تاريخ الاستلام: 25 ديسمبر 2023

تاريخ التحكيم: 17 يناير 2024

تاريخ القبول: 07 فبراير 2024

ترجمــــــة

نظرية الدراسات البينيّة*

تأليف: ويليام هـ. نويل**

ترجمة: خالدة حامد تسكام

أستاذ ومترجم، قسم اللغة الإنجليزية، كلية التربية للبنات، جامعة بغداد، العراق

khalida.hamid@coeduw.uobaghdad.edu.iq

https://orcid.org/0000-0003-1307-3199

ملخص

تُعد البينيّة أمرًا لازِمًا بسبب تعقّد الأنظمة المعقّدة، وبتحديد أكبر، بسبب بنْيتها أو سلوكها؛ فطبيعة هذه الأنظمة تقدمُ مُسوِّغاً منطقيًا للقيام بدراسة بينيّة. وتتولد عن فحص الأنظمة المعقّدة رؤىً جديدة تخصّ ممارسة الدراسة البينيّة، والتحقق من صِدق مبادئ سلوك البحث البينيّ التي تحظى بقبولٍ واسع. وتعمل الأنظمة المعقّدة أيضًا على توحيد مقاربات دراسة الإنسانيات والعلوم بينيًّا مع أنها تبدو مُتباعدة ظاهريًّا. والأهم من ذلك كله، أننا في هذه الدراسة نسلط الضوء على طابع الدراسات البينيّة المميّز والعصيّ على الوصف في الوقت نفسه، وأعني بذلك التركيب أو الاندماج، وذلك من خلال تناول نمط التنظيم الذاتي المتفرد الذي يتسم به النظام المعقّد.

الكلمات المفتاحية: الأنظمة المعقدة، الاندماج، البينيّة، كلاين، نويل

للاقتباس: نويل، ويليام ه. «نظرية الدراسات البينيّة»، ترجمة: خالدة تسكام. مجلة تجسير لدراسات العلوم الإنسانية والاجتماعية البينية، المجلد السادس، العدد 1 (2024)، ص183-204. https://doi.org/10.29117/tis.2024.0168

© 2024، نويل؛ تسكام (مترجمة)، الجهة المرخص لها: مجلة تجسير ودار نشر جامعة قطر. نُشرت هذه المقالة البحثية وفقًا لشروط Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0). تسمح هذه الرخصة بالاستخدام غير التجاري، وينبغي نسبة العمل إلى صاحبه، مع بيان أي تعديلات عليه. كما تتيح حرية نسخ، وتوزيع، ونقل العمل بأي شكل من الأشكال، أو بأية وسيلة، ومزجه وتحويله والبناء عليه، طالما يُنسب العمل الأصلي إلى المؤلف. https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0


 

Submitted: 25 December 2023

Reviewed: 17 January 2024

Accepted: 7 February 2024

Translations

A Theory of Interdisciplinary Studies

Authored by: William H. Newell

Translated by: Khalida H. Tisgam

Professor and Translator, Department of English, College of Education for Women, University of Baghdad

khalida.hamid@coeduw.uobaghdad.edu.iq

https://orcid.org/0000-0003-1307-3199

Abstract
Interdisciplinarity is necessitated by complexity, specifically by the structure and behavior of complex systems. The nature of complex systems provides a rationale for interdisciplinary study. An examination of complex systems yields new insights into the practice of interdisciplinary study and confirms widely accepted principles for the conduct of interdisciplinary inquiry. Complex systems also unify the apparently divergent approaches to the interdisciplinary study of the humanities and sciences. Most importantly, the distinguishing but elusive characteristic of interdisciplinary studies—synthesis or integration—is at last explained in terms of the unique self-organizing pattern of a complex system.

Keywords: Complex Systems; Integration; Interdisciplinary; Klein, Newell

 

Cite this article as: Newell, William H. "A Theory of Interdisciplinary Studies," tr: Khalida H. Tisgam. Tajseer Journal for Interdisciplinary Studies in Humanities and Social Science, Vol. 6, Issue1 (2024), pp. 183-204. https://doi.org/10.29117/tis.2024.0168 

© 2024, Newell, W.H.; Tisgam K.H. (translator), licensee Tajseer Journal & QU Press. This article is published under the terms of the Creative Commons Attribution Non-Commercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0), which permits non-commercial use of the material, appropriate credit, and indication if changes in the material were made. You can copy and redistribute the material in any medium or format as well as remix, transform, and build upon the material, provided the original work is properly cited. https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0

 


 

مقدمة

ما القاسم المشترك بين المطر الحمضي، والنمو السكاني المتسارع، والإرث الثقافي لكتاب "سيرة بنجامين فرانكلين الذاتية" (The Autobiography of Benjamin Franklin)؟ يمكن فهم هذه الظواهر على أتمّ وجه كسلوكيات لأنظمة معقدة جميعها تتطلب دراسة بينيّة، مع أن منبعها العلوم الطبيعية، والعلوم الاجتماعية، والإنسانيات على التوالي. إن تصوّر كل تخصّص من هذه التخصّصات كسلوك لنظامٍ معقّد معين يمكن أن يمد البينيّين بفهمٍ أفضل لمثل هذه الظواهر، كما يُمكِنها مجتمعةً أن تساعدنا في الوصول إلى فهمٍ أفضل لطبيعة البينيّة وسلوكها.

وليس من قبيل المصادفة أن تتكرر هذه المزاوجة بين التعقيد والبينيّة، ولهذا أؤمن في هذه الورقة بأن الأنظمة والظواهر المعقّدة شرطٌ أساس للدراسات البينيّة؛ فالمقاربة البينيّة لا يُسوِّغها إلا نظام معقد. وعليه، لن تكون ثمّة حاجة للدراسة البينيّة إنْ لم يكن السلوك وليد نظام ما، أو إن لم يكن النظام معقدًا.

ولا شك في أن الإتيان بحجّة مُقنعة لهذا التعميم الكاسح يتطلب بحثًا متعمقًا في مفهوميّ البينيّة والتعقيد، ولهذا قد يبدو الأمر مستحسنًا إذا بدأنا بتقديم تسويغ منطقي برغم ذلك.

إن الظواهر التي تُمثّلها الأنظمة المعقّدة متعددة الأوجه؛ فإذا نظرنا إليها من زاويةٍ بعينها ستبدو مختلفة عمّا لو نظرنا إليها من زاوية أخرى؛ لأن الرائي يشاهد أوجهًا (تبدو على شكل أنظمة فرعية) تهيمن فيها مختلف المكوّنات والعلاقات. وعلى غرار الظواهر التي تُمثّلها الأنظمة كلها (أي، التي يمكن عرضها على هيئة معادلات أو رسومٍ بيانية)، يكون نمط سلوكها العام ذاتي التنظيم، وبذا فهي لا تمثل مجموع أجزائها ولا يمكن التكهن بها على نحوٍ وافٍ من خلال مجموع أجزائها. ولأن مختلف الأوجه ترتبط بعلاقات لا خطّية، لا يكون نمط السلوك العام للظاهرة (وبذا، للنظام) ذاتي التنظيم فحسب، بل يكون معقدًا أيضًا. وبناءً عليه، يكون النمط شبه مستقر ولا يمكن التكهن إلا بأجزاء منه، وديناميًا. ولعلّ أفضل طريقة لتمثيل هذه الظاهرة هي التي تُقدّم رؤية واضحة لكل وجه من أوجهها منفصلةً، ولنمطها المعقّد ذاتي التنظيم الذي يتولد عن التفاعل فيما بينها. ولأن مختلف التخصّصات هي وليدة الحاجة لدراسة الأوجه أو الأنظمة الفرعية كلّ على حِدَة، تُعدّ الدراسة البينيّة مُرشحًا منطقيًا لتطوير أنظمة معقّدة مُعينة بالكامل لدراسة مثل هذه الظواهر.

ولكي نسوِّغ المقاربة البينيّة، لا بد لموضوع دراستها من أن يكون متعدد الأوجه، شريطة أن تكون الأوجه متساوقة المعنى؛ لأنها إن لم تكن متعددة الأوجه، يمكن الاكتفاء بالمقاربة أحادية التخصّص (طالما كان بالإمكان الاكتفاء بدراستها من منظور اختزالي واحد)، أما إذا كانت متعددة الأوجه بلا اتساقٍ في المعنى، ستفي عندئذٍ المقاربة ذات التخصّصات المتعددة (لانتفاء الحاجة إلى الاندماج). ولتسويغ العامِلَين اللذين تقوم عليهما الدراسة البينيّة- وأعني بذلك أنها تستمد رؤى من التخصّصات، وتدمجها مع رؤاها- ينبغي، في هذه الحالة، تمثيل موضوع دراستها بنظام ما. ولأن الصِلات بين الأوجه ستكون لاخطيّة في الأغلب، لابدّ من أن يكون النظام معقدًا ولا ريب.

ينبني هذا المقال على أطروحة مفادها أن الدراسة البينيّة تركز، على نحو سليم، على أنظمة معقدة بعينها، وعلى سلوكها، أما غاية البحث البينيّ فهي فهم ذلك الجزء من العالم الذي يُمثّله نظام معقّد بعينه. ويسود في العلوم الطبيعية والاجتماعية اعتقاد مفاده أن كلّ تخصّص يركّز على مجموعة من المتغيرات المترابطة التي يمكن ملاحظتها من منظور ذلك التخصّص، ويمكن عدّ هذه المتغيرات كمكونات للنظام. وإذا وُجِدَ أي اتساق في المعنى بين التخصّصات، فلا بدّ من ترابط المتغيرات التي يُركّز عليها كل تخصّص ارتباطاً خطيًّا وثيقًا فيما بينها على نحوٍ يفوق ارتباطها بالمتغيرات التي تدرسها التخصّصات الأخرى. وإن كانت الحال، مثلما يتفق معظم المؤلفين، أن الدراسة البينيّة تعتمد منظورات تستمدها من أكثر من تخصّص واحد لدمجها معًا؛ بُغية الوصول إلى فهمٍ أشمل، يتوجّب عليها في هذه الحال أن تشتمل على المزيد من العلاقات اللاخطيّة (أي، علاقات فيها تشعبات أكثر ومرفوعة لقوة أعلى) بين مجموعة أكبر من المتغيرات المرتبطة معًا. وإذا تصوّرنا هذه المجموعة من المتغيرات والعلاقات الأوسع كُلاًّ واحدًا، يمكن عندئذ عدّها نظامًا معقدًا بلا أدنى شك. حُجّتي هي أننا، البينيين، يمكننا فَهْمَ مِهنَتنا أفضل من غيرنا، وبمقدورنا تنفيذها إذا ما وضعنا نصب أعيننا أننا نطور أنظمة معقدة محددة وندرس سلوكها، ويمكننا على وجه الخصوص الوصول إلى فهمٍ أفضل للاندماج البينيّ وبمقدورنا تحقيقه إذا ما اعترفنا بأننا نحاول تحديد وتعريف نمط التنظيم الذاتي الذي تتسم به ظاهرة يُمثّلها نظام معقد معين.

اولًا: التصدّي للاعتراضات المتوقعة

1.     الخوف من الإقصاء

يبدو أن حجّتي القائلة بأن دراسة سلوك الأنظمة المعقّدة هو المسوّغ الوحيد للبينيّة يثير اعتراض بعض البينيّين؛ لأنهم يرون أن نظريتي تَحِدُّ من النطاق المشروع للدراسة البينيّة. لعلك تتساءل: "إذا تبيّن أن الغرض من مشروعي الأثير ليس دراسة نظام معقد (وأنا أشكُ في كونه كذلك)، ولاقتْ هذه الفرضية قبولًا، هل سأُستبعَد من مِهْنة الدراسات البينيّة؟" وربما تتساءل أيضًا: "هل يتوجب عليّ في كل مرة تسويغ الأسباب التي تدفعني لتبنّي مقاربة بينيّة لدراسة مشكلة جديدة؟". أسلّمُ بأن الإجابة عن هذين السؤالين هي على التوالي: "هذا مستبعدٌ تمامًا"، و"نعم".

