في عشرينيَّات القرن العشرين، بدأت معاهد الأبحاث المعنية بالمشاريع المدفوعة بالموضوع، الَّتي تدمج الإسهامات من تخصُّصات متعدِّدة، بالبروز جنبًا إلى جنب تمويل مشاريع التخصُّص الأحادي والمشاريع البينيَّة. وسأكتفي هنا بالاستشهاد بثلاثة أمثلة لا غير. المثال الأوَّل هو معاهد دراسة الأطفال الَّتي حصلت على التَّمويل، في هذه الفترة، من الصّندوق التِّذكاريّ للورا سبيلمان روكفلر (Laura Spellman Rockefeller) في جامعة كورنيل، وجامعة كاليفورنيا في بيركلي، وجامعة مينسوتا فيي مينيبولس وجامعة آيوا في آيوا ستي[37]؛ وقدم البرنامج ذاته تمويلًا ماليًا إلى كُلٍ من جان بياجيه (Jean Piaget) في جامعة جنيف فضلًا عن كارل وشارلوت بوهلر (Karl and Charlotte Bühler) في جامعة فيينا[38]. ولم تكن مراكز دراسة الطّفل في الولايات المتحدة مرتبطةً بأقسام بعينها، بل تأسست في مواقع مستقلةٍ، الشَّيء الذي ترك تأثيره في تحديد طابعها البينيّ أو متعدِّد التَّخصُّصات. كان علم نفس الطِّفل أو علم نفس النُّمو التَّخصُّص الأساس عمومًا، وإن لم يكن كذلك دائمًا، مع أنَّ طب الأطفال والتَّغذية والبيداغوجيا (كان اسمه آنذاك علم التَّربية) كانت حاضرة أيضًا. وكان الهدف العام لذلك مُحددًا تحديدًا واضحًا وصريحًا: وضع الأُسس لسياسة تعليميَّة مرتكزة على العلم، وبالتَّالي المساعدة في خلق مجتمع عقلاني[39]. والمِثال الثَّاني هو "أطلس الأعراق والشُّعوب الألمانيَّة"، الذي مولته جمعية الطَّوارئ للعلوم الألمانيَّة، بمساعدةٍ سخيَّةٍ من مؤسسة روكفلر من 1929 حتَّى 1934[40]. نُشِرت نتائج هذا المشروع العابر للحدود القوميَّة، فضلًا عن مواد أُخرى، في سلسلة رسائل علميَّة حملت عنوان "الدِّراسات العرقيَّة الألمانيَّة" بلغ عددها سبعة عشر مُجلدًا صدرت بين العامين 1930 و1937. كان التخصُّص الرَّائد هنا هو ما كان يُعرف آنذاك بالأنثروبولوجيا (النَّوع المعني بقياس الجمجمة أو المعروف حاليًا بالأنثروبولوجيا الطَّبيعيَّة)، مع حضور الأبحاث السُّلاليَّة المعنية بتحسين النَّسل، وكذلك علم الوراثة، منذ البداية. ولم تُطالب البيانات البرامجيَّة الفخمة والمتحذلقة [في هذا المشروع] بأقل من "المسح الشَّامل للفرد بأكملهِ"، الذي يتضمن القياسات الكميَّة لتكرار وتنوع العلامات "العرقيَّة" المزعومة إضافةً إلى بيان تأثير البيئة الاجتماعيَّة. كان العمل، في مستوى الممارسة العمليَّة، مبنيًا على تعدد التَّخصُّصات بمعدلٍ أكبر من البينيَّة. وكان الهدف العام، كما يُفترض، هو المُساعدة في إنشاء أساسٍ علميّ "للنقاء العرقيّ"، مع أنَّ هذا العمل لم يكن يرمي صراحةً إلى خدمة علم تحسين النَّسل الانتقائيّ.

وعلى الرَّغم من جوانب الاختلاف الواضحة، ثَمَّة نقطتان يشترك فيهما هذان المثالان هما: النَّهج المرتكز على المشكلة، والهدف المُعلن الذي مؤداه إنشاء أساس علميّ لرسم السِّياسة. وبالنَّظر إلى هذه الجوانب مجتمعة، فالمؤكد أنَّه ليس من قبيل المصادفة أنَّ أوَّل استخدام موثق لمصطلح البينيَّة تم في هذه الفترة، في تقرير جمعية الاقتصاد الأمريكيَّة إلى مجلس أبحاث العلوم الاجتماعيَّة في العام 1930، وليس قبل ذلك. يذكر التَّقرير:

"أنَّ تفكير المجلس، إلى الآن، كان مُنصبًّا أساسًا على المشكلات الاجتماعيَّة الَّتي لا يُمكن تحليلها تحليلًا وافيًا بالاعتماد على إسهامات أيّ تخصُّصٍ مفردٍ. ومن المُرجح أنَّ اهتمام المجلس سيواصل المضي بقوَّةٍ باتجاه هذه الاستعلامات بين-التَّخصُّصيَّة" [كما وردت في الأصل"[41].

من الصَّعب المبالغة في تقدير حجم تأثير الحربين العالميَّتين في هذا التَّحول الجوهريّ. أُجريت أبحاث أساسيَّة[42] مدفوعة بالهدف، ونُفِّذت، على نطاقٍ واسعٍ، مشاريع تعاون متعدِّدة التَّخصُّصات في أثناء الحرب العالميَّة الأولى، وكانت تجربة جديدة تمامًا لجميع المعنيِّين. والأمثلة من الكيمياء الفيزيائيَّة معروفة للجميع، إذ تتراوح من تطوير المُخصبات الكيميائيَّة لزيادة الإنتاج الزِّراعي إلى حرب الغازات[43]، مع أنَّ المدى الحقيقيّ لهذه المشاريع كان أوسع بما لا يُقاس. ومن الأمور ذات الصِّلة بنقاشنا هنا؛ الحالات الَّتي دُمِجت فيها الأبحاث الأساسيَّة في مشاريع تطوير الأسلحة. ولإيراد مثالٍ واحدٍ لا غير على ذلك: نُفذ أوَّل قياسٍ لسرعة الصَّوت تحت الماء بالتَّنسيق مع الجهود الرَّامية إلى تطوير أجهزة الكشف عن الطُّوربيدات في سياق الحرب المُضادة للغواصات[44]. في مثالٍ آخر أقل شهرةٍ، أدى التَّعاون بين علماء النَّفس التجريبيِّين وخبراء الصَّوتيَّات والفيزيائيَّين النَّظريّين إلى تطوير أجهزةٍ لتحديد مصادر الصَّوت بالنِّسبة للمدفعية، والَّتي كانت حرفيًا تراكيب بشريَّة-آليَّة لاشتراك مستمعين بشريِّين في تشغيلها[45]. وكما تُبين الورقة البحثيَّة لروبرت ميلكان (Robert Millikan) عن الفيزياء في زمن الحرب، الَّتي نُشرت بعد انتهائها، كان واضحًا، بالنِّسبة لبعض المعنيَّين على الأقل، أنَّ أهمية المسائل التَّنظيميَّة متعدِّدة التَّخصُّصات كانت بقدر أهمية الممارسات البحثيَّة بالمعنى الأضيق للمفردة[46].

شهدت الحرب العالميَّة الثَّانية توسعًا هائلًا في هذا النَّوع من المشاريع. ومشاريع الأسلحة الشَّاملة، من نحو مشروع مانهاتن وبرنامج الصَّاروخ الألماني من الأمثلة الأُخرى المعروفة في هذا المجال[47]، وهنا أيضًا كان دور البحث الأساس الموجَّه بالهدف محوريًا. في أغلبية الحالات، لم يكن ثَمَّ دور للتهجين أو نقل النَّظرية أو الممارسات من تخصُّصٍ إلى آخر، بل الأهم هو العمل الجماعيّ المُرتكز على دمج عمليّ، وأحيانًا مباشر وسريعٍ، للنظريات والنَّماذج والممارسات البحثيَّة الرَّامية إلى هدفٍ فعليّ عامٍ. ومن وجهة نظر الممارسة المؤسسيَّة، ربما يدور حديثنا هنا عن التخصُّصات العابرة TD من دون تسميتها. وربما الأقل شهرةً من ذلك، أن هذه الجهود لم تكن محصورةً في العلوم الطَّبيعيَّة وتكنولوجيا الأسلحة. إذ تتوفر أمثلة إضافيَّة منها الأبحاث الَّتي أجراها علماء النَّفس الاجتماعيّون، وغيرهم، لدراسة معنويات أفراد القوات المُسلحة، والدِّراسات التَّعاونيَّة المشتركة متعدِّدة التَّخصًّصات MD للتغذية وتأثير ترشيد الاستهلاك، والجهود التَّعاونيَّة الَّتي بذلها الرِّياضيّون والاقتصاديّون وآخرون غيرهم في مجال التَّخطيط الاقتصاديّ[48]. يُمكن الاستشهاد بمثالٍ واحدٍ فحسب من ألمانيا النَّازيَّة هو "الجُهد الحربيّ للدراسات الإنسانيَّة"، وهو جُهدٌ تعبوي واضح من حيث تعدد التَّخصُّصات بغية جمع أبحاث الدِّراسات الإنسانيَّة من التَّخصُّصات المتنوعة لدعم السِّياسة الثَّقافيَّة النَّازيَّة فضلًا عن المزاعم الإقليميَّة بمناطق أوروبا الجنوبيَّة والغربيَّة والجنوب شرقيَّة، وهو الجهد الذي تمخض عن عددٍ كُليّ من الإصدارات فاق 540 إصدارًا[49]. وكانت [المشاريع] الأقرب إلى التَّخصُّصات العابرة هي التَّخطيط المكاني وبرامج التَّهجير القسريّ، من أمثال "الخطة العامة للمناطق الشَّرقيَّة"، الَّتي وضعها العالم بالزِّراعة، كونراد ميّر (Konrad Meyer)، بدعمٍ من الفرق البحثيَّة متعدِّدة التَّخصُّصات، وقُدمت إلى قائد القوات الخاصة النَّازيَّة، هاينريش هيملر (Heinrich Himmlerبغية إعادة التَّوطين القسريَّة للمزارعين في المناطق الَّتي احتلتها ألمانيا في شرق أوروبا، ليستبدلوا بهم مزارعين ألمان[50]. وتتصل بهذه الجهود أيضًا برامج "دراسات المنطقة" (area studies) متعدِّدة التَّخصُّصات من نحو برنامج "المجتمع البحثي في جنوب شرق ألمانيا"، الذي أسسه النَّمساويّ المُختص في الجغرافيا الثَّقافيَّة، هوغو هاسينغر (Hugo Hassinger)، مع مساعدين آخرين في 1931، وترأسه في أثناء الحرب المؤرخ اوتو برونر (Otto Brunner) الذي قدم خبرته التَّفصيليَّة العميقة في دعم استراتيجيَّة الاحتلال الألمانيّ لجنوب شرق أوروبا[51]. تُبين هذه الأمثلة أنَّ وضع الجهود متعدِّدة التَّخصُّصات في خدمة المشاريع السِّياسيَّة الكبيرة يعود إلى ما قبل الحرب الباردة.

