تاريخ الاستلام: 22 مارس 2023

تاريخ التحكيم: 07 يونيو 2023

تاريخ القبول: 30 سبتمبر 2023

مقالة بحثية

من الجسم إلى البيئة: توظيف الصحة في التخطيط العمراني*

معاوية سعيدوني

دكتوراه في التخطيط العمراني، مؤسسة سعيدوني للدراسات التاريخية والعمرانية- كندا

saidouni.foundation@yahoo.com

https://orcid.org/0009-0001-1936-5603

ملخص

تلقي الورقة الضوء على العلاقة بين مجالين معرفيين، هما: التخطيط العمراني وعلوم الصحة، وتقترح ثلاثة نماذج للنقاش والتحليل؛ أولًا: نموذج تجسيمي جوهر العلاقة فيه جسم الإنسان كظاهرة بيولوجية وظيفية وشكلية. ثانيًا: نموذج علاجي طبي محوره مدينة مريضة متأزمة تستوجب العلاج والتطهير. ثالثًا: نموذج وقائي وبيئي ارتبط بإشكاليات التنمية المستدامة والانشغالات الصحية المتجددة في المدن المعاصرة. تستكشف الورقة بمقاربة تطورية وتزامنية تفاعل النماذج الثلاثة. فكيف شكلت الأخيرة خطابات ومفاهيم وأساليب التخطيط العمراني كمجال معرفة مستقل متفاعل مع علوم الصحة والطب، والبيئة مؤخرًا؟ وكيف تتوثق العلاقة تارة وتضعف أخرى في التطور التاريخي لمجالين معرفيين أثّر كل واحد منهما في الآخر؟ وبالرجوع إلى أبحاث تناولت موضوع تطبيب المدينة والخطاب الطبي في التخطيط العمراني، توسّع الورقة آفاق البحث في الموضوع بالربط بين النماذج الثلاثة، وتقترح أدوات منهجية تتخطى الأثقال الأيديولوجية والمهنية المعيقة لتطوير العلاقة بين المجالين، فهي دعوة إلى تعاون عقلاني واستفادة متبادلة على ثلاثة مستويات: البحث والمنهج والتعليم؛ التصميم وصناعة القرار؛ والتقنين والحوكمة، بما يسمح بدمج الأبعاد الصحية والبيئية والوظيفية والشكلية في منهجية شاملة تكون مفتاحا لمواجهة تحديات التخطيط العمراني وتصور مستقبل المدن في إطار تنمية مستدامة وديناميكيات مجتمعية تستوجب مقاربات مجددة.

الكلمات المفتاحية: التخطيط العمراني، التجسيم، التطبيب، الوقاية، التجسير

للاقتباس: سعيدوني، معاوية. «من الجسم إلى البيئة: توظيف الصحة في التخطيط العمراني». مجلة تجسير لدراسات العلوم الإنسانية والاجتماعية البينية، المجلد السادس، العدد 1 (2024)، ص157-181. https://doi.org/10.29117/tis.2024.0165

© 2024، سعيدوني، الجهة المرخص لها: مجلة تجسير ودار نشر جامعة قطر. نُشرت هذه المقالة البحثية وفقًا لشروط Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0). تسمح هذه الرخصة بالاستخدام غير التجاري، وينبغي نسبة العمل إلى صاحبه، مع بيان أي تعديلات عليه. كما تتيح حرية نسخ، وتوزيع، ونقل العمل بأي شكل من الأشكال، أو بأية وسيلة، ومزجه وتحويله والبناء عليه، طالما يُنسب العمل الأصلي إلى المؤلف. https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0

 


Submitted: 22 March 2023

Reviewed: 07 June 2023

Accepted: 30 September 2023

Research Article

From the Body to The Environment: Health and Urban Planning*

Maaouia Saidouni

PhD in Urban Planning, Saidouni Foundation for Historical and Urban Studies-Canada

saidouni.foundation@yahoo.com

https://orcid.org/0009-0001-1936-5603

Abstract

This paper sheds a light on the relationship between two knowledge spheres: urban planning and health sciences. It suggests three theoretical paradigms for debate and analysis. First, an anthropomorphic paradigm whose core is the human body, biologically and functionally and/or morphologically. Second, a therapeutic and medical paradigm in which a sick and problematic city requires medicalization and cleansing. Third, a preventive and environmental paradigm related to the emergence of sustainable development and renewed health concerns in contemporary cities. The paper explores, synchronically and diachronically, the interaction between the three paradigms: How they shaped discourses and concepts of urban planning as an autonomous sphere through an interactive relationship with health sciences and medicine? And how this relationship strengthens and weakens in its permanent presence in the historical evolution of two interacting spheres? Considering anterior research on city medicalization and the urban planning medical discourse, the paper aims to widen perspectives by exploring the interactions between the three paradigms, and it proposes methodological tools to overcome cumbersome ideological and professional weighs. It argues for a rational trans-disciplinary collaboration on three levels: research, methodology and education; design and decision-making; procedures and governance. The aim is to integrate health, environmental, functional, and aesthetic dimensions into a comprehensive method that is key in addressing urban planning challenges and city conceptualization in the 21st century regarding sustainable development and societal dynamics requiring innovative approaches.

Keywords: Urban planning; Anthropomorphism; Medicalization; Prevention; Trans-disciplinarity

Cite this article as: Saidouni, Maaouia. "From the Body to the Environment: Health and Urban Planning". Tajseer Journal for Interdisciplinary Studies in Humanities and Social Science, Vol. 6, Issue1 (2024), pp. 157-181. https://doi.org/10.29117/tis.2024.0165 

© 2024, Saidouni, licensee Tajseer Journal & QU Press. This article is published under the terms of the Creative Commons Attribution Non-Commercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0), which permits non-commercial use of the material, appropriate credit, and indication if changes in the material were made. You can copy and redistribute the material in any medium or format as well as remix, transform, and build upon the material, provided the original work is properly cited. https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0

 


 

مقدمة

أحيت جائحة كوفيد-19 مسألة نوعية فضاءات العيش وتخطيطها[1]، والعلاقة بين علوم الصحة والتخطيط العمراني، وهما فضاءان معرفيان يؤثران مباشرة على حياة البشر، كما تبيّنه المقاربة البيئية الاجتماعية التي تبرز العلاقة بين وجودهم البيولوجي وحياتهم الاجتماعية (العمران). وقد جمع التخطيط الحديث، منذ نشأته في القرن التاسع عشر الميلاديّ كمجال "علمي" جديد، بين علوم الاجتماع والإنسان من جهة، والمعارف التقنية والهندسية والصحية من جهة أخرى؛ إلا أن البحث قلّما يُركّز على الأخيرة، ولا تزال مسألة التجسير مطروحة مع اختلاف المناهج والأدوات والمفاهيم والممارسات بين مجالين تبدو أهدافهما متباعدة[2].

وشهدت العقود الأخيرة دعوات لربط التخطيط بالصحة والبيئة، وتقييم أثره على الصحة[3]، وإدماج الجانب الوبائي في علم الاجتماع الحضري، والتأسيس لطب مجالي أو صحة بيئية تتجاوز الأدبيات إلى الممارسة، وتراعي الطابع المركب للتخطيط وواقع الأمراض في المدن، وتعدد العوامل والفاعلين[4]؛ إلا أن هذه المساعي تصطدم بتباين المنظور والأهداف والممارسات وتحكم عوامل سياسية وذاتية في عملية التخطيط[5]، فرغم أدبيات منظمتي الصحة والإسكان الأمميتين، يظل تغيير الذهنيات والممارسات صعبًا لأسباب مختلفة.

ويواجه التجسير بين الصحة والتخطيط حاجزٌ موضوعيٌ ونفسيٌ متجذر في تاريخ المجالين؛ ففي حين يوظّف المخططون مفردات علوم الصحة (الطب، الصحة العامة، البيئة) في خطاباتهم حول "المدينة الصحية" لإضفاء طابع "علمي" على خياراتهم في معزل عن المشتغلين بالصحة والبيئة، يركّز هؤلاء على "مؤشرات الصحة في المدن" علّها تجد سبيلا إلى التطبيق في مسار عقلاني[6]، دون اعتبار للطبيعة المعقدة لعملية التخطيط التي تتحكم فيها عوامل ذاتية وموضوعية مركبة ومتداخلة[7]، وتتميّز بانشطار النظريات وعدم التوافق على قيم مشتركة. كل ذلك يُفسّر إخفاق انتقال التجسير من التنظير إلى الممارسة.

ويبدأ العمل في هذا الاتجاه بالتعمق في الأسس الفكرية لتوظيف الصحة في الخطاب التخطيطي. ورغم محاولات تفكيك الأخير منذ ستينيات القرن الماضي في سياق نقد التخطيط الحداثي[8]، لا يزال التصور السطحي يعرقل مسعى التجسير الذي يستلزم "تأريخ" العلاقة وأشكالها المتغيّرة بتغيّر الظروف والأهداف، للوقوف على تطور حضور البعد الصحي في تصور المجال المبني وفهم طبيعة العلاقة واستشراف آفاقها، خاصة بعد عودتها إلى الواجهة متجددةً في الخطاب البيئي المعاصر.

لقد وُجد التخطيط العمراني الحديث منذ أكثر من قرن ونصف ليعالج ويُطهّر مدينة الثورة الصناعية "المريضة الوسخة"، فيكون مُخطِّطها "طبيبا" يعالج آفاتها، ويؤدي دورًا اجتماعيًّا كدور طبيب الأجساد. على أن العلاقة بين التخطيط والصحة تضرب بجذورها في أعماق التاريخ وأولى محاولات عقلنة تشكيل المجالات المبنية، وكان أول مظاهرها "التجسيم" أي إسقاط جسم الإنسان كمقياس ونموذج مثالي، وهي فكرة لا تزال حاضرة ضمنيّا أو مباشرة بأشكال مختلفة؛ ثم اتخذت مظهرًا طبيًا واضحًا عندما عُدّ الفضاء العمراني – بمفهومه الشامل للمبنى والمدينة – جسمًا بخصائصه المورفولوجية والعضوية، وجب تخليصه من علله؛ وبعد تطور الطب وتجاوز إشكالية الأمراض المعدية بتطوير اللقاحات وأساليب العلاج، تبلور منظور أكثر شمولًا وسّع العلاقة من الجسم والمدينة المريضة إلى البيئة الشاملة لهما والعوامل المؤثرة على الصحة وظروف العيش.

اعتمادًا على ما سبق، يطرح البحث، بمنهج نقدي تاريخي يعتمد نصوصًا مُؤسّسة ودراسات بينية حديثة تحليلية واستشرافية، فرضية وجود ثلاثة نماذج أساسية للعلاقة بين التخطيط العمراني وعلوم الصحة، وهي: نموذج أولي تجسيمي (جسم الإنسان كنموذج)؛ ونموذج انتقالي علاجي طبي (المدينة المريضة التي تستوجب العلاج)؛ ونموذج مبتغى وقائي بيئي (التخطيط والصحة في منظور صحي بيئي شامل).

انطلاقًا من هذه الفرضية، نحاول توصيف النماذج من خلال مسارات مفاهيمية زمنية، والإجابة عن أسئلة محورية: فهل وُجد تطور من النموذج التجسيمي إلى النموذج الوقائي البيئي، مرورًا بالنموذج العلاجي الطبي، ومامظاهر التفاعل والاستمرارية والتحول؟ وهل يمثل الخطاب البيئي المعاصر في التخطيط تجددا للخطاب العلاجي الطبي الذي ساد حتى منتصف القرن العشرين؟ وما هي – في ظل معضلات الصحة والبيئة المعاصرة – آفاق تجسير إيجابي بين التخطيط وعلوم الصحة، وما معوقاته وأثقال التاريخ التي تحول دونه؟

أولًا: النموذج التجسيمي

يمثل التجسيم المستوى الأول لعلاقة التخطيط بعلوم الصحة، وكان هدفه الأصلي رمزيا، فالمجالات المبنية الـمُجسّمة مرآة يرى فيها الإنسان شكله المكتمل خارج نفسه في الشكل المجسّم[9]. وكان التجسيم منذ القدم وسيلة لتشكيل منتجات الإنسان مع اختلاف الثقافات والأزمنة، على أن ما يهمنا هنا هي العلاقة التي نسجها الإنسان بين الطبيعة (ممثلة في جسمه) ومجاله المبني وتصوره على شاكلته باعتباره مخلوقًا أكمل يمثل "عالمًا أصغر" يتصور ويشكل من خلاله "عالمه الأكبر". وقد اشترك في هذا التصور مخططون وأطباء[10]، ووُجدت نظريات اجتماعية حول دوافع التجسيم[11] الذي نجده لدى مجتمعات قديمة ومعاصرة، ويكتسي عادة صيغتين، إحداهما بيولوجية وظيفية والأخرى شكلية.

