تاريخ الاستلام: 17 يناير 2024

تاريخ القبول: 28 فبراير 2024

مراجعة كتاب

البينية مستقبل الدراسات الأدبية والعلوم الإنسانية، لبيتر رمضانوفيتش

مراجعة: أنجاد عبد الله محاسنه

أستاذ مشارك في دراسات الترجمة في قسم الترجمة، كلية الآداب، جامعة اليرموك، الأردن

anjadmahasneh@yu.edu.jo

https://orcid.org/0000-0002-5172-0476

 

 

Book Review:

Interdiscipline: A Future for Literary Studies and the Humanities, by: Petar Ramadanovic

Reviewed By: Anjad A. Mahasneh

Associate Professor in Translation Studies, Translation Department, Yarmouk University, Jordan

anjadmahasneh@yu.edu.jo

https://orcid.org/0000-0002-5172-0476

 

Book Title: Interdiscipline: A Future for Literary Studies and the Humanities

 Authored by: Peter Ramadanovic

Edition: English language

Publisher: London & New York: Routledge

Year of publishing: 2022

No. of pages: 262

عنوان الكتاب: البينية: مستقبل الدراسات الأدبية والعلوم الإنسانية

المؤلف: بيتر رمضانوفيش

الإصدار: اللغة الإنجليزية

الناشر: لندن – نيويورك: روتليدج

سنة النشر: 2022

عدد الصفحات: 262 صفحة

ISBN:      Paperback: 9780367635466 – Hardback: 9780367635480 – eBook: 9781003119616

الترقيم الدولي (ردمك):

 

للاقتباس: محاسنه، أنجاد عبد الله. «مراجعة كتاب: البينية مستقبل الدراسات الأدبية والعلوم الإنسانية، لبيتر رمضانوفيتش». مجلة تجسير لدراسات العلوم الإنسانية والاجتماعية البينية، المجلد السادس، العدد 1 (2024)، ص225-228. https://doi.org/10.29117/tis.2024.0170

© 2024، محاسنة، الجهة المرخص لها: مجلة تجسير ودار نشر جامعة قطر. نُشرت هذه المقالة البحثية وفقًا لشروط Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0). تسمح هذه الرخصة بالاستخدام غير التجاري، وينبغي نسبة العمل إلى صاحبه، مع بيان أي تعديلات عليه. كما تتيح حرية نسخ، وتوزيع، ونقل العمل بأي شكل من الأشكال، أو بأية وسيلة، ومزجه وتحويله والبناء عليه، طالما يُنسب العمل الأصلي إلى المؤلف. https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0


 

يعبر هذا الكتاب عن وظائف الدراسات الأدبية كنموذج لتعددية التخصصات التي أصبحت أساسية لهذا الحقل المعرفي والتي يمكن استعمالها لإعادة ترتيب فهمنا لإنتاج المعرفة بشكل عام. يفترض بيتر رمضانوفيتش (Peter Ramadanovic) في مقدمة كتابه أن "حرب الثقافة والعلوم التي بدأت في السبعينيات لم تنتهِ بعد، وأنه أمامنا الكثير للقيام به من أجل تحديد إنتاج المعرفة، وكيف يمكن أن تخدم هذه نظرية البينية كأساس لتعددية التخصصات، وكيف يمكن أن تساعدنا في الفهم، ومن ثم إعادة ترتيب الأوجه المؤسسية الرئيسة"[1]. ويدّعي رمضانوفيتش في هذا الكتاب أن التفسير أو التأويل جوهري في إعادة صياغة إنتاج المعرفة. كما يفترض أن البينية أو "التفاعل بين التخصصات" سوف تقوم بتعريف خطوات إصلاح المنهاج من أجل فهم الوضع الراهن وتوفير فرص عمل لحملة الدكتوراه في المستقبل.

يطرح بيتر رمضانوفيتش البينية، متحديًا الطريقة التي نفكر ونمارس بها العلوم الإنسانية في القرن الواحد والعشرين. فبدلًا من التمسك بالحدود التقليدية للتخصصات، يدعو إلى تبني جريء للتفاعل بين التخصصات، مُجادلًا بأنه هو المفتاح لتجديد العلوم الإنسانية وضمان تماسكها في عالم تهيمن عليه المجالات العلمية والتكنولوجية بشكل متزايد.Top of Form