أدت تجربة الجهود التَّعاونيَّة في أثناء الحرب العالميَّة الثَّانية دورًا في تمهيد الطَّريق للثورة في تمويل العلوم في الولايات المتحدة الَّتي تمثلت في تأسيس "هيئة الطَّاقة الذَّريَّة" في 1946، والمؤسسة الوطنيَّة للعلوم في 1950. ووفرت هذه الوكالات الجديدة وغيرها التَّمويل الشَّامل للمبادرات البحثيَّة متعدِّدة التَّخصُّصات إلى جانب المشاريع ذات التَّخصُّص المُفرد. وطُبق برنامج تمويل الأبحاث في ألمانيا الغربية أيضًا في مرحلة ما بعد الحرب، وإن تم ذلك في وقتٍ لاحقٍ وعلى نطاقٍ أصغر، مع اعتماد برامج البحوث ذات الأولويَّة (Priority Research) في 1953، وما يُعرف ببرنامج "المجالات البحثيَّة المتخصِّصة" (Special Research Areas) في 1966 إلى جانب مشاريع الموضوع الواحد التَّخصُّصيَّة المدعومة من المؤسسة الألمانيّة للأبحاث (DFG)[52]. وثَمَّة أمرٌ آخر ذو صِلة هنا هو أنَّ نوعًا جديدًا من الممارسة المؤسسيَّة البينيَّة برز في هذا السِّياق، وهو المعروف حاليًا بهيأة المراجعة (panel review)، في مسعى لتقدير القيمة المُحتملة للبرامج متعدِّدة التَّخصُّصات. في البداية، لم تكن هذه الممارسة تتعدى حدود جمع المُقيمين من لجان مراجعة تخصُّصيَّة. ولم تحظ التَّحولات في عملية مراجعة الأقران، الَّتي من المحتمل أن تكون قد بدأت في مرحلة مبكرةٍ، بدراسةٍ وافيةٍ إلى حد الآن. ومن الجوانب المهمة في هذا السِّياق ما يُعرف بـ "الجامعات ذات التَّوجُّه الإصلاحيّ" الَّتي تأسست في ألمانيا في ستينيَّات القرن العشرين وسبعينيَّاته، بعضها، من أمثال جامعة كونستانز، قلل من أهمية [بعض] الأقسام واختبر وجرب بالبُنى التَّخصصيَّة العابرة[53].

وبالانتقال سريعًا إلى الجانب الإبستيميّ (المعرفيّ) من هذه العمليَّة، لا يسعني هنا سِوى ذِكر سلسلة من الهجائن الجديدة الَّتي ظهرت في هذا المشهد المؤسسيّ الجديد، من مثل: البايولوجيا الجُزيئيَّة بعناصر مشتقة من ثلاثة تخصُّصات على الأقل، والتَّخصُّصات البينيَّة في النَّمط المزدوج الموجود سلفًا من نحو علم الفيزياء الأرضيَّة أو علم الفيزياء الفلكيَّة؛ وتخصُّصات متعدِّدة جديدة أو تحالفات متعدِّدة التَّخصُّصات، من مثل العلوم الإدراكيَّة والعلوم السُّلوكيَّة وعلوم الحاسوب[54]. كانت العلوم الإدراكيَّة "متعدِّدة التَّخصُّصات"، بمعنى اعتمادها على إسهامات مُغذية من علم النَّفس الإدراكيّ وعلم اللسانيَّات وعلوم الحاسوب والفسيولوجيا العصبيَّة، وغيرها من المجالات، الَّتي تُركز كُلها، على الأقل برامجيًا، على جانبٍ واحدٍ في علاقات العقل والعقل/الجسم، أو كليهما، أو علاقات العقل بالآلة[55]. وتتضمن قائمة المبادرات متعدِّدة التَّخصًّصات في العلوم الاجتماعيَّة والدّراسات الإنسانيَّة، الَّتي نُفِذت في هذه المدة، دراسات المناطق، ودراسات السُّود (الأمريكان الأفارقة لاحقًا)، ودراسات النِّساء (النَّوع الاجتماعي أو الجندر لاحقًا)، وبالطَّبع دراسات العلوم والتَّكنولوجيا[56]. دُرِست جميع هذه الكيانات وعلاقاتها بأنظمة التَّمويل الجديدة، الَّتي وصفناها للتو، دراسةً وافيةً نسبيًا كُل على حدةٍ، إلَّا أنَّها ما تزال بانتظار أن تُدرس في السِّياق التَّاريخي طويل الأمد الذي أحاول مسحه هنا.

الطَّور الثَّالث: عصر التَّخصصات العابرة TD: هيئة المراجعة Panel Review والأنظمة الجديدة في تمويل الأبحاث

يمتد الطَّور الثَّالث من هذا التَّاريخ من أواخر القرن العشرين إلى الوقت الحاضر. يبدو هذا الطَّور، عند النَّظرة الأولى، وفي العديد من جوانبه، وكأنَّه امتداد للطور الثَّاني على الرَّغم من أنَّ شيئًا جديدًا وتحويليًا يبدو حاضرًا ومؤثرًا هنا. والظَّاهر أنَّ المهندس وعالِم الفيزياء الفلكيَّة، إِرك جانتش (Erich Jantsch)، هو أوَّل من سك مصطلح "العابر للتخصُّصات" في مؤتمرٍ لمنظمة التَّعاون والتَّنمية الاقتصاديَّة OECD في 1970[57]. ومعنى هذا المصطلح الذي قُدِّم آنذاك كان مختلفًا عن التَّعاريف اللَّاحقة مع اشتراكها كُلها في التَّركيز على أمل استثمار العلم في الجهود الرَّامية إلى حل مشكلات السِّياسة واسعة النِّطاق من مثل حماية البيئة، مصحوبًا بالادعاء أنَّ البحث الأكاديميّ المرتكز على التَّخصُّصات الموجودة كان عاجزًا، من حيث المبدأ، عن التَّصدي لهذه التَّحديات[58]. وإلى هذا التَّعريف المرتكز على المشكلة، أضاف الكُتاب اللَّاحقون بُعدًا آخر من التَّعاون مع المُمارسين من غير الأكاديميَّين: "الفكرة الجوهريَّة للتَّخصُّصات العابرة هي أنَّها تخصُّصات أكاديميَّة مختلفة تعمل معًا مع المُمارسين[59] لحل مشكلات العالم الواقعي"[60]. لكن حتَّى هذا التَّعريف يبدو لي محدودًا للغاية، ولذا، اسمحوا لي باقتراح تعريفٍ مُعدلٍ: التَّخصُّصات العابرة هي استجابة لمشكلات يُقدمها من خارج مصفوفة التَّخصُّصات التَّقليديَّة إمَّا العلم وإمَّا المجتمع، وحل هذه المشكلات لا يكون ممكنًا بالأدوات المُعتمدة في أيّ تخصُّصٍ مفردٍ. وباستخدام اللَّهجة الدَّارجة الأمريكيَّة: لا يتعلق الأمر بربط صندوقين أو ثلاثة، بل بالتَّفكير بأسلوب خلاقٍ ومبتكرٍ خارج الصّندوق.

مثالٌ على التَّخصُّصات العابرة المُنبثقة من العلوم هو علم النَّانو وتقانة النَّانو أو الجُزيئات متناهية الصّغر[61]. في نهاية خمسينيَّات القرن العشرين، اقترح عالم الفيزياء، ريتشارد فيلبس فاينمان (Richard Philips Feynman) أنَّ الوحدات المتناهية في الصّغر، الواقعة حرفيًا خارج مدى الرُّؤية أو قدرة الأجهزة التَّقليديَّة آنذاك يجب أن تكون محور العلوم الأساسيَّة في المستقبل القريب. وبعد بعض التَّأخير، التقط علماء الكيمياء والتَّقانة الفكرة وواصلوا العمل بها، فكانت ولادة علم النَّانو وتقانة النَّانو؛ وتحدثت التَّقارير كثيرًا عن تنفيذ خطوات لاحقة أفضت إلى ابتكارات تكنولوجيَّة رائعة حقًا بالتَعاون مع فاعلين اقتصاديّين. ويُعد الأيكولوجيا (المعروف حاليًا بعلم البيئة)، الذي نال اهتمامًا شعبيًا واسعًا بفضل جهود عالمة الأحياء الأمريكيَّة راشيل كارسون (Rachel Carson) في ستينيَّات القرن العشرين، وكذلك علم السُّكان الذي دائمًا ما يتجاوز محتواه حدود الإحصائيَّات السُّكانيَّة، من الأمثلة المعروفة على التَّخصُّصات العابرة المدفوعة بالتَّحديات الاجتماعيَّة الَّتي صادق عليها الفاعلون العلميَّون والاجتماعيَّون بوصفها بُنى مُشتركة. تعود بدايات علم المناخ في شكله الحالي – الرَّابط بين الفيزياء الأرضيَّة وكيمياء الغلاف الجويّ والأرصاد الجويَّة وتخصُّصات أُخرى – إلى الحرب الباردة أيضًا[62]. والمثالُ الأخيرُ مهمٌ لأنَّ الجزء الأكبر من التَّمويل المبكر كان من الجيش على الرَّغم من أنَّه لم يكن واضحًا ما إذا كان هذا المشروع سيتمخض عن أيَّة نتيجةٍ ذات صِّلة بالأسلحة.

