cid:image007.png@01DA94D4.752A8770Publizieren – Why Open Access?  

 

تاريخ الاستلام: 23 يناير 2025 | تاريخ التحكيم: 24 فبراير 2025 | تاريخ القبول: 06 مارس 2025

مقالة بحثية

تأثير الانتماءات الأولية على العنف المنظم: مقاربات بينية

عبد الله جلال الدين

طالب دكتوراه في برنامج علم الاجتماع، معهد العلوم الاجتماعية، بجامعة إسطنبول–تركيا

a.mohamed.2018@ogr.iu.edu.tr

https://orcid.org/0009-0003-4519-7556

ملخص

تُعدّ الانتماءات الجهوية بمثابة السوق السوداء أو الموازية للسياسة، حيث تظهر وتزدهر كلما اختلت موازين السياسة الطبيعية أو واجهت الأنظمة أزمات سياسية، فهي تعبير عن ممارسات غير مشروعة في ساحة الصراع على السلطة بمعناها الأوسع. ويعود أصل هذه الانتماءات إلى التعدد الإثني والقبلي والطائفي الذي يُعد من السمات المميزة للمجتمعات التعددية. ورغم غنى هذا التعدد الثقافي والاجتماعي، فإنه يُولد بطبيعته توترات بين المكونات الاجتماعية، تتجلى غالبًا في شكل عنف جماعي، حيث تُطوّر كل قبيلة عصبيتها الخاصة وتُوظفها في مواجهة عصبيات القبائل الأخرى. في ظل هذا التصور الثابت لمسألة القبلية، تبدو المشكلة وكأنها جزء بنيوي من تكوين المجتمعات ذات الهياكل التعددية، مما يجعل التخلص منها مستعصيًا ما دامت هذه البنية قائمة. ومع ذلك، لا يوجد حتى الآن حلٌّ نهائي أو معالجة شاملة للحروب الأهلية والعنف الجماعي في دول مثل السودان وإثيوبيا وغيرهما، مما يجعل الحاجة مُلحة إلى البحث عن آليات للتخفيف من حدة هذه الظواهر أو التعايش معها بطرق سلمية ومستدامة. وللإجابة على سؤال البحث المتعلق بالعلاقة بين الانتماءات الأولية والعنف الجماعي، اعتمدنا على مقاربة بينية، تشمل علم الاجتماع وعلم السياسة وما قد يتداخل أو يتقاطع معهما من العلوم الاجتماعية. وفي ظل التغيرات الأخيرة، تصاعد دور القبائل في المشهد السياسي، حيث باتت تشارك في العملية السياسية، وإن كان ذلك غالبًا لخدمة مصالح الأنظمة أو الدولة. ومع ذلك، يُشكل هذا التحول تهديدًا كبيرًا للهوية الوطنية، إذ يُعيد إنتاج الانتماءات القبلية كمراكز قوى موازية، مما يقوض مفهوم المواطنة والانتماء الوطني الشامل.

الكلمات المفتاحية: القبليّة، الطائفيّة، العنف الجمعي، مقاربات بينية

للاقتباس: جلال الدين، عبد الله. " تأثير الانتماءات الأولية على العنف المنظم: مقاربات بينية"، مجلة تجسير لدراسات العلوم الإنسانية والاجتماعية البينية، المجلد السابع، العدد 1 (2025): 147-164. https://doi.org/10.29117/tis.2025.0211

© 2025، جلال الدين. الجهة المرخص لها: مجلة تجسير، دار نشر جامعة قطر. نُشرت هذه المقالة البحثية وفقًا لشروط Creative Commons Attribution-Noncommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0). تسمح هذه الرخصة بالاستخدام غير التجاري، وتنبغي نسبة العمل إلى صاحبه، مع بيان أي تعديلات عليه. كما تتيح حرية نسخ، وتوزيع، ونقل العمل بأي شكل من الأشكال، أو بأي وسيلة، ومزجه وتحويله والبناء عليه، طالما يُنسب العمل الأصلي إلى المؤلف. https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0


 

 Publizieren – Why Open Access?

Submitted: 23 January 2024 | Peer-reviewed: 24 Februaryr 2025 | Accepted: 06 March 2025

Research Article

The Impact of Primary Affiliations on Organized Violence: Interdisciplinary Approaches

Abdalla Galaleldeen

PhD Candidate in Sociology Program, Institute of Social Sciences, Istanbul University–Turkey

a.mohamed.2018@ogr.iu.edu.tr

https://orcid.org/0009-0003-4519-7556

Abstract

Regional affiliations can be viewed as the black market or shadow realm of politics, surfacing and flourishing whenever the natural political order is disrupted or political systems face crises. These affiliations represent a manifestation of illegitimate practices within the broader power struggles. Their roots stem from the ethnic, tribal, and sectarian diversity that defines pluralistic societies. Although this cultural and social diversity is rich, it inherently generates tensions among different social groups, often culminating in collective violence, where each tribe fosters its own solidarity and deploys it against others. From this fixed perspective, tribalism appears as a structural issue within societies with pluralistic frameworks, making its elimination difficult as long as these structures persist. Despite this, no definitive solution or comprehensive approach has yet been found to address civil wars and collective violence in countries like Sudan and Ethiopia, highlighting the urgent need to explore mechanisms to mitigate these phenomena or to promote peaceful and sustainable coexistence. In addressing the research question on the relationship between regional affiliations and collective violence, an interdisciplinary approach has been adopted, incorporating sociology, political science, and intersecting fields within the social sciences. With recent developments, tribes have assumed an increasingly prominent role in the political landscape, often participating in the political process to serve the interests of regimes or the state. However, this shift presents a significant threat to national identity, as it reproduces tribal affiliations as parallel centers of power, undermining the concept of citizenship and an inclusive sense of national belonging.

Keywords: Tribalism; Sectarianism; Collective Violence; Interdisciplinary Approach

Cite this article as: Galaleldeen, Abdalla. “The Impact of Primary Affiliations on Organized Violence: Interdisciplinary Approaches,” Tajseer Journal for Interdisciplinary Studies in Humanities and Social Science, Vol. 7, Issue 1 (2025): pp. 147-164. https://doi.org/10.29117/tis.2025.0211

© 2025, Galaleldeen, licensee, Tajseer & QU Press. This article is published under the terms of the Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0), which permits non-commercial use of the material, appropriate credit, and indication if changes in the material were made. You can copy and redistribute the material in any medium or format as well as remix, transform, and build upon the material, provided the original work is properly cited. https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0


 

مقدمة

تُعد الهوية الوطنية أحد العناصر الجوهرية التي تُميّز كل دولة، إذ تمثل الركيزة الأساسية التي ترتكز عليها خصائص الدولة وهويتها المميزة، والتي بدونها تتعرض الدول لخطر فقدان جوهر وجودها واستقرارها. تُشكّل الهوية الوطنية أو القومية الأساس الذي تنبثق منه الهويات الفرعية الأخرى، مثل الهويات الأولية (القبلية، والإثنية، والطائفية)، رغم الاعتقاد السائد بأن هذه الهويات الأولية تمثل الهويات "الطبيعية" و"الحقيقية"، إلا أنها ظواهر طارئة ومعقدة. من هذا المنظور، قد ينظر البعض إلى الهوية الوطنية على أنها بناء مصطنع أو حتى زائف، لكن لا يمكن إنكار أن جميع الهويات البشرية، في جوهرها، هي بناء اجتماعي وثقافي يشهد تداخلًا وتفاعلًا دائمين، قد يصل حد التناقض في بعض الأحيان.

تُمثِّل الانتماءات الجهوية قيودًا خانقة تُحوِّل المجتمع إلى سلسلة من السجون المغلقة، حيث تتحوّل الأرض الواحدة إلى كيانات متنافرة تتصارع ضمن حدود مصطنعة، فبدلًا من أن يكون الوطن نسيجًا متكاملًا من القيم والمصالح المشتركة، يتحوّل إلى جزر منعزلة تكرّس الانقسامات وتعمّق الهُوَّة بين أفراده. فبدلًا من نظرة المواطنة الشاملة التي تُذيب الفوارق وتُعلي من مبدأ المساواة، تفرض هذه الانتماءات الضيقة عَلاقاتٍ قائمةً على التشظّي، فينشأ الفرد مُحمّلًا بوعي طائفي أو قبلي يجعله ينظر إلى الآخر بوصفه "غريبًا" أو "منافسًا"، لا شريكًا في بناء مستقبل مشترك. ويُفاقم هذا الانقسام من إضعاف الولاء للدولة كمشروع جامع، ليتحوّل التمسك بالهوية الجهوية أو العائلية إلى بديل يهدّد كيان الدولة ذاته، ويحوّلها من إطار قانوني وسياسي يحمي الجميع إلى مجرد هيكل هشّ تتحكّم فيه ولاءات قبلية ضيقة.

لا تقتصر خطورة هذه الظاهرة على تفكيك اللحمة الوطنية فحسب، بل تمتد إلى تشكيل انشقاق عميق عن قيم المواطنة الحديثة، حيث تتحرر الجماعات من الضوابط الأخلاقية والقانونية التي تنظّم العلاقات في المجتمع الواحد، لتنغلق كلّ فئة على ذاتها في دائرة من المصالح المتصارعة. وهكذا تتحول الدولة – التي يفترض أن تكون تجسيدا للإرادة العامة – إلى ساحة لصراع الزعامات المحلية، فبدلا من أن تكون مؤسساتها تعبيرًا عن عقدٍ اجتماعيّ يضمن الحقوق والواجبات، تصبح أداة لتكريس النفوذ القبليّ، أو مجالًا لتقسيم الغنائم بين المتنفذين. هذا التحول الخطير يفقد الدولة جوهرها ككيان فوقيّ يحقق العدالة ويضمن التماسك، لتصبح – في أسوأ تجلياتها – مجرد مجموعة من "المزارع" الخاصة، تدار كل منها وفقا لأهواء زعماء القبائل أو الأسر، مما يُعيد إنتاج أنماط من الحكم البدائي تعارض فكرة الدولة العصرية بمؤسساتها الشفافة وقوانينها الملزمة للجميع.

