تاريخ الاستلام: 16 مايو 2024 | تاريخ القبول: 03 سبتمبر 2024
علم اجتماع البينية: حركية البحث في مجال الطاقة، لأنتي سيلفاست وكريس فولدز
أستاذ مساعد، قسم علم الاجتماع، جامعة مؤتة، الأردن
Book Review
Sociology of Interdisciplinarity: The Dynamics of Energy Research, by Antti Silvast & Chris Foulds
Reviewed
by: Faten Shaher Al-Amro
Associate Professor in Sociology, Mutah University, Jordan
Book Title: Sociology of Interdisciplinarity: The Dynamics of Energy Research Authored by: Antti Silvast & Chris Foulds. Language of Edition: English Publisher: Switzerland: Palgrave Macmillan Year of publishing: 2022 No. of pages: 125 |
عنوان الكتاب: علم اجتماع البينية: حركية البحث في مجال الطاقة المؤلف: أنتي سيلفاست وكريس فولدز لغة الإصدار: الإنجليزية الناشر: سويسرا: بلجريف ماكميلان سنة النشر: 2022 عدد الصفحات: 125 صفحة |
|
eBook: ISBN: 978-3-030-88455-0 - https://doi.org/10.1007/978-3-030-88455-0 |
الترقيم الدولي (ردمك): |
|
للاقتباس: العمرو، فاتن شاهر. "مراجعة كتاب: علم الاجتماع بين التخصصات المتعددة: ديناميكيات أبحاث الطاقة، لأنتي سيلفاست وكريس فولدز "، مجلة تجسير لدراسات العلوم الإنسانية والاجتماعية البينية، المجلد السادس، العدد 2 (2024)، ص233-238. https://doi.org/10.29117/tis.2024.0193 |
© 2024، العمرو، الجهة المرخص لها: مجلة تجسير، دار نشر جامعة قطر. نُشرت هذه المقالة البحثية وفقًا لشروط Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0). تسمح هذه الرخصة بالاستخدام غير التجاري، وينبغي نسبة العمل إلى صاحبه، مع بيان أي تعديلات عليه. كما تتيح حرية نسخ، وتوزيع، ونقل العمل بأي شكل من الأشكال، أو بأي وسيلة، ومزجه وتحويله والبناء عليه، طالما يُنسب العمل الأصلي إلى المؤلف. https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0
يقدم أنتي سيلفاست (Antti Silvast) وكريس فولدز (Chris Foulds) في كتابهما "علم اجتماع البينية: حركية البحث في مجال الطاقة" تحليلًا نقديًا لكيفية نشوء البينية وتطورها من خلال المؤسسات الأكاديمية والبحثية، مع تسليط الضوء على الدور الحاسم الذي تلعبه منظمات تمويل الأبحاث واستراتيجيات التأثير التي يعتمدها صانعوا السياسات. يعتمد الكتاب على دراسات حالة من فنلندا، والنرويج، والمملكة المتحدة، ليبني إطارًا تحليليًا جديدًا لفهم ديناميكيات البحث البيني، والذي أطلقا عليه "علم اجتماع البينية".
يحتوي الكتاب على خمسة فصول تستعرض أبعادًا مختلفة للبحث البيني في سياقات بحثية متنوعة:
يبدأ الفصل الأول بمقدمة وخلفية معرفية حول البحث البيني، مقدمًا عرضًا تاريخيًا لتطور هذا النوع من البحث باعتباره توجهًا بحثيًا مؤسسيًا تعززه بشكل رئيس منظمات تمويل الأبحاث. يناقش الفصل مفهوم "البينية" باعتباره دمجًا لتخصصات علمية وأكاديمية مختلفة بهدف إنتاج معرفة جديدة. كما يستعرض دور المؤسسات في دعم وترويج البحث البيني باعتباره مسعى بحثيًا مهمًا يتطلب تضافر الجهود من عدة تخصصات. كما يتضمن الفصل أيضًا دراسة موسعة حول ما تقدمه الأسس الاجتماعية والتقنية لدراسات العلوم والتكنولوجيا في تطوير البحث البيني.