لقد أظهر مجتمع الدِّراسات العلميَّة اهتمامًا مُسبقًا بهذا التَّوجُّه لعددٍ من السَّنوات، ولن أُسهب في نقاش "النَّمط الثَّاني من توليد المعرفة"، و"العلم ما بعد العادي"[63]، و"نموذج اللَّولب الثُّلاثي" للابتكار" (triple helix)[64] فيما عدا القول بأنَّه من غير الواضح ما إذا كان الواضعون الأوائل لهذه المصطلحات يشخصون وضعًا أو يعملون بوصفهم دعاة سياسة مؤيدين لنُسخ أشد "قوَّةً اجتماعيًا" مما كانوا يلاحظونه. وعلى أيَّة حال، فإنَّ ما أسفر عنه النِّقاش مهمٌ، إذ أصبحت البينيَّة وتعدد التَّخصُّصات حاليًّا من أولويَّات السِّياسة العلميَّة. ونتيجةً لذلك، فقد ظهر نوعٌ جديدٌ من البينيَّة، يُمكن أن نُسميه بينيَّة أو تخصُّصات متعدِّدة متجهة من الأعلى إلى الأسفل أو مدفوعة بالسِّياسة، وتُعرف حاليًا، عمومًا، بـ "البرنامج البحثيّ". تحققت واحدةٌ من الخطوات المُبكرة والواضحة تمامًا في هذا الاتجاه، في 2002، بفضل مبادرة "المؤسسة الوطنيَّة للعلوم"[65]. ومن بين الأمثلة العديدة الأحدث على [مشاريع] التَّعاون البينيَّة أو متعدِّدة التَّخصُّصات الَّتي تُحركها السِّياسة برنامج أفق الاتحاد الأوروبي 2000 (European Unions Horizon 2000)، وما يُسمى بالمجاميع البحثيَّة وكُليَّات الدّراسات العُليا المُمولة ضمن إطار مبادرة التَّميز الألمانيَّة. في المقابل، يُمكن الاستشهاد بالأبحاث الَّتي تحصل حاليًا على التَّمويل المباشر من المنظمات غير الحكوميَّة أو مراكز الأبحاث التَّابعة لهذه المنظمات بوصفها نظائر متجهة من الأسفل إلى الأعلى ومعارضة لهذا التَّوجُّه على الرَّغم من وضوح الفرق بين تمويل هذا النَّوع من المبادرات الذي لا تُمكن موازنته بملايين الدُّولارات المُقدمة من وكالات التَّمويل المعروفة[66].

ما الغاية من هذا التَّطوير؟ يبدو السِّياق السِّياسي العام واضحًا: بعد سقوط الشُّيوعيَّة الذي تزامن، في رؤية السِّياسة العامة، مع ما يطلق عليه المؤرخون حاليًا العولمة الثَّانيَّة، والمدفوعة هذه المرة بالصِّناعة الماليَّة (بخلاف العولمة الأولى الَّتي أعقبت بروز التِّجارة العالميَّة والرأسماليَّة المالية في العصور الوسطى المتأخرة، والسُّوق العالمي للسِلع المُصنعة في القرن التَّاسع عشر)، بعد كُل ذلك، باتت واضحًا إمكانيَّة تأسيس علوم عابرة للحدود القوميَّةعلى الأقلمن وجهة نظر بعض الفاعلين الأساسيَّين. ويبدو أنَّ هذه الفرصة قد استُثمِرت لا في رفع لعبة السِّياسة والبحث العلمي إلى مستوى جديدٍ فحسب، بل أيضًا في تغيير اللُّعبة بأكملها. حدث تحولٌ من التَّحدث إلى الفوعلين السِّياسيَّين بالنِّيابة عن العلماءونتيجةً لذلك، وهو ما أود إضافته، الاضطرار، ربما بقدرٍ من الشُّعور باليأس، إلى التَّكيف مع الزِّيادة الهائلة في حجم المؤسسة البحثيَّة وتعقيدهاإلى الحديث انطلاقًا من السِّياسات (أو ربما السِّياسة) إلى العلماء، بهدفٍ صريحٍ وواضحٍ هو تحويل أولويَّات التَّمويل نحو إكراهات السِّياسة الملموسة. وبتعبيرٍ موجزٍ، يبدو أنَّ الانتقال المطلوب هو من مكافأة الأفكار البحثيَّة على أساس مراجعة الأقران لوحدها، مهما كانت سياسة هذه الأفكار أو مهما كانت أهميتها المجتمعيَّة، إلى الحكم الفعليّ للعلم. وثَمّ جانبٌ على صلةٍ وثيقة بنظام التَّمويل البحثي هذا هو الضَّغط باتجاه اعتماد ممارسات جديدة في إدارة التَّعليم العالي[67]، الشَّيء الذي أدى، في بعض الحالات (جامعة أريزونا على سبيل المثال)، إلى تحولٍ في التَّرتيبات المؤسسيَّة المبنية على الوحدات التَّنظيميَّة متعدِّدة التَّخصُّصات أو حتَّى العابرة للتخصُّصات[68].

بدا هذا الاتجاه، في الأصل، وما يزال يبدو، مدفوعا بالمشكلات، بمعنى الاعتقاد أنَّ ما بات يُعرف بـ "التَّحديات الكُبرى"، من أمثال التَّغير المناخي، وحماية البيئة والهجرة، وما شابهها، لا تُمكن مُعالجتها بتخصُّصات منفردة تعمل كُل منها على حدةٍ، كما كانت تدعي جميع الأطراف المعنية، وما تزال تدعي. العجيب، عند مراجعة هذا الأمر، أنَّ هذا الاعتقاد، إضافة إلى الافتراض الأساس الذي يُفيد أنَّ المزيد من العلوم والدِّراسات البحثيَّة المتشابكة بشكلٍ أفضل، سيؤدي، بالضَّرورة، إلى توليد علمٍ "أفضل" إبستيميًّا، وأنفع اقتصاديًا[69]، وأشد "متانةً" وديمومةً اجتماعيًا، يبدو وكأنَّه قد واصل حضوره من دون أيّ تحدٍّ أو مساءلةٍ مع أنَّ الأدلة المؤيدة له كانت وما تزال تفتقر إلى الوضوح، على أقل تقديرٍ. ما تزال الأسئلة عن الكيفيَّة الَّتي أصبح بها هذا الادعاء عقيدةً راسخةً، والسَّبب في مضيّ هذا المبدأ الجديد من دون تحدٍّ، قائمةً بلا جواب[70]. والنَّتائج المترتبة على ذلك واضحة للجميع: في الانتقال من البحث متعدِّد التَّخصُّصات والعابر للتخصُّصات ضمنيًا فضلًا عن ممارسات التَّمويل إلى محادثات سياسيَّة عابرة للتَّخصُّصات صريحة ومبادرات مُتعدِّدة التَّخصُّصات وبينيَّة جديدة مدعومة بمقادير كبيرة من التَّمويل بحيث يبدو الإغراء بخلق "جهات ناهبة" انتهازيَّة كاسحًا لا يقاوم[71]. وهذا يقودني، أخيرًا، إلى:

الأطروحة الثَّالثة: لقد غيَّرَ ظهور برنامج الأبحاث متعدِّد التَّخصُّصات والعابر لها، فضلًا عن هيمنته المتنامية، كُلًا من البينيَّة والتَّخصُّصيَّة على حدٍّ سواء بطرائق لم يتوقعها المؤيدون له والمدافعون عنه.

ما يزال الجدل مُحتدمًا بشأن أين ومتى وكيف نُحدد تأثير هذا التَّغير الجذريّ في سياسة العلوم، وكيف نصف البينيَّة الجديدة أو حتَّى الممارسات أُحادية التَّخصُّص الَّتي نتجت عنها. ويصدق الشَّيء نفسه على السُّؤال المتصل بكيفيَّة وصف دوافع العلماء والباحثين المعنيِّين وممارساتهم. ومهما كانت الأجوبة عن هذه الأسئلة، فقد أدى النِّظام الجديد لسياسة العلوم، بشكلٍ واضحٍ، إلى ظهور ممارسة بينيَّة، أو متعددة التَّخصُّصات في أغلب الأحيان، غير متجهة إلى البحث، بل إلى تقييمه. والمقصود بذلك هي هيئة المراجعة (panel review).

بدأت هيئة المراجعة، كما أشرتُ أعلاه، بوصفها أسلوبًا لتقييم الأبحاث قبل مدةٍ طويلةٍ من العام 1990، لكنَّها لم تصبح مُهيمنةً إلَّا في الجيل السَّابق، وقد قدمت عالمة الاجتماع الكنديَّة، ميشيل لامونت (Michele Lamont)، دراسةً مُذهلةً – وإنْ كانت قصصيَّة في طابعها – للديناميكيات الحاليَّة للهيئة. ثَمَّ أمرٌ ذو صِلة هنا هو ما سمته لامونت ب "الجودة النَّاشئة" لمعايير التَّقييم الَّتي تبلورت شفاهيًا في الحوار بدلًا من تشريعها أو الموافقة عليها مُسبقًا[72]. وعلى الرَّغم من حاجتنا إلى توضيح أنَّ أولويّات السِّياسة هي من توجه مؤسسة هيئة المراجعة حاليًا لا العكس، فإنَّه تُمكن، في هذه الحالات، ملاحظة قدر معين من التَّوتر بين الحاجة الملموسة لبيروقراطيَّة تمويل الأبحاث إلى وضع وفرض معايير موحدة "موضوعيَّة" ظاهريًا لتقييم مقترحات التَّمويل وبين ما تفعله هيئات المراجعة بهذه التَّوجيهات العامة في المستوى الفعليّ. وعلى أيَّة حال، فإنَّ التَّكتيكات التَّفاوضيَّة المعنيَّة والمتباينة في دقتها وحذاقتها – ولا أقول هنا مفاوضة تساوميَّة – تستحق استحقاقًا واضحًا أن نُطلق عليها بينيَّة. وعلى فكرة، لاحظت لامونت أنَّ الفلاسفة هم الأشد مقاومةً، على ما يبدو، للتفاعل العابر للتخصُّصات (crossdisciplinary) في هيئات المراجعة في حين تكشف مقترحات المنح الَّتي يقدمها بعضهم عن مستويات عاليةٍ من التَّقوقع وضيق الأفق. ويبدو أنَّ تفسير لامونت لهذه الظَّاهرة – أي هيمنة الفلسفة التَّحليليَّة ضمن التَّخصُّص – ما يزال محل تساؤلٍ وخلافٍ، لأنَّ الظاهر أنَّ جماعات فلسفيَّة أُخرى، من مثل الظَّاهراتيّين، تكشف عن تقوقعٍ وتحفظٍ مماثل. ومهما يكن الأمر، يطرح هذا المثال سؤالًا هو: هل من المحتمل أن يؤدي التَّحول في السِّياسة، المُعد لفرض تغيير جذريّ باتجاه اعتماد البينيَّة، إلى تجسيد التَّخصُّص عمليًا فضلًا عن الصُّور النَّمطيَّة للتخصُّص في نمط "الثَّقافتين".