من المستبعد تمامًا أن أعضاء جمعية الدراسات الاندماجية (AIS) يستخدمون مقاربةً بينيّة لدراسة قضية أو مشكلة أو سؤال يتبيّن عند فحصه أنه لا يمثل سلوكًا لنظام معقد، كما أن التمايز الذي تضعه النظرية بين الدراسة البينيّة من جهة والدراسة التخصّصية والمتعددة التخصّصات من جهة أخرى، ينسجم مع الفهم الذي توصلنا له حاليًّا، بل يُقدّم في الحقيقة مُبررًا منطقيًا لهذا الفهم. ومما لاشكّ فيه أن النظرية لا تسعى للحدّ من نطاق النشاط البينيّ بقدر ما تتحقّق من صحة حدس البينيّين بصدد الزمان والمكان الذي تكون فيه ثمّة حاجة لمقاربة بينيّة. وبالتأكيد، ينبغي أن تكون لدى البينيّين القدرة على تبرير منهجهم وتحديد نطاق تطبيقه، لأنفسهم أولًا ولناقديهم أيضًا. نظريتي هي التي تحقق هذا الأمر وتجعله ممكنًا من خلال تقديم مبرر منطقي نظري للدراسة البينيّة طال انتظاره.

2.     استثنائيّة الإنسانيات

على الرغم من تقبُّل العلماء الطبيعيين والاجتماعيين للفكرة القائلة بأن البينيّين يدرسون أنظمة معقدة، لكنها تبدو غريبة (بل حتى غرائبية) للإنسانيين، ناهيك عن المعنيين بالفنون الجميلة والأدائية الذين يرونَ لعنةً في أي شيء نظامي (systematic). هذه الاختلافات في وجهات النظر كلّها تتكشف عند الاطلاع على المُسمّيات التي نُطلقها على مجالات المناهج الدراسية في برنامجي البينيّ: فنحن نُعرِّف العلوم الاجتماعية والطبيعية بالأنظمة الاجتماعية والأنظمة الطبيعية، لكننا نشير إلى الفنون والعلوم الإنسانية بتسمية إبداع وثقافة. وبرغم ذلك، ينتاب العلماء شعور بارتياح أكبر عند التفكير بالأنظمة؛ بينما تُبدي الإنسانيات والفنون انشغالًا أكبر بالسلوك الذي يكون مُميّزًا وفريدًا وشخصيًا، لا السلوك المنتظم والمُتكهَن والمشروع. فإذا كانت العلوم الطبيعية والاجتماعية تركز على القواعد التي تتحكم بالسلوك، فإن الفنون والإنسانيات تركز على الاستثناءات في تلك القواعد. ويبدو التفكير بالأنظمة أكثر صلة بالحل العملي للمشكلات الملموسة في العلوم، منه بسبر المعنى والتعبير عنه من جانب الإنسانيين. ومع ذلك، تشيع في العلوم الإنسانية والفنون ممارسة وضع النص أو المؤلف أو العمل الفني في سياقه بُغية فهمه جزئيًا عَبر فحص موقعه التاريخي أو الجغرافي أو الفكري أو الفني. وبينما أسلّمُ بوجود فروق مهمة بين الإنسانيات والعلوم الاجتماعية والعلوم الطبيعية، وبأنها تؤثر في كيفية ممارسة البينيّة في كل مجال من هذه المجالات، فإنني على يقين بأن البينيّة في جوهرها مَعنية بسلوك الأنظمة المعقّدة. وهكذا فإن ممارسة السياقيّة (contextualization) التي شاعت الآن يمكن فهمها وتنفيذها على نحوٍ أفضل إذا تخيّل العلماء والفنانون أنفسهم كباحثين عن السِمات المميزة لموقع معين ضمن نظام معقد. عمومًا، أنا واثق بأن اعتراف الإنسانيين بأن عملهم مرتبط بالأنظمة المعقّدة سيُطوّر العمل البيني في الإنسانيات ويُحسّن من قدرتهم على العمل مع العلماء الاجتماعيين والطبيعيين.

فلنعُد إلى مثال الإنسانيات البينيّة الذي استهللتُ به مقالي هذا، وأعني به الإرث الثقافي لسيرة بنجامين فرانكلين الذاتية؛ إذ يرتبط هذا الإرث بالأدب والتاريخ والثقافة الأمريكية، وهذه مجالات دراسية ذات سِمات مميزة لكنها مترابطة فيما بينها في الوقت نفسه. ومع احتمالية التصادم الذي قد ينشب بين المنظورات الأدبية والتاريخية والثقافية لهذا الإرث (أو لعلّ دراستها ستكون مملة جدًا)، فإن القول بامتلاك الكتاب لإرٍث ثقافي هو قولٌ بضرورة أن تكون الرؤى المستمدّة من تلك المنظورات المتنوعة متساوقة المعنى بطريقة أو بأخرى، وبضرورة أن تُسهم حقًا في فهم الكلّ الأكبر. ومع ذلك، يكون التعبير عن الصِلات التي تربط بين الأدب والتاريخ والثقافة بطريقة "المُؤثر والاستجابة" أفضل من "السبب والنتيجة"؛ لأنها أبعد ما تكون عن الخطيّة. وحتى إذا فسرنا الإرث الثقافي حَرفيًا، يمكننا عدّهُ بصورة أفضل كسلوك لنظامٍ معقد؛ عندما يبحث الإنسانيون البينيّون عن ثيمة تُجسِّد الإرث الثقافي، فإنهم يبحثون عن تفسير يعكس النمط العام للنظام المعقّد.

ربّما تكون دراسة ذلك الكتاب، أو حتى دراسة فرانكلين، بينيّة وربما لا تكون كذلك، الأمر يتوقف على رؤيتنا للكتاب أو للشخص من زاوية كونه منضويًا في قوى معقدة أو قوّة أحادية البُعد، كعمل أدبي (في حقل النقد الجديد)، مثلًا، أو بوصفهِ شخصيةً سياسية فاعلة (في التاريخ العسكري والدبلوماسي التقليدي). وتتجلى روعة تقعيد الإنسانيات البينيّة على نظرية الأنظمة المعقّدة في حقيقة كونها توفر مُبررًا منطقيًا لم يكن له وجود من قبلُ يُسوِّغُ ميلها نحو فهم النصوص والأفراد بوصفهم واقعين في سياقٍ ما لكنهم متفرّدون. ولأن الإنسانيات تركّز على الإرادة الحرة وكذلك الحتمية، لا يمكن أن تشير هذه السياقية إلى المؤثرات الواقعة على النص أو الفرد فحسب، بل تتعدى ذلك إلى الطرق التي يُعبّر بها الكِتاب أو الشخص تعبيرًا فريدًا عن تلك المؤثرات ويستمد المعنى منها. سنتوسّع في عرض هذا المبرر المنطقي في المبحث الذي يتناول نظرية الأنظمة المعقّدة.

3.     دوافع متنوعة

إن القول بضرورة أن تصبّ البينيّة اهتمامها على فهم سلوك الأنظمة المعقّدة قد يبدو للوهلة الأولى متعارضًا مع ما ذكرناه أنا وجولي كلاين Julie Klein في مسح عام 1997 للدراسات البينيّة المعاصرة الخاص بكتاب "دليل المنهج الدراسي الجامعي" (Handbook of the Undergraduate Curriculum)، وأعني بذلك القول بوجود دوافع متنوعة للدراسة البينيّة. نذكر سبعة منها:

      التعليم العام والليبرالي.

      التدريب المهني.

      حل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية.

      النقد الاجتماعي والسياسي والمعرفي (الإبستمولوجي).

      تطوير أعضاء الهيئة التدريسية.

      الأزمة الماليّة (تقليلها).

      توليد معارف جديدة[1].

ومع تباين الدوافع التي تقف وراء الدراسة البينيّة، نجدها كلها تعكس مُحصّلات مختلفة لدراسة الأنظمة المعقّدة، لا أنواعًا مختلفة من البينيّة. فعلى سبيل المثال، ينتج عن المقررات الدراسية البينيّة التي تتناول الظواهر التي تُمثّلها الأنظمة المعقّدة تحسّنٌ في محصلات التعليم الليبرالي المرغوبة للنهوض بالطلبة وتطوير قدرات معلميهم التعليمية. وتعمل الدراسة البينيّة على إعداد المهنيين المستقبليين لمجابهة السلوكيات المعقّدة التي سيواجهونها في وظائفهم، كما تعمل على توليد معارف جديدة من خلال دمج رؤى تستمدها من المعرفة القديمة التي تخصّ أنظمة معقدة محددة، ومن خلال فسح المجال أمام العلماء لطرح أسئلة جديدة عنها. كما أنها تُسَهِّل من النقد الجوهري الفاحص الذي ينظر للمجتمع أو السياسة أو المعرفة كنتاج دينامي لمجموعة معقدة من القوى النظامية المتفاعلة فيما بينها. ومن خلال إعادة تنظيم هيكلية الجامعة جزئيًا من زاوية مختلف فئات الأنظمة المعقّدة، تساعد الدراسة البينيّة على تخفيف الضغط الذي قد ينجم عن "تغطية" كل تخصّص بأكمله، وبذا فهي تزيل العوائق التي تعترض سبيل تحجيمها. هذه الدوافع السبعة كلها تتفق ومفهوم البينيّة الذي نعرض له في هذه الورقة.

4.     المركزيّة وتوحيد المقاييس[2]

إن الحُجج التي يطرحها البينيّون من حينٍ لآخر، ومفادها أن طبيعة البينيّة تختلف تبعًا لنوع الاستخدام، تمثل الإشكالية الأكبر؛ ففي استعراضي لما كتبهُ المختصّون عن موضوع البينيّة الذي نشرته عام 1998 تحت عنوان "احتراف البينيّة" (Professionalizing Interdisciplinarity)، طلبتُ من الدارسين أن يتأملوا في مسألة كون طبيعة البينيّة تعتمد على نوع السياق: أهوَ تدريس أو بحث، حل مشكلات أو نقد راديكالي؟[3]. وقد عمدتْ جولي كلاين، مثلًا، في بحثها "رسم حدود الدراسات البينيّة" (Mapping Interdisciplinary Studies)، إلى التفريق بين أشكال البينيّة النقدية والأداتيّة، وميّزتها عن محاولات تنمية القدرة الاندماجية من خلال التعليم العام[4]. وقد أثارتْ هذه القضايا الإبستمولوجية مناقشات مُحتدمة داخل جمعية الدراسات الاندماجية (AIS) نفسها. ودائمًا ما تعالتْ أصوات الأعضاء الذين يُحذرون من خطورة الإبقاء على تعريف واحد للبينيّة بذريعة أن الركون إلى أي تعريف سوفَ يُقصي مثلما يستوعب؛ وهذا يعني أنهم يفضلون فتح الأبواب على الاحتمالات كلّها. ويصطف على الجانب الآخر من الجدل أعضاء يسعونَ لإثبات مصداقية الدراسات البينيّة من خلال الوضوح المفاهيمي، وفي النهاية، من خلال معايير الحكم على جودتها.

يقدم مفهوم البينيّة الذي تتبناه هذه الورقة وضوحًا مفاهيميًا وإن كانَ يحتضن تنوّعًا هائلًا في المقاربات، كما يقدّمُ للمرة الأولى مبرراً منطقيًا شاملًا طال انتظاره. ومع أنه يُقصي ويستوعب في الوقت عينه، لكن إقصاءاته تتماشى مع التفريقات المقبولة على نطاق واسع بين البينيّة والتخصّص أو تعدد التخصصات. ما يعنينا هنا أن هذه الفروق تنبثق الآن تلقائيًا من إبستمولوجيا البينيّة.