وجاء الفصل الثاني بعنوان "التفكير بمنهج الأنظمة الشاملة والنمذجة في المملكة المتحدة"، يركز على تجربة الأكاديميين في المملكة المتحدة الذين تبنوا نهج "النظام الشامل" لأكثر من عقد. "النظام الشامل" يشير إلى إطار عمل يتطلب "التفكير في جميع أبعاد التغيير عن طريق الاستفادة من مجموعة من التخصصات والخبرات المختلفة"[1]. يدرس هذا الفصل أيضًا الأبحاث السابقة التي استكشفت تجارب البحث البيني، خاصة في علوم الحاسب، مسلطًا الضوء على كيفية تفاعل هذه الأبحاث مع نماذج جديدة للتفكير الشامل.
يتناول الفصل الثالث تجربة النرويج؛ حيث أطلق مجلس البحوث النرويجي في عام 2009 مراكز أبحاث الطاقة الخضراء، التي تهدف إلى دمج الأكاديميين مع الشركات الخاصة والمؤسسات الحكومية؛ لتعزيز الابتكار البيئي ودعم التحول نحو الطاقة النظيفة. يبرز هذا الفصل الديناميكيات الفريدة لهذا النوع من التعاون بين القطاعات المختلفة، مشددًا على أهمية الدمج بين العلوم التقنية والاجتماعية والإنسانية. تُحلل تجارب المشاركين في هذه المشاريع من خلال مقابلات ميدانية، لتقديم صورة شاملة حول تحديات وفوائد التعاون البيني.
يبين الفصل الرابع، والذي يُعد الفصل التجريبي الأخير، أن المنهج المستخدم المستوحى من دراسات العلوم والتكنولوجيا مفيد لدراسة العمليات الأساسية ونتائج مشاريع أبحاث الطاقة الكبيرة في مجال الطاقة، وتُعد هذه المشاريع تقليدية مقارنة مع المشاريع البينية التي تمت مناقشتها في الفصلين الثاني والثالث. كما يستعرض مشروعًا بحثيا تقليديا في فنلندا، يركز على تقييم "قيمة" إمدادات الكهرباء لمستخدمي الطاقة من خلال تخصيص سعر مالي لهذه الموثوقية. ورغم أن هذا المشروع يعتمد على نهج أحادي التخصص، إلا أنه يُطرح في سياق أوسع يتناول قضايا البحث البيني. يناقش الفصل كذلك حدود التخصصات العلمية، وتأثير تمويل الأبحاث، والاختلافات الثقافية الإبستمولوجية بين التخصصات، كما يستكشف أهمية التخصصات الدقيقة في فهم المشاريع البحثية التي تجمع بين التحديات التقنية والاقتصادية والاجتماعية.
يقدم الفصل الخامس [الختامي] إطارًا جديدًا يعرف بـ"علم اجتماع البينية"، يستخلص الباحثون من خلاله دروسًا رئيسة من الحالات المدروسة في الفصول السابقة، محللين حركية ونتائج البحث البيني في هذا العقد مقارنةً بالعقود السابقة. كما يركز الفصل على تأثير الجهات الممولة، والفوارق في الوصول إلى الموارد، وعلاقات القوة. ويطرح إطارًا مكونًا من ستة أبعاد تمت مناقشتها في ضوء الأدب البيني والتحليل الإمبريقي.
دُرِست حركيات (ديناميكيات) مشاريع البحث في مجال الطاقة بشكل واسع من خلال ثلاث حالات مختلفة؛ الحالة الأولى، التي تناولها الفصل الثاني، فحصت التفكير الشمولي البيني في بحوث الطاقة في المملكة المتحدة. أما الفصل الثالث فقد ركز على دراسة البينية في البحوث البيئية والطاقة في النرويج، بينما تناول الفصل الرابع حالة مشروع بحثي تقليدي في فنلندا في مجال الطاقة. ومع أن المشروع كان عابرًا للتخصص، إلا أن الغرض من فحص هذه الحالات كان التوصل إلى إطار شامل لعلم اجتماع البينية، الذي يهدف إلى تحليل الديناميكيات الاجتماعية لممارسة البينية في الأبحاث. تكمن فائدة هذا الإطار في تقديم المساعدة للمهتمين بالأبحاث البينية، سواء كانوا مديري جهات التمويل، أو علماء الاجتماع، أو الإداريين. إن دراسة البينية من منظور اجتماعي تعد أمرًا بالغ الأهمية لفهم سياق الإنتاج المعرفي والعلمي.