4.     تعليقات ختاميَّة

أعود، في الختام، إلى السُّؤال في بداية الورقة البحثيَّة: ما الفائدة الَّتي يُمكن أن يُقدمها أيّ من المنظورات التَّاريخيَّة إلى الاعتبارات العامة للبينيَّة؟ يعتمد الجواب عن هذا السُّؤال، على الأقل جُزئيًا، على ما إذا كان المرء مُستعدًا لقبول تعريف العلم والدِّراسة البحثيّة بوصفهما الممارسات البينيَّة المؤسسيَّة الَّتي اقترحتها أعلاه. بالنِّسبة لمؤرخي وعلماء اجتماع العلم، لم تعد هذه مشكلةً. وبالنَّظر إلى النَّجاح الذي أحرزه ما يُعرف "بالانعطافة العمليَّة" ضمن فلسفة العلم فضلًا عن الحقيقة الواضحة الَّتي تفيد أنَّ البحث العلميّ في وقتنا الحاضر هو بالكاد مُمكن أو حتَّى معقول في خارج المؤسسات، سيبدو منطقيًا وملائمًا لفلاسفة العلم، أيضًا، أن يلتفتوا إلى السِّياقات المؤسسيَّة وسياقات سياسة العلوم الَّتي قيدت نشاط العلماء والباحثين على مر الزَّمن أو وجهته في بعض الأحيان حتَّى إذا لم يكونوا راغبين في تركيز أعمالهم على هذه المسائل. وكما حاولت أن اقترح هنا، فإنَّ كتابة تاريخ البينيَّة والتَّخصُّصيَّة بوصفهما ممارستين مؤسستين يوفر منظورًا يُسعفنا في اعتبار الظُّروف المُتغيرة للبحث العلميّ؛ منظورٌ لا يُمكن الحصول عليه باستخدام نهجٍ يتجاهل تأريخ ادعاءات المعرفة. وقد اقترحت، على وجه التَّحديد، أنَّ البينيَّة نفسها، دعك عن تعدد التَّخصُّصات أو التَّخصُّصات العابرة، لا تمكن دراستها دراسةً عقلانيةً من دون دراسة التَّخصُّصيَّة، وأنَّ جميع أنماط تنظيم البحث هذه كانت، وما تزال، معتمدة تاريخيًا على بعضها بعضًا.

ماذا تبقى من نظام التَّخصُّص الدِّيناميكي والمتغيِّر الذي ظهر في القرن التَّاسع عشر؟ بقي كثير كما يتبين لنا. إذ أنَّ أيًّا من التَّغيرات في أنظمة السِّياسة الَّتي تناولتها بالوصف في هذه الورقة البحثيَّة لم تُسهم في إبطال التَّخصُّصات أو إلغائها[73]. لكنَّ من الواضح أنَّ التَّخصُّصيَّة لم تعد الخيار المُحتمل الوحيد في هذا المشهد، وقد لا تكون حتَّى الأسلوب السَّائد لتوليد المعرفة وتوزيعها كما كان عليه الوضع في الماضي. وأحد الأسباب وراء استمرار التَّخصُّصات هو استمرار إلزام تصديق الشَّهادة إلى جانب الإلزام البحثيّ؛ والإلزام الأوَّل لا الثَّاني أنه هو الذي يوجّه التَّمويل العام للجامعات، تمييزًا له عن التَّمويل العام للبحث، وما يزال هذا الإلزام مستمرًا في فعل الشَّيء نفسه حتَّى اليوم. وميل الأساتذة، ومن بينهم الفلاسفة، فضلًا عن العديد من واضعي السِّياسة الأكاديميِّين إلى غض الطَّرف عن هذه النُّقطة ووصف الجامعة كما لو أنَّها مؤسسة بحثيَّة فقط لا يعني أنَّ من المنطقيّ تجاهلها. وعلى وفق هذا المنظور، قد يكون أفضل وصف للعديد من التَّخصُّصات اليوم هو أنَّها ليست وحدات طبيعيَّة لتوليد المعرفة، بل هي وحدات إداريَّة يوحدها الالتزام بتصديق الشَّهادة، ويشمل ذلك منح الشَّهادات للباحثين مع أنَّ ما تفعله غير محصور في هذا الأمر.

قد يبدو المخطط غير الرَّسميّ القائم على ثلاثة أطوار، والمُبين أعلاه، وكأنه تقدم خطيّ، مع أنَّ المقصود منه غير ذلك، والمؤكد أيضًا أنَّ المقصود منه ليس أن يكون قصَّةً عن التَّقدم العلميّ من التَّخصُّصيَّة إلى البينيَّة، ثُمَّ إلى تعدد التَّخصُّصات والتَّخصُّصات العابرة. بل إنَّ ما نراه أمامنا هو سلسلة من الإضافات الَّتي قادت إلى زيادةٍ متواصلةٍ في تعقيد النِّظام البحثيّ. زعم بيتر وينغارت (Peter Weingart)[74]، قبل مدة من الزَّمن، أنَّ البينيَّة، فضلًا عن أنَّها مشروعٌ انتهازيّ مرتبط بأولويَّات السِّياسة الَّتي تُعبر عنها هيئات التَّمويل، هي نظيرٌ ضروريٌّ وحتميّ للتخصُّصات الأكاديميَّة الدَّقيقة، وهو شيءٌ يكشف عن أنَّ مفارقة نموهما وازدهارهما معًا مفارقة ظاهريَّة فحسب. حدود العمل التَّخصُّصيّ مستمرةٌ، وهي ناجحةٌ كفايةً في أكثر الأحيان؛ والتَّخصُّصات وبدائلها مستمرة في العيش معًا، وفي التَّفاعل المعقد فيما بينها. والأرجح أنَّ ذلك سيستمر لبعض الوقت، والسَّبب، في جزء منه على الأقل، أنَّ مبدأ العطالة أو القصور الذَّاتي (principle of inertia) فاعل في الشُّؤون البشريَّة كما في الفيزياء. والمؤكد أنَّ هذا يصدق أيضًا على المُمارسات البحثيَّة المؤسسيَّة، الَّتي يتواصل توليدها في الغالب عبر التَّدريب العلمي والدِّراسيّ بعد مدةٍ طويلةٍ من توقفها عن التَّأثير في البحوث الأحدث والأكثر تقدمًا. وأيًّا كان الحال، وحسبما أوضحت، تفترض البينيَّة وجود التَّخصُّصات. وسواء أكان استقرارها النِّسبيّ ظرفًا ضروريًا أم كافيًا للبينيَّة، فهذه مسألة أُخرى.

المراجع

References:

Abbott, Andrew. “Chaos of Disciplines,” Chicago: University of Chicago Press, 2001.

Alder, Ken. “History of Science as an Oxymoron: From Scientific Exceptionalism to Episcience,” Isis 104 (2013), pp. 88–101.

Ash, Mitchell G. “Die Wissenschaften in der Geschichte der Moderne,” (The Sciences in the History of Modernity) Österreichische Zeitschrift für Geschichtswissenschaften, Vol. 10, 105–129 (1999).

–––. “Psychology,” in: Porter, T. & Ross, D. (eds.), The Cambridge History of Science, vol. 7: The Modern Social and Behavioral Sciences. Cambridge: Cambridge University Press, 2003, pp. 251–274.

Balsiger, Philip W. “Supradisciplinary Research Practices: History, Objectives, and Rationale,” Futures, Vol. 36, No. 4 (2004), pp. 407–421.

Barnett, G. E., Secrist, H. and Stewart, W. W. “Report of the Representatives of the Association to the Social Science Research Council,” American Economic Review, Vol. 21 (1931), pp. 286–288.

Barry, Andrew, Born, Georgina, and Wezkalnys, Gisa. “Logics of Interdisciplinarity,” Economy and Society, Vol. 37 (2008), pp. 20–49.

Ben-David, Joseph, and Collins, Randall. “Social Factors in the Origins of a New Science: The Case of Psychology,” American Sociological Review, Vol. 3 (1966), pp. 451-465.

Benetka, Gerhard. Psychologie in Wien, Das Wiener Psychologische Institut 1922–1938. Psychology in Vienna: The Vienna Psychological Institute, Vienna: Wiener Universitätsverlag, 1995.

Boden, Margaret A. Mind as Machine. A History of Cognitive Science, vol. 1. Oxford: Oxford University Press, 2006.

Brainard, Jeffrey. “U.S. Agencies Look to Interdisciplinary Science,” the Chronicle of Higher Education, Vol. 48, No. 40 (2002), pp. A20-21.

Brock, William H. The Norton History of Chemistry. New York: W.W. Norton, 1992.

Brown, Louis. A Radar History of World War II: Technical and Military Imperatives. Bristol and Philadelphia: Institute of Physics, 1999.

Bruch, Rüdiger vom. “From “Emergency” to “Alliance”; Researching the German Research Foundation as an Institution,” in: M. Walker, K. Orth, U. Herbert, and R. vom Bruch (eds.), Funding Poised between Science and Politics, The German Research Foundation 1920–1970, Funding Poised between Science and Politics. Stuttgart: Franz Steiner Verlag, 2013), Pp. 41–52.

Bruno, Laura. “The Bequest of the Nuclear Battlefield. Science, Nature and the Atom during the First Decade of the Cold War,” Historical Studies in the Physical Sciences, Vol. 33, No. 2 (2003), pp. 237–260.

Calhoun, Craig, and Diana Rhoten. “Integrating the Social Sciences: Theoretical Knowledge, Methodological Tools, and Practical Applications,” in: R. Frodeman, J. Thompson Klein, and C. Mitcham (eds.), The Oxford Handbook of Interdisciplinarity. Oxford: Oxford University Press, 2010), pp. 103–118.

Capshew, James. Psychologists on the March: Science, Practice and Professional Identity in America, 1929–1969. Cambridge and New York: Cambridge University Press, 1999.

Clark, William, Academic Charisma and the Origins of the Research University. Chicago: University of Chicago Press, 2006.

Coen, Deborah. Climate in Motion: Science, Empire and the Problem of Scale. Chicago: University of Chicago Press, 2018.

Cohen-Cole, Jamie. The Open Mind. Cold War Politics and the Sciences of Human Nature. Chicago: University of Chicago Press, 2014.

Collini, Stefan. Postscript: Disciplines, Canons, and Publics. “The History of the History of Political Thought in Comparative Perspective,” in: Castiglione, D. & Hampsher-Mark, I, The History of Political Thought in National Context. Cambridge: Cambridge University Press, 2001), pp. 280-302.