ثانيًا: نظرية الأنظمة المعقّدة

1.     أيّ شكلٍ من أشكال التعقيد؟

ليسَ التعقيد بالمفهوم البسيط، بل إن استعارة المفاهيم من نظريات التعقيد يزيد الأمر تعقيدًا نظرًا لتنوّعها؛ إذ تمد مفاهيم التعقيد الحديثة جذورها في نظريات الفوضى (chaos)، والأنظمة المعقّدة، والهندسة الكسرية (fractal geometry)، والديناميّات اللاخطيّة (nonlinear dynamics)، والسيبرنطيقا الجديدة (second-order cybernetics والحرجية ذاتيّة التنظيم (self-organizing criticality)، والبيولوجيا التطورية المحدثة (neo-evolutionary biology بل حتى ميكانيكا الكم[5] (quantum mechanics). ولأن تفصيلات نظريات التعقيد تتباين تبعًا لموضع التعقيد نفسه وجيله وشكله وخصائصه، لا بد من توخي الحذر عند إطلاق أي تعميم. وينبغي للبينيّين أن يطرحوا هذه الأسئلة تحديدًا: أين يكمنُ موضع التعقيد؛ في بنية النظام أو في سلوكه[6]؟ هل يتولّد بفعل تكرار الحلول للمعادلة نفسها، أو عن طريق العلاقات اللاخطيّة بين عدد كبير من المتغيرات؟ هل يتولّد عن مكونات النظام المعقّد نمط سلوك عام، أو أن هذا النمط بدَوره هو الذي يحدد شكل المكونات؟ هل ينظم النمط نفسه بنفسه، أو أنه يُديم نفسه بنفسه أيضًا؟ والأسوأ من ذلك أن المصطلحات المتشابهة بل حتى المتطابقة التي تُطلق على مختلف أشكال التعقيد تتخذ معاني مختلفة إلى حد ما نظرًا للاختلاف في السياق النظري؛ على سبيل المثال، هل أن السلوك المنبثق عن الأنظمة المعقّدة هو نفسه سلوك التنظيم الذاتي للأنظمة الفوضوية؟ وبرغم ذلك، يعتمد الكثير من الدارسين على ما يُكتب في أدبيات هذا الموضوع دونما تمحيص، بل إن الكثيرين يرون في هذه النظريات نموذجًا (Paradigm) جديدًا في طور التكوين. ويُطلق عليها إيان كينغ Ian) King) تسمية "العلوم العلائقية الكليّة الشاملة [الهولستيكية]"[7] بينما يسميها جوكتوغ موركول (Göktug Morçöl) "العلوم الجديدة"[8].

برأيي أن أفضل مقاربة تُطبَّق في الدراسات البينيّة للتعامل مع التعقيد هي تلك الناتجة عن دراسة الأنظمة المعقّدة، مع أن حصيلة النظريات كلّها هي التي شكّلتْ فكري. ولأكون أكثر دقة، فإن نظرية الدراسات البينيّة التي أتبناها تركز على شكل التعقيد الذي يُعدّ سمةً من سمات بنية النظام المعقّد وسلوكه، وعلى التعقيد الناتج عن العلاقات اللاخطيّة بين عدد كبير من المكونات، وعلى تأثير مكونات النظام وعلاقاته في نمط سلوكه العام. وسأتناول أوجه الاختلاف والتشابه بين نظرية الأنظمة المعقّدة ونظرية الفوضى أو الديناميات اللاخطيّة بشيءٍ من التفصيل في نهاية هذا المبحث.

2.     نظرة عامة على الأنظمة

تتألف الأنظمة كلها (معقّدة أو غير معقّدة) من مكوناتٍ تتفاعل فيما بينها، إما تفاعلًا مباشرًا عن طريق السببيّة المتبادلة، أو تفاعلًا غير مباشر عن طريق حلقات ردود الفعل (feedback loops)[9]، ويتولد عن ذلك نمط سلوك عام. ويمكن لحلقات ردود الفعل هذه أن تكون إيجابية (تُعزّز السلوك) أو سلبية (تخفف السلوك أو تقلّله). وبسبب هذه التأثيرات التفاعلية، يكون النظام بوصفه كُلًّا واحدًا أكبر من حاصل أجزائه؛ بل إنه يختلف عن مجموع أجزائه. وبتحديدٍ أكبر، يتولّد عن تنظيم المكونات وتفاعلها نمط سلوك عام أو مجموعة أنماط سلوك ذاتية التنظيم مميزة تمنح النظام هويته. ومثلما يبين فلود وكارسون (Flood and Carson)[10] فإنّ كل نظام فرعي، بل كل مستوى من النظام متعدد الأبعاد، يمكن أن تكون له خصائصه المنبثقة أيضًا.

3.     أنواع الأنظمة

دعونا نُميّز بين ثلاثة أنواع من الأنظمة: البسيطة (simple) والمتعقدة (complicated) والمعقّدة (complex)[11]؛ فقد يتضمن النظام البسيط مستويات متعددة من المكونات والصِلات المُرتبة هرَميًّا، لكن العلاقات التي تربط بين تلك المكونات تكون خطيّة في الغالب. تخيّل، مثلًا، خارطة لطريق عام في إحدى الولايات؛ المدن هنا تُمثّل مكونات النظام والطرق السريعة هي الروابط التي تصِل بين تلك المكونات، ويتم وضع أحرف أكبر كعلامة على المدن الكبرى وتُؤشر بمساحات كبيرة جرتْ العادة على تلوينها باللون الأصفر، أما الخطوط الأكثر سمكاً أو ألواناً فهي أيضًا تحدد الطرق السريعة الأكبر. وثمّة ميل واضح إلى ربط المدن الكبرى بطرق سريعة أكبر. وهذا يعني، باختصار، إمكانية التعبير عن الصِلات بين مكونات النظام على شكل علاقات خطيّة، وبذا يكون سلوكها على أتمّ وجه.

ويعمل النظام المتعقد على ربط الأنظمة البسيطة ربطًا غير محكم باستخدام العلاقات الخطيّة. (تأمل في أطلس طريق يربط خرائط لولاية ما بنظام يشمل البلاد كلّها).

أما النظام المعقّد فيربط بين تشكيلات من المكوّنات، والأنظمة البسيطة، وحتى الأنظمة المتعقدة عن طريق صِلات لاخطيّة غالبًا؛ وكلما زاد عدد المكونات والأنظمة الفرعية، وكلما كانت الصِلات بينها لاخطيّة، زادَ تعقيد النظام[12] تأمّل في تراكب خرائط نظم المعلومات الجغرافية (GIS) الخاصة بمنطقة حضرية معينة، ولا يشمل ذلك أحد الشوارع والأحياء المأخوذة من أطلس الطرق فحسب، بل أيضًا خرائط مناطق المياه والصرف الصحي، ومناطق الإطفاء، ومناطق المدارس، ومراكز الشرطة، ومناطق النقل السريع، وإدارة التخطيط الإقليمي، والدوائر الانتخابية، ومناطق الأقليّات، والريف، ومساقط المياه، وقطاعات التربة، ومؤشرات جودة المياه، وغيرها الكثير. وعادةً ما تتضمن المدينة الأمريكية الكبيرة بضع مئات من الوحدات الإدارية كل واحدة منها مسؤولة عن إحدى تلك الخرائط؛ كل خارطة تمثل نظامًا فرعيًا يمكن الإفادة من دراسته بحسب سياقه ومن منظور واحد فحسب. لكن هذه الأنظمة الفرعية ترتبط بسلسلة معقدة من العلاقات التي لا يلتفت إليها أحد غالبًا، مع إمكانية كونها دقيقة وتعمل بطريقة التشغيل المتقطع وتنتج عنها أحيانًا نتائج كبيرة أو صغيرة متباينة، أي أنها باختصار ترتبط بشبكة من العلاقات اللاخطيّة؛ فقد تكون للقرارات التي يتخذها مجلس إدارة المدارس بشأن تحديد موقع مدرسة جديدة تأثيرات غير متوقعة في التوزيع العِرقي للأحياء السكنية، وبالتالي في أنماط التصويت في الدوائر الانتخابية أو أنماط الحركة المرورية، التي تؤثر بدورها في صيانة الطرق السريعة؛ وتبعًا لذلك قد تكون للتحولات السياسية الناتجة عن ذلك وتغيير القرارات بشأن بناء طرق سريعة جديدة عواقب غير متوقعة على مساقط المياه وجودة المياه وما إلى ذلك. هذه الأنظمة الفرعية وصِلاتها اللاخطيّة تُشكّل مجتمعةً نظامًا معقدًا.

4.     الأنظمة المعقّدة

يتكون النظام المعقّد من مكونات ترتبط فيما بينها ارتباطًا فاعلًا عبر علاقات لاخطيّة غالبًا. هذه المكونات يمكن أن تكون جزيئات أو خلايا أو أعضاء الجسم أو أنماطًا ظاهرية أو نوعًا حيًّا أو مختلف الكائنات البشرية أو مؤسسات أو جماعات أو أُممًا أو حركات فنية أو ثقافات، أي باختصار مادة النظام. وتكون العلاقات فاعلة بمعنى وجود تدفق في النظام[13]، فيجعله حيويًا، كالطاقة والهواء والماء والمعلومات والمال والقيم والعلامات والرموز، أي ما معناه عمومًا كل ما يحرّك سلوك النظام. ولأن العلاقات تكون لاخطيّة ومختلفة القوة عادةً، لا يكون التدفق في بعض أجزاء النظام أكثر سرعة منه في أجزاء أخرى فحسب، بل يتسارع في بعض النقاط ويتباطأ في غيرها. وبالإجمال، يتولد عن التدفق الذي يتم عبر العلاقات اللاخطيّة بين المكونات نمط سلوك.

ولا يكون النمط مستقرًا ومنتظمًا تمامًا كما هو متوقع لو كانت العلاقات خطيّة، لكنه أيضًا لا يكون عَرَضيًّا وعشوائيًا، بل إن نمط سلوك النظام المعقّد يكون شبه مستقر. بمعنى أن النمط قابل للتحديد إلا أنه يتطور، ومفهوم، لكنه غير قابل للتنبؤ تمامًا. وتبعًا لهدفنا في هذه الورقة، فإن السمة الغالبة في النظام المعقّد (لأي نظام في الحقيقة) هي أن نمط سلوكه ذاتي التنظيم، بل هو بحسب وصف البينيّين ذاتي الاندماج أو ذاتي التكامل.

ولأن النظام المعقّد يتغير حجمه، إما يتسع أو يتقلّص، فمن الممكن أن يتولد عن لا خطيّة علاقاته نمط غير خطي من التحوّل للنظام بأكمله مع مرور الوقت. وهكذا، يمكن للنظام أن يغيّر من شكله فجأة تبعًا لتطوره، مما ينتج عنه نمط سلوك جديد[14]. وهذا أمر مفهوم تمامًا فيما يخص الأنظمة المعقّدة (مع أن التدفق غالبًا ما يتم افتراضه أو تجاهله).

ما يُتغافَلُ عنه عادةً في النظام المعقّد هو أن تحوّلية نمط سلوكه العام تكون مصحوبة بسلوكيات فريدة في كل موقع داخل النظام. فعلى سبيل المثال، قد يكون النظام البيئي ككل في مرحلة من التعاقب التي تسود فيها أنواع معينة من الأشجار والأزهار البرية والطيور والحشرات والخنافس وما إلى ذلك. ومع ذلك، يتبين عند الفحص الدقيق أن الاختلافات الصغيرة في المناخ المحلي تعطي كل موقع مختلف داخل هذا النظام البيئي خصائص مميّزة وغير متوقعة؛ فالأنواع الحيّة السائدة ليست موزعة بالتساوي؛ بل إن كل موقع فيه يكون فريدًا. لنأخذ مثالًا آخر من نظام بشري معقد؛ فالتوائم الذين يشتركون بالمادة الوراثية نفسها ويخضعون للتنشئة في الأسرة نفسها يظل بمقدورهم تطوير خصال متميزة لشخصياتهم على الرغم من أنهم يُبدون الكثير من الأنماط السلوكية المشتركة، وربّما يكون مردّ ذلك جزئيًا أنهم يشغلون مواقع فريدة داخل بيئتهم الاجتماعية، لكن هذا لا يعني أن الموقع هو الذي يحدد بالدرجة الأساس الفروق الفردية داخل نظام معقد إلى الحدّ الذي لا يُتاح فيه وجود أي إرادة حرة أو فروق وراثية أو صُدفة؛ بل إن هذا القول يُوحي بأن السلوك المُميّز يستجيب للصفات المحددة لموقعه داخل نظام معقد. هذا معناه باختصار أن المكان مهم. وإذا ما حاولنا فهم سلوك مكان معين ضمن نظام معقد، ستكون المعرفة المحلية[15] ذات أهمية.