1.     البعد البيولوجي الوظيفي

كان ولا زال مدخلًا إلى العلاقة بين الجسم والمعارف الطبية والعمارة والمدينة، مثّله قديمًا في مجال الطب أبقراط ومن تبعه[12]، وفي مجال التخطيط فتروفيوس الذي بيّن أن المعماري وجب عليه اكتساب معارف الطب[13]، وجعل الجسم مرجعيته لإنتاج مجال صحي قوامه العناصر الأبقراطية الأربع (الهواء والشمس والماء والأرض)، فالشوارع مثلًا تُنظم حسب اتجاه الرياح وقاية من ضررها وانتفاعًا من تهويتها، والفضاءات العامة تُهيّأ للوقاية من الحرّ وحفظًا للماء، والنباتات والأشجار تُسخّر لتحسين ظروف الصحة. وبعد العصر الوسيط تجددت العلاقة الوظيفية بين الطب والتخطيط، ونقلها اكتشاف الدورة الدموية (1628) (هارفي) (Harvey) إلى مستوى وظيفي بيّن[14]، فكما أن الجلطة الدموية تُسبب السكتة القلبية، فإن العناصر المعرقلة للحركة في شرايين المدينة (الشوارع) تعطّل وظائفها. وكان هذا التصور الوظيفي خلفية للتحويرات العمرانية في القرن التاسع عشر الميلادي، عندما عُدّت الشوارع شرايين تسهل الحركة، وجب توسيعها وفتح الجديد منها، وتعزيزها بمتنزهات وحدائق (رئة المدينة)، وبشبكات صرف صحي تُخلّص المدينة من شوائبها كما يُخلّص الجهاز الهضمي الجسم من الفضلات.

يقوم التصور البيولوجي الوظيفي على مبدأ "الحركة"، فكما يتدفق الدم في الجسم، يتحرك الهواء والماء في المدينة كظاهرة "طبيعية" عضوية تتأقلم مع بيئتها، فهي بمثابة "الأيض"، تحدث في خلاياها تفاعلات تجعلها كائنا حيًّا يستمر وجوده في دورات بيئية متعاقبة، مما يُسهّل تملك مفردات الجسم والعالم العضوي وإسقاطها عليها، فالمدينة تولد، وتنمو، وتموت[15]، وصحتها من صحة أعضائها (مكوناتها) والعلاقة بينها كالعلاقة بين أعضاء الجسم (القلب، الرئتان، الكلى، الأعصاب). وقد اجتهد المنظرون في تحديد الأعضاء المكونة للمدينة وعلاقاتها[16]. وكما يهتم الطب بالجسم البيولوجي، يتحكم التخطيط في المدينة ككل عضوي، فيُصلح ما تضرر من "أنسجتها" ولا يكتفي بالتصميم الخارجي. ولا أدلّ على حضور هذا التصور البيولوجي الوظيفي من كتابات اختلفت مشارب أصحابها، مثل: المؤرخ ممفرود (Mumford) والبيولوجي غيديس (Geddes) والمخطط هاورد (Howard) (المدينة الحدائقية)، والكاتبة جاكوبس (Jacobs)[17].

أثّرت المقاربة البيولوجية الوظيفية في النظرية العمرانية الحداثية، وأعطتها بعدًا ميكانيكيًّا في عصر الآلة بالجمع بين عالم الطبيعة (البيولوجيا، جسم الإنسان)، والصناعة والميكانيكا والفيزياء (الآلة)، والتخطيط والعمران (المدينة)، كما يظهر في يوتوبيا "المدينة المشرقة" (La Ville Radieuse) للوكوربوزييه (Le Corbusier) المستلهمة حسبه من قوانين الفيزياء وإنسان عصر الآلة في عملية تجريدية يُحقّق من خلالها الـمُخطِّط إرادة الإنسان والتوافق بين المجتمع والكون في توازن صحي سمّاه "الاتساق"، يلبي حاجيات إنسان عصر الآلة بمواد تخطيط حدّدها في الشمس، والسماء، والأشجار، والحديد، والإسمنت. وتنتظم مكونات (أعضاء) ووظائف "المدينة المشرقة" حول "المحور" كمظهر لإرادة الإنسان وأداة لفعله، بشكل تراتبي في إشارة بيولوجية إلى مبدأ التناظر الطولي الحاضر في صورة الإنسان (الرأس، العمود الفقري، الأذرع، الجسد)، فتكون ناطحات السحاب بمثابة الرأس، والمساحات السكنية بمثابة الجسد، وهلمّ جرا: "فالمخطط –حسب لوكوربوزييه- ينظم الأعضاء حسب نظام دقيق، ليخلق كيانًا حيًا أو كيانات حيّة: "إنها "البيولوجيا"! الكلمة العظيمة الجديدة في العمارة والتخطيط"[18].

2.     المقاربة الشكلية

إضافة إلى البعد البيولوجي الوظيفي اتخذ التجسيم طابعا شكليًا جماليًا يُفسّره البعد الفني للعمارة والعمران، ومن ذلك تأكيد فتروفيوس على العلاقة بين "جسم الإنسان" (corpus humanum) و"الجسم المعماري" (corpus architecturæ)، بحيث تُسقط العلاقات الهندسية المثالية للأول (تناظر العظام والعضلات والأذنين والعينين) على المبنى. واتخذ الفن العمراني في عصر النهضة "الإنسان مرجعية لكل شيء"، تُستمد منه مقاييس المبنى، فكتب ألبرتي (Alberti) أن: "القدماء فهموا أن المبنى كالحيوان، وجب محاكاة الطبيعة في تصميمه"، وأنه جسم مكون من أعضاء متناسقة مترابطة متناظرة على جانبي محور مثل أعضاء الجسم في وحدة متكاملة وليست أعضاء متفرقة[19]؛ واستلهم فيلارتي (Filarete) تصاميمه من الجسم، فكما أن الأخير "يتضمن فراغات ومداخل وتجاويف تسمح بأداء وظائفه، كذلك المباني"[20]، "فالمبنى يُخلق مثل الجسم... فهو إنسان حقًا... يجب أن يأكل ليعيش"[21]. ونفس الإسقاط حاضر عند مارتيني (Martini) الذي قابل مكونات العمارة بمكونات الجسم: العارضة/الصدر أو الجذع؛ الإفريز/الرقبة؛ الكورنيش ومكوناته/الوجه ومكوناته (من الذقن إلى أعلى الرأس)، من منطلق أن شكل الإنسان هو الأكثر تناسقًا وكمالًا، يُرجع إليه كلما أمكن[22]. ولم يختلف عنه سكاموزي (Scamozzi) الذي رأى في الغرف أعضاء الجسم، وفي الأبواب والنوافذ والدرج والمدخنات أطرافه، وفي الجدران والأعمدة عظامه، وفي العوارض والأفاريز والسقوف أعصابه[23].

وكان جسم الإنسان في بعده الشكلي حاضرًا في النظرية الحداثية، فلوكوربوزييه (Le Corbusier) مثلًا الذي كان له دور في صياغة البعد البيولوجي الوظيفي للنموذج التجسيمي، أسهم أيضاً في هذا الجانب بمنظومة المودولور (Modulor)[24] (1945) التي طوّرها على مدى عشرين عامًا كأداة تقييس أساسها "مقياس بشري" وعلاقات رياضية مجردة من "الجسم" تسمح بتشكيلات "متسقة"، لتكون أداة "مشتركة" للبشرية في البناء (العمارة) والتصنيع (الميكانيكا)، تحل مشكلات الإنتاج والبناء في عصر الآلة الذي يفرض "التقييس". وقد استعمل في مشاريعه اللاحقة المودولور الذي يجمع حسبه "قوانين الطبيعة" الكامنة في الرياضيات وفي جسم إنسان مرجعي يرفع ذراعه ويُقسّم إلى مقاطع تربطها علاقات رياضية.

ويستمر ولع المعماريين بالجسم، ويتخذ أشكالًا مختلفة عمّا روّج له لوكوربوزييه والحداثيون، فقد أوجد تيار ما بعد الحداثة مقاربة رمزية تعبيرية ابتعدت عن التجريد وتجاوزت المقاييس إلى "الصورة" و"الحركة" والأشكال أو الأغلفة الخارجية والداخلية. ووجد هذا المنحى في جسم الإنسان بخصائصه العضوية وأشكاله المتموجة نموذجًا لإبداع مستفز يُنتج مبانٍ غريبة الأشكال.

ثانيًا: النموذج العلاجي الطبي

تأسّس النموذج التجسيمي بصيغتيه البيولوجية الوظيفية والشكلية على نظرة إيجابية لجسم إنسان جميل قوي متناسق، غير أن التخطيط العمراني الحديث تأسّس على منطق علاجي طبيّ أصبح جوهر العلاقة بين علوم الصحة والتخطيط، منطلقه جسم مريض في بيئة مريضة (المدينة)، بحيث "يُطبّب" التخطيط مجال العيش كما يعالج الطبُ الفردَ.

1.     المدينة بؤرة الوباء والمرض

إذا كانت المدينة منذ نشأتها ملاذا من الأعداء والأخطار، فإنها ملاذ تنتشر بداخله الأمراض والأوبئة كما ينتشر المرض داخل الجسم. ويحفل التاريخ بأمراض وأوبئة أنهكت مجتمعات المدن وترسّخت في مخيّلتها، لترتبط المدينة بالمرض الذي وجب على التخطيط مقاومته. وكان مرضى الجذام الأحياء الأموات "يُطردون" إلى خارج المدينة تطهيرًا لها من الداء، وفي أواخر العصر الوسيط (القرن الرابع عشر الميلادي) عمّ الطاعون الأسود أوربا ومنطقة المتوسط، وكبح توسع العمران، ليُستبدل أسلوب الطرد بأسلوب "الحجر الصحي" للأفراد في فضاءات ومبان قريبة (المحاجر الصحية)،،،،[25]،، وتُعتمد أساليب مراقبة وفصل وعزل مثل تقسيم المدينة إلى قطاعات لتتبع الوباء. وكانت "المحاجر" أديرة أو قلاعًا صحية تعزل المرضى عن المجتمع. وكما عُزلت الأجسام المريضة عُزلت الوظائف الـمُضرّة والـمُلوّثة لحاجة السكان إلى هواء نقي وأنظمة صرف تبعا لنظرية "المياسما"[26] التي تُفسّر الوباء بتحلل المواد العضوية في الهواء، والتي هيمنت على الطب إلى جانب نظرية انتقال العدوى القائلة بأن المرض ينتقل بملامسة الجسم المريض للجسم السليم.

كانت الظروف الصحية المتدهورة محركًا لتحول عصر النهضة الذي غيّر أسلوب التعاطي مع المرض والطب والتخطيط في نقلة مفاهيمية جعلت المدينة كائنًا وجبت وقايته من "الأمراض"[27]، وكانت المدينة الموبوءة البشعة وراء أفكار التجميل والتنظيم والتطبيب، ومن ذلك مشروع دافنتشي (Da Vinci) (1487-1490) بميلانو لمدينة مقاومة للوباء، حيث اقترح خفض الكثافة، وإدخال الضوء والتهوية، وإنشاء فضاءات فسيحة (رئة المدينة)، وتوسيع الشوارع وتبليطها وترصيفها، وتنظيم الوظائف وفصلها، وإقامة شبكات مستقلة (الحياة الحضرية، الإنتاج، المياه والصرف الصحي). وقد بعث هذه الأفكار مهندسو القرن التاسع عشر الميلادي الذين حوّروا مورفولوجية المدن باستحداث شبكات مستقلة (الماء، الصرف الصحي، الفضاءات الخضراء، الشوارع، الفضاءات العامة، النقل)[28]، ضمن تصور شبكي أساسه "سيولة" تضمن أداء المدينة لوظائفها مثلما تحافظ سيولة شبكات الجسم (الشرايين، الجهاز التنفسي، الجهاز الهضمي) على صحته.