على الرغم من دور الهوية الوطنية في تشكيل الانتماءات الكبرى، فإنها لم تلغ الهوية الجهوية مثل القبلية والطائفية، بل تداخلت معها في سياقات تاريخية واجتماعية مختلفة. وفي العديد من الحالات، كانت إحدى هذه الهويات تهيمن على الأخرى في سياقات اجتماعية وسياسية محددة. وكما يشير عزمي بشارة إلى أن العروبة، باعتبارها ثقافة مشتركة شاملة عناصر تاريخية واجتماعية، تُعد انتماءً لا يمكن إنكاره حتى في المجتمعات التي تعيش حالة من الثنائية اللغوية. وفي هذا السياق، تُعتبر اللغة العربية جزءًا لا يتجزأ من ثقافات المجموعات الإثنية المختلفة، مثل الكرد في العراق وسوريا، والأمازيغ في المغرب والجزائر وليبيا، رغم التباين الكبير بين مكوناتها الثقافية[1].

أما على مستوى البحث الأكاديمي، فقد تناول الجزء الأول الإطار المفاهيمي عبر تحليل مفاهيم كالهوية والانتماءات الأولية بمستوياتها المختلفة (القبلية، الإثنية، الطائفية)، بينما ركز الجزء الثاني على الإطار التحليلي الذي يربط بين الانتماءات الأولية ومظاهر العنف المنظم، مستخدما مقاربة بينية خلصت إلى استنتاجات كبرى عن تداعيات هذه الانتماءات على الاستقرار المجتمعي.

إشكالية البحث:

تتجلى الإشكالية البحثية في تحول الانتماءات الجهوية من كونها تعبيرا عن الهوية المحلية إلى عامل تفكيك للوحدة الوطنية، حيث تسهم هذه الانتماءات في تشكيل عوازل اجتماعية وسياسية تحول الفرد من كونه مواطنًا ضمن كيان جامع إلى كيان منغلق على ذاته، ينظر إلى "الآخر" بوصفه منتميًا إلى جهة مضادة أو منافسة. يثار التساؤل حول كيفية تحول الدولة من فكرة جامعة قائمة على المواطنة المتساوية إلى كيان مجزّأ يشبه المزارع القبلية، حيث تهيمن الولاءات الضيقة (كالقبيلة أو الأسرة) على حساب الولاء الوطني، مما يُضعف الضوابط القانونية والعلاقات الاجتماعية الجامعة.

إن قوة أو ضعف الهوية الوطنية يتأثران بالظروف الاجتماعية والسياسية المحيطة، مما يُبرز العلاقة الديناميكية بين الانتماءات الأولية أو الجهوية والعنف الجمعي، سواء كان هذا العنف ناتجا عن ممارسات الدولة أو نابعًا من الهويات الجهوية. هذه العلاقة المعقدة تكشف وجود فضاء مشترك يتسم بتفاعلات وتأثيرات متبادلة بين مختلف أشكال الهوية عبر الزمن، وهو ما يتطلب تحليلًا منهجيًا يستند إلى أسس علمية متعددة. لذا، يتناول هذا البحث سؤالًا محوريًا يتمثل في: ما العلاقة بين الانتماءات الأولية، مثل القبيلة، الطائفة، أو الهوية الدينية، وظاهرة العنف الجمعي، وخاصة عنف الدولة؟ ويسعى إلى تقديم فهم أعمق لكيفية تأثير هذه الانتماءات في نشوء العنف أو في توجيه قوة العنف التي تمتلكها الدولة نحو جماعة معينة. وللإجابة على هذا السؤال، يعتمد البحث على مقاربة بينية تجمع بين عدة مجالات معرفية لدراسة هذه الظاهرة المعقدة؛ فمن خلال علم الاجتماع، يتم تحليل العلاقات الاجتماعية وديناميكيات التفاعل بين الأفراد والجماعات لفهم الأطر التي تُشكَّل فيها الانتماءات الأولية، ودورها في تشكيل الولاءات وتأجيج الصراعات. كما يساهم المنظور الأنثروبولوجي في فهم الأبعاد الثقافية والرمزية المحيطة بهذه الانتماءات، مع التركيز على كيفية ارتباطها بالهويات الجماعية والعادات والتقاليد التي تتفاعل ضمن سياقات اجتماعية محددة. من جهة أخرى، يسهم علم السياسة في استكشاف دور الدولة كفاعل رئيسي في العنف الجمعي، حيث يتم توظيف الانتماءات الأولية لتبرير العنف أو توظيفها لتحقيق أهداف سياسية معينة. إضافة إلى ذلك، تقدم الدراسات الدينية بُعدًا مهمًا لفهم دور العقائد والطقوس الدينية في تعزيز أو تقويض العنف، خاصة في السياقات التي تكون فيها الهوية الدينية محورية في النزاعات. وأخيرًا، تتيح الدراسات الإثنية تحليل التوترات بين المجموعات العرقية والطائفية، وتقديم تفسير لكيفية تطور هذه التوترات إلى أشكال من العنف المنظم.

أهمية الدراسة:

أكد كثير من الباحثين في حقل العلوم الاجتماعية، وخاصة المتخصصين في تحليل الانتماءات الأولية وتجلياتها في المجتمعات، على أهمية دراسة الهويات الفرعية بوصفها مداخل لفهم التفاعلات المجتمعية المعقدة. وتأتي في صدارة هذه الهويات: الهويات القبلية ذات الجذور التاريخية العميقة، والانتماءات الطائفية المرتبطة بالبعد الديني أو المذهبي، والهويات الإثنية التي تعكس تنوعًا ثقافيًا وعرقيًا. ولا تقتصر أهمية هذه الدراسات على رصد مكونات الهوية فحسب، بل تمتد إلى تحليل تداخلاتها مع عوامل أخرى كالسياسة والاقتصاد، مما يدفع إلى ضرورة توسيع نطاق البحث ليشمل الانتماءات الجهوية كإطار تحليلي يضيء تأثير الانتماء إلى منطقة جغرافية محددة في تشكيل السلوكيات الجمعية والصراعات.

وفي هذا السياق، تبرز هذه الدراسة أهميتها من خلال سعيها إلى سد جزءٍ من الفراغ الأكاديمي والمعرفي في مجال الانتماءات الجهوية، الذي يُعزى إلى ندرة الأبحاث المنهجية التي تتناول هذا الموضوع بالعمق المطلوب، رغم تأثيره البارز في تشكيل الخريطة الاجتماعية والسياسية للعديد من المجتمعات. فمعظم الأدبيات السابقة – كما تشير البيانات – ركزت على جوانب مثل التنوع القبلي أو الهوية الوطنية، في حين أهملت جوانب أخرى لا تقل حيوية، مثل تحليل الدور الذي تلعبه الروابط الجهوية في تأجيج الحروب الأهلية أو النزاعات القبلية، أو في تعزيز التماسك الاجتماعي في مواجهة الأزمات. بل إن المراجعة النقدية لما كتب في هذا المجال تظهر أن الغالبية العظمى من المواد المتاحة تنحصر في مقالات الرأي، أو أعمال وصفية تفتقر إلى الإطار النظري، أو تحليلات سياسية ظرفية تخلط بين الانتماء الجهوي والهويات الأخرى دون تمييز.

من هنا، تصبح الحاجة إلى دراسات منهجية معمقة أكثر إلحاحا، لا سيما تلك التي تربط بين الانتماءات الأولية (كالقبلية والجهوية) ومظاهر العنف المنظم، سواء عبر تحليل سياقات تاريخية أم من خلال مقارنات بين مجتمعات مختلفة. فالفجوة البحثية القائمة تحول دون فهم الآليات التي تحول الانتماءات الجهوية من إطار للتعايش إلى عامل تفكيك، أو تلك التي تجعلها أداة لتعزيز الهوية الجامعة في ظل التنوع. ولتجاوز هذه التحديات، يقترح البحث ضرورة تبني مقاربات متعددة التخصصات، تجمع بين السوسيولوجيا والأنثروبولوجيا السياسية ودراسات إدارة الصراع، مع الاعتماد على منهجيات كمية وكيفية تمكن من رصد التحولات في الهويات الفرعية وعلاقتها بالعنف، مما يسهم في وضع سياسات فعالة لتحقيق الاستقرار المجتمعي.

أولًا: مفهوم الهوية

تُعرّف الهوية كمفهوم يشير إلى الجوهر الحقيقي للفرد أو الجماعة، متضمنًا الخصائص والمميزات التي تحدد كينونتهما وتمنع الالتباس مع الآخرين. فالهوية هنا هي تعبير عن الوجود القائم بذاته، سواء للأفراد أو الشعوب أو الأمم، بناءً على مقوّمات محددة تتيح التمييز بين الذات والآخر. في الإطار الاجتماعي، تصاغ الهوية الجمعية كرابطة معرفية وعاطفية وأخلاقية تربط الفرد بالجماعة، وقد تكون هذه الرابطة واقعية أو متخيَّلة. وهي لا تقتصر على الجماعات الملموسة فحسب، بل تشمل أيضًا "الجماعات المتخيَّلة" التي تُبنى عبر التفاعلات مع محيطها (كوسائل الإعلام، أو السلطة، أو الجماعات المعارضة). كما أنها هوية سائلة وعلائقية، تخضع للتغيّر المستمر ولا يمكن تثبيتها بشكل نهائي[2].

من جانب آخر، تُعرّف الهوية السياسية حسب هارييت برادلي (Harriet Bradley) كإطار يُحوّل الانتماء إلى قاعدة للفعل الاجتماعي، حيث يتبنى الأفراد مفردات الهوية لوصف ذواتهم ومكانتهم ضمن الجماعة[3]. أما على مستوى الأمم، فترتبط الهوية بـالولاء المطلق للوطن، الذي يتجاوز الانتماءات الفرعية (كالقبلية أو الطائفية)، ليصبح مصدر الشرعية السياسية والاجتماعية والسيادية، وفقاً لـ أوزكيريملي[4].

لا تُعد عملية بناء الهوية مسألة ثابتة، بل هي عملية ديناميكية مستمرة تعكس تعددية العلاقات والصراعات. فـ "الهوية تُبنى وتُهدم"، لكن فكرة الانتماء إلى أمة تبقى راسخة كإطار تاريخي وثقافي، حتى لو اختلفت سماتها بين المجتمعات، كما يرى أنتوني دي. سميث [5].

