تقرير

ندوة مجلة تجسير الدورية (عن بعد):

علم الاجتماع وسؤال التكامل

مركز ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة قطر

21 أبريل 2024

عبد العزيز الخال

 مساعد باحث، مركز ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة قطر

abdelaziz.elkhal@qu.edu.qa

https://orcid.org/0000-0001-9222-931X

Report

Tajseer Journal Seminars (Virtual):

Sociology and the Question of Integration

Ibn Khaldon Center for Humanities and Social Sciences, Qatar University

Abdelaziz EL KHAL

Research Assistant, Ibn Khaldon Center for Humanities and Social Sciences, Qatar University

abdelaziz.elkhal@qu.edu.qa

https://orcid.org/0000-0001-9222-931X

 

نظم فريق تحرير مجلة "تجسير"، التي يصدرها مركز ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية، بجامعة قطر، يوم الأحد 21 أبريل 2024، الساعة 8:00 مساء، ندوة "تجسير" العاشرة تحت عنوان: "علم الاجتماع وسؤال التكامل". بمشاركة ثلاثة علماء اجتماع بارزين في العالم العربي، هم محمد الذوادي، وساري حنفي، وعبد الرحيم العطري؛ سعيًا إلى اعتماد رؤى مختلفة في مقاربة مدى بينية علم الاجتماع وفحص ما يحبل به هذا التخصص من ممكنات التجسير والتكامل المعرفي مع باقي الحقول المعرفية والتخصصات العلمية. وقد تولى السيد عبد العزيز الخال، مساعد باحث في مركز ابن خلدون، تسيير مجريات الندوة التي افتتحها بتأطيرها زمانيًا ومكانيًا، وبيان الهدف الرئيس من إقامتها، قبل الترحيب بالمشاركين فيها، وإسناد الكلمة لهم على التوالي.

جاءت مداخلة د. ساري حنفي مؤطرة بعنوان: "تكامل علم الاجتماع مع علوم الشرع"، وقد استهل مداخلته بمقاربة أهمية التداخل بين علم الاجتماع وبقية العلوم الإنسانية والاجتماعية، وشرعية انفتاح كل التخصصات المدرجة في هذه الحقول المعرفية على بعضها البعض، وأدرج أمثلة علم النفس، والعلوم السياسية، واللسانيات، وغيرها. مؤكدًا على أن التكامل بين علم الاجتماع وباقي العلوم الاجتماعية يكتسي حساسية خاصة، تكمن في وجود خط فاصل يمنع التكامل بين نخب المجتمع العربي، وهذا الخط الفاصل هو موضوع الدين؛ فمن بين علماء الاجتماع أشار إلى أن هناك طرفًا علمانيًا على الطريقة الفرنسية وطرفًا آخر شرعيًا كان له دور في إلغاء الشرعية عن العلوم الاجتماعية خوفًا منها.

في محاولة للاستدراك على هذا الموضوع، ينطلق حنفي من قضيتين مهمتين؛ تفيد الأولى أن جميع الإشكالات التي يتناولها العلم بالدراسة والتحليل تحمل في طياتها بعدًا أخلاقيًا؛ مثل مسألة اختيار حبس الناس في بيوتهم في فترة الكوفيد، مع ما قد يعانونه من شدة الجوع ونقص مستوى العيش، أو السماح لهم بالاختلاط؛ بحثًا عن سبل العيش رغم التهديد الذي تفرضه كورونا على حياتهم. وفي هذا المثال ما يؤكد عدم وجود مشكلة علمية خالية من أي بعدٍ أخلاقيٍ. وعليه، لا يمكن الفصل بين التخصصات إلا من باب استيعاب مجال عملها لا الإشكالية المعالجة. فالبعد الأخلاقي في نظره تتكامل فيه العلوم الاجتماعية مع علوم الشرع، ويستند في ذلك على مقولة: الإسلام دين ودنيا، وهو كفيل بحل جميع الإشكالات، وينبه إلى أن ذلك يجعل معالجة أي موضوع يحتاج إلى فتوى في جميع القضايا، مثال: هل نحتاج فتوى للخروج في مظاهرات أم لا؟ وكأن المفتي صار خبيرًا ضالعًا في فهم جميع الإشكالات المطروحة، ويعبر عن خطأ هذه المقاربة. فيما يعتقد بضرورة وضع مظلة فوق العلم والدين تسمى الأخلاق. بينما تقتضي معالجة أي قضية – كيفما كانت – فتح حوار/ تعاون بين العلوم المتقاطعة في القضية المعالجة للمشاركة في إيجاد حل لها، دون احتكار الحل من أي علم أو تخصص على حساب الآخر.

ويؤكد في القضية الثانية التي ينطلق منها أن لكل تخصص مناهجه وأدواته وخلفيته المعرفية الخاصة، التي يجب على باقي التخصصات إبان الدراسة أو البحث البيني مراعاتها. وهذا ما يفسر مناداة حنفي بـ"مقاربة الفصل والوصل والفعل التعددي" في علم الاجتماع (الذي هو موضوع المداخلة)؛ فدراسة أي قضية كيفما كانت تتطلب الفصل أولا: أي اعتماد الخلفية المعرفية التي ينطلق منها الباحث في التطرق للموضوع سواء كانت اجتماعية أو شرعية دون اللجوء إلى باقي الخلفيات، ثم يأتي الوصل (ثانيًا) بحسب رؤية الباحث للموضوع (ما أسماه رؤية العالم)، فوفقًا للسياق ومرفقات موضوع الدراسة تُحدّد كيفية الفصل أو الاتصال مع باقي التخصصات. أما الفعل التعددي فيُلزمنا دائما بثنائية الفصل والوصل في بناء المقاربة التكاملية للموضوع؛ أي للمقاربة في علم الاجتماع أن تلتزم بخصوصية البحث الاجتماعي كما يطرحها التخصص على المستوى النظري، لكن التوجه بالفعل نحو هذا الإنسان الاجتماعي يتطلب الأخذ بعين الاعتبار تعدد المجتمع الذي هو نتاج لهذا الكائن الاجتماعي (إن صح التعبير). وهكذا يقتضي التفكير في أي قضية في علم الاجتماع بطريقة بينية التفكير، وفق قاعدتي الفصل والوصل، وانعكاس ذلك على الفعل التعددي كقاعدة ثالثة؛ أي بما لا ينفي طابع الخصوصية ولا يلغي واقع التعددية.

أما مداخلة الدكتور عبد الرحيم العطري، فقد اعتمدت عنوان: "علم الاجتماع وعلوم النص والدلالات والعلامات: ضرورات التجسير وممكنات التأويل"؛ لتعكس أهمية التجسير في علم الاجتماع وراهنيته. وأكد على أن التجسير المقصود هنا هو التجسير الفعال الذي يهدف إلى إنتاج المعنى، وليس التجسير لمجرد التجسير (غير منتج)، مشيرًا إلى أن التجسير الأخير قد يؤدي إلى فقدان الهوية الاجتماعية. وقد بدأ بذكر ثلاث مقدمات أساسية؛ لإبراز الحاجة إلى إثارة نقاش علمي حول أهمية التجسير في علم الاجتماع. وجاءت هذه المقدمات على النحو التالي:

1)     السياقية؛ حيث عدّ السياق كفيلًا بإنتاج المعنى، وأكد على أن الوقائع الاجتماعية هي وقائع سياقية، وأن تحقيق مطلب فهمها يجبرنا على إعادتها إلى السياق الذي أنتجت فيه، مما يجعل الحدث نفسه مفتاحًا لتأويل مختلف التخصصات، واستخدم أزمة كورونا مثالًا على ذلك.

2)     العلائقية؛ حيث أشار إلى أهمية فك شفرة العلاقات الاجتماعية كمفتاح للتجسير، وعدّ الوقائع الاجتماعية منتجاتٍ علائقية؛ سواء على المستوى الأفقي أم العمودي.

3)     النصوص المجتمعية؛ حيث عدّ الواقع نصًا اجتماعيًا يحتاج إلى تفكيك وتحليل، بوصفه نسيجًا من المترابطات بين أفراد المجتمع والأحداث.

استنادًا إلى هذه المقدمات، دافع العطري عن ضرورة التكامل المعرفي في علم الاجتماع، وأشار إلى أن مؤسسي علم الاجتماع كانوا أكثر انتصارًا للتكامل المعرفي، سواء من حيث الموضوعات أم المناهج التي اشتغلوا بها، كما تبين ذلك متونهم الفكرية؛ ومثال ذلك إيميل دوركهايم الذي ألف في الدين، والسياسة، والتربية، وعلم النفس، والاقتصاد، وغيرها من المؤلفات التي تكشف استعانته بمختلف العلوم في تحرير موضوعاته، عوض الاكتفاء بعلم الاجتماع فقط. وكذلك الأمر بالنسبة إلى ماكس فيبر وأوجست كونت وغيرهم، ممن نلمس لديهم هذا التجسير المنهجي، كما العمق الذي أضافته هذه المقاربة لموضوعاتهم. وهذا ما يجعل الحاجة إلى التكامل المعرفي أكثر إلحاحًا. لكن بعد هذا يقف مستشكلا عن نوع التكامل المعرفي الذي نحتاج إليه.