وكما دفعت المدينة المريضة إلى حلول عملية فإنها أوجدت "يوتوبيات" تداوي عللها الاجتماعية والصحية، كانت حاضرة قديمًا (أرسطو، أفلاطون، الفارابي)، إلا أن بعدها العلاجي برز لدى مور (More) (1516) واليوتوبيات التالية[29] برفض المدينة المريضة التي تُطلق العنان للشرور المعنوية والمادية الباعثة لمشاعر القلق التي لا يُتخلّص منها إلا بتأسيس مدينة منقطعة عن الواقع، تُعوض انقطاعها بمعايير صحية صارمة واللجوء إلى ريف صحي لم تلوثه آفات المدينة المريضة، وكان ذلك منطلق تجارب عملية مثل "المدن العمالية"، والمدن الحدائقية[30] التي نظّر لها هاورد (Howard) في إنكلترا أواخر القرن التاسع عشر الميلادي والجامعة لمزايا الريف وخدمات مدينة محددة الحجم.

2.     "ثورة النظافة" والصحة العامة ونشأة التخطيط العمراني الحديث

إلى جانب اليوتوبيا، وُجدت مقاربة عملية هدفها "تنظيف" المدينة المريضة تأسست على نظرية المياسما والأبقراطية الجديدة التي يهتم فيها الطبيب بعناصر الطبيعة (الماء، الهواء، الأجسام المتحللة، ظروف العيش)، ليلتحم مجال الصحة العامة بنماذجه البيولوجية المتحريّة لتأثير العوامل البيئية على صحة الجسم المركب الذي تحدث بداخله تفاعلات كيميائية تتفاعل بدورها مع الهواء، مع مجال التخطيط المهتم بتشكيل فضاءات العيش وحاجيات البشر فيها وتفاعلهم معها.

انبثقت عن هذا الالتحام "ثورة النظافة" التي ارتسمت أواخر القرن الثامن عشر الميلادي، واستفادت من تطور علمي التشريح ووظائف الأعضاء، وتوسعت بعد برهنة باستور (Pasteur) (1863) على دور الجراثيم الملوّثة للمياه في انتشار الأمراض، وما نتج عنها من وضع تقنية التعقيم، وتطهير المياه وتطعيمها كيميائيًا، واسترجاع مياه الصرف (معالجة المياه)، والتخلص من الفضلات المنزلية (الحرق والتخمير). وقد شكّلت تقنيات تحسين النظافة في المدن علمًا تطبيقيًا دعمته حركات مقاومة "الآفات" الصحية وظروف العيش المترديّة (Public Health Movements)، مثل "جمعية صحة المدن" (Health of Towns Association) (1844) ببريطانيا، و"حركة النظافة" (mouvement hygiéniste) بفرنسا[31].

وأبرزت أعمال منهجية العلاقة بين الصحة العامة والمجال، منها "تقرير شادويك حول الأحوال الصحية للطبقة العاملة في بريطانيا" (1842)[32] الذي بيّن "بؤر" المرض والفقر بإحصاءات وخرائط، لتثمر هذه الجهود قانون الصحة العامة (Public Health Act) (1848)، وفي السياق نفسه جمع الطبيب سنو (Snow) معطيات أسقطها على الخريطة لمعرفة أسباب وبؤر الكوليرا بلندن (1854)[33]، ووضع بوث (Booth) خريطة للندن تبرز العلاقة المجالية بين الفقر والجريمة وظروف العيش والصحة[34]. وفي فرنسا وُجدت "الطوبوغرافيات الطبية الإثنوغرافية العمرانية" ضمن مشروع كبير للجمعية الملكية للطب" (1776) هدفه تحديد المجال الجغرافي للأوبئة، وتحليل علاقة الإنسان ببيئته وتأثير العمران على الصحة[35]. وقد عمل الأطباء في فرنسا على وضع خرائط للوسخ والمرض وعلاقتهما بالمجال، فكان لهم دور في بناء معادلة تجمع البيئة (المبنية والاجتماعية) والصحة، وتؤسس لـ"طب حضري"[36] يركز على الفضاء العام حيث يتركز تلوث الأرض والوحل والغبار المضر بالصحة[37].

كانت السلطات البلدية في قلب "معركة النظافة" باعتبارها مشروعًا سياسيًّا محليًّا أساسه جمع المعلومة الصحية بواسطة مكاتب الإحصاء والحالة المدنية، من قبيل "مكتب الحالة المدنية العام" (G.R.O.) في إنكلترا؛ و"الصحيفة الصحية للمنازل" و"المكاتب البلدية للنظافة" في فرنسا. وقد كان الارتباط الوثيق بين تخطيط وتسيير المدينة والصحة العامة محوريًّا في التحول العمراني الكبير في القرن التاسع عشر الميلادي الذي جسّده نموذج تحوير البارون هوسمان (Haussmann) لعمران باريس بتخطيط المدينة كمجموعة شبكات و"تدفقات" تُنظم بأساليب "هندسية"، أهمها شبكات الصرف، والفضاءات الخضراء، والأشكال والأحجام المعمارية المقننة، والمنشآت القاعدية الضامنة لحياة صحية، منها مرافق معمارية مستجدة (الجيمنازيوم، مراكز تعليم السباحة، الحدائق).

ولنظافة المدينة بعد معنوي أيضًا، ففضلًا عن تحولها إلى مخبر صحي صارت مخبرًا اجتماعيّا يعمل فيه علماء النفس والاجتماع الذين أضافوا إلى البعد البيولوجي بعدًا نفسيًّا واجتماعيّا، فالجسم الحضري السليم يجب أن يكون جسمًا اجتماعّيا سليمًا، فظهرت مصطلحات النظافة أو الصحة "الاجتماعية والعقلية"، وعُدّ انعدام "النظافة" المادية انعكاسا لانعدام النظافة "المعنوية"[38]. ولا ينفصل هذا المنحى عن الثورة "الفرويدية" (1900)[39]، وتغيّر النظرة إلى "الأمراض العقلية" والتحول من "عزل" المرضى في مصحات خارج المدينة تخضع لنظام هندسي ورقابي صارم إلى "التحليل النفسي" وإلغاء الفصل بين "مدينة المجانين" و"مدينة العقلاء". وأسهمت في توطيد العلاقة بين المدينة والنظافة أو الصحة المعنوية أعمال بيّنت أن علاقات سكان المدينة الحديثة مبنية على المجهول وأنها سطحية انتقالية غير مستقرة غير آمنة تدفع إلى الانعزال[40]. ولا زالت الدراسات الاجتماعية تحاول قياس الآثار السلبية لحياة المدن على سعادة البشر[41]، وحاول المخططون، خاصة في الستينيات والسبعينيات، تسخير علم النفس البيئي في تصميم المستشفيات ومراكز الصحة العقلية والسجون وحتى السكن الاجتماعي، ثم في أواخر القرن العشرين في "سياسات المدينة" التي بعثت بمفردات جديدة إشكالية الصحة العقلية والنفسية في تعاطيها مع الجماعات "المهمّشة".

3.     تطبيب المدينة وحدود الحداثة

وجد التخطيط في خطاب النظافة ببعديه المادي والمعنوي وفي مجال الصحة والطب حقلًا خصبًا لبناء مفرداته، وقامت العلاقة الوثيقة بين التخطيط والطب على "العقلانية" والإيمان بإمكانية تسخير المعارف، ومنها الطبية، لتحقيق تحول إيجابي في حياة البشر[42]. فاستعان سيردا (Cerda) مؤسس التخطيط بمفهومه الحديث بمفردات البيولوجيا والتشريح وعلم الأعضاء في نقد المدينة المريضة ماديًّا ومعنويًّا، واقترح مدينة مثالية صحية تخضع لمعايير طبية[43]، واستعمل لوكوربوزييه هذه المفردات في نقد الحياة الحضرية "المقيتة الكريهة"[44]، كما يظهر في يوتوبيا "المدينة المشرقة"، حيث يكون الـمُخطط "عالمًا" يدرس أمراض المدينة بعقلانية لتلبية "حاجيات" سكانها في عصر "الآلة"، مستفيدًا من الابتكارات الحديثة لبناء مدينة إنسان "مثالي" يحتاج إلى "فضاء مفتوح" (مساحات خضراء، بنايات متباعدة، مسالك للراجلين دون السيارات) ذي وظيفة اجتماعية وعلاجية، يوفر الهواء النقي والأمن والصحة في فصل صارم بين الوظائف، ويُحرر الـمُخطّط من قيود المدينة التاريخية "المريضة"، فدعا لوكوربوزييه إلى إلغاء "الشارع" بالمفهوم التقليدي؛ لأنه "عضو" مريض انعدمت وظيفته، ولا ضرورة لبقائه من منظور بيو-طبي وظيفي.

لقد تحولت المدينة الحديثة في هذا المنظور الأبقراطي إلى "مصحة" كبيرة توفّر الهواء والشمس، تُنقِذ فيها، حسب تعبير لوكوربوزييه[45]، الطبيعة "الروحَ" من براثن مدينة مفسدة ملوثة جاءت مدينة الحداثة لتعالج آفاتها بمحاصرة الكتل المريضة وهدمها وإعادة بنائها -كما يُستأصل العضو المريض- وباستئصال الضواحي "الـمُقمّلة" لفائدة الفضاء المفتوح. وإلى جانب مقترحات لوكوربوزييه، وُجدت نماذج أخرى تلتقي في ضرورة الرجوع إلى الطبيعة، مثل المدينة الحدائقية، ونموذج الضواحي الأمريكية الواسعة بمنازلها المتباعدة.

هكذا تداخل التخطيط العمراني والطب في نظرية الحداثة التي اقترحت مدينة مبتكرة طبيعية أبقراطية توفر الهواء النقي والضوء والفضاءات المفتوحة والخضراء والعمارة الوظيفية الصحية، في حين تشبث الطب أيضا بالنظرية الأبقراطية كما يظهر مثلًا في استمرار العمل بمصحات مداواة مرضى السل بالهواء والضوء والشمس (السناتوريوم) حتى بعد انتفاء أساسها العلمي بابتكار اللقاحات.

على أن تراجع المدّ الحداثي في التخطيط في النصف الثاني من القرن العشرين غيّر علاقة الأخير بالطب والصحة، ليحدث فك ارتباط في سياق نسف المدينة الوظيفية الحداثية التي مثّلتها التجمعات السكنية الكبرى التي لم تراع فيها الروابط الإنسانية والاجتماعية والصحة العقلية. وقد آثر منظرو ما بعد الحداثة باختلاف توجهاتهم، منذ الستينيات، طمس البعد الصحي، وكأنهم أرادوا التحرر من الخطاب الطبي الذي تماهت معه النظرية الحداثية، فتقلص اهتمام التخطيط بالعدالة الاجتماعية ومسائل الصحة، وتحوّل منذ بداية السبعينيات إلى علم التدفقات والمشروع العمراني[46]، وعوّضت النبرةَ الإيديولوجيةَ لخطاب الحداثة حلولٌ براغماتيةٌ تحددها الظروف المحلية وإسهامات العلوم الاجتماعية والإنسانية التي أثّرت في مفاهيم وتوجهات التخطيط العمراني، وخاصة منها علم الاجتماع والجغرافيا والعلوم السياسية، ليندرج التخطيط العمراني في خانة العلوم الاجتماعية مستعينا بمقاربات مختلفة في سعيه لتغيير واقع المدينة وتأكيد طابعه العملي الاستشرافي، وهذا ما تجسّد في مفهوم "المشروع العمراني" الذي عوّض إلى حد ما مفهوم "التخطيط العمراني". أما الطب فانصب اهتمامه على المريض وليس على عناصر بيئته، فربط المرض بأساليب العيش الفردية والسلوكيات والبيولوجيا الوراثية أو الجينات[47]، ليتحرّر من إكراهات المجال والإشكاليات الاجتماعية في مراحل ثلاث: من الثلاثينيات إلى الستينيات تطور الطب العلاجي (اللقاح والمضادات الحيوية)، ثم شهدت السبعينيات قفزة نوعية بتطور الأشعة الطبية، وفي الفترة من 1980 إلى 2010 تطور طب الجزيئات والبحث البيو-طبي وعلوم المناعة والوراثة والجينات، لينخرط الطب في مسلك تكنو-علاجي بعيدا عن العوامل العديدة المركبة التي يتعامل معها التخطيط[48].