على صعيد الدول، تختلف هوية الدولة الوطنية باختلاف بنيتها الثقافية والاجتماعية. هنا تبرز الثقافة كعامل محوري في تشكيل الهويات، خاصة مع التحوّلات الأخيرة التي جعلتها رأس مال رمزيا يدخل في صراعات النفوذ، وفقًا لـ بيير بورديو (Pierre Bourdieu)، الذي يشبّه الحقل الثقافي بـ "سوق" تُنتَج فيه الرموز والقيم عبر تفاعل العرض والطلب، حيث يسعى الأفراد إلى التمايز أو التماهي مع محيطهم. وتلعب عوامل مثل الانتماء الطائفي أو القبلي دورًا محوريًا في تعبئة الهويات، لا سيما في المجتمعات التي تتحول فيها هذه الانقسامات إلى ساحات صراع على السلطة. وهكذا، تظل الهوية نتاجًا مركبًا لتفاعل التراث الثقافي مع الواقع الاجتماعي والسياسي المتغيّر[6].

ثانيًا: الانتماءات الأولية

تُعد الانتماءات الأولية تعبيرًا شاملًا يُستخدم لوصف الاعتقاد بأن الهويّة جزء "طبيعي" من الإنسان، مثل الكلام أو النظر، وأن الأمم وجدت منذ الأزل. ويستمد هذا التعبير من صفة "انتماء أولي/ بدائي"، التي تشير إلى شيء مرتبط ببداية الزمن أو وُجد منذ بدء الخليقة، فهو فطري وأصلي، كما في حالة علاقات القرابة التي تقوم على روابط الدم أو الأرضية المشتركة. وبالتالي، تعتبر الانتماءات الأولية واقعًا موضوعيًا يعكس تعزيز الشعور بالانتماء، بحيث قد يتفوق على غيره من الانتماءات، أو يتحول إلى الانتماء الوحيد في بعض الحالات. فالمرء يرث انتماءه من دين أو طائفة أو قبيلة أو إثنية معينة، كما يرث انتماءه إلى عائلة أو منطقة معينة، من دون أن يكون له دور في اختيار ذلك الانتماء. إنه واقع موضوعي لا علاقة له بالإرادة أو الوعي. ومع أن التنوع القبلي والطائفي والإثني في بلد ما قد لا يكون بالضرورة مصدراً للصراع، فقد يشكل، في بعض الحالات، مصدراً للغنى الثقافي والتنوع الذي يعزز التفاعل الاجتماعي، غير أن الشرط الأساسي لعدم تحول الانتماء إلى طائفة أو قبيلة أو إثنية إلى عامل صراع يكمن في ديمقراطية النظام السياسي وحرية الحياة الاجتماعية[7].

يتساءل كليفورد غيرتز (C. Geertz) عن الأسباب التي تجعل الدولة مستقرة، ويشير إلى أن أحد العوامل الأساسية لذلك هو الشعور بالوحدة المشتركة بين أفراد المجتمع، مما يجعلهم يشعرون بأنهم ينتمون إلى روابط قريبة. ويعتبر أن هذا الشعور، الذي يعرف بالوعي الجماعي، يساعدهم على تجاوز الاختلافات والصراعات الاقتصادية والاجتماعية. ووفقًا لهذا المنظور، فإن وجود هذا الشعور يُعد أساس الدولة المستقرة والديمقراطية[8]. في العديد من البلدان، يوجد تنوع ثقافي قد يؤدي إلى انهيار الدولة إذا لم يُدرْ بشكل صحيح، على سبيل المثال، فإن انهيار يوغوسلافيا، والاتحاد السوفيتي، وانفصال باكستان عن الهند، وانفصال أرتيريا عن اثيوبيا، وانفصال جنوب السودان عن السودان، جميعها تعدّ أدلة على الفشل في إدارة التنوع الثقافي. ومع ذلك، فإن التنوع أو تعدد الانتماءات ليس مشكلة إذا تمت إدارته بشكل جيد، كما يظهر في تجربة الولايات المتحدة في التعامل مع التنوع الثقافي.

اعتبرت الأنثروبولوجيا المعاصرة الحدود الثقافية حدودًا إثنية، مما مكن من القول بوجود إثنيات متعددة في المجتمعات الإنسانية، استنادًا إلى اعتبار "الانتماءات الأولية" وحدات ثقافية وفقًا للرؤية الأنثروبولوجية. فقد أكدت المدرسة الأنثروبولوجية (مالينوفسكي – بنديكت – هيلز – غيرتز) على أولوية الروابط الدينية والإثنية والقرابية، التي تتميّز بتضامن مكثف ومتكامل، وتؤثر بشكل مباشر وفاعل في سلوك الأفراد عبر آليات القوة الإكراهية، والمحرّمات الاجتماعية، والتجذّر التاريخي، والتوارث عبر التربية العائلية، إضافة إلى تثبيتها عبر المفاهيم العقدية والدينية. ومن هنا، يُنظر إلى روابط الدم واللغة والعادات والتقاليد على أنها تنطوي على إكراهات اجتماعية تتجاوز التفاعل الشخصي والمصلحة المشتركة. فالعلاقة بين الناس سواء كانوا أقارب أو جيرانًا، لا تقتصر على العاطفة الشخصية أو الضرورة العملية فقط، بل تنشأ من الروابط الثقافية والاجتماعية التي تتجذر في التاريخ وتستمر عبر الزمن، مما يجعل هذه الروابط تُعتبر ثوابت واقعية قائمة بذاتها. وفي هذا السياق، تصبح هذه الروابط جواهر ثابتة تتجاوز التغيرات الزمنية، وهو ما أشار إليه غيرتز بـ "الهوية الأساسية" للمجموعة[9].

ووفقًا لـوولكر كونر (Walker Conner)؛ فإن الانتماءات الأولية تُعد رابطًا حدسيًا أكثر قوة وعمقًا من الروابط التي تجمع المجموعات (الإثنية، والقبلية، والطائفية) ببنية دولةٍ قائمة وشرعيةٍ يجد الناس ذواتهم فيها[10]. أما بيّار فان دن برغ (Pierre L. Van Den Berghe) فقد أشار إلى أن هذه المجموعات "هي امتداد لعبارة القرابة، وتتميّز بأولويتها وشموليتها مقارنة بكل التجمعات القائمة على المصالح المجزأة مثل الجمعيات المهنية والاتحادات العمالية والأحزاب السياسية، أو الطبقات الاجتماعية بشكل عام. فالعلاقة بين الطبقة من جهة والإثنية والعرق من جهة أخرى معقّدة، إذ تتنوع درجة الترابط بين خطوط التباعد والانشقاق المختلفة من حالة إلى أخرى. ولكن، بصورة عامة، يستطيع الأفراد أن ينتظموا بسهولة عبر الروابط الإثنية والعرقية أكثر بكثير من اعتمادهم على الروابط الطبقية"[11]. وبحسب إدوارد هلز (Edward Hills) الذي تحدث عن تأثير الروابط الأولية (القرابة، القبيلة، الطائفة) على هوية الدولة، فقد وصف هذه الروابط الأولية بأنها لحظة تضامن عصبي، واندماج وتكامل عضوي، وقوة قسرية حاكمة ومحرمات سائدة...إلخ[12].

تُعد روابط الدم المفترضة وهي "شبه" القرابة، لأنها تتشكل من وحدات قرابيه ناتجة عن علاقة بيولوجيّة معروفة (مثل العائلات الممتدة، والأنساب، وما إلى ذلك). وبالتالي، فإن المرجع إلى فكرة القرابة لا يمكن تعقبه بدقة، ولكنه يبقى حقيقة اجتماعية، كما هو الحال في القرابة والقبيلة. تتميز نيجيريا والكونغو والجزء الأكبر من إفريقيا جنوب الصحراء بظهور هذا النوع من الانتماءات، كما أن العرق يشبه القرابة المفترضة من حيث إنه يتضمن نظريّة إثنوبيولوجيّة، ولكنه ليس نفس الشيء تمامًا، فالعرق يتعلق بالسمات الجسديّة مثل لون البشرة، وشكل الوجه، ونوع الشعر وما إلى ذلك. بينما يوجد مثل هذا النوع من الانتماءات في مالايا (Malaya). وكذلك بين شعوب منغولية متشابهة جدًا في الشكل والظاهر. قد تشكل اللغة عاملًا أساسيًا في تعزيز النزعات القوميّة، لكنها ليست نتيجة حتميّة مثل القرابة والعرق. أما العادات فتؤدي دورا مهمًا في بعض المجتمعات التي تعتبر نفسها حاملة لحضارة أرقى مقارنة بالمجموعات الأخرى من نفس المجتمع. وبالتالي، فإن الاختلاف في العرف أو العادات والتقاليد قد يؤدي إلى انقسام على أسس قومية، كما هو الحال عند الجاويين (Javanese) في إندونيسيا. وتتفاوت هذه الولاءات من شخص لآخر، ومن مجتمع لآخر، ومن وقت لآخر. نظرًا لأن كل مجتمع يمتلك ثقافته الفريدة التي تتجسد فيها معاني الانتماء.

عند الحديث عن الانتماءات في الهند، نشير إلى التناقضات الدينية. وفي ملايا نركز بشكل أساسي على العنصرية، أمّا في الكونغو فنناقش القبلية، وفي المغرب نبحث في اختلافات العادات والتقاليد. يقول كليفورد جيرتز (Clifford Geertz) إن الانتماءات الجهوية، القبلية، والطائفية وما إلى ذلك، تُعد من أهم المحددات في بناء الدولة الوطنية، ويضيف أن تبلور الصراع المباشر بين المشاعر البدائية والسياسة المدنية يظهر في صراعات جهويّة، وقبلية، وطائفية، إذ أن المشاعر البدائية أو الانتماءات الأولية تشكل تهديدًا لقيام الدولة القومية (هويّة الدولة الوطنية)، لأنها تعيد تعريف الأمة على أسس جهوية، من خلال العرق أو اللغة أو الطائفة أو الثقافة. بالتالي، قد تؤدي هذه الانتماءات إلى تقسيم الدول، وإعادة رسم حدودها، وتعريف مجالها، كما هو الحال في إندونيسيا، والهند، والسودان والمغرب، وغيرها[13]. فالانتماءات الأولية تتكون من العائلة كما القرابة والقبيلة والمجموعة الإثنية.

