تاريخ الاستلام: 10 نوفمبر 2025 | تاريخ التحكيم: 21 فبراير 2025 | تاريخ القبول: 23 مارس 2025
مقالة بحثية
الاقتصاد وعلم الاجتماع: بناء جسور من أجل سياسات عادلة وفعّالة
رايس فضيل
أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم الاقتصادية والعلوم التجارية وعلوم التسيير، جامعة الشهيد الشيخ العربي التبسي–الجزائر
https://orcid.org/0000-0003-4600-7315
يستعرض هذا البحث أهمية تجسير الفجوة بين الاقتصاد والعلوم الاجتماعية، في سعيه إلى فهم أعمق للظواهر الاقتصادية المعاصرة. نشأ علم الاقتصاد في القرن الثامن عشر كدراسة للقوانين التي تحكم النظام الرأسمالي؛ حيث كان يركز على الفردية المنهجية ويعتبر المصلحة الفردية محركًا أساسيًا للسلوك الاقتصادي، إلا أن هذا النهج تعرض للانتقادات بسبب فرضياته غير الواقعية حول العقلانية الفردية ووجود أسواق كاملة، مما أ غفل تأثير العوامل الاجتماعية وعدم اليقين. في ظل التحولات الاجتماعية والاقتصادية الكبرى، فبات من الضروري أن يتجاوز الاقتصاد نهجه التقليدي القائم على النماذج المجردة ويستفيد من رؤى علم الاجتماع لدراسة العوامل المؤسسية والثقافية المؤثرة في سلوك الأفراد والجماعات. يسهم هذا التعاون بين التخصصات في تطوير سياسات عامة تستجيب للتحديات المعاصرة وتعزز العدالة الاجتماعية، من خلال فهم شامل للعوامل الاجتماعية المؤثرة في القرارات الاقتصادية. يهدف البحث إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية: أولًا، استكشاف التأثير العميق للعلاقات الاجتماعية في تشكيل السياسات الاقتصادية ومعالجة الفجوات الاجتماعية الناجمة عن التركيز على النظريات التقليدية. ثانيًا، تحليل النظريات الاقتصادية الحالية وتقييم مدى قدرتها على استيعاب قضايا العدالة الاجتماعية، مع اقتراح نماذج جديدة تدمج مختلف الأبعاد الاجتماعية. ثالثًا، التأكيد على دور العدالة الاجتماعية كعنصر محوري في بناء سياسات اقتصادية تعزز التنمية المستدامة والشاملة، بما يضمن تكافؤ الفرص وتوزيع المنافع بشكل عادل. يوضح البحث أن ربط الاقتصاد بالعلوم الاجتماعية يسهم في خلق سياسات أكثر فاعلية وعدلًا، تعكس الواقع الاجتماعي وتستجيب لاحتياجات المجتمعات. مما يعزز تحقيق التنمية المستدامة استنادًا إلى قيم العدالة والمساواة.
الكلمات المفتاحية: علم الاقتصاد، علم الاجتماع، العدالة الاجتماعية، التجسير، السياسات الاقتصادية
للاقتباس: فضيل، رايس. "الاقتصاد وعلم الاجتماع: بناء جسور من أجل سياسات عادلة وفعّالة"، مجلة تجسير لدراسات العلوم الإنسانية والاجتماعية البينية، المجلد السابع، العدد 1 (2025): 101-122. https://doi.org/10.29117/tis.2025.0209
© 2025، فضيل، الجهة المرخص لها: مجلة تجسير، دار نشر جامعة قطر. نُشرت هذه المقالة البحثية وفقًا لشروط Creative Commons Attribution-Noncommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0). تسمح هذه الرخصة بالاستخدام غير التجاري، وتنبغي نسبة العمل إلى صاحبه، مع بيان أي تعديلات عليه. كما تتيح حرية نسخ، وتوزيع، ونقل العمل بأي شكل من الأشكال، أو بأي وسيلة، ومزجه وتحويله والبناء عليه، طالما يُنسب العمل الأصلي إلى المؤلف. https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0
Submitted: 10 Nvember 2024 | Peer-reviewed: 21 Februaryr 2025 | Accepted: 23 March 2025
Research Article
Economic and Social Sciences: Building Bridges for Just and Effective Policies
Rais Foudil
Professor of Higher Education, Faculty of Economic Sciences, Business, and Management Sciences, Echahid Sheikh Larbi Tebessi University–Algeria
dr.raisfoudil@univ-tebessa.dz
https://orcid.org/0000-0003-4600-7315
Abstract
This research examines the importance of bridging the gap between economics and social sciences to better understand contemporary economic phenomena. Economics, which emerged in the eighteenth century focusing on capitalist laws, methodological individualism, and self-interest as primary drivers of economic behavior, has been criticized for unrealistic assumptions about individual rationality and complete markets, often neglecting social factors and uncertainty. Given the significant social and economic changes, it is crucial for economics to move beyond abstract models and incorporate insights from sociology to study the institutional and cultural factors that influence individual and group behavior. This interdisciplinary approach enhances public policy development that addresses contemporary challenges and promotes social justice through a deeper understanding of the social factors shaping economic decisions. The research aims to achieve three objectives: exploring the impact of social relationships on economic policies and addressing social gaps, analyzing the adequacy of current economic theories in addressing social justice issues and proposing new models, and emphasizing social justice in creating inclusive economic policies for sustainable development. It illustrates how bridging economics with social sciences leads to more effective and just policies that reflect social realities and foster sustainable development rooted in justice and equality.
Keywords: Economics; Sociology; Social Justice; Bridging; Economic Policy
Cite this article as: Foudil, Rais. “Economic and Social Sciences: Building Bridges for Just and Effective Policies,” Tajseer Journal for Interdisciplinary Studies in Humanities and Social Science, Vol. 7, Issue 1 (2025): pp. 101-122. https://doi.org/10.29117/tis.2025.0209
© 2025, Foudil, licensee, Tajseer & QU Press. This article is published under the terms of the Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0), which permits non-commercial use of the material, appropriate credit, and indication if changes in the material were made. You can copy and redistribute the material in any medium or format as well as remix, transform, and build upon the material, provided the original work is properly cited. https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0
يعد الاقتصاد كعلم اجتماعي من التخصصات المعقدة والمتعددة الأبعاد، التي تثير تساؤلات جوهرية حول طبيعة الظواهر الاقتصادية وعلاقتها بالسياقات الاجتماعية والثقافية. وفي ظل التحولات الكبرى التي شهدها العالم خلال القرن الماضي، برزت الحاجة إلى إعادة النظر في تعريف الاقتصاد وعلاقته بالعلوم الاجتماعية الأخرى، وذلك ضمن مساعي البحث عن نماذج جديدة تحقق العدالة الاجتماعية وتسهم في تشكيل سياسات عامة أكثر فعالية. من هنا، تبرز أهمية استكشاف دور الاقتصاد كعلم اجتماعي وكيفية بناء جسور التعاون بينه مع التخصصات المختلفة، بما يسهم في تطوير سياسات عادلة وفعالة تعكس التحديات المعاصرة وتعزز القيم الإنسانية.
لقد تطور مفهوم الاقتصاد على مر الزمن؛ حيث نشأ كمجال مستقل يستند إلى نظريات وقوانين اقتصادية تجريدية، مما أدى إلى إغفال الأبعاد الاجتماعية والنفسية والإنسانية التي تؤثر على سلوك الأفراد والجماعات. ومع سيطرة الفكر الكلاسيكي الجديد، فُرضت قيود على فهم الاقتصاد، مما أسهم في تجزئة المعرفة وفصل الاقتصاد عن العلوم الاجتماعية الأخرى. وتبرز هنا مسألة كيفية إعادة صياغة العلاقة بين الاقتصاد والعلوم الاجتماعية، بحيث يؤدي هذا التوجه إلى تحقيق فهم شامل ومتكامل للعوامل المؤثرة في الظواهر الاقتصادية، ومن ثم يسهم في تطوير نظريات تتناسب مع تعقيدات الواقع.
وبالنظر إلى تاريخ الفكر الاقتصادي، نجد أن هذه العلاقة لم تكن خالية من التحديات. فقد كان من المعروف في الفكر الاجتماعي، كما طرحه ماكس فيبر وغيره، أن الاقتصاد والمجتمع متداخلان، إلا أن التخصصات الأكاديمية أسهمت في إضعاف هذه العلاقة وزيادة الفجوة بين علماء هذين المجالين. ومع ذلك، فإن التحولات الاقتصادية والاجتماعية الحديثة تدفعنا إلى إعادة التفكير في هذه العلاقة؛ حيث يتطلب فهم الظواهر الاقتصادية منهجًا أكثر شمولًا يأخذ في الحسبان التفاعلات الاجتماعية والثقافية التي تؤثر في الأسواق والسياسات الاقتصادية.
ولسد هذه الفجوة، يصبح من الضروري تعزيز التعاون بين الاقتصاد والعلوم الاجتماعية، مما قد يسهم في تطوير نظريات اقتصادية تتناسب مع التعقيدات الاجتماعية المعاصرة. وهو ما يستلزم إعادة النظر في المناهج التعليمية والبحثية لضمان فهم أعمق للأبعاد الاجتماعية وتأثيرها على الظواهر الاقتصادية. في هذا الإطار، يشير الاتجاه الحديث نحو دمج الاقتصاد بالعلوم الاجتماعية إلى أهمية الأبعاد المؤسسية والثقافية، التي تلعب دورًا محوريًا في تشكيل السياسات الاقتصادية. يشمل هذا الاتجاه دراسة الدوافع البشرية، وفهم كيفية تأثير الشبكات الاجتماعية على القرارات الاقتصادية، مما يساعد في تقديم حلول عملية تستند إلى تحليل دقيق للواقع الاجتماعي. وهكذا، تصبح دراسة السياسات الاقتصادية من منظور اجتماعي ضرورية لتطوير نماذج تعكس القيم الاجتماعية وتدعم العدالة في السياسات العامة.
تكتسب العدالة الاجتماعية أهمية متزايدة في بناء السياسات الاقتصادية؛ حيث تتطلب التحديات المعاصرة تكاملًا بين الاقتصاد والقضايا الاجتماعية والثقافية. فالنظريات الاقتصادية التي تهمل هذه الأبعاد تؤدي إلى تفاقم الفجوات الاجتماعية والاقتصادية، مما يستدعي إعادة النظر في كيفية صياغة السياسات العامة. رغم التحديات المصاحبة لهذه العملية، فإن التركيز على العدالة الاجتماعية قد يسهم في تحقيق تنمية مستدامة وشاملة، تعود بالنفع على جميع أفراد المجتمع.