يرى العطري أن استفادة علم الاجتماع من باقي العلوم تقتضي الحذر من مخاطر الذوبان فيها أو التخلي عن هويته الاجتماعية كحقل علمي مستقل بذاته. في العهد الرقمي الذي ننتمي إليه، والذي باتت فيه الأيقونات والنصوص والعلامات تنتصر في تواصل الناس وتفاعلاتهم أكثر من أي شيء آخر، صار الباحث في علم الاجتماع يشعر بحاجته إلى علوم النص والدلالات والعلامات أكثر من ذي قبل. إذا كان مجال العلامات والدلالات هو اللغة، فإن امتداداتها التعبيرية قد تتجاوز مستوى اللغة الصرفة إلى كونها آلية اجتماعية، بوصفها تشكل الجسر الذي يتواصل من خلاله أعضاء هذا النسيج الاجتماعي. وفهم هذه الدلالات بالشكل الصحيح يسهم في فهم الفعاليات والوقائع الاجتماعية وتحليلها بمعقولية أكبر.

لذا، فالتحليل السوسيولوجي يحتاج إلى إمكانات التحليل التي يقدمها كل من السيميولوجي، واللغوي، وعالم النص في فتح احتمالات بديلة للتحليل السوسيولوجي. ومع ذلك، تجب مراعاة استيفاء متطلبات التحليل السوسيولوجي قبل الانفتاح على العلوم الأخرى، حتى يصبح التجسير فعالًا ومنتجًا. فالتجسير الفعال لا يسعى للهيمنة على باقي التخصصات أو الذوبان فيها، وهذا الأمر لا يمكن أن يتم في علم الاجتماع إلا باعتماد النقد المنفتح، الذي يسعى إلى مراجعة شروط إنتاج كل ما هو اجتماعي، وتجديد منهجية الفهم؛ بغية الوصول إلى مرحلة نحت حقول الاشتغال، في إطار تجسير علائقي منفتح على باقي المعارف الاجتماعية.

وفي مداخلته بعنوان "علم اجتماع البعد الثالث للإنسان كعلم أصيل وبيني"، تطرق الدكتور محمود الذوادي إلى مفهوم التجسير كمحاولة لفهم روابط العلوم الاجتماعية والإنسانية، ومدى راهنيتها في ضوء تبني مركز ابن خلدون لتلك المقاربة. أشار الذوادي في هذا السياق إلى ثلاث نقاط:

الأولى: استند الذوادي في مناداته بتجسير العلوم الاجتماعية والإنسانية، وتوضيح ترابطها مع باقي العلوم، إلى مؤلف إيمانويل والرشتاين (I. Wallerstein) عن "إعادة التفكير في العلوم الاجتماعية: حدود نماذج القرن التاسع عشر" (Unthinking Social Science: The Limits of Nineteenth-century Paradigms)؛ حيث دعا هذا العمل إلى مراجعة أطراف التفكير في العلوم الاجتماعية من حيث نظرياتها، ومفاهيمها، ومناهجها المطروحة منذ القرن العشرين، على اعتبار أن ما ينقص العلوم الاجتماعية والطبيعة، على حد سواء، هو الدعوة إلى وحدة العلوم فيما بينها، فيما يعكس الواقع ترابط العلوم مع بعضها البعض. إلا أن فصل العلوم عن بعضها البعض في ظل ترابط الواقع ووحدته لا يمكن أن ينتج لنا إلا نظريات ومفاهيم ضعيفة المصداقية، وفاقدة للقدرة على تفسير القضايا والظواهر التي تدرسها. يرى الذوادي أن هذه الدعوة تقع في صميم المقاربة التجسيرية، خاصة في ظل أهمية هذه المقاربة مؤخرًا في العالم العربي، ويشير إلى العمل الذي يقوم به مركز ابن خلدون في هذا السياق.

الثانية: يستند إلى مقولة مفادها أنه بخروج عالِم الاجتماع من تخصصه، واحتكاكه بتخصص آخر جانبي، كيفما كان، فهو يخلق لنفسه هامشًا لابتكار مفاهيم وأطر نظرية جديدة، ويستمد هذه المقولة من كتاب ترجمه بعنوان "العقيدة في العلوم الاجتماعية: الهامشية الخّلاقة"، وهو ما زال قيد الطباعة ولم يصدر بعد. وأشار إلى أن الكتاب يركز على دراسة عدد من الشخصيات في العلوم الاجتماعية، وخلص إلى أن عددًا كبيرًا من الشخصيات التي خرجت من ضيق حدود تخصصها أصبحت أكثر جرأة وقدرة على ابتكار مفاهيم، ونظريات، وأطر فكرية جديدة؛ ليساوي بين الهامشية الخلاقة والابتكار في العلوم الاجتماعية. وإذا ربطنا هذه المقاربة بموضوع الندوة، تبين أن التجسير بين العلوم قد يؤدي إلى ابتكار نظريات ومفاهيم ومعانٍ جديدة في العلوم الاجتماعية. وهذا ما يعزز الدعوة القائلة بضرورة التجسير بين العلوم الاجتماعية وباقي العلوم، باعتبار هذه الأخيرة تشكل وحدة متكاملة.