ثالثًا: الانتماء القبلي

أدى اختلاف سياقات التناول لدى الدارسين في العلوم الإنسانية والاجتماعية إلى الاختلاف في تحديد مفهوم القبيلة، هذا المفهوم على الرغم من اتساع استخدامه، فإنه لا يحظى بالاتفاق على الدلالة والمعنى نفسيهما. عبارة " tribe" باللغة الإنجليزية أو " la tribu" باللغة الفرنسية تعني (العشيرة أو القبيلة)، مشتقة من العبارة "tribus"، وهي كلمة من اللغة اللاتينية وتعني (القبيلة أو العشيرة). وهي مجموعات بشرية سكنت وسط إيطاليا القديمة قبل ظهور مدينة روما بفترة طويلة. وكانت القبيلة أو العشيرة في روما القديمة مؤلفة من مجموعات رجال ونساء مرتبطين بعلاقات القرابة. يطلق على هذه المجموعات اسم "الناس" (gens). كانت اللغات الهندو أوروبية في العصور القديمة تعتبر الانتماء ب "الولادة" هو الأساس للمجموعات الاجتماعية التي نطلق عليها اليوم اسم "القبائل" أو "العشائر" أو "الأنساب"[14]. فعلى سبيل المثال، عند البارويا (Baruya)، وهي قبيلة في غينيا – الجديدة، لكي يُسأل أحدُهم أو إحداهن إلى أي قبيلة تنسب، يُقال ysavaa والتي تعني: "من أي شجرة أتيت؟"، أو يقال:  navaalyara التي تعني: "من هم أمثالك؟". باختصار، إنها دائمًا الفكرة نفسها، أن المرء "مماثل" لآخرين لأنه يشاطرهم "الولادة" نفسها[15]. بهذا المعنى، فإن القبيلة هي مجموعة مكونة من رجال ونساء من كل الأجيال يعتبرون أنفسهم أقرباء ومتكافلين لكونهم يؤكدون انحدارهم من سلف مشترك.

وفقًا لـلويس مورغان (Lewis Morgan)، القبيلة هي وحدة اجتماعية تتميز بالاستقلالية وتشمل مجموعة من "البطون". ويعرف مورغان البطن بأنه مجموعة من الأقارب ينحدرون من جد جامع ويجمعهم أسم خاص. ولكل قبيلة لهجة منفصلة وحكومة عليا ومجال جغرافي تسيطر عليه وتدافع عنه كملكية خاصة[16]. أمّا موريس غوديلييه (Maurice Godelier) فيناقش في كتابه "القبائل في التاريخ وفي مواجهة الدول" مفهوم القبيلة. حيث يرى أن القبيلة هي شكل مجتمعي يشكل عندما تتحد مجموعات رجال ونساء يعترفون ببعضهم كأقارب، بكيفية فعلية أو وهمية، بالولادة/النسب أو بالمصاهرة، ويكونون متضامنين لضبط إقليم وامتلاك موارده التي يستثمرونها، معاً أو كل على حدة، ويكونون مستعدين للدفاع عنها وأيديهم على السلاح، وهي تعرف، أي القبيلة، على الدوام باسم خاص بها[17]. القبيلة هي مجموعة من الناس يشتركون في ثقافة واحدة ويتكلمون لغة واحدة ويحتلون أرضًا خاصة بهم[18]. أمّا جواد علي فيرى القبيلة على أنها هي جماعة من الناس ينتمون، حقيقةً أو وهمًا، إلى أصل مشترك ويشعرون بانتسابهم إلى أب أو سلف أعلى[19]. ومحمد نجيب بوطالب يعرف "القبيلة" بأنها "مجموعة من الناس يتكلمون لهجة واحدة ويسكنون إقليمًا مشتركًا يعتبرونه ملكًا خاصًا بهم"[20].

لا تتحد القبلية بالنسبة إلى ابن خلدون بكونها جماعة متفرعة عن جد أول، كما لا تتحدد فقط بما يجمع بين أعضائها من روابط الدم، كما حدد ذلك الأنثروبولوجيون الكلاسيكيون. إن النسب في معناه الضيق لا يعدو أن يكون معطى وهميًا لا يصمد أمام واقع الاختلاط وعلاقات الجوار والتعايش في المكان، أما الإطار الحقيقي للقبيلة عند ابن خلدون فهو النسب في معناه الواسع والرمزي، وما يمثله من أشكال التحالف والولاء والانتماء[21]. ابن خلدون يؤكد دور المكان، أي الأرض الذي يشكل محور التحام الجماعة.

على العموم القبيلة جماعة تربط أعضاءها صلات الدم والقرابة، ونمط الإنتاج وتوزيع الموارد والاستهلاك الجماعي، وأسلوب المعيشة، والقيم ومعايير السلوك المشتركة، وهيكل السلطة الداخلية. بهذا المعنى، فإن هوية الفرد وولاءه الأول يكونان لهذه الجماعة، وعليها يعتمد في إشباع حاجاته الأساسية. يختلف الأنثروبولوجيون والمختصون الآخرون بالعلوم الاجتماعية حين يتوجب عليهم تفسير ظاهرة القبيلة وأهميتها التاريخية، فأغلبهم يعتقد أن مفتاح فهم آلية عمل المجتمعات القبلية يرتكز على تفاعل علاقات القرابة أو علاقات المصاهرة. ترتكز هذه المجتمعات إذن على أساس مكوَّن من القرابة. فعلى سبيل المثال تضامن أفراد العشيرة أو القبيلة في حال نشوب الصراعات، إذ يشعرون بأنهم ملتزمون بذلك باسم علاقات القرابة التي تجمعهم.

رابعًا: الانتماء الإثني/العرقي

يُعد مفهوم الجماعة الإثنية (Ethnic Group)، وكلمة "إثنية" مشتقة من أصل يوناني (Ethno) بمعنى شعب، أو أمة. في العصور الوسطى، كان يُطلق هذا اللفظ (Ethno) في اللغات الأوروبية على من ليسوا مسيحيين أو يهودا. ولكن في العصور الحديثة أصبح اللفظ (Ethno) يستخدم في العلوم الاجتماعية ليشير إلى جماعة بشرية يشترك أفرادها في العادات والتقاليد واللغة والدين. وكذلك الملامح الفيزيقية الجسمانية، ولكنها تعيش في نفس المجتمع مع جماعة أو جماعات أخرى تختلف عنها في إحدى هذه السمات. العرقيّة أو الإثنية (هما هنا مصطلحان مترادفان) بأنها الولاء لجماعات ثقافية ولغوية، بصرف النظر عما إذا كان ذلك مطابقًا أو غير مطابق للحقائق، إلى سلالات وأصول تاريخية وجغرافية واحدة[22]. تعرف الجماعة الإثنية بأنها جماعة اجتماعيّة أو فئة من الأفراد في إطار مجتمع أكبر. تجمعهم روابط مشتركة مثل اللغة والدين، والملامح الفيزيقية. أي بأنها جماعة ذات تقاليد وعادات مشتركة، تتعايش مع جماعات أخرى في نفس المجتمع.

إن الجماعات الإثنية تظهر وتختفي، وتتوحد وتتفكك. ولكن تبقى عمليات البناء وإعادة البناء والتفكيك مرتبطة بحقيقة "النسب البيولوجي كما يدرك اجتماعيًا". هذه البنية البيولوجية "التزاوج والإنجاب" أوجدت الإثنيات منذ فجر التاريخ. وربما نتحدث عن القومية، حين يتحول شعور بالانتماء إلى إثنية إلى المطالبة بالحكم الذاتي أو الاستقلال السياسي. بهذا المعنى تصبح الأمة مجرّد "إثنية واعية سياسيًا"[23].

الإثنية ظاهرة اجتماعية خالصة يجري إنتاجها وإعادة إنتاجها على مر الزمن. من خلال التنشئة الاجتماعيّة، يتعلم الأطفال الصغار أساليب الحياة والمعايير والمعتقدات الشائعة والسائدة في جماعاتهم ومجتمعاتهم. الإثنية تحتل مكانة مركزية في تكوين الهويات الفرديّة والجماعية. كما أنها تُمثل عنصر الاستمرارية مع الماضي[24].

إن التميز بين الجماعات الإثنية ينطوي على عنصرين: عنصر ذاتي وموضوعي. العنصر الموضوعي هو وجود الاختلاف أو التباين بالفعل في أي من المتغيرات التالية (اللغة، أو الدين، أو الثقافة، أو الأصل القومي والمكاني، أو السمات الفيزيقية). أمّا العنصر الذاتي فهو إدراك أفراد الجماعة وإدراك الجماعات الأخرى القريبة منها بهذا الاختلاف أو التباين. وبالتالي يؤدي إلى الشعور بالانتماء إلى جماعة معيّنة في مواجهة الجماعات الأخرى[25].

وقد تتفاوت درجات كل من العنصرين الموضوعي والذاتي من موقف إلى آخر، ومن مرحلة تاريخية إلى أخرى. فعلى سبيل المثال التباين الديني، الذي قد تتفاوت درجاته من الاختلاف الهائل (ديانات توحيديّة سماوية في مقابل ديانات غير توحيديّة). وكذلك التباين داخل الديانات التوحيديّة (الإسلام، اليهودية، والمسيحية). بالإضافة إلى الاختلاف المذهبي داخل الدين الواحد، على سبيل المثال في المسيحية البروتستانتية والكاثوليكية. وفي الإسلام السنة والشيعة. كما أن هناك خصائص اجتماعية أخرى تميز الجماعة الإثنية من غير الخصائص المذكورة أعلاه، وهي على النحو التالي: الخاصية الأولى: عضوية الانتماء للجماعة الإثنية هي عضوية الجبرية. فأفراد الجماعة يولدون فيها، ويرثون خواصها الإثنية مثل الدين أو اللغة أو لون البشرة. ويكتسبون بقية الخصائص الثقافية بالتدرج. فالفرد عند مولده لا يختار الجماعة التي ينتمي إليها. أي أنه لا يقرر أن يكون أبيض البشرة أو أسود. مثل هذه السمات تفرض على الفرد قبل مولده، وحتى بعض الخصائص التي يمكن تغييرها مثل الانتماء الديني لا يتم إلا بعد أن يصل الإنسان إلى مرحلة عمرية محددة. أمّا عند ولادة الإنسان فهو أسير للجماعة الإثنية التي ينتمي إليها والداه. بالتالي فإن خصائص الجماعات الإثنية هي سمات إرثيه. الخاصية الثانية: هي التزاوج الداخلي (Endogamy) فالأغلبية العظمى من أفراد أي جماعة إثنية ينتهي الحال بهم إلى الزواج من أفراد نفس الجماعة الإثنية. وهذه الخاصية ليست بصرامة الخاصية الأولى. فقد يحدث التزاوج بين أفراد ينتمون إلى جماعات إثنية مختلفة. وبالتالي فإن هاتين الخاصيتين (العضوية الجبرية والتزاوج من الداخل)، هما المسؤولتان عن حفظ الهويّة الجماعية لأي جماعة إثنية[26].