تأسيسًا على ما سبق، تبرز إشكالية البحث في السؤال التالي:
كيف يمكن بناء جسور بين الاقتصاد وعلم الاجتماع لضمان سياسات اقتصادية أكثر عدالة وفعالية، وما هي المقاربات التي تتيح تكامل التحليل الاقتصادي والاجتماعي؟
أهمية البحث
تنبع أهمية هذا البحث من كونه يسعى إلى معالجة الفجوة بين الاقتصاد وعلم الاجتماع، بهدف تطوير سياسات اقتصادية أكثر عدالة وفعالية. وتتجلى أهمية الدراسة في المحاور التالية:
- إعادة دمج الاقتصاد ضمن العلوم الاجتماعية لفهم تأثير العوامل الاجتماعية والثقافية على الظواهر الاقتصادية.
- نقد النظريات الاقتصادية لتجاوز التجريد الرياضي وإدماج الأبعاد الاجتماعية في التحليل الاقتصادي.
- تعزيز فعالية السياسات الاقتصادية من خلال تطوير استراتيجيات قائمة على فهم أعمق للتفاوتات الاجتماعية.
- دعم العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة عبر سياسات اقتصادية أكثر تكاملًا مع السياقات الاجتماعية.
أهداف البحث
يسعى هذا البحث إلى تحقيق مجموعة من الأهداف التي تعزز فهم العلاقة بين الاقتصاد وعلم الاجتماع، وتسهم في تطوير مقاربات أكثر تكاملًا في صنع السياسات الاقتصادية. ومن بين هذه الأهداف:
- تحليل العلاقة بين الاقتصاد وعلم الاجتماع لتوضيح مدى تأثير العوامل الاجتماعية على النظريات الاقتصادية.
- إعادة بناء النظريات الاقتصادية، بحيث تراعي التفاوتات الاجتماعية وتقدم حلولًا أكثر واقعية وفعالية.
- دراسة تأثير العوامل المؤسسية والثقافية على صنع القرار الاقتصادي من خلال تحليل نماذج وتجارب ناجحة.
- اقتراح إطار عملي لتعزيز تكامل الاقتصاد والعلوم الاجتماعية بهدف تحسين السياسات الاقتصادية وتحقيق العدالة الاجتماعية.
منهج البحث
يعتمد البحث على المنهج الوصفي التحليلي؛ حيث يتم تحليل العلاقة بين الاقتصاد وعلم الاجتماع من خلال استعراض الأدبيات الاقتصادية والاجتماعية، وتقييم مدى تكامل النظريات الاقتصادية مع الأبعاد الاجتماعية. كما يتم توظيف المقاربة النقدية لمراجعة النماذج الاقتصادية التقليدية.
خطة البحث
لتحقيق أهداف البحث تم تقسيمه إلى المحاور التالية:
أولًا: ما وراء الأرقام؛ الاقتصاد كعلم اجتماعي متكامل
ثانيًا: النظريات الاقتصادية في ضوء التباينات الاجتماعية؛ إعادة البناء والتكييف
ثالثًا: السياسات الاقتصادية من منظور عدسة اجتماعية
رابعًا: أهمية العدالة الاجتماعية في بناء السياسة الاقتصادية
خامسًا: بناء جسور التعاون بين التخصصات؛ نحو إطار عمل جديد للاقتصاد الاجتماعي
مع تزايد تعقيد المجتمعات الحديثة، أصبحت من الضروري إعادة النظر في الاقتصاد ليس فقط كعلم يعتمد على النماذج الرياضية والتحليلات الكمية، بل أيضًا كعلم اجتماعي يعكس التفاعلات متعددة الأبعاد بين الأفراد والمجتمعات. إن إعادة إدخال مفهوم رأس المال بكل أشكاله[1]، بما في ذلك رأس المال الثقافي والاجتماعي، تسهم في توضيح كيفية تشكيل الديناميكيات الاجتماعية والاقتصادية. فبدلًا من التعامل مع الأفراد ككائنات متبادلة في نظام اقتصادي مجرد، يجب علينا إدراك أنهم جزء من سياق تاريخي واجتماعي معقد؛ حيث يُعد رأس المال تجسيدًا للعمل المتراكم الذي يؤثر على قدرة الأفراد والجماعات على الوصول إلى الفرص والموارد.
يظهر التداخل بين الاقتصاد وعلم الاجتماع بوضوح من خلال مفهوم "رأس المال الاجتماعي"؛ حيث تلعب الشبكات الاجتماعية دورًا حاسمًا في تعزيز الرفاهية الاقتصادية. فقد أوضح Hellerstein وNeumark أن هذه الشبكات، التي تتشكل من خلال العلاقات الاجتماعية والمجتمعية، تسهل وصول الافراد إلى الفرص الاقتصادية، مما يعزز من نتائجهم في سوق العمل. هذه الفكرة تكشف كيف أن النماذج الاقتصادية التقليدية تحتاج إلى دمج العوامل الاجتماعية لفهم تأثير العلاقات المجتمعية في تحسين فرص العمل والرفاهية العامة.[2] وبالتالي، يتطلب الأمر تبني رؤية جديدة للاقتصاد تأخذ في الاعتبار الديناميات الاجتماعية والثقافية، وتتجاوز النظرة الضيقة للممارسات الاقتصادية، معترفين بأهمية هذه الديناميات في تشكيل الفرص والقيود التي تؤثر على الأفراد والمجتمعات.
حسب (Bourdieu) يمكن أن يظهر رأس المال في ثلاثة أشكال أساسية: كـ "رأس المال الاقتصادي"، الذي يمكن تحويله على الفور وبشكل مباشر إلى نقود وقد يتم تقنينه في شكل حقوق ملكية؛ كـ "رأس المال الثقافي"، الذي يمكن تحويله، في ظل ظروف معينة، إلى رأس المال الاقتصادي وقد يتم تقنينه في شكل مؤهلات تعليمية؛ وكـ "رأس المال الاجتماعي"، الذي يتكون من الالتزامات الاجتماعية ("الروابط")، والذي يمكن تحويله، في ظل ظروف معينة، إلى رأس المال الاقتصادي وقد يتم تقنينه في شكل لقب نبيل.
يتضح، إذًا، أن التفاعل بين الاقتصاد والعوامل الاجتماعية يشكل أساسًا لفهم أعمق للممارسات الاقتصادية وتأثيراتها في الحياة اليومية، مع الاشارة الى أن جميع التطبيقات ترتكز على فرضية مفادها أن إجراءات الحياة الاقتصادية والاجتماعية المعقدة لها جذور اجتماعية خطيرة تشكل معا نداء قويا من أجل اقتصاد اجتماعي متكامل في البحث والتدريس، ولا يمكن فهمه إلا كجزء من تفسير مؤسسي يربط بين المجالات الأكاديمية المختلفة[3].
في هذا الإطار، يبرز الاقتصاد الاجتماعي والتضامني كنموذج عملي يُجسّد التداخل بين الاقتصاد والاجتماع؛ حيث يقدم بديلًا ملموسًا للنظام الرأسمالي التقليدي، لا سيما في أوقات الأزمات الاقتصادية. وفي ظل حالة عدم اليقين الاقتصادي والسياسي العالمي، وما يصاحبها من تدهور في ظروف المعيشة، وعدم المساواة، والتهميش الاجتماعي.
ويعتبر هذا النموذج استراتيجية بديلة للنموذج النيوليبرالي المهيمن في ظل حالة عدم اليقين الاقتصادي والسياسي العالمي وما يرتبط به من تدهور في ظروف المعيشة، وعدم المساواة، والتهميش الاجتماعي[4]، كما أنه يعكس كيف يمكن للممارسات الاقتصادية أن تستند إلى قيم اجتماعية كالتعاون والعدالة، مما يعزز من استدامة الأنظمة الاقتصادية وقدرتها على دعم المجتمع.
تجدر الإشارة إلى أن هذا النموذج شمل تاريخيًا مجموعة واسعة من المبادرات والمشاريع، عُرفت بأسماء متعددة مثل: "الاقتصاد الاجتماعي"، "القطاع الثالث"، "المؤسسة الاجتماعية"، "القطاع غير الربحي"، "اقتصاد التضامن"، "الاقتصاد البديل"، "الاقتصاد الشعبي"، و"العيش الكريم". تعدُّ هذه التسميات المختلفة انعكاسًا لتنوع الأشكال والتجارب التي يجمعها التزام مشترك بتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة.[5]
بهذا الترتيب، يظهر الاقتصاد الاجتماعي والتضامني كنموذج يُعيد الاعتبار للقيم الاجتماعية في العملية الاقتصادية، مُقدّمًا رؤية بديلة تسعى إلى تحقيق التوازن بين الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية.
تعتمد ديناميكيات الاقتصاد التضامني على الجمعيات والتعاونيات، التي تلعب دورًا محوريًا في دمج الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية؛ حيث تسهم في إعادة تعريف النشاط الاقتصادي بعيدًا عن الربحية المحضة، مع التركيز على الأبعاد المجتمعية والسياسية[6]. وبالتالي، فإن الجمعيات والتعاونيات ليست فقط أدوات اقتصادية، بل تلعب دورًا سياسيًا ومجتمعيًا مهمًا؛ حيث تسهم في دعم الفئات الهشة وتعزيز العدالة الاجتماعية.
في هذا الإطار، يوضح هذا النموذج كيف يمكن للاقتصاد أن يكون أكثر شمولًا، مدمجًا الاعتبارات الثقافية والاجتماعية ضمن إطار التحليل الاقتصادي. كما تُظهر تجربة حركة التضامن البولندية (Poland Solidarity Movement) أن الحركات الاجتماعية يمكن أن تلعب دورًا محوريًا في تعزيز الاقتصاد التضامني، عبر تنظيم المجتمعات المحلية وتقوية المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار[7].