5.     أنواع الأنظمة المعقّدة

ليست الأنظمة المعقّدة كلها تتكوّن بطريقة متساوية؛ فالبيولوجيون يعرفون أن الأنظمة المعقّدة الحيّة تتصرف على نحو يختلف عن الأنظمة غير الحيّة، ويرى العلماء الاجتماعيون أن سلوك الأنظمة المعقّدة ذات المكونات الواعية والعارفة بذاتها يكون مختلفًا عن سلوك الأنظمة الحيّة التي يكون سلوك مكوناتها محكوما وراثيًا، ويعي الإنسانيون السلوكيات الخاصة للمكونات التي بمقدورها التلاعب بالرموز وتخيّل المستقبل وتوقعه. ومثلما يؤكد كابرا (Capra)، فإنه "بسبب (العالم الداخلي) الخاص بالمفاهيم والأفكار والرموز التي تنشأ مع فكر الإنسان ووعيه ولغته، لا تكون الأنظمة الاجتماعية الإنسانية موجودة في المجال المادي فحسب، بل في المجال الاجتماعي الرمزي أيضًا"[16]. ومما يُؤسف له أن الدراسات الرائدة في مجال نظرية الأنظمة المعقّدة صبّت جلّ اهتمامها على العلوم الطبيعية والرياضيات، وأدّت المحاولات الكثيرة لتوسيع آفاق النظرية إلى نقل النظرية لسياقات جديدة بلا نقد وتمحيص، ومن دون تكييفها معها. وكلما تُهنا أكثر في مجال العلوم الاجتماعية والإنسانية، زادت الحاجة إلى ضرورة تعديل النظرية.

يطرح كابرا قضية مُقْنِعة مفادها أن الأنظمة الحيّة هي أنظمة معقدة تُسهِم أنظمتها الفرعية المتفاعلة فيما بينها في توليد وإدامة وتطوير بعضها البعض، فضلًا عن إسهامها في التكيف مع بيئتها. وبذا، تكون الأنظمة المعقّدة الحيّة ذاتيّة التنظيم، وتصحح نفسها بنفسها، وتتكاثر ذاتيًا. فمثلًا، تُعدّ الخلية نظامًا معقدًا حيًّا تعمل مكوناته، مثل العُضيّات، على توليد وتغيير بعضها الآخر، أما الأنظمة المعقّدة غير الحيّة فهي قادرة على الربط بين أنظمتها الفرعية فقط، بينما تكون الأنظمة الفرعية من الأنظمة المعقّدة الحيّة معتمدة على بعضها الآخر اعتمادًا أساسيًا.

وتختلف الأنظمة المعقّدة التي تتألف مكوناتها من البشر ومؤسساتهم اختلافًا كبيرًا جدًا عن الأنظمة غير الحيّة؛ لأن البشر قادرون على ممارسة الإرادة الحرة. ثمّة هوّة هنا تفصل بين المثير والاستجابة يُحدِّد فيها البشر خياراتهم. والحق أن هذه الخيارات يمكن أن تؤدي إلى سلوك كثير الشبه بسلوك الأنظمة الحيّة الأخرى، إذا ما "اتبعوا مسار المقاومة الأقل" أو "ساروا مع التيار" واستخدموا قدراتهم العقلية في تبرير سلوكهم منطقيًا بدلًا من ممارسة السيطرة العقلانية عليه. لكن البشر قادرون أيضًا على إظهار سلوكيات تعكس توازنًا قصديًا بين الأخلاق والقيم من جهة، ومختلف أشكال المصلحة الشخصية (أي، الثروة أو السلطة أو المكانة)، ويمكنهم تخيّل عوالم بديلة واختيار سلوكيات بغرض تعزيز العالم الذي يختارونه. ويمكنهم، بعد مراقبة سلوك الأنظمة التي يشاركون فيها، أن يتعلموا توقّع العواقب الوخيمة لأفعالهم التي غفلوا عنها في السابق، ويمكنهم أيضًا تغيير سلوكهم بهدف تغيير النمط النظامي. وإذا تكلمنا بلغة الأنظمة المعقّدة، تخلق المكونات البشرية مزيدًا من اللا تحديد في النظام المعقّد من خلال تحويل الصِلات السببية إلى محض مؤثرات، ما ينتج عنه حلقات رد فعل جديدة، بل حتى تغيير في العلاقات التي تحدد شكل السلوك العام للنظام.

6.     تطبيقات على الإنسانيات البينيّة

إن تفرّد السلوك في كل موقع، وقيمة المعرفة المحلية المترتبة على ذلك، لها تأثيرات مهمة على تطبيق الأنظمة المعقّدة في الإنسانيات البينيّة؛ إذ يعي المؤلفون والرسامون وفنانو الأداء موقعهم الفريد داخل النظام المعقّد من خلال التعبير عن معناه في أعمالهم. أما الدارسون الذين يحاولون تفسير عملهم أو نقده فيُشخِصون المؤثرات التي تستجيب لها أعمالهم. ومنذ وقت بعيد التفتت الإنسانيات التقليدية (التخصّصية) والفنون الجميلة والأدائية أهمية هذه المؤثرات. وتُسهِمُ نظرية الأنظمة المعقّدة في فهمنا البينيّ لهذه المؤثرات من خلال تكوين نمط عام يُعزّز السلوكيات المتفردة في كل موقع داخل النظام. وبذا، يتوجّب على أي تفسير بينيّ لنصٍ ما أن يتخطى المؤثرات المنفصلة وصولًا إلى تقييم نمط السلوك العام للنظام، كما ينبغي له الاعتراف بمصادر تفرّد المؤلف والنص النظامية والفردانية معًا.

7.     أشكال التعقيد الأخرى

إن قرار توجيه البينيّين صوبَ نظرية الأنظمة المعقّدة لا يعكس فائدة هذه القرارات للبينيّين فحسب، بل يسلط الضوء على مخاطر الاستمداد من النظريات الأخرى تتميّز بالتعقيد. ومع أن أشكال التعقيد الأخرى قد تفيد البينيّين بدرجاتٍ متفاوتة، لا يبدو أن أيًّا منها يصلح أن يكون قاعدة نظرية للبينيّة ككل.

يركز التولّد الذاتي[17] على شكل من أشكال التعقيد لا يكون فيه النمط العام لسلوك نظام معقد ذاتيّ التنظيم فحسب، بل يتولد ذاتيًا ويُديم نفسه بنفسه، أيضًا[18]. ودائمًا ما يتعامل علماء بايولوجيا الخلية مع هذا السلوك لدى الكائنات الحية، وكذا يفعل علماء الاجتماع مع المجتمع، والأنثروبولوجيون مع الثقافة، وعلماء السياسة مع الحكومة. أي باختصار، معظم السلوكيات على المستويين الأوسط والكلّي (mezzo and macro) التي تمت دراستها في العلوم الاجتماعية والبيولوجية هي على الأرجح متولّدة ذاتيًا. وقد يكون لبعض السلوكيات ذات المستوى الجزئي [المحلّي] (micro) هذا الشكل من التعقيد أيضًا ـ تأمّل الأنظمة ذاتية الاستدامة الخاصة بالهوية الفردية التي يُولّدها الأفراد - لكن التركيز على التعقيد المتولّد ذاتيًا قد لا يفيد الإنسانيات كثيرًا. ولأن كل متخصص بالبينيّة يتعامل مع السلوك الذي يمكن تمثيله على أفضل وجه باستخدام أنظمة معقدة، فإن شكل تعقيده الأكثر عمومية يبدو متلائمًا أكثر مع نظرية الدراسات البينيّة. ومع ذلك، ينبغي للبينيّين أن يكونوا على دراية بالتعقيد ذاتي التولّد ويفيدوا من رؤيته حيثما لاءمهم ذلك.

تكمنُ فائدة نظرية الفوضى في السياقات التي يتكرّر فيها، وإلى ما لا نهاية من المرّات، السلوك الذي تتحكم به علاقات قليلة بسيطة، ويحصل ذلك من خلال تلك العلاقات الثابتة. وإذا نظرنا لهذه النظرية من الزواية الكميّة، فتتحقق فائدتها عندما يكون السلوك وليد الحل التكراري لمعادلات بسيطة لا متغيرة. وأفضل مثال معروف على التعقيد الناتج هو أنماط البيزلي (paisley)[19] في مجموعة ماندلبرو (Mandelbrot)[20]. ويمكن العثور على هكذا أنماط سلوكية، وربما بشكل متكرر، في العالم الطبيعي، وربّما نجدها أيضًا في عالم البشر الذي تبسطُ فيه العادة أو الروتين أو عدم التفكُّر هيمنتها على السلوك؛ وبسبب ذلك يُواصل الجهل عمله في إخفاء عواقب السلوك، أو يكون السلوك واسع النطاق إلى الحدّ الذي تَعمدْ فيه محدودية التفكير إلى حجْب النمط تمامًا. لكن معظم الدراسات البينيّة التي تشمل العلوم الاجتماعية، وبالتأكيد الإنسانيات، معنيّة بسلوك البشر الذين يتعلمون على الأقل من عواقب سلوكهم؛ وما يحدث إذا لم يستخدموا قدراتهم على الترميز والتخيّل بغية تَوقُّع تلك العواقب والحيلولة دون حدوثها. بعبارةٍ أخرى، لن تكون المعادلات ثابتة على الدوام؛ فمهما كان سلوك البشر بطيئًا وأخرق، فإنهم يقومون بإجراء تعديلات على القوانين (المعادلات) التي تحكم سلوكهم بحسب عواقب ذلك السلوك. وبالتالي، فإن الشكل الفوضوي قد لا يصل من التعقيد إلى مستوى التطور الكامل؛ بل إنه لن يستمر بكل تأكيد. ولأن الديناميات اللاخطيّة ترتكز على نظرية الفوضى، يرى البينيّون أنها تعاني من أوجه القصور نفسها.

تُشاطر البيولوجيا التطورية المحدثة نظرية الفوضى في استراتيجية توليد شكل من أشكال السلوك المعقّد عِبرَ نماذج كومبيوترية يُحرّكها القليل من القواعد البسيطة لكنها ثابتة يتم تطبيقها بشكل متكرر، ولعدد هائل من المرّات. وبذا، يبدو أنها أيضًا غير قابلة للتطبيق إلا ضمن نطاق ضيق وللأسباب نفسها؛ فهي تتجاهل حلقة ردود الفعل التي يُوجدها البشر من نمط السلوك لصالح القانون أو العلاقة أو المعادلة التي تُولّدها.

قد يبدو غريبًا أن يتم إدراج ميكانيكا الكم في خانة "العلوم الجديدة" على الرغم من كونها قد تطورت بالكامل في النصف الأول من القرن العشرين ضمن مجال الفيزياء. لكنها، برغم ذلك، تشاطر النظريات الأخرى بخصائص أساسية: رفضها الثنائيات القياسية مثل المراقِب والمُراقَب، وتركيزها على العلاقات حول الأشياء، وإصرارها على أن الخصائص أو الصفات نابعة من العلاقات وليست متأصلة في الأشياء، ونظرتها للخصائص أو الصفات بوصفها احتمالية وديناميّة. وفي العقود الأخيرة، حاول مختلف الدارسين (معظمهم خارج حقل الفيزياء) تطبيق ميكانيكا الكم على مستويات أكبر بكثير، حتى على العالم الذي يعيشه البشر مباشرةً. ويبدو أن الافتراض الذي نادرًا ما يُصرّحُ به هو أنه إذا كانت ميكانيكا الكم تعمل على نطاقات صغيرة للغاية، فلا بدّ لها من أن تعمل بطريقةٍ ما على نطاقات أكبر أيضًا، أو في الأقل يكون لها آثار في السلوك واسع النطاق. وما إن يتم التصريح بذلك، سيبدو ذلك الافتراض الاختزالي الغريب ناشزًا بين النظريات الأخرى، ولا شك في أنه أساس رخو لا يمكن أن تنبني عليه نظرية الدراسات البينيّة.