يفتتح رمضانوفيتش الفصل الأول "أزمة الدراسات الأدبية من منظور تأويلي" بموجز حول حالة الدراسات الأدبية والقضايا المتعلقة بها، ويرى أن الأزمة التي تواجه الدراسات الأدبية، ناجمة عن الصورة المتألقة لهذا المجال؛ حيث يشير إلى أن الحل لهذه الأزمة يكمن في أيدي متخصصي اللغة الإنجليزية والدراسات الأدبية، كما يؤكد على أهمية النظرية التأويلية للتعامل مع هذه الأزمة. وينتقل بعدها ليسلط الضوء على القوى الاستبدادية؛ مشيرًا إلى أن هناك قوى تسيطر على عملية التعليم، مفترضًا أن هذه القوى هي قوى سياسية لا تؤمن بالعلم والتعليم، بل ترى أن الاستثمار في التعليم يعني خسارة اقتصادية كبيرة. قبل التعريج على دور أعضاء هيئة التدريس في مجال الدراسات الأدبية؛ إذ يتطرق إلى تقييم عدة محاور مختلفة حول دراسات الأدب، بما في ذلك أعداد الهيئة التدريسية، وتوجهات الأساتذة، والمفاهيم النظرية، وأهداف دراسات الأدب، ويرفض تلك الحجة الشائعة القائلة بأن العلوم الإنسانية تسهم بشكل رئيس في تنمية المهارات الناعمة فحسب، مؤكدًا على أن النظريات التأويلية يمكن أن تسهم في إنتاج المعرفة أيضًا. وبناء على ذلك، ينتقد الاتجاه التاريخي للدراسات الأدبية من حيث تركيزها على الأدب فقط دون باقي التخصصات العلمية والحقول المعرفية.

يبرز الكاتب في القسم الثاني من هذا الفصل أهمية التأويل ضمن الدراسات الأدبية، وذلك بالاستناد إلى وجهة نظر "هيلين سمول" (Helen Small)؛ حيث يرى الكاتب أن الدراسات الأدبية ليست مجرد نصوص أو اطلاع على ثقافات، ولكن الدراسات الأدبية تعني الممارسات الـتأويلية والتفسيرية للمعاني. وفي الختام، يوضح ضرورة أن يكون متخصصو الأدب أكثر نقدًا واستنباطًا، وأن يكونوا قادرين على الربط بين مختلف التخصصات التي تشمل الفلسفة والعلوم وغيرها.

بينما يعرض الفصل الثاني "إعادة صياغة نظرية المعرفة التأويلية في الدراسات الأدبية" منهجيات وعمليات الدراسات الأدبية ويعيد تعريفها ليظهر كيف يمكننا تجميع نهج جديد متعدد التخصصات. كما يتناول إعادة صياغة نظرية المعرفة التأويلية في الدراسات الأدبية؛ حين ركز على أهمية القراءة النقدية كأحد المنهجيات الأساسية في الدراسات الأدبية وإنشاء معيار لاستكشاف مفاهيم أخرى مثل التاريخ والمراجعة. كما حلل الممارسات العلمية والتعليمية والمؤسسية للدراسات الأدبية كوسيلة لتحديد نظرية المعرفة الخاص بها. وسلط المؤلف الضوء على أزمة تبرير الدراسات الأدبية واعتبرها نتيجة لنقص القيم الاجتماعية وتحليلها كتكوين جديد يعتمد على الانتقاد والعرض. وحدد الأزمة كجزء من الإطار الخارجي للدراسات الأدبية وهو ما يحتاج إلى دراسة وتغيير. وأشار إلى إمكانية إعادة صياغة جديدة للدراسات الأدبية من خلال التركيز على علم المعرفة والأطر الجديدة.

وفي الفصل الثالث "مراجعة النظراء" يقدم مناقشة أكاديمية موسعة تركز على مراجعة الأقران في دراسات الأدب، ويركز بشكل خاص على تاريخها والممارسات الحالية والمنهجية وإمكانية الإصلاح. كما يؤكد على ضرورة رفع المعايير العلمية في مراجعة الأقران، ويستخدم تشابهات بين مراجعة الأقران والتفسير والمنهج في دراسات الأدب. كما يدعو إلى اعتماد نهج متعدد التخصصات في مراجعة الأقران، معتبرًا أن دراسات الأدب أصبحت متشظية، ويقترح إصلاحات لجعل مراجعة الأقران أكثر شمولًا وشفافية ومتفاعلة التخصصات. كما يؤكد على أهمية مراجعة الأقران في تشكيل إنتاج المعرفة والمنهج في ميدان الدراسات الأدبية. ويعرض كذلك إلى إسهامات "ستانلي فيش" (Stanley Fish) خاصة انتقاده لعملية المراجعة المزدوجة العمياء، وآرائه حول التفسير والقراءة والمنهج في دراسات الأدب. وأخيرًا، يوصي المؤلف بتغييرات فورية في عملية مراجعة الأقران، بما في ذلك اعتماد معايير عامة للتقييم، ومراجعات غير عمياء، وإجراء مراجعات موقعة من قبل المراجعين الذين حصلوا على الدكتوراه، وفرصة للرد القصير للمؤلفين، وتقدير مراجعة الأقران كمحور أساسي للمهنة.