يتضح، إذًا، أن التفاعل بين الاقتصاد والعوامل الاجتماعية يشكل أساسًا لفهم أعمق للممارسات الاقتصادية وتأثيراتها في الحياة اليومية، مع الإشارة إلى أن جميع التطبيقات ترتكز على فرضية مفادها أن إجراءات الحياة الاقتصادية والاجتماعية المعقدة لها جذور اجتماعية عميقة تشكل معًا نداءً قويًا من أجل اقتصاد اجتماعي متكامل في البحث والتدريس، لا يمكن فهمه إلا كجزء من تفسير مؤسسي يربط بين المجالات الأكاديمية المختلفة.
يوضح (Bourdieu) في حديثه عن أشكال رأس المال كيف يمكن أن تلعب العوامل الاجتماعية دورًا جوهريًا في تحديد الفرص الاقتصادية للأفراد والجماعات. بناءً على ذلك، يتعين على الباحثين والممارسين تبني نماذج اقتصادية جديدة تأخذ في الاعتبار التفاعل المعقد بين هذه العوامل الاجتماعية والاقتصادية[8].
في هذا السياق، يؤكد (Keven Lang) أن التمييز والعوامل الاجتماعية يمكن أن تؤثر بشكل كبير على النتائج الاقتصادية للأفراد. وتعزز هذه الحجة الفهم بأن الفوارق الاجتماعية تلعب دورًا محوريًا في تشكيل تلك النتائج. هنا، يظهر دور السياسة كأداة لمعالجة التفاوتات الاقتصادية الناتجة عن التمييز أو الفروقات في تفضيلات العمل.
عندما تكون القوى العاملة غير متجانسة، يمكن أن تلعب السياسات العامة دورًا إيجابيًا في تحسين الرفاهية العامة وتنظيم سوق العمل. فعلى سبيل المثال، السياسات التي تحد من قدرة الشركات على التمييز بين أنواع العمال أو تقيد نطاق الأجور وظروف العمل يمكن أن تكون فعالة في تقليص الفجوات الاقتصادية. تشمل هذه السياسات تشريعات مثل قوانين الأجور الدنيا، وقوانين السلامة المهنية، وتحديد ساعات العمل القصوى؛ حيث تساعد في تقليل التفاوتات بين العمال الذين يواجهون ظروف عمل غير متساوية.
علاوة على ذلك، ينبغي أن نلاحظ أن تأثير هذه السياسات لا يعتمد فقط على نتائجها المرصودة في الحد من البطالة أو تحسين توزيع الأجور، بل يتأثر أيضًا بالقيم الاجتماعية وطريقة تقييم المجتمع للفوائد الناجمة عن هذه السياسات[9].
بالتالي، يمكن القول إن السياسات العامة تلعب دورًا حاسمًا في تعديل تأثير الفوارق الاجتماعية والتمييز على النتائج الاقتصادية. حيث تسعى هذه السياسات إلى تحسين ظروف العمل وتوزيع الأجور بطرق تقلل من التفاوتات الاجتماعية وتعزز تكافؤ الفرص بين العمال.
نشأ علم الاقتصاد كنظام دراسي في القرن الثامن عشر بهدف فهم قوانين النظام الرأسمالي، ويُعد فرانسوا كيناي أول من طوّر نموذجًا رياضيًا للاقتصاد، بينما يُعتبر آدم سميث "أب الاقتصاد" لدى الكثيرين لرؤيته للسلوك الاقتصادي كدافع للمصلحة الفردية. تطور هذا النهج عبر الأجيال، مع التركيز المتزايد على التفضيلات الفردية كأساس للتحليل، وهو ما يعرف بـ "الفردية المنهجية"، التي تفترض أن الأفراد يسعون إلى تعظيم منفعتهم الذاتية في أسواق يُفترض أنها متكاملة المعلومات.
ومع ذلك، فإن هذا النهج واجه انتقادات متعددة؛ حيث تعتمد فرضياته على عقلانية الأفراد ووجود أسواق كاملة، وهي افتراضات تفتقر إلى الواقعية أحيانًا. إذ تترك هذه الافتراضات جانبًا التأثيرات الاجتماعية وعدم اليقين، كما أشار اقتصاديون مثل (Amartya Sen) و(John Maynard Keynes) و(Joseph Stiglitz) إلى قصورها عن تمثيل الواقع بدقة.
على الجانب الآخر، ينظر علم الاجتماع إلى السلوك من منظور الجماعة؛ حيث يرى أن العادات والقيم والمعايير الاجتماعية هي عوامل رئيسية في تشكيل السلوك، مما يبرز الاختلاف الجذري بين التحليلين. فعلم الاقتصاد يبني تحليلاته على تفضيلات الأفراد، بينما يرى علم الاجتماع السلوك البشري كنتاج لتأثيرات اجتماعية أعمق.
علاوة على ذلك، يشير تحليل الشبكات الاجتماعية إلى أن التفاوتات الاقتصادية لا تنشأ فقط من عوامل السوق التقليدية، بل تتأثر أيضًا بهياكل العلاقات الاجتماعية التي تحدد فرص الوصول إلى الموارد والمعلومات[10] وبذلك، فإن إعادة بناء النظريات الاقتصادية يجب أن تأخذ في الاعتبار تحليل الشبكات الاجتماعية لفهم كيفية توزيع الفرص الاقتصادية بشكل غير متكافئ، بدلًا من الاعتماد حصريًا على افتراضات الفردية والعقلانية الاقتصادية.
ومع استمرار هذا الاختلاف، نجد أن النظريات الاقتصادية التقليدية، مثل نظرية العرض والطلب ونظرية المنفعة، استمرت في التركيز على افتراضات ثابتة حول السلوك البشري والأسواق المثالية التي تتسم بالكفاءة والعقلانية. وفي هذا السياق، يُعتبر نموذج "الاختيار العقلاني" أداة مفيدة للتنبؤ بالسلوك في سياقات محددة، كالسوق التنافسية للسلع، لكنه لا يمثل نموذجًا شاملًا للسلوك البشري. وقد أظهرت التجارب أن التنبؤات المستمدة من نموذج الاختيار العقلاني تتوافق مع نتائج الأسواق التنافسية[11]، لكنها تعتمد على افتراضات قد لا تكون ملائمة في جميع الظروف[12].
ورغم ذلك، مع تطور المجتمعات وتزايد تعقيداتها الاجتماعية، بدأت هذه النظريات تواجه تحديات متعددة دفعت العديد من الباحثين إلى إعادة التفكير في كيفية صياغة النماذج الاقتصادية لتكون أكثر شمولًا ومرونة. في هذا السياق، يقترح اقتصاديون مثل (Amartya Sen) إدماج العوامل الاجتماعية والأخلاقية في تحليل السلوك الاقتصادي، مما يسمح بفهم أعمق وأكثر تكاملًا للأنشطة الاقتصادية وصنع السياسات. بالإضافة إلى ذلك، تشير الدراسات إلى أن تأثير التباينات الاجتماعية على توزيع الثروة والنمو الاقتصادي كان واضحًا على مر الزمن.[13]
في هذا السياق، يعد النقد الموجه للنظرية النيوكلاسيكية أحد المحاور الأساسية لإعادة التفكير في النماذج الاقتصادية التقليدية، إذ تفترض هذه النظرية أن الأفراد يتخذون قراراتهم الاقتصادية بشكل عقلاني ومستقل، متجاهلةً التفاعل الاجتماعي الذي يشكل تلك القرارات. ومع ذلك، توضح الدراسات الحديثة أن الاقتصاد الفعلي يتشكل من خلال تفاعلات معقدة داخل الشبكات الاجتماعية؛ حيث تؤثر الروابط والعلاقات على تدفق المعلومات واتخاذ القرارات.[14]ومن ثم، فإن إعادة تكييف النظريات الاقتصادية يجب أن تراعي هذه العوامل، بحيث يتم استبدال الافتراضات المجردة بنهج أكثر تكاملًا يعكس تعقيد العلاقات الاقتصادية والاجتماعية.
ومن الجوانب الأساسية في تطور النظريات الاقتصادية تأثير العولمة والرأسمالية الحديثة على التفاوتات الاجتماعية. يبرز (Branko Milanovic) في كتابه Capitalism, Alone (2019) كيف أن الرأسمالية الحديثة، رغم تحقيقها لمعدلات نمو اقتصادي ملحوظة، تسهم في زيادة التفاوتات الاقتصادية داخل وبين البلدان. ويشير إلى أن العولمة تركز النمو والثروة في أيدي النخب، مما يزيد من الفوارق الاجتماعية.[15]
إلى جانب ذلك، توضح دراسة لصندوق النقد الدولي أن السياسات النيو ليبرالية لم تحقق النتائج المتوقعة في بعض الأحيان. إذ خلصت الدراسة إلى ثلاثة استنتاجات حول سياسة التقشف وتحرير رأس المال:[16]
أولًا، من الصعب برهنة المنافع الاقتصادية على نطاق واسع.
ثانيًا، ترتبط زيادة عدم المساواة بتكاليف كبيرة تؤثر على النمو والعدالة.
ثالثًا، يؤثر انعدام المساواة سلبًا على مستوى النمو واستمراريته.
هذه السياسات لها أساس نظري متين كما يزعم مؤيدوها، وقد تبوأ الكثير منهم مناصب حساسة سواء في الدول الغربية كوزراء، أو داخل مؤسسات بيتون وودز كخبراء ومستشارين؛ حيث عملوا على إضفاء بريق على الأفكار الليبيرالية التي تصف السوق بأنه السيد وأن كل اختلال أو تخلف سببه اتساع حجم الدولة.
