تاريخ الاستلام: 22 أكتوبر 2024 | تاريخ القبول: 03 نوفمبر 2024
تقرير
ندوة مجلة تجسير الدورية (عن بعد):
باحث مساعد، مركز ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة قطرقطر
Report
Tajseer Journal Seminars (Virtual):
Ibn Khaldon Center for Humanities and Social Sciences, Qatar University
October 20, 2024
Research Assistant, Ibn Khaldon Center for Humanities and Social Sciences, Qatar UniversityQatar
سعيًا لاستكشاف مدى حضور المقاربة البينية في أطروحات الباحثين في الدراسات العليا، نظّم فريق تحرير مجلة تجسير للعلوم الإنسانية والاجتماعية البينية ندوته الدورية الحادية عشرة بعنوان: "تجربة البحث البيني في الدراسات العليا"، وذلك عبر منصة ويبكس يوم الأحد 20 أكتوبر 2024، الموافق 17 ربيع الثاني 1446ه. هدفت الندوة إلى تحقيق غايتين رئيستين؛ أولاهما: إبراز وعي المتحدثين بإمكاناتهم في التجسير بين تخصصاتهم والمجالات العلمية المجاورة؛ وثانيهما: استكشاف فرص التجسير الكامنة في مواضيع دراساتهم. شارك في الندوة خمسة باحثين من تخصصات مختلفة في حقل العلوم الاجتماعية والإنسانية؛ حيث قدم كل منهم رؤيته الخاصة حول كيفية الاستعانة بباقي التخصصات في إنجاز أطروحتهم. لتشمل قائمة المتحدثين: الدكتورة زينب الخادالي، حاصلة على درجة الدكتوراه في علم الاجتماع من جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء في المغرب، والدكتور سعد سرحت، حائز على درجة الدكتوراه في الأنثروبولوجيا اللغوية والأدبية من جامعة تكريت في العراق، والدكتورة لطيفة البلوي، حاصلة على درجة الدكتوراه في السياسات التربوية من جامعة الملك سعود في المملكة العربية السعودية، والأستاذ عبد الله أحمد، طالب دكتوراه في علم الاجتماع بجامعة إسطنبول في تركيا، والأستاذ عبد الأحد مصطفى لو، طالب دكتوراه في الفقه وأصوله من جامعة قطر في قطر.
تمحور النقاش حول التجارب العملية للمتحدثين وأبعاد الانفتاح على التخصصات الأخرى في إنجاز أطروحاتهم، مع التركيز على التحديات التي تفرضها حدود التخصصات الأكاديمية التقليدية وكيفية تجاوز هذه العقبات عبر المقاربة البينية. أدار الندوة الأستاذ عبد العزيز الخال، مساعد باحث في مركز ابن خلدون؛ حيث أشرف على تأطير النقاشات وقدم المتحدثين بشكل متسلسل. كما أدار دفة الحوار العلمي بين الباحثين والحضور؛ مما أضفى على الندوة طابعًا تفاعليًا، من حيث تبادل الأفكار ووجهات النظر فيما بينهم حول تحديات البحث البيني وإمكانات تجاوز الحدود التقليدية للتخصصات العلمية.
استهل سعد سرحت النقاش بتقديم موضوع أطروحته التي اهتمت بدراسة الخطاب الأنثروبولوجي في الثقافة العربية المعاصرة حول القرآن الكريم، مركّزًا على نقد أسسه ومرجعياته الاستشراقية، من خلال بعض النماذج المختارة. كما تناول الرهان البيني بوصفه مشروعًا ضروريًا، مشيرًا إلى أنه لا يمكن لأي علم أن يكتفي بأدواته ومعارفه بمعزل عن العلوم الأخرى المجاورة. وسعى في بحثه إلى التحقق من التقاطع المعرفي المتضمن في موضوع أطروحته من عدة جوانب، قبل أن يكتشف هيمنة البعد الأيديولوجي على هذا الخطاب، مما دفعه إلى اعتماد "مقاربات الأنثروبولوجية"، مكّنته من انتقاد التوجهات الأنثروبولوجية التي تسعى إلى إزالة القداسة عن القرآن الكريم، من حيث تعاطيها معه كمنتج ثقافي إنساني يخضع لما تخضع له غيره من المنتجات المعرفية البشرية دون قيود.
يرى سعد أن هذا المنظور قد فُرض من خلال المؤسسات الغربية على المعرفة الحديثة، ويعدّه إحدى أدوات التمركز الغربي. وذكر عدة أمثلة لعلماء عرب ومسلمين حداثيين متأثرين بهذا التوجه، من بينهم يوسف الصديق، الذي حاول توظيف مفاهيم غربية في دراسة القرآن الكريم، مثل الإرث الهوميري (نسبةً إلى هوميروس) والإرث السقراطي (نسبةً إلى سقراط). كما انتقد عبد الكريم سروش في كتابه المعروف حول رؤى الرسول ﷺ؛ حيث يقدم سروش رؤية تعتبر القرآن الكريم رؤى للنبي ﷺ. ومن ضمن هذا التيار أيضًا يصنف سعيد ناشيد، الذي يجادل في أن المادة الخام للقرآن الكريم مودعة في خاطر النبي ﷺ، وأنه لا صلة للقرآن بالعلم أو الإنتاج المعرفي. فيما يعدّ أصحاب هذا التيار القرآنَ الكريم نتاجًا لظروف اجتماعية وتاريخية، وبالتالي هو صناعة بشرية. ويشير سعد إلى أن الحداثيين العرب لم ينتجوا معرفة جديدة، بل استندوا إلى الفكر الغربي دون إحداث تغيير أو إضافة. من هنا يتضح أن البينية في هذه الحالة مثقلة بأهداف أيديولوجية، ولأن هذا الخطاب الحداثي يستعين بحقول علمية ومعرفية مختلفة مثل اللغة والنحو والبلاغة والتفكيكية والسيميائية والبنيوية وغيرها، فإن الموضوع يحتاج إلى دراسة بينية دقيقة.
عند إسناد الكلمة للمتحدثة الثانية في الندوة، بدأت لطيفة بلوي كلمتها بالإشارة إلى مشكلة تكدس الطلاب في مجالات التخصصات الدقيقة، مع تركيز خاص على تخصص التربية، مقترحةً تبني فكرة إنشاء تخصصات بينية تتماشى مع متطلبات العصر الحديث، وأشارت إلى أنها خصصت لهذا الموضوع حيزًا كبيرًا من بحثها. كما عنونت أحد أبحاثها بـ"استحداث تخصصات تربوية بينية في برامج الدراسات العليا من منظور احتياجات التنمية الشاملة". فيما هدفت دراستها بشكل عام إلى وضع الأسس الأكاديمية لإنشاء تخصصات بينية، والتعرف على الاحتياجات التنموية والعوائق التي تحول دون تفعيل تلك البرامج. ومن أهم النتائج التي توصلت إليها، وضع مقترح لأبرز التخصصات البينية.
ترى لطيفة أن تميز وقوة التراث العربي الإسلامي نابعة من تجسير وتشابك مختلف العلوم المتضمنة فيه بصورة متكاملة، مستشهدة ببروز علماء مسلمين، مثل: الغزالي وابن خلدون، الذين برعوا في أكثر من حقل علمي. وهي ذات الحقول العلمية التي تم الفصل بينها مع مرور الوقت، بينما يقتضي العصر الحالي العودة إلى الربط بين مختلف المجالات العلمية. وأشارت إلى أن دراسة الإنسان في حد ذاته تقتضي هذا التكامل بين التخصصات؛ نظرًا لتعدد أبعاده التي تشمل الجوانب النفسية، والاجتماعية، والأسرية، وغيرها. لذلك، بات من الضروري دراسة الظواهر من زوايا علمية متعددة. فعلى سبيل المثال، غالبًا ما يتم النظر إلى القضايا التنموية من زاوية مادية بحتة، دون إيلاء اهتمام كافٍ للعنصر الإنساني. ونتيجة لذلك، تعاني بعض الدول ذات الدخل المرتفع من تحديات أخلاقية واجتماعية، في حين تتمتع بعض الدول ذات الدخل المنخفض بمستويات أخلاقية أعلى. وهذا يبرز الحاجة إلى تبني نهج شامل في التعامل مع التنمية، بدلًا من التركيز على بُعد تخصصي واحد فقط.
كما أكدت لطيفة أن من بين أكبر التحديات التي واجهتها في تبني المقاربة البينية في بحثها هي القيود التي واجهتها كباحثة في الدراسات العليا عند اختيار موضوعات البحث، حيث تفرض الأقسام الأكاديمية قيودًا تستند إلى التخصص الدقيق، مما يؤدي غالبًا إلى استبعاد الموضوعات التي تقع خارج مجالات التخصص الضيقة. من ناحية مهنية، أكدت على أهمية التخصصات البينية في ظل عدم توافق غالبية التخصصات الدقيقة مع ما يكتسبه الطلاب في مختلف المستويات التعليمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية، ومع متطلبات الوظائف الحديثة. إضافة إلى ذلك، يمكن للتخصصات البينية أن تحدث توازنًا لشخصية الباحث وتأهيله لحياة متوازنة على المستوى المهني والاجتماعي والنفسي.
تناولت مداخلة زينب الخادالي، ثالثة المتحدثين، موضوع علم الاجتماع والصحة ومقاربة النوع الاجتماعي، حيث كانت أطروحتها بعنوان "العمل الليلي ومسألة النوع الاجتماعي في المغرب: حالة الممرضين والممرضات بالمركز الاستشفائي في جامع ابن رشد بمدينة الدار البيضاء". استهلت زينب حديثها بالإشارة إلى تعريف التيجاني عبد القادر لمفهوم التجسير، الذي طرحه في إحدى ندوات تجسير السابقة، واعتبرت زينب أن التجسير هو "الربط بين منفصلين بنوع من الاستعارة؛ إذ نخرج من تخصص معين وندخل إلى تخصص آخر لنستعير منه بعض الأفكار والمفاهيم التي نقوم بتطويرها لسد حاجاتنا المعرفية". واستندت إلى هذا التعريف في إعادة النظر في أطروحتها، مؤكدة أنها استعانت بتخصصات مجاورة أثناء إنجازها لأطروحتها، دون التخلي عن تخصصها الأصلي وهو علم الاجتماع.
أثناء البحث الميداني، أوّلت زينب اهتمامًا بالجانب الصحي الجسدي والنفسي والحياة الاجتماعية والأسرية للممرضين والممرضات، مع مراعاة الفروق بين الجنسين. كما اعتمدت على منهج بحث مختلط، يجمع بين الكمي والكيفي، من خلال تطبيق الاستبيانات وإجراء المقابلات. إلى جانب ذلك، جمعت بين النظرية الوظيفية ونظرية النوع الاجتماعي، التي تسلط الضوء على الفروق الاجتماعية بين الرجل والمرأة. وفقًا للنظرية الوظيفية، يؤدي الأفراد في المجتمع أدوارًا ووظائف مختلفة داخل النسق الاجتماعي بهدف خدمة المصلحة العامة؛ فعلى سبيل المثال، ترى هذه النظرية أن المرأة أكثر جدارة بتربية الأطفال ورعاية الزوج مقارنة بالرجل. ومع ذلك، أشارت زينب إلى أن الوظيفية النسبية تمنح الفرد القدرة على تأدية عدة وظائف، فبالنسبة للمرأة، يمكنها أداء أدوار أخرى غير دور ربة المنزل، كما يمكن للأب تولي مسؤولية تربية الأبناء في حال غياب الأم، مما يسلط الضوء على الوضعية الاجتماعية للممرضين في المجتمع المغربي. كما اعتمدت زينب على البعد التاريخي في مناقشة الأسئلة الثقافية المتعلقة بالعمل الليلي وفقًا للمعايير التقليدية لتوزيع الأدوار بين الجنسين، وفي هذا السياق، يُربط دور الرجل بالفضاء العام والعمل خارج المنزل لتأمين احتياجات الأسرة، بينما يُقترن دور المرأة بالفضاء الخاص، متمثلًا في رعاية الأسرة والأعمال المنزلية. كما ناقشت الصور النمطية المرتبطة بمهنة التمريض، مشيرة إلى وجود رفض للعمل الليلي بالنسبة للممرضات وفقًا لشهادات النساء عامةً والممرضات خاصةً؛ حيث يتعرضن لإساءة المعاملة مقارنة بالرجال.
تطرقت زينب أيضًا إلى الجوانب القانونية المتعلقة بتقنين العمل الليلي؛ نظرًا لتوقيته الاستثنائي، والجوانب التنظيمية المتعلقة ببيئة ومكان العمل، بالإضافة إلى الجوانب الأمنية التي تركّز على سلامة الممرضين والممرضات أثناء العمل الليلي. أما من الناحية الصحية، فقد ركزت على الآثار البيولوجية والنفسية الناجمة عن العمل الليلي، مشيرة إلى أن المرأة تتمتع بخصائص بيولوجية تختلف عن تلك التي يمتلكها الرجل، مما قد يجعلها أكثر عرضة للتوتر، والاكتئاب، والعزلة الاجتماعية نتيجة العمل الليلي. وأشارت إلى أن البناء الاجتماعي المعياري للأدوار لا يساوي بين الجنسين في الالتزامات، فعلى سبيل المثال، لا يؤخذ بعين الاعتبار عند إسناد المهام داخل مجال العمل خصوصية المرأة والتزاماتها الأسرية، مثل الحمل والولادة والوهن الجسدي، مقارنة بالرجل الذي يتمتع باستقرار نسبي. واختتمت زينب مداخلتها بالإشارة إلى أن المقاربة البينية تسهم في إثراء البحث وتطوير رؤية شاملة للظاهرة المدروسة، إلا أن نجاح هذه المقاربة يعتمد على قدرة الباحث على إتقان الأساليب البينية والاستفادة من تخصصات أخرى، مع الحفاظ في الوقت ذاته على هويته التخصصية.
