تاريخ الاستلام: 12 يناير 2025 | تاريخ التحكيم: 16 فبراير 2025 | تاريخ القبول: 03 أبريل 2025
مقالة بحثية
العلاقة التكاملية بين الاقتصاد والأنثروبولوجيا: تجربة ومستقبل البحث الأنثروبولوجي في السودان
أبو بكر الهادي
أستاذ مساعد، قسم العلوم الاجتماعية، كلية الآداب والعلوم، جامعة قطر–قطر
https://orcid.org/0009-0005-2087-4682
يتناول هذا البحث العلاقة البينية التكاملية بين علمي الاقتصاد والأنثروبولوجيا، من خلال استعراض تجربة البحث الأنثروبولوجي ومساهمته في دراسة المجتمع السوداني من الناحية النظرية والمنهجية. وتسعى إلى الإجابة عن سؤال أساسي: كيف تداخلت وتكاملت حدود كل من تخصصي الاقتصاد والأنثروبولوجيا منهجيًا في دراسة اقتصاد المجتمع السوداني، مع التركيز على بحوث علماء الأنثروبولوجيا حول الاقتصاديات التقليدية في هذا المجتمع؟ وتهدف إلى استعراض العلاقة بين علم الاقتصاد والأنثروبولوجيا وتحليلها، مع تسليط الضوء على حقل الأنثروبولوجيا الاقتصادية وأهمية رؤاه في الدراسات التي تناولت المجتمعات السودانية، كما تسعى الى مناقشة مستقبل تلاقح هذين الحقلين المعرفيين واستشراف إمكانية تعزيز الدراسات المستقبلية التي تستفيد من هذا التداخل المنهجي، قصد الاسهام في إحداث تغييرات اجتماعية منشودة تسهم في تطوير المجتمعات عمومًا، والمجتمع السوداني على وجه الخصوص. من الناحية المنهجية، اعتمدت الدراسة على مصادر ثانوية بالإضافة إلى ملاحظات ميدانية أجراها الباحث خلال الفترات 2005–2013 و2019–2023. وتوصل البحث، من خلال استعراض تجربة البحث الأنثروبولوجي في السودان، إلى عدة نتائج، من أبرزها أن بعض علماء الأنثروبولوجيا الغربيين لم يكن هدفهم هو خدمة الإدارة الاستعمارية، بل اهتموا بقضية التنمية مثل ايان كنيسون، كما أن دراسة اقتصاد المجتمع السوداني تقتضي استصحاب المنظور الأنثروبولوجي نظرًا لتداخل العوالم الثقافية والاجتماعية في تشكيل الأنشطة الاقتصادية، إضافة إلى ضرورة تعزيز التكامل بين الاقتصاد والأنثروبولوجيا، مع أهمية التشبيك بين الباحثين في كلا التخصصين لدعم البحث التكاملي في المستقبل.
الكلمات المفتاحية: الاقتصاد، الأنثروبولوجيا، التكامل، التنمية، المجتمع السوداني
للاقتباس: الهادي، أبو بكر. "العلاقة التكاملية بين الاقتصاد والأنثروبولوجيا: تجربة ومستقبل البحث الأنثروبولوجي في السودان"، مجلة تجسير لدراسات العلوم الإنسانية والاجتماعية البينية، المجلد السابع، العدد 1 (2025): 123-146. https://doi.org/10.29117/tis.2025.0210
© 2025، الهادي، الجهة المرخص لها: مجلة تجسير، دار نشر جامعة قطر. نُشرت هذه المقالة البحثية وفقًا لشروط Creative Commons Attribution-Noncommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0). تسمح هذه الرخصة بالاستخدام غير التجاري، وتنبغي نسبة العمل إلى صاحبه، مع بيان أي تعديلات عليه. كما تتيح حرية نسخ، وتوزيع، ونقل العمل بأي شكل من الأشكال، أو بأي وسيلة، ومزجه وتحويله والبناء عليه، طالما يُنسب العمل الأصلي إلى المؤلف. https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0
Submitted: 12 January 2024 | Peer-reviewed: 16 Februaryr 2025 | Accepted: 03 April 2025
Research Article
In the Relationship between Economics and Anthropology: The Experience and the Future of Anthropological Research in the Sudan
Abu Baker Al Hadi
Assistant Professor of Anthropology, Department of Social Sciences, College of Arts and Sciences, Qatar University–Qatar
https://orcid.org/0009-0005-2087-4682
Abstract
This paper examines the interdisciplinary and integrative relationship between economics and anthropology by reviewing the contributions of anthropological research to the study of Sudanese community from both theoretical and methodological perspectives. It seeks to answer a fundamental question: How have the boundaries of economics and anthropology overlapped and integrated methodologically in studying the economy of Sudanese community, with a particular focus on the research conducted by anthropologists on traditional economies in this context? The paper aims to explore and analyze the relationship between economics and anthropology, highlighting the field of economic anthropology and the significance of its perspectives in studies that have examined Sudanese communities. It also seeks to discuss the future of integration between these two disciplines and assess the potential for advancing future research that benefits from this methodological intersection, with the goal of contributing to desired social changes that support the development of societies in general, and Sudanese society in particular. Methodologically, the study relies on secondary data in addition to fieldwork observations conducted by the researcher during the periods 2005–2013 and 2019–2023. Through a review of anthropological research in Sudan, the paper reaches several key findings, most notably that some Western anthropologists were not primarily serving colonial administration but were concerned with development issues, as exemplified by Ian Cunnison. Furthermore, studying the economy of Sudanese society necessitates incorporating the anthropological perspective, given the interplay of cultural and social factors in shaping economic activities. The study also underscores the need to enhance the integration between economics and anthropology and the importance of networking among researchers in both fields to support future interdisciplinary research.
Keywords: Economics; Anthropology; Integration; Development; The Sudanese community
Cite this article as: Al Hadi, Abu Baker. “In the relationship between Economics and Anthropology: The Experience and the Future of Anthropological Research in the Sudan,” Tajseer Journal for Interdisciplinary Studies in Humanities and Social Science, Vol. 7, Issue 1 (2025): pp. 123-146. https://doi.org/10.29117/tis.2025.0210
© 2025, Al Hadi, licensee, Tajseer & QU Press. This article is published under the terms of the Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0), which permits non-commercial use of the material, appropriate credit, and indication if changes in the material were made. You can copy and redistribute the material in any medium or format as well as remix, transform, and build upon the material, provided the original work is properly cited. https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0
الدراسات البينية بين حقول المعرفة المختلفة أضحت من الدراسات المهمة في الوقت الراهن. أهمية هذه الدراسات تنبع من كون الظاهرة الاجتماعية الواحدة قد تكون محل اهتمام عدد من التخصصات. هذا التشابك في المنظور في دراسة القضايا الاجتماعية يسهم في تقديم نظرة أشمل للقضية محور اهتمام البحث[1]. فقد تم تناول عددا من التداخلات بين العلوم مثل علاقة علم الأنثروبولوجيا بعلم الطب والتي تمخض عنها ظهور فرع "الأنثروبولوجيا الطبية". هذا من ناحية العلاقات بين فروع المعرفة والعلوم المختلفة. من الناحية الاخرى، فقد اهتم العلماء والباحثون بتداخل اهتمامات هذه العلوم في مجال دراسة الظواهر، سواء كانت ظواهر طبيعية، مثل المخاطر الطبيعية كالفيضانات وتأثيراتها على المجتمعات، أو كانت ظواهر اجتماعية مثل أحزمة المستوطنات العشوائية في تخوم حواضر مدن العالم الثالث، فالسكن العشوائي ظاهرة تتداخل فيها المنظورات مثل المنظور الاقتصادي والجغرافي، على سبيل المثال. أدبيات الدراسات البينية تذهب لتوضيح فكرة وأهمية هذه الدراسات "وقد ذهب الباحثون إلى أن البينية صارت تمثل المستقبل الحقيقي للدراسات الأكاديمية في الجامعات ومراكز البحث العلمي، وأصبح من المعتاد اليوم أن تقوم الجامعات بإنشاء مراكز بحثية ذات طبيعة بينية، تجمع بين الحقول المعرفية المختلفة". هذا التوجه يبين أهمية الدراسات البينية مستجيبا لفكرة التكامل والانفتاح بين العلوم والتي تهدف جميعها إلى دراسة ومعالجة القضايا الاجتماعية التي تعاني منها معظم مجتمعات العالم مثل الفقر، والبطالة، والقطاع الاقتصادي الهامشي غير المهيكل المنتشر في مدن العالم الثالث.
علم الأنثروبولوجيا، كواحد من العلوم الاجتماعية حديثة النشأة، يتداخل نظريا ومنهجيا مع العديد من العلوم الاجتماعية. من ضمن العلوم التي يتداخل بينيا معها في موضوعات دراساتها واهتماماتها علم الاقتصاد. هذا التداخل النظري والمنهجي البيني أدى إلى ظهور علم "الأنثروبولوجيا الاقتصادية" أو "علم الأنثروبولوجيا الاقتصادي". هذان العلمان، الأنثروبولوجيا والاقتصاد، يلتقيان في الاهتمام بدراسة النسق الاقتصادي، كواحد من النظم الاجتماعية المكونة للبناء الاجتماعي لأي مجتمع سواء أكان بدويا، ريفيا أم حضريا. تم نقاش العلاقة بين علمي الاقتصاد والأنثروبولوجيا في العديد من الدراسات والمحاضرات. ووفقا لأدبيات الأنثروبولوجيا، فقد قام المؤرخ الاقتصادي جراس (Gras) بصياغة مفهوم الأنثروبولوجيا الاقتصادية في مقاله "الأنثروبولوجيا والاقتصاد"، الذي يعد نواة لذلك العلم. يرى جراس أن الأنثروبولوجيا الاقتصادية هي عملية الجمع بين البحوث الأنثروبولوجية والاقتصادية التي استلزمت دراسة طرق العيش عند الشعوب البدائية[2] من ناحية الأدبيات حول الموضوع، فلا توجد قطعة كتبت من المنظور الأنثروبولوجي إلا وتناولت الجانب الاقتصادي للمجتمع وذلك باعتبار أن المنهج الأنثروبولوجي يعد منهجا كليا يحيط بدراسة مختلف جوانب أنساق المجتمع؛ الاقتصادية، والسياسية، والدينية، وغيرها. هذا بالإضافة إلى دراسة المؤسسات الاجتماعية مثل القبيلة والأسرة. الاهتمام بمجال دراسة اقتصاديات المجتمعات البدائية أو التقليدية أو البسيطة، كمفاهيم تزخر بها الدراسات الأنثروبولوجية، فقد تم استعراضه حديثا في عدد من الدراسات مثل دراسات هان و هارت(2014) بعنوان "الأنثروبولوجيا الاقتصادية: التاريخ والإثنوغرافيا والنقد". هذا البحث لا يقف في النقاش حول استخدام مفهوم المجتمعات البدائية بقدر ما يشير إلى تنوع اقتصاديات المجتمعات بصورة عامة ومحور هذه الدراسة المجتمع السوداني بصورة أكثر تحديدًا.
تعد التجربة السودانية في الدراسات الأنثروبولوجية من الدراسات الكلاسيكية، وأيضا البحوث الحديثة في شرح العلاقة والتكامل بين علمي الاقتصاد والأنثروبولوجيا. هنا نستصحب مدى أهمية المنظور الأنثروبولوجي في دراسة الأنشطة الاقتصادية للمجتمعات السودانية كواحد من معامل البحث الأنثروبولوجي التاريخي.
لتعميق فهم الظواهر، سواء كانت طبيعية أو اجتماعية، وتعزيزا لإدراك أبعاد حياة الإنسان، فكل علم ينظر إلى الظاهرة من وجهة نظر تخصصية محضة. فمثلا، العلوم الطبية تدرس المرض من ناحية تشخيصية علاجية وفقا لمنهج الطب الحديث وبروتوكولاته التي تدرب عليها الأطباء المختصون. نفس الظاهرة (ظاهرة المرض) ينظر إليها عالم الاجتماع أو الأنثروبولوجيا كتصورات ذهنية على مستوى الفرد وكتفسيرات اجتماعية متعددة على مستوى المجتمع. بذلك تصبح للمرض تفسيرات متخصصة طبية وتأويلات اجتماعية تنتج من معتقدات وخبرات المجتمع. تأسيسا على ذلك، فإن الواقع الحالي يشير إلى حقيقة التطور في مجالات المعرفة وتنامى الاهتمام البحثي لأي من القضايا من وجهات نظر مختلفة، مما أدى إلى الحث على ضرورة التكامل بين فروع المعرفة المختلفة وذلك لأن التداخل أصبح أمرا واقعيا، فلا تمكن دراسة قضية اجتماعية من منظور تخصص واحد نظرا لأهمية استصحاب وجهات نظر مجالات علمية أخرى طالما أن الهدف هو دراسة تحليل الظاهرة بعمق قصد محاولة تقديم مقترحات وحلول لها. وعليه، فمراعاة لأهمية الترابط النظري، الميثودولوجى والهدف من هذه العلوم، فالتكامل بينها أصبح ضرورة أملتها أهمية تحقيق الأهداف العامة للعلوم فيما يتعلق بتفسير الواقع الاجتماعي وتقديم حلول لإصلاح مواضع الخلل فيه وترقية الواقع الإنساني. العلاقة بين علمي الاقتصاد والأنثروبولوجيا أضحت مثار اهتمام الباحثين والمنظرين ومتخذي القرار السياسي فيما يتعلق بفهم وتطوير المجتمعات.