–––. “Seeing a Specialist: The Humanities as Disciplines,” Past and Present, Vol. 229, No. 1 (2015), pp. 271–281.

Cravens, Hamilton. Before Head Start: The Iowa Station and America’s Children. Chapel Hill: University of North Carolina Press, 1993.

Crow, Michael B., and William B. Dabars. Designing the New American University. Baltimore: Johns Hopkins University Press, 2015.

Daston, Lorraine. “Science Studies and the History of Science,” Critical Inquiry, Vol. 35, No.4 (2009), pp. 798–813.

–––. “History of Science and History of Knowledge,” A Journal on the Formation of Knowledge, Vol. 1, No. 1 (2017), pp. 131–154.

Erickson, Paul, Judy L. Klein, Lorraine Daston, Rebecca Lemov, Thomas Sturm, and Michael D. Gordin, How Reason Almost Lost its Mind. The Strange Career of Cold War Rationality. Chicago: University of Chicago Press, 2013.

Fuller, Steve. “Deviant Interdisciplinarity.” in: Frodeman, R., Klein, T. J. & Mitcham, C. (eds.), The Oxford Handbook of Interdisciplinarity. Oxford: Oxford University Press, 2010), pp. 50–64.

Gardner, Howard. The Mind’s New Science. A History of the Cognitive Revolution. New York: Basic Books, 1985.

Gieryn, Thomas F. John Tyndall’s Double Boundary-Work: Science, Religion, and Mechanics in Victorian England in Cultural Boundaries of Science: Credibility on the Line. Chicago: University of Chicago Press, 1999), pp. 37–64.

Graff, Harvey J. Undisciplining Knowledge: Interdisciplinarity in the Twentieth Century. Baltimore: Johns Hopkins University Press, 2015.

Häberli, Rudolf, Walter Grossenbacher-Mansuy, and Julie Thompson Klein. “Summary,” in: J. Klein, T., Grossenbacher-Mansuy, R. Häberli, A. Bill, R. W. Scholz, and M. Welti (eds.), Transdisciplinarity: Joint Problem-Solving among Science, Technology and Society. Basel: Birkhäuser. 2001), pp. 3-5.

Hackman, Willem D. “Sonar Research and Naval Warfare, 1914–1954: A Case Study of a Twentieth-Century Establishment Science,” Historical Studies in the Physical Sciences, Vol. 16, No. 1 (1986), pp. 83–110.

Hadorn, Gertrude Hirsh, et al. “The Emergence of Transdisciplinarity as a Form of Research,” in: by G. Hirsch Hadorn, H. Hoffmann-Riem, S. Biber-Klemm, W. Grossenbacher-Mansuy, D. Joye, C. Pohl, U. Wiesmann, and E. Zemp (eds.), Handbook of Transdisciplinary Research. New York: Springer, 2008), pp.19–39.

Hausmann, Frank-Rutger, Der Kriegseinsatz. “der deutschen Geisteswissenschaften im Zweiten Weltkrieg (1940–1945),” in: in Schulze, W., Otto G. Oexle, Frankfurt a. M. (eds.), Deutsche Historiker im Nationalsozialismus. Fischer Taschenbuchverlag, 1999), pp. 63–86.

Helmholtz, Hermann. “On the Relations of Natural Science to Science in General,” in: Cahan, D. (ed), Science and Culture: Popular and Philosophical Essays. Chicago: University of Chicago Press, [1862] 1995, pp. 75–95.

Hoffmann, Christoph. “Wissenschaft und Militär. Das Berliner Psychologische Institut und der Erste Weltkrieg.” Psychologie und Geschichte, Vol. 5, No. 3-5 (1994), pp. 261–285.

Hoffmann, Dieter. “… im Frieden der Menschheit, im Kriege dem Vaterlande. Universität und Wissenschaft im Ersten Weltkrieg,” in: by Gabriele Metzler. Berlin: Buch- und Offsetdruckerei H. Heenemann (eds.), Die Berliner Universität im Ersten Weltkrieg. Berlin: buch- und Wissenchaft im Ersten Weltkrieg, 2014.

Jantsch, Erich. “Towards Interdisciplinarity and Transdisciplinarity in Education and Innovation,” in: L. Apostel, G. Berger, A. Briggs, and G. Michaud, Interdisciplinarity: Problems of Teaching and Research in Universities. Paris: Organization for Economic Cooperation and Development, 1972), pp. 97–121.

Johnson, Jeffrey Allen. The Kaiser’s Chemists: Science and Modernization in Imperial Germany. Chapel Hill: University of North Carolina Press, 1990.

Jungnickel, Christa, and McCormmach, Russell. “The Intellectual Mastery of Nature. Theoretical Physics from Ohm to Einstein,” 2 vols. Chicago: University of Chicago Press, 1990.

Klein, Julie Thompson. “A Taxonomy of Interdisciplinarity,” in: R. Frodeman, J. Thompson Klein, and C. Mitcham (eds.), The Oxford Handbook of Interdisciplinarity. Oxford: Oxford University Press, 2010a), pp. 15–30.

–––. Creating Interdisciplinary Campus Cultures: A Model for Strength and Sustainability. San Francisco: Josey-Bass, 2010b.

Kohler, Robert E. Partners in Science: Foundations and Natural Scientists 1900–1945. Chicago: University of Chicago Press, 1991.

Krige, John. American Hegemony and the Reconstruction of Science in Postwar Europe. Cambridge, MA: MIT Press, 2006.

Krige, John, and Rausch, Helke (eds.). American Foundations and the Coproduction of World Order in the Twentieth Century. Göttingen: Wallstein Verlag, 2012.

Kusch, Martin. Psychologism: A Case Study in the Sociology of Psychological Knowledge. London: Routledge, 1995.

Lamont, Michelle, How Professors Think: Inside the Curious World of Academic Judgment. Cambridge, MA: Harvard University Press, 2009.

Lenoir, Timothy. Instituting Science: The Cultural Production of Scientific Disciplines. Stanford: Stanford University Press, 1997.

Lesky, Erna, The Vienna Medical School of the Nineteenth Century. Baltimore: Johns Hopkins University Press, 1977.

Maasen, Sabine, and Weingart, Peter. “What’s New in Scientific Advice to Politics? Introductory Essay,” in: S. Maasen and P. Weingart (eds.), Democratization of Expertise? Exploring Novel Forms of Scientific Advice in Political DecisionMaking. Dordrecht: Springer, 2005), pp. 1–20.

MacLeod, Miles and Nagatsu, Michiru. “What Does Interdisciplinarity Look Like in Practice: Mapping Interdisciplinarity and Its Limits in the Environmental Sciences,” Studies in History and Philosophy of Science, Vol. 67 (2018), pp. 74–84.

Millikan, Robert A. “Contributions of Physical Science,” in: Robert M. Yerkes (eds.), The New World of Science: Its Development During the War. New York: The Century Co, 1920), pp. 33–48.

Mittelstraß, Jürgen. Transdisziplinarität—wissenschaftliche Zukunft und institionelle Wirklichkeit. Konstanzer Universitätsreden, Nr. 214. Konstanz: University of Konstanz, 2003.

Moore, Erin Christine, “Transdisciplinary Efforts at Public Science Agencies: NSF’s SciSIP Program,” in: R. Frodeman, J. Thompson Klein, and C. Mitcham (eds.), The Oxford Handbook of 640 Interdisciplinarity in Historical Perspective Interdisciplinarity. Oxford: Oxford University Press, 2010), P. 339.

National Academy of Sciences, Facilitating Interdisciplinary Research. Washington. D.C.: National Academy of Sciences, 2004.

Neufeld, Michael. The Rocket and the Reich: Pennemünde and the Coming of the Ballistic Missle Era. New York: The Free Press, 1995.

Nye, Mary Jo. From Chemical Philosophy to Theoretical Chemistry: Dynamics of Matter and Dynamics of Disciplines, 1800–1950. Berkeley: University of California Press, 1993.

Nyhart, Lynn K. Biology Takes Form: Animal Morphology and the German Universities, 1800–1900. Chicago: University of Chicago Press, 1995.

Oreskes, Naomi, and Krige, John (eds.). Science and Technology in the Global Cold War. Cambridge, MA: MIT Press, 2014.

Orth, Karin. “From Emergency Association to Service Organization— Outlines of the Development of the German Research Foundation 1949– 1973,” in: Walker, M., Orth, K., Herbert, U. & Bruch, V. R. (eds.), The German Research Foundation 1920–1970. Funding Poised between Science and Politics. Stuttgart: Franz Steiner Verlag, 2013), pp.85–96.

Rasch, Manfred. Vorgeschichte und Gründung des Kaiser-Wilhelm-Instituts für Kohlenforschung in Mühlheim a. d. Ruhr. Hagen: V.d. Linnepe Verlag, 1987.

Ringer, Fritz K. The Decline of the German Mandarins: The German Academic Community 1890–1933, Reprint ed. Middleton, CT: Wesleyan University Press, [1969] 1990.

Rössler, Mechthild, and Schleiermacher, Sabine (eds.). “Der Generalplan Ost.” Hauptlinien der nationalsozialistischen Planungs- und Vernichtungspolitik. Berlin: Akademie Verlag, 1993.

Schmuhl, Hans-Walter. Grenzüberschreitungen. Das Kaiser-WilhelmInstitut für Anthropologie, menschliche Erblehre und Eugenik 1927–1945, Geschichte der Kaiser-Wilhelm-Gesellschaft im Nationalsozialismus, vol. 9. Göttingen: Wallstein Verlag, 2005.

Schnädelbach, Herbert. Philosophy in Germany 1831–1933. Cambridge: Cambridge University Press, [1983] 2009.

Schübel, Elmar, Mineraologie, Petrographie, Geologie und Paläontologie. Zur Institutionalisierung der Erdwissenschaften an österreichischen Universitäten, vornehmlich an jener in Wien, 1848–1938. Graz: Grazer Universitätsverlag Leykam, 2010.

Schmidgen, Henning, Hirn und Zeit. De Geschichte eines Experiments, 1800–1950. Berlin: Matthes & Seitz, 2014.

–––. “Physics, Ballistics, and Psychology: A History of the Chronoscope in/as Context,” History of Psychology, Vol. 8, No. 1 (2005), pp. 46–78.

Schregel, Susanne. “Interdisziplinarität im Entwurf. Zur Geschichte einer Denkform des Erkennens in der Bundesrepublik (1955–1975).” NTM. Zeitschrift für Geschichte der Wissenschften, Technik und Medizin, Vol. 24, No. 1 (2016), pp. 1–38.