يتجلى هنا بوضوح أن النظريات التقليدية التي تهمل التباينات الاجتماعية قد تفشل في معالجة المشكلات الاقتصادية الحديثة. فالتغيرات الديموغرافية والفوارق الاجتماعية مثلا يجب أن تكون جزءًا لا يتجزأ من تحليل الاقتصاد.[17]
من ناحية أخرى، تدعو (Kate Raworth) إلى تجديد علم الاقتصاد ليكون أكثر ملاءمة للتحديات الاجتماعية والبيئية وتستدل بمقولة (John Maynard Keynes) عام 1938: "الاقتصاد هو علم التفكير باستخدام نماذج، ممزوجا بفن اختيار النماذج الملائمة للعالم المعاصر". ومما يدعو إلى التندر أن بعض النماذج الأعمق أثرا، والتي لا تزال تُشَكِّلُ الفكر الاقتصادي اليوم، قد صيغت في زمن كينز نفسه. ولو كان كينز حيًا في القرن الحالي – وكان شاهدا على حجم الأزمات الاجتماعية والبيئية التي بتنا نواجهها – لكان بالتأكيد قد حث زملاءه الاقتصاديين على صياغة نماذج جديدة تعكس المعرفة والواقع والقِيم السائدة في عصرنا الراهن، ولكان ذلك عين الصواب.[18]
حسب (Angus Deaton)، فإنه على نقيض الاقتصاديين من آدم سميث وكارل ماركس إلى جون ماينارد كينز وفريدريك هايك، وحتى ميلتون فريدمان، فإن الاقتصاديين من جيله توقفوا عن التفكير في الأخلاقيات وفيما يشكل الرفاهية البشرية. ويقول نحن تكنوقراطيون نركز على الكفاءة، ونحصل على تدريب قليل على غايات الاقتصاد، أو على معنى الرفاهية – فقد اختفى اقتصاد الرفاهية منذ فترة طويلة من المناهج الدراسية – أو على ما يقوله الفلاسفة عن المساواة. وعندما نتعرض لضغوط، فإننا عادة ما نلجأ إلى نظرية النفعية القائمة على الدخل. وغالبا ما نساوي بين الرفاهية والمال أو الاستهلاك، مما يؤدي إلى فقدان الكثير من الأمور التي تهم الناس.[19] وفي الفكر الاقتصادي الحالي، يحظى الأفراد بأهمية أكبر بكثير من العلاقات بين الناس في الأسر أو في المجتمعات المحلية.
تقول (Diane Coyle) إن كثيرا من شاغلي المناصب المهمة المعنيين بصنع السياسات اليوم تعلموا الاقتصاد من المراجع والبرامج الدراسية القائمة على أساس ذلك الاقتصاد المنظم نسبيا. وبصفة خاصة، فإن إطار تقييم السياسات يعتمد على المبرهنات الأساسية في "اقتصاد الرفاهية"، وهو فرع من علم الاقتصاد يبحث فيما إذا كانت المخرجات الاقتصادية محبذة أم لا. وتقول النظرية إن المخرجات السوقية هي أفضل ما يمكن الحصول عليه إذا ظلت افتراضات رئيسية معينة صحيحة، وغني عن القول إن هذه الافتراضات نادرا ما تظل صحيحة. فمثلا، حتى تثبت صحة النظرية يتعين أن تظل تفضيلات الناس ثابتة – بما في ذلك تفضيلاتهم لأشياء لم تُوجد بعد. ويتعين أن تكون كل السلع "أحادية الاستهلاك" أو قابلة للاستهلاك بواسطة شخص واحد فقط، إلا أن الكثير منها ذو استهلاك مشترك – بدءا من الغلاف الجوي وحتى الطرق العامة.... وكذلك، لا ينبغي أن تكون هناك مؤثرات خارجية مثل التلوث أو انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. ولا يمكن أن تكتسب أي شركة نفوذا سوقيا – يجب أن تكون المنافسة كاملة – ويجب أن تكون هناك عائدات ثابتة على الحجم مع ارتفاع مستويات الإنتاج. والأكثر من ذلك، أنه في السبعينات من القرن العشرين (Kenneth Arrow) الحائز على جائزة نوبل "مبرهنة الاستحالة" التي توضح (بناء على افتراضات معقولة للغاية) استحالة إمكانية تحديد رفاهية المجتمع ككل من خلال جمع رفاهية أفراده[20].
إذن هناك ضرورة ملحة لتجاوز النموذج النيوكلاسيكي المهيمن عبر مقاربة أكثر شمولية ومرونة من خلال:
- تعديل النظريات الاقتصادية بناءً على الأدلة التجريبية؛ بدلًا من التمسك الأيديولوجي بنماذج جامدة تُعتبر مُثلًا ثابتة وأبدية، ومن الضروري استخدام المفاهيم الاقتصادية كأدوات لحل المشكلات الواقعية وتطويرها وفقًا للمعطيات المتغيرة.
- انتقاد الأيديولوجيات الاقتصادية التي تتجاهل التأثيرات الاجتماعية؛ اليمين واليسار عجزوا عن تقديم نماذج نظرية صرفة على حساب الواقع الإنساني، مما يُبرز أهمية التركيز على الأثر الاجتماعي والإنساني للأنشطة الاقتصادية.
- في ضوء هذه المفاهيم، تعد إعادة بناء النظريات الاقتصادية ضرورة لتطوير سياسات أكثر عدالة وشمولية، وهو ما يتطلب دمج الأبعاد الاجتماعية والثقافية في النماذج الاقتصادية، بالإضافة إلى اتباع منهجيات بحثية متعددة التخصصات لتحليل الاقتصادات الحديثة بواقعية أكثر.
في ظل التغيرات العميقة والتحديات التي يواجهها الاقتصاد العالمي اليوم، تبرز أهمية إعادة النظر في النماذج التقليدية لصنع السياسات الاقتصادية. لم يعد من الممكن النظر إلى الاقتصاد كمجال منعزل عن التأثيرات الاجتماعية والبيئية؛ إذ إن الأزمات العالمية، مثل التغير المناخي والفجوات الاجتماعية والاقتصادية والجوائح، تتطلب سياسات تعكس تكامل الجوانب الاقتصادية مع الأبعاد الاجتماعية. هذه الرؤية المدمجة تتطلب نماذج أكثر شمولًا تضع رفاهية الإنسان واستدامة الموارد في قلب العملية الاقتصادية، وهو ما يتوافق مع نظرة العديد من المفكرين الاقتصاديين الذين رأوا ضرورة المزج بين التخصصات المختلفة في سبيل تحقيق التنمية المستدامة.
كتب جون ماينارد كينز، في ذكرى وفاة معلمه ألفريد مارشال قبل قرن من الزمان: "يجب أن يتمتع الخبير الاقتصادي بمزيج نادر من المواهب... يجب أن يكون عالم رياضيات ومؤرخًا ورجل دولة وفيلسوفًا." ربما كان كينز يصف نفسه بهذا الاقتباس، إذ اعتبر الاقتصاد علمًا أخلاقيًا يستقي من ثقافة واسعة مع الحفاظ على "ذهن منفتح على الصورة المتغيرة للتجربة". العالم اليوم، بحاجة ملحة إلى ذلك "المزيج النادر" الذي وصفه كينز لتوجيه الدفة في ظل اضطرابات كبيرة ناتجة عن تغيّر المناخ، وابتكارات الذكاء الاصطناعي، والتحولات الديموغرافية، وتفاقم التفاوت الاجتماعي والاقتصادي، والصراعات الجيوسياسية. جميع هذه التحديات تتطلب نماذج سياسات جديدة تراعي الترابط المعقد بين العوامل الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، خاصةً في ظل تنامي خيبة الأمل في تخصص الاقتصاد والدعوات المتزايدة إلى إعادة تشكيله ليعكس القيم الفردية والمجتمعية بصورة أفضل[21].
أمام هذه التحديات يظهر دور السياسة كأداة لمعالجة تلك التفاوتات الاقتصادية الناتجة عن التمييز أو الفروقات في تفضيلات العمل، وفي هذا السياق يمكن للسياسات أن تلعب دورًا إيجابيًا عندما تكون القوى العاملة غير متجانسة؛ حيث يمكن أن تحسن الرفاهية العامة من خلال تنظيم سوق العمل. يمكن للسياسات التي تحد من قدرة الشركات على التمييز بين أنواع العمال أو تقيد نطاق الأجور وظروف العمل أن تكون فعالة في تقليص الفجوات الاقتصادية، على سبيل المثال، تشريعات مثل قوانين الأجور الدنيا، وقوانين السلامة المهنية، أو تحديد ساعات العمل القصوى قد تكون مبررة لأنها تقلل من التفاوتات بين العمال الذين يواجهون ظروف عمل غير متساوية. علاوة على ذلك، فإن هذه السياسات لا تعتمد فقط على تأثيرها المرصود في الحد من البطالة أو تحسين توزيع الأجور، بل تتأثر أيضًا بالقيم الاجتماعية وطريقة تقييم المجتمع للفوائد الناجمة عن هذه السياسات[22]. هذه الأخيرة يمكن أن تلعب دورًا حاسمًا في تعديل تأثير الفوارق الاجتماعية والتمييز على النتائج الاقتصادية؛ حيث تسعى إلى تحسين ظروف العمل وتوزيع الأجور بطرق تقلل من التفاوتات الاجتماعية، وتعزز تكافؤ الفرص بين العمال.
ازداد في العقود الأخيرة الوعي بضرورة تجاوز العوامل الاقتصادية البحتة عند تصميم السياسات لتحقيق فعالية واستدامة أكبر، مما استدعى توجهًا متعدد الأبعاد يدمج الاقتصاد وعلم الاجتماع لتوجيه التنمية الاقتصادية والاجتماعية بشكل متكامل. وقد أصبحت هناك دعوات متزايدة من علماء الاقتصاد والاجتماع لتخطي النماذج الليبرالية التقليدية واعتماد سياسات أكثر شمولًا. وجاء الأداء الاجتماعي المتراجع في الثمانينيات والتسعينيات ليكشف عن هشاشة الفصل بين السياسة الاقتصادية والجوانب الاجتماعية، داعيًا إلى اتباع نهج متكامل يتعامل مع المشكلات الاقتصادية والاجتماعية باعتبارها مترابطة، بحيث يعير صانعو السياسات الاقتصادية اهتمامًا أعمق لتأثيراتها الاجتماعية، خاصة فيما يتعلق بقضايا الفقر.
علاوة على ذلك، يسهم تحليل الشبكات الاجتماعية في تحسين فهم كيفية تأثير العلاقات الاجتماعية على تنفيذ السياسات الاقتصادية وفعاليتها. تشير الدراسات إلى أن نجاح السياسات لا يعتمد فقط على بنيتها النظرية، بل أيضًا على مدى اندماجها داخل شبكات التفاعل الاجتماعي بين الأفراد والمؤسسات[23]. فمثلًا، عند تصميم سياسات مكافحة الفقر أو دعم ريادة الأعمال، يكون من الضروري فهم كيفية انتشار المعلومات حول الفرص الاقتصادية داخل المجتمعات، وما إذا كانت هذه الشبكات تعزز التمكين الاقتصادي أو تعيد إنتاج التفاوتات القائمة. لذا، فإن إدراج تحليل الشبكات الاجتماعية في صياغة السياسات يمكن أن يساعد في تعزيز التكافؤ في الفرص وتقليل الفجوات الاقتصادية من خلال استهداف الفاعلين الأساسيين داخل المنظومة الاقتصادية والاجتماعية.