يتناول هذا البحث إشكالية العلاقة بين علمي الاقتصاد والأنثروبولوجيا والدور التكاملي بين العلمين، كإشكالية دراسية، وذلك بهدف تقصى حالة المجتمع السوداني من الناحية النظرية المنهجية. وتجيب عن السؤال: كيف أن حدود كل من العلمين تداخلت وتكاملت في دراسة بناء المجتمع السوداني ونظمه الاقتصادية؟ يهتم البحث أيضًا بدراسة آفاق مساهمة التكامل بين هذين العلمين في دراسة وطرح حلول مشاكل التنمية في المجتمع السوداني. يهدف البحث بشكل محوري إلى شرح العلاقة بين هذين العلمين في الدراسات التي تناولت حالة المجتمعات السودانية ومستقبل التكامل بين هذين المنظورين في الدفع بدراسات مستقبلية تضع في اعتبارها تركيبة المجتمع وتسهم في إحداث تغييرات اجتماعية مع مراعاة خصوصية تركيبة المجتمع السوداني متعدد الأنشطة والقطاعات الاقتصادية التقليدية مثل الرعي والزراعة الاكتفائية.
ينقسم البحث إلى عدد من المحاور الأساسية وهي؛ تاريخ وواقع التكامل بين الدراسات الاقتصادية والأنثروبولوجية في السودان، واستعراض الارتباط التاريخي بين الأنثروبولوجيا والإدارات الاستعمارية، والإشارة إلى دور الأنثروبولوجيين الغربيين في التأسيس للبحث الأنثروبولوجي في السودان ومن تلاهم من علماء الأنثروبولوجيا السودانيين، وتلخيص نظري لجذور نشأة وتطور الأنثروبولوجيا ومناقشة آفاق التكامل بين علمي الاقتصاد والأنثروبولوجيا فيما يتعلق بحالة واقع ومستقبل المجتمع السوداني.
اعتمدت هذه الدراسة على المصادر الثانوية وهي الأدبيات المرتبطة بالأنثروبولوجيا الاقتصادية بصورة عامة والمواد التي كتبت عن اقتصاديات المجتمع السوداني. إضافة إلى ذلك، اعتمدت على بعض المعلومات والملاحظات الميدانية التي جمعها الباحث عن طريقة ملاحظاته الميدانية والمحادثات والمناقشات للحصول على معلومات بغرض معين وذلك في الفترة بين الأعوام 2005-2012، وفي أمكنة مختلفة من الأراضي السودانية مثل ولاية الجزيرة، وسطي السودان.
يعد السودان، قبل انفصال الإقليم الجنوبي منه في عام 2011، من الحقول التي زخرت بالدراسات الأنثروبولوجية الرائدة. لقد وجد محور البحث الإثنوغرافي في المجتمع السوداني حظا من اهتمام الأنثروبولوجيين في فترة الاستعمار والحقب الوطنية المختلفة بعد استقلاله في عام 1956. انصب اهتمام الدراسات الأنثروبولوجية الكلاسيكية على القبيلة السودانية كمجال أساسي من مجالات الأنثروبولوجيا كعلم حديث النشأة. المنظور الإثنوغرافي منهجا سواء من مختصين في الأنثروبولوجيا أو مهتمين بدراسة القبيلة، كوحدة دراسية، وثق لقبائل سودانية مختلفة وفى بيئات جغرافية متباينة من هذا المجتمع مثل دراسات "السير إدوارد إيفانز بريتشارد" لقبيلة النوير[3]، التي تميز نفسها كنموذج لهذه الدراسات الكلاسيكية المميزة. تمت هذه الدراسات في حقبة الاستعمار البريطاني للسودان بين 1889-1956. قاد هذا النوع من الدراسات إلى الوصمة التي ما زالت الأنثروبولوجيا تعاني من تداعياتها كعلم ارتبط بالاستعمار والمعلومات الاستخباراتية؛ خاصة في البلدان التي خضعت للاستعمار بأشكاله المختلفة والتي أهمها الاستعمار العسكري.
علاقة الأنثروبولوجيا بالاستعمار من الموضوعات التي تم نقاشها من قبل الكثير من الباحثين. ففي كثير من الكتابات يذكر أن الأنثروبولوجيا كعلم ومنهج قد هدفت لتمكين الإدارة الاستعمارية من استغلال موارد المجتمعات المستعمرة وأن الاستعمار يدعى جلب الحضارة إلى هذه المجتمعات البدائية مثل دراسات عبد الغفار محمد أحمد[4]، فهيم 1986[5] وفياض 2021[6]. بالنسبة إلى السودان، خضعت البلاد للإدارة الاستعمارية البريطانية من 1899 وحتى 1956. نتج عن ذلك أن معظم الدراسات الأنثروبولوجية التي أجريت في قطر السودان قد ارتبطت بعلماء أنثروبولوجيا وإداريين بريطانيين مثل هارولد ألفريد ماكمايكل Mac Michael, Harold Alfred الذي عمل حاكما إداريا في عدد من مديريات السودان وكتب عن تاريخ العرب في السودان[7] متحدثا عن العنصر العربي في السودان وغيره من العناصر النوبية وقبائل سهول دارفور والبطانة وكردفان وغيرها من أقاليم البلاد الأخرى.
أطروحة وصم الأنثروبولوجيا بأنها علم استعماري من المحاور التي تم نقاشها في الفترة التي تلت حركات التحرر الوطني الأفريقي، فقد كان هنالك رفض للأنثروبولوجيا من قبل كثير من الباحثين الذين يصبغونها بعلاقة مشوهة مع السلطات الاستعمارية. لم يكن السودان معزولا عن هذا النقاش خاصة أن الكثير من الدراسات الأنثروبولوجية التي اهتمت بالقبائل السودانية قد تمت من قبل باحثين بريطانيين يرتبطون بالإدارة الاستعمارية. لذلك نجد أن الغموض والاستفهامات حول علم الأنثروبولوجيا ما زال مثار جدل. وبالرغم من الدفاع عن هذا العلم الحديث ما زالت هنالك حساسية مفرطة تجاه دراسة البناء الاجتماعي للمجتمعات السودانية لهذا السبب التاريخي وأسباب أخرى من ضمنها الصراع المستمر بين القبائل السودانية حول الموارد والتنمية غير المتوازنة والهوية.
لربط حوار الأنثروبولوجيا وتاريخها في السودان، من المهم الإشارة إلى أن كبرى المشاريع التنموية الحديثة في السودان بدأت مع الإدارة البريطانية بتأسيس خطوط السكك الحديدية بغرض غزو السودان في 1889 وتوالت مشاريع التنمية التي أبرزها إنشاء مشروع الجزيرة في عام 1925 في وسط السودان بهدف تزويد مصانع الغزل والنسيج البريطانية بخام القطن. تبع ذلك ما يمكن أن يوصف في النظريات الاقتصادية بالتبعية. فحتى بعد خروج المستعمر، ظلت مدن السودان تتبع لمدن الإمبراطورية البريطانية. وتلميحا لرؤية الأنثروبولوجيين لقضية التنمية من هذه الزاوية، فالتبعية هي نتاج لمشاركة البلدان الفقيرة في عمليات نظام عالمي تسيطر عليه البلدان الرأسمالية[8].
إن الأنثروبولوجيا في السودان في حقبة الاستعمار وما تلاه من حقب وطنية اتضحت فيها مساهمات العديد من العلماء على المستويين؛ الأجنبي والوطني. هذه المساهمات التاريخية الممتدة حتى وقتنا الراهن قد قام بها الكثير من العلماء ممن اهتموا بقضية التنمية في بلاد السودان. بالرغم من اختلاف دور الذين قاموا بوصف المجتمعات السودانية، سواء كانوا موظفين إداريين أم علماء أنثروبولوجيا متخصصين وذلك من خلال مشاهداتهم وملاحظاتهم الميدانية، فقد ترك هؤلاء الكتاب الغربيون مساهمات تعد من أمهات المراجع التي توثق لطبيعة حياة المجتمع السوداني خاصة مجتمعاته القبلية والريفية.
وفقا للأنثروبولوجي أحمد مر البحث الأنثروبولوجي في السودان بأربعة مراحل. المرحلة الأولى بدأت عام 1910 حيث تعد دراسة بروفيسور سليجمان وزوجته (Seligman and Mrs. Seligman) من بواكير البحث الأنثروبولوجي في السودان حول قبائل النوبة، بإقليم كردفان[9]. تلا سليجمان تلميذه إيفانز بريتشارد (Evans Pritchard) الذي نتجت عن مجهوداته الإثنوغرافية المميزة دراسات ما زالت تعد من أبرز القطع البحثية الإثنوغرافية التي لا غنى لأي باحث أو دارس في المجال عن الاطلاع عليها. الادبيات التي نتجت كمعارف ومساهمات إثنوغرافية من بحثه عديدة. أهم هذه الدراسات هي: Azande Witchcraft, Oracles and Magic (العرافة والكهانة والسحر عند الزاندي)، دراسته لقبيلة النوير التي نتجت عنها مؤلفاته (The Nuer) النوير (Religion among the Nuer) (الدين عند النوير)، وNuer Kinship and Marriage (النسب والزواج عند النوير). يري أحمد أن المرحلة الثانية بدأت عام 1958؛ حيث بدأ تدريس الأنثروبولوجيا بجامعة الخرطوم بواسطة مدرسين أجانب ولم يكن الطلاب متحمسين لدراستها للصبغة التي لازمتها من ارتباط بالاستعمار. أما المرحلة الثالثة، فقد بدأت بعد عودة السودانيين الذين ابتُعثوا إلى الخارج للتخصص في هذا المجال وهذه المرحلة قادت إلى المرحلة الرابعة حيث كان على الأنثروبولوجيين السودانيين التفكير في الطرق التي يمكن بها الاستفادة من نظريات ومناهج الأنثروبولوجيا في تطوير مفاهيم تدعو إلى الوحدة في ظل التنوع وتنمية القطر السوداني[10].
العديد من رواد حقل الأنثروبولوجيا الغربيين كانت لهم مساهمات في دراسة المجتمع السوداني. قام طلال أسد بدراسة قبائل إقليم كردفان. من ضمن القبائل التي قام ببحثها قبيلة الكبابيش. نتاج هذه الدراسة كان كتابه The Kababish Arabs: Power, Authority and Consent (عرب الكبابيش: السلطة والقوة والقبول). أيضًا من رواد الأنثروبولوجيا تاريخيا في السودان بروفيسور إيان كنيسون Ian Gunnison الذي قام بدراسة قبيلتي الحمر والمسيرية بإقليم كردفان. كتب خليفة عن إيان كنيسون الآتي: "من الطريف أن المسيرية أحبوا كنيسون ووثقوا به لدرجة أنهم اعتبروه واحدًا من أبنائهم ... وقد منحته القبيلة وضعًا افتراضيًا يمكنه من التعرف بصورة عملية على الكيفية التي تُتبادل بها العلاقات الاجتماعية؛ فكان نتيجة لوضعه المفترض ذاك مثلًا ابن أخت للبعض، وخال لآخرين![11]، نتجت عن دراساته في هذا الإقليم مؤلفات عديدة من بينها The Baggara Arabs (عرب البقارة) وThe Social Role of Cattle (دور الأبقار الاجتماعي)[12]. يلاحظ على هذه الدراسات أن تقصيها كان حول القبيلة كوحدة اجتماعية أساسية في مجتمع السودان والملاحظة الأخرى أن بعض هذه الدراسات قد عكس الجانب الاقتصادي لهذه القبائل مثل نشاط رعى الأبقار.
في مداخلة في نقاش الأنثروبولوجيا في السودان كتب خليفة 2006 على صفحة موقع سودانيز أونلاين (Sudaneseonline)، أفاد مصطفى بابكر الآتي: أن الأنثروبولوجيا السودانية قد نهلت من عدة مدارس شكلت الاهتمام البحثي للرعيل الأول من الأنثروبولوجيين السودانيين:
المدرسة الأولى؛ هي المدرسة البريطانية ويمثلها من الجانب البريطاني إيان كنيسون، طلال أسد، ويندي جيمس، وڤالدو بونز، أحمد الشاهي... إلخ. ومن الجانب السوداني فهيمة الساداتي وتمحورت دراستها حول المستوطنات العشوائية في الخرطوم بحري. وتاج الأنبياء الضوي؛ وكانت دراسته على الصفوة التجارية في مدينة الأبيض مركزين على حقل الأنثروبولوجيا الحضرية وقد سار على نهجهم لاحقًا كل من بلقيس يوسف بدري بدراستها حول علاقات الزواج في مدينة أم درمان، والواثق كمير بدراسته عن أبناء قبيلة النوير في أعمال البناء في مدينة الخرطوم، ومحمد يوسف المصطفى عن التحضر في مدينة الحصاحيصا، وصلاح الشاذلي عن التحضر في الخرطوم.
الاهتمام بالجانب البدوي والريفي تمثله العديد من الدراسات التي من بينها دراسة حسن محمد صالح الهدندوة في دلتا نهر طوكر بشرقي السودان ودراسة محمد عبد الرحيم محمد صالح حول الصراع على الموارد في جنوب كردفان ودراسة مصطفى بابكر حول التاريخ السياسي والاقتصادي لقبيلة الحمر في غرب كردفان. المدرسة الثانية؛ هي المدرسة الأمريكية ويمثلها كل من ساندرا هيل، جيم فارس ... ومن الجانب السوداني العديد من العلماء مثل عبد الباسط سعيد الذي اهتم بدراسة الزراعة الآلية في جنوب كردفان وحامد البشير إبراهيم الذى ركز على الزراعة الآلية في جنوب كردفان... المدرسة الثالثة؛ هي المدرسة النرويجية ويمثلها العديد من الأنثروبولوجيين مثل، فريدريك بارث ولايف ماقنر، ومن الجانب السوداني عبد الغفار محمد أحمد بدراسته حول النظام السياسي لقبيلة رفاعة الهوي وشريف عبد الله حرير بدراسته حول التكيف عند قبيلة الزغاوة ومنزول عبد الله منزول عسل حول المهاجرين السودانيين والصوماليين في النرويج.والمدرسة الرابعة؛ هي المدرسة الألمانية ويمثلها كورت بيك ونتيجة لجهده المتواصل نجد أن هناك اهتماما متناميا بالسودان من قبل الجامعات الألمانية، حيث يقوم الآن العديد من أفراد الجيل الحالي بدراساتهم العليا هناك[13]. مساهمات المدرسة النرويجية في الدراسات الأنثروبولوجية تعد من مصادر الإنتاج المعرفي حول المجتمع السوداني. دراسة الأنثروبولوجي النرويجي فردريك بارث عن تركيبة اقتصاد قبيلة الفور التقليدي بمنطقة جبل مرة تعد من الجهود المبكرة في الأنثروبولوجيا الاقتصادية في السودان[14]. أما المدرسة الألمانية، فلها اهتمام رائد بمجال قضية التنمية في السودان. هنا أشير إلى أننى من خريجي هذه المدرسة. من سبقوني ومن تلوني في هذه المدرسة تركزت العديد من أبحاثهم حول قضية الاقتصاد والتنمية في المجتمع السوداني من مناظير الاقتصاد مثل دراسة أحمد الحسب حول الشراكة في المسؤولية الاجتماعية في تجربة البنوك الإسلامية في السودان بين 2008 [15]2010 – ، ودراسة تامر عبد الكريم من المنظور الأنثروبولوجي حول علاقات القوى في إحداث التنمية بالإشارة إلى تجربة بناء السدود المائية في أرض النوبة، شمالي السودان[16].
هذا الإرث الأنثروبولوجي الغربي وما أسفر عنه من تدريب العديد من الأنثروبولوجيين السودانيين ومجهودات الأنثروبولوجيين السودانيين ومساهماتهم في دراسة بناء المجتمع السوداني والإشارة إلى النسق الاقتصادي في هذه المجتمعات كان من المساهمات الرائدة في دراسات اقتصاديات المجتمعات القبلية الرعوية والمجتمعات الريفية وأساليب حياتها الاقتصادية من قبل علماء الأنثروبولوجيا والاقتصاد السودانيين وغيرهم من التخصصات مثل الجغرافية. الميراث الأنثروبولوجي الغربي ودراساته عن المجتمعات السودانية وسير علماء الأنثروبولوجيا السودانيين، خاصة الذين تدربوا في الغرب، كلها قدمت مجهودات بحثية حول قضايا المجتمع السوداني واقتصادياته والعديد من نظمه الاجتماعية الأخرى مثل النظم الدينية.
استفاد الأنثروبولوجيون السودانيون من العلاقات التاريخية لعلماء الأنثروبولوجيا الغربيين الذين ساهموا في تدريب كثير من الأنثروبولوجيين السودانيين في الجامعات الغربية والوطنية. أقدم المؤسسات التي اهتمت برفد تخصص الأنثروبولوجيا بعدد من الخريجيين هي جامعة الخرطوم.
منذ أواسط سبعينات القرن الماضي، انضمت جامعات ولائية تقوم بتخريج علماء أنثروبولوجيا مثل جامعة جوبا. في أواسط التسعينات، وكنتاج لما عرف في الأدبيات السودانية بثورة التعليم العالي، فقد تأسست جامعات ولائية تقوم بتدريس الأنثروبولوجيا وتستوعب علماء الأنثروبولوجيا في أقسام التخصصات المتداخلة خاصة تخصصات تنمية المجتمع والتنمية الريفية مثل جامعة القضارف، شرقي السودان. على سبيل المثال منطقة شرقي السودان، تعد من المناطق ذات التركيبة القبلية والاقتصاديات التقليدية مثل الزراعة التقليدية والرعي، كحرف تمثل النشاط الاقتصادي لغالبية سكان الإقليم وذلك يعود إلى عوامل سكانية وبيئية مثل توفر العمالة ووفرة الأمطار في الموسم الفلاحي الذي غالبا ما يمتد بين شهري يوليو واكتوبر من كل عام.
الاتجاه والجهود والبحث الأنثروبولوجي في السودان خاصة في فترة ما بعد الاستقلال اهتم بقضايا ومشكلات ترتبط بالمجتمعات السودانية خاصة الريفية منها. بما أن البيئة السودانية الريفية غنية بالموارد، فتخطيط مشروعات تنمية المجتمعات المحلية قد وضع بكيفية تفهم طبيعة هذه المجتمعات منهجيا ضمن تركيزه. فمثلا، في سهل البطانة، شرقي السودان، ينتشر النشاط الرعوي والزراعة المطرية. بإنشاء خزان خشم القربة في عام 1960على نهر عطبرة واستصلاح الأراضي لم يكن كل سكان المنطقة يرحبون بفكرة الاستقرار والزراعة. الزراعة بالنسبة إلى الرعاة مهنة أقل درجة من الرعي من حيث التصنيف وهذا التمايز يرتبط بحجم ثروة الرعاة.
الجهود التي قام بها ويقوم علماء الأنثروبولوجيا في قضية التنمية بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية تاريخيا وحديثا ما زالت محدودة. فالأزمة التي لازمت الأنثروبولوجيا لكونها ذات ارتباط بالاستعمار قد عملت على تعطيل عمل علماء الأنثروبولوجيا السودانيين وغيرهم من الأفارقة في الاستفادة من النظرية والمنهج الأنثروبولوجي في دراسة خصوصية هذه المجتمعات. عليه، كان هنالك توجه إلى الاستفادة من هذه المداخل النظرية الأنثروبولوجية لفهم طبيعة المجتمعات السودانية وذلك بغرض تنميتها خاصة وأن هذه المجتمعات تمتلك عناصر تطويرها وتنميتها مثل الأراضي الزراعية والثروة الحيوانية وغيرها من الموارد. هذه الثروات، إدارتها وإنتاجها وتوزيعها، كمبادئ اقتصادية، من صميم اهتمامات العلمين، الاقتصاد والأنثروبولوجيا. هذه الثروات توجد في المجتمع الموزع بين المستوطنات الحضرية، الريفية والبادية. تكامل هذين المنهجين، الاقتصادي بمعاييره والأنثروبولوجي بخصوصيته ما زالت أمامه فرص واسعة لتقديم مساهمات نظرية وحلول تطبيقية لقضية الثروة والمجتمع في المجتمع السوداني.
الأنثروبولوجيا الاقتصادية، كواحد من فروع الأنثروبولوجيا، تهتم بالاقتصاديات والقطاعات التقليدية في الاقتصاد المجتمعي. في هذا السياق، أشار عالم الأنثروبولوجيا عبد الرحمن إلى أوجه الاختلاف بين نوعين من المجتمعات وفقا لخصائص النظم الاقتصادية وهما: "النظم الاقتصادية الحديثة وهي التي ينطبق عليها الكثير من الأسس النظرية للنظرية الاقتصادية. والنظم الاقتصادية التقليدية وهي تلك النظم التي يصعب دراسة النظم الاقتصادية فيها حسب الأسس النظرية للفكر الاقتصادي الحديث"[17]. تتسم هذه النظم بشكل عام ببساطة التكنولوجيا المستخدمة في الإنتاج وتقسيم العمل على أساس الجنس والعمر كما هو موجود في المجتمعات السودانية القبلية والريفية. هذا إضافة إلى التوجه نحو الاكتفاء الذاتي وليس الإنتاج بغرض التسويق.
الاقتصاد الحديث، يقوم على التصنيع واستخدام التقنيات الحديثة في كل قطاعات الاقتصاد مثل الزراعة الآلية المروية كما هو موجود في مشروع الجزيرة الزراعي، وسط السودان. هذه التقليدية من الاقتصاد أولتها الأنثروبولوجيا اهتمامات مثل الاهتمام بدلالة مفهوم الثروة في المجتمعات التقليدية الإفريقية. في هذه المجتمعات فالعلاقات الاجتماعية ليست تعاقدية اقتصادية تخصصية. إن ملكية الموارد الجماعية من طرف تنظيم زعماء القبائل يلعب دورا مهما في حصول فرد القبيلة على الموارد كما وصف ذلك من قبل الأنثروبولوجيين؛ زهري ومحمد بأنه "في اقتصاد المجتمعات الصغيرة، فإن للعلاقات الاجتماعية في أغلب الأحيان علاقات شخصية"[18]. وبما أن علم الاقتصاد يركز على عمليات عديدة، فإن عملية التنمية من أهم الموضوعات التي يتكامل فيها مع الأنثروبولوجيا لذلك كان لابد من الإشارة إلى الاستفادة من الأنثروبولوجيا في تنمية المجتمعات.
بدأ التوجه نحو الاستفادة من الأنثروبولوجيا في تنمية المجتمعات الإفريقية، خاصة بعد حركات التحرر الوطني الإفريقية والاستقلال السياسي. انطلق هذا التوجه في رؤى عالم الأنثروبولوجيا البريطاني إيان كنيسون الذي أوضح الآتي: "أن الأنثروبولوجيا التي استخدمت سابقا لضبط الشعوب المستعمرة والتحكم فيها، تحولت أغراضها إلى مساعدة هذه الشعوب ودعم استقلالها. وعبر عن هذا التحول بأنهم شعروا كأجانب أن فترة ما بعد الاستقلال تتطلب منهم ‘إعداد برامج تناسب احتياجات البلاد من الكوادر المؤهلة وخطط التنمية"[19].
قام كنيسون بدراسة قبيلة المسيرية وهي قبيلة من قبائل البقارة (رعاة البقر)[20] في إقليم كردفان، غربي السودان. لقد كانت تنمية هذه المجتمعات مالكة الثروة مثل الثروة الحيوانية من اهتمامات كنيسون وغيره من الأنثروبولوجيين. وحول هذه الجزئية، يرى عالم الأنثروبولوجيا علي أن كتابات كنيسون تحدثت عن الموقف الفني والأخلاقي للأنثروبولوجيا فيما يتعلق بالتنمية الاقتصادية للمجتمعات القبلية[21]. فقبيلة مثل المسيرية تمتلك ملايين رؤوس الأبقار كثروة تستخدم لأغراض عديدة، من بينها التفاخر. في معظم المجتمعات القبلية الرعوية والريفية الزراعية، مقياس قيمة المورد الاقتصادي يختلف عن التقييم الرأسمالي السعري.
تلعب القيمة الاجتماعية للمورد دورا في ازدهاره أو الحد من الاستفادة منه مثل القيمة الاجتماعية للثروة الحيوانية عندما تستغل للمباهاة أو تستخدم كقيمة مالية في نفس الوقت لدفع المهور والديات. فوفقا لأحمد وشريف 1982، فإن قبائل البقارة تسمى البقر "المال"، و"أن الرجل الذي يملك أبقارًا كثيرة يلفت أنظار الناس إليه ويحوز تقديرهم واحترامهم"[22]. من خلال ملاحظاتي الميدانية البسيطة، فالأمر لا يقف عند المضمون الاقتصادي للثروة الحيوانية، فحتى فنون المجتمعات القبلية تحاكى طبيعة وسلوك الحيوان مثل الرقص بفتح الأيادي للأعلى لمالك الأبقار والثيران. وفقًا لعالمي الأنثروبولوجيا أحمد وحرير، فإن هذا المثال يشير إلى التعدد الوظيفي للموارد المحلية الذي يهتم به عالم الأنثروبولوجيا في إطار البناء الاجتماعي ككل، وليس في إطار النسق الاقتصادي فحسب[23]. وجهة النظر هذه تعضد من خلال رؤية العادلي الذي يوضح "أن مناقشة بعض الظواهر الموجودة في المجتمعات البدائية على أساس أنها ظواهر اقتصادية بحتة فيه قدر من التعسف"[24]. هذه الأسس النظرية تشير إلى أن الثروة تكتسب بعدا في معناها في المجتمعات الافريقية بشكل عام والسودانية على وجه الخصوص في سياق الملكية العامة للمورد.
أشار الأنثروبولوجيون إلى هذه الدلالة في كتاباتهم. مثلا، يرى زهري أن مفهوم الثروة في كثير من المجتمعات الإفريقية لا يفسر في إطار الملكية الواضحة للموارد أو في إطار المستوى المعيشي المرتفع، كما هو الحال في المجتمعات المتطورة ثقافيا، ولكن التقييم الحقيقي للثروة في أعين السكان الأصليين، إنما يكون بعدد الأفراد أو الناس الذين لهم الحق في الاعتماد عليهم في العون والمساعدة. [25] وبما أن الصبغة العامة للمجتمع السوداني أنه مجتمع ريفي يعتمد على النشاطين الزراعي والرعوي، فجوانب وقضايا ملكية الأرض والتنافس على الموارد مثل الأراضي الرعوية قد اهتم به علماء الأنثروبولوجيا السودانيون مثل الصراع على المرعى بين قبيلة رفاعة الهوى وقبيلة الفولاني في مناطق النيل الأزرق[26]، خاصة مسألة عدم الرعي المستمر في منطقة معينة، مما يهدد المرعى مستقبلا.
النسقان الاقتصادي والاجتماعي مهمان في فهم ديناميكية المجتمعات. وبما أن علم الاقتصاد ينظر إليه على أنه "مجموع السلع والخدمات المبتاعة والمباعة في إقليم معين"[27]. وأن الأنثروبولوجيا تهتم بدراسة الإنسان بصورة شاملة من مختلف جوانب حياته مثل الجانب الثقافي والاجتماعي والفيزيقي والنظم الأخرى المكونة لبناء المجتمع، فحقل الأنثروبولوجيا الاقتصادية هو حقل ناتج من التداخل بين علمي الاقتصاد والأنثروبولوجيا. تجدر الإشارة هنا إلى أن توثيق بدايات ظهور الأنثروبولوجيا الاقتصادية يعود إلى القرن التاسع عشر كعلم يهتم بدراسة الأنشطة الاقتصادية للمجتمعات البدائية.
البعد الاقتصادي ركيزة أساسية من أنساق المجتمعات التي تهتم الأنثروبولوجيا بدراستها ميدانيا. الأنثروبولوجيا الاقتصادية تركز على الثقافة الاقتصادية للمجتمع مثل ثقافة العمل الجماعي الزراعي وبناء المساكن كما هو ممارس في المجتمع السوداني. اهتمت الدراسات الكلاسيكية الأنثروبولوجية بالجانب الاقتصادي في كل الدراسات. على سبيل المثال، يرى محمد الجوهري وآخرون أن الجهود والأعمال المبكرة لرواد الأنثروبولوجيا كان لها الأثر في لفت الأنظار إلى طبيعة الاقتصاد في المجتمعات التقليدية مثل الجهود التي قام بها الأنثروبولوجي مالينوفسكي الذي قام بدراسة نظام الكولا الاقتصادي في كتابه الذي نشره عام 1922 بعنوان "الارجونوتس" أو "بحارة غرب المحيط الجسورون" من خلال عمل ميداني واسع مقدما فيه تحليلا شاملا وعميقا للأنساق الاقتصادية والعلاقات التجارية للقبائل التي تسكن غينيا الجديدة. لقد أوضح مالينوفسكي في هذه الدراسة الاتجاه الذي يأخذ بمبدأ التكامل في دراسة النظم الاجتماعية. فالمبدأ العام من ذلك المنظور هو أن النظم تتداخل وتترابط، بحيث تصعب دراسة جانب اجتماعي معين دون الأخذ في الاعتبار علاقة ذلك بالأنساق المختلفة في البناء الاجتماعي (الجوهري وآخرون 1984، مقتبس من عبد الرحمن 1992[28].
بناء على هذا التحليل النظري، أشير الى أنه في المجتمع السوداني ما زالت عملية التبادل كواحدة من العمليات الاقتصادية الممارسة بوضوح خاصة فيما يتعلق بالمنتجات الزراعية لسد الاحتياجات اليومية، نظاما عرف في الأدبيات الاقتصادية بالمقايضة. في هذا المجتمع، رغم انتشار التداول النقدي، فالنقود ليست ضرورة لإكمال عملية الحصول على سلع أو خدمات رغم توفرها وإلزاميتها كوسيلة للتبادل التجاري في الوقت الراهن. في هذه الحالة غالبا ما يتم تبادل منتجات زراعية بأخرى مشابهة مثل تبادل محصولي الذرة والقمح والحيوانات المنزلية. عملية التبادل في المجتمع السوداني تقدم نموذجا آخر على التبادل النقدي، فقد ذكر الأنثروبولوجي شالوكا 2022 في وصفه الإثنوغرافي لمناطق الفونج بإقليم النيل الأزرق، جنوب السودان، أن العملات المُتداولة في سوق مدينة الكرمك المتاخمة للحدود الأثيوبية هي: (الجنيه السُّوداني، جنيه جنوب السُّودان، البر الأثيوبي، الدولار الأمريكي) كسوق للتلاحُم الاجتماعي والتبادُل الاقتصادي[29]، بمعنى أن الأنثروبولوجيا الاقتصادية تهتم بعمليات اقتصادية أوسع من النظم الاقتصادية التقليدية وهي التجارة الخارجية بين المجتمعات الصغيرة على الحدود السياسية بين بلدان الجوار الجغرافي كما يوضح هذا المثال. وفقا لهذا السياق، نجد أن البعد الاقتصادي في حياة المجتمعات السودانية كان محورا لاهتمام الدراسين. فهنالك العديد من علماء أنثروبولوجيا المدرسة النرويجية الذين قدموا مساهمات في دراسات اقتصاديات المجتمعات السودانية مثل "مشروع أبحاث البحر الأحمر" التعاوني بين جامعتي الخرطوم وبيرقن. أنتج هذا المشروع عددا من الدراسات التي اهتمت بالأنثروبولوجيا الاقتصادية مثل دراسة عالم الأنثروبولوجيا النرويجي لايف ماقنر وآخرون حول النظام الرعوي لقبيلة الهدندوة بجبال البحر الأحمر 1996[30].
من ناحية تطور هذا الاختصاص، ميز كل من هان وهارت بين ثلاث مراحل لتطور حقل الأنثروبولوجيا الاقتصادية. بدأت المرحلة الأولى في سبعينيات القرن التاسع عشر وحتى أربعينيات القرن العشرين؛ وفي هذه المرحلة كان تركيز الأنثروبولوجيين على ما إذا كان سلوك "المتوحشين “يستند إلى الأفكار العقلانية ذاتها والتي تشجع السلوك الاقتصادي في الغرب؟ في هذه المرحلة، كرس الأنثروبولوجيون جهودهم الأولية لوضع عروض عن التاريخ العالمي الذي كان تطوريا من وجهة نظرهم. وفي المرحلة الثانية، السنوات التي تلت الحرب العالمية الأولى، سعى الإثنوغرافيون إلى ربط فرضيات علم الاقتصاد السائد (الكلاسيكي الجديد) بالنتائج التي توصلوا إليها من خلال دراساتهم للمجتمعات البدائية ... أما فترة الخمسينات والستينات من القرن العشرين، فقد تميزت بالحرب الباردة التي في أوجها كان اقتصاد العالم مزدهرا والحكومات تتعهد بتوسيع قطاع الخدمات العامة مع المحافظة على ضوابط صارمة بخصوص الأسواق المالية. في تلك الظروف، كان علماء الأنثروبولوجيا الاقتصادية يتجادلون فيما بينهم فيما يتعلق بالمنهجيات والنظريات اللازمة لدراسة الأنثروبولوجيا الاقتصادية والتي بدورها امتدت في ذلك الوقت لتشمل فلاحي العالم. في هذه المرحلة، كان هنالك نقاش وسجال بين فريقي الأنثروبولوجيا الاقتصادية "الشكلانى" و"الجوهرانى". "الشكلانيون" يعتقدون أن المفاهيم السائدة في علم الاقتصاد وأدواته كافية للقيام بهذه المهمة. أما "الجوهرانيون"، فيزعمون أن المقاربات المؤسساتية أكثر ملاءمة. وقد كانوا يقصدون بكلمة "مؤسساتية" أن الحياة الاقتصادية في المجتمعات التي لم تهيمن الأسواق المتجردة على ما هو شخصي "متضمنة" دائما في مؤسسات اجتماعية أخرى، تندرج من الأسرة إلى الحكومة والدين (...) فيما يتعلق بالمرحلة الثالثة، تبدأ من السبعينات لتمتد على مدى ثلاثة عقود من العولمة الليبرالية (...) شهدت هذه الفترة علماء أنثروبولوجيا يوسعون دراساتهم لتتناول التنظيم الاقتصادي الإنساني برمته من منظورات مختلفة ملتزمين تقليد الرصد والمشاهدة الإثنوغرافية[31].
تأسيسًا على هذا العرض لتطور الأنثروبولوجيا الاقتصادية، فمن المهم الإشارة إلى أن النظرية الأنثروبولوجية تطرقت إلى المراحل الاقتصادية التي مرت بها المجتمعات. يلخص العادلي هذه المراحل في ثلاث مراحل. مرحلة اقتصاديات الجمع والصيد والسماكة، مرحلة اقتصاديات التحول البسيط والتي تضم الزراعة وتربية الحيوان ثم مرحلة اقتصاديات التحويل المركب والتي تشمل الزراعة والرعي التجاريين والصناعات والخدمات[32]. هذه الصورة تعكس واقع العديد من المجتمعات الإفريقية التي من ضمنها المجتمع السوداني، حيث تسود هذه الأنماط الاقتصادية وتمارس هذه الأنشطة في بيئات السودان الجغرافية المختلفة وذلك لسهولة توفر المورد مثل الثروة الحيوانية واتساع المرعى لهذه الثروة كما هو موجود في بادية السودان.
لأهميته في دراسة المجتمعات، فالبعد الاقتصادي كان حاضرا بوضوح في كل الدراسات الأنثروبولوجية، خاصة التي تمت قبل علماء الأنثروبولوجيا السودانيين. الأنثروبولوجيا الاقتصادية في السودان اهتمت بواقع عمليات الإنتاج والتبادل والتوزيع والاستهلاك وملكية الأرض والحيازة ونظم العمل مثل دراسة النفير (العمل الجماعي)[33] في المجتمعات الصغيرة السودانية الذي يحدث تفاعلا بين النظام الاقتصادي والأسرة والقبيلة وعلاقات الجوار في الريف السوداني.
يشير علماء الأنثروبولوجيا السودانيون إلى القيمة الاجتماعية لهذا النظام ويرون "أن نظام النفير هو نظام تعاوني متقدم كان يسود معظم المناطق ورغم دخول التعامل النقدي والعمل بالأجر، إلا أن القيم السائدة في هذه المجتمعات تمجد النفير"[34]. من الأوجه ذات البعد الاقتصادي – الاجتماعي مسالة التغيير الاجتماعي وتأثيرات العمليات التنموية على هذه المجموعات. المجتمعات قد ترفض التغيير. مجتمعات شرق السودان بها مجموعات رعوية ترفض الاستقرار. أبعد من ذلك، فمحاولة تأسيس مشاريع تنمية المجتمعات قد يقود إلى صراع واضح بين القائمين على أمر مشروع تنموي والأهالي المتأثرين بالمشروع.
أشار أحد علماء الأنثروبولوجيا السودانيين موثقا في دراسته حول تأسيس مشروع خزان بشمال السودان إلى أن فرض المشروعات التنموية من قبل الدولة قد يصل إلى مرحلة استخدام الدولة للعنف المميت مثل ما حدث في أرض النوبة شمال السودان وذلك لرفض النوبيين تأسيس خزان وفقا لشروط الدولة فقط وعدم اعتبار كامل لوجهات نظر الأهالي[35]. يستعرض النموذج الأخير من الدراسات، التحول في موقف الأنثروبولوجيا من دعم الحكومات إبان الفترة الاستعمارية إلى تنبيه وانتقاد الحكومات الوطنية فيما يتعلق بقضايا المجتمعات المحلية. يمتد نقد الأنثروبولوجيين إلى حكومات السودان التي تهمل توصيات البحث الأنثروبولوجي في شتى المجالات وفى مجالات التنمية بصورة أكثر تحديدًا، لاتخاذ نتائج هذه الدراسات على محمل الجد، بحيث تجد طريقها إلى التنفيذ رغم جدواها، بل تظل حبيسة أدراج مكاتب الحكومة.
الفصل الحاد بين ما هو بحثي وتنفيذي كخلل في النظم الإدارية السودانية واضح في عدم تبنى الدولة للمستشارين في هذه المجالات، حيث إن القرار السياسي يتفوق على القرار الاستشاري الناتج من عمل بحثي. وعليه، يمكنني الوصف هنا بأن الجانب الاستشاري لعلماء الأنثروبولوجيا من قبل الحكومات ضعيف. في الحالة السودانية، نجد علماء الأنثروبولوجيا يقدمون استشاراتهم لأجسام عديدة مثل المنظمات، أما بالنسبة إلى الدولة نفسها، فهي لا أو قلما تستشيرهم عند التفكير في تخطيط أو تنفيذ مشروعات تنموية. بل تواجه الدراسات الإثنوغرافية مضايقات عديدة من الدولة تصفها بمبرر مكرر ومعروف وهو ما يسمى "الدواعي الأمنية".
في تقديري أن مشروعات التنمية تفشل لهذا الفصل الحاد بين ما هو نتاج بحثي وقرار تنفيذي سياسي. هذا على مستوى القضايا التنموية، فأما على مستويات أخرى تهتم بها الأنثروبولوجيا، فإنه كان بالإمكان الاستفادة من البحث الأنثروبولوجي وإسهاماته في دراسات قضايا تاريخية مصيرية وحاضرة مثل قضايا الهوية والمواطنة، ولكن لأن الفصل بين النتيجة البحثية والسياسات غير الرشيدة لنظم الحكم المتعاقبة في السودان لم تع وتهتم بهذه النتائج، فواقع اليوم المليء بالانقسام والصراع والحروب التي استعرت في السودان قبل استقلاله في 1956 وحتى اليوم 2025 يعد نتاجا لعدم الاكتراث لهذه النتائج.
كنيسون، كواحد من الأنثروبولوجيين الذين وضعوا أهمية تنمية المجتمع في منهجهم، فكر في الطريقة التي يمكن أن يطور بها علماء الأنثروبولوجيا خدماتهم في السودان مستقبلا. بالنسبة إليه، "هنالك مرحلتان رئيسيتان للجهود التي بذلت سابقا لتفسير البيانات والمعلومات المتعلقة بالتخطيط التنموي:
1- الدراسات المكثفة، وربما الفردية، التي أجريت في مناطق معينة في السودان.
2- العمل المكثف الذي وجه لجمع بيانات ومعلومات واقعية محدثة"[36].
يتميز المجتمع السوداني بنظم اقتصادية متعددة ومتباينة القطاعات لإشباع احتياجاته خاصة القطاعين الزراعي والرعوي. هذه الصورة لاقتصاديات السودان التقليدية اعتراها تغيير خلال العقود والسنوات الأخيرة. فالبترول تمت الاستفادة منه كمورد بداية من عام 1998 ولكن بانفصال جنوب السودان ذهب مع الإقليم المنفصل جل مناطق الإنتاج. إضافة إلى البترول، ظهر تعدين الذهب كواحد من المصادر السريعة للإيرادات ليس للحكومة السودانية فقط، بل أيضًا للأهالي الذين يعملون في مجال التعدين الأهلي للذهب. البيئات التي ينشط فيها هذا النوع من الاقتصاد هي بيئات ريفية والبعض منها قد يكون منعزلا. هنا تظهر قضايا ملكية الأرض والصراع بين الدولة والأهالي حول المربعات التي يتوقع فيها وجود الذهب وبين الأهالي نفسهم. هذا بالإضافة إلى المخاطر البيئية والصحية الناجمة عن هذا النشاط. هذه القضية يتداخل فيها علما الاقتصاد والأنثروبولوجيا طالما أن هذه الثروة توجد في المجتمع وترتبط بقضايا أخرى مثل النزاعات القبلية حول هذا المورد وتأثر السكان سلبا وإيجابا بهذا النشاط محور تساؤل علماء الأنثروبولوجيا والاقتصاد.
هذا يلمح إلى مستقبل الدراسات الأنثروبولوجية في السودان وغيرها من القضايا الملحة في الوقت الحالي مثل قضايا التنمية، الصراع حول الموارد، توطين البدو، النزوح واللجوء والتهجير، مشاكل المياه وغيرها من الخلل في توازن هذا المجتمع. من وجهة نظري، أن ما يمكن أن يميز المنهج الأنثروبولوجي في هذه الدراسات هو استعداده لتقديم نتائج تستخلص من دراسات ميدانية عميقة يمكن أن تتم الاستفادة منها من قبل متخذي القرار الإصلاحي أو التنموي أو غيرها من القرارات التي تعمل على إحداث التغير الاجتماعي. فصبغ الأنثروبولوجيا بدراسة الأهالي والبدائيين في القرن الواحد والعشرين لم يعد هو الاهتمام الوحيد للأنثروبولوجيا. هنا تجب الإشارة إلى أهمية مساهمة واحد من علماء الاقتصاد في أواسط الخمسينات وهو آرثر لويس Arthur Lewis، الذي يقول:
في دراسة اقتصاد السوق درج الاقتصاديون على أخذ النظام بدون أي مناقشة. كما درجوا كذلك على تجاهل التفاعل بين السوق والنظم الاجتماعية الأخرى، مما ترك فجوة بدأ بعض علماء الأنثروبولوجيا في النفاذ منها. إنهم ينفذون إلى العاملين بالمصانع يدرسون كيف يكون رد فعلهم على أخلاقيات الإنتاج. وبدأوا كذلك يراقبون المديرين أثناء عملهم أو يدرسون تأثير المكانة الاجتماعية على المهنة. ومن الواضح أن التكنيك الذي يستخدمه علماء الأنثروبولوجيا في الملاحظة وفى فهم العلاقات المتداخلة للنظم الاجتماعية - كل هذا يمكن أن يشكل إضافة حقيقية ومهمة حتى لدراسة أكثر اقتصاديات السوق تقدما[37].
من الناحية النظرية، اقتصاديات السوق الحديث كاهتمام أساسي لعلم الاقتصاد، وقف عندها علماء الأنثروبولوجيا منوهين بأهمية فهم الاقتصاد من خلال البناء الاجتماعي للمجتمع المعنى. هنا أتفق مع وجهة نظر عالم الأنثروبولوجيا لريموند فيرث الذي يذهب إلى أهمية استصحاب علماء الاقتصاد العاملين والمحللين لاقتصاديات المجتمعات النامية بقوله: "إن علماء الاقتصاد الذين يعملون في مجال التنمية في الأقطار المتخلفة يحتاجون إلى معلومات عن النظم المحلية وإلى افتراضات حولها، وذلك حتى يمكن حساب العوامل التي تضعها في أي عمل بطريقة تجعل الناتج أكبر. وليس هذا فحسب بل تجعل من السهولة توزيع هذا الناتج بطريقة متساوية. ومن بين ما يعتقده علماء الأنثروبولوجيا أن معنى التنمية ليس هو ازدياد دخل الفرد، وليس هو الاستثمار بواقع الفرد، بل يجب أن يرتبط هذا بالفرص الاقتصادية وبرفع مستوى المعيشة بصورة أعم"[38].
على ضوء ذلك نجد أن الأنثروبولوجيا الاقتصادية تولى اهتماما للمجتمعات المتأثرة بخطط التنمية وتهتم بمعرفة وتمليك معلومات للأشخاص والمجتمعات التي تتأثر بهذه المشروعات. لتوضيح ذلك، فيمكنني الإشارة إلى تجربة ميدانية حول هذا الخصوص. في عام 2011 كنت قد شاركت في دراسة ميدانية عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للسكان حول مشروع سد أعالي نهر عطبرة وستيت شرقي السودان الذي يتبعه إنشاء مشاريع متعددة من ضمنها مشروع زراعي لمصلحة مجتمعات شرق السودان ذات التركيبة القبلية المتمايزة وتخزين مياه الشرب وإنتاج الطاقة الكهرومائية والأسماك وغيرها من المشروعات. العديد من القرى كانت ستتأثر كليا أو جزئيا بغمر السد لها وكان هنالك استفسار عن مدى استعداد الأهالي للعمل في النشاط الزراعي وقبول إعادة التوطين على مستوي أفراد المجتمع والزعامات القبلية التي تلعب دورا إداريا مهما في هذه المجتمعات القبلية والريفية والرعوية.
الحديث عن علاقة الأنثروبولوجيا بالاقتصاد يستصحب المناظير الأنثروبولوجية المختلفة، ليس فقط في دراسة المجتمعات البدوية والريفية وغيرها من المجتمعات التي تصنف بأنها مجتمعات بسيطة أو صغيرة. المدن الصناعية والمراكز الحضرية اليوم أصبحت من معامل الأنثروبولوجيا الميدانية التي تزخر بالعديد من الظواهر الاجتماعية ذات البعد الاقتصادي مثل ظواهر المستوطنات العشوائية، القطاع الهامشي الاقتصادي وعمالة الأطفال. في هذه البيئات استطاع علماء الأنثروبولوجيا مد العلوم الاجتماعية والتي من بينها علم الاقتصاد بمفاهيم تحليلية مثل مفهوم "ثقافة الفقر". كما أن علماء الاقتصاد مثل الكرم وأبكر 2016 قد ناقشوا ظاهرة الفقر في مدينة الخرطوم من المنظور الاقتصادي وذلك بالتركيز على إحدى محافظات الخرطوم والتي تقطنها فئات محدودة الدخل وذلك من خلال تحليل الفقر الاقتصادي عبر نقاش متغيرات الدخل والإنفاق من وجهة نظر كمية[39]. التحضر كموضوع اهتمام لعلماء الأنثروبولوجيا، فقد اهتموا بشرح الحياة الاقتصادية للمهاجرين إلى المدينة ودور خلفياتهم القبلية في تكوينهم وأنشطتهم الاقتصادية في الخرطوم. هنا تجدر الإشارة إلى مساهمة فالدو بونز (1980) في تحرير هذه الدراسات وجمعها في كتاب[40].
تتضح أهمية المنظور الأنثروبولوجي في دراسة نفس القضية، الفقر الحضري، حيث قدم أوسكار لويس Oscar Lewis مفهوما ثقافيا للفقر في الحواضر المكسيكية وهو "ثقافة الفقر". حيث وجد أن الفقر يرتبط بثقافة قاطني المستوطنات العشوائية التي قام بدراستها وأن للفقراء تنظيمات لمواجهة فقرهم من خلال ثقافتهم مثل تنظيماتهم غير الرسمية في المساكن العشوائية[41].
للتخفيف من حدة الفقر تنظر الدولة نفسها إلى أن الفقر ظاهرة متشابكة. علماء الاقتصاد لهم معاييرهم التي تتكامل مع المنظور الأنثروبولوجي في فهمها. مثلا مشروعات معالجة الفقر تستهدف الشرائح التي يمكن أن تستفيد من مشروعات الدولة كمشروعات الأنشطة المدرة للدخل التي تقدمها الدولة للفئات المستهدفة مثل فقراء المدن وشريحة المرأة. تخطيط وتنفيذ هذه المشروعات يستصحب المنظور الأنثروبولوجي لدراسة أوضاع فئات الفقراء. هنا أشير إلى تجربتي بقضاء فترة في قسم التنمية الاجتماعية بمصرف الادخار والتنمية الاجتماعية، وهو بنك حكومي، يهتم بتمويل مشروعات وأنشطة مدرة للدخل لعدد من الشرائح الفقيرة في المجتمع وللأسر التي يطلق عليها مفهوم "الأسر المنتجة".. هذا البرنامج كان جزءا من سياسات كلية لحكومة السودان في محاولاتها التخفيف من وطأة الفقر بالبلاد.
هذه العلاقة بين الاقتصاد والأنثروبولوجيا لا تقف عند دراسة النظم الاقتصادية للمجتمعات المحلية. اشتراك الأنثروبولوجيا في دراسة قضايا المال والموارد يتسع إلى مجالات كثيرة. مثلا، لو أخذنا الجانب الديني في المجتمع السوداني، فالعديد من الممارسات الدينية ترتبط بالجانب الاقتصادي وهي من محاور الدراسة في الأنثروبولوجيا كتقديم النذر للأضرحة والقباب واستصحاب المنظور الاقتصادي في تحليل قضايا اقتصاديات الصحة، خاصة علاج الأمراض التي أصبحت ترهق الأفراد والدولة مثل علاج الأورام والقضايا التي ترهق الأسر مثل قضايا الخصوبة. ولأهمية البعد الاقتصادي، كتغير أساسي تستجيب له نظم المجتمع الأخرى، أصبحت ضرورة تكامل وتداخل الدراسات الاقتصادية والاجتماعية أهم في مجتمع مثل المجتمع السوداني.
يهدف التداخل بين العلوم والتكامل بينها إلى توسيع وشمولية النظرة لفهم قضايا الإنسان. تقدم العلوم لم يقف. بل وتيرته مستمرة. فكل يوم ترفدنا وسائل المعلومات المختلفة بتطورات في كافة أنواع العلوم الطبية والتقنية والاجتماعية والإنسانية. الحوار بين علماء الأنثروبولوجيا والاقتصاد لم يقف، بل هو مستمر، وهذا البحث مثال على هذا الحوار حول اقتصاد المجتمعات التقليدية. علماء الأنثروبولوجيا تاريخيا أشاروا إلى أهمية هذا الحوار. فمثلا، ريموند فيرث يبرر الموقف الخلافي بين علماء الأنثروبولوجيا وعلماء الاقتصاد حول طبيعة الاقتصاد التقليدي بما أسماه التباين بين النظم الاقتصادية التي صاغ فيها علماء الاقتصاد فكرهم والتي تتميز بالطبيعة المجردة والإطار المؤسس والشركات ذات المسؤولية المحدودة والتجارة الدولية، وهى في مجملها، مظاهر تمثل تناقضا ملحوظا لأنظمة اقتصاديات الكفاف التي تفتقد إلى العمومية بدورها، وتلاشى أشكال السوق وندرة النقود، لذلك مثلت النظم الاقتصادية الأولى محورا لاهتمام الاقتصاديين والنظم الثانية مجالا لاهتمام علماء الأنثروبولوجيا، كما أسهم ذلك التباين في إبعاد الصورة البسيطة والتقليدية للاقتصاد من دائرة اهتمام الاقتصاديين[42]. هذا الاستعراض يوضح بعض محاور الاختلاف بين المنظورين الأنثروبولوجي والاقتصادي في دراسة النظم الاقتصادية.
يرى عالم الأنثروبولوجيا فوزي عبد الرحمن الآتي:
وثمة تفسير آخر لعوامل حدوث الفجوة بين مفاهيم علم الاقتصاد والنماذج الاقتصادية التقليدية، مردها إلى أن علماء الاقتصاد لا يذهبون إلى أرض الواقع لتسجيل الملاحظات الدقيقة حول الظواهر الاقتصادية في غير مجتمعاتهم، إذ ليس لديهم ما يقابل العمل الميداني، كما أن حيز البحث لا يدخل فيه السلوك الإنساني أو النظام الاجتماعي، ولكنه ينصب في المقام الأول على محددات اقتصاديات السوق الصناعية على المستوى المتسع، ولا تمثل ظواهر الواقع أهمية كبيرة في التحليل[43].
هذا النقاش لا ينفى الالتقاء في الأفكار لدراسة النظم الاقتصادية المختلفة، حديثة وتقليدية، في المجتمعات. فبما أنه توجد أوجه اختلاف، فأيضا توجد نقاط التقاء. هنا يرى البحث التأكيد على وضع اعتبار لأهمية الجوانب الاجتماعية في التحليل الاقتصادي وذلك لأن النشاط الاقتصادي ليس معزولا عن مظاهر المجتمعات الأخرى مثل شبكة العلاقات الاجتماعية ودورها في العملية الاقتصادية في المجتمعات الفلاحية أو دور هذه الشبكة في قضايا اقتصادية أخرى حديثة مثل الفساد والمحسوبية في وقتنا الحاضر كما في الحالة السودانية.
في المجتمع السوداني، تتطلب الدراسات الواسعة المستفيضة عن أنماط الاقتصاد التكامل بين علمي الاقتصاد والأنثروبولوجيا والتبرير؛ هو على سبيل المثال أن قضية التنمية في هذه المجتمعات يجب أن تضع في اعتبارها تركيبة المجتمع وثقافته ونسيجه الاجتماعي لما لها من تأثير واضح على عملية التنمية. فمثلا، قبول ورفض المشروعات التنموية التي تقترحها الدولة السودانية أو بعض المنظمات يخضع لثقافة المجتمع مثل مشروعات التوطين وإعادة التوطين والصراع الثقافي مع معتقدات مثل قيم الارتباط بالأرض وعدم الرغبة في الانتقال إلى جغرافيا مجاورة أو بعيدة. في مخيلة المواطن السوداني أن المشروعات الزراعية ترتبط برأس المال العالمي الاستنزافي لقدرات المواطن المزارع. هذه الصورة ما زالت موجودة لسبيين. السبب الأول؛ هو ارتباط المشروعات الزراعية الكبيرة في السودان بالاستعمار مثل مشروع الجزيرة الذي أسسته الإدارة الاستعمارية البريطانية في إقليم الجزيرة بوسط السودان عام 1925 وذلك لزراعة وتصدير القطن إلى مصانع الغزل والنسيج ببريطانيا. السبب الثاني، وفقا لتقديري، يعزى لتذمر المزارعين من الدولة التي تشترى منهم محصولاتهم بأثمان بخسة أو الرأسمالية التي تقوم بنفس الدور وتجنى وتعظم أرباحها من خلال عمليات تخزين هذه المحاصيل أو تصديرها مثل محاصيل الذرة، القمح، السمسم وغيرها من المحصولات الغذائية والنقدية.
من أهم المحاور التي يمكن التكامل فيها؛ محاولة إيجاد مناهج تدعم التكامل بين علمي الاقتصاد والأنثروبولوجيا خاصة أن الأسس التي يبنى عليها هذا التكامل موجودة. مشروعات تنمية المجتمعات تهدف إلى تصميم وتنفيذ مشاريع بحثية وتنموية. التكامل البحثي يوفر مداخيل العمل الجماعي بروح الفريق في القيام ببحوث تتكامل فيها وجهات النظر الاقتصادية، الأنثروبولوجية، البيئية وغيرها من الأطر النظرية. أما مشاريع التنمية، والتي قد ترتبط بمشاريع وخطط في مجالات إدرار الدخل وزيادته، مشاريع الخدمات من تعليم وصحة وإسكان وغيرها، فإن مراحل تنفيذها وتقييمها أيضًا تتطلب التكامل بين العلوم. في واحدة من المحاضرات العامة، قدم عالم أنثروبولوجيا[44] مثالًا يوضح دور المعرفة المحلية للبيئة واختلافها عن النظرة العلمية:
في مشروع طوكر الزراعي، شرقي السودان، قدم أحد موظفي الإرشاد الزراعي محاضرة عامة للمزارعين عن الطريقة العلمية لبذر البذور في الأرض. ذكر لهم أهمية غرس عدد محدود من البذور بشكل منتظم، ثلاث حبات مثلا. وقد قام المهندس الزراعي بزراعة مساحة مقدرة بهذه الطريقة. رفض الأهالي هذه الطريقة واستمروا في طريقتهم التقليدية وهي بذر عدد مقدر من البذور مكان الغرس. بعد فترة، نمى زرع موظف الإرشاد الزراعي بطريقة أفضل من زرع الأهالي من ناحية الطول والنضارة بينما كان زرع الأهالي قصيرا وشاحبا مع العلم أن كليهما زرع عن طريق الري المطري. بعد حوالي شهر ونصف هبت رياح عاتية وقامت باقتلاع مزروعات موظف الإرشاد بينما صمدت مزروعات الأهالي الذين أوضحوا له أنهم على معرفة بمواعيد هذا النوع من الرياح التي تجتث المزروعات من جذورها. هذا المثال إشارة إلى أهمية استصحاب المعرفة الأهلية عند تخطيط المشروعات الحديثة.
على ضوء ذلك، ووفقا لتركيبة المجتمع السوداني واقتصادياته المتعددة ما بين الاقتصاد التقليدي مثل الزراعة المطرية والاقتصاديات الحديثة مثل التصنيع، فالمنظور الأنثروبولوجي الاقتصادي يلعب دورا في ردم الهوة بين مخططي السياسات ومنفذيها والمجتمعات المستهدفة بالتنمية والتغيير. فالموظفون الإداريون والأجهزة البيروقراطية التي تحكم السودان من خلال عاصمته الخرطوم يعاب عليها عدم إدراكها أو اكتراثها لطبيعة وثقافة المجتمعات. مثلا بعض المجتمعات الرعوية من العيب فيها؛ بيع الحليب وهذه قيمة اجتماعية يصعب تغييرها كليا، ولكن يمكن من خلال الدراسة الأنثروبولوجية والتقصي الوصول إلى طرق لنقل هذه المجتمعات من مجتمعات تمارس الاقتصاد الاكتفائي إلى مجتمعات مستثمرة في مواردها المختلفة مثل الاستفادة من منتج الحليب. هنا تظهر الحاجة إلى استصحاب ثقافة المجتمع عند التخطيط لإنشاء مشاريع صناعة ألبان ومشتقاتها في مناطق إنتاج الألبان في بعض البوادي السودانية.
تتضح هنا أهمية المنظور الأنثروبولوجي في تقصى واقع حال الرعاة بينما يبحث الاقتصاد في شق دور الحيوان في الاقتصاد السوداني وكيفية الاستفادة منه مستقبلا بصورة مباشرة، ليس فقط على مستوى التصدير كحيوانات حية، بل أيضًا تطوير التقنيات المستخدمة في مجال منتجات الحيوانات المختلفة مثل اللحوم والألبان والجلود وتأسيس صناعات محلية تساهم في استقرار بعض العمالة المهاجرة وتوفير منتج بسعر أقل من المنتج المستورد الذي يحتاج إلى عملة صعبة في بلد تتواتر وتتفاقم أزماته الاقتصادية والسياسية.
بما أن طبيعة الاقتصاد السائد في المجتمع السوداني هو النشاطان الزراعي والرعوي، فمن القضايا والموضوعات التي يتكامل فيها المنظوران في الحالة السودانية، قضية الصراع بين المزارعين والرعاة. هذا الصراع قديم ومتجدد. الأراضي السودانية معظمها ديار قبائل. هذه الأراضي مقسمة إلى أراضي زراعية ورعوية. التمدد الرأسمالي والاستيلاء على الأراضي من أكثر مظاهر الفساد وضوحا في الدولة السودانية خاصة في عهد نظام حكومة الإنقاذ 1989–2019.
تضييق مساحات الرعي وسلوك بعض الرعاة في إدخال حيواناتهم إلى المزارع يعد سببا تاريخيا للصراعات القبلية في بوادي السودان مثل سهل البطانة شرقي السودان وإقليم دارفور غربي السودان مثل الصراع بين قبائل إقليم دارفور الرعوية والزراعية. تحدث هذه الصراعات بتكرار وتتم تسويتها بالطرق التقليدية لفض وتسوية النزاعات. هنا يرى بعض علماء الأنثروبولوجيا السودانيين فيما يتعلق بالتضارب بين النشاطين الزراعي والرعوي حيث يتضح التوسع الزراعي الآلي على مساحات الرعي مما أدى إلى تقلص مساحات الرعي لصالح الرأسمالية المهيمنة على اقتصاد الريف في مناطق مثل سهل البطانة أن التركيز على زراعة المحاصيل النقدية[45] هذه النظرة، الاهتمام بزيادة الرقعة من المحصولات النقدية على حساب مساحات الرعي، تشير إلى إهمال عنصر مساهمة الثروة الحيوانية في الاقتصاد الوطني.
قطاع الثروة الحيوانية وفقا لما يمتلكه السودان من ثروة حيوانية، يجب النظر إليه كقطاع حيوي يمكن أن يساهم في توفير عملات أجنبية من خلال عملية التصدير. من خلال بعض ملاحظاتي الميدانية في سهل البطانة، كواحدة من مناطق مشاريع الزراعة المطرية الواسعة، فإن المزارعين كانوا يعتمدون على زراعة المحاصيل بغرض الاكتفاء الذاتي المعروفة محليا بالذرة بأنواعها المختلفة والدخن، كأمثلة، والتي تستخدم في غذاء كل من الإنسان والحيوان. من خلال ملاحظاتي الميدانية والمحادثات غير الرسمية مع كثير من الأهالي في السنوات الأخيرة، وصلت إلى نتيجة اتجاه المزارعين إلى زراعة السمسم كمحصول نقدي وارتفاع أسعاره بغرض التصدير مقارنة بمحاصيل كانت تزرع بهدف الاكتفاء الذاتي مثل الذرة مما يعني تمدد المساحات المزروعة بمحصول السمسم على مساحات محاصيل الاكتفاء الغذائي. هذا يعنى إحلال المحصول النقدي محل المحصول الاكتفائي الغذائي في منطقة البطانة كنموذج بينما هنالك أقاليم أخرى تنتشر فيها نفس الظاهرة مثل تغول زراعة محصول التمباك (نوع من التوباكو المحلى) على مساحات زراعة محصول الدخن الغذائي في إقليم دارفور.
من المجالات الأخرى التي يمكن التكامل حولها بين العلمين الجانب البيئي. الجانب البيئي له آثاره المختلفة في واقع المجتمع السوداني. ظواهر التغير المناخي وندرة الموارد والصراع حول الموارد وموجات التصحر قد بدأت ملامح تأثيراتها واضحة. فحتى حرب السودان المشتعلة في الوقت الراهن يمكن النظر إليها وإلى نتائجها من وجهة نظر علمي الاقتصاد والأنثروبولوجيا.
من وجهة نظر علم الاقتصاد، انهيار قطاعي الزراعة المروية والمطرية الذي يعود إلى أسباب ماثلة مثل إهمال الدولة للقطاع الزراعي والاتجاه نحو الإنتاج سريع العائدات مثل تعدين الذهب والبترول. هذا يتكامل مع وجهة نظر الأنثروبولوجيا التي تهتم بسبل الإنتاج في المجتمعات الريفية والبدوية الرعوية خاصة إذا نظرنا إلى أن قوات الدعم السريع، التي تقاتل الجيش السوداني، المعروفة محليا باسم "الجنجويد" كانت بدايات قوامها من قبائل تمتهن الرعي كحرفة في إقليم دارفور، غربي السودان. تأثيرات هذه الحرب الممتدة لعامي 2023-2025، فأقاليم السودان التي تعتمد على الزراعة المطرية مثل سهلي كردفان والبطانة قد تأثرت بالحرب وكذلك ولاية الجزيرة ذات المشاريع المروية مما أدى إلى تقلص المساحات المزروعة بفعل الحرب ولجوء القوة العاملة في الزراعة إلى دول أخرى أو نزوحها إلى مناطق أخرى في السودان لم تصلها الحرب مثل ولاية البحر الأحمر وأصبح شبح المجاعة مهددا لبقاء السكان.
قضية الحروب الأهلية من أكثر القضايا التي تحتاج إلى تقصى. التنمية الاقتصادية والاجتماعية ودعاوى التهميش لعديد من أقاليم السودان هي سبب مباشر للحروب في هذه الأقاليم. جنوب السودان انفصل في 2011 تحت مظلة دعاوى متعددة من بينها تركيز التنمية في ولايات معينة مثل الخرطوم وتهميش الأقاليم تاريخيا.
ترتبط الحروب السودانية بالعديد من الأسباب التاريخية والحالية والتي أميزها جذور صراع الموارد في بيئات السودان. في الوقت الراهن، الحروب المستمرة والمتزامن بعضها في المجتمع السوداني بأقاليمه المختلفة، والتي نشبت قبل استقلاله بعام في سنة 1955، بجنوب السودان، 2003 حرب إقليم دارفور وحرب أبريل2023 والأخيرتان ما زالتا مستمرتان، فقد كانت واحدة من أسبابها، مع تعدد الأسباب التي لا تعدّ محورًا لهذه الورقة البحثية، عدم الاستفادة من التباين الثقافي وتحقيق السلام. على هذا الأساس، فإن دراسة واقع السودان ومناقشة قضاياه الملحة مثل صراع الهويات وصراع الموارد يمكن من التخطيط لتغيير مستقبلي لبناء دولة تضع في اعتبارها الاختلاف الذي يميز الشعب السوداني كحقيقة على مستوى الدستور والقوانين والتطبيق وليس على المستوى النظري والنصوص التي زخرت بها دساتير السودان المختلفة. فمنذ استقلاله، كتب السودان دساتير متعددة راعت جميعها التباين. الحكومات المتعاقبة هي من أفشل الاستثمار في إدارة هذا الاختلاف الذي أدى بدوره إلى الفشل في الاستقرار السياسي وما تلاه من خلل في بناء المجتمع ككل، خاصة النظم الاقتصادية، حيث يتأثر الإنتاج بعدم الاستقرار السياسي علما بأن المجتمع السوداني يعتمد على القطاع الزراعي بشقيه المطري والمروي.
تجيب هذه الدراسة عن سؤال علاقة الاقتصاد بالأنثروبولوجيا والتداخل والتكامل بين العلمين ومستقبله من خلال الإشارة إلى البحث الأنثروبولوجي وواقع المجتمع السوداني. للإجابة عن هذا السؤال، استعرضت الدراسة عددًا من المحاور. المقالة تناولت تجربة البحث الأنثروبولوجي في السودان، خاصة فيما يتعلق باقتصاديات المجتمعات القبلية وربط الدراسات الكلاسيكية الأنثروبولوجية في السودان بما عرف في أدبيات الأنثروبولوجيا بالعلاقة بين الأنثروبولوجيا والاستعمار، وهى تهمة لا يعني الوقوف عندها رفض الأنثروبولوجيا بعد حصول الدول الأفريقية، والسودان من ضمنها، على مناهج الأنثروبولوجيا التي تمت الاستفادة منها في دراسات ترتبط بتنمية المجتمع؛ حيث ترى الدراسة أن الاستفادة من الأنثروبولوجيا ومن مناهجها تسهم في دراسة القضايا الحالية مثل تغير المناخ والمجتمعات الريفية وغيرها.
أما بالنسبة إلى السودان، فيمكنني القول إن وصم الأنثروبولوجيا بالارتباط بالاستعمار موجود على مستوى الحكومات وأن الباحثين الأجانب والوطنيين في السودان ما زالوا يتعرضون لبعض المشاكل عند قيامهم بدراسات حقلية. في هذا الخصوص، وصلت الدراسة إلى نتيجة، هي: أن مساهمات علماء الأنثروبولوجيا الغربيين في السودان كانت جوهرية في تأسيس هذا الحقل كما أن بعض علماء الأنثروبولوجيا قد اجتهدوا في تقديم دراسات تخدم تنمية المجتمع السوداني مثل ايان كنيسون. هذه الدراسات المبكرة قادت الدراسة إلى استعراض تفصيل مراحل تطور الدراسات الأنثروبولوجية في السودان حتى مرحلة تدريب علماء أنثروبولوجيا في الغرب داخل؛ المدارس البريطانية، والأمريكية، والنرويجية، والألمانية.
محور العلاقة بين الأنثروبولوجيا والاقتصاد والأنثروبولوجيا الاقتصادية هو جوهر المقال. من خلال نقاش محور نقاط الالتقاء والاختلاف بين علمي الاقتصاد والأنثروبولوجيا، اتضح أنه لا يمكن تحليل النظام الاقتصادي في المجتمع السوداني، وغيره من المجتمعات، مع تجاهل تشابك هذه النظم الاجتماعية الأخرى وتأثيرها على النشاط الاقتصادي مثل النظام الديني والسياسي والأسري والقبلي، ولا يمكن استبعاد ثقافة المجتمع ودورها في تشجيع الإنتاج أو الحد منه كما يتضح في عدم الاستفادة من الثروة الحيوانية التي يمتلكها المجتمع السوداني. هذه العلاقة لا تقف فقط عند دراسة اقتصاديات المجتمعات الزراعية والرعوية، فالأنثروبولوجيا الاقتصادية يمكنها أن تدرس قضايا المجتمعات الصناعية والحضرية؛ مثل ظواهر السكن العشوائي والفقر الحضري وعمالة الأطفال في المدن كظواهر لها أكثر من بعد، وذلك لتحليل البعدين الاقتصادي والاجتماعي وغيرهما.
يختتم المقال بنتيجة مؤداها: تأكيد الحاجة إلى فتح أفق التكامل بين الاقتصاد والأنثروبولوجيا وبيان إمكانية التشبيك بينهما لتحقيق أكبر قدر من البحث التكاملي وهو ما ليس مجرد أمل منشود، حيث يشير واقع الدراسات إلى هذا التكامل كحقيقة، وهنا تحث الدراسة على الاستفادة من التكامل بين البحوث المشتركة بغرض دعم السياسات الحكومية التنموية.
تقدم هذه الدراسة توصيات بهدف إنجاز ومواصلة البحث المعرفي، وهي وفقًا لتوجه المقال، كالآتي:
1. الاتجاه نحو تطوير البحوث الأنثروبولوجية التطبيقية المتعلقة بالاحتياجات التنموية من المنظورين الاقتصادي والأنثروبولوجي بصورة أكثر تحديدا وتكاملا بين هذين الحقلين في إطار بحث مستقبل تطوير المجتمع السوداني باستصحاب واقعه وموارده المتاحة.
2. التوجه نحو دراسة قضايا متعددة ومتباينة وحديثة مثل الأزمات الاجتماعية وحروب السودان الحالية وعلاقتها بقضايا الموارد الطبيعية.
3. تشجيع استخدام المنهج المختلط، الكمي والكيفي سويا، في القيام بدراسات تسهم في شرح أسس اقتصاد المجتمع السوداني والامكانيات اللازمة لتطويرها بقصد تطوير المجتمع.
4. إعطاء الفرصة لعلماء الأنثروبولوجيا في مؤسسات الدولة التخطيطية والخدماتية والتمويل المستمر للبحوث والدراسات الخاصة بتنمية المجتمعات المحلية مع اعتبار أن المنهج الأنثروبولوجي يتطلب الدراسة المستمرة التي قد تمتد لعدد من السنوات.
أولًا: العربية
أحمد، عبد الغفار محمد. في تاريخ الأنثروبولوجيا والتنمية في السودان، ترجمة مصطفى مجدي الجمال. القاهرة: مركز البحوث العربية للدراسات العربية والإفريقية والتوثيق، 2002.
حرير، شريف عبد الله و أحمد، عبد الغفار محمد. المجتمع الريفي السوداني: عنصر حركته واتجاهاتها. الخرطوم: معهد الدراسات والبحوث الإنمائية وجامعة الخرطوم، 1982.
خليفة، عبد المنعم. "الأنثروبولوجيا والتنمية". 09/02/2010، استرجع بتاريخ: 22/07/2024، من الرابط: https://sudaneseonline.com/profile/nickname/abdul%a420monim%a420khaleefa.html
زهرى، صالح على ومحمد، زينب. قضايا علم الاجتماع والأنثروبولوجيا: أطر نظرية وأسس منهجية وتطبيقية. بنغازى: منشورات جامعة قاريونس، 1996.
شالوكا، عادل. "نهر يابوس العظيم: أنثروبولوجيا الثورة"، سودان أونلاين، 18/03/2022، استرجع في: 20/07/2024. https://sudaneseonline.com/board/505/msg/1647615547.html
الشطي، الشاذلي بية وآخرون. "الدراسات البينية: مراجعة نقدية في المفهوم والنماذج والتحديات"، ضمن الدراسات البينية في بحوث أساتذة جامعة قطر: الواقع والتحديات والآفاق، تحرير بدران بن لحسن. الدوحة: مركز ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية، 2025، ص20-60.
العادلي، فاروق محمد. الأنثروبولوجيا الاقتصادية: قضايا نظرية ونماذج واقعية. القاهرة، [د.ن]، 1980.
عبد الرحمن، فوزي. الأنثروبولوجيا الاقتصادية: النظرية- المنهج – التطبيق. القاهرة: دار الفجر الجديد، 1992.
علي، عثمان محمد عثمان. "الدور المتوقع للأبحاث الأنثروبولوجية في حقل التنمية في السودان: قراءة في رؤى إيان كنيسون (Ian G. Cunnison) ". مجلة أنثروبولوجيا، مج9، ع1 (2023)، ص30-46. https://asjp.cerist.dz/en/article/228373
فهيم، حسين. قصة الأنثروبولوجيا: فصول في تاريخ علم الإنسان. الكويت: المجلس القومي للثقافة والفنون والآداب، 1986.
فياض، حسام الدين محمود. "الأنثروبولوجيا بين الأكاديمية والأداتية (دراسة تحليلية- نقدية لطبيعة العلاقة بين الأنثروبولوجيا والاستعمار)". مجلة العلوم الاجتماعية والإنسانية، مج5، ع5 (2021)، ص53-78. https://doi.org/10.26389/AJSRP.Y191120
الكرم، سعد عبد الله سيد أحمد وأبكر، محمد النور آدم. "الفقر الحضري بولاية الخرطوم: دراسة ميدانية للأسر بمنطقة دار السلام بمحلية أمبدة". مجلة الدراسات العليا، مج7، ع26 (2017)، ص21-48.