يستند هذا الكتاب إلى بحوث سابقة مثل دراسة ونسكل (M. Winskel)، التي أظهرت أن البحث البيني يؤدي إلى التنوع التخصصي والعلمي، ويعمّق المعرفة المركّبة، ويُبرز كيف تلعب الجهات غير الأكاديمية، مثل: المصانع، والجهات العامة، وصناع القرار دورًا حيويًا في تصميم البحوث البينية[2]. ومع ذلك، يتناول هذا الكتاب دور هذه الجهات بشكل أعمق من خلال تحليل التجارب الشخصية والديناميكيات المتعلقة بالعاملين في مشاريع البحث البيني، بدلًا من الاقتصار على التصورات التي تروج لها الجهات العلمية وغير العلمية.
طوّر سليفاست وفولدز ستة مقاييس أو أبعاد لبناء إطارٍ لعلم اجتماع البينية عبر دراسة ديناميكيات بحوث الطاقة. تفسر هذه المقاييس التجارب الشخصية للعلماء، وتأثير الجهات الممولة للأبحاث، والثقافة الإبستمولوجية لإنتاج المعرفة في قضايا وعلوم الطاقة، والديناميكيات الاجتماعية للمشاريع البحثية. من خلال هذه المقاييس المتداخلة، توصل الباحثون إلى ستة أبعاد رئيسة تُبرز القضايا الجوهرية في البحوث البينية. وعلى الرغم من أن هذه الأبعاد قد لا تكون شاملة، إلا أنها تلخص التجارب المكتسبة من مشاريع بحث علوم الطاقة.
البعد الأول: تأثير التمويل. يتعلق هذا البعد بتأثير التمويل على الممارسات، وفرق البحث، والمخرجات العلمية. ذلك أن الاعتماد على التمويل الخارجي، الناتج عن المنافسة على المنح، يتسبب في تأثير غير مقصود على وثائق البحث مثل المقترحات البحثية ونصوص الدعوة للبحوث؛ حيث تلعب هذه الوثائق دورًا رئيسيًا في تشكيل ردود المتقدمين للحصول على التمويل، مما يؤثر بشكل مباشر على مخرجات وتوصيات البحث العلمي. على سبيل المثال، يظهر أن الاتجاه السائد في السنوات الأخيرة في البحوث البينية يرتبط بتطوير صورة واضحة حول التحديات الاجتماعية في قضايا الطاقة والمناخ، بناءً على اهتمامات المؤسسات التمويلية.
البعد الثاني: الثقافات الإبستمولوجية (Epistemic Cultures)، يشير إلى دور البحث البيني في الإنتاج العلمي في مختلف الثقافات الإبستمولوجية. قدمت أنثروبولوجيا سيتينا (K. Cetina) مصطلح "الثقافات الإبستمولوجية"، ووضحت مفهومه في دراستها لحقلين علميين: فيزياء الطاقة وعلم الأحياء الجزيئي. وقد عُرّفت الثقافات الإبستمولوجية بأنها "الإنتاج والحفاظ على فهم خاص لما هي المعرفة الصالحة وكيف يجب أن تُنتج وتُفهم"[3]. وترى سيتينا أن النهج المتبع في التخصصات العلمية يكون "محافظًا"؛ حيث تقتصر وظيفتها على تنظيم ومعالجة العلم دون تقديم وصف شامل للممارسات العلمية. بناءً على ذلك، طُورت فكرة الثقافات الإبستمولوجية.