ويستلزم هذا الالتزام الأخلاقي بالمجتمعات دعم الرفاهية العامة، وتقليص مستويات الفقر، والقضاء على الفقر المدقع، وتعزيز العدالة والاندماج الاجتماعي من خلال سياسات اقتصادية متسقة على مستوى الاقتصاد الكلي، تجمع بين النمو الاقتصادي وتوليد فرص العمل الفعّالة. ويقتضي هذا النهج كذلك تعاونًا أكبر بين الأطراف المختلفة لتعزيز حقوق الإنسان ومعالجة جذور التمييز وعدم المساواة في السياسات الاقتصادية والاجتماعية، بما يعزز المعايير الأخلاقية والعدالة الاجتماعية كركائز أساسية في صنع السياسات.
تُبرز (Kenneth W. Stikkers) مرونة السياسات الاقتصادية المستوحاة من مبادئ الاقتصاد التضامني، مستشهدة بتجربة Mondragon في إسبانيا كنموذج ناجح يُظهر قدرة هذه السياسات على التكيف مع احتياجات المجتمعات المحلية والظروف الاقتصادية المتغيرة، مع الحفاظ على قيم التعاون والعدالة الاجتماعية. هذا يؤكد أن تبني مقاربات مبتكرة تُراعي الواقع الاجتماعي يُعزز استدامة وفعالية السياسات الاقتصادية، متجاوزًا بذلك النماذج التقليدية الجامدة.[24]
وبما أن أهم المحطات في تطور المجتمع الرأسمالي هي الازمات، فقد ركزت عمليات البحث المهني المكثفة منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008 على كيفية تمكين الاقتصاد من دمج العلوم الاجتماعية بشكل أفضل ورفع مستوى قضايا الرعاية الاجتماعية والتوزيع. وكان هناك الكثير من إعادة التفكير في الاقتصاد الكلي وتصميم النهج السياسي. وهناك إجماع متزايد على أن المهنة يجب أن تكون منفتحة على الأفكار والأطر الجديدة إذا كانت تأمل حل أكبر مشاكل العالم.[25]
يؤكد هذا التحول في الواقع والتحليل الاقتصادي في مهد الرأسمالية أن المصلحة في التأقلم مع التحولات الاقتصادية، فالمجتمع ليس جامدا وإنما يتجاوب مع تحولات السوق ويجب على الدولة من خلال السياسة أن تحمي الفئات الاجتماعية من فشل السوق فسعي القطاع الخاص إلى تحقيق مصلحته وتعظيم أرباحه ربما يكون على حساب رفاهية الأفراد، هذه الرفاهية تكون الدولة هي الضامنة لها في كل الظروف، ومعنى ذلك أن النظام الاقتصادي القائم ليس قيدا على الرفاهية وإنما تحقيق الرفاهية هو الذي يعتبر قيدا على النظام. والمحدد الرئيسي هنا هو المساحة الممنوحة للحكومة للتدخل.
مع مرور الوقت برزت الحاجة أكثر إلى سياسات اقتصادية واجتماعية تعترف بالأسس الاجتماعية والتعاونية للاقتصاد الاجتماعي. يمثّل هذا منظورًا مميزًا يجمع بين المبادئ الاجتماعية والاقتصادية، ويدعم تخصيص الموارد بصورة تعزز مفهومًا جديدًا لخلق الثروة، ويؤدي إلى تكوين ما تمكن تسميته بـ "نظام بيئي" للدعم المؤسسي، يشبه النظام البيئي للمؤسسات الرأسمالية التي تخدم الاقتصاد الرأسمالي[26].
يمكن تأكيد أن تصورات علم الاجتماع تسهم بقدر كبير في صياغة سياسات اقتصادية تأخذ في الاعتبار التفاعلات الاجتماعية، كالمساواة والاندماج الاجتماعي، إضافة إلى الجوانب الاقتصادية التقليدية، مثل النمو والاستقرار المالي. يوضح هذا النهج كيف يمكن للنظريات الاجتماعية أن توجه السياسات الاقتصادية نحو تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة.
تعتبر العدالة الاجتماعية ركيزة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة والرفاهية لجميع أفراد المجتمع، إذ تسهم في خلق بيئة اقتصادية تعزز من الشمولية وتقليل الفجوات الاجتماعية. من خلال اعتماد سياسات اقتصادية تركز على إعادة توزيع الموارد، تمكن مواجهة التحديات الناتجة عن عدم المساواة التي تؤثر سلبًا على الموارد البشرية.
في هذا الإطار يشير (Thomas Piketty) إلى أن إعادة توزيع الموارد أداة حيوية لمواجهة عدم المساواة التي تؤثر سلبًا على الموارد البشرية؛ حيث إن فعالية السياسات تكمن في التدخلات مباشرة في سوق العمل مثل فرض الحد الأدنى للأجور، بالإضافة إلى تطوير جانب برامج التعليم والتدريب التي تسهم في تصحيح عدم المساواة الهيكلية في دخول العمل. هذه الأدوات تُعزز من كفاءة إعادة التوزيع وتوفر أساسًا قويًا لخلق بيئة اقتصادية أكثر عدلًا وشمولية، كما لا ينبغي إغفال التحديات المرتبطة بنقص العدالة في الأسواق، مثل تقصير شركات التأمين الخاصة عن توفير تغطية شاملة لمخاطر البطالة والصحة. تظهر الحاجة إلى أنظمة الضمان الاجتماعي العامة والضرورية؛ حيث يمكن للدولة أن تلعب دورًا محوريًا في مراقبة وضمان الدخل وتوزيع الموارد بشكل عادل، مما يسهم في تقليل الفجوات الاجتماعية. بالإضافة إلى ذلك، تجب مراعاة أنظمة التقاعد؛ حيث يمكن أن تؤدي السياسات إلى توزيع غير عادل بين الفئات الاجتماعية، مما يستدعي إعادة التفكير في كيفية تصميم سياسات اقتصادية تأخذ في الاعتبار الفروقات في الأمل في الحياة بين الطبقات المختلفة[27].
في المسار نفسه، ورد في تقرير معهد الأمم المتحدة لبحوث التنمية الاجتماعية UNRISD الصادر في عام 2016 تحت عنوان "الابتكارات السياسية من أجل التغيير التحويلي" تعريفٌ للتغيير التحويلي المطلوب بموجب خطة 2030 والذي يتضمن العناصر التالية:[28]
- تحول هيكلي في الاقتصاد: الأولوية لتوليد فرص العمل المنتج للجميع.
- التحول إلى أنماط حياة وإنتاج واستهلاك مستدامة والحفاظ على الكوكب.
- تحويل الهياكل والعلاقات والسياسات الاجتماعية ليكون محورها العدالة والمساواة.
- تغيير في الهياكل والمؤسسات وعلاقات القوة بين الأطراف باتجاه المزيد من المشاركة الحقيقية والديمقراطية، في ظل السلم والأمن، وعلى مختلف المستويات الدولية والوطنية.
- تغيير في السلوكيات ومنظومة القيم الموجِّهة لفعل الأفراد والجماعات والمؤسسات.
هذا التوجه يُبرز كيف أن العدالة الاجتماعية ليست مجرد هدف، بل هي عملية تحولية تتطلب إعادة هيكلة الاقتصاد والمجتمع لضمان استدامة التنمية وعدالتها.
في نفس السياق، يؤكد كارلوس إنريكي جارسيا جونزاليس (السلفادور)، نائب رئيس المفوضية*، أثناء إدارته لحلقة نقاش حول "البعد الاجتماعي في أجندة التنمية العالمية لما بعد عام 2015"، أن "أجندة ما بعد عام 2015 تقدم فرصة فريدة لتعزيز البعد الاجتماعي. وأضاف أن هناك اعترافًا متزايدًا بأن النمو الاقتصادي وحده لا يكفي لضمان العدالة الاجتماعية والمساواة والازدهار المستدام للجميع[29]. هذا يُعزز الدعوة إلى إعادة النظر في السياسات الاقتصادية التقليدية التي تركز على النمو، ويُؤكد الحاجة إلى سياسات تأخذ في الاعتبار الأبعاد الاجتماعية لضمان تنمية أكثر شمولًا.
من جهتها، أكدت سارة كوك، مديرة معهد الأمم المتحدة لبحوث التنمية الاجتماعية، على ضرورة استعادة الركيزة الاجتماعية عند وضع أجندة التنمية لما بعد عام 2015. وشددت على أهمية دمج البعد الاجتماعي بشكل حقيقي في صياغة القضايا والسياسات، مشيرة إلى أنه يجب تجاوز "الركائز"، وتجاوز تعريف الجانب الاجتماعي باعتباره يتعلق في المقام الأول بالمشكلات أو المجموعات الهامشية، والتركيز بدلًا من ذلك على المؤسسات الاجتماعية والعلاقات مثل الطبقة والجنس والعرق والإثنية. وذكرت أن التحدي يكمن في كيفية التغلب على الانفصال بين الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والتحرك نحو تكاملها[30].
تجدر الاشارة الى أن الأجندة الاجتماعية تتسم بطبيعتها طويلة الأجل، بمعنى أن التخفيف من الفقر وتحقيق توزيع أفضل للدخل والثروة والفرص هي أهداف طويلة الأمد. من ناحية أخرى، ترتبط السياسة الاقتصادية الكلية السليمة إلى حد كبير بإدارة أدوات السياسة قصيرة الأجل بشكل متسق، لتحقيق وتيرة مستدامة وقابلة للتنبؤ للمتغيرات الاقتصادية الكلية والأسعار الرئيسية (الأجور، التضخم، أسعار الفائدة وأسعار الصرف). وبالرغم من اختلاف المجالات والأهداف التي تعمل فيها هذه السياسات، فإن هناك روابط قوية بينها:[31]
- أولًا، لكي تكون السياسات العامة، بما في ذلك السياسات الاجتماعية، فعّالة ومستدامة، يجب أن يتحقق اتساق شامل بين الأهداف المختلفة للسلطات. وكان غياب هذا الاتساق سببًا رئيسيًا للتعديلات المؤلمة في تصميم السياسات، كما حدث في ثمانينيات القرن العشرين.
- ثانيًا، هناك إجماع على أن عدم الاستقرار الاقتصادي الكلي يضر بالنمو والعدالة على حد سواء، وأن البيئة الاقتصادية الكلية السليمة تشكل شرطًا ضروريًا لنجاح السياسة الاجتماعية. فعدم الاستقرار يؤثر بشكل غير متناسب على الفئات الضعيفة على المدى القصير، وغالبًا لا يتمكن التعافي الاقتصادي من إعادة مستويات الفقر والعدالة إلى ما كانت عليه قبل التعديلات.
يعدّ الاتساق والاستقرار شرطيْن أساسييْن لمعالجة الأهداف البنيوية، بما في ذلك تحسين توزيع الدخل والفرص. وعندما يتحقق الاستقرار الاقتصادي قصير الأجل، تزداد احتمالية تبني أجندة سياسة ذات طابع طويل الأجل.
كما يفرض الاتساق الاقتصادي الكلي قيدًا على السياسات الاجتماعية بحيث تتطلب تمويلًا مستدامًا على المدى الطويل، ويجب أن تعمل هذه السياسات دون أن تثني عن اتخاذ القرارات المتعلقة بالادخار والاستثمار أو خلق فرص العمل. والإدارة الحكيمة للموارد المالية النادرة تفرض معيارًا لا مفر منه على جودة وفعالية السياسات الاجتماعية؛ فكل وحدة نقدية تنفق على الصحة العامة أو التعليم دون تحقيق الغرض منها تشكل هدرًا يؤثر سلبًا على أهداف مرغوبة. ويقيد توافر الموارد المالية أيضًا السرعة التي يمكن بها تنفيذ البرامج الاجتماعية الجديدة بشكل متسق.
يتطلب بناء اقتصاد أكثر إنسانية وتوازنًا التوقف لطرح سؤال محوري: هل يمكن فصل الاقتصاد عن الاعتبارات الاجتماعية؟ وما القضايا الاقتصادية التي يجب دمجها في سياق اجتماعي معين لضمان تحقيق العدالة والفعالية؟ تبقى الإجابة عن هذه الأسئلة معقدًة؛ إذ تعتمد على تغيّرات الزمان والمكان والأوضاع الاجتماعية والسياسية.
علم الاجتماع الاقتصادي، الذي يدرس التفاعل بين الاقتصاد والمجتمع، يُعتبر ركيزة أساسية في هذا السياق؛ حيث يسعى إلى تقديم رؤى معمّقة تفكك التعقيدات الناجمة عن ارتباط الاقتصاد بالسياسات الاجتماعية. تطور هذا المجال المعرفي، على مدار العقود الماضية، من إطار يهتم بالكفاءة الاقتصادية إلى توجه يتناول العدالة الاجتماعية بشكل أساسي. شهد هذا التطور نقطة انطلاق بارزة في ثمانينيات القرن العشرين؛ حيث أدت التحولات الاجتماعية والسياسية إلى تجدد اهتمام الباحثين بعلم الاجتماع الاقتصادي، مما أسهم في ظهور علم الاجتماع الاقتصادي الجديد الذي ركز على دراسة العدالة في الأسواق الواقعية. في المقابل، استمر الاقتصاد التقليدي في التركيز على الكفاءة، مع افتراض أن الأسواق التنافسية الكاملة ستحل مشكلات العدالة تلقائيًا. هذا التوجه التحليلي لعلم الاجتماع الاقتصادي، وخاصة لدى بعض المفكرين الكلاسيكيين، جاء مع إدراك متزايد لأهمية التنظيم الاجتماعي والسياسي للسوق، وهو إدراك تعزز مع أزمات مثل الكساد الكبير الذي أبرزته بوضوح الاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية.
لكن بعد الحرب العالمية الثانية، تغيرت النظرة إلى علم الاجتماع الاقتصادي بشكل جذري؛ حيث تطورت توجهاته لتشمل قضايا أكثر تركيزًا وموضوعية مثل علم الاجتماع الصناعي وعلم اجتماع العمل والدراسات التنظيمية والعلاقات الصناعية، مما سهم في تطوير آليات فهم التحولات الاقتصادية في سياق اجتماعي أكثر شمولية. تراجعت الأبعاد السياسية الأصلية التي استهدفت إصلاح الرأسمالية الليبرالية، وأصبح علم الاجتماع الاقتصادي أداة للتحليل الأكاديمي بعيدًا عن الأطر السياسية المباشرة[32].
من هنا تتضح أهمية دمج الاقتصاد مع الأبعاد الاجتماعية؛ حيث إن العديد من الظواهر الاقتصادية يتأثر بعوامل اجتماعية تجعل مشكلات النمو الاقتصادي غالبًا ما تتجاوز الاقتصاد البحت، لكونها مرتبطة بقضايا مثل الشبكات الاجتماعية وأنماط الاتصال والثقة، إضافة إلى العدالة والانحرافات السلوكية. هذا التداخل يدعو إلى تعاون أكاديمي أوسع بين التخصصات؛ حيث يتطلب الاقتصاد رؤية متعددة الجوانب لدمج الأبعاد الاجتماعية الضرورية لضمان فعالية القرارات الاقتصادية[33].
علاوة على ذلك، يمكن أن يكون تحليل الشبكات الاجتماعية أداة رئيسية لتعزيز التكامل بين الاقتصاد وعلم الاجتماع، إذ يوفر تحليل الشبكات منظورًا كميًا ونوعيًا لفهم كيفية تفاعل الفاعلين الاقتصاديين داخل سياقات اجتماعية معقدة[34]. على سبيل المثال، عند دراسة سلوك الأسواق أو ديناميات الابتكار، يمكن للشبكات الاجتماعية أن تكشف عن كيفية انتشار المعرفة الاقتصادية عبر العلاقات الاجتماعية، مما يساعد في تطوير سياسات اقتصادية أكثر تكيفًا مع الواقع الاجتماعي. هذا المنظور لا يساعد فقط في تفكيك الفجوات بين الاقتصاد وعلم الاجتماع، بل يسهم أيضًا في بناء إطار عمل جديد للاقتصاد الاجتماعي يعتمد على تحليل الأنماط التفاعلية بين الأفراد والمؤسسات والشركات.
في السياق السابق، يعتبر علم الاجتماع الاقتصادي اتجاها فكريا ومعرفيا تطور عبر فترات متباينة لملء الفجوة المعرفية بين علم الاجتماع وعلم الاقتصاد، مع العلم أن هذا الحقل العلمي يواجه تحديات هيكلية تتطلب حلولًا مبتكرة لتحقيق التوازن بين التنظير والتطبيق، فهو يتميز بوجود تيارات فكرية مختلفة، أبرزها أفكار كل من (Karl Polanyi) و(Mark Granovetter)، اللذين أثريا هذا المجال بأفكار مهمة حول تكامل الاقتصادي والاجتماعي. يُعد (Polanyi) من أبرز المفكرين الذين أسهموا في تشكيل علم الاجتماع الاقتصادي، فقد قدم في كتابه التحول الكبير مفهوم "التضمين الاجتماعي"، مشيرًا إلى أن الأفعال الاقتصادية قد تُصبح مضرة إذا انفصلت عن السلطات الاجتماعية وغير الاقتصادية. بنى (Polanyi) تحليلاته على أن جوهر مشكلة الرأسمالية يكمن في كون الاقتصاد يتحكم في شؤون المجتمع، في حين يفترض أن تكون العلاقات الاجتماعية هي التي تشكل الإطار الذي يحتضن الاقتصاد، مما يوفر أساسًا أكثر استدامة للعلاقات الاقتصادية[35].
أسهم (Polanyi) في إثراء علم الاجتماع الاقتصادي بمفهوم التضمين الاجتماعي، هذا المفهوم لا يزال حجر الأساس في علم الاجتماع الاقتصادي المعاصر. من ناحية أخرى، كان لمقالة (Granovetter) الفعل الاقتصادي والبنية الاجتماعية: مشكلة الإدماج المنشورة في عام 1985، دور كبير في إرساء أساس علم الاجتماع الاقتصادي الجديد، معززة مفهوم السوق، ليس فقط كفضاء للتبادل التجاري، بل كمجال يتطلب فهمًا اجتماعيًا معمقًا[36].
يرتكز علم الاجتماع الاقتصادي الجديد على عدة محاور أساسية، منها:
- الجسور المعرفية الأولى: كان ماكس فيبر من أوائل المفكرين الذين سعوا إلى بناء جسور معرفية بين الاقتصاد وعلم الاجتماع، عبر تقديم رؤى تعمق الفهم الاجتماعي للظواهر الاقتصادية وتعزز الحوار بين التخصصات.
- تحديات النظريات التقليدية: يشكك علم الاجتماع الاقتصادي في الافتراضات التقليدية حول السلوك الاقتصادي ويدعو إلى إعادة النظر في الأسس الاقتصادية التي كانت تُعتبر مستقرة.
- الدمج مع السياق الاجتماعي: يشدد هذا المجال على ضرورة دمج القرارات الاقتصادية مع العلاقات الاجتماعية؛ حيث يؤدي هذا التكامل إلى تحقيق نتائج اقتصادية أكثر استدامة وتوازنًا.
- التنظيم الاقتصادي المتكامل: يرى علم الاجتماع الاقتصادي الجديد أن التركيز على الكفاءة وحدها دون مراعاة الأبعاد الاجتماعية والتاريخية والقانونية للمؤسسات يُعد مفهومًا محدودًا، ويؤكد ضرورة إدماج الاقتصاد في بنية المجتمع لتحقيق فهم شامل.
- التأثير الاجتماعي في الأسواق: تلعب العلاقات الاجتماعية والثقافية دورًا رئيسيًا في تشكيل سلوك المستهلكين والأسواق؛ حيث تسهم هذه العلاقات في تقليل مستويات المخاطر وتعزيز الثقة في المعاملات الاقتصادية.
- السوق ككيان اجتماعي: وفقًا لعلم الاجتماع الاقتصادي، فإن السوق يتجاوز كونه مكانًا للتبادل المالي، فهو كيان اجتماعي تشكله الثقافة والعلاقات الاجتماعية، مما يمنحه بعدًا أعمق لفهم العمليات الاقتصادية من منظور اجتماعي شامل.
تعتبر العلاقة بين علم الاقتصاد وعلم الاجتماع من القضايا المحورية التي شكلت تطور الفكر الاجتماعي والاقتصادي عبر العصور. لقد أسفرت النقاشات المعمقة حول هذه العلاقة عن ظهور أفكار جديدة تسعى إلى بناء جسور تربط بين هذين التخصصين، مما أسهم في تشكيل رؤية شاملة تسلط الضوء على أهمية الاعتبارات الاجتماعية في الفهم الاقتصادي. والمتتبع للتطور الفكري في هذا الشأن، يرى أنه تم تناول العديد من المفاهيم الأساسية، بدءًا من التوجهات الكلاسيكية ووصولًا إلى النظريات المعاصرة، التي تسعى إلى دمج الأبعاد الاجتماعية مع الممارسات الاقتصادية لتحقيق العدالة والكفاءة.
يعرض الجدول التالي بعض المحطات التاريخية الرئيسية في هذا السياق، مستعرضًا بعض الإسهامات الفكرية التي كان لها دور في بناء جسور التعاون بين الاقتصاد والعلوم الاجتماعية، كما يبرز كيف أن هذه النقاشات لم تقتصر على الجوانب الأكاديمية فقط، بل كانت مدفوعة أيضًا بالتغيرات الاجتماعية والسياسية التي شهدها العالم، مما أثرى هذا المجال وفتح آفاقًا جديدة للبحث والتحليل.
الجدول (1): محطات تاريخية رئيسية في بناء جسور التعاون بين الاقتصاد والعلوم الاجتماعية
الفترة الزمنية |
السياق التاريخي والسياسي |
الأفكار الأساسية |
التوجهات الجديدة في علم الاجتماع الاقتصادي |
أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين |
الثورة الصناعية وصعود الرأسمالية |
التركيز على الاقتصاد الكلاسيكي؛ حيث يرى أن الأسواق تكتفي بذاتها وتعالج نفسها تلقائيًا من خلال قوى العرض والطلب. |
ظهرت أصوات تدعو إلى بناء الجسور بين الاقتصاد والعلاقات الاجتماعية، وأعمال رواد مثل آدم سميث وكارل ماركس وماكس فيبر دعت إلى دمج البعد الاجتماعي في الاقتصاد. |
الثلاثينيات (الكساد الكبير) |
أزمة الكساد الكبير وانهيار الأسواق العالمية |
بدأت الشكوك في قدرة الأسواق على تحقيق العدالة. ظهرت توجهات الكلاسيكيين الجدد لدعم تدخل الدولة في تنظيم السوق كحل للأزمات. |
دعوات لبناء جسور بين الاقتصاد والسياسات الاجتماعية لمواجهة الأزمات الاقتصادية وتلافي انهيار الأسواق، مما شجع علماء الاجتماع على دراسة الاقتصاد ضمن الديناميات الاجتماعية. |
الخمسينيات – الستينيات |
ازدهار الاقتصاد الصناعي بعد الحرب العالمية الثانية |
بدأت التخصصات الأكاديمية في الانفصال، مما أدى إلى انقسام واضح بين علم الاقتصاد وعلم الاجتماع. |
تمحورت جهود بناء الجسور حول تخصصات مثل علم الاجتماع الصناعي وعلم اجتماع العمل، إلا أن الاهتمام بإصلاح الرأسمالية من منظور اجتماعي تراجع في تلك الفترة. |
السبعينيات – الثمانينيات |
أزمات الطاقة وتراجع معدلات النمو العالمية |
التركيز على دور الشبكات الاجتماعية في الاقتصاد؛ حيث زادت الدراسات حول السلوك الاقتصادي وتأثره بالعلاقات الاجتماعية. |
تعزيز أفكار Karl Polanyi حول مفهوم "التضمين الاجتماعي" التي تضمنها عمله الرائد في الاربعينات، منتقدا السوق المنفصل عن العلاقات الاجتماعية، مما دعم بناء جسور بين الاقتصاد والنسيج الاجتماعي. |
1985 |
نشر مقال Mark Granovetter المؤثر |
Granovetter قدم مفهوم الإدماج الاجتماعي، مؤكدًا أن الأفعال الاقتصادية تتشكل ضمن سياق اجتماعي متكامل. |
أصبح المقال حجر الأساس في علم الاجتماع الاقتصادي الجديد، معززًا بناء الجسور بين الاقتصاد والمجتمع وداعيًا إلى رؤية الأسواق كتفاعلات اجتماعية بعمق. |
التسعينيات - العقد الأول من القرن الحادي والعشرين |
العولمة والتحولات الاقتصادية الكبرى |
زادت أهمية النقاش حول تأثير العولمة والاعتماد المتبادل بين الأسواق، مشيرًا إلى ضرورة التحليل الاجتماعي للشبكات الاقتصادية العالمية. |
تزايدت جهود بناء الجسور بين الاقتصاد وعلم الاجتماع لدراسة قضايا مثل العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة في ظل تأثير العولمة. |
العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين حتى الآن |
تزايد التفاوتات الاقتصادية وتأثير الأزمات المالية، مثل أزمة 2008 |
توجيه الاهتمام إلى دراسة الأبعاد الاجتماعية والسياسية للنظام الاقتصادي ومراجعة قدرة الاقتصاد على الصمود أمام الأزمات. |
يشهد علم الاجتماع الاقتصادي جهودًا مكثفة نحو بناء جسور متعددة التخصصات لدمج الاقتصاد وعلم الاجتماع والسياسات العامة، مع التركيز على العدالة الاجتماعية والاستدامة. |
ختامًا، يتضح أن الفكر الاقتصادي التقليدي، بتركيزه المفرط على آليات السوق وإقصائه للأبعاد الاجتماعية، أدى إلى رؤى محدودة لا تعكس التعقيدات الحقيقية للاقتصاد والمجتمع. إن هذه الفجوة تستدعي مراجعة جوهرية للنظريات الاقتصادية السائدة، بحيث يُدمج التحليل الاجتماعي في صميم الدراسات الاقتصادية، مما يتيح فهمًا أعمق وأكثر شمولًا للظواهر الاقتصادية. في هذا السياق، يبرز الاقتصاد الاجتماعي كإطار بديل يعزز التفاعل بين الاقتصاد والمؤسسات الاجتماعية، ويعيد النظر في مفهوم السوق ذاته، حتى يصبح قائمًا على قيم التعاون والعدالة، بدلًا من القواعد الصارمة للعرض والطلب.
إن فعالية السياسات الاقتصادية لا تكمن فقط في قوة نماذجها النظرية، بل في قدرتها على التكيف مع الواقع الاجتماعي والاقتصادي المتغير. لذا، فإن بناء جسور بين الاقتصاد والعلوم الاجتماعية ليس مجرد خيار أكاديمي، بل ضرورة ملحّة لتعزيز العدالة الاجتماعية وضمان تحقيق تنمية أكثر استدامة. فالتفاوتات الاجتماعية ليست مجرد نتيجة للسياسات الاقتصادية، بل عامل مؤثر في نجاحها أو فشلها، مما يستوجب إعادة بناء النظريات الاقتصادية حتى تراعي هذه الفوارق وتتكيف مع تعقيدات الواقع. كما أن مراجعة استراتيجيات التنمية ينبغي أن تأخذ في الاعتبار الفئات المهمشة لضمان تحقيق سياسات اقتصادية أكثر شمولًا وإنصافًا.
في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها العالم اليوم، يصبح من الضروري أن تتبنى السياسات الاقتصادية مقاربة متعددة التخصصات، تدمج بين التحليل الاقتصادي والاجتماعي، بهدف تطوير نماذج قادرة على الاستجابة بفعالية للتحديات الراهنة. إن تحقيق هذا التوازن من شأنه أن يقود إلى اقتصاد أكثر عدالة وشمولية؛ حيث تتلاقى الاعتبارات الاقتصادية مع العدالة الاجتماعية، وتتفاعل السياسات الاقتصادية مع البنية الاجتماعية، مما يسهم في بناء نظام اقتصادي أكثر إنصافًا واستدامة.
أولًا: العربية
اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)، دليل إدماج مبادئ العدالة الاجتماعية في السياسات الإنمائية، بيروت: الأمم المتحدة، 2020. E/ESCWA/CL2.GPID/2020/MANUAL.2
ثانيًا: الأجنبية References
Bartkowski, Maciej. Poland’s Solidarity Movement (1980-1989), Washington, DC: International Center on Nonviolent Conflict, 2009. https://www.nonviolent-conflict.org/wp-content/uploads/2016/02/bartkowski_poland.pdf
Beri, Suraj. New Economic Sociology, Indira Gandhi National Open University, 2021. https://egyankosh.ac.in/handle/123456789/76986
Bhatt, Gita. "Editor’s Letter: Economics That’s More Human,” Finance & Development, Vol. 61, No. 1 (March 2024), p. 5. https://doi.org/10.5089/9798400265013.022
Boadu, Comfort, Frederick Koomson, and Richard Oppong Ntiri. "Social and Solidarity Economy and Social Inclusion of Cooperatives in the Assin Fosu Municipality, Ghana." Heliyon 10, no. 5 (2024). https://doi.org/10.1016/j.heliyon.2024.e27094
Bögenhold, Dieter. “Economics between Insulation and Social-Scienciation: Observations by a Sociology of Economics,” Journal of Economic Issues, Vol. 52, No. 4 (2018), pp. 1125-1142. https://doi.org/10.1080/00213624.2018.1535954
Bögenhold, Dieter. “Social Network Analysis and the Sociology of Economics: Filling a Blind Spot with the Idea of Social Embeddedness,” American Journal of Economics and Sociology, Vol. 72, No. 2 (2013), pp. 293-318. https://doi.org/10.1111/ajes.12005
Bourdieu, Pierre. “The Forms of Capital,” In: J. Richardson (ed.), Handbook of Theory and Research for the Sociology of Education, New York: Greenwood, 1986, pp. 16-30.
Deaton, Angus. “Rethinking Economics: Questioning one’s views as circumstances evolve can be a good thing,” Finance & Development, Vol. 61, No. 1 (March 2024), pp. 20-21. https://doi.org/10.5089/9798400265013.022
Economic and Social Commission for Western Asia (ESCWA). Toolkit for mainstreaming social justice principles in development policies (in Arabic), Beirut, United Nations, 2020. E/ESCWA/CL2.GPID/2020/MANUAL.2
Hellerstein, Judith K. and Neumark, David. “Social Capital, Networks, and Economic Wellbeing,” Future of Children, Vol. 30, No. 1 (Spring 2020), pp. 127-152.
Kanbur, Ravi, Eduardo Ortiz-Juarez, and Andy Sumner. "Is the Era of Declining Global Income Inequality Over?" Structural Change and Economic Dynamics 70 (2024): 54. https://doi.org/10.1016/j.strueco.2024.01.002
Kanbur, Ravi., Ortiz-Juarez, Eduardo and Sumner, Andy. “Is the Era of Declining Global Income Inequality Over?” Structural Change and Economic Dynamics, Vol. 70 (2024), pp. 45-55. https://doi.org/10.1016/j.strueco.2024.01.002
Lang, Kevin and Majumdar, Sumon. “The Pricing of Job Characteristics When Markets Do Not Clear: Theory and Implications,” NBER Working Papers, No. 9911 (August 2003), pp. 1-33. https://doi.org/10.3386/w9911
Lopera-Arbeláez, Isabel, and Solveig Richter. "Transformative Approaches for Peace-Centred Sustainable Development: The Role of Social and Solidarity Economy." World Development Perspectives 34 (2024). https://doi.org/10.1016/j.wdp.2024.100593
Machado, N. M. “Karl Polanyi and the New Economic Sociology: Notes on the Concept of (Dis)embeddedness,” trans. João Paulo Moreira, RCCS Annual Review, Vol. 3, No. 3 (2011), pp.119-140. https://doi.org/10.4000/rccsar.309
Milanovic, Branko. Capitalism, Alone: The Future of the System That Rules the World. Cambridge: Belknap/Harvard University Press, 2019.
Ostrom, Elinor. “Beyond Markets and States: Polycentric Governance of Complex Economic Systems,” American Economic Review, Vol. 100, No. 3 (2010), pp. 641-672. https://doi.org/10.1257/aer.100.3.641
Raworth, Kate. “A New Compass for Economics,” Finance & Development, Vol. 61, No. 1 (March 2024), pp. 12-14. https://doi.org/10.5089/9798400265013.022
Restakis, John and Mendell, Margie. “Public Policy for a Social Economy,” In: Michel Bauwens, George Dafermos, and John Restakis (eds.) Commons Transition: Policy Proposals for an Open Knowledge Society, Amsterdam: Foundation of Peer-to-Peer Alternatives, 2015.
Rijpens, Julie, and Hermanson, James. “What Is the Social and Solidarity Economy? A Review of Concepts,” OECD Local Economic and Employment Development (LEED) Papers, No. 13, Paris: OECD, 2023. https://doi.org/10.1787/dbc7878d-en
Rijpens, Julie, and James Hermanson. What Is the Social and Solidarity Economy? A Review of Concepts. Paris: OECD, 2023. https://www.oecd.org/content/dam/oecd/en/publications/reports/2023/09/what-is-the-social-and-solidarity-economy-a-review-of-concepts_4b3d724b/dbc7878d-en.pdf
Roaldsnes, Andreas. “Social Capital and the Intergenerational Transmission of Cultural Capital: How Parents’ Social Networks Influence Children's Accumulation of Cultural Capital,” Poetics, Vol. 102 (2024), pp. 1-22. https://doi.org/10.1016/j.poetic.2024.101873
Stikkers, Kenneth W. “Dewey, Economic Democracy, and the Mondragon Cooperatives,” European Journal of Pragmatism and American Philosophy, Vol. 3, No. 2 (2011), pp. 1-15. https://doi.org/10.4000/ejpap.833
Thomas Piketty, L’économie des inégalités, Paris: La Découverte, 5th ed., 2004.
Trigilia, Carlo. “Unbalanced Growth: Why Is Economic Sociology Stronger in Theory than in Policies?” Current Sociology, Vol. 55, No. 1 (2007), pp. 59-74. https://doi.org/10.1177/0011392107070134
UN. Executive Committee on Economic and Social Affairs, “Social Dimensions of Macroeconomic Policy: Report of the Executive Committee on Economic and Social Affairs of the United Nations,” Serie Informes y estudios especiales, United Nations: United Nations Digital Library System, 2001. https://digitallibrary.un.org/record/458932?v=pdf
[1] Pierre Bourdieu, “The Forms of Capital,” In: J. Richardson (ed.), Handbook of Theory and Research for the Sociology of Education (New York: Greenwood, 1986), p. 16.
[2] Judith K. Hellerstein and David Neumark, “Social Capital, Networks, and Economic Wellbeing,” Future of Children, Vol. 30, No. 1 (Spring 2020), pp. 128-129.
[3] Dieter Bögenhold, “Economics between Insulation and Social-Scienciation: Observations by a Sociology of Economics,” Journal of Economic Issues, Vol. 52, No. 4 (2018), p. 1138.
[4] Comfort Boadu, Frederick Koomson, and Richard Oppong Ntiri, "Social and Solidarity Economy and Social Inclusion of Cooperatives in the Assin Fosu Municipality, Ghana," Heliyon 10, no. 5 (2024), https://doi.org/10.1016/j.heliyon.2024.e27094.
[5] Isabel Lopera-Arbeláez and Solveig Richter, "Transformative Approaches for Peace-Centred Sustainable Development: The Role of Social and Solidarity Economy," World Development Perspectives 34 (2024), https://doi.org/10.1016/j.wdp.2024.100593.
[6] Julie Rijpens and James Hermanson, “What Is the Social and Solidarity Economy? A Review of Concepts,” OECD Local Economic and Employment Development (LEED) Papers, No. 13 (Paris: OECD, 2023), p. 15.
[7] Maciej Bartkowski, Poland’s Solidarity Movement (1980-1989) (Washington, DC: International Center on Nonviolent Conflict, 2009), p. 5.
[8] Andreas Roaldsnes, “Social Capital and the Intergenerational Transmission of Cultural Capital: How Parents’ Social Networks Influence Children's Accumulation of Cultural Capital,” Poetics, Vol. 102 (2024), p. 12.
[9] Kevin Lang and Sumon Majumdar, “The Pricing of Job Characteristics When Markets Do Not Clear: Theory and Implications,” NBER Working Papers, No. 9911 (August 2003), p. 27.
[10] Dieter Bögenhold, “Social Network Analysis and the Sociology of Economics: Filling a Blind Spot with the Idea of Social Embeddedness,” American Journal of Economics and Sociology, Vol. 72, No. 2 (2013), p. 305.
[11]Elinor Ostrom, “Beyond Markets and States: Polycentric Governance of Complex Economic Systems,” American Economic Review, Vol. 100, No. 3 (2010), p. 659.
[12]Angus Deaton, “Rethinking Economics: Questioning one’s views as circumstances evolve can be a good thing,” Finance & Development, Vol. 61, No. 1 (March 2024), pp. 20-21.
[13] Ravi Kanbur, Eduardo Ortiz-Juarez, and Andy Sumner, “Is the Era of Declining Global Income Inequality Over?” Structural Change and Economic Dynamics, Vol. 70 (2024), p. 54.
[14] Bögenhold, “Social Network Analysis and the Sociology of Economics,” p. 299.
[15] Branko Milanovic, Capitalism, Alone: The Future of the System That Rules the World (Cambridge: Belknap/Harvard University Press, 2019), p. 194.
[16] UN. Executive Committee on Economic and Social Affairs, “Social Dimensions of Macroeconomic Policy: Report of the Executive Committee on Economic and Social Affairs of the United Nations,” Serie Informes y estudios especiales (United Nations: United Nations Digital Library System, 2001), p. 43.
[17] Kanbur, Ortiz-Juarez, and Sumner, “Is the Era of Declining Global Income Inequality Over?” p. 54.
[18] Kate Raworth, “A New Compass for Economics,” Finance & Development, Vol. 61, No. 1 (March 2024), pp. 12-14.
[19] Deaton, “Rethinking Economics,” pp. 20-21.
[20] Deaton, “Rethinking Economics,” pp. 20-21.
[21] Gita Bhatt, "Editor’s Letter: Economics That’s More Human,” Finance & Development, Vol. 61, No. 1 (March 2024), p. 5.
[22] Lang and Majumdar, “The Pricing of Job Characteristics When Markets Do Not Clear,” p. 27.
[23] Bögenhold, “Social Network Analysis and the Sociology of Economics,” p. 305.
[24] Kenneth W. Stikkers, “Dewey, Economic Democracy, and the Mondragon Cooperatives,” European Journal of Pragmatism and American Philosophy, Vol. 3, No. 2 (2011), p. 6.
[25] Bhatt, "Editor’s Letter: Economics That’s More Human,” p. 5.
[26] John Restakis and Margie Mendell, “Public Policy for a Social Economy,” In: Michel Bauwens, George Dafermos, and John Restakis (eds.) Commons Transition: Policy Proposals for an Open Knowledge Society (Amsterdam: Foundation of Peer-to-Peer Alternatives, 2015), p. 3.
[27] Thomas Piketty, L’économie des inégalités (Paris: La Découverte, 5th ed., 2004), p. 109-114.
[28] اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)، دليل إدماج مبادئ العدالة الاجتماعية في السياسات الإنمائية (بيروت: الأمم المتحدة، 2020)، ص32.
* المفوضية الاقتصادية لأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي.
[29] Commission for Social Development “Meetings Coverage, Economic and Social Council,” United Nations, Fifty-first Session, 7th Meeting (AM), February 8, 2013, Department of Public Information, News and Media Division, New York, SOC/4802, accessed September 15, 2024. https://press.un.org/en/2013/soc4802.doc.htm.
[30] Ibid
[31] UN., “Social Dimensions of Macroeconomic Policy,” p. 5.
[32] Carlo Trigilia, “Unbalanced Growth: Why Is Economic Sociology Stronger in Theory than in Policies?” Current Sociology, Vol. 55, No. 1 (2007), p. 3.
[33] Bögenhold, “Economics between Insulation and Social-Scienciation,” p. 1139.
[34] Bögenhold, “Social Network Analysis and the Sociology of Economics,” p. 21.
[35] Suraj Beri, New Economic Sociology (Indira Gandhi National Open University, 2021), p. 42. https://egyankosh.ac.in/handle/123456789/76986.