أما الثالثة، فيركز فيها على وحدة أصل العلوم وانبثاقها من مصدر واحد؛ مثلما هو في العقيدة الإسلامية الله مصدر المعارف كلها، على مستوى الكتاب والوجود. وعندما يكون أصل العلوم واحدًا يصبح التسليم بالتقارب فيما بينها شيء طبيعي ومشروع بامتياز. وفي تركيز الذوادي على الرؤية الإسلامية في النظر إلى العلوم، يتوافق مع والرشتاين في الدعوة إلى وحدة العلوم، باعتبار هذه الوحدة هي ما يمنح للمقاربة التجسيرية الشرعيةَ في معالجة مختلف القضايا الاجتماعية من أكثر من زاوية تخصصية، بهدف ابتكار أطر فكرية جديدة مواكبة للتطوير الفكري والمعرفي الحاصل.

وأضاف: إن ما ينقصنا في العالم العربي هو التحرر من سجننا العقلي،  والبحث عن رؤية خاصة واضحة المعالم؛ بدل الاعتماد على طروحات علماء الاجتماع الغربيين، خاصة أولئك الذين درسوا مجتمعاتنا في عهد الاستعمار، أمثال دوركهايم وماكس فيبر، وفي هذا السياق أبدع مفهومًا جديدًا أسماه علم الاجتماع الطارد (Expulsion Sociology)، يشير من خلاله إلى أن علم الاجتماع الغربي لم يكن يدرس الكثير من الظواهر غير المادية، مثل الأمور الثقافية غير المادية وغير المحسوسة، التي كانت تصنف خارج دائرة الاجتماعي، وبالتالي خارج اهتمامات عالم الاجتماع، ومع ما في ذلك من تقصير فإنه لم يكن يُعد كذلك؛ لأنه لم يكن مجالًا للتفكير. ونتيجة لذلك، كان العلماء الغربيون يتعاطون مع موضوع الإنسان باعتماد ثلاثة أبعاد: يتمحور الأول حول الإنسان الاقتصادي (homo-economicus)، والثاني عن الإنسان السياسي (homo-politicus)، والثالث عن الإنسان الاجتماعي (homo-sociologicus)، بينما لم يُلتفت لهذا الإنسان على أنه كائن ثقافي (homo-culturalis) بالدرجة الأولى، فتغييب البعد الثقافي في الإنسانية يفقده بقية الأبعاد المسندة إليه، فضلًا عن أن يوصف بها ويدرس من خلالها.

بعد فتح باب النقاش، كشفت مداخلات الحضور وتفاعلاتهم عن مجموعة من الأسئلة المهمة، من بينها استفسارات حول مرجعية العلوم الاجتماعية وتداخل أبعادها، ومسألة التغيير الاجتماعي، وتبدل الظواهر مقابل وحدة الوقائع وتكرارها، وكذلك الخطر المحتمل لمقاربة بينية في علم الاجتماع في ظل العصر الرقمي والجماعات المغلقة. كما طرحت العديد من الأسئلة التي لم يتسع الوقت للرد عليها بشكل كامل، في حين وعد مدير الندوة بتجديد اللقاء، ومناقشة باقي قضايا التجسير في "ندوة تجسير" المقبلة.

للاقتباس: الخال، عبد العزيز. «تقرير عن ندوة مجلة تجسير (عن بعد) - علم الاجتماع وسؤال التكامل، مركز ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة قطر: 21 أبريل 2024». مجلة تجسير لدراسات العلوم الإنسانية والاجتماعية البينية، المجلد السادس، العدد 1 (2024)، ص243-246. https://doi.org/10.29117/tis.2024.0173

© 2024، الخال، الجهة المرخص لها: مجلة تجسير ودار نشر جامعة قطر. نُشرت هذه المقالة البحثية وفقًا لشروط Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0). تسمح هذه الرخصة بالاستخدام غير التجاري، وينبغي نسبة العمل إلى صاحبه، مع بيان أي تعديلات عليه. كما تتيح حرية نسخ، وتوزيع، ونقل العمل بأي شكل من الأشكال، أو بأية وسيلة، ومزجه وتحويله والبناء عليه، طالما يُنسب العمل الأصلي إلى المؤلف. https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0