تاريخ الاستلام: 31 مارس 2023

تاريخ التحكيم: 10 يونيو 2023

تاريخ القبول: 20 أغسطس 2023

مقالة بحثية

المنظور البيولوجي للظواهر السياسية وبراديغم السياسة الحيوية*

نبيل زكاوي

أستاذ الدراسات السياسية والدولية، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، فاس، المغرب

nabil.zegaoui@gmail.com

https://orcid.org/0000-0001-9464-3434

ملخص

تسعى هذه الدراسة لإثبات قيمة منظور علوم الحياة لدراسة جوانب السياسة وذلك من خلال تحديد الأسس البيولوجية للسلوك السياسي، وكشف إسهام براديغم السياسة الحيوية في الأطر التفسيرية للