تقرير

ندوة مجلة تجسير الدورية (عن بعد):

وعي الطفل الفلسطيني: مقاربات بينية

مركز ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة قطر

11 فبراير 2024

نورة حمد الهاجري

 أخصائي تخطيط بحث أول، جامعة قطر

nouraalhajri@qu.edu.qa

https://orcid.org/0000-0003-4191-2412

Report

Tajseer Journal Seminar (Virtual)

Awareness of the Palestinian Child: Interdisciplinary Approaches

Ibn Khaldon Center for Humanities and Social Sciences, Qatar University

11 Feb. 2024

Noura Hamad Al-Hajri

Senior research planning specialist, Qatar University

nouraalhajri@qu.edu.qa

orcid.org/0000-0003-4191-2412

عقدت مجلة تجسير لدراسات العلوم الإنسانية والاجتماعية البينية ندوة تجسير التاسعة حول الندوة تحت عنوان "وعي الطفل الفلسطيني: مقاربات بينية"، مساء الأحد 11 فبراير 2024، في الساعة 8:00، (عن بعد) عبر برنامج ويبكس.

تكفل الأستاذ عبد العزيز الخال، سكرتير تحرير مجلة تجسير بإدارة مجريات الندوة وتقديم المتدخلين الثلاثة المشاركين فيها. وأشار إلى أن هذه الندوة تأتي في سياق حصول مركز ابن خلدون على كراسي الدراسات البينية في المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو)، الذي عدّه تتويجًا للجهود المباركة المبذولة في مركز ابن خلدون، من أجل تأصيل وتطوير المقاربة البينية على المستويين العلمي والأكاديمي. كما تحضر الندوة في سياق محاولة فهم مدى عمق وعي الطفل الفلسطيني، في ظل تصاعد وتيرة الأحداث العسكرية والسياسية والاقتصادية، وما واكبها من انعكاسات على مستوى المعيشة والصحة النفسية والتعليم وغيرها من الجوانب التي تكشف عن الوضع الإنساني المأساوي في قطاع غزة، وخاصة عند الحديث عن أطفال يتحملون تبعات كل ذلك.

حملت أولى المداخلات عنوان: "الواقع التعليمي والنفسي للطفل الفلسطيني تحت الاحتلال"، قدمها الأستاذ عائد حوشة، وهو مرشد نفسي وتربوي في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، بيّن فيها أن هناك ارتباطًا بين الواقع التعليمي والواقع النفسي، فإذا كانت نفسية الطفل مستقرة أثر هذا على مناحي الحياة كافة، ومنها المنحى التعليمي. غير أن واقع الحال في ظل الأزمة الحادة في غزة، يكشف عن حجم المعاناة التي يتعرض لها الطفل هناك؛ إذ تشير الإحصائيات إلى استشهاد أكثر من سبعة آلاف طفل ممن هم في سن المدرسة، وتتجاوز أعداد الجرحى والمصابين الآلاف، وكذلك من تعرضوا إلى عنف الأسْر.

وعبر عرض وصفي وتتبع تاريخي موجز لسياق الحالة الفلسطينية، أوضح الأستاذ حوشة أن الحالة النفسية القلقة التي يمتاز بها الطفل في فلسطين مغايرة تمامًا لواقع أي طفل عادي في العالم؛ حيث لا يعرف الطفل الفلسطيني إن كان سيعيش أو يبقى في منزله، أو يتعرض للقصف أو الاعتقال... وهو ما سماه بحالة "صدمات استعمارية"؛ لارتباطها بأثر الاحتلال المستمر وعبر أجيال تناقلتها. فالصدمة التي يعيشها الفلسطينيون عامة والأطفال خاصة، صدمة غير منفكة ولا طارئة أو عابرة، بل قارة في ذواتهم وأنفسهم. وفي رأي حوشة أن معارف علم النفس وعلم الاجتماع المتداولة نظرياتهما تبقى غير كافية، بل عاجزة عن تفسير تلك الحالة الفلسطينية؛ نظرًا لحالات العنف والتهجير والقسر والإبادة والمجازر والعدوان المستمرة لأجيال متعاقبة، فلا يمكن القول بحال من الأحوال، إن هناك (أعراض ما بعد الصدمات)، فهو مفهوم غير منطبق لاستمرار الصدمة، وكونها واقعًا معيشًا.

أما في القسم الثالث من طرحه، فيرى حوشة أن جزءًا من حالة التشافي النفسي، تستدعي عددًا من الإجراءات، أولها، الاعتراف بالصدمة تلك. فمع قوة الشعب الفلسطيني واستبساله إلا أنه يعاني من آلام وحزن وفقد. وثانيها التذويت؛ فهذه الحالة جزء كبير من الذات الفلسطينية ولا يمكن نسيانها بسهولة، وثالثها، إنعاش الذات عبر المحافظة على الهوية والثقافة العربية، وركز على أهمية الدعم المجتمعي والفزعات عبر ما أطلق عليه الهندسة الاجتماعية في ظل حالة الحروب التي يقل في ضبط القانون والنظم.