جاءت مداخلة عبد الله أحمد حول الاعتماد على المقاربة البينية في تحليل قضايا الهجرة والذاكرة الجمعية والهوية والانتماءات الأولية والدولة الوطنية. وعرّف الانتماءات الأولية بأنها تعني القبيلة بالدرجة الأولى، خصوصًا في السياق الأفريقي وسياق دولة جنوب السودان بالتحديد. ففي هذا السياق، تُعدّ القبيلة موضوعًا عابرًا للتخصصات بحد ذاته، محملةً بأبعاد سوسيولوجية وأنثروبولوجية وسياسية وتاريخية، مما يجعل ظاهرة القبيلة والانتماء تحتاج إلى فهم متعدد الأبعاد.
يُعدّ الانتماء للجماعات القبلية أو الإثنية شكلًا سياسيًا وثقافيًا، يُنظر إليه أنثروبولوجيًا وسوسيولوجيًا بوصفه تنظيمًا اجتماعيًا؛ حيث يذهب البعض إلى أن الهويات القبلية والإثنية أكثر "حقيقية" من الهوية الوطنية. أما العلاقة بين الهوية الوطنية والجماعات الأولية، فتعدّ تاريخية وديناميكية، مما يثير التساؤل: كيف تؤثر الانتماءات الأولية على هوية الدولة الوطنية؟ للإجابة عن هذا التساؤل، استعان الأستاذ أحمد بمنهجية تجمع بين عدة تخصصات: في سياق بناء الدول، اتبعت مسارين مختلفين. المسار الأول يرى أن بعض القبائل استمرت في الوجود بعد بناء الدولة؛ حيث تفاوضت مع الدولة حول حقها في حمل السلاح واستقلاليتها. أما المسار الثاني، فقد شهد خضوع القبائل للدولة التي قامت بتجريدها من السلاح وتأسيس قوات نظامية كشرطة وجيش لحفظ الأمن.
وأشار إلى أنه عند استخدام الأنثروبولوجيا الحديثة في دراسة مسألة القبيلة، يصبح البحث ثقافيًا، خاصة في سياق إفريقيا؛ حيث ترتبط الصراعات بشكل رئيسٍ بالانتماءات القبلية والإثنية؛ إذ تؤثر الانتماءات الأولية بشكل مباشر على هوية الدولة الوطنية؛ حيث تسيطر الهويات القبلية والإثنية في حال ضعف الدولة في بناء هوية جامعة وشاملة. بناء على ذلك، توصل المتحدث إلى نتيجة أساسية ذات طبيعة سياسية، رغم انطلاقه من زاوية أنثروبولوجية وسوسيولوجية، معتبرًا الانتماءات الأولية تشكل "السوق السوداء" للصراع على السلطة؛ حيث تتحول الدولة من فكرة جامعة إلى فكرة ضيقة تهيمن فيها الولاءات المؤدلجة، فعندما تفشل الدولة في توفير الأمن والاحتياجات الأساسية للمواطنين، يلجأ الأفراد إلى القبيلة لحمايتهم، مما يؤدي إلى تفكك الدولة، مما يخرج موضوع الدولة من المنظور السياسي الجاف ويقحمه في نقاشات فلسفية أعمق حول طبيعة إنتاج الهوية الوطنية وأسسها. واستخلص عبد الله أحمد أن الظواهر الاجتماعية عابرة للتخصصات، وهي مسائل غير أحادية، ولا يمكن عزل الظواهر الاجتماعية عن مختلف السياقات التي أنتجتها، والتي تقتضي الإحاطة بها تبني مقاربة بينية في البحث.
تحدث عبد الأحد عن أطروحته بعنوان "إمكانات استثمار علم الاجتماع في تعزيز الاجتهاد الفقهي المعاصر"؛ حيث عرّف مفهوم البينية بأنه "استمداد الفقيه معطيات معرفية أو آليات منهجية من علم آخر لتجاوز العوائق المعرفية". وبيّن أن البينية ليست جديدة في التراث الفقهي؛ إذ إن الفقه يبحث في الفعل الإنساني المتعلق بالحكم الشرعي، وهو موضوع معقد ومتعدد الأبعاد. وبالتالي، يعدّ الفقه من أكثر العلوم انفتاحًا على الحقول المعرفية الأخرى، مستفيدًا في منهج أصول الفقه من علوم مثل علم الكلام والنحو والمنطق.