خامسًا: الانتماء الطائفي

الدين شيء أزلي مقدّر له البقاء بعد فناء جميع الرموز الخاصة التي أحاط الفكر الديني نفسه بها. إذ لا يمكن أن يوجد مجتمع لا يشعر بالحاجة إلى إقامة وتعزيز المشاعر الجماعية والأفكار الجماعيّة التي تشكل وحدته. وبالتالي الدين حقيقة اجتماعية وجمعيّة. إذ أن الديني لا يصدر إلا عن الجمعي، ولا يتحقق إلاّ في المجتمع الذي يستمد منه كليته وضرورته. ولذلك كان الشعور الديني هو في ذاته شعورًا جمعيًا، على اعتبار أن الدين نابع من المجتمع، وليس صادرًا عن مشاعر الفرد[27].

 وفقًا لماكس فيبر، يُعرَّف الدين بأنه نهج خاص للفعل الجماعي داخل مجتمع معين، ويتطلب دراسة شروطه وآثاره. بناءً على ذلك، يقدّم فيبر فكرتين أساسيتين: أولًا، أن الدين لا يقتصر على الحياة الآخرة، بل يمتد ليشمل كيفية سلوكنا في الحياة الدنيا. وثانيًا، أن الأفعال التي تحركها الدوافع الدينية أو السحرية تتميز بقدر معين من العقلانية، على الأقل نسبياً. كما ركز فيبر على تصنيف الجماعات الدينية (religiöse Vergemeinschaftung) من خلال التمييز بين نمطين رئيسيين للوجود الاجتماعي للدين، وهما الكنيسة والطائفة (Church/Sect). فالكنيسة تُعتبر مؤسسة بيروقراطية شاملة، مفتوحة للجميع، تتميز بقدرتها على عقد التسويات مع النظام الاجتماعي القائم والتكيف مع التغيرات التي تطرأ عليه، وتكون السلطة فيها للكاهن. أما الطائفة (Sect) أو الجماعة الدينية، فهي مجموعة من الأفراد المتدينين الذين يلتزمون بنمط حياة ديني مختلف عن السائد في المجتمع، وقد اختاروا هذا النهج بمحض إرادتهم. وتُمارس السلطة في الطائفة عادةً من قبل زعيم كاريزمي[28]. وبالتالي الطائفية هي جماعة دينية أو هيئة مُمأسسة ينصاع لسلطتها مجموعة من الناس.

يقول برهان غليون في كتابه " نظام الطائفية، من الدولة إلى القبيلة"، بأن الطائفية تنتمي إلى ميدان السياسة لا إلى مجال الدين والعقيدة. وأنها تشكل سوقًا موازية، أي سوداء للسياسة، أكثر مما تعكس إرادة تعميم قيم أو مبادئ أو مذاهب دينية لجماعة خاصة. وتضمنت هذه الأطروحة عدة فرضيات رئيسية. ما يهمنا منها هنا هو الفرضية التي تقول بأن "الطائفية استراتيجية مرتبطة بالنخب الاجتماعية المتنافسة في حقل السياسة ومن أجل السيطرة واكتساب المواقع، سواء أكان ذلك داخل الدولة أو على صعيد توزيع السلطة الاجتماعية، بالدرجة الأولى. ولا يمكن لأي ديناميكية طائفية، ومن باب أولى حرب طائفية، أن تنشأ أو تندلع من دون وجود نخب طائفية، أي من دون تبني النخب الاجتماعية، كلها أو بعضها، لاستراتيجية طائفية والتعبئة على أساسها"[29]. وهذا يحيلنا إلى فهم استراتيجيات الهوية الطائفية التي يتبناها الفاعلون الاجتماعيون في إطار الصراعات التي يخوضونها ضمن الحقلين السياسي والثقافي[30].

ترتكز الطائفية في أبعادها الاجتماعية والسياسية على الدين، وتستمد منه شرعيتها واستمرارها. الطائفية هي انتماء جماعة إلى دين أو مذهب، وباعتبار هذا الانتماء محددًا للهويّة وحتى الموقف من الآخرين بوصفهم منتمين إلى جماعات أخرى. الطائفية في هذه الحالة تماثل القبلية أو القومية. ولا يهم إذا كانت هذه الطائفية تعني تعصب الجماعة لمذهب أو دين. أي إن كانت طائفية دينية أو طائفية مذهبية. فهي في كلتا الحالتين انتماء إلى جماعة تجمعها رابطة العقيدة (وليس بالضرورة الإيمان بهذه العقيدة وممارستها). الانتماء للطائفة يحدد تعريفات الهوية الذاتية، وتصنيف الآخرين بموجب هذا النوع من الانتماءات (الانتماءات الطائفية)، وتحديد الموقف من الجماعات الأخرى، وتجاه الدولة هو طائفية. الطائفة ظاهرة اجتماعية وليست خيارًا سياسيًا فرديًا. إن خيار الانتماء إلى الطائفة من عدمه، هو غالبًا خيار وهمي. فالطائفة هي نفي حرية الاختيار. ومن ثم يصبح الصراع مع الطائفية شرط ممارسة هذه الحرية[31]. بالتالي فالطائفة جماعة متخيلة تقمع الخيار الإيماني الفردي المتولّد وتنافس الانتماء إلى الجماعة الوطنيّة الأوسع لتصبح الطائفية في مرحلة متقدمة مركّبًا اجتماعيًا أيديولوجيًا فاعلًا في خصومة مع المواطنة، وضد الدولة الحديثة في الوقت ذاته.

وقد تكون الطائفة الدينية، كما نستخدم المفهوم هنا، جماعة، وربما جماعة متخيّلة. والمهم أنها جماعة لها هويّة تميز نفسها عبر الانتساب إلى عقيدة أو مذهب، إذ تعتبره محددًا اجتماعيًا وسياسيًا ذا أهمية. وقد تتحول الطائفة في المجتمعات المتدينة، والمتعددة الديانات إلى كيان اجتماعي – سياسي له دور في المجال العمومي، ويحدّد تعريف الفرد لذاته، وسلوكه، وموقف الآخرين منه بسبب انتمائه إلى طائفة بعينها. وقد تتحول الطائفية لتصبح شكلًا من أشكال العنصرية بوصفها تركيبًا اجتماعيًا ثقافيًا لتكريس الاختلاف وجعله أساسًا لبناء السياسات والتمييز بين البشر على أساس هذه الفوارق المركبة اجتماعيًا[32].

سادسًا: الانتماءات الأولية والعنف المنظم: مقاربة بينية

يُشير بعض الأعمال المميزة في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا والعلوم السياسية والعلوم الاجتماعية الأخرى إلى دور الأفراد والتنظيمات في الحثّ على الانفجارات العنيفة وتوجيهها في الإعلام. فعلى سبيل المثال، يقول Donald L. Horowitz بأهمية "التنظيمات المرتبطة في الأغلب بأحزاب سياسية ذات قواعد إثنية، التي تعكس العداء بين الإثنيات وتعززه من خلال الدعاية والطقوس والقوة. إنهم يديرون سلسلة تمتد من التنظيمات المدنية إلى التنظيمات العسكرية، تعمل في ظلّ درجات متنوعة من السرية والتماسك والتدريب العسكري. ويكمن مبررهم في الخطر المزعوم من العدو الإثني"[33].

ساهمت ثلاث ظواهر تاريخية في بروز الإثنية في "المجتمع العالمي" اليوم الأولى هي القومية. فمع تحرك أوروبا بعيدًا عن تداخل الدول السيادية نحو تشكيل الدول الحديثة، وقعت بداية تحت جناح الأنظمة الملكية المركزية القوية. ومنذ بداية العصر الديمقراطي من خلال الثورتين الأمريكية والفرنسية، اعتقد أن السيادة تكمن في "الشعب"، لكن أي شعب؟ وكيف يعرّف؟ أفسحت الاندفاعة الشعبية في القرن التاسع عشر المجال لصعود القومية الإثنية الحديثة، فيما تطلّع الحكام الغربيون ومواطنوهم إلى أيديولوجيا من أجل توحيد الممالك. وكانت النتيجة هي ما دعاه بيندكت أندرسون "الجماعات المتخيّلة": تكتلات متباعدة جغرافيًا، وإنما تعرّف نفسها تبادليًا أنها "فرنسية"، "ألمانية"، "بريطانية"، "إيطالية" ... وهكذا[34]. وكانت الفكرة الجوهرية هي أن "الجماعة المتخيّلة" تتطلّب شكلًا سياسيًا معينًا، هو "الدولة القومية"، كي يبلغ تحققه الصحيح.

الظاهرة التاريخية الثانية تتمثل في انتشار الإمبريالية والاستعمار الغربي في مختلف أنحاء العالم، وهو ما أسهم بشكل كبير في تشكيل القوميات بصورتها المعاصرة. يُلاحظ أن هذا الانتشار الاستعماري عزز من ظهور القومية الإثنية، رغم أن بعض الحركات القومية وأنماطًا واسعة من "الهويات الإثنية" ظهرت بشكل مستقل عن ذلك السياق. خلال العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي، واجه القادة القوميون بعد انتهاء الاستعمار معضلة حاسمة: إما تأسيس دولة قومية تضم شعوبًا متنوعة، أو التفاوض على تقسيم الوحدات السياسية التي أنشأها الاستعمار.

اختار العديد من الدول الإبقاء على الحدود التي خلفها الاستعمار، مما أدى في بعض الحالات إلى نشوء دول متعددة الإثنيات. في المقابل، تسبب خيار تقسيم الكيانات متعددة الإثنيات في موجات عنف كبيرة كما حدث في الهند وفلسطين. أما الدول التي قررت المحافظة على الوحدات المصطنعة التي ورثتها من الاستعمار، فقد وُضعت أمام تحديات خطيرة، حيث أصبحت هذه الوحدات بمثابة قنابل موقوتة تهدد مستقبلها، كما يتضح في أمثلة مثل نيجيريا، وإندونيسيا، والسودان. يُضاف إلى ذلك العنف الإثني الذي اندلع عقب انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991، والذي يُعد مثالًا بارزًا على التحديات المرتبطة بهذه القضية[35] .

لعلّ "العولمة" هي الظاهرة التاريخية الثالثة التي غالبًا ما يُغض النظر عنها. وعلى الرغم من أنه يمكن تعقب الاتجاهات العولمية إلى الكثير من القرون الماضية، إلا أن العولمة بلغت مرحلة جديدة من التداخل المعقد عند مدخل الألفية الثالثة. واحدة من مزايا التحديدات الهوياتية الإثنية أنها توفر إحساسًا قويًا بالتجذر النفسي في خضم ظروف التغير والهيجان. وباعتبار التحولات المتسارعة المرتبطة بالعولمة، أين يمكن أن نجد إحساسًا مستقرًا لـ "النحن"، وبالتالي لـ "الأنا"؟ جادل عالم الأنثروبولوجيا كليفورد غيرتز في ذلك قائلاً: إبان سيرورة التحديث المحيرة ... إن المواطنين غير المندمجين الباحثين عن مرساة في بحر التغيرات، سيتمسكون بالهوية الإثنية الخاطئة تاريخيًا على نحو متزايد، والتي تنفجر في المشهد ثم تنحسر مع توجه سيرورة التمايز البنيوي نحو مجتمع أكثر اندماجا[36]. مع ذلك، يستطيع المرء أن يتساءل إن كان مثل هذا النهوض الإثني مجرد ظاهرة انتقالية. فمع ترافق العولمة مع عواطف قومية مكثفة في الكثير من أنحاء العالم، يبدو أن "الانتقال" يستغرق وقتًا أطول مما يتوقع. يكمن جزء من سوء الفهم في الميل إلى تصديق أن التحديدات الهوياتية الإثنية ليست أصلية وإنما خيالية صنعتها النخب ذات المصالح الإنسانية وتلاعبت بها لتعبئة أتباعها.

هل الإبادة الجماعية ظاهرة حديثة؟ للوهلة الأولى، قد يبدو هذا السؤال بسيطًا، لكن الإجابة عليه تحمل تعقيدًا تاريخيًا عميقًا. فتدمير الشعوب بناءً على هويتها الجماعية ليس أمرًا جديدًا، بل يعود إلى بدايات التاريخ، وربما إلى ما قبل ذلك في عصور ما قبل التاريخ. مع ذلك، أثار عالِم الاجتماع سيغموند بومان (Zygmunt Bauman)، في كتابه المثير للجدل المحرقة والحداثة (Modernity and the Holocaust)، جدلًا واسعًا عندما أجاب عن هذا السؤال بـ "نعم" قاطعة. فقد أوضح أن الحضارة الحديثة لم تكن العامل "الكافي" لحدوث المحرقة، لكنها بالتأكيد كانت العامل "اللازم". وأكد أنه لولا الحداثة، لما كان بالإمكان تصور وقوع المحرقة بالطريقة التي حدثت بها[37]. تناولت محاجّة بومان أربع سمات جوهرية للحداثة: القومية والعنصرية "العلمية" والتعقيد التقني والعقلانية البيروقراطية. قسمت القومية الحديثة العالم "بصورة تامة ومنتهية ... إلى ميادين قوميّة"، من دون أن تترك "حيّزاً ... للدولة"، وصنفت "كل بقعة من الأرض خالية من السكان، (كما لو أنها) دعوة قائمة إلى العدوان". وفي عالم كهذا، يمكن لليهود الأوروبيين – بهويتهم الدولية والعالمية – أن يُعتبروا غرباء. لقد تحدّوا الحقيقة ذاتها التي تقوم عليها مزاعم الأمم كلها، القديمة والحديثة منها على السواء: أي طابع الأمة والإرث وطبيعيّة الكيانات القوميّة. وكان العالم المعبأ بقوميات ودول قوميّة يمقت الفراغ اللاقومي[38]. كان اليهود في مثل هذا الفراغ، كانوا هم بذاتهم الفراغ. امتزج هذا القلق الوجودي تجاه اليهود بالعنصرية العلمية التي صوّرها بومان كما لو أنها ظاهرة حديثة، تخلع على الكراهية بين الجماعات غشاءً من العقلانية العلمية والطبية.

كيف يمكن تنفيذ مشروع شمولي بهذا الحجم؟ يعتقد بومان أن ظهور التكنولوجيا الحديثة والعقلانية البيروقراطية كان الأساس الذي أتاح ذلك. فقد اعتمدت آلة القتل الجماعي التي طورتها النازية واستخدمتها على إنجازات الثورة الصناعية، مثل أنظمة النقل بالقطارات، وغرف الغاز، وبلورات السيانيد السامة، التي أُديرت بدقة تحت إشراف رجال يرتدون الأقنعة الواقية. جميع هذه العناصر كانت في جوهرها اختراعات حديثة، تطلبت إدارة محكمة عبر ما تمكن تسميته بـ "بيروقراطية الموت".

في وقت أحدث، وفي عمله القيّم الإبادة الجماعية في عصر الدول القومية، جادل المؤرخ مارك ليفين (Mark Levene) بأن "مشكلة الإبادة الجماعية تكمن في الطبيعة الحقة للحداثة"[39]. هذا الراي، إلى جانب العنوان الفرعي لكتابه الثاني صعود الغرب ومجيء الإبادة الجماعية، يوحيان بأن الإبادة الجماعية ظاهرة حديثة جوهريًا ومرتبطة على نحو معقد بالتوسع الإمبريالي الغربي منذ القرن الخامس عشر: "إن تبلور الظاهرة التي ندعوها "الإبادة الجماعية" – على الضدّ من الفئات الأخرى للجرائم الجماعية – ما كان له أن يتحقق فعليًا إلا في سياق ظهور نظام عالمي مترابط للدول القوميّة، بلغ أخيرًا أتمّ ثماره في القرن العشرين[40]. ويرى ليفين أن هذا النظام لم يترافق مع أجندة سياسية شاملة لإبادة الشعوب الأجنبية"، بل أسس في المقابل "لخطاب ثقافي أوسع اعتُبرت فيه الإبادة الجماعية مقبولة تمامًا". عاودت السمات البيروقراطية التي شدد عليها بومان الظهور إلى السطح في زعم ليفين "إننا نسمّي الناس معياريًا أعضاء في قبائل وأمم وأعراق وأديان معينة"، نظرًا إلى تسهيل الحداثة اختزال الظواهر المعقدة وتبسيطها – ومن ضمنها الإنسانية – إلى شكل أكثر مطواعية للإدارة والتخطيط. في حين تخفق في تصور البشر ككائنات تملك على نحو كامن وناشط هويات وولاءات متعددة المستويات[41].

يستحق تقصّي السمات "الحديثة" على نحو مميز للإبادات الحديثة والمعاصرة البحث، وقدّم بومان وليفين مساهمات تأسيسية في هذا المجال. لكن، وعلى وجه الدقة، يمكن لسهم البحث نفسه أن يوجّه إلى المؤسسة الإنسانية المتحالفة على نحوٍ حميم مع الإبادة الجماعية، أي الحرب. وفي حين نستطيع أن نسجل أساليب التوسع الحديثة والابتكارات القاتلة كلها، إلا أننا لا نستطيع، باعتقادي، اقتراح أن الحرب ابتكار حديث "جوهريًا". يمكن أن يلخص انتقاد أطروحة الإبادة الجماعية بكلمة واحدة: رواندا. لقد تمّ هناك اصطياد وتطويق وإبادة حوالي مليون شخص في اثني عشر أسبوعًا، وهي وتيرة تجاوزت بفارق واسع وتيرة الإبادة في المحرقة النازية "الحديثة". مع ذلك، لم تكن الإبادة الجماعية أكثر حداثة بحسب التحقيب الزمني، بل نفّذ مثل هذه الأعمال رجال ونساء مسلحون بأكثر قليلاً من المسدسات والأدوات الزراعية التقليدية، لم تتضمن ذلك الدور الملحوظ للخبراء العلميين أو التقنيين[42].

عندما تُرسخ جماعة إثنية (انتماءات إثنية) مهيمنة كقاعدة لـ "الدولة – الأمة"، تنشأ مشكلة التعامل مع الجماعات الأخرى – "الأقليات الإثنية" – الموجودة ضمن حدود تلك الدولة، وبالتالي تؤدي إلى حرب أهلية بسبب الانتماءات الأولية (الانتماءات الإثنية).

الانتماءات الأولية (القبلية والطائفية) تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على هوية الدولة الوطنية. فعلى سبيل المثال، دراسة إيفانا ماسيك (Ivana Macek) في البوسنة والهرسك، بعنوان سراييفوا تحت الحصار: الأنثروبولوجيا في زمن الحرب (Sarajevo under Siege: Anthropology in Wartime)، حيث يقدم بحثًا مفصلًا وغنيًا عن تأثير الانتماءات الأولية في مدينة تحت الحصار بين عامي 1992 و1996، أثناء الحرب في يوغوسلافيا السابقة. وتقول ماسيك إن الانتماءات الأولية أدت إلى تقسيم سكان سراييفوا إلى جماعات (الصرب والكرواتيين والمسلمين) إثنية عدائية. حيث صنف أعضاء العائلة والأصدقاء والجيران على أساس المقاييس الجديدة لزمن الحرب. أصبحت الهويات الإثنية والدينية مسيّسة. ناشد الزعماء السياسيون الولاءات العرقية، وزرعوا عدم الثقة بين الناس الذين تعايشوا في وقت سابق سلميًا في سراييفو. بحسب Macek أدت الانتماءات الأولية إلى تآكل بطيء للهويات متداخلة الإثنيات التي تُوصف بها "سكان سراييفوا"[43].