8.     الصِلة بالبينيّة

إن الفكرة القائلة بوجود ارتباط وثيق بين التعقيد والبينيّة ليست بالفكرة الجديدة تمامًا؛ ففي دراستنا المعنونة "تطوير الدراسات البينيّة" (Advancing Interdisciplinary Studies)، قدمنا أنا وجولي كلاين تعريفًا للدراسة البينيّة بأنها "سيرورة الإجابة عن سؤال، أو حلّ مشكلة، أو معالجة موضوع واسع جدًا أو معقد جدًا يعسُر على تخصّص واحد ومهنة واحدة التعامل معه على نحو سليم... تستمد الدراسة البينيّة من منظورات ورؤى تخصّصية وتدمج رؤاها عِبرَ بناء منظور أكثر استيعابًا وشمولًا"[21]. وتؤكد أورسولا هوبنثال (Ursula Hübenthal) في دراستها المعنونة "الفكر البينيّ" (Interdisciplinary Thought) الحاجة إلى التعاون بين التخصّصات؛ لأن "هذه المشكلات بالغة التعقيد إلى الحدّ الذي يتعذّر فيه إصدار حكم ملائم بشأنها، مثلّما لا يمكن حلّها تمامًا، فقط بالمعرفة الذاتية التي تصدر عن تخصّص واحد"[22]. وتذكُر مارلين ستيمبر (Marilyn Stember) في دراستها "دفع عجلة العلوم الاجتماعية من خلال المشروع البينيّ" (Advancing the Social Sciences Through the Interdisciplinary Enterprise) أنه "عند بذل الجهود البينيّة، ينبغي للمشاركين التركيز على عقدة العلاقات المتبادلة الهولستية الشاملة"[23]. ويتبنى بريان س. تيرنر (Brian S. Turner) موقفًا واضحًا في دراسته "المنهج الدراسي البينيّ: من الطب الاجتماعي إلى ما بعد الحداثة" The Interdisciplinary Curriculum: From Social Medicine to Postmodernism) مفاده أنه "نظرًا لتعقّد الحالات الصحية، ينبغي* لمقاربة الطب والعلوم أن تكون بينيّة"[24]. ويُصرّ غرانت كورنويل (Grant Cornwell) وإيف ستودارد (Eve Stoddard) في دراستهما "الأشياء تتداعى معًا: نقد إصلاح المناهج الدراسية متعددة الثقافات" (Things Fall Together: A Critique of Multicultural Curricular Reform) على "أن الثقافات، بسبب تفاعلاتها وتعقيداتها المتغيّرة على الدوام، ينبغي بحثها وتدريسها من منظورٍ بينيّ"[25]. ومع أن معظم هؤلاء المؤلفين لا يستعملون مفردة معقّد أو تعقيد بالمعنى التتخصّصي الذي أوظفه لها في هذا المقال، إلا أن تكرار استعمال مثل هذه الاصطلاحات اللاتخصّصية (وهذه الأمثلة لا تمثل سوى قليل منها) يشي، في الأقل، بوجود خطوط تفكير متشابهة تقريبًا.

ثالثًا: السيرورة البينيّة

1.     كلاين (1990)

قبل تبنّي نظرية الأنظمة المعقّدة بغرض تبرير المنهج البينيّ وتسليط الضوء عليه، ينبغي لنا إمعان النظر في السيرورة البينيّة الكامنة وراء ذلك المنهج؛ فثمّة اتفاق واسع النطاق مفاده أن البينيّة هي في الأساس سيرورة. وعلى الصعيد نفسه، يوجد اتفاق عام، وإن كان مُبهمًا، على خطوات تلك السيرورة، على الرغم من اختلاف العلماء بشأن كون السيرورة خطيّة وتعاقبية أو حلقيّة ومرنة. وكانت جولي كلاين أول من حاول تحديد تلك الخطوات في كتابها "البينيّة: التاريخ والنظرية والممارسة" (Interdisciplinarity: History, Theory, and Practice) بأنها:

      تعريف المشكلة (السؤال، الموضوع، المسألة).

      تحديد الاحتياجات المعرفية كلّها، بما في ذلك أفضل ممثلي واستشاريي التخصّصات، إلى جانب النماذج والأعراف البحثية والأدبيّات ذات الصلة.

      تقديم إطار عمل اندماجي وإثارة الأسئلة المناسبة الواجب بحثها.

      التركيز على دراسات محدّدة يتعين إجراؤها.

      الانخراط في سياسة "التفاوض على الأدوار"(عندما يكون العمل جماعيًا).

      جمع المعارف الحالية كلها والبحث عن معلومات جديدة.

      ردم الهوّة بين التخصّصات من خلال العمل على طرح اصطلاحات مشتركة (والتركيز على التعلّم المتبادل في حالة العمل الجماعي).

      خلق التواصل وإدامته عبر الأساليب الاندماجية.

      تجميع الإسهامات كلها وتقييم كفاءتها وملاءمتها وقدرتها على التكيف.

      دمج الأجزاء الفردية لتحديد نمط الارتباط والملاءمة المتبادلة.

      تأكيد الحل المقترح أو دحضه (الإجابة).

      اتخاذ قرار بشأن الإدارة المستقبلية أو التصرف في المهمة/المشروع/المريض/المنهج الدراسي[26].

هذه الخطوات تبدو مزيجًا من النظرية والتطبيق على نحوٍ ينسجم وموضوع كتاب كلاين؛ فقد تمّ مزج قضايا الفُرَق البينيّة التي يطرحها مختلف الأشخاص، بالقضايا المفاهيمية الخاصة بالإبستمولوجيا البينيّة.

2.     نسخة نويل

لقد استخلصتُ الخطوات التي رشّحتُها لسيرورة البينيّة من بعض الأعداد غير المُرتّبة بانتظام كانت حصيلة عمل جماعي – مع وجود أفراد يعملون بمفردهم- وقد صنّفتها بحسب تعريف البينيّة عند كلاين ونويل[27].

أ‌.       اعتماد المنظورات التخصّصية:

      تعريف المشكلة (السؤال، الموضوع، القضية).

      تحديد التخصّصات ذات الصِلة (بينيّة، مدارس فكر).

      الوصول إلى حالة الإتقان العملي للمفاهيم والنظريات والأساليب ذات الصلة الخاصة بكل تخصّص.

      جمع المعرفة التخصّصية الراهنة كلّها، والبحث عن معلومات جديدة*.

      دراسة المشكلة من منظور كل تخصّص.

      توليد رؤى تخصّصية للمشكلة.

ب‌.   دمج رؤاها من خلال بناء منظور أكثر شمولًا:

      تحديد الرؤى المتضاربة عند استخدام التخصّصات لتسليط الضوء على افتراضات كل تخصّص، أو من خلال البحث عن مصطلحات مختلفة تحملُ معاني مشتركة، أو مصطلحات ذات معانٍ مختلفة.

      تقييم الافتراضات والاصطلاحات في سياق المشكلة المحددة.

      التوصل إلى اتفاق من خلال العمل على مفردات مشتركة ومجموعة من الافتراضات.

      إيجاد أرضية مشتركة.

      بناء فهم جديد للمشكلة.

      توليد نموذج (استعارة، موضوع) يحمل الفهم الجديد.

      اختبار الفهم من خلال محاولة حل المشكلة.

3.     التسويغ المنطقي النظري

في الوقت الذي قد يشعر فيه معظم البينيّين بالارتياح تجاه أيٍ من هاتين القائمتين، ولا يولون أهمية خاصّة لاستعمال قائمةٍ بعينها، لكن أيًّا من القائمتين لا ترتكز على إبستمولوجيا البينيّة؛ لأنهما حصيلة مراقبة الأنشطة التي يقوم بها الممارسون البينيّون من دون السير على هدي أي مبرر منطقي نظري. لكن، ماذا لو كانت ممارسة البينيّة الراهنة خاطئة أو اعتباطيّة في الأساس؟ ماذا لو كانت بعض الخطوات غير ملائمة؟ والأسوأ من ذلك، ماذا لو كانت السيرورة بأكملها مغلوطة أساسًا؟ قد نشعر بأن السيرورة سليمة، لكن اطمئناننا سيزيد عند توفر أساس نظري متين.

المسألة التي تطرحها هذه الورقة، ومفادها أن البينيّة أمر ضروري بسبب الأنظمة المعقّدة، تقترح إجراءً لاختبار مدى ملاءمة الخطوات التي صارتْ تُضمَّن في السيرورة البينيّة؛ ولأن السيرورة تأتي استجابةً لطبيعة الواقع الذي تتم دراسته، ينبغي لها أن تعكس ما نعرفه عن خصائص الأنظمة المعقّدة. ولهذا ينبغي لكل خطوة في السيرورة البينيّة أن تجد لها ما يُناظِرُها في نظرية الأنظمة المعقّدة. في أدناه، مقارنة بنسخة نويل خطوةً بخطوة.

رابعًا: السيرورة البينيّة والأنظمة المعقّدة

1.     اعتماد المنظورات التخصّصية

لكي نفهم مشكلةً بينيّة مُعينة بلُغة الأنظمة المعقّدة، دعونا نعُد إلى أحد الأمثلة التي ذكرتها في مستهل المقال؛ فالمطر الحمضي نتاج نشاط اقتصادي بشري يُحرّكه نظام اقتصادي ومالي عالمي، ويُقرّه نظام سياسي، له جذوره في الثقافة والتاريخ. يتفاعل هذا النشاط مع البيئة الماديّة عبر سلسلة من الأحداث المناخية والكيميائية والبيولوجية والفيزيائية المتتالية التي تعمل من خلال مجموعة متفاعلة من الدورات الجيولوجية والكيميائية والهيدرولوجية على توليد تأثيرات ضارة في مختلف الموضوعات والأنشطة البشرية، وفي الأنظمة البيئية، فضلًا عن تأثيراتها في غسيلك الذي تُعلِّقهُ في الفناء الخلفي لمنزلك، وفي التمثال الموجود في ساحة المدينة. أفضل طريقة لتأمّل الأنظمة التخصّصية، والبيئة، والأحداث، والدورات، والموضوعات والأنشطة، والأنظمة الإيكولوجية، هي باعتبارها مُكونات أو أنظمة فرعية لنظامٍ معقد أكبر. وهكذا يَكون المطر الحمضي نمطًا عامًا لسلوك يُمثّلهُ ذلك النظام المعقّد. التحدي الذي يواجه البينيّ هو في فهم مشكلة المطر الحمضي ضمن سياق نمط السلوك، وفي اقتراح حلول تتماشى مع هذا النمط.

2.     التعريف

بما أن كل تخصّص يركز على سلوك نظام فرعي معين يمثّل وجهًا من أوجه الواقع، فإن تعريفه للمشكلة (أو بالأحرى، فهمه لمسألة وجود مشكلة أم لا، أصلًا) يخضع لسياق نظامه الفرعي وحجمه؛ إذ ينظر الاقتصاديون إلى المطر الحمضي بوصفه مشكلة عوامل خارجية، ويراه علماء السياسة مشكلة تنظيمية، ويعدّه المهندسون مشكلة تصميمية. ولأن النظام الأكبر معقد، فإن ذلك الجزء من نمط السلوك العام الذي يراقبه تخصّص مُعين في سياقه المحلي قد يكون مختلفًا بالمرّة عمّا يراه تخصّص آخر. وهكذا، قد يتخذ المهندس قرارًا بعدم وجود أي خطأ في تصميم محطة توليد الكهرباء وينتقد بدلًا من ذلك القرار الاقتصادي بحرق الفحم عالي الكبريت بدلًا من الفحم منخفض الكبريت. تتمثل مهمة البينيّين إذن في توسيع نطاق تركيزهم على نمط المطر الحمضي الذي يُمثّله النظام المعقّد ككل، وإعادة تعريف المشكلة تبعًا لذلك.