واختتم حوشة مداخلته بالدور الإيجابي للمناصرة الدولية من جمهورية جنوب أفريقيا في دعواها ضد دولة الاحتلال في المحكمة الدولية التي كان لها أثر نفسي كبير على الفلسطيني عامة. في ظل سقوط الادعاءات الغربية المتحضرة بمناصرة الأخلاق والإنسانية وحقوق الإنسان.

بينما جاءت المشاركة الثانية من قطر، بعنوان: "تأثير النزاعات حول وعي الطفل الفلسطيني، دراسة للجوانب النفسية والتربوية"، قدمتها الدكتورة لبنى ناصر من جامعة لوسيل؛ حيث افتتحت حديثها بتأكيد حالة الوعي والنضج الكبيرين عند الطفل الفلسطيني، رغم الإمكانات المادية والتحديات التكنولوجيا وقلة الموارد في قطاع التعليم، التي لم تؤثر سلبًا على تقدم فلسطين في مستوى التعليم عربيًا. ورغم الانعزال الجغرافي الذي يقبع تحته الطفل الفلسطيني، واقتصار تعامله مع من حوله من أطفال شعبه أو الإسرائيليين وبعض البعثات الدولية إلا أنه طفل عليم بمجريات الأحداث السياسية حوله.

تعزو (ناصر) في مداخلتها وعي الطفل الفلسطيني لعدة أسباب، منها: التعليم الذي يشكل مستوى عال رغم معاناة الاحتلال، وإلى دور الأسرة في دعم الطفل وتعزيز هويته الثقافية عبر الروايات التاريخية عن الوطن. هذا الاعتزاز بالهوية ينعكس وعيًا بالذات والقضية والأرض. علاوة على متابعة الأطفال في فلسطين ما ينشر في وسائل الإعلام المختلفة عن بلدهم وقضيتهم؛ إذ إنَّ كثيرًا من الصغار يتابعون الأخبار السياسية رغم السن الصغيرة. وهم بذلك يستمعون لوجهات النظر المختلفة، ويتابعون قرارات جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، وما يجري في الأمم المتحدة ومحكمة لاهاي حول قضيتهم ومصيرهم. بالإضافة إلى تمكن البعض من فهم اللغة الإنجليزية أو العبرية والتحدث بها، قد أثر في درجة الوعي. كما لا يمكن إغفال التجربة المعيشة والواقع المرير الذي يحيط بالطفل؛ فهذا الواقع كفيل بإنضاج التجربة وإيجاد وعي مختلف عن وعي الأطفال في العالم الخارجي. ونظرا لهذا الوعي في السن الصغيرة، تأثر ما نسبته 76% من أطفال فلسطين بأمراض القلق، والاكتئاب، وفقد النطق مؤقتًا، وغيرها من الحالات الفيسيولوجية التي ترجع لأسباب نفسية. كما أوضحت د. لبنى أن مشاركات الأطفال الفلسطينيين خارج وطنهم وعبر برامج التبادل الثقافي، وتعاون المنظمات الدولية أكسبهم كل ذلك وعيًا بالقضية والعالم من حولهم.

وعبر استكمال قراءتها للوعي الفلسطيني، أشارت (ناصر) أن الوعي لدى الطفل اتخذ أشكالًا للتعبير عن الذات عبر استدعاء التراث الوطني لفلسطين من أشعار وأغانٍ وملابس وطعام، والتي تظهر في حالات الصمود أيضًا.

وتضيف في جزء آخر حول الانعكاسات الإيجابية لهذا الوعي عند الطفل، أن الوعي بالمعاناة أسهم في زيادة تكيف الطفل ومرونته، وتحمله الشدائد، فبرزت معاني التعاون والإيثار والمساندة. كما نجم عن هذا الوعي حالة من الاستقلالية والتحدي والاستعداد الدائم. وتحلق الفلسطينيين حول وحدة التفكير الجمعي؛ إذ تذوب كل الفروقات الدينية واللغوية والطبقية الاجتماعية في سبيل الوطن الواحد. كما أن الظروف القاسية قد أنتجت طفلًا مبدعا في الرسم والشعر واللغة رغم ضآلة الإمكانات والدعم المقدمين له. تصل د. لبنى في طرحها إلى أن ما وصل إليه الطفل الفلسطيني من نضج على مستوى الوعي، يجعل الآخرين ينظرون بعين الإعجاب إليه.