نجد كريستوفر تايلور (Taylor Christopher) في دراسته الموسومة بـ "التضحية كإرهاب: الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994". بحسب تايلور ، فإن القادة المتطرفين في جماعة الهوتو التي تمثل الأغلبية في رواندا شَنَّتْ حملة إبادة ضد الأقلية من قبيلة توتسي في 1994. إن الصراع العرقي في رواندا أدى إلى مقتل مليون شخص في أقل من أربعة أشهر. وكانت غالبيتهم من الإثنية التوتسية. بحسب تايلور، فإن الديناميات والطقوس الرمزية والثقافية قد تساعد على توضيح المسار الذي أخذته الإبادة في رواندا. مثلًا رمزية نهر نايابارونجو كمنفذ، حيث ينقل عبره التوتسي المقتولين من رواندا إلى أوطانهم الأصلية المفترضة، وبذلك تتطهر الأمة من أقليتها الأجنبية[44].

خاتمة

تُعدّ ظاهرة "قبلية الدولة" من أخطر التحديات التي تواجه المجتمعات الإفريقية والشرق أوسطية في العصر الحديث، حيث تتحول مؤسسات الحكم من إطارٍ جامعٍ يمثل كافة مكونات الشعب إلى أداة طائفية تكرس هيمنة جماعة أو عرق مُعيّن، محوّلة بذلك مفهوم الدولة من كيانٍ سيادي حام للوحدة الوطنية إلى كيان منقسم على ذاته، يغذي الانتماءات الفرعية ويعمق الانقسامات المجتمعية. وفي هذا السياق، تفوق خطورة "قبلية الدولة" نظيرتها في الجماعات التقليدية، لكونها لا تقتصر على إثارة النزاعات المحلية، بل تشرعِن استخدام آليات السلطة لقمع الخصوم وتفكيك النسيج الاجتماعي عبر توظيف الدين والعصبيات القبلية، مما يؤدي إلى تفشي ثقافة الخوف المزدوج: خوف من بطش السلطة، وخوف من انتهاك المحرّمات الدينية التي تستغَل لتبرير السياسات القمعية.

وإذا كانت الدولة بمثابة الشخصية الاعتبارية التي يفترض بها تجسيد وحدة الوطن وحياده فوق الانقسامات العرقية والدينية، فإن الواقع يكشف عن تناقضٍ صارخ بين هذه المثالية وممارسات الأنظمة الحاكمة، التي تعتمد – إلى جانب أدوات الهيمنة التقليدية كالجيوش والأحزاب الموالية – على استثمار الولاءات الجهوية عبر تشكيل ميليشيات قبلية تحوّل الصراع السياسي إلى حربٍ هوياتية، وهكذا تسهم الدولة نفسها في إحياء الروابط "البدائية" التي يفترض أنها تجاوزتها، عوضًا عن بناء ولاءٍ وطني جامع، مما يفضي إلى تفكك الكيانات السياسية وتفجر الصراعات الدموية، كما هو جلي في حالات اليمن والسودان وليبيا، حيث تحولت الدولة إلى ساحة لتصفية الحسابات بين القبائل والمجموعات العرقية.

يكمن جوهر الأزمة في تحوّل الدولة من حكَم نزيه إلى طرف فاعل في الصراع، فبدلًا من أن تكون رافعة لتوحيد المجتمع عبر سياسات عادلة تشمل كافة المناطق والفئات، نراها تعتمد آليات تمييزية في توزيع الموارد والمناصب، مما يعمّق الإحساس بالتهميش ويغذي النزعات الانفصالية. وهذا المنطق التصادمي يخلق حلقة مفرغة؛ فكلما زادت السلطة ارتباطا بانتماء جهوي ضيق، زادت حاجتها إلى قمع المعارضة عبر القوة العسكرية أو الخطاب الديني الموجّه، وهو ما يؤدي بدوره إلى تصاعد المطالبات بالانفصال، واندلاع الحروب الأهلية التي تذكي نارها العصبيات المتعصّبة.

لا تقتصر تبعات هذه السياسات على التفكك الداخلي، بل تمتد إلى تقويض شرعية الدولة ذاتها، فتحل "الجماعة" محل "الوطن"، و"الولاء القبلي" محل "المواطنة"، ليصبح الانتماء إلى العرق أو الطائفة شرطا للبقاء في ظل أنظمة تسلطية تخلط بين بقائها في السلطة وبين بقاء الهوية الجماعية، وهذا الواقع المأزوم يطرح تساؤلاتٍ مصيريةً حول إمكانية بناء دول حديثة قائمة على المساواة والتعددية في مجتمعاتٍ تسيطر عليها الذاكرة الجمعية القبلية، خاصة في ظل عجز النخب الحاكمة عن تجاوز منظومة المصالح الضيقة التي تعد الوقود الرئيس لاستمرار الصراعات.

 تعتبر الانتماءات الجهوية السوق السوداء أو الموازية للسياسة، التي تظهر بقدر ما تفسد سوق السياسة الطبيعية أو يتم التلاعب بها أو تُغلي. فهي ممارسة ملتوية في ميدان الصراع على السلطة بالمعنى الواسع للكلمة. إنه لا علاقة للقبليّة بتعدد القبائل أو الانتماءات، فمن الممكن تمامًا أن يكون المجتمع متعدد القبائل أو الانتماءات من دون أن يؤدي ذلك إلى نشوء دولة إثنيّة أو سيطرة إثنيّة على الحياة السياسية، وبالتالي لا ينبغي تقديم هذه الولاءات على الولاء للدولة الوطنية[45].

الانتماءات الجهوية سجون مغلقة، تفتت الوطن الواحد إلى أوطان متعددة وتصنع العوازل بين الناس، فينظر الواحد منهم إلى غيره بوصفه آخر له. فيضيع الولاء العام لكيان الدولة مقابل الولاء للقبيلة أو الأسرة. تمثل الانتماءات الجهوية انشقاقًا جديدًا عن المجتمع والدولة، وتفلتًا عن ضوابط العلاقات الوطنية الجامعة وأحكامها وتحول الدولة من فكرتها الجامعة إلى الفكرة الضيقة، نتيجة للولاءات المؤدلجة التي يفرضها النظام الجهوي، حتى تصبح الدولة عبارة عن مجموعة مزارع للقبائل وزعاماتها.

إن سبب الحروب الأهلية في السودان، واليمن، وسوريا مثلا، غياب الولاء والمشاعر الوطنيّة أو ضعفها، لحساب العصبية القبلية أو الطائفية، وذلك أدى إلى إضعاف الدول وانقسامها اجتماعيًا. ليست المشكلة في وجود التنوع الطائفي أو القبلي الموروث عن تاريخ المجتمعات، وإنما هو غياب الدولة التي تساوي بين جميع مواطنيها وتعاملهم كأعضاء رابطة سياسية واحدة ليس لأحد امتياز على الآخر، بسبب الدين أو العرق أو القبيلة، وتقدم لهم فرص التعبير الأرقى عن هويتهم كمواطنين يجمع بينهم وطن واحد، تؤكدها المشاركة العملية والفاعلة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. هذا هو مفهوم الدولة التي تؤسس لرابطة جديدة لا تلغي الروابط الجهوية، إثنيّة كانت أم دينية. ولكنها تخلق حيزًا جديدًا للتفاعل والتواصل والتعاون وتبادل المصالح، وهو ما نسميه بالدولة الوطنيّة. ليس التنوع الإثني أو القبلي هو السبب الرئيسي في إضعاف الدولة الوطنيّة في السودان مثلا، وإنما غياب الطابع الوطني الحقيقي للدولة السودانيّة. والسبب الرئيسي هو التمايزات القبليّة أو الإثنيّة (هذا عربي وذاك إفريقي)، وأحياناً إعادة إحيائها واستخدمها كأدوات للصراع الاجتماعي والسياسي. إن غياب الدولة الوطنيّة، يعني غياب دولة المواطنة التي تعني قبل أي شيء آخر ضمان الحياة الكريمة للجميع، والمساواة الفعلية أمام القانون والمشاركة العملية في القرار.

تمثل الانتماءات الجهوية انشقاقًا جديدًا عن المجتمع والدولة، وتفلتًا عن ضوابط العلاقات الوطنية الجامعة وأحكامها. تحول الدولة من فكرتها الجامعة إلى الفكرة الضيقة، نتيجة للولاءات المؤدلجة التي يفرضها النظام الجهوي والقبلي، حتى تصبح الدولة عبارة عن مجموعة مزارع للقبائل وزعاماتها.


 

المراجع

أولًا: العربية

إبراهيم، سعد الدين. الملل والمنحل والأعراق في الوطن العربي. القاهرة: مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية، 1993.

أوزكيريملي، أوموت. نظريات القومية: مقدمة نقدية، ترجمة معين الإمام. بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2013.

بشارة، عزمي. الطائفة، الطائفية، الطوائف المتخيلة. بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2018.

ابن خلدون، عبد الرحمن. مقدمة ابن خلدون، تحقيق علي عبد الواحد وافي. القاهرة: لجنة البيان العربي، ط2، 1965، مج 4، ج1.

بو طالب، محمد نجيب. سوسيولوجيا القبيلة في المغرب العربي. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2008.

دوركهايم، إميل. الأشكال الأولية للحياة الدينية: المنظومة الطوطمية في أستراليا، ترجمة رندة بعث. بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2019.

سميث، أنتوني. الرمزية العرقية والقومية: مقاربة ثقافية، ترجمة أحمد الشيمي. القاهرة: المركز القومي للترجمة، 2014.

علي، جواد. المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام. بيروت: دار العلم للملايين، 1970، مج 4.

غدنز، أنتوني. علم الاجتماع، ترجمة فايز الصُياغ. بيروت: المنظمة العربية للترجمة، 2005.

غليون، برهان. نظام الطائفية: من الدولة إلى القبيلة. المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 1990.

لومبار، جاك. مدخل إلى الإثنولوجيا، ترجمة حسن قبيسي. الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 1997.

موريس، غودلييه. القبائل في التاريخ في مواجهة الدول، ترجمة خليل أحمد خليل وغازي برو. بيروت: دار الفارابي، 2015.

ثانيًا: الأجنبية                                                                                                                                                                                           References

ʿAlī, Jawād. Al-Mufaṣṣal fī Tārīkh al-ʿArab Qabla al-Islām (in Arabic), Vol. 4, Beirut: Dār al-ʿIlm lil-Malāyīn, 1970.

Anderson, Bendict. Imagined Communities: Reflections on the Origin and Spread of Nationalism, London, Verso, 1983.