واستعرض عبد الأحد التحديات التي يواجهها الفقهاء في توظيف البينية في أبحاثهم، موضحًا وجود اتجاهين رئيسين في الاجتهاد الفقهي المعاصر؛ الأول، يرفض الاستعانة بعلم الاجتماع ويعتقد بأن الفقه يمتلك أدواته الخاصة لفهم الواقع، مما قد يؤدي إلى فساد عملية الاجتهاد دون تقديم بدائل واضحة. في المقابل، يقر الاتجاه الثاني بحاجة الفقه إلى علم الاجتماع، لكنه لا يحدد كيفية توظيف هذا العلم بشكل فعال. وأشار عبد الأحد إلى الإشكاليات المنهجية المتعلقة باستثمار في علم الاجتماع في أصول الفقه، خاصة غياب توضيح العلاقة بين أصول الفقه وعلم الاجتماع من حيث الموضوع والمنهج، وضرورة استخدام هذه المعرفة بشكل فعّال. كما تناول التحديات التي تواجه العلماء، مثل عدم ضمان النتائج والقلق بشأن عدم تحقيق الأهداف المتوقعة، بالإضافة إلى صعوبات تطبيق أدوات بحثية مثل الاستبيانات التي قد تكون غير ملائمة لبعض المجتمعات.
في ختام الندوة، أُتيحت الفرصة للحضور لطرح عدة تساؤلات وموضوعات مهمة. وقد أشارت هناء الزرفاوي إلى ملامح البيئة الأكاديمية للبحوث وخصوصية المجلات الناشرة، مع التركيز على إشكالية ارتفاع هامش الخطأ الناتج عن الفجوة بين الحقل العلمي الرئيس والحقل المجسّر معه في الدراسة، واستشكلت كيفية تجاوز هذه الفجوة عند الربط بين العلوم الطبيعية والإنسانية. من جانبه، أكد عبد العزيز الخال أن التحدي الأساسي في البحوث البينية لا يكمن فقط في وضوح موضوع البحث، بل في كيفية الاستعانة بالتخصصات الأخرى لإضفاء هوية بينية على الدراسة.
أما اشتى كمال، فقد أوضحت أن النصوص الأدبية تتطلب دراسة من زوايا متعددة، مثل السرد والشعر، مما يجعل البينية ضرورية في تحليلها. في حين أشار سعد فرحت إلى أن البينية قد تكون عفوية أو محمّلة بأيديولوجيا مقصودة. وتناولت زينب الخادالي أهمية اللجوء إلى البينية كوسيلة لمعالجة الظواهر وربط الموضوعات في منظور موحد. وشدد عبد الله أحمد على أن البحث البيني يجب أن ينطلق من رؤية شمولية، وأن اختيار موضوع البحث ينبغي أن يستند إلى فهم متكامل لكافة أبعاده. كما نبهت لطيفة بلوي إلى أن البينية ليست مناسبة لكل موضوع، مشيرة إلى ضرورة مراعاة معايير معينة في ذلك. من جهة أخرى، أشار التجاني عبد القادر إلى إشكالية التحكيم في المجلات العلمية؛ حيث قد يتعصب بعض المحكمين لتخصصاتهم، مما يعيق نمو البحوث البينية. ودعا إلى ضرورة انفتاح المختصين على هذا النوع من الأبحاث، وتوعية المجلات للمحكمين بخصائص البحث البيني لضمان تطويره وتعزيز جودته.
للاقتباس: ملحم، مريم ناصر. «تقرير عن ندوة مجلة تجسير (عن بعد) - تجربة البحث البيني في الدراسات العليا، مركز ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة قطر: 22 أكتوبر 2024». مجلة تجسير لدراسات العلوم الإنسانية والاجتماعية البينية، المجلد السادس، العدد 2 (2024)، ص251-256. https://doi.org/10.29117/tis.2024.0196 |
© 2024، ملحم، الجهة المرخص لها: مجلة تجسير ودار نشر جامعة قطر. نُشرت هذه المقالة البحثية وفقًا لشروط Creative Commons Attribution-Noncommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0). تسمح هذه الرخصة بالاستخدام غير التجاري، وينبغي نسبة العمل إلى صاحبه، مع بيان أي تعديلات عليه. كما تتيح حرية نسخ، وتوزيع، ونقل العمل بأي شكل من الأشكال، أو بأية وسيلة، ومزجه وتحويله والبناء عليه، طالما يُنسب العمل الأصلي إلى المؤلف. https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0