ثالثًا: النموذج الوقائي البيئي

لم يدم فك الارتباط بين التخطيط والطب طويلًا، فقد تجددت العلاقة ببروز إشكاليات التنمية المستدامة والأمن وجاذبية المدن مع تغيّر الظروف الاجتماعية والديمغرافية والعلمية والوقاية من الأمراض المزمنة، في منظور بيئي أشمل كرّس تحوّلًا من العلاج والتطبيب إلى الوقاية والبيئة.

1.     تجديد العلاقة بين المدينة والصحة والطب المجالي

كان "عالم الصحة" وراء تجدد العلاقة بينه وبين التخطيط[49]، من خلال تصور متعدد الأبعاد للصحة مثّلته حركة "المدن والقرى الصحية" ضمن منظمة الصحة العالمية (1977) التي حدّدت أهدافا صحية واجتماعية وبيئية يُبتغى بلوغها العام 2000. وتجدد اهتمام البحث، منذ نهاية القرن العشرين، بالعلاقة بين المجال المبني والصحة العامة حول مفهوم مدينة صحية (Healthy City)[50] يُدمج في مناهج التخطيط[51]، في تحوّل من نزعة التخطيط الحداثي الأبقراطية إلى نهج عملي يبرز المخاطر على الصحة التي تُواجه بتخطيط قاعدي وتقنين ووضع أطر مجالية تؤسس لأنماط عيش صحية. وقد مهّدت لهذا التحول مقاربات صحية شاملة في فترة ما بين الحربين، مثل: "الطب الاجتماعي" في الأربعينيات، و"علم الوبائيات الاجتماعي"[52] في أواسط القرن الذي أثمر نظريات ربطت بين المرض والبيئة والمجال، مثل "النظرية النفسية الاجتماعية"، ونظرية "الإنتاج الاجتماعي للمرض" أو "الاقتصاد السياسي للصحة"، وأخيرا "النظرية البيئية الاجتماعية" وما يتصل بها من مقاربات ديناميكية متعددة المستويات تتجاوز التفسير السببي الأحادي للمرض لأن البشر يؤثرون في بيئتهم ويتأثرون بها.

استعمل تعبير "المدينة الصحية" أول مرة العام 1988[53] للدلالة على أنها كيان يُطوّر بيئات فيزيقية واجتماعية وموارد بطريقة تتيح للأفراد التعاون في أداء الوظائف وتطوير القدرات الذاتية، وضمن هذا الإطار يكون للعلوم الاجتماعية مثل علم الاجتماع والديمغرافيا والاقتصاد دور مهم في التعرف على واقع مدن سريعة التحول والنمو. وقد حدد هانكوك ودوهل (Hancock, Duhl) أحد عشر معيارًا للمدينة الصحية جمعت أبعادًا بيئية-فيزيقية واجتماعية واقتصادية وخدمية وعمرانية وتعليمية ووبائية-طبية وديمغرافية ومجالية. وقد ارتبط الخطاب الصحي الشامل بمنظمات دولية كمنظمة الصحة العالمية، وبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، وصندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالخبراء العاملين في فلكها الذين أنتجوا نصوصًا حول المدينة الصحية ربطتها بالتنمية المستدامة والعدالة الصحية.

رافق هذا التحول انتقال الاهتمام من النظافة والعلاج إلى إشكالية الأمراض البيئية المزمنة الناتجة عن التلوث الكيماوي، والأوبئة والأمراض المعدية المستجدة، والمخاطر الكبرى، وتلوث الهواء، وكذلك مسألة ذوي الإعاقات أو المسنين ذوي القدرة المحدودة على الحركة، في معادلة جديدة للعلاقة بين الفضاءين المعرفيين؛ طرفاها: "الطب المجالي" (spatial medicine) من جهة عالم الصحة، و"التخطيط العمراني الوقائي" (Preventive Urbanism) من جهة التخطيط.

أما الطرف الأول للمعادلة، وهو "الطب المجالي"، فلا يكون فيه الـمُخطّط محور العملية التصميمية، وإنما يصبح محورها الإنسان (الأنسنة) وحاجياته الفعلية وأولها الفيزيولوجية والاجتماعية[54]. أما الطرف الثاني، وهو "التخطيط العمراني الوقائي"[55]، فينقل المقاربة العلاجية الطبية إلى منظور عمراني وقائي أشمل، يكون فيه التخطيط أداة للوقاية من المرض، وتحسين ظروف العيش، ونشر ثقافة الحركة، والحد من تلوث الهواء الناجم عن استعمال الأرض ووسائل النقل، وتسهيل الوصول إلى أماكن العمل والخدمات، والعمل على الكثافة العمرانية التي تؤثر على المسافات وإمكانية المشي، وتقريب النقل العام من أماكن السكن والعمل، وغيرها من القرارات التخطيطية المحققة لأنماط عيش صحية[56]. وفي نفس التوجه يندرج بعث الأنسجة العمرانية واستدامتها وقابليتها للعيش[57]، بحيث تُطرح مفاهيم "القدرة على تخطي الصعاب"، و"التأقلم"، و"منهجية تصميم الأمكنة الصحية"، ومدينة "الخمس عشرة دقيقة"، و"المدينة المرنة"، و"المدينة الناعمة"، و"المدينة الذكية" التي تستجيب لإشكاليات المدن المعاصرة (التنقل، الأمن، الرعاية الصحية، الطاقة، المياه، النفايات، التنمية الاقتصادية والإسكان، المشاركة والمجتمع) بفاعلية ومرونة من خلال تطبيقات ذكية.

تمثل المدينة الصحية فضاءً متحركًا متغيرًا متأقلمًا يضمن احتياجات الأجيال القادمة[58]، تُشكّل وتتفاعل فضاءاتُه ووظائفُه باستمرار، مما يوجب على المخططين والمسيّرين التأقلم مع ظروفها المتحولة، ويكون عامل الزمن أساسيًا في تخطيط هذا "الكائن الحيّ" المتجدد، كما تتجدد خلايا الجسم، في عمليات بناء وهدم مستمرة وبظهور وظائف وممارسات جديدة وتطور القوانين، فمن مكوناتها ما يستجد ومنها ما يضمحل في حركة دائمة لسياقات وإيقاعات وأزمنة متباينة تذكر بتصور لوفيفر (Lefebvre) لـ"تحليل الإيقاعات" (rythmanalyse) كأداة نقدية لاستكشاف إيقاعات المجال والزمن الاجتماعي ، فكما يحلل الطبيب إيقاعات الجسم وتناسق أعضائه وانسجامها لعلاجه وضمان استمراريته، فإن محلل البيئات الحضرية يحلل إيقاعات المدينة، ويضبط توازناتها، فانسجام إيقاعات الجسم السليم يقابله انسجام إيقاعات المدينة الصحية التي تسمح بتملك الزمن والمجالات في مقاربة تجعل التخطيط ضربا من "الطب"[59].

هكذا يتحول التخطيط إلى "طب مجالي" يقدم "وصفات" تمكن المجتمعات المعاصرة من تشكيل بيئات حضرية صحية متوازنة، فكما يحدد الطبيب المشكلات الصحية ويعالجها ويعيد تأهيل الأعضاء، يؤدي الـمُخطّط نفس الدور تجاه المجالات المبنية بتحويرها وتأهيلها وإحيائها كمجالات صحية بالعمل على أبعادها المورفولوجية، والحسيّة، والاجتماعية، والمرئية، والوظيفية، والزمنية، فيصبح "التصميم العمراني" إحدى أدوات تحقيق الصحة العامة[60]، وتنمحي الحدود بين الطب والتخطيط العمراني ليكوّنا مجالًا معرفيًا جديدًا موضوعه ظروف العيش الصحية في المدينة وفي البيئة الشاملة، مما يطرح مسألة الصحة البيئية أو الطب البيئي.

2.     الصحة البيئية أو الطب البيئي

تبوأ البعد البيئي مكانة مهيمنة في الفترة المعاصرة ضمن مشروع شامل لمواجهة "أزمة" البيئة (الطبيعية، المبنية، الاجتماعية-الاقتصادية) تروّج له منظمات حكومية وغير حكومية، ويتخذ أحيانًا طابعًا علميًا، ويكون أحيانًا أقرب إلى اليوتوبيا البيئية الأصولية.

فالطبيعة لم تعد كيانًا خارجيًا وإنما جزءًا من الوجود البشري مع انتشار الوعي بمخاطر توسع المدن[61] و"تعدي" الإنسان ومجالاته المبنية على المجالات الطبيعية لعيش الحيوانات، مما يزيد في احتمال انتقال العدوى من الحيوان إلى البشر، كما ذكّرنا بذلك فيروس كوفيد-19 الذي ترجح فرضيات لم تُثبت بعد أنه انتقل من الحيوان إلى الإنسان[62]، لندخل "زمن الحدود"[63]، أي محدودية الموارد وتنوع الضغوط البيئية المؤثرة على الصحة كتلوث الهواء في المساكن والمدن، والضجيج، والاحتباس الحراري في المدن، ومشكلة البدانة وقلة الحركة، وتدهور الصحة النفسية في عالم معقد متغيّر، وانتشار أمراض "الحضارة" أو "البيئة" مثل الحساسية والسرطان والسكري والقلب والرئة والأمراض النفسية والعقلية والتوحد وتراجع خصوبة الذكور. ورغم الاستنفار العالمي بسبب وباء كوفيد-19 لم تعد الأوبئة سبب الوفيات الرئيس، وإنما الأمراض البيئية المزمنة التي أصبحت أكبر تحدٍ للطب والمخططين، إذ قُدّر أن كلفتها الاقتصادية سوف تتضاعف بين 2014 و2040 حسب معهد تسيير الصحة والإنتاجية بفرنسا[64].

في مواجهة هذه التحديات تتناول "الصحة البيئية" التأثير السلبي أو الإيجابي للبيئة بمفهومها الواسع على الصحة الفيزيولوجية والعقلية، فتُدمج عوامل مثل الضجيج، وتلوث الهواء، وقلة النشاط البدني، وظروف السكن، والعلاقة بالطبيعة، وأسلوب العيش، والأمراض غير الوبائية. وقد بدأت ملامح المقاربة البيئية التي تغيّر العلاقة بين التخطيط العمراني وعلوم الصحة ترتسم منذ السبعينيات، وتأكدت ببروز مفهوم التنمية المستدامة منذ الثمانينيات عندما نبهت "اللجنة العالمية حول البيئة والتنمية" (تقرير بروندتلاند) إلى "التحدي العمراني" الناجم عن التركز غير المسبوق للسكان بالمدن، والنمو الديمغرافي وضغطه على المنشآت والمرافق والموارد والخدمات، ودعت هذه اللجنة إلى وضع إستراتيجيات محددة ودقيقة لشغل الأرض وتوجيه عملية التعمير[65]، لتتقدم هذه الانشغالات المشهد بحلول التسعينيات (قمة الأرض في ريو 1992 والأجندة 21؛ الميثاق الأوربي حول المدينة المستدامة (1994)؛ قمة كيوتو 1997)، ليتأكد تحول العلاقة بين التخطيط العمراني والصحة بظهور نماذج صحية بيئية أكثر شمولية[66]، تركز على نوعية العيش والعوامل والمتغيّرات المتحكمة فيها[67]، ومن أبرزها نموذج "الإيكولوجيا البشرية" بتراتبه الشبكي للتأثيرات المختلفة على صحة الأفراد[68]، الذي تكمن أسسه في مدرسة شيكاغو في علم الاجتماع.