وفي الفصل الرابع "الدراسات الرقمية الإنسانية: العودة إلى الشكلية في عصر البيانات الضخمة" يتحدث رمضانوفيتش عن العلوم الإنسانية الرقمية، ويعرض وجهات نظر متباينة حولها. ويشدد على أن الإحصاءات وحدها لا تفسر الظواهر الإنسانية، ويبرز أن التقدم في هذا المجال يجب أن يتجاوز التركيز على التحليل الكمي والبيانات الكبيرة، مشيرًا إلى أهمية ممارسات التدريس والعمل الإبداعي. يتناول الفصل أيضًا قضايا عامة في العلوم الرقمية، مثل التحديات التي تنشأ من اندماج الذكاء البشري والاصطناعي، ويشير إلى اعتمادها على نظرية التطور وتأثير وسائط الإعلام. كما يقدم تحليلًا لنتائج العلوم الرقمية، مُظهرًا تناقض بين الوعود بنتائج مذهلة والتحليل الفعلي الذي يكون غالبًا مجرد تفسير تقني لنظريات أدبية تقليدية. كما يقارن الكاتب بين العلوم الاجتماعية والعلوم الإنسانية الرقمية؛ حيث يركز على استخدام البيانات الكبيرة في العلوم الاجتماعية ومُقارنتها بالنهج المتبع في العلوم الإنسانية الرقمية. ويُقدِّم نموذجًا تحليليًا جديدًا يربط بين اللغة والرياضيات والأدب. كما يُسلط الضوء على ارتباط نظرية البينية بنظرية الأيديولوجيا وتأثير النظام المعتقد ونظام الإشارة البشري. ينتقل الكاتب في الجزء الأخير إلى قضايا الذكاء الاصطناعي ويستعرض تجربة "آلان تورينج" (Alan Turing) كمفتاح للفهم الحالي للذكاء الاصطناعي. ويختتم بتسليط الضوء على التحديات المستقبلية للدراسات الرقمية وأهمية التعاون بين التخصصات.

يناقش الفصل الخامس "التقارب: نظرية البينية التخصصية" التغير في الآراء فيما يخص الفروق بين النهج العلمي والإنساني الذي سيكون تدريجيًا. ولهذه الغاية، اقترح أولًا إعادة صياغة العلوم الإنسانية، خصوصًا الدراسات الأدبية، وجعلها حقلًا معرفيًا متعدد التخصصات يُستخدم كلغة تخصصية تساعد على التقارب والتكامل بين الحقول المعرفية الأخرى حتى الفلسفة. وحدّد ثانيًا المواضيع ذات الاهتمام المشترك لاستخدامها كممارسات مشتركة لخلق نظام تعددي بديل قوي للحقائق والروتينيات والعادات. ثالثًا، أنشأ بديلًا مُماثلًا للتعاون التعددي الذي بدوره يجب أن يُفهم كمجال محدد للعموم وتخصص أكاديمي بحد ذاته. رابعًا، اقترح إعادة صياغة رؤية فلسفية وسياسية جذابة للمعرفة الشاملة مع تِبيان الفائدة العائدة على الباحثين والمدرسين عند دعمهم لها. في هذا الفصل يظهر لنا الكاتب أن هذه النظرية تسمح لنا برؤية التقارب بين نماذج العلوم والإنسانيات في العالم وهي التي تلتقي في مفهوم من البناء التفاعلي، الذي يجب أن يكون مفهومًا لأي باحث في الدراسات الأدبية. وأشار إلى ضرورة بناء إطار نظري جديد ومختلف لهذا النسيج المتجزئ من خلال خلق التشابهات والاجتماعات. Top of Form

Top of Form

وفي الخاتمة، يقترح المؤلف مجموعة من الخطوات التي من واجبها إجراء إصلاح للمنهاج المحدد في هذا الكتاب من خلال "جعل عملية إصلاح التعليم جزءًا من الإصلاح السياسي والاقتصادي، وضع إطار عام للتعليم الأساسي والثانوي، والأهم من ذلك جعل التعليم عبارة عن مجموعة مترابطة من القصص التي تتضمن علم الأحياء والكيمياء والفيزياء والتاريخ والفلسفة وعلم النفس حتى في مرحلة ما قبل المدرسة كجزء من سردية شاملة متدرجة ومتزايدة مع مرور الوقت. ويشير رمضانوفيتش إلى أن الدراسات الأدبية هي الأنسب لهكذا سردية؛ بسبب مرونتها، وجعلها شاملة لكل مراحل التعليم والدراسة من خلال التركيز على اللغة، والإنشاء، وسرد القصص"[2].