3.     التحديد

مع مرور الوقت صارت لكل تخصّص القدرة على تطوير أدوات تناسب دراسته للظواهر التي يُمثّلها نظام فرعي معين. كان التحدي الذي واجه البينيين عند اختيار التخصّصات وغيرها من المنظورات التي يستمدون منها هو تحديد الأنظمة الفرعية التي لها إسهام فاعل في نمط السلوك العام الذي يرغبون في دراسته باستخدام نظام معقد. يمكن التصدّي لهذا التحدي، إلى حدٍ ما، بالتحقّق من كل تخصّص لمعرفة أدبيّاته عن ذلك الموضوع، أو بسؤال الزملاء من أعضاء الهيئة التدريسية في كل قسم عن الطريقة التي يمكن أن يُسهم فيها تخصّصهم بدراسة الموضوع. فعلى سبيل المثال، قد لا يتبادر إلى الذهن فورًا أن بمقدور الأنثروبولوجيا أن تقدّم الكثير لدراسة المطر الحمضي، لكن أحد زملائك في ذلك القسم سيكون عارفًا بأن الماديّة الثقافية تقدم إطارًا عامًا للتفكير في التفاعل المتبادل بين الإنسان والبيئة، ولاسيّما في الطرق التي تؤدي بها الممارسات الاقتصادية والتكنولوجيا إلى حدوث تغييرات في النظام البيئي. ولأن النظام العام معقد، قد لا تكون إسهامات الأنظمة الفرعية الفردية لنمط سلوك النظام العام واضحة حتى للمتخصّصين الذين يدرسونها. ولهذا السبب تحديدًا، يُرجّح أن يكون البينيّون على خطأ في ما يخص مسألة الشمولية (في الأقل في ما يخص استقصاءاتهم الأولية)، وينبغي لهم الالتفات للصِلات اللاخطيّة التي غفلوا عنها، ربّما.

4.     التطوير والتجميع

ليسَ على البينيّين أن يكونوا خبراء في التخصّصات التي ينتفعون منها؛ فإلى جانب فهمهم العام لمنظور التخصّص، فإنهم لا يحتاجون إلا إلى الإتقان الوافي لأجزاء تتعلق بذلك التخصّص لتسليط الضوء على سِمات محددة يتسم بها ذلك النظام المعقد. فعند دراسة فيزياء المطر الحمضي، مثلًا يتوجّب عليهم فهم المبادئ الدينامية الحرارية الأساسية التي يقوم عليها تشغيل محطة توليد الطاقة الكهربائية، ومن غير المرجّح أن يكونوا بحاجة لفهم فيزياء الأجسام دون الذرية. وبسبب استحالة وجود نظامين معقدين متماثلين، يحتاج البينيّون إلى تعلم شيء جديد عن التخصّص في كل مرة يفيدون منه. ومجددًا نقول: إن تعقيد النظام الذي يُدرَس يعني أن أجزاءً غير متوقعة من التخصّص قد تكون ذات فائدة. لهذا السبب، ينبغي أن تكون لدى البينيّين إحاطة بمنظور التخصّص لكي يلتفتوا لإسهاماته المحتملة الأخرى التي يمكن أن يقدمها لدراستهم.

5.     البحث

تميل التخصّصات إلى تضييق نطاق تركيزها على القضايا التي تبدو مثيرة للاهتمام في سياق ذلك النظام الفرعي. وقد يستشعر البينيّون، عند محاولتهم الاعتماد على أحد التخصّصات لدراسة مسألة ذات أهمية في سياق النظام ككل، ضرورة القيام بمزيد من الأبحاث لتطبيق المنظور العام وما يرتبط بهذا التخصّص من مفاهيم ونظريات ومناهج؛ فعلى سبيل المثال، عندما تم تشخيص المطر الحمضي في سبعينيات القرن المنصرم في الولايات المتحدة بأنه مشكلة تتعلق بالنظام، لم يُجرِ علماء البيئة آنذاك سوى أبحاث قليلة على تأثير ارتفاع نسبة حمضية السُحُب في الغابات الجبلية، فكان لزامًا تطوير فرع الاقتصاد البيئي بأكمله.

ومع ذلك، من غير المرجّح تمامًا أن تكون نسبة كبيرة من المعرفة الجديدة التي يحتاج إليها البينيّون وليدة التخصّصات أصلًا. ويتمثل التحدي الذي يواجه البحث البيني في تحديد ودراسة الروابط اللاخطيّة النموذجية بين الأنظمة الفرعية التخصّصية. فعلى سبيل المثال، ما هي بالضبط الصِلات القائمة بين الأنظمة الفرعية الاقتصادية والسياسية التي دَرَسها العلماء الاجتماعيون والأنظمة الفرعية المناخية والبيولوجية التي دَرَسها علماء الطبيعة والتي تتحد معًا لتوليد المطر الحمضي؟ بما أن هذه الصِلات تقع خارج نطاق كل تخصّص من هذين التخصّصين، بات أمر استكشافها متروكًا للبينيّين.

6.     التوليد

إن الهدف من تطبيق كل تخصّص هو الوصول إلى فهم للكيفية التي يرتبط بها نمط السلوك، المتولِّد عن ذلك الجزء من النظام الفرعي الذي يَدرسه، بمكونات ذلك النظام والعلاقات التي تربط بينها. فعلى سبيل المثال، يكشف تطبيق علم الاقتصاد على دراسة المطر الحمضي عن سلوك ذلك الجزء من النظام الاقتصادي الذي يحفّز على اتخاذ القرارات المتعلقة باستخدام الفحم في محطات الطاقة، بينما يكشف تطبيق تخصّص الاقتصاد السياسي البينيّ عن بعض الروابط التي تربط بين النظامين الاقتصادي والسياسي.

خامسًا: دمج الرؤى التخصّصية

رأينا فيما سبق أن تطبيق نظرية الأنظمة المعقّدة هو الذي يتحقق من صحة الخطوات في السيرورة البينيّة (ويتحقق، بالتالي، من أطروحة هذه المقالة). التحقق وحده جدير بالاهتمام؛ لأنه يوفر المبرر المنطقي للانتقاد الذي يُوجهه المتشككون للسيرورة بأنها اعتباطية. ومع ذلك، الخطوات المتبقية تُدخلنا في ذلك الجزء من السيرورة البينيّة الذي يكتنفه الغموض دائمًا، وأعني به: الاندماج (Integration). لمعظمنا القدرة على الإشارة إلى أمثلة (وربما فقط القليل من الأمثلة) عن الاندماج الناجح بين التخصّصات؛ وربما نكون قد خبرَنا ذلك بأنفسنا، لكن لم يصدف أن تكلمتُ مع شخص أو قرأتُ له (بما في ذلك كتاباتي أنا شخصيًا) تمكنَ من تقديم شرحٍ وافٍ لكيفية دمج الرؤى التخصصّية للوصول إلى فهمٍ شامل. حتى أننا لم نكن واضحين تمامًا بصدد المعنى الذي نقصده بالضبط من كلمة "اندماج"[28]. أنا على قناعة بأن نظرية الأنظمة المعقّدة ليست قادرة على التحقق من صحة ما تبقّى من خطوات في السيرورة البينيّة فحسب، بل بمقدورها أيضًا مساعدتنا في تصوّر الاندماج البينيّ وتقييمه. ونتيجة لذلك، أؤمن بأن للنظرية القدرة على مساعدتنا لنكون بينيّين أفضل. فلنمضِ إذن ونحن نضع هذا الأمر نُصبَ أعيننا.

1.     التعرّف والتقييم

حيث إن الهدف من وراء كل تخصّص هو تسليط الضوء على وجهٍ معين ومختلف من أوجه الواقع، ينبغي لافتراضاته أن تعكس المبادئ التي تتحكم بذلك الوجه (وإن كان بطريقة يشوبها النقص). وإن أخفق التخصّص في تحقيق هذا الهدف، سيبرهن على عجزه ويُتَخَلَّص منه في نهاية المطاف. هذه الافتراضات تختلف (وينبغي أن تختلف) من تخصّصٍ إلى آخر مادام سلوك النظام المعقّد يختلف باختلاف السياق (أي، مكان ومادة المعرفة المحلية). وتبعًا لذلك، تختلفُ أيضًا المبادئ التي يقوم عليها هذا السلوك. وللتعرّف على المبادئ التي تحدد آلية عمل وجه معين، يعمد البينيّ إلى سَبر افتراضات التخصّص الذي أثبت فائدته في فهم ذلك الوجه. ولأن الافتراضات تجنح إلى أن تكون لا مرئية عندما يشاركها الجميع، فإن أفضل طريقة لسَبر افتراضات تخصّص معين هي بتمحيصها عبرَ تخصّصٍ آخر. على سبيل المثال، في دراسة المطر الحمضي، عند التحرّي عن المفهوم البيولوجي، "القدرة الاستيعابية"، من منظور علم الاقتصاد، يكون الكشف عن افتراض التكنولوجيا الثابتة الذي لا يذكره أحد. وعند تقصّي نظريات النمو الاقتصادي الكلاسيكية من منظور بيولوجي، يتجلى على الفور افتراضها بوجود موارد طبيعية لا محدودة.

إن نظرية الأنظمة المعقّدة هي التي تُبرّز الحاجة المكبوتة إلى البينيّين لغرض تدقيق الاصطلاحات التي تستعملها التخصّصات المساهمة، والاستمرار في تعديلها؛ فالتخصّص يقوم بتعريف اصطلاحاته التقنية لإبراز خصائص أحد المكونات أو العلاقات ذات الصلة بنظامه الفرعي. وإذا نظرنا إلى الخواص الإضافية، (وربما حتى المختلفة)، ضمن السياق الأوسع للنظام المعقّد بأكمله، فمن المرجح أن تغدو مرتبطة به، والأهم من ذلك أنها تكون عاملًا مُسهمًا في إحداث نمط سلوك مختلف. وتكتسب التعريفات أهمية خاصة عند مقارنة الرؤى المستمدّة من مختلف التخصّصات؛ فعندما يستعمل تخصّصان المصطلح نفسه، سيكون البينيّون بحاجة إلى التمعن في الاختلافات القائمة بين الاستعمالين من حيث المعنى الضمني وحتى الحَرفي؛ ففي سيرورة دراسة المطر الحمضي، مثلًا، سيكتشف البيني الفاحص أن مصطلح "الكفاءة" (efficiency) يحمل معاني مختلفة تمامًا؛ فهو يعني (الطاقة المفقودة/الطاقة المُنتجة) عند البيولوجيين والفيزيائيين، ويعني (تحويل الدولار إلى الخارج/ تحويل الدولار إلى الداخل) عند الاقتصاديين، ويعني عند علماء السياسة (ممارسة النفوذ / إنفاق رأس المال السياسي). وعليهم أن يتوخوا الحذر أيضًا عند التعامل مع السِمات المشتركة بين مختلف الاصطلاحات التي يغفل عنها الجميع.

2.     الحلّ والبناء

تواجه مهمة الاندماج البينيّ تحديين مترابطين: 1) التعرف على نمط السلوك العام للظاهرة المُراد دراستها، 2) بناء نظام معقد يتوافق نمط سلوكه مع نمط سلوك الظاهرة على الرغم من كونه ينبثق من مكوناتها وعلاقاتها وأنظمتها الفرعية. يتطلب الاندماج البدء بالعمل من الظاهرة نفسها ثم التوجّه نحو الأنظمة الفرعية التي تدرسها مختلف التخصّصات. هذه السيرورة الاندماجية لا تكون خطيّة بالمرّة. ويتم اختبار النمط المقترَح أولًا بإزاء أحد المعايير، ثم المعيار الآخر، ثم تتم مراجعته وإعادة اختباره. وهكذا، فإن الاندماج البيني يُسيّره التوتر بين الرؤى التخصّصية والنمط الظاهراتي.

وتُشكِل سيرورة ربط نمط السلوك العام بسلوك الأنظمة الفرعية ومكوناتها تحدّيًا لأي نظام طالما كان الكلّ مختلفًا عن مجموع أجزائه، والأكثر تحدّيًا من ذلك هو بناء نمط سلوك عام لنظام هو بالأساس معقّد. ولولا وجود نمط سلوك يمكن ملاحظته للظاهرة التي يمثّلها ذلك النظام المعقّد، لكانت المهمة مستحيلة. وعلى هذا الأساس، يعرف البينيّون كيف سيكون شكل نمط النظام، وسيتوجب عليهم في هذه الحالة فهم السبب الذي يدفع بسلوك النظام لإظهار ذلك النمط آخذين بنظر الاعتبار بنية النظام وأنماط سلوك أنظمته الفرعية.

وفي هذه السيرورة من التأرجح بين الأنظمة الفرعية والنمط العام، تُعَدَّل اصطلاحات التخصّصات المسهمة وافتراضاتها لغرض الوصول إلى فهم أعمق؛ لأنها نشأت أصلًا من مدخلات توصلت إليها من مصطلحاتها وافتراضاتها. وإذا نظرنا إلى الأمر من الزاوية العملية، ستظهر الحاجة الماسّة إلى تعديل المصطلحات والافتراضات التخصّصية حتى تستجيب لكلٍ من المنظور التخصّصي حول نمط سلوك نظام فرعي معين، والفهم البينيّ للنظام المعقّد ككل (وبالتالي لنمط سلوك الظاهرة التي يمثّلها). البراعة هنا تتجلّى في إدخال أقل تعديل ممكن على المصطلحات والافتراضات والعمل في الوقت نفسه على خلق أرضية مشتركة كافية لبناء فهم أشمل.

3.     الإيجاد

يتضمن إيجاد أرضية مشتركة تعديل أو إعادة تفسير مكونات مختلف التخصّصات أو علاقاتها لإبراز القواسم المشتركة بينها بُغية التعرف على الروابط بين الأنظمة الفرعية. أرى ضرورة ألاّ نعدّ سيرورة إيجاد أرضية مشتركة غامضة أو مبهمة، مع أنها تتطلب الإبداع. ويحدّد نويل[29] عددًا من آليّات الاندماج البيني التي أظنّها قابلة للتطبيق على نطاق واسع من الأنظمة المعقّدة، ومن بينها: إعادة تعريف مصطلحات مختلف التخصّصات لإبراز القواسم المشتركة بينها؛ توسيع معنى المفهوم أو نطاق تطبيقه؛ إيجاد سلسلة معنى يمكن أن تصطف فيها مفاهيم من مختلف التخصّصات؛ تحويل البدهيات التخصّصية المتعارضة إلى متغير مستمر؛ إعادة ترتيب الأنظمة الفرعية لإبراز العلاقات المتبادلة بينها، مثل: التبسيط أو التغليف أو الاستيعاب، والاعتراف بالمتغيرات التابعة المشتركة.

إن أحد الآثار المهمة الناتجة عن فهم الأنظمة المعقّدة للاندماج هو أن بعض الحلول المشتركة تكون أفضل من غيرها؛ فالحل الأفضل يُقلّل من تغيير الافتراضات التخصّصية مع الاستمرار في إيجاد قاعدة ملائمة يمكن أن ينبني عليها فهم شامل لنمط سلوك النظام. ولا يمكن أن يكون التغيير اعتباطيًا، بل ينبغي له الاستجابة للاختلاف في السياق. وبالمثل، فإن أفضل حلّ للنمط النظامي هو أن يستجيب قدر الإمكان لمنظور كل تخصّص على أن يتضمن اتساقًا في المعنى يكفي للحفاظ على تماسك النظام ويكون خاضعًا لنمط سلوك الظاهرة قيد الدراسة.

4.     التوليد

إن أكثر أشكال الفهم الذي تُولِّده الدراسة البينيّة شمولًا هو فهم الكيفية التي ينشأ بها نمط سلوك النظام من الأجزاء المكوّنة له. ويتميز هذا النمط السلوكي بالوحدة والاتساق بالمعنى إلى حدٍ ما، وإن كان النمط شبه مستقر ودينامي ويتطور تدريجيًا. وفي بعض الأحيان يمكن تصوّر ماهية وحدة النمط واتساقه في استعارة مجازية أو ثيمة، ولعلّ أفضلها تلك التي تُجسِّد الخصائص المميزة للفهم الجديد من دون إنكار الصراع الذي يكمن وراءه؛ فالاندماج الناجح يُولِّد نمطًا يعكس عن كثب السلوك المعروف لمختلف الأنظمة الفرعية (ومكوناتها وعلاقاتها) فضلًا عن سلوك الظاهرة قيد البحث. وهكذا فإن فهم الأنظمة المعقّدة المتأتي من السيرورة البينيّة سوف يرى المطر الحمضي، على سبيل المثال، كظاهرة متسقة لكنها متطورة تدريجيًا تكون فيزيائية وبيولوجية واقتصادية وسياسية في الوقت نفسه*. ومع ضرورة أن يرتكز هذا الفهم بقوة على رؤى أنظمته الفرعية، فإنه سيكون مختلفًا نوعيًا (qualitatively). وعلى هذا النحو، فإن مفاهيم الكفاءة، مثلًا، التي تكون مفيدة في سياق مختلف أنظمتها الفرعية، لن تكون ذات معنى في نمط السلوك العام لنظام معقد تُبيّن فيه حلقات ردود الفعل الإيجابية والروابط اللاخطيّة أن التغييرات الصغيرة يمكن أن يكون لها تأثيرات كبيرة.

5.     الاختبار

الدليل الذي نقدمه على الاندماج الناجح هو دليل براغماتي. ففي حالة المطر الحمضي، الاختبار هو في إمكانية بناء السياسة على أساس الفهم الناتج الذي يساعد في حلّ المشكلة. وأخيرًا، هل يمكن القيام بعمل ناجح على أساس الفهم الأشمل للنظام المعقّد؟ لا شكّ في أن الاندماج الأفضل يولّد فهمًا أكثر دقةً أو اكتمالًا، ويحقق إمكان القيام بأعمال أكفأ.

ومما يؤسف له أن المشكلة العملية التي ترافق اختبار الفهم البينيّ هي أن فكرة التحقّق التجريبي نفسها ترتكز على عالم الأنظمة الخطيّة "ما قبل المعقّدة" التي تتناسب فيها النتائج مع الأسباب. ولا ينبغي أن تغيب عن البال حقيقة أن المسار التطوّري لنظام معقد يكون لاخطيًّا أيضًا. وبناءً عليه، قد تقترح سياسة المطر الحمضي المتمخضة عن السيرورة البينيّة القيام بتدخُلٍ بسيط يتّضح لاحقاً أنه يولّد نتائج كبيرة لا مُتوقعة. وبرغم ذلك، مازلنا نعيش في عالم يتسم بالتعقيد ويتعين علينا أن نقوم بعملٍ ما. يقدم لنا الفهم البينيّ أساسًا للعمل هو أمتن بكثير مما تقدمه التخصّصات من فهمٍ منفصل وأضيق أفقًا. ولا ينبغي أن يدفعنا الاعتراف بالتعقيد إلى الاستسلام واليأس، بل إلى تطوير التواضع والبينيّة.

خاتمة

تمنحنا تطبيقات نظرية الأنظمة المعقّدة، مجتمعةً، طريقة لتصوّر السيرورة البينيّة على نحوٍ عام والاندماج على نحوٍ خاص. وتعمل نظرية الأنظمة المعقّدة على توجيه المعايير بصدد تنفيذ كلّ خطوة اندماجية وتقييم نجاحها لاحقًا. إن صحّ قولي بأن نظرية الأنظمة المعقّدة تتيح لنا أن نتخيّل كل خطوة في السيرورة الاندماجية وتحديد مدى نجاحنا في الاندماج، فستكون هذه النظرية قد برهنت فائدتها للبينيّين بما لا يدع مجالًا للشك. وإن كانت تتحقق من صِحة السيرورة البينيّة على نحوٍ مقنع، فهي تستحق عندئذ دورًا محوريًا في نظرية المعرفة البينيّة. وفي كلتا الحالتين، يُنصَح البينيّون بالاهتمام بما يُكتب في موضوع الأنظمة المعقّدة. 


 

المراجع

References:

Çambel, A. B. Applied chaos theory: A paradigm for complexity. San Diego, CA: Academic Press, 1993.

Bak, P. How nature works: The science of self-organizing criticality. New York: Springer-Verlag, 1996.

Bossomaier, T. and Green, D. Patterns in the sand: Computers, complexity, and everyday life. Reading. MA: Helix Books/Perseus Books, 1998.

Cornwell, G. and Stoddard, E. “Things fall together: A critique of multicultural curricular reform”, Liberal Education, Vol. 80, No. 4 (1994).

Flood R. Rethinking the fifth discipline: Learning within the unknowable. New York: Routledge,1999.

Flood, R. and Carson, E. Dealing with Complexity: An Introduction to The Theory and Application of Systems Science. New York: Plenum Press, 2nd ed., 1993.

Gaff, J. and Ratcliffe, J. (Eds.). Handbook of the undergraduate curriculum: A comprehensive guide to purposes, structures, practices and changes. San Francisco: Jossey-Bass, 1997.

Heylighen, F., Bollen, J. and Riegler, A. (Eds.). The evolution of complexity: The violet book of “Einstein Meets Magritte.” Boston: Kluwer Academic Publish- ers,1999.

Holland, J. Hidden order: How adaptation builds complexity. Cambridge, MA: Helix Books/Perseus Books, 1995.

Hübenthal, U. “Interdisciplinary thought”. Issues in Integrative Studies, No. 12 (1994), pp. 55- 75.

Jervis, R. System effects. U. S. A: Princeton University Press, 1997.

King, I. Dialectical social science in the age of complexity. Lewiston, NY: Edwin Mellen Press, 2001.

–––. Social science and complexity: The scientific foundations. NY: Nova Science Publishers, 2000.

Klein, J. Mapping interdisciplinary studies. Washington, DC: Association of American Colleges and Universities, 1999.

Klein, J. and Newell, W. “Advancing interdisciplinary studies”. In J. Gaff and J. Ratcliffe (Eds.), Handbook of the undergraduate curriculum: A comprehensive guide to purposes, structures, practices, and changes. San Francisco: Jossey-Bass, 1997.

Morçöl, G. “A Meno paradox for public administration”, In G. Morçöl and L. Dennard (Eds.), New sciences for public administration policy. Burke, VA: Chatelaine, 2000.

–––. “New sciences for public administration and policy”, In G. Morçöl and L. Dennard (Eds.), New sciences for public administration policy. Burke, VA: Chatelaine Press, 2000.

Newell, W. (Ed.). Interdisciplinarity: Essays from the literature. New York: College Board,1998.

–––. “Professionalizing interdisciplinarity”, In W. Newell (Ed.), Interdisciplinarity: Essays from the literature. New York: College Board, 1998

–––. “Transdisciplinarity reconsidered”, In M. Somerville and D. Rapport (Eds.), Transdisciplinarity: Recreating integrated knowledge—advances in sustainable development. Oxford, UK: EOLSS Publishers, 2000.

Newell, W. and Meek, J. "What can public administration learn from complex systems theory?", In G. Morçöl and L. Dennard (Eds.), New sciences for public administration policy. Burke, VA: Chatelaine Press, 2000.

Cilliers, P. Complexity and postmodernism: Understanding complex systems. New York: Routledge,1998.

Coveney, P. and Highfield, R. Frontiers of complexity: The search for order in a chaotic world. New York: Fawcett Columbine,1995.

Prigogine, I. and Stengers, I. Order out of chaos: Man’s new dialogue with nature. New York: Bantam Books,1984.

Stember, M. “Advancing the social sciences through the interdisciplinary enterprise”, Social Science Journal, Vol. 28, No. 1 (1991).

Turner, B. “The interdisciplinary curriculum from social medicine to post- modernism”, Sociology of Health and Illness, Vol. 12, No. 1(1990).