هكذا أُخرج المريض وأسلوب عيشه وجيناته والمدينة كبؤرة للمرض من قفص الاتهام، لتتوجه الأنظار إلى أثر البيئة الاجتماعية والفيزيقية[69]، وتسمو "الصحة البيئية" على "الصحة العامة" التقليدية، ويصبح التخطيط العمراني جوهر الإشكالية لتأثيره المباشر على البيئة:[70] "تخطيط عمراني مستدام" يضمن تعايشًا طويل الأمد بين المنظومات التي ينتجها البشر والمنظومات الطبيعية[71]، والذي قد يتخذ أشكالًا مختلفة كالتخطيط العادل، وإشراك المواطنين في القرارات التخطيطية، و"التخطيط العمراني الجديد"[72] الساعي إلى تطوير مدن مستدامة بمقياس إنساني، تراعي معايير الصحة العامة في ظل تدهور المناخ والبيئة[73]، وتشجع على التعاون بين المجالات المعرفية المتصلة بـ"المجال المبني" لخلق أماكن جذابة كما يتضح من المبادئ الخمس والعشرين للتخطيط العمراني الجديد[74] الذي يستعمل دعاته مفردات تذكر باليوتوبيات "لخلق أماكن مستدامة تناسب مقياس الإنسان، يستطيع البشر أن يعيشوا فيها حياة صحية سعيدة"[75].

يفرض هذا التحول في المفاهيم والمنظور على هيئات التخطيط المحلية والجهوية والوطنية والمخططين البحث عن حلول تجسيرية لبناء مدينة صحية بيئية مستدامة تتوسع فيها الإشكالية العمرانية ليس إلى البيئة الطبيعية فحسب، وإنما أيضًا إلى البيئة الاجتماعية والصحية والمعضلات الاقتصادية المتشعبة: البطالة، والتلوث، وسوء أحوال السكن، وانعدام المساواة، وأطر العيش غير الصحية، وصعوبة الولوج إلى سوق العمل والوصول إلى الموارد والخدمات، والضغوط المجتمعية[76].

وتشكل الصحة العامة والطبيعة جزءًا مهمًا من مفهوم الاستدامة كما عرّفه مثلًا "ميثاق المدن الأوربية من أجل الاستدامة"، فالطبيعة رأسمال يفرض صونها الحفاظ على "التنوع البيولوجي والصحة العامة ونوعية الهواء والماء والتربة بمستويات تحمي بشكل مستدام حياة البشر والحيوان والنبات"[77]. كما أدمجت مبادرة "إيكوسيتي" (Ecocity) الصحة العامة في ثمانية مبادئ من مبادئها الخمسة عشر: الهواء النقي، التربة الصحية، الماء النظيف والمؤمن، الاستهلاك المسؤول للموارد والمواد بما لا يضر بالصحة العامة، طاقة نظيفة متجددة واقتصاد لا يضر صحة البشر، ظروف عيش تراعي الصحة المادية والمعنوية[78].

هكذا يُحيي مفهوم الاستدامة العلاقة بين التخطيط العمراني والطب ببعد جديد يتجاوز الطب العلاجي التقليدي إلى العوامل المحددة للصحة وعلاقة الإنسان ببيئته الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والمجالية، ولأن الطبيب بحكم تكوينه لا يمكنه التحكم وحده في العوامل البيئية فإنه في حاجة للتعاون مع العاملين في مجالات أخرى وعلى رأسهم المخططون والمسيّرون العمرانيون وواضعو السياسات العامة، فضلًا عن السكان أنفسهم الذين يتأثرون بالعوامل البيئية، ضمن حقل تجسيري يُسمى "الصحة البيئية" أو "الطب البيئي"، لا ينحصر في البيئة البيولوجية المتعارف عليها في التعريف التقليدي للطب البيئي، بل يوسّعها إلى "المجال المبني" كأحد أبعاد البيئة المؤثرة في فاعلية وجاذبية المدن كمنظومات بيئية متكاملة.

الخاتمة

قد يكون "الطب البيئي" أو "الصحة البيئية" مفتاحًا للتجسير بين مجالين ابتعدا عن بعضهما، ويحتاج هذا المسعى إلى الوقت ومنهجية واضحة بسبب تجذر الذهنيات والممارسات المهنية المألوفة وصعوبة تملك أدوات ومهارات مستجدة، فضلًا عن مسألة تعدد السلطات واختلاف السياسات والمصالح[79]. ورغم أن مسعى التجسير يتطلب مزيدًا من البحث لاستكشاف المقاربات الممكنة حسب البيئات العمرانية والاجتماعية، نقترح في ضوء ما سبق مفاتيح تجسير إيجابي كاستنتاجات ومنطلقات أبحاث مستقبلية، ندرجها في ثلاثة محاور: البحث والمنهج والتعليم، التصميم واتخاذ القرار، التقنين والحوكمة.

·      البحث والمنهج والتعليم

يتطلب التجسير بين التخطيط العمراني والصحة تجديد الإشكاليات لإبراز الجوانب المختلفة للعلاقة وتبيان أبعادها الفلسفية والإيديولوجية والتطبيقية وجوانبها الإيجابية والسلبية. ويمثل تجديد الإشكاليات أكبر تحدٍ يواجه البحث للخروج من دائرة خطاب الاستدامة السائد منذ ثلاثين عامًا، وطرح مواضيع تفرضها التغيرات على مستوى أنماط العيش (العمل عن بعد، الفردانية الانعزالية) والصحة الفيزيولوجية والنفسية.

وعلى المستوى التطبيقي، يشكل بناء مؤشرات صحية وبيئية لتقييم السياسات العمرانية ومدى إدماجها لبعدي الصحة والاستدامة مجالا واعدا، من خلال دراسات مقارنة تحدد معايير تهتدي بها السياسات العامة بما يسمح بتطويرها وتقييمها[80]. كما يحتاج جمع وتحليل المعلومات إلى تطوير بوضع منظومات تتبع الأحوال الصحية (الخرائط، الإحصاءات)، وأدوات قراءة المعطيات الاجتماعية والبيولوجية المتداخلة المؤثرة على الصحة في المدن، ومن ثمّ بناء وتفعيل أدوات عملية أساسها نتائج هذه الأبحاث.

ومن الأمثلة على مساعي الانتقال من النظرية إلى التطبيق من خلال سيناريوهات محددة ما اقترحته بينيو (Pineo) في مقاربتها "من أجل تخطيط عمراني صحي إدماجي عادل مستدام"[81]، يرتكز على العوامل البنيوية المحددة للصحة وليس أنماط العيش الفردية، ويربط بين مستويات مختلفة (المحلي، المنظومة البيئية، العالم)، ويراعي ثلاثية العدالة والإدماج والاستدامة، وهي مبادئ مترابطة أساسية لمواجهة التحديات الصحية مثل تقدم متوسط العمر وأزمة المناخ والبيئة والأوبئة المستجدة.

إن التجسير البحثي ضرورة منهجية بالنسبة للتخطيط العمراني بتاريخه الطويل المثقل بالذاتية والحدس وتذبذب منهجيات اتخاذ القرار، إذ يمكنه أن يجد في علوم الصحة والطب خصوصًا سياقات عملية محددة تُتخذ فيها القرارات على أساس براهين علمية واضحة، وهذا ما يبدأ بتعميق البحث في أهم خصائص الطب والتخطيط وما يجمع بينهما لاستخلاص مقاربات تجعل التخطيط العمراني يتعاطى مع البيئة بمفهومها الواسع بطريقة علمية[82].

كما يشكل التعليم شرطًا تجسيريًا مؤثرًا في المدى البعيد بإدراج مقررات الصحة العامة والبيئة في تكوين المخططين، وكذلك أساسيات التخطيط العمراني وتشكيل المجالات والبيئة العمرانية في تدريس علوم الطب والصحة، بما يسمح للدارسين بتقييم أثر تصميم البيئات الحضرية على الصحة. فالأساتذة والطلبة في كلا المجالين مدعوون للتفكير في آثار التخطيط العمراني على الصحة بإدماج فعلي لمفاهيم مثل "المدينة الصحية" و"الصحة البيئية" في برامج التعليم[83].

ورغم أن العلاقة بين المجالين تاريخية فإنها لا تزال مهملة في التعليم الذي يمثل عاملًا أساسيًّا لتغيير الذهنيات، ونشر ثقافة مشتركة تتجاوز التوظيف الخطابي إلى إدماج البعد الصحي في المناهج الجامعية التي تكاد تخلو منه، خاصة في ظل "تجزئة" المعارف في تعليم العمارة والتخطيط العمراني إلى فضاءات منفصلة قلّما تتفاعل فيما بينها (التاريخ، النظريات، التصميم، التقنيات).

ومن جانب الطب والصحة، يمكن للتعليم أن يُؤصّل لدى العاملين في الحقل توجهًا هدفه إيجاد مؤشرات لتقييم الأثر الصحي للسياسات العمرانية، وتتبع تحسن أو تدهور المجالات صحيًّا، ومسألة العدالة المجالية وتوفير مجالات مبنية صحية في البيئات محدودة الموارد، ودعم اتخاذ قرارات التخطيط العمراني من منظور صحي، وتسريع التحول إلى مجالات عمرانية صحية مستدامة مفيدة للصحة والمنظومة البيئية والإنسان والأرض[84]. ويظهر هذا الاهتمام مثلًا في سلسلة الإصدارات التي أطلقتها مجلة "لانسيت" (The Lancet) حول التصميم العمراني والنقل والصحة[85].

·      التصميم واتخاذ القرار

يصطدم تأصيل الصحة البيئية في تصميم وتقييم المشاريع بتقليد متجذر يركز على ثلاثية الجمال والوظيفة والتقانة التي وجب نقلها إلى رباعية الجمال، والوظيفة، والتقانة، والنجاعة الصحية–البيئية، من منطلق أن التخطيط العمراني أساسه تحقيق الصالح العام، وأول شروطه توفير ظروف صحية مستدامة للسكان والحد من سلبيات المقاربات النفعية. ويتوفر المخططون اليوم على أدوات منهجية مهمة تفتح الباب لهذا التحول من قبيل: التحليل المتعدد المستويات، ومنظومات المعلومة الجغرافية لتحليل العلاقة بين المجال المبني والصحة، ومبادرات إدماج البعد الطبيعي البيئي في السياسات العامة مثل منظومة "المنبر الحكومي الدولي للعلوم والسياسات في مجال التنوع البيولوجي وخدمات النظم الإيكولوجية "[86].

وقد يستفيد التخطيط العمراني من إدماج العوامل المؤثرة على الصحة في مراحل التصميم واتخاذ القرار الأولى رغم الصعوبة المنهجية التي يطرحها الانتقال من المؤشرات والنتائج العلمية إلى القرار العقلاني[87]، فخلافًا لعلوم الطبيعة وتحديدًا الطب الذي يخضع لسياقات علمية دقيقة أساسها التجربة المعمقة كأداة للإبداع الطبي الذي يتعامل مع صحة البشر، ولا يخضع للذاتية، عادة ما لا يستخلص المخططون الدروس من أخطائهم لغياب الجانب التجريبي في تقييم الفشل والنجاح في الواقع[88].

وقد يجد التخطيط العمراني سبيل المنهج العلمي القائم على التجربة والبرهان في "محاكاة الواقع"، مثلما يواجه الأطباء إكراهات في معالجة المرضى[89]؛ فكما يحاكي الطب الواقع في المخابر بدراسة الكائنات الحية وتجربة طرق العلاج قبل اعتمادها، يمكن للتخطيط العمراني محاكاة الواقع في فضاء افتراضي بتطبيق نماذج أولية، وعرض الحلول على أصحاب القرار والمستعملين وتوضيح الرؤية لديهم، وتحوير الحل قبل تطبيقه في الواقع، وهذا ما تسهّله أدوات تحليل المعلومة الرقمية المتوفرة لدى المهندسين والمهتمين بتشكيل المجال المبني[90] الذين هم في حاجة لمراعاة القوانين العلمية القائمة على البرهان لتضييق الهوة بين المجالين والتجسير، وعدم الاكتفاء بما هو سار في تقييم الأثر البيئي للمشاريع ومدى التزامها بالقوانين البيئية[91].

·      التقنين والحوكمة

من أدوات التجسير إدراج المعيار الصحي–البيئي في قوانين وتنظيمات تُشرك العاملين في مجال الصحة والبيئة في تقييم المخططات، خاصة فيما يتعلق باستعمال الأراضي، ونماذج السكن، والموارد المائية، والصرف الصحي، والمنشآت القاعدية الصحية، وشبكات ووسائل النقل، وكلّها تؤثر على صحة السكان، وتتطلب معايير تقييس لأثر المشاريع على الصحة العامة وظروف العيش حسب أهداف محددة مفصلة.