هان، كريس وكيث، هارت. الأنثروبولوجيا الاقتصادية: التاريخ والإثنوغرافيا والنقد، ترجمة عبد الله فاضل. بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2014.
ثانيًا: الأجنبية References
ʻAbd al-Raḥmān, Fawzī. al-anthrūbūlūjiyā al-iqtiṣādīyah : alnẓryt-al-manhaj – al-taṭbīq (in Arabic), Cairo: Dār al-Fajr al-jadīd, 1992.
Ahmed, Abdel Ghaffar M. Anthropology and Development Planning in the Sudan: The Case of TheJonglei Project (in Arabic), Trans. Mostafa Magdy El-Gamal, Cairo: Markaz al-Buḥūth al-ʻArabīyah lil-Dirāsāt al-ʻArabīyah wa-al-Afrīqīyah wa-al-Tawthīq, 2002.
Al-ʻĀdilī, Fārūq Muḥammad. al-anthrūbūlūjiyā al-iqtiṣādīyah: Qaḍāyā Naẓarīyat wa-namādhij wāqiʻīyah (in Arabic), Cairo : bi-dūn Nāshir, 1980.
Ali, Osman. “The Anticipated Role Of Anthropological Research In The Field Of Development In Sudan: A Perusal Of Ian G. Cunnison's Views,” (in Arabic), Anthropology Journal, Vol. 9, No. 1 (2023), pp. 30-46. https://doi.org/10.26389/AJSRP.Y191120
Al-Karam, Sad Abd Allah Sayyid Ahmad & bakr, Muḥammad al-Nūr Ādam. “al-faqr al-ḥaḍarī bi-Wilāyat al-Kharṭūm: dirāsah maydānīyah lil-usar bi-Minṭaqat Dār al-Salām bmḥlyh ambdh,” (in Arabic), Graduate Studies Journal, Vol. 7, No. 26 (2017), pp. 21-48.
Chatti, Chedli Baya & et al. “al-Dirāsāt al-baynīyah: murājaʻat naqdīyah fī al-mafhūm wa-al-namādhij wa-al-taḥaddiyāt,” (in Arabic), In: Badran Ben Lahsan (ed.), al-Dirāsāt al-baynīyah fī Buḥūth asātidhat Jāmiʻat Qaṭar : al-wāqiʻ wa-al-taḥaddiyāt wa-al-āfāq, Doha: Ibn Khaldon Center for Humanities and Social Sciences, 2025), pp. 20-60.
Elhassab, Ahmed Omer. “Corporate Social Responsibility Conduct: Disclosure in the Experience of Sudanese Islamic Banks, 2008-2010,” Doctoral thesis, Universität Bayreuth: Rechts- und Wirtschaftswissenschaftliche Fakultät, 2013. https://eref.uni-bayreuth.de/id/eprint/15619
Evans-Pritchard, E. Kinship and Marriage among the Nuer, Oxford: Clarendon Press, 6th ed., 1973.
Hann, Chris & Hart, Keith. Economic Anthropology, trans. Abdullah Fadel (in Arabic), Beirut: Arab Center for Research and Policy Studies, 2014.
Ḥarīr, Sharīf ʻAbd Allāh and Ahmed, Abdel Ghaffar M. al-mujtamaʻ al-rīfī al-Sūdānī: ʻUnṣur ḥarakatuhu wa-ittijāhātuhā (in Arabic), Khartoum: Development Studies and Research Institute and Khartoum University , 1982.
Khaleefa, Abdul Monim. “al-anthrūbūlūjiyā wa-al-tanmiyah,” (in Arabic), 09/02/2010, Retrieved on: 22/07/2024. https://sudaneseonline.com/profile/nickname/abdul%a420monim%a420khaleefa.html
Lewis, Oscar. “The Culture of Poverty,” Scientific American, Vol. 215, No. 4 (1966), pp. 19-25. https://doi.org/10.1038/scientificamerican1066-19
MacMichael, H. A. A History of the Arabs in the Sudan: and Some Account of the People who preceded them and of the Tribes inhabiting Dārfūr, Vol. I, Cambridge: Cambridge University Press, 1922.
Manger, Leif & el al. Survival on Meagre Resources: Hedandowa Pastoralism in the Red Sea Hills, Uppsala: Nordic Africa Institute, 1996.
Pons, Valdo. Urbanization and urban life in the Sudan, Khartoum: Khartoum University Press, 1980.
Seligman, C.G. & Seligman, Brenda. Z. Pagan Tribes of the Nilotic Sudan. Routledge: London, 1932.
Shālwkā, ʻĀdil. “Nahr yābws al-ʻAẓīm: anthrūbūlūjiyā al-thawrah,” (in Arabic), 18/03/2022, Retrieved on: 20/07/2024. https://sudaneseonline.com/board/505/msg/1647615547.html
Zahrá, Ṣāliḥ ʻalá wa-Muḥammad, Zaynab. Qaḍāyā ʻilm al-ijtimāʻ wālʼnthrwbwlwjyā: uṭur Naẓarīyat wa-usus manhajīyah wa-taṭbīqīyah (in Arabic), Benghazi: Manshūrāt Benghazi University, 1996.
[1] الشاذلي بية الشطي وآخرون، "الدراسات البينية: مراجعة نقدية في المفهوم والنماذج والتحديات"، ضمن الدراسات البينية في بحوث أساتذة جامعة قطر: الواقع والتحديات والآفاق، تحرير بدران بن لحسن (الدوحة: مركز ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية، 2025)، ص20-60.
[2] فاروق محمد العادلي، الأنثروبولوجيا الاقتصادية: قضايا نظرية ونماذج واقعية (القاهرة: بدون ناشر، 1980)، ص19.
[3] E. Evans-Pritchard, Kinship and Marriage among the Nuer (Oxford: Clarendon Press, 6th ed., 1973(.
[4] عبد الغفار محمد أحمد، في تاريخ الأنثروبولوجيا والتنمية في السودان، ترجمة مصطفى مجدي الجمال (القاهرة: مركز البحوث العربية للدراسات العربية والافريقية والتوثيق، 2002)، ص5-6.
[5] حسين فهيم، قصة الأنثروبولوجيا: فصول في تاريخ علم الإنسان (الكويت: المجلس القومي للثقافة والفنون والآداب، 1986).
[6] حسام الدين محمود فياض، "الأنثروبولوجيا بين الأكاديمية والأداتية (دراسة تحليلية- نقدية لطبيعة العلاقة بين الأنثروبولوجيا والاستعمار)"، مجلة العلوم الاجتماعية والإنسانية، مج5، ع5 (2021)، ص53-78.
[7] H. A. MacMichael, A History of the Arabs in the Sudan: and Some Account of the People who preceded them and of the Tribes inhabiting Dārfūr, Vol. I (Cambridge: Cambridge University Press, 1922).
[8] كريس هان وهارت كيث، الأنثروبولوجيا الاقتصادية: التاريخ والإثنوغرافيا والنقد (بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2014)، ص147.
[9] C.G. Seligman & Brenda. Z. Seligman, Pagan Tribes of the Nilotic Sudan (Routledge: London, 1932).
[10] أحمد، في تاريخ الأنثروبولوجيا والتنمية في السودان، ص5 – 6.
[11] عبد المنعم خليفة، "الأنثروبولوجيا والتنمية"، 09/02/2010، استرجع بتاريخ: 22/07/2024، من الرابط: https://sudaneseonline.com/profile/nickname/abdul%a420monim%a420khaleefa.html
[12] هنا تجدر الإشارة إلى أهمية توثيق الدراسات الأنثروبولوجية أيضًا حيث أفاد خليفة مشاركة كنيسون في مفاوضات التحكيم بين حكومة السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان حول ترسيم حدود منطقة أبيي المتنازع عليها بين السودان وجنوب السودان والتي جرت في المحكمة الدائمة للتحكيم بقصر السلام في لاهاي وذلك لمعرفته بجغرافيا وسكان المنطقة، انظر: المرجع السابق.
[13] المرجع السابق.
[14] Fredrik Barth, “Economic Spheres in Darfur: Physical Background,” In: Raymond Firth (ed.), Themes in Economic Anthropology (London: Routledge Library Edition, Tylor & Francis Group, 1967(, pp. 149-189.
[15] Ahmed Omer Elhassab, “Corporate Social Responsibility Conduct: Disclosure in the Experience of Sudanese Islamic Banks, 2008-2010,” Doctoral thesis (Universität Bayreuth: Rechts- und Wirtschaftswissenschaftliche Fakultät, 2013).
[16] Tamer Abd Elkareem, Power Relations of Development: The Case of Dam Construction in the Nubian Homeland, Sudan (Berlin: LIT Verlag, 2018).
[17] فوزي عبد الرحمن، الأنثروبولوجيا الاقتصادية: النظرية – المنهج – التطبيق (القاهرة: دار الفجر الجديد، 1992)، ص57.
[18] صالح علي زهرى وزينب محمد، قضايا علم الاجتماع والأنثروبولوجيا: أطر نظرية وأسس منهجية وتطبيقية (بنغازى: منشورات جامعة قاريونس، 1996)، ص175.
[19] عثمان محمد عثمان علي، "الدور المتوقع للأبحاث الأنثروبولوجية في حقل التنمية في السودان: قراءة في رؤى إيان كنيسون (Ian G. Cunnison) "، مجلة الأنثروبولوجيا، مج9، ع1 (2023)، ص44.
[20] تستخدم مصطلحات محلية لتحديد نوع الرعاة مثل البقارة لرعاة البقر، الأبالة لرعاة الإبل والغنامة لرعاة الأغنام.
[21] علي، "الدور المتوقع للأبحاث الأنثروبولوجية في حقل التنمية في السودان"، ص39.
[22] شريف عبد الله حرير وعبد الغفار محمد أحمد، المجتمع الريفي السوداني: عنصر حركته وإتجاهاتها ( الخرطوم: معهد الدراسات والبحوث الإنمائية وجامعة الخرطوم، 1982)، ص47.
[23] المرجع السابق.
[24] محمد العادلي، الأنثروبولوجيا الاقتصادية، ص29.
[25] زهرى ومحمد، قضايا علم الاجتماع والأنثروبولوجيا.
[26] حرير وأحمد، المجتمع الريفي السوداني، ص132.
[27] هان وكيث، الأنثروبولوجيا الاقتصادية، ص22.
[28] فوزي، الأنثروبولوجيا الاقتصادية، ص19.
[29] عادل شالوكا، "نهر يابوس العظيم: أنثروبولوجيا الثورة"، سودان أونلاين، 18/03/2022، استرجع بتاريخ: 20/07/2024. https://sudaneseonline.com/board/505/msg/1647615547.html
[30] Leif Manger & el al., Survival on Meagre Resources: Hedandowa Pastoralism in the Red Sea Hills (Uppsala: Nordic Africa Institute, 1996).
[31] هان وكيث، الأنثروبولوجيا الاقتصادية، ص18– 19.
[32] محمد العادلي، الأنثروبولوجيا الاقتصادية، ص53.
[33] النفير هو جماعية العمل، بمعنى نفرة الناس مع بعضهم البعض. حيث يقوم نفر من الناس بالمشاركة في عمل يخص أحد أفرد المجتمع خاصة في نفير العمليات الزراعية وبناء المساكن. يلتزم الشخص الداعي للنفير بتوفير الأكل والشرب للمشاركين في النفير بينما يلتزم هو أخلاقيا بالمشاركة في أي نشاط نفير يدعو له أي من قام بمساعدته في نفيره.
[34] حرير وأحمد، المجتمع الريفي السوداني، ص6.
[35] Abd Elkareem, Power Relations of Development.
[36] علي، "الدور المتوقع للأبحاث الأنثروبولوجية في حقل التنمية في السودان"، ص44.
[37] العادلي، الأنثروبولوجيا الاقتصادية، ص207-208.
[38] المرجع السابق، ص210.
[39] سعد عبد الله سيد أحمد الكرم ومحمد النور آدم أبكر، "الفقر الحضري بولاية الخرطوم: دراسة ميدانية للأسر بمنطقة دار السلام بمحلية أمبدة"، مجلة الدراسات العليا، مج7، ع26 (2017)، ص21-48.
[40] Valdo Pons, Urbanization and urban life in the Sudan (Khartoum: Khartoum University Press, 1980).
[41] Oscar Lewis, “The Culture of Poverty,” Scientific American, Vol. 215, No. 4 (1966), pp. 19-25.
[42] فوزي، الأنثروبولوجيا الاقتصادية، ص39-40.
[43] المرجع السابق، ص40.
[44] عبد الغفار محمد أحمد، محاضرة عن مناهج البحث الكيفي، قاعة الصداقة، الخرطوم، 2005.
[45] حرير وأحمد، المجتمع الريفي السوداني، ص162.