استخدم سليفاست وفولدز الإثنوغرافيا لدراسة التنظيم الداخلي للفرق التي تعمل في البحوث البينية، وطبقوا مقياس الثقافات الإبستمولوجية لفهم الفروقات التي تظهر عندما تعمل هذه الفرق على حل مشكلات ضمن مشاريع بحثية بينية ضخمة في مجال الطاقة. وقد أظهر الكتاب أن الاختلاف بين العلماء المتخصصين في الحقول الاجتماعية وعلماء الهندسة يعود إلى اختلاف الثقافات الإبستمولوجية. على سبيل المثال، يعمل الباحثون في الهندسة بشكل جماعي، بينما يعمل الباحثون في العلوم الاجتماعية بشكل فردي. تشجع الثقافة العلمية في مجال الهندسة على العمل الجماعي وتجربة التقنيات والنماذج، بينما يُتوقع من الباحثين في العلوم الاجتماعية العمل بشكل فردي. على الرغم من أن هذا الإطار يساعد في توضيح طرق إنتاج المعرفة في سياق البحوث البينية، إلا أنه يواجه قيدًا مهمًا، كما أشارت سيتينا؛ حيث إن "هذا المفهوم لا يعالج مسألة كيفية انتقال المعرفة بين الثقافات الإبستمولوجية". وهذا ما تناوله سليفاست وفولدز في هذا الكتاب؛ حيث يرتبط البحث البيني في مشاريع الطاقة بتبادل المعرفة بين الثقافات العلمية المختلفة أو التخصصات المتنوعة.
البعد الثالث: الموضوعات الحدودية، يعنى بكيفية انتقال المعرفة بين الثقافات الإبستمولوجية عبر ما يُعرف بـ "الموضوعات الحدودية" (Boundary Objects)، مثل: الهندسة، والفيزياء، والعلوم الإنسانية والاجتماعية. الموضوعات الحدودية هي مفاهيم وأساليب علمية توجد عند تقاطع عوالم اجتماعية مختلفة، مثل السياسة والاقتصاد. كما أنها تقع أيضًا عند تقاطع ثقافات معرفية أو إبستيمولوجية متنوعة؛ حيث تتسم هذه العوالم الاجتماعية بتماسكها من خلال استخدام الأدوات والتقنيات المتخصصة ذاتها. في سياق هذا الكتاب، يشير البحث في مجال الطاقة إلى أن قواعد البيانات، والأساليب الموحدة، والنماذج تُعدّ أمثلة على الموضوعات الحدودية، بما في ذلك الأدوات والأساليب الجديدة مثل تحليل أنظمة الطاقة. تكمن أهمية الموضوعات الحدودية في تنظيم الأنشطة داخل الفرق العلمية وخلق التماسك بينها، مما يساهم في ربط المجتمعات المهنية عبر سياقات مؤسسية ومهنية متعددة.
أما عن البعد الرابع: الاستعارة أو الاستحواذ على التخصصات العلمية الأخرى (Appropriating other disciplines)، فهو يُعنى بكيفية استعانة المشاريع البينية بأدوات وطرق ومناهج من تخصصات علمية مختلفة. قدمت ديان فروسيثي[4] مصطلح "الاستحواذ" (Appropriating) في سياق دراستها للتقاطعات بين المعلوماتية الطبية، وعلوم الحاسب، والإثنوجرافيا، والأنثروبولوجيا. هذا المصطلح، الذي استُخدم سابقًا في العلوم الاجتماعية للدلالة على الاستحواذ الثقافي (cultural appropriation)، يشير إلى تبني عناصر من ثقافات أو مجالات علمية جديدة؛ حيث لاحظت فروسيثي أن استخدام المناهج الأنثروبولوجية والإثنوجرافية في تصميم البرمجيات الحاسوبية قد ازداد منذ السبعينيات، مما ساهم في تطوير هذه البرمجيات. رغم ذلك، أدى هذا الاتجاه إلى زيادة عدد الأنثروبولوجيين في الشركات والمختبرات البحثية، رغم إبرازه عواقب سلبية. فقد استخدم الأطباء وعلماء الحاسب التقنيات الإثنوجرافية دون أن يكون لديهم تدريب أنثروبولوجي مناسب، مما أدى إلى تطبيق غير صحيح للمناهج العلمية. بالتالي، كانت الإشكالية في عدم امتلاك الخبرة الإثنوجرافية اللازمة لفهم وتطبيق هذه الأساليب بشكل فعّال فأصبحت غير مفهومة للبقية أيضًا.