إن الحوكمة الجيّدة مهمة لتحقيق التوازن بين عالم الطبيعة والمجال المبني، وبالتالي بناء بيئات صحية مستدامة، ويبدأ ذلك بسياسات التخطيط العمراني المحلية (البلدية) من خلال مكاتب دراسات محلية، وبتفعيل وتعميق التعاون بين مصالح الصحة وهيئات التخطيط البلدية في مشاريع بعينها أو لوضع إستراتيجيات عمرانية أشمل[92]، من أجل تجاوز واقع كثير من المدن المفتقدة لسياسات في مجال الصحة والاستدامة تراعي تخطيط الشوارع، وتوزيع العمل، وتقييم أثر التخطيط العمراني على الصحة، وسياسات نقل صحية وبيئية[93]. ومن أدوات إدماج العوامل الصحية والبيئية في المشاريع والقوانين إصدار كتب إرشادية يستعين بها المخططون والعاملون في مجال الصحة وفي الوكالات العاملة في حقلي التخطيط العمراني والصحة وأصحاب القرار. وفي ذات الإطار يندرج توسيع العمل بأنظمة الاعتماد للمشاريع العمرانية بمعايير صحية وبيئية من قبيل LEED – 2009 for Neighborhood Development – LEED-ND)) في الولايات المتحدة. مما قد يغيّر الأطر المؤسسية والإدارية في مجالي التخطيط والصحة، ويتجاوز الأطر القانونية غير المرنة التي تجعل التجسير العملي ضعيفا رغم كثرة الأدبيات[94].

بيّنت الدراسة الارتباط الوثيق بين الصحة والتخطيط العمراني، وذكّرت أنَّ هدفهما المشترك إيجاد بيئات آمنة وصحية، وأنَّ العلاقة بينهما متغيّرة وربما ستزداد أهمية بتبلور مفهوم شامل للصحة يفرض عملا مشتركا بين الفضاءين لمواجهة تحديات المستقبل. وليس هذا الارتباط وليد الحداثة، فقد بيَّنت الدراسة أن أشكاله متنوعة: تجسيمية (بيولوجية وظيفية وشكلية)، وعلاجية طبية (المعارف البيولوجية والجسم والمدينة المريضة)، ووقائية بيئية (التفاعل بين الصحة الفردية والعوامل البيئية). وكانت هذه الأشكال أو النماذج نتاج الظروف وتطور علاقة الإنسان بالجسم والمرض والبيئة، وإذ إنها تندرج في تطور زمني، فإنها حاضرة في فترات تاريخية مختلفة في استمرارية وتأثير متبادل.

إن التجسير المنشود يتطلب وقتا لأن كل مجال معرفي تأسره تقاليده ونماذجه التحليلية القطاعية، ومستلزماته التقنية وآلياته المنبثقة عن منظومة التكوين، مما يتطلب جهودا على مستويات مختلفة ليستفيد كل مجال من مقاربات الآخر. فحماية الصحة بتحسين تصميم وتخطيط المجالات الحضرية تستوجب مقاربة مدمجة متعددة الاختصاصات والفاعلين، تؤطرها سياسات تضمن توافق الصحة البشرية والصحة البيئية[95]، لتُدمج لأول مرة في التاريخ صحة البشر وصحة بيئتهم في منظومة واحدة، وهذا ما يتطلب الوعي من المختصين في المجالين بضرورة التكامل والتعاون في فضاء علمي وعملي مشترك، وليس العمل في فضاءات علمية وعملية منفصلة[96]، ليتحقق تجسير علمي بين التخطيط العمراني من جهة والمعارف التي توفرها علوم الصحة والبيئة من جهة أخرى، في إطار "عقلاني تعاوني"[97] يجدد شرعية التخطيط وينقله من الذاتية إلى خطاب علمي متزن يستشرف التحولات المستقبلية بمقاربات مجددة في نسق تجسيري يُدمج الانشغالات الصحية والبيولوجية والبيئية والوظيفية والاجتماعية والجمالية لبناء مدن الغد ومواجهة تحديات القرن المتصلة بالتنمية المستدامة وتغيّر المناخ والتفاوت الصحي والطابع المعقد لحركيات وتدفقات وتفاعلات المجتمعات المعاصرة.

المراجع

أولًا: العربية

"تقرير تقييم القيم المتعددة للطبيعة وفوائدها"، برنامج الأمم المتحدة للبيئة، 11/7/2022، استرجع بتاريخ: 15/2/2023 من الرابط: http://surl.li/kzfya

ثانيًا:

References:

 “Lancet Global Health Series on urban design, transport, and health”. The Lancet Vol. 388, No. 10062 (10-16/12/2016).

Alberti. De re ædificatoria, 1481, liv. IX, Ch. 2 & 9, accessed on 8/3/2023, at: http://surl.li/kzetn.

Alexander, Christopher.et al. A New Theory of Urban Design. New York: Oxford University Press, 1987.

Barles, Sabine. La ville délétère. Médecins et ingénieurs dans l’espace urbain (18-19è siècle). Champs Vallon: Seyssel, 1999.

–––. Les villes transformées par la santé, XVIIIe-XXe siècles.” Les Tribunes de la santé, Vol33, No4. (2011).

Barton, Hugh and Grant, Marcus. “A health map for the local human habitat.” JRSH, Vol. 126, No. 6 (2006).

–––. “A health map for urban planners,” Built Environment, Vol. 31, No. 4 (2005).

–––. City of well-being: a radical guide to planning. New York: Routledge, 2016.

Beauchamp, André. “Environnement: bilan et prospectives, L’Action nationale, Vol. 80, No. 5 (mai 1990),

Billie Giles-Corti et al, “Creating healthy and sustainable cities: what gets measured, gets done.” Lancet Global Health, Vol. 10, No. 6 (2022). https://doi.org/10.1016/S2214-109X(22)00070-5.

Blum, H.L. Health Planning Methods: An International Perspective: Report of the 1978 Workshop. US Dept. of

Booth, Charles (ed.). Labour and Life of the People in London, Vol. 9. London: Macmillan, 1889-1897.

Cairney, Paul and Kathryn Oliver, “Evidence-based policymaking is not like evidence-based medicine, so how far should you go to bridge the divide between evidence and policy?” Health Res Policy Syst, Vol. 15, No. 35 (2017).

Cerda, Ildefonso. Teoria general de la urbanizacion. Madrid: Imprenta Espanola, 1867.

Chadwick, Edwin. Report on the Sanitary Condition of the Labouring Population of Great Britain (London: House of Commons, 1842)

Choay, Françoise. L’urbanisme, utopies et réalités: Une anthologie. Paris: Seuil, 1965.

–––. La Règle et le modèle, sur la théorie de l’architecture et de l’urbanisme. Paris: Seuil, 1996.

Commission Mondiale sur l'Environnement et le Développement de l'ONU. Notre avenir à tous. United Nations 1987.

Conférence européenne sur les villes durables, Charte des villes européennes pour la durabilité (Aalborg, 1994), p. 2, accessed on 27/2/2023, at: http://surl.li/kzfqi.

Congress for the New Urbanism, Les principes du Nouvel Urbanisme, accessed 23/2/2023, at: http://surl.li/kzfot

Corburn, Jason. “Confronting the challenges in reconnecting urban planning and public health,” American Journal of Public Health, Vol. 94, No. 4 (2004).

Dannenberg, Andrew L. et al, “The impact of community design and land-use choices on public health: a scientific research agenda,” American Journal of Public Health, Vol. 93, No. 9 (2003).

De Sa, Thiago Herick. et al. “Urban design is key to healthy environments for all (Comment),” The Lancet Global Health Vol. 10, Issue. 6 (2022).

DiSalvo, Carl and Gemperle, Francine. “From Seduction to Fulfillment: The Use of Anthropomorphic Form in Design.” In International conference on Designing pleasurable products and interfaces, Pittsburgh, PA, USA (23-26 June 2003).

Dorato, Elena. Preventive Urbanism: The Role of Health in Designing Active Cities. Italy: Quodlibet Studio, 2020.

Duhl, L. J. and Sanchez, A. K. Healthy cities and the city planning process - a background document on links between health and urban planning. Copenhagen: WHO Europe Expert Group on the Urban Environment, 1999.

Ebenezer Howard, Garden Cities of Tomorrow. London: Swann Sonnenschein, 1902.

Ecocity Builders, International Ecocity Standards (Oakland: Ecocity Builders, 2017), accessed on 27/02/2023, at: http://surl.li/kzfuo.

Filarete, Trattato di Architettura. Milano: Il Polifilo, 1972.

Fludd, Robert. Utriusque cosmi maioris scilicet et minoris metaphysica, physica atque technica historia (Oppenheim: Hieronymi Galleri, 1617), accessed on 27/2/2023, at: http://surl.li/kzenp.

Foucault, Michel. “Histoire de la médicalisation,” Hermès, La Revue, No. 2 (1988).

Frumkin, Howard. “Healthy places: exploring the evidence,” American Journal of Public Health, Vol. 93, No. 9 (2003).

Gatzweiler, Franz W. et al, “Lessons from complexity science for urban health and well-being,” Cities Health, Vol. 1, No. 2 (2018).

Geddes, Patrick. Cities in evolution. London: Williams, 1915.

Girard, Paulette and Lussac, Bruno Fayolle, Cités, cités-jardins: une histoire européenne.Talence: MSH Aquitaine, 1996.

Hallé, Jean-Noël et Etienne Tourtelle. Éléments d’hygiène. Paris: Au bureau de l’Encyclopédie, 1837.

Hancock, Trevor and Duhl, Leonard J. Promoting health in the urban context. (WHO Healthy Cities Papers, N°. 1) Copenhagen: FADL, 1988.

Harvey. William. Exercitatio anatomica de motu cordis et sanguinis in animalibus (Francfort: Fitzeri, 1628) accessed on 27/2/2023, at: http://surl.li/kzerj.

Hippocrates. Hippocrate: le serment; la loi; de l'art; du médecine; prorrhétiques; le prognostic; prénotions de Cos; des airs; des eaux et des lieux; épidémies; livres I et III; du régime dans les maladies aigues; aphorismes; fragments de plusieurs autres traités )éd.( Charles V. Daremberg. Paris: Lefèvre, 1843.

Innes, Judith E. and Booher, D.E. “Indicators for sustainable communities: a strategy building on complexity theory and distributed intelligence,” Plan Theory Pract, Vol. 1, No. 2 (2000).

Isaacson, Walter. Leonardo da Vinci: The Biography.New York: Simon & Schuster, 2017.

Jackson, Laura E. “The relationship of urban design to human health and condition,” Landscape and Urban Planning Vol. 64, Issue4 (2003).

Jackson, Richard J. “The impact of the built environment on health: an emerging field,” American Journal of Public Health, Vol. 93, No. 9 (2003).

Jacobs, Jane. The Death and Life of Great American Cities. New York: Vintage Books, 1961.

Joubert, Michel. Souci de prévention et souci démocratique, la santé au cœur des changements urbains, Prévenir, No. 31(1996).

Katherine E. Smith, and Kerry E. Joyce, “Capturing complex realities: understanding efforts to achieve evidence-based policy and practice in public health,” Evid Policy, Vol. 8, No. 1 (2012).

Katz, Peter. The New Urbanism: Toward an Architecture of Community. New York, McGraw-Hill, 1993.

Kickbusch, Ilona and Gleicher, David. Governance for health in the 21st cent. Copenhagen: WHO Europe, 2012.

Lacan, Jacques. Le stade du miroir comme formateur de la fonction du Je (1949). Paris: Seuil, 1966.

Latouche, Serge. L’âge des limites. Paris: Mille Et Une Nuits, 2012.

Lawrence, Roderick J. Capon, Anthony and Siri, José. “Lessons from Hippocrates for contemporary urban health challenges,” Cities and Health, Vol. 1, No. 1 (2017).

–––. “Co-Benefits of Transdisciplinary Planning for Healthy Cities,” Urban Planning, Vol. 7, No. 4 (2022).

Le Corbusier, “Conditions de nature, urbanisme efficace et efficient,” séance inaugurale du cours international de prothèse (Paris: Faculté de médecine de Paris, juillet 1961).

–––. La ville radieuse. Paris: Ed. l'Architecture d'Aujourd'hui, 1935.

Lee, V.J. et al. “Epidemiologic preparedness in urban settings: New challenges and opportunities,” The Lancet Infectious Diseases, Vol. 20, No. 5 (2020).