* نشِر المقال الأصل باللغة الإنجليزية، وقد منحت مجلة تجسير حق ترجمته إلى اللغة العربية. انظر:

Newell, William H.” A Theory of Interdisciplinary Studies”, Issues in Interdisciplinary Studies, No. 19 )2001(, pp. 1-25, at: https://interdisciplinarystudies.org/volume-19-2001

وقد ترجم المقال لأنهُ تأسيسي ورائد في حقل الدراسات البينيّة. يطرح فيه مؤلفه ويليام هـ. نويل نظرية مهمة تشكّل الأساس المنطقي الذي تنبني عليه الدراسة البينيّة. ولا يسعى المؤلف إلى تأكيد مشروعية الدراسات البينيّة فحسب، بل ضرورتها أيضًا كمشروع أكاديمي يمثل حلقة تطورية في المعرفة يقومُ على التعددية والتعقيد، لا الاختزال والتبسيط. ويمايز المقال بين البحث التخصّصي والبينيّ عِبرَ طرحهِ لجملة من الموضوعات المهمة، منها: (1) التعقيد شرطٌ أساس لتحقيق البينيّة، (2) الدراسات البينيّة قائمة على رؤى مستمدّة من منظورات تخصّصية، (3) التأكيد على سيرورة البحث البينيّ عبر صدّ الاعتراضات والشكوك التي تقول بأن الدراسات البينيّة مجال غير متساوق المعنى واعتباطي في منهجه. (4) الإبانة عن الاندماج ودوره المحوري في الدراسات البينيّة. وأود أن ألفت عناية القارئ الكريم إلى التعقيد الشديد الذي يتسم به النّص على نحوٍ ألبسَ ترجمته شيئًا من الغموض والجفاف الذي يتردد صداه بالأصل. [المترجمة]

** ويليام نويل (ت 2019) أستاذ الدراسات البينية في جامعة ميامي لما يقارب الأربعين عامًا، وأحد المؤسسين لكلية الدراسات البينيّة فيها. شغلَ منصب مُؤسِس ورئيس جمعية الدراسات الاندماجية (AIS) في 1979م، وعمل فيها. عام 1986م جمع مواد كتاب "برامج البكالوريوس البينيّة: دليل خاص بجمعية الدراسات الاندماجية" (Interdisciplinary Undergraduate Programs: A Directory for AIS)، وحرّر الأنطولوجيا "البينيّة: مقالات من أدبيات الموضوع" (Interdisciplinarity: Essays from the Literature). نشر ما يزيد على خمسة وعشرين مقالًا وفصلًا في الدراسات البينيّة، كما عمل مستشار أو مُقيّم خارجي للكليات والجامعات في الولايات المتحدة وكندا ونيوزيلندا لأكثر من سبعين مرة. [المترجمة]

[1]- J. Klein and W. Newell, “Advancing interdisciplinary studies”, In J. Gaff and J. Ratcliffe (Eds.), Handbook of the undergraduate curriculum: A comprehensive guide to purposes, structures, practices, and changes (San Francisco: Jossey-Bass, 1997), p. 394.

[2]- العنوان الأصل لهذا المبحث هو "مقاس واحد يلائم الجميع" One Size Fits All، ويُقصَد بهذه الاستراتيجية أن الحدود الفاصلة بين التخصصات لا أهمية لها. هذا المصطلح جاء من مجال صناعة الملابس؛ فقد طرح الكثيرون من تجار التجزئة في سبعينيات القرن الماضي ملابس كبيرة الحجم أو فضفاضة صُممت لتناسب مختلف الأحجام، لكن الشركات واجهت في التسعينيات رد فعل عنيفًا من الأشخاص الذين لم يندرجوا ضمن نطاق الأحجام المطروحة. وبمرور الوقت، تخطّى هذا المصطلح حدود صناعة الملابس وصار يُستخدم الآن على نطاق أوسع لوصف أي حلّ أو منهج أو مقاربة تدعي أنها قابلة للتطبيق أو ملائمة لمختلف المواقف أو الأفراد بصرف النظر عن الاختلافات في التفضيلات أو الاحتياجات أو الظروف. [المترجمة]

[3]- W. Newell, Professionalizing interdisciplinarity, In W. Newell (Ed.), Interdisciplinarity:Essays from the literature )New York: College Board,1998), p. 537.

[4]- J. Klein, Mapping interdisciplinary studies (Washington, DC: Association of American Colleges and Universities, 1999), p. 1.

[5]- للاطلاع على "المجالات الأساسية" للتعقيد، انظر:

G. Morçöl, A Meno paradox for public administration, In G. Morçöl and L. Dennard (Eds.), New sciences for public administration policy (Burke, VA: Chatelaine, 2000).

 ولا سيّما جدول رقم 1: المجالات، والاستعارات، والافتراضات، والتبعات، (ص 51-52). ولإعطاء القارئ فكرة عامة عن حدود المشكلة، إليك بعض الكتب، إلى جانب الكتب في قائمة المراجع التي اقتبست منها في هذه الورقة:

P. Bak, How nature works: The science of self-organizing criticality (New York: Springer-Verlag, 1996) ; P. Coveney and R. Highfield , Frontiers of complexity: The search for order in a chaotic world (New York: Fawcett Columbine,1995); R. Flood, Rethinking the fifth discipline: Learning within the unknowable (New York: Routledge,1999); F. Heylighen, J. Bollen and A. Riegler (Eds.), The evolution of complexity: The violet book of “Einstein Meets Magritte.” (Boston: Kluwer Academic Publish- ers,1999) ; R. Jervis, System effects (U.S.A: Princeton University Press, 1997) ; I. King, Social science and complexity: The scientific foundations (NY: Nova Science Publishers, 2000); R. Marion, The edge of organization: Chaos and complexity theories of for- mal social systems (NY: Sage Publications, 1999).; I. Prigogine and I.Stengers, Order out of chaos: Man’s new dialogue with nature (New York: Bantam Books,1984). [The author].

[6]- هذا الفَرق اقترحه عليّ ج. لين ماكي (J. Linn Mackey). [المؤلف]

[7]- I. King, Dialectical social science in the age of complexity (Lewiston, NY: Edwin Mellen Press, 2001).

[8]- Morçöl, G. “New sciences for public administration and policy”, In G. Morçöl and L. Dennard (Eds.), New sciences for public administration policy (Burke, VA: Chatelaine Press, 2000).

[9]- هذا المصطلح يُستخدم في علم الاقتصاد للإشارة إلى السيرورة التي يتم فيها استخدام مُخرجات نظام ما كمُدخلات جديدة. وكمثال على ذلك، استخدام تقييمات الزبائن لمنتجٍ ما بهدف تحسين المنتج وزيادة أرباحه. [المترجمة]

[10]- R. Flood and E. Carson, Dealing with Complexity: An Introduction to the Theory and Application of Systems Science (New York: Plenum Press, 2nd ed., 1993), pp. 17-19.

[11]- W. Newell and J. Meek, What can public administration learn from complex systems theory ?”, In: G. Morçöl and L. Dennard (Eds.), New sciences for public administration policy (Burke, VA: Chatelaine Press, 2000), pp. 81-106.

[12]- P. Cilliers, Complexity and postmodernism: Understanding complex systems (New York: Routledge,1998), pp. 3-5; Flood and Carson, p. 25; A. B. Çambel, Applied chaos theory: A paradigm for complexity (San Diego, CA: Academic Press, 1993), pp. 3-4; T. Bossomaier and D. Green, Patterns in the sand: Computers, complexity, and everyday life (Reading, MA: Helix Books/Perseus Books, 1998), pp. 7-9.

[13]- J. Holland, Hidden order: How adaptation builds complexity (Cambridge, MA: Helix Books/Perseus Books, 1995), pp. 23-27.

[14]- K. Mainzer, Thinking in Complexity: The complex dynamics of matter, mind, and mankind (New York: Springer-Verlag, 1994), pp.  237-288.

[15]- المعرفة المحلية هي المعرفة التي تكوّنت لدى مجتمع ما بمرور الزمن، وتتألف من نظام كامل من الاعتقادات والتصورات عن العالم الذي يحيطهم، وتنتقل من جيل لآخر. ومن أشكال المعرفة المحلية، على سبيل المثال، الكيفية التي يحلّ الناس بها مشاكلهم، والتحقق من صدق المعلومات الجديدة. [المترجمة]

[16]- F. Capra, The web of life: A new scientific understanding of living systems) New York: Anchor Books Doubleday,1996), p.211.

[17]- التولّد الذاتي (Autopoiesis) مصطلح يعني الأنظمة التي تضمّ شبكة من العمليات التي تُعيد إنتاج المكونات المترابطة فيما بينها والتي تقوم بدورها بتوليد الشبكة التي أنتجتها؛ بمعنى أنها تقوم بتعريف نفسها باستنساخ نفسها، وصيانة نفسها وإدامتها تلقائيًّا. اقتصر استعمال المصطلح في البداية على حقل البيولوجيا بعد صدور كتاب "التولّد الذاتي والإدراك" (Autopoiesis and Cognition) عام 1972 لمؤلفَيه (Maturana)  و(Varela) اللذين استعملاه للتمييز بين الأنظمة الحية وغير الحيّة، وحقق طفرة نوعية بانتقاله إلى حقل الدراسات الاجتماعية على يد لوهمن (Luhmann)؛ ليشيع الآن في الهندسة المعمارية ونظرية الأنظمة وعلم الاجتماع. [المترجمة]

[18]- Capra, pp. 95-99.

[19]- نمط البيزلي (paisley) شكل هندسي متكرر (او فراكتال) تتشابه كل عناصره المنفردة مع بعضها وتتكرر إلى ما لا نهاية من المرات مكونة صورة رائعة لا تشبه غيرها من الاشكال الهندسية البسيطة، وإنما تكون مركبة وغنية بالتفاصيل. ويشيع استخدام هذا النمط في نقوش الملابس والأنسجة. [المترجمة]

[20]- مجموعة ماندلبرو (Mandelbrot Set) نسبةً إلى عالم الرياضيات الفرنسي الأمريكي بنوا ماندلبروت (Benoît B. Mandelbrotالذي اكتشف النمط الهندسي المتكرر للاشياء عبر متتاليات رياضية بسيطة تتم من خلال عملية تكرار لا نهائيّة. وتتم في الدوال الرياضية بأخذ الشكل الأساس ونقله من خطوة إلى أخرى إما بالإضافة إليه أو تطويره. ما يميز مجموعة ماندلبرو هو البنية المعقدة التي تقدمها رغم بساطة تعريفها. وقد ذاع صيتها خارج نطاق الرياضيات لتداخلها مع الفن الذي تُطلق عليه تسمية فن الفراكتال (fractal) الكسري، وهو شكل من أشكال الفن الخوارزمي يتم بحساب الجزيئات الكسرية لتقديم صور فنية تتميز بالجمال والتجريدية (كما هي الحال مع الأشكال الهندسية الإسلامية). وصاغ ماندلبرو مصطلح "الفراكتال" للدلالة على البنيات التي تمتلك خاصية التماثل الذاتي حتى يغدو كل جزء صغير في الشكل تكراراً للشكل ككلّ. وبهذا يكون للتعقيد والتراكب أصلٌ واحد. [المترجمة]

[21]- J. Klein, and W. Newell, Advancing interdisciplinary studies, In J. Gaff and J. Ratcliffe (Eds.), Handbook of the undergraduate curriculum: A comprehensive guide to purposes, structures, practices, and changes (San Francisco: Jossey-Bass, 1997), pp. 393-415.

[22]- U. Hübenthal, “Interdisciplinary thought”, Issues in Integrative Studies, No. 12 (1994), pp. 55-75.

[23]- M. Stember, “Advancing the social sciences through the interdisciplinary en- terprise”, Social Science Journal, Vol. 28, No. 1 (1991), p. 341.

* المؤلف يشدد على كلمة "ينبغي".

[24]- B. Turner,The interdisciplinary curriculum from social medicine to post- modernism”, Sociology of Health and Illness, Vol. 12, No.1 (1990), p. 496.

[25]- G. Cornwell and E. Stoddard, Things fall together: A critique of multicultural curricular reform”, Liberal Education, Vol. 80, No. 4 (1994), p. 519.

[26]- J. Klein, Interdisciplinarity: History, theory, and practice (Detroit, MI: Wayne State University Press, 1990), pp. 188-189.

كلاين رقّمتْ هذه السلسلة من البحوث في مجموعات؛ وقمتُ أنا بالاقتباس بدقة لكني قمت بتعداد العناصر وشدّدتُ على بعضها. [المؤلف]

[27]- Klein, and Newell, pp. 393-415.

* التشديد من المؤلف.

[28]- W. Newell,Professionalizing interdisciplinarity”, In W. Newell (Ed.), Interdisciplinarity: Essays from the literature (New York: College Board, 1998), pp. 547-550.

[29]- W. Newell,Transdisciplinarity reconsidered”, In M. Somerville and D. Rapport (Eds.), Transdisciplinarity: Recreating integrated knowledge—advances in sustainable development (Oxford, UK: EOLSS Publishers, 2000), pp. 42-48.

* التشديد من المؤلف.