في حين اتخذت الدكتورة صابرين عوض، أستاذ علم الاجتماع في جامعة القصيم بالمملكة العربية السعودية، من "الحرب وآثارها على النضج السياسي والاجتماعي لدى الطفل الفلسطيني: مقاربة وصفية" عنوانًا لمداخلتها، التي استهلتها بلفت الانتباه إلى إجابات الأطفال عن سؤال الصحفيين لهم عن طموحاتهم؛ حيث دارت إجابات الصغار حول طلب الشهادة، والدفاع عن الوطن، وإحاطة الموت بهم. وأكدت أن محاولتها في دراسة هذه الإشكالية انطلقت من فرضية أن حالة الطفل الفلسطيني في ظل الحرب الدائمة والصراعات، تصنع منه رجلًا واعيًا، لديه نضج بما يدور حوله سياسيًا واجتماعيًا. وقد سعت في باقي مداخلتها مقاربة الأسئلة الآتية: ما قدرة الطفل الفلسطيني الذهنية على فهم الحرب وتقبل العيش فيها؟ وهل اعتياد مشاهدة المدرعات العسكرية وآلياتها يؤدي إلى حالة من تبلد المشاعر؟ وهل هذه التداعيات الدامية تنتج عقلًا ناضجًا واعيًا أم خوفًا واهتزازًا نفسيًا عند الطفل في فلسطين؟

وأشارت (عوض) إلى أهداف البحث في معرفة مجالات اهتمام أطفال فلسطين في ظل الأزمة، ومدى تحفيز الأسرة لأطفالها في فهم القضية، بالإضافة إلى مدى الوعي المتحصل لدى الأطفال حول ما يحيط بهم من أجواء سياسية واجتماعية ودينية. لتستنتج أن حركة حماس الحالية، ماهي إلا وعي طفل فلسطيني سابق، كان له نضج ديني وسياسي واجتماعي بالأحداث وواقعه وتاريخه، مما شكل له وعي مقاومة.

في نهاية الندوة، عبر تعليقه عبّر الدكتور محمد لشهب، وهو أحد المختصين بفكر بورغن هابرماس وترجمة أعماله، عن استنكاره لموقف هابرماس المتحيز لإسرائيل (وبقية المفكرين والفلاسفة)، وأظهر حجم التناقض بين القيم الكونية التي يدافع عنها في مؤلفاته وموقفه من القضية الفلسطينية. كما يُبين ذلك موقف هابرماس الذي تكفل بترجمته إلى اللغة العربية، معتبرًا هذا الموقف يدين هابرماس في أي دفاع مستقبلي عن أي معايير كونية أو حقوقية؛ لأنه لم تكن له القدرة على قول لا للعدوان الإسرائيلي على غزة، بل يتناقض في ذلك، حتى مع أول بند في الدستور الألماني الذي يدعو إلى حماية حقوق الإنسان في كل مناطق العالم دون استثناء.

وأشار إلى أن وعي الطفل الفلسطيني نابع من ابتغائه العدالة وإحساسه بالظلم، وأن تشكيل وعيه نابع من تعلمه الذي يتجاوز المدرسة إلى الانغماس في سيرورة الأحداث التي يعيشها بشكل مباشر، مما جعل قدرته على الاستيعاب تفوق قدرة أي طفل في باقي البلدان العربية. فتجربة الحرب على غزة تؤكد أن ما يعيشه الطفل الفلسطيني هو ظلم حقيقي، وأن أي فرصة لتحقيق السلام للطفل الفلسطيني ستجعله الأكثر تضامنا مع باقي شعوب العالم إذا تعرضت لأي أذى، بحكم هذا الوعي.

بعد المداخلات الرئيسية، فتح الأستاذ الخال باب النقاش، الذي كشف عن مجموعة من وجهات النظر والأسئلة التي وإن اختلف فيها انتماء المتدخلين المؤسساتية والعلمية إلا أنها توحدت في الإشادة بعمق وعي الطفل الفلسطيني، وحالة الظلم والخذلان، والمواقف السلبية من الأكاديمية الأوربية تجاه الحق الفلسطيني في الدفاع عن أرضه، وازدواجية المعايير في الرأي والفكر والنظر.

 

للاقتباس: الهاجري، نوره حمد. «تقرير عن ندوة مجلة تجسير الدورية (عن بعد) - وعي الطفل الفلسطيني: مقاربات بينية، مركز ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة قطر: 11 فبراير 2024». مجلة تجسير لدراسات العلوم الإنسانية والاجتماعية البينية، المجلد السادس، العدد 1 (2024)، ص239-242. https://doi.org/10.29117/tis.2024.0172

© 2024، الهاجري، الجهة المرخص لها: مجلة تجسير ودار نشر جامعة قطر. نُشرت هذه المقالة البحثية وفقًا لشروط Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0). تسمح هذه الرخصة بالاستخدام غير التجاري، وينبغي نسبة العمل إلى صاحبه، مع بيان أي تعديلات عليه. كما تتيح حرية نسخ، وتوزيع، ونقل العمل بأي شكل من الأشكال، أو بأية وسيلة، ومزجه وتحويله والبناء عليه، طالما يُنسب العمل الأصلي إلى المؤلف. https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0