تكمن أهمية الكتاب في توضيح جوهر البينية نظريًا وتطبيقيًا، وفي إنشاء جسور المعرفة بين مختلف العلوم الإنسانية والاجتماعية من خلال أن تبدأ في العلوم الإنسانية عبر إعادة تصميم المساقات الموجودة لتشمل المناظير المعرفية اتباعًا لمنهج المقاربة؛ حيث تقوم هذه البينية بالتركيز على مساقات التعليم العامة، ومن ثم إعادة ترتيب الأجزاء الرئيسية في المنهاج بشكل تدريجي، لجعلها تعددية تخصصية قدر الإمكان.

يؤكد رمضانوفيتش في هذا الكتاب على تفاصيل دراسات الأدب، مفككًا قيود النهج المعزولة وعارضًا للإمكانيات التحولية للتعددية التخصصية. ومع ذلك، فإن "البينية أو التفاعل بين التخصصات" ليس مجرد مناقشة نظرية، إنه يقدم خريطة طريق عملية لتنفيذ النهج التخصصي في المناهج الجامعية وطرق البحث، وحتى الهياكل المؤسسية؛ حيث يتناول قضايا عملية مثل حوافز هيئة التدريس، وتوجيه الموارد، ومعايير التقييم، مقدمًا اقتراحات مدروسة لتجاوز الحواجز المؤسسية. بينما يدعم رمضانوفيتش التفاعل بين التخصصات، إلا أنه لا ينكر تعقيداته، بل يعترف بتحديات التنقل بين مصطلحات ومنهجيات مختلفة، وإمكانية حدوث تفاهمات وعدم التوازن في السلطة، وضرورة اختيار دقيق لتجنب "استعارة" سطحية عبر التخصصات.

لقد قدّم المؤلف أفكاره وطروحاته حول تطبيق البينية بين مختلف العلوم الإنسانية بوضوح ودقة كبيرين، وكانت أفكاره أصيلة ومبدعة وشاملة لخطوات عملية يمكن تطبيقها في أرض الواقع، من أجل الوصول إلى عملية إصلاح ممنهج ومدروس لتطوير العلوم الإنسانية؛ نظرًا لاشتمال الكتاب على الكثير من الأمثلة العملية من مختلف العلوم الإنسانية والعلوم الإنسانية الرقمية بشكل متدرج من خلال فصول الكتاب، وانتهى بتعداد ثلاث خطوات يجب اتباعها من أجل عملية إصلاح المناهج في العلوم الإنسانية لما فيها من فائدة يمكن أن تعم التخصصات وأعضاء هيئة التدريس والطلبة.

تكمن قوة الكتاب في رؤيته الصافية، واقتراحاته التنفيذية، وحماسه المُعدي. يكتب رمضانوفيتش بشغف وبلغة رائعة، حاثًا القراء على رؤية التفاعل بين التخصصات، ليس كتهديد للتخصصات التقليدية، بل كفرصة لتوسيع نطاقها وتعميق رؤاها والتواصل مع جمهور أوسع من القراء غير المتخصصين بالأدب أو اللغة.

مع أهمية هذا الكتاب إلا أن عملية التطبيق الشاملة لخطوات إصلاح التعليم التي ذكرها المؤلف في خاتمة الكتاب قد تبدو مثالية أكثر من اللازم. وقد يصعب تطبيقها على المدى القصير، ولابد من تظافر جهود مؤسساتية كبيرة على المستوى الحكومي والتعليمي من أجل الشروع في التأسيس والتعريف بها.

في الختام، إن البينية أو "التفاعل بين التخصصات" هو نداء للعمل، لأي شخص يؤمن بقوة العلوم الإنسانية في تنوير تجربة الإنسان. إنه كتاب يجب قراءته من قبل العلماء والإداريين الجامعيين، وصناع القرار، وأي شخص مهتم بمستقبل التعليم وبإنتاج المعرفة وبتشكيل مستقبل هذه الحقول الدراسية الحيوية.



[1]- Petar Ramadanovic, Interdiscipline: A Future for Literary Studies and the Humanities (London & New York: Routledge, 2022), p. 2.

[2]- Ibid, p. 211.