Sills, David L. “A Note on the Origins of Interdisciplinary,’” Items, Vol. 40 (1986), pp. 17–18.

Smith, Roger, The Norton History of the Human Sciences. New York: W. W. Norton, 1997.

Stichweh, Rudolf, Universität, Wissenschaft, Profession. Soziologische Analysen. Frankfurt a.M.: Suhrkamp Verlag, 1994.

–––. Zur Entstehung des modernen Systems wissenschaftlicher Disziplinen: Physik in Deutschland 1740–1890. Frankfurt a.M.: Suhrkamp Verlag, 1984.

Svatek, Petra. “Raumforschung an der Universität Wien im 20. Jahrhundert. Kontinuitäten und Wandlungen einer multidisziplinären und politisch orientierten Forschungsrichtung.” in: Kniefacz, K., Nemeth, E., Posch, H. & Stadler, F. (eds.), Universität— Forschung—Lehre. Themen und Perspektiven im langen 20. Jahrhundert, 650 Jahre Universität Wien—Aufbruch ins neue Jahrhundert, vol. 1. Göttingen: VR unipress, 2015, pp. 241–259.

Tuchman, Arlene. Science, Medicine and the State in Germany: The Case of Baden, 1815–1871. Oxford: Oxford University Press, 1993.

Turner, R. Steven. In the Eye’s Mind: Vision and the Helmholtz-Hering Controversy. Princeton: Princeton University Press, 1994.

–––. “The Growth of Professorial Research in Prussia, 1818 to 1848: Causes and Context.” Historical Studies in the Physical Sciences, Vol. 3 (1971), pp. 137–182.

Vidal, Fernando. Piaget before Piaget. Cambridge MA: Harvard University Press, 1994.

Walker, Mark, Karin Orth, Ulrich Herbert, and Rüdiger vom Bruch (eds.). The German Research Foundation 1920–1970. Funding Poised between Science and Politics. Stuttgart: Franz Steiner Verlag, 2013.

Weingart, Peter. “A Short History of Knowledge Formations,” in: R. Frodeman, J. Thompson Klein, and C. Mitcham The Oxford Handbook of Interdisciplinarity. Oxford: Oxford University Press, 2010), pp.3–14.

–––. Interdisciplinarity: The Paradoxical Discourse, pp. 25–41 in Practicing Interdisciplinarity. Toronto: University of Toronto Press, 2000.

Wilson, Gordon. “The World Has Problems While Universities Have Disciplines. Universities Meeting the Challenge of the Environment through Interdisciplinary Partnerships,” Journal of the World Universities Forum, Vol. 2, No. 2 (2009), pp. 57–62.



* نُشِر المقال الأصل باللُّغة الإنجليزيَّة. وقد منح المؤلف والنَّاشر الأصلي (Perspective on Science) مجلة تجسير حق ترجمتهِ إلى اللُّغة العربيَّة. انظر:

Ash, Mitchell G. “Interdisciplinarity in a Historical perspective”. Perspectives on Science, vol. 27, no. 4 (2019), pp. 619-642. At https://direct.mit.edu/posc/article-abstract/27/4/619/15445

والمقال نسخةٌ مُنقحةٌ وموسعةٌ ومُحدثةٌ من ورقةٍ بحثيةٍ قُدِّمت في مؤتمر "دراسة الممارسة البينيَّة: تحديات منهجيَّة"، في جامعة هلسنكي، فنلندا، 15-17 حزيران، 2015.

وقد تُرجم هذا المقال، أوَّلًا، لأهمية المنظور التَّاريخي في التَّعريف بالسِّياق الَّذي نشأت فيه "البينيَّة"؛ وثانيًّا، لدوره في التَّعريف بطبيعة القيود الَّتي فُرِضت على التَّفاعلات البينيَّة عبر الزَّمن. يكشف هذا المنظور، بحسب ميتشل غراهام اش، كاتب المقال، عن تزامن ظهور التَّخصُّصات العلميَّة والإنسانيَّة والبينيَّة فضلًا عن "التَّعقيد" الملازم لهذا الظُّهور ولا سيَّما بعد بروز كثير من المجالات الجديدة على حدود التَّخصُّصات الموجودة أصلًا. على وفق المنظور التَّاريخيّ، يبدو تاريخ العلوم بينيًّا في ذاته بالنَّظر إلى توظيف المناهج التَّاريخيَّة في تحليل التّغيرات في مجالات المعرفة المختلفة، وكذلك تحليل التَّغيرات في المؤسسات المُولِّدة لهذه المعرفة والموزعة لها. اقترح اش ثلاثة أطوار تاريخيَّة لوصف ما حدث من حوالي العام 1800: الطَّور الأول: التَّخصُّصيَّة والتَّخصُّص الدَّقيق في إنشاء الجامعة البحثيَّة؛ الطَّور الثَّاني: تعدد التَّخصُّصات وظهور وكالات التَّمويل الوطنيَّة؛ الطَّور الثَّالث: عصر التَّخصُّصات العابرة: مراجعة الأقران والأنظمة الجديدة في تمويل الأبحاث. إذن، المقالة، في أصلها، هي محاولة لتأريخ البينيَّة وممارساتها إضافةً إلى الكشف عن السِّياقات المؤسسيَّة والاجتماعيَّة والسياساتيَّة الَّتي تنشأ فيها هذه المُمارسات.

** ميتشل غراهام اش (1948-...): أستاذ فخري مُتخصص في التَّاريخ الحديث في جامعة فيينا، النَّمسا. نال اش درجة الدُّكتوراه في التَّاريخ في جامعة هارفرد (1982)، ودرسَ أيضًا التَّاريخ وعلم اجتماع العلم في الجامعة الحُرّة في برلين، وهو عضوٌ في أكاديميَّة برلين-براندنبيرغ للعلوم والتَّخصُّصات الإنسانيَّة فضلًا عن الأكاديميَّة الأوروبيَّة للعلوم والفنون. عمل اش أستاذًا زائرًا في جامعات غوتنغن وفيينا، وزميلًا بحثيًا زائرًا في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، وجامعة بيرنستن، ومعهد ماكس بلانك لتاريخ العلم في برلين. وعمل أيضًا مؤلفًا ومُحرِرًا لستة عشر كتابًا وما يزيد على المائة والسِّتين مقالةً ومراجعةً علميَّةً. تشمل قائمة اشتغالاته البحثيَّة: العلاقات الاجتماعيَّة والثَّقافيَّة والسِّياسيَّة للعلوم في القرنين التَّاسع عشر والعشرين، وتاريخ العلوم الإنسانيَّة، والتَّاريخ الثَّقافي لعلاقة الإنسان بالحيوان. اشترك مع جوزيف اهمر في تحرير كتاب "الجامعة والسِّياسة والمجتمع" في 2015 (University, Politics and Society)، فضلًا عن تحريره، منفردًا، كتاب (العلم في المدينة الأم: فيينا في سياقٍ عالميّ: 1848-1918) (Science in the Metropolis: Vienna in Transnational Context, 1848-1918) في 2020. [المترجمة]

[1] للاطلاع على النِّقاش المعني بـ التَّخصُّصات البينيَّة"، انظر:

Barry, G. Born, and G. Wezkalnys, “Logics of Interdisciplinarity”, Economy and Society, No. 37 (2008), 20–49; H. J Graff, Undisciplining Knowledge: Interdisciplinarity in the Twentieth Century (Baltimore: Johns Hopkins University Press, 2015).

[2] K. Alder, “History of Science as an Oxymoron: From Scientific Exceptionalism to Episcience”, Isis, No.104 (2013); L. Daston, “History of Science and History of Knowledge”, Know: A Journal on the Formation of Knowledge, Vol.1, No. 1 (2017).

[3] للاطلاع على بيان برامجيّ توضيحي، انظر:

M. G. Ash, “Die Wissenschaften in der Geschichte der Moderne” (The Sciences in the History of Modernity), Österreichische Zeitschrift für Geschichtswissenschaften, Vol. 10, No. 1 (1999).

[4] L. Daston, “Science Studies and the History of Science”, Critical Inquiry, No. 35(2009), p. 808.

[5] لمزيدٍ من التَّفاصيل عن هذا التَّصنيف المبني على هذا التَّمييز الثُّلاثي، انظر:

J. T. Klein, “A Taxonomy of Interdisciplinarity”, in: R. Frodeman, J. Thompson Klein, and C. Mitcham (eds.), The Oxford Handbook of Interdisciplinarity (Oxford: Oxford University Press, 2010a).

[6] M. Lamont, How Professors Think: Inside the Curious World of Academic Judgment (Cambridge, MA: Harvard University Press, 2009), p. 204.

[7] Klein, “A Taxonomy of Interdisciplinarity.”

[8] تحدث غراف (Harvey J. Graff 2015) عن هذه النُّقطة أيضًا. انظر:

Graff, Undisciplining Knowledge.

[9] للاستزادة عن هذه النُّقطة الأخيرة، راجع:

S. Collini, Stefan, “Postscript: Disciplines, Canons, and Publics. The History of the History of Political Thought in Comparative Perspective”, in: D. Castiglione and I. Hampsher-Mark (eds.), The History of Political Thought in National Context (Cambridge: Cambridge University Press, 2001).

[10] قدم غراف (Graff) نقطةً مشابهةً في قوله: "ليس هناك مسار واحدٌ للبينيَّة، ولا نموذج واحد ولا معيار واحد للتطور النَّاجح"(2015, p. 5). ومع ذلك، يحتوي كتابه المعنون "نزع التَّخصص عن المعرفة: البينيَّة في القرن العشرين" على العديد من الأمثلة لِما ليس في البينيَّة، الشَّيء الَّذي يدل على بقايا الرَّغبة في التَّمكن من تعريف البينيَّة بأي حالٍ من الأحوال. للاستزادة، انظر:

Graff, Undisciplining Knowledge, Op. cit.

[11] في وثيقةٍ برامجيَّةٍ له، تبنى المجلس الوطني للأبحاث هذا المعيار في 2009، وأوصى الباحثين به قائلًا: "يتعلم أعضاء الفرق البينيَّة من بعضهم بعضًا لتوليد مقاربات جديدة لمعالجة مشكلةٍ يتعذر حلها باعتمادِ تخصُّصٍ واحدٍ فحسب. تبدأ هذه العمليَّة، بنحوٍ نموذجيّ، بمباشرة أعضاء الفريق بتعلم لغة تخصُّصات بعضهم بعضًا إضافةً إلى الفرضيَّات والحدود والاستخدامات الملائمة للمناهج النَّظريَّة والتَّجريبيَّة لهذه التَّخصُّصات" نَسبَ غراف هذا القول، بنحوٍ خاطئ، إلى المعاهد الوطنيَّة للصحة). في أدناه مناقشة لسياق السِّياسة العلميَّة لهذه التَّصريحات. انظر: المرجع السابق، ص4.