يشير البعد الخامس: المرونة والتفسير، إلى قدرة المشاريع البينية على فتح مجال للنقاش حول تفسير "الحقائق". على سبيل المثال، عندما يكتشف العلماء بيانات جديدة لا يمكن تفسيرها بناءً على المعرفة المتاحة، فإن هذه البيانات تكون مرنة تفسيرياً. في مثل هذه الحالات، قد تُجرى مفاوضات اجتماعية لتسوية النقاشات حول التفسيرات الممكنة. في هذا الكتاب، لا تركز المرونة التفسيرية على النتائج العلمية فقط، بل على التقنيات المستخدمة أيضًا، بما في ذلك كيف تنظر المجموعات الاجتماعية إلى معنى هذه التقنيات وكيفية تصميمها وتطبيقها. تشارك هذه المجموعات في تفسير التقنيات المدروسة، وتسعى كل منها إلى ترسيخ وجهة نظرها وتثبيت منظورها حول هذه التقنيات، مما يساعد على إغلاق الجدل التكنولوجي واستقراره. وتكمن أهمية هذا البعد في عدم وجود تعريف محدد للبينية؛ حيث يُستخدم مصطلح ما بعد التخصص وبين التخصصات وتعدد التخصصات؛ نظرًا لمرونتها التفسيرية. تُفضي المشاريع البينية إلى تفسيرات متنوعة للمفاهيم الأساسية العلمية، مثل الطلب على الطاقة ونماذج الطاقة، التي يمكن أن تُفهم بطرق مختلفة عبر القطاعات المختلفة والثقافات الإبستمولوجية المتعددة.
يتناول البعد السادس والأخير: أهمية التخصص العلمي، أهمية التخصصات الأكاديمية التقليدية في سياق البحث البيني، الذي يشير إلى دمج أكثر من حقل أو تخصص علمي، مما يبرز أهمية التخصصات العلمية التقليدية. وأشار سليفاست وفولدز إلى أنه لا يوجد تعريف واضح للتخصص أو الحقل العلمي، مما يثير تساؤلات حول ما يُعدّ بينيًا بالفعل.
وتجدر الإشارة في هذا السياق، إلى أن الكتاب يستند إلى العمل التأسيسي لتوماس كون (Thomas Kuhn) حول بنية الثورات العلمية، الذي يمثل تقاليد البحث العلمي المتكاملة التي تجمع بين التقنيات والنظريات التي يستخدمها العلماء. توفر مثل هذه النماذج للعلماء أفكارًا وافتراضات مسبقة وأسسًا لتدريب الطلاب باستخدام أدوات وممارسات محددة. على الرغم من أن هذه النماذج ليست تخصصات بحد ذاتها، فإن التخصص الواحد يحتوي على عدة نماذج علمية قد يُستبدل أحدها بآخر أثناء الثورات العلمية. بينما يعتمد الباحثون في المجالات البينية على مجموعة واسعة من الأدوات والممارسات التي يُطلق عليها أحيانًا "التخصصات العلمية". توجد التخصصات ضمن هياكل الكليات الجامعية، ولها أسباب قوية للدفاع عن دقة التمسك بتقاليد فكرية معينة وأفكار افتراضية؛ حيث تمنح العلماء معايير موضوعية وطرقًا خاصة لإثبات البراهين وفهم جودتها. بدون فرضيات أو أفكار مرجعية، يصبح من الصعب إنتاج المعرفة، وهذا ما يعكس الجدل المستمر في سياق المرونة التفسيرية. وعليه، يؤكد سليفاست وفولدز على أن المشاريع البحثية البينية يمكن أن تكون فعالة فقط عندما تقترن بالاعتراف بالتخصصات الأكاديمية التقليدية التي يمكنها أداء هذا العمل بنجاح.