Barnard, Alan & Spencer, Jonathan (ed.). Encyclopedia of Social and Cultural Anthropology, London: Routledge 11 New Fetter Lane, 1998.

Bauman, Zygmunt. Modernity and the Holocaust, Ithaca: Cornell University Press, 2000.

Bishara, Azmi. Sect, Sectarianism and Imagined Sects (in Arabic), Beirut: Arab Center for Research and Policy Studies, 2018.

Bonnewitz, Patrice. Premières leçons sur la sociologie de Pierre Bourdieu, Paris : Presses Universitaires de France, 2e éd., 2002.

Bradley, Harriet. Fractured Identities: Changing Patterns of Inequality, Cambridge: Polity Press,1996.

Bū Ṭālib, Muḥammad Najīb. Sūsiyūlūjiyā al-Qabīlah fī al-Maghrib al-‘Arabī (in Arabic), Beirut: Markaz Dirāsāt al-Waḥdah al-‘Arabīyah, 2008.

Clifford Geertz, “The integrate revolution: Primordial Sentiments and Civil Politics in the New State,” In: Clifford Geertz (ed.), Old societies and new states: The quest for modernity in Asia and Africa, London: Collier-Macmillan, 1963.

Conner, Walker. “A Nation is a nation, is a State, is an Ethnic Group, is a...,” Ethnic and Racial studies, Vol. 1, No. 4 (1978), pp. 377-400. https://doi.org/10.1080/01419870.1978.9993240

Durkheim, Émile. Les formes élémentaires de la vie religieuse Le systéme totémique en Australie Sects (in Arabic), tradu. Randah Baʿth. Beirut: Arab Center for Research and Policy Studies, 2019.

Ghalyūn, Burhān. Niẓām al-Ṭāʾifiyyah: Min al-Dawlah ilá al-Qabīlah (in Arabic), Casablanca: Al-Markaz al-Thaqāfī al-ʿArabī, 1990.

Giddens, Anthony. Sociology (in Arabic), trans. Fāyiz al-Ṣuyāgh, Beirut: Arab Organization for Translation, 2005.

Godelier, Maurice. Les Tribus dans l'Histoire et face aux Etats (in Arabic), tradu. Khalil Aḥmed Khalil et Ghazi Berro, Beirut: Dar alfarabi, 2015.

Hills, Edward. “Primordial, personal, sacred, and civic ties,” British Journal of Sociology, No. 8 (1957).

Horowitz, Donald L. The Deadly Ethnic Riot, Berkeley: University of California Press, 2001.

Ibn Khaldūn, ʿAbd al-Raḥmān. Muqaddimat Ibn Khaldūn (in Arabic), ʿAlī ʿAbd al-Wāḥid Wāfī (ed.), Vol. 4, part 1, Cairo: Lajnat al-Bayān al-ʿArabī, 2nd ed, 1965.

Ibrāhīm, Saʿd al-Dīn. Al-Milal wa’l-Niḥal wa’l-Aʿrāq fī al-Waṭan al-ʿArabī (in Arabic), Cairo: Ibn Khaldun Center for Development Studies, 1993.

Levene, Mark. Genocide in the Age of the Nation State, Vol. 2, New York: I. B. Tauris, 2005.

Lombard, Jacques. Introduction A L’Ethnologies (in Arabic), tradu. Ḥasan Qubaysī, Casablanca: Al-Markaz al-Thaqāfī al-ʿArabī, 1997.

Macek, Ivana. Sarajevo under Siege: Anthropology in Wartime, Philadelphia: University of Pennsylvania Press, 2009.

Mann, Michael. The Dark Side of Democracy: Explaining Ethnic Cleansing, New York: Cambridge University Press, 2005.

Morgan. Lewis, Ancient Society, New York: Henry Holp, 1877.

Özkirimli, Umut. Theories of Nationalism: A Critical Introduction (in Arabic), trans. Muʿīn al-Imām. Beirut: Arab Center for Research and Policy Studies, 2013.

Polletta, Francesca and Jasper, James M. Collective Identity and Social Movements,” Annual Review of Sociology, Vol. 27 (2001), pp. 283-305. https://doi.org/10.1146/annurev.soc.27.1.283

Smith, Anthony D. Ethno-Symbolism and Nationalism: A Cultural Approach (in Arabic), trans. Aḥmad al-Shīmī, Cairo: National Center for Translation, 2014.

Taylor, Christopher. Sacrifice as Terror: The Rwandan Genocide of 1994, London: Berg, 1999.

Van Den Berghe, Pierre L. “The present state of comparative Race and Ethnic Studies,” In: Jan Berting (ed), Problems in International Comparative Research in the Social Sciences, Oxford: Pergamon Press, 1979.

Weber, Max. Economy and Society: An Outline of Interpretive Sociology, Guenter Roth and Claus Wittich (eds.), trans. Ephraim Fischoff et al., Berkeley: University of California Press, 1978.



[1] عزمي بشارة، الطائفة، الطائفية، الطوائف المتخيلة (بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2018)، ص22.

[2] Francesca Polletta and James M. Jasper, Collective Identity and Social Movements,” Annual Review of Sociology, Vol. 27 (2001), p. 285.

[3] Harriet Bradley, Fractured Identities: Changing Patterns of Inequality (Cambridge: Polity Press,1996(, p. 24.

[4] أوموت أوزكيريملي، نظريات القومية: مقدمة نقدية، ترجمة معين الإمام (بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2013)، ص 164.

[5] أنتوني سميث، الرمزية العرقية والقومية مقاربة ثقافية، ترجمة أحمد الشيمي (القاهرة: المركز القومي للترجمة، 2014)، ص37-38.

[6] Patrice Bonnewitz, Premières leçons sur la sociologie de Pierre Bourdieu (Paris : Presses Universitaires de France, 2e éd., 2002), p. 88.

[7] أوزكيريملي، نظريات القومية، ص101.

[8] Clifford Geertz, “The integrate revolution: Primordial sentiments and civil politics in the new state,” In: Old societies and new states: The quest for modernity in Asia and Africa (London: Collier-Macmillan, 1963), p. 122.

[9] Ibid., p. 156.

[10] Walker Conner, “A Nation is a nation, is a State, is an Ethnic Group, is a...,” Ethnic and Racial studies, Vol. 1, No. 4 (1978), p. 377.

[11] Pierre L. Van Den Berghe, “The present state of comparative Race and Ethnic Studies,” In: Jan Berting (ed), Problems in International Comparative Research in the Social Sciences (Oxford: Pergamon Press, 1979), pp. 23- 36.

[12] Edward Hills, “Primordial, personal, sacred, and civic ties,” British Journal of Sociology, No. 8 (1957), p. 130.

[13] Geertz, “The integrate revolution: Primordial sentiments and civil politics in the new state,” p. 111.

[14] Lewis Morgan, Ancient Society (New York: Henry Holp, 1877), p. 76.

[15] غودلييه موريس، القبائل في التاريخ وفي مواجهة الدول، ترجمة خليل أحمد خليل وغازي برو (بيروت: دار الفارابي، 2015)، ص13.

[16] Morgan, Ancient Society, p. 98.

[17] المرجع السابق، ص15.

[18] جاك لومبار، مدخل إلى الإثنولوجيا، ترجمة حسن قبيسي (الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 1997)، ص116.

[19] جواد علي، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام (بيروت: دار العلم للملايين، 1970)، مج 4، ص313.

[20] محمد نجيب بو طالب، سوسيولوجيا القبيلة في المغرب العربي (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2008)، ص32.

[21] عبد الرحمن بن خلدون، مقدمة ابن خلدون، تحقيق علي عبد الواحد وافي (القاهرة: لجنة البيان العربي، ط2، 1965)، مج 4، ج1، ص 213.

[22] سعد الدين إبراهيم، الملل والمنحل والأعراق في الوطن العربي (القاهرة: مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية، 1993)، ص21.

[23] أوزكيريملي، نظريات القومية، ص110.

[24] أنتوني غدنز، علم الاجتماع، ترجمة فايز الصُياغ (بيروت: المنظمة العربية للترجمة، 2005)، ص535.

[25] إبراهيم، الملل والمنحل والأعراق في الوطن العربي، ص23.

[26]  المرجع السابق.

[27] إميل دوركهايم، الأشكال الأولية للحياة الدينية: المنظومة الطوطمية في أستراليا، ترجمة رندة بعث (بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2019)، ص286-287.

[28] Max Weber, Economy and Society: An Outline of Interpretive Sociology, Guenter Roth and Claus Wittich (eds.), trans. Ephraim Fischoff et al. (Berkeley: University of California Press, 1978), p. 62.

[29] برهان غليون، نظام الطائفية: من الدولة إلى القبيلة (المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 1990)، ص13.

[30]  المرجع السابق، ص20.

[31] بشارة، الطائفة، الطائفية، الطوائف المتخيلة، ص25.

[32] غليون، نظام الطائفية من الدولة إلى القبيلة، ص142.

[33] Donald L. Horowitz, The Deadly Ethnic Riot (Berkeley: University of California Press, 2001), p. 243.

[34] Bendict Anderson, Imagined Communities: Reflections on the Origin and Spread of Nationalism (London, Verso, 1983), p. 42.

[35] Geertz, “The integrate revolution: Primordial sentiments and civil politics in the new state,” p. 107.

[36] Alan Barnard & Jonathan Spencer (ed.) Encyclopedia of Social and Cultural Anthropology (London: Routledge 11 New Fetter Lane, 1998), p. 41.

[37] Zygmunt Bauman, Modernity and the Holocaust (Ithaca: Cornell University Press, 2000), p. 86.

[38] Ibid., p. 55.

[39] Mark Levene, Genocide in the Age of the Nation State, Vol. 2 (New York: I. B. Tauris, 2005), p. 10.

[40] Ibid., p. 144.

[41] Ibid.

[42] Michael Mann, The Dark Side of Democracy: Explaining Ethnic Cleansing (New York: Cambridge University Press, 2005), p. 464.

[43] Ivana Macek, Sarajevo under Siege: Anthropology in Wartime (Philadelphia: University of Pennsylvania Press, 2009), p. 136-147.

[44] Christopher Taylor, Sacrifice as Terror: The Rwandan Genocide of 1994 (London: Berg, 1999).

[45] غليون، نظام الطائفية من الدولة إلى القبيلة، ص140.