[12] P. Weingart, “A Short History of Knowledge Formations”, in: R. Frodeman, J. Thompson Klein, and C. Mitcham (eds.), The Oxford Handbook of Interdisciplinarity (Oxford: Oxford University Press, 2010).

[13] المقصود بـ"الإلزام" هنا هو الدَّافع أو الرَّغبة في استخدام الأبحاث لتحصيل شتّى أنواع المعارف لذاتها، أو لتحقيق غاية عمليَّة ذات قيمة [المترجمة].

[14] قدم غراف (Graff) سردًا تاريخيًا تفصيليًا للبينيَّة موافقًا، في جوانب معينةٍ، ما سيُذكر لاحقًا؛ وستظهر الأمثلة المُقتبسة من هذا الكتاب أدناه. ومما يؤسف له اقتصار الدِّراسة اقتصارًا كاملًا على الولايات المتحدة، وعلى المدة الزَّمنيَّة منذ أواخر القرن التَّاسع عشر. وفضلًا عن ذلك، ومع أنَّ البينيَّة تُنسب دائمًا، وبنحوٍ صحيحٍ، إلى عوامل خارجيَّة، فإنَّ دور وكالات التَّمويل في تمكين البينيَّة أو تخويلها لم تُؤكد أهميته ولم يُحلل بالقدر الَّذي حظي به في هذا المقال.

[15] R. Steven Turner, “The Growth of Professorial Research in Prussia, 1818 to 1848: Causes and Context,” Historical Studies in the Physical Sciences, Vol. 3 (1971), pp. 137–182.

[16] F. K. Ringer, The Decline of the German Mandarins: The German Academic Community 1890–1933 (Middleton, CT: Wesleyan University Press, [1969] 1990); W. Clark, Academic Charisma and the Origins of the Research University (Chicago: University of Chicago Press, 2006).

[17] انظر:

R. Stichweh, Zur Entstehung des modernen Systems wissenschaftlicher Disziplinen: Physik in Deutschland 1740–1890 (Frankfurt a.M.: Suhrkamp Verlag, 1984); A. Tuchman, Science, Medicine and the State in Germany: The Case of Baden, 1815–1871 (Oxford: Oxford University Press, 1993); T. Lenoir, Instituting Science: The Cultural Production of Scientific Disciplines (Stanford: Stanford University Press, 1997).

[18] R. Stichweh, Universität, Wissenschaft, Profession. Soziologische Analysen (Frankfurt a.M.: Suhrkamp Verlag, 1994).

[19] T. F. Gieryn, “John Tyndall’s Double Boundary-Work: Science, Religion, and Mechanics in Victorian England”, in: Cultural Boundaries of Science: Credibility on the Line (Chicago: University of Chicago Press, 1999).

[20] L. K. Nyhart, Biology Takes Form: Animal Morphology and the German Universities, 1800–1900 (Chicago: University of Chicago Press, 1995).

[21] E. Schübel, Mineraologie, Petrographie, Geologie und Paläontologie. Zur Institutionalisierung der Erdwissenschaften an österreichischen Universitäten, vornehmlich an jener in Wien, 1848–1938 (Graz: Grazer Universitätsverlag Leykam, 2010).

[22] C. Jungnickel and R. McCormmach, The Intellectual Mastery of Nature. Theoretical Physics from Ohm to Einstein (Chicago: University of Chicago Press, 1990), esp. vol.2.

[23] E. Lesky, The Vienna Medical School of the Nineteenth Century (Baltimore: Johns Hopkins University Press, 1977).

ولمعرفة المزيد عن فصل علم وظائف الأعضاء المختبري عن علم التَّشريح، راجع:

T. Lenoir, Instituting Science: The Cultural Production of Scientific Disciplines (Stanford: Stanford University Press, 1997).

[24] "الثقافتان" هو عنوان المحاضرة الَّتي ألقاها الروائي والمختص في الكيمياء الفيزيائيَّة، تشارلس بيرسي سنو في جامعة كامبردج، في المملكة المتحدة، في السَّابع من أيار، 1959. المقصود بالثَّقافتين: "العلم" والدراسات الإنسانيَّة"، وقد انتقد سنو فشلهما في الحوار، وغياب العلماء في مواقع السلطة، الَّذي كان مُدمِرًا للمجتمع من وجهة نظره. [المترجمة]

[25] H. Schnädelbach, Philosophy in Germany 1831–1933 (Cambridge: Cambridge University Press, [1983] 2009).

على ضوء ذلك، كانت جهود حلقة فيينا لإعادة إنشاء "علمٍ موحدٍ" هي فورة الحماسة الأخيرة لمفهومٍ عن الفلسفة أضحى مُهملًا وقديم الطَّراز منذ عقود في ذلك الوقت.

[26] H. Helmholtz, “On the Relations of Natural Science to Science in General”, in: D. Cahan (ed.), Science and Culture: Popular and Philosophical Essays (Chicago: University of Chicago Press, [1862] 1995), p.78.

[27] M. J. Nye, From Chemical Philosophy to Theoretical Chemistry: Dynamics of Matter and Dynamics of Disciplines, 1800–1950 (Berkeley: University of California Press, 1993).

[28] مقتبس في:

W. H. Brock, The Norton History of Chemistry (New York: W.W. Norton, 1992), p.388.

[29] M. G. Ash, “Psychology”, in: T. Porter and D. Ross (eds.), The Cambridge History of Science, vol. 7: The Modern Social and Behavioral Sciences (Cambridge: Cambridge University Press, 2003), esp. 252-60; R. Smith, The Norton History of the Human Sciences (New York: W. W. Norton, 1997).

[30] J. Ben-David, and R. Collins, “Social Factors in the Origins of a New Science: The Case of Psychology”, American Sociological Review, No. 3 (1966).

[31] H. Schmidgen, “Physics, Ballistics, and Psychology: A History of the Chronoscope in/as Context”, History of Psychology, Vol.8, No.1 (2005); H. Schmidgen, Hirn und Zeit, De Geschichte eines Experiments, 1800–1950 (Berlin: Matthes & Seitz, 2014).

[32] R. S. Turner, In the Eye’s Mind: Vision and the Helmholtz-Hering Controversy (Princeton: Princeton University Press, 1994).

[33] M. Kusch, Psychologism: A Case Study in the Sociology of Psychological Knowledge (London: Routledge, 1995).

[34] للمزيد عن تاريخ جمعية الطَّوارئ DFG، انظر:

M. Walker, et al. (eds.), The German Research Foundation 1920–1970. Funding Poised between Science and Politics (Stuttgart: Franz Steiner Verlag, 2013).

[35] M. Rasch, Vorgeschichte und Gründung des Kaiser-Wilhelm-Instituts für Kohlenforschung in Mühlheim a. d. Ruhr (Hagen: V.d. Linnepe Verlag, 1987).

[36] H. Schmuhl, Grenzüberschreitungen. Das Kaiser-WilhelmInstitut für Anthropologie, menschliche Erblehre und Eugenik 1927–1945 (Geschichte der Kaiser-Wilhelm-Gesellschaft im Nationalsozialismus, vol.9 (Göttingen: Wallstein Verlag, 2005).

[37] H. Cravens, Before Head Start: The Iowa Station and America’s Children (Chapel Hill: University of North Carolina Press, 1993).

[38] F. Vidal, Piaget before Piaget (Cambridge MA: Harvard University Press, 1994); G, Benetka, Psychologie in Wien. Das Wiener Psychologische Institut 1922–1938 (Psychology in Vienna: The Vienna Psychological Institute) (Vienna: Wiener Universitätsverlag, 1995).

[39] لمعرفة المزيد عن السِّياق، انظر:

R. E. Kohler, Partners in Science: Foundations and Natural Scientists 1900–1945 (Chicago: University of Chicago Press, 1991).

[40] Schmuhl, Grenzüberschreitungen, pp. 118ff.

[41] G. E. Barnett, H. Secrist, and W. W. Stewart, “Report of the Representatives of the Association to the Social Science Research Council”, American Economic Review, No. 21 (1931).

مقتبس من:

C. Calhoun and D. Rhoten, “Integrating the Social Sciences: Theoretical Knowledge, Methodological Tools, and Practical Applications”, in: R. Frodeman, J. T. Klein, and C. Mitcham (eds.), The Oxford Handbook of Interdisciplinarity (Oxford: Oxford University Press, 2010), p.106.

انظر أيضًا:

D. L. Sills, “A Note on the Origins of ‘Interdisciplinary’”, Items, No. 40 (1984).

[42] تهدف الأبحاث الأساسيَّة او المبدئيَّة (basic research) إلى تعزيز فهم المبادئ الأساسيَّة، وليست الغاية منها أن تُحقق فوائد تجاريَّة مباشرة على شاكلة الأبحاث العلميَّة في الجامعات. [المترجمة]

[43] J. A. Johnson, The Kaiser’s Chemists: Science and Modernization in Imperial Germany (Chapel Hill: University of North Carolina Press, 1990); D. Hoffmann, “…im Frieden der Menschheit, im Kriege dem Vaterlande. Universität und Wissenschaft im Ersten Weltkrieg”, in: G. Metzler (ed.), Die Berliner Universität im Ersten Weltkrieg (Berlin: Buch- und Offsetdruckerei H. Heenemann, 2014).

[44] R. A. Millikan, “Contributions of Physical Science”, in: R. M. Yerkes (ed.), The New World of Science: Its Development During the War (New York: The Century Co., 1920).

[45] C. Hoffmann, “Wissenschaft und Militär. Das Berliner Psychologische Institut und der Erste Weltkrieg”, Psychologie und Geschichte, No. 5 (1994).

[46] Millikan, pp. 34 ff.

[47] W. D. Hackman, “Sonar Research and Naval Warfare, 1914–1954: A Case Study of a Twentieth-Century Establishment Science”, Historical Studies in the Physical Sciences, Vol.16, No. 1(1986); M. Neufeld, The Rocket and the Reich: Pennemünde and the Coming of the Ballistic Missle Era (New York: The Free Press, 1995); L. Brown, A Radar History of World War II: Technical and Military Imperatives (Bristol and Philadelphia: Institute of Physics, 1999).