نخلص من ذلك، إلى أن سليفاست وفولدز يستعرضان في هذا الكتاب التجارب الشخصية في مشاريع البحث البيني عبر العلوم الطبيعية والتقنية والإنسانية والاجتماعية، إلا أنهم لم يتناولوا التأثيرات المؤسسية والجهات الممولة على هذه المشاريع. لأن التجارب الشخصية وحدها لا تكفي لتوضيح جميع الجوانب الاجتماعية وتأثيرها على العمل في المشاريع البينية، فقد روجعت التجارب في المشاريع البينية باستخدام الإثنوجرافيا، بالإضافة إلى البيانات المكتوبة، ومقابلات مع الباحثين، والمراجعات الأدبية.
يُعدّ هذا الكتاب بداية لمناقشة ديناميات وسياق البحث البيني؛ حيث يهدف إلى دراسة البينية كنشاط اجتماعي وتفسير نتائج البحوث البينية من منظور ديناميات اجتماعية. طوّر سليفاست وفولدز إطارًا سوسيولوجيًا للبينية يتضمن ستة أبعاد لفهم الأبعاد الاجتماعية عند العمل في المشاريع البحثية البينية. على الرغم من أن هذه الأبعاد قد لا تكون شاملة وقد يكون هناك أبعاد اجتماعية وعلمية أخرى، إلا أنها تبرز ما تُوُصِّل إليه من خلال مراجعة الحالات الدراسية في مجال الطاقة في نيوزيلندا، والمملكة المتحدة، والنرويج، وفنلندا.
يكشف الكتاب أيضًا، عن كيفية إنتاج المعرفة من خلال مؤسسات معينة من حيث الإنتاج، والاستهلاك، والفهم، وإعادة الإنتاج من قبل العلماء والعاملين في هذه المؤسسات. قد تكون الأبعاد التي وضعها الكتاب محدودة بسبب نطاق الدراسة في مجال التكنولوجيا والطاقة. إلا أن هذا الكتاب يعد دعوة لدراسة المجتمعات العلمية والمؤسسات العلمية من الداخل، من خلال مقابلة الباحثين في هذه المجالات حول تجاربهم الشخصية في العمل في مجموعات الأبحاث البينية، وكذلك مقابلة رؤساء المؤسسات التمويلية لهذه البحوث في مجالات علمية متنوعة.
Cetina, K. Epistemic Cultures: How the Sciences make Knowledge. London: Harvard University Press, 1999.
Eyre, N., & others. Making the Transition to a secure and low-carbon energy system: Energy 2050 Project Synthesis Report. London: The UK Energy Research Centre, 2009. http://www.ukerc.ac.uk/Downloads/PDF/U/UKERCEnergy2050/0906UKERC2050.pdf
Forsythe, D. E. It's Just a Matter of Common Sense: Ethnography as Invisible Work. Computer Supported Cooperative Work, Vol. 8 (1999), pp. 127145. https://doi.org/10.1023/A:1008692231284
Winskel, M. "The pursuit of interdisciplinary whole systems energy research: Insights from the UK Energy Research Centre." Energy Research & Social Science, Vol. 37 (2018), pp. 74-84. https://doi.org/10.1016/j.erss.2017.09.012
[1] N. Eyre & others. Making the Transition to a secure and low-carbon energy system: Energy 2050 Project Synthesis Report (London: The UK Energy Research Centre, 2009), p. 5. http://www.ukerc.ac.uk/Downloads/PDF/U/UKERCEnergy2050/0906UKERC2050.pdf
[2] M. Winskel, "The pursuit of interdisciplinary whole systems energy research: Insights from the UK Energy Research Centre," Energy Research & Social Science, Vol. 37 (2018), pp. 74-84. https://doi.org/10.1016/j.erss.2017.09.012
[3] K. Cetina. Epistemic Cultures: How the Sciences make Knowledge (London: Harvard University Press, 1999), p. 3.
[4] Diana E. Forsythe, "It's Just a Matter of Common Sense: Ethnography as Invisible Work," Computer Supported Cooperative Work, Vol. 8 (1999), pp. 127-145. https://doi.org/10.1023/A:1008692231284