Lévy, Albert. Urbanisme et médecine, une brève histoire des rapports, in Albert Lévy(ed.) Ville, urbanisme et santé: les trois révolutions. Paris: Mutualité française/éditions Pascal, 2012.

–––. “Urbanisme et santé: de l’hygiénisme à l’écologisme, Revue Contretemps, 14/3/2020, accessed on 27/2/2023, at: http://surl.li/kzfmy.

–––. (coord.). Ville, urbanisme et santé: les trois révolutions. Paris: Mutualité française/éditions Pascal, 2012.

Lowe, Melanie. et al, “City planning policies to support health and sustainability: an international comparison of policy indicators for 25 cities,” Urban Design, Transport & Health Series, The Lancet Glob. Health, Vol. 10, No. 6 (2022).

Lynch, Kevin. A Theory of Good City Form. Cambridge, MA: MIT Press, 1981.

Martini, F. Di Giorgio. Trattato di architettura civile e militare.Torino: Chirio e Mina, 1841.

More, Thomas. Utopia. trans. P. Turner. New York: Viking Press, 1965.

Northridge, Mary E. and Sclar, Elliott. “A Joint Urban Planning and Public Health Framework: Contributions to Health Impact Assessment,” Am J Public Health, Vol. 93, No. 1 (Jan. 2003).

Okulicz-Kozaryn, Adam and Maya Mazelis, Joan “Urbanism and Happiness: A Test of Wirth’s Theory of Urban Life.” Urban Studies, Vol. 55, No. 2 (2016).

Panese, Francesco. Ville et environnementalisation de la santé: Brefs jalons d’une longue histoire, in Nicolas Senn et al,Santé et environnement: vers une approche globale, Chêne-Bourg: RMS éd., Médecine et Hygiène, 2022.

Pineo, Helen. “Towards healthy urbanism: inclusive, equitable and sustainable (THRIVES) – an urban design and planning framework from theory to praxis,” Cities & Health, Vol. 6, No. 5 (2022).

Pineo, Helen et al, “Use of urban health indicator tools by built environment policy- and decision-makers: a systematic review and narrative synthesis,” J Urban Health, Vol. 97, No. 3 (2019), accessed on 27/1/2023, at: http://surl.li/kzejm.

Pineo, Helen, Zimmerman, Nici and Davies, Michael. “Integrating health into the complex urban planning policy and decision-making context: a system thinking analysis,” Palgrave Commun, Vol. 6 (2020). doi.org/10.1057/s41599-020-0398-3.

Pineo, Helen, et al. “Promoting a healthy cities agenda through indicators: development of a global urban environment and health index,” Cities & Health, Vol. 2, No. 1 (2018).

Razzaghi-asla, Sina and Zarei, Neda. “Urban Design, Medicine and the need for systematic and evidence-based procedures for urban designers,” Urban Design International, Vol19 (2014).

Regniault, Stanislas. Maladies chroniques, quelles conséquences pour l’entreprise? Les Échos, 9/12/2014, accessed on 24/2/2023, at: http://surl.li/kzfjx.

Revol, Claire. “La rythmanalyse lefebvrienne des temps et espaces sociaux, Ébauche d’une pratique rythmanalytique aux visées esthétiques et éthiques,Rhuthmos, 23/10/2019, accessed 21/2/2023, at: https://rhuthmos.eu/spip.php?article1102.

Rice, Louis. “After Covid-19: urban design as spatial medicine,” Urban Design International, Vol. 28, issue. 2 (2023). doi: org/10.1057/s41289-020-00142-6.

Rydin, Yvonne. “Re-examining the role of knowledge within planning theory,” Plan Theory, Vol. 6, No. 1 (2007).

Scamozzi, Vincenzo. Dell’idea della architettura universale. Venezia: Albrizzi, 1714.

Schluderer, Laura Rosella. “Imitating the Cosmos: The Role of Microcosm–Macrocosm Relationships in the Hippocratic Treatise On Regimen,” Classical Quarterly, Vol. 68, No. 1 (2018).

Sepe, Marichela. Designing Healthy and Liveable Cities: Creating Sustainable Urban Regeneration. London: Routledge, 2022.

Simmel, Georg. “The metropolis and mental life,” in Jan Lin and Christopher Mele, in The Urban Sociology Reader. New York: Routledge, 2nd ed, 2013.

Snow, John. On the Mode of Communication of Cholera. London: Churchill, 1855.

Steuteville, Robert. 25 Great Ideas of New Urbanism, , 31/10/2017, accessed on 23/2/2023, at: http://surl.li/kzfta.

"Taqrīr Taqyīm al-Qayyim al-mutaʻaddidah llṭbyʻh wa-fawāʼiduhā" (in Arabic). Barnāmaj al-Umam al-Muttaḥidah lil-Bīʼah, 11/7/2022, accessed on 15/2/2023, at: http://surl.li/kzfya

UN Department of Economic and Social Affairs, “World urbanization prospects: The 2018 Revision of World Urbanization Prospects”, 16/5/2018, accessed on 23/2/2023, at: http://surl.li/kzfbh.

Verbeek, Thomas. “Reconnecting urban planning and public health: an exploration of a more adaptive approach,” Annual Congress: From control to co-evolution, Proceedings (Utrecht: January 2014).

Vigarello, Georges. Le propre et le sale. L’hygiène du corps depuis le Moyen-Âge. Paris: Seuil, 1987.

Vitruvius Pollio, Marcus. Les dix livres d’architecture (Paris: Coignard, 1673), liv. 1, Ch.1, 2, accessed on 27/2/2023, at: http://surl.li/kzegn.

Wheeler, Stephen. “Planning sustainable and livable cities,” in The City Reader, ed. R.T. Le Gates, F. Stout, 2nd ed. New York: Routledge, 2000.

WHO, “Urban Planning Crucial for Better Public Health in Cities”, 21/5/2020, accessed on 23/2/2023, at: http://surl.li/kzfcx.

Yankauer, Alfred. “The relationship of fetal and infant mortality to residential segregation: an inquiry into social epidemiology.” American Sociological Review, Vol. 15, No. 5 (1950).



* قُدم في: مؤتمر مركز ابن خلدون السنوي للتجسير (30 سبتمبر-1 أكتوبر 2023).

* Submitted for: The Annual Conference of Ibn Khaldon Center on Interdisciplinary Research (September 30th-October 1st, 2023).

[1]- Louis Rice, “After Covid-19: urban design as spatial medicine,” Urban Design International, Vol. 28, No. 2 (2023), p. 97.

[2]- Hugh Barton, City of well-being: a radical guide to planning (New York: Routledge, 2016), pp. 6-7.

[3]- Mary E. Northridge, and Elliott Sclar, “A Joint Urban Planning and Public Health Framework: Contributions to Health Impact Assessment,” Am J Public Health, Vol. 93, No. 1 (1/2003), pp. 118-121.

[4]- Franz W. Gatzweiler, et al, “Lessons from complexity science for urban health and well-being,” Cities Health, Vol. 1, No. 2 (2018), pp. 210–211.

[5]- Katherine E. Smith, and Kerry E. Joyce, “Capturing complex realities: understanding efforts to achieve evidence-based policy and practice in public health,” Evid Policy, Vol. 8, No. 1 (2012) pp. 57–78.

[6]- Helen Pineo, et al, “Promoting a healthy cities agenda through indicators: development of a global urban environment and health index,” Cities & Health, Vol. 2, No. 1 (2018), pp. 27–45; Helen Pineo, et al, “Use of urban health indicator tools by built environment policy- and decision-makers: a systematic review and narrative synthesis,” J Urban Health, Vol. 97, No. 3 (2019), pp. 418-435, accessed on 27/1/2023, at: http://surl.li/kzejm.

[7]- Paul Cairney, and Kathryn Oliver, “Evidence-based policymaking is No.t like evidence-based medicine, so how far should you go to bridge the divide between evidence and policy?” Health Res Policy Syst, Vol. 15, No. 35 (2017), pp. 5-6, accessed on 27/01/2023, at: http://surl.li/kzeme.

[8]- Françoise Choay, L’urbanisme, utopies et réalités: Une anthologie (Paris: Seuil, 1965), p. 348

[9]- Jacques Lacan, Le stade du miroir comme formateur de la fonction du Je (1949) (Paris: Seuil, 1966), p. 91.

[10]- Robert Fludd, Utriusque cosmi maioris scilicet et miNo.ris metaphysica, physica atque technica historia (Oppenheim: Hieronymi Galleri, 1617), p. 1036, accessed on 27/2/2023, at: http://surl.li/kzenp.

[11]- Carl DiSalvo, and Francine Gemperle, “From Seduction to Fulfillment: The Use of Anthropomorphic Form in Design,” In International conference on Designing pleasurable products and interfaces, Pittsburgh, PA, USA (23-26/6/

[12]- Hippocrates, Hippocrate: le serment; la loi; de l'art; du médecine; prorrhétiques; le prognostic; prénotions de Cos; des airs; des eaux et des lieux; épidémies; livres I et III; du régime dans les maladies aigues; aphorismes; fragments de plusieurs autres traités, )éd.( Charles V. Daremberg (Paris: Lefèvre, 1843), p. 1; Laura Rosella Schluderer, “Imitating the Cosmos: The Role of Microcosm–Macrocosm Relationships in the Hippocratic Treatise On Regimen,” Classical Quarterly, Vol. 68, No. 1 (2018), pp. 31–52; Roderick J. Lawrence, Anthony Capon, and José Siri, Lessons from Hippocrates for contemporary urban health challenges, Cities and Health, Vol. 1, No. 1 (2017), p. 72; Francesco Panese, Ville et environnementalisation de la santé: Brefs jalons d’une longue histoire, in Nicolas Senn et al, Santé et environnement: vers une approche globale (Chêne-Bourg: RMS éd., Médecine et Hygiène, 2022), pp. 71-72.

[13]- Marcus Vitruvius Pollio, Les dix livres d’architecture (Paris: Coignard, 1673), liv. 1, Ch.1, 2, accessed on 27/2/2023, at: http://surl.li/kzegn.

[14]- William Harvey. Exercitatio anatomica de motu cordis et sanguinis in animalibus (Francfort: Fitzeri, 1628), 88p, accessed on 27/2/2023, at: http://surl.li/kzerj.

[15]- Jane Jacobs, The Death and Life of Great American Cities (New York: Vintage Books, 1961), p. 242.

[16]- Kevin Lynch, A Theory of Good City Form (Cambridge, MA: MIT Press, 1981); Christopher Alexander, et al, A New Theory of Urban Design (New York: Oxford University Press, 1987).

[17]- Patrick Geddes, Cities in eVol.ution (London: Williams, 1915); Ebenezer Howard, Garden Cities of Tomorrow (London: Swann Sonnenschein, 1902); Jacobs, The Death and Life.

[18]- Le Corbusier, La ville Radieuse (Paris: Architecture d'Aujourd'hui, 1935), pp. 23-24.

[19]- Alberti, De re ædificatoria, 1481, liv. IX, Ch. 2 & 9, accessed on 8/3/2023, at: http://surl.li/kzetn.

[20]- Filarete, Trattato di Architettura (MilaNo.: Il Polifilo, 1972), p. 729

[21]- Françoise Choay, La Règle et le modèle, sur la théorie de l’architecture et de l’urbanisme (Paris: Seuil, 1996), p. 213.

[22]- F. Di Giorgio Martini, Trattato di architettura civile e militare (ToriNo : Chirio e Mina, 1841), pp. 16-18.

[23]- Vincenzo Scamozzi, Dell’idea della architettura universale… (Venezia: Albrizzi, 1714), p. 828.

[24]- Le Corbusier, Œuvre complète, Vol. 4 (Zurich: Les éditions d’Architecture, 1938-1946), pp. 170-171.

[25]- Michel Foucault, “Histoire de la médicalisation,” Hermès, La Revue, No. 2 (1988), pp. 11-29.

[26]- L. J. Duhl, and A. K Sanchez. Healthy cities and the city planning process- a background document on links between health and urban planning (Copenhagen: WHO Europe Expert Group on the Urban Environment, 1999), p. 6.

[27]- Michel Joubert, Souci de prévention et souci démocratique, la santé au cœur des changements urbains, Prévenir, No. 31 (1996), pp. 37-63.