[48] انظر على سبيل المثال:

J. Capshew, Psychologists on the March: Science, Practice and Professional Identity in America, 1929–1969 (Cambridge and New York: Cambridge University Press, 1999).

وعن بحوث العمليات في هذه المُدة، انظر الفصل الثَّالث في:

Graff, Undisciplining Knowledge…, Op. cit.

[49] F. Hausmann, “Der “Kriegseinsatz” der deutschen Geisteswissenschaften im Zweiten Weltkrieg (1940–1945)”, in: W. Schulze, and O. G. Oexle (eds.), Deutsche Historiker im Nationalsozialismus (Frankfurt a. M.: Fischer Taschenbuchverlag, 1999).

[50] M. Rössler, and S. Schleiermacher (eds.), “Der Generalplan Ost.” Hauptlinien der nationalsozialistischen Planungs- und Vernichtungspolitik (Berlin: Akademie Verlag, 1993).

[51] P. Svatek, “Raumforschung an der Universität Wien im 20. Jahrhundert. Kontinuitäten und Wandlungen einer multidisziplinären und politisch orientierten Forschungsrichtung”, in: Universität— Forschung—Lehre. Themen und Perspektiven im langen 20. Jahrhundert (650 Jahre Universität Wien—Aufbruch ins neue Jahrhundert, vol. 1) (Göttingen: VR unipress, 2015).

[52] R. Vom Bruch, “From “Emergency” to “Alliance”; Researching the German Research Foundation as an Institution,” in: M. Walker, K. Orth, H. Ulrich, and V. B. Rüdiger (eds.), The German Research Foundation 1920–1970. Funding Poised between Science and Politics (Stuttgart: Franz Steiner Verlag, 2013), p. 50; K. Orth, “From “Emergency” to “Researching the German Research Foundation as an Institution”, 2013.

[53] S. Schregel, “Interdisziplinarität im Entwurf. Zur Geschichte einer Denkform des Erkennens in der Bundesrepublik (1955–1975)”, NTM. Zeitschrift für Geschichte der Wissenschften, Technik und Medizin, Vol. 24, No.1 (2016).

[54] للمزيد من المعلومات عن "العصر الذَّهبيّ" للعلوم الاجتماعيَّة والسُّلوكيَّة في السَّنوات الأولى من الحرب الباردة، انظر:

J. Cohen-Cole, The Open Mind. Cold War Politics and the Sciences of Human Nature (Chicago: University of Chicago Press, 2014).

وعن المضامين الإبستميَّة للأبحاث المرتكزة على المشكلة في هذه المُدة، انظر:

P. Erickson, J. L. Klein, L. Daston, R. Lemov, T. Sturm, and M. D. Gordin, How Reason Almost Lost its Mind. The Strange Career of Cold War Rationality (Chicago: University of Chicago Press, 2013).

[55] H. Gardner, The Mind’s New Science. A History of the Cognitive Revolution (New York: Basic Books, 1985);

الفصل الرَّابع في Graff 2015، وللاطلاع على منظورٍ مختلفٍ، انظر:

M. A. Boden, Mind as Machine. A History of Cognitive Science, Vol. 1, (Oxford: Oxford University Press, 2006).

[56] للمزيد عن دراسات المناطق، انظر، على سبيل المثال، Calhoun and Rhoten 2010, pp. 106ff. ولمعرفة السِّياق السِّياسي، انظر:

J. Krige, American Hegemony and the Reconstruction of Science in Postwar Europe (Cambridge, MA: MIT Press, 2006); J. Krige, and H. Rausch (eds.), American Foundations and the Coproduction of World Order in the Twentieth Century (Göttingen: Wallstein Verlag, 2012).

وقد استُشهِد بالنِّسويَّة الاشتراكيَّة إلى جانب الماديَّة الدِّيالكتيكيَّة (الجدليَّة) وعلم الدَّلالة العام ونظريَّة الأنظمة العامة وغيرها بوصفها أمثلةً على بينيَّة "غير قياسيَّة". انظر:

S. Fuller, “Deviant Interdisciplinarit”, in: R. Frodeman, J. T. Klein, and C. Mitcham (eds.), The Oxford Handbook of Interdisciplinarity (Oxford: Oxford University Press, 2010).

[57] E. Jantsch, “Towards Interdisciplinarity and Transdisciplinarity in Education and Innovation”, in: L. Apostel, G. Berger, A. Briggs, and G. Michaud (eds.), Interdisciplinarity: Problems of Teaching and Research in Universities (Paris: Organization for Economic Cooperation and Development,1972).

انظر أيضًا:

P. W. Balsiger, “Supradisciplinary Research Practices: History, Objectives, and Rationale”, Futures, No.36 (2004).

[58] أصبح هذا النقد من الأمور المُسلم بها والسَّائدة منذ ذلك الحين. انظر، على سبيل المثال:

G. Wilson, “The World Has Problems While Universities Have Disciplines. Universities Meeting the Challenge of the Environment through Interdisciplinary Partnerships”, Journal of the World Universities Forum, Vol. 2 No. 2 (2009).

[59] التَّشديد من المؤلف في الأصل.

[60] R. Häberli, W. Grossenbacher-Mansuy, and J. T. Klein, “Summary”, in: J. Thompson Klein, W. Grossenbacher-Mansuy, R. Häberli, A. Bill, R. W. Scholz, and M. Welti (eds.), Transdisciplinarity: Joint Problem-Solving among Science, Technology and Society. An Effective Way of Managing Complexity (Basel: Birkhäuser, 2001), p. 4.

للاطلاع على المعلومات الأساسيَّة ذات الصِّلة، انظر:

G. H. Hadorn, et al., “The Emergence of Transdisciplinarity as a Form of Research”, in: G. Hirsch Hadorn, H. Hoffmann-Riem, S. Biber-Klemm, W. Grossenbacher-Mansuy, D. Joye, C. Pohl, U. Wiesmann, and E. Zemp (eds.), Handbook of Transdisciplinary Research (New York: Springer, 2008).

[61] راجع:

J. Mittelstraß, Transdisziplinarität—wissenschaftliche Zukunft und institionelle Wirklichkeit. Konstanzer Universitätsreden, Nr. 214 (Konstanz: University of Konstanz, 2003).

ولنقاشٍ أوسع يغطي علوم المواد، انظر Graff 2015؛ الفصل الخامس.

[62] L. Bruno, “The Bequest of the Nuclear Battlefield. Science, Nature and the Atom during the First Decade of the Cold War”, Historical Studies in the Physical Sciences, Vol. 33, No.2 (2003).

انظر أيضًا:

N. Oreskes, and J. Krige (eds.), Science and Technology in the Global Cold War (Cambridge, MA: MIT Press, 2014), ch.5.

ولمعرفة المزيد عن الجذور الأقدم لهذا العلم، انظر:

D. Coen, Climate in Motion: Science, Empire and the Problem of Scale (Chicago: University of Chicago Press, 2018).

[63] طور فيلسوفا العلم، سيلفيو فانتفيج وجيروم ر. رافتز مفهوم "العلم ما بعد العادي" (Post-normal science) في تسعينيَّات القرن العشرين. والمفهوم هو استراتيجيَّة حل مشكلة مناسبة عندما تكون "الحقائق غير مؤكدة، والقيم محل نظرٍ وخلافٍ، والمخاطر مرتفعة والقرارات مُلحة". وهذه، في مجملها، ظروف دائمًا ما تحضر في الأبحاث المعنية بالسِّياسة. [المترجمة]

[64] يُشير هذا النَّموذج إلى مجموعة من التَّفاعلات بين المؤسسات الأكاديميَّة (متمثلةً بالجامعة) والصِّناعة والحكومة، لتنمية التَّطور الاقتصادي والاجتماعيّ، كما يتبين في مفاهيم من مثل اقتصاد المعرفة ومجتمع المعرفة. [المترجمة]

[65] J. Brainard, “U.S. Agencies Look to Interdisciplinary Science”, The Chronicle of Higher Education 48: 40, 2002.

انظر كذلك:

National Academy of Sciences, Facilitating Interdisciplinary Research (Washington, D.C.: National Academy of Sciences, 2004); E. C. Moore, “Transdisciplinary Efforts at Public Science Agencies: NSF’s SciSIP Program”, in: R. Frodeman, J. Thompson Klein, and C. Mitcham (eds.), The Oxford Handbook of Interdisciplinarity (Oxford: Oxford University Press, 2010).

[66] للمزيد عن ظاهرة "الخبرة الواسعة"، الَّتي يؤلف البحث في مراكز الأبحاث التَّابعة للمنظمات غير الحكوميَّة جزءًا منها، انظر:

S. Maasen, and P. Weingart, “What’s New in Scientific Advice to Politics? Introductory Essay”, in: S. Maasen and P. Weingart (eds), Democratization of Expertise? Exploring Novel Forms of Scientific Advice in Political DecisionMaking (Dordrecht: Springer, 2005).

[67] J. K. Klein, Creating Interdisciplinary Campus Cultures: A Model for Strength and Sustainability (San Francisco: Josey-Bass, 2010b).

[68] M. B. Crow, and W.B. Dabars, Designing the New American University (Baltimore: Johns Hopkins University Press, 2015).

[69] التشديد من المؤلف في الأصل.

[70] للاطلاع على مثالٍ عن التَّأثير المحافظ للعمل البينيّ في علم البيئة، انظر:

M. MacLeod, and M. Nagatsu, “What Does Interdisciplinarity Look Like in Practice: Mapping Interdisciplinarity and Its Limits in the Environmental Science,” Studies in History and Philosophy of Science, No. 67 (2018).

[71] استخدم هذا المصطلح، بحضوري، مدير علوم ألمانيّ رفيع المستوى لوصف مجموعات بحثيَّة تحاول الانتفاع من التَّمويل الَّذي تُقدمه مبادرة التَّميز.

[72] Lamont, How Professors Think p. 211.

[73] للاطلاع على تعليقات متشككة بنحوٍ معقولٍ، انظر:

Weingart, “A Short History of Knowledge Formations,” pp. 12–13; A. Abbott, Chaos of Disciplines (Chicago: University of Chicago Press, 2001); S. Collini, “Seeing a Specialist: The Humanities as Disciplines”, Past and Present, No.229 (2015); Graff, Undisciplining Knowledge…, Op. cit.

[74] P. Weingart, “Interdisciplinarity: The Paradoxical Discourse”, in: Practicing Interdisciplinarity (Toronto: University of Toronto Press, 2000).