[28]- Walter Isaacson, Leonardo da Vinci: The Biography (New York: Simon & Schuster, 2017), pp. 91-104.

[29]- Thomas More, Utopia. trans. P. Turner (New York: Viking Press, 1965), p.160.

[30]- Paulette Girard and Bruno Fayolle Lussac, Cités, cités-jardins (Talence: MSH Aquitaine, 1996), p. 262.

[31]- Sabine Barles, Les villes transformées par la santé, XVIIIe-XXe siècles,” Les Tribunes de la santé, Vol. 33, No. 4. (2011), pp. 31-37.

[32]- Edwin Chadwick, Report on the Sanitary Condition of the Labouring Population of Great Britain (London: House of Commons, 1842), pp. 369-372.

[33]- John Snow, On the Mode of Communication of Cholera (London: Churchill, 1855), pp. 1-38.

[34]- Charles Booth (ed.). Labour and Life of the People in London, Vol. 9 (London: Macmillan, 1889-1897).

[35]- Sabine Barles, La ville délétère. Médecins et ingénieurs dans l’espace urbain (18-19è siècle) (Champs Vallon: Seyssel, 1999), p. 23.

[36]- Foucault, “Histoire de la Médicalisation,” pp. 11-29.

[37]- Barles, La ville délétère, p. 114.

[38]- Georges Vigarello, Le propre et le sale. L’hygiène du corps depuis le Moyen-Âge (Paris: Seuil, 1987), p. 216.

[39]- استعمل تعبير الثورة الفرويدية في القسم الثاني من الكتاب الذي أشرف عليه ألبير ليفي. ورغم ما قد يُعاب على التعبير من مبالغة في تقييم أثر التحولات على التخطيط العمراني، فإنه مناسب لجلب الانتباه:

Albert Lévy (coord.), Ville, urbanisme et santé: les trois réVolutions (Paris: Mutualité française/éditions Pascal, 2012).

[40]- Georg Simmel, “The metropolis and mental life,” in Jan Lin and Christopher Mele, in The Urban Sociology Reader, 2nd ed. (New York: Routledge, 2013), pp. 23–31.

[41]- Adam Okulicz-Kozaryn, and Joan Maya Mazelis. “Urbanism and Happiness: A Test of Wirth’s Theory of Urban Life,” Urban Studies, Vol. 55, No. 2 (2016), pp. 349-364.

[42]- Yvonne Rydin, “Re-examining the role of kNo.wledge within planning theory,” Plan Theory, Vol. 6, No. 1 (2007), pp. 52–68.

[43]- Ildefonso Cerda, Teoria general de la urbanizacion (Madrid: Imprenta Espanola, 1867), pp. 16-17.

[44]- Le Corbusier, “Conditions de nature, urbanisme efficace et efficient,” séance inaugurale du cours international de prothèse (Paris: Faculté de médecine de Paris, juillet 1961), p. 9.

[45]- Le Corbusier, La ville Radieuse, p. 65.

[46]- Albert Lévy, “Urbanisme et médecine, une brève histoire des rapports,” in Albert Lévy (ed.), Ville, urbanisme et santé: les trois révolutions (Paris: Mutualité française/éditions Pascal, 2012), p. 78.

[47]- Jason Corburn, “Confronting the challenges in reconnecting urban planning and public health,” American Journal of Public Health, Vol. 94, No. 4 (2004), pp. 541-546.

[48]- Lévy, Urbanisme et médecine,” p. 79.

[49]- André Beauchamp, Environnement: bilan et prospectives, L’Action nationale, Vol. 80, No. 5 (mai 1990), pp. 633-653.

[50]- Andrew L. Dannenberg et al, “The impact of community design and land-use choices on public health: a scientific research agenda,” American Journal of Public Health, Vol. 93, No. 9 (2003), pp. 1500-1508; Howard Frumkin, “Healthy places: exploring the evidence,” American Journal of Public Health,Vol.93, No. 9 (2003), pp. 1451-1456; Laura E. Jackson, “The relationship of urban design to human health and condition,” Landscape and Urban Planning, Vol. 64, Issue.4 (2003), pp. 191-200; Richard J. Jackson, “The impact of the built environment on health: an emerging field,” American Journal of Public Health, Vol. 93, No. 9 (2003), pp. 1382-1384.

[51]- Duhl and Sanchez, Healthy Cities, 18-19; Ilona Kickbusch and David Gleicher, Governance for health in the 21st cent. (Copenhagen: WHO Europe, 2012).

[52]- استعمل التعبير أول مرة في عنوان دراسة ليانكاور في "مجلة علم الاجتماع الأمريكية" عام 1950:

Alfred Yankauer, “The relationship of fetal and infant mortality to residential segregation: an inquiry into social epidemiology,” American Sociological Review, Vol. 15, No. 5 (1950), pp. 644-648.

[53]- Trevor Hancock and Leonard J. Duhl, Promoting health in the urban context (WHO Healthy Cities Papers, N°.1) (Copenhagen: FADL, 1988), p. 33.

[54]- Rice, “After Covid-19”, p. 98.

[55]- Elena Dorato, Preventive Urbanism: The Role of Health in Designing Active Cities (Italy: Quodlibet Studio, 2020), pp. 123-142.

[56]- Melanie Lowe et al, “City planning policies to support health and sustainability: an international comparison of policy indicators for 25 cities,” Urban Design, Transport & Health Series, The Lancet Glob. Health, Vol. 10, No. 6 (2022), e882-894.

[57]- Marichela Sepe, Designing Healthy and Liveable Cities: Creating Sustainable Urban Regeneration (London: Routledge, 2022), 262p.

[58]- Commission Mondiale sur l'Environnement et le Développement de l'ONU. No.tre avenir à tous (United Nations:1987), pp. 49-50.

[59]- Claire ReVol., La rythmanalyse lefebvrienne des temps et espaces sociaux, Ébauche d’une pratique rythmanalytique aux visées esthétiques et éthiques,Rhuthmos, 23/10/2019, accessed 21/2/2023, at: https://rhuthmos.eu/spip.php?article1102.

ينطلق لوفيفر من مقاربة نقدية ماركسية ترى في المدينة انعكاسًا للعلاقات بين القوى في المجتمع الرأسمالي، حيث لا يجب فهم "تحليل الإيقاعات" من منظور طبي، إنما الأمر يتعلق بمقاربة مجازية.

[60]- Frumkin, “Healthy places,” pp. 1451-1456; Jackson, “The relationship of urban design,” pp. 191-200.

[61]- UN Department of Econosmic and Social Affairs, World urbanization prospects: The 2018 Revision of World Urbanization Prospects, 16/5/2018, accessed on 23/2/2023, at: http://surl.li/kzfbh; WHO, Urban Planning Crucial for Better Public Health in Cities, 21/5/2020, accessed on 23/2/2023, at: http://surl.li/kzfcx.

[62]- V.J. Lee et al, “Epidemiologic preparedness in urban settings: New challenges and opportunities,” The Lancet Infectious Diseases, Vol. 20, No. 5 (2020), pp. 527–529.

[63]- Serge Latouche, L’âge des limites (Paris: Mille Et Une Nuits, 2012), p.147.

تتمثل الحدود في التحول المناخي، وإنهاك الأراضي الزراعية، وتناقص الموارد المائية والسمكية، وتراجع الغابات والتنوع البيئي، وانتشار المواد الكيميائية المضرة، وتلوث الهواء والماء والتربة والمحيطات، والانفجار الديمغرافي العالمي.

[64]- Stanislas Regniault, Maladies chroniques, quelles conséquences pour l’entreprise? Les Échos, 9/12/2014, accessed on 24/2/2023, at: http://surl.li/kzfjx.

[65]- Commission Mondiale sur l'Environnement et le Développement de l'ONU, p. 22.

[66]- Panese, Ville et environnementalisation,” pp. 71-72.

[67]- H.L. Blum, Health Planning Methods: An International Perspective: Report of the 1978 Workshop. (US Dept. of Health Education and Welfare, 1979), pp. 15-17.

[68]- Hugh Barton, “A health map for urban planners,” Built Environment, Vol. 31, No. 4 (2005), pp.339-355; Hugh Barton and Marcus Grant, “A health map for the local human habitat,” JRSH, Vol. 126, No. 6 (2006), pp. 252–253.

[69]- Thomas Verbeek, “Reconnecting urban planning and public health: an exploration of a more adaptive approach,” Annual Congress: From control to co-evolution, Proceedings (Utrecht: January 2014), p. 5.

[70]- Albert Lévy, “Urbanisme et santé: de l’hygiénisme à l’écologisme, Revue Contretemps, 14/3/2020, accessed on 27/2/2023, at: http://surl.li/kzfmy.

[71]- Stephen Wheeler, “Planning sustainable and livable cities,” in The City Reader, ed. R.T. Legates, F. Stout (New York: Routledge, 2nd ed, 2000), p. 435.

[72]- Peter Katz, The New Urbanism: Toward an Architecture of Community (New York, McGraw-Hill, 1993), p. 245.

[73]- Congress for the New Urbanism, Les principes du No.uvel Urbanisme, accessed 23/2/2023, at: http://surl.li/kzfot; Wheeler, “Planning”, pp. 435–445.

[74]- Robert Steuteville, 25 Great Ideas of New Urbanism, pp. 34-39, 31/10/2017, accessed on 23/2/2023, at: http://surl.li/kzfta.

[75]- Congress for the New Urbanism, Les principes du No.uvel Urbanisme.

[76]- Hancock and Duhl, Promoting health, p. 29.

[77]- Conférence européenne sur les villes durables, Charte des villes européennes pour la durabilité (Aalborg, 1994), p. 2, accessed on 27/2/2023, at: http://surl.li/kzfqi.

[78]- Ecocity Builders, International Ecocity Standards (Oakland: Ecocity Builders, 2017), p. 48, accessed on 27/02/2023, at: http://surl.li/kzfuo.

[79]- Voisin-Bormuth, Des villes productrices, p. 26.

[80]- Lowe et al., “City planning policies”, e890.

[81]- Helen Pineo, “Towards healthy urbanism: inclusive, equitable and sustainable (THRIVES) – an urban design and planning framework from theory to praxis,” Cities & Health, Vol. 6, No. 5 (2022), pp. 974-992.

[82]- Sina Razzaghi-asla and Neda Zarei, “Urban Design, Medicine and the need for systematic and evidence-based procedures for urban designers,” Urban Design International, Vol. 19 (2014), pp.105–112.

[83]- Hancock and Duhl, Promoting health, p. 158.

[84]- Billie Giles-Corti et al, “Creating healthy and sustainable cities: what gets measured, gets done,” Lancet Global Health, Vol. 10, No. 6 (2022), pp. 782-785.

[85]- “Lancet Global Health Series on urban design, transport, and health”. The Lancet Vol. 388, No. 10062 (10-16/12/2016), pp. 2837-2958.

[86]- "تقرير تقييم القيم المتعددة للطبيعة وفوائدها"، برنامج الأمم المتحدة للبيئة، 11/7/2022، تم الاسترجاع في 15/2/2023 على الرابط: http://surl.li/kzfya.

[87]- Helen Pineo, Nici Zimmerman, and Michael Davies, “Integrating health into the complex urban planning policy and decision-making context: asystems thinking analysis,” Palgrave Commun, Vol. 6 (2020), accessed 23/1/2023, at: http://surl.li/kzhad.

[88]- Jacobs, The Death and Life, p. 5.

[89]- Razzaghi-asla and Zarei, “Urban Design,” p. 111.

[90]- Ibid.

[91]- Verbeek, “Reconnecting,” p. 1.

[92]- Hancock and Duhl, Promoting health, p.158.

[93]- Lowe et al, “City planning,” e889.

[94]- Verbeek, “Reconnecting”, p. 3.

[95]- Thiago Herick De Sa et al, “Urban design is key to healthy environments for all (Comment),” The Lancet Global Health Vol. 10, Issue. 6)2022), e786,787.

[96]- Roderick J. Lawrence, “Co-Benefits of Transdisciplinary Planning for Healthy Cities,” Urban Planning, Vol. 7, Issue. 4 (2022), p. 63.

[97]- Judith E. Innes and D.E. Booher, “Indicators for sustainable communities: a strategy building on complexity theory and distributed intelligence,” Plan Theory Pract, Vol. 1, No. 2 (2000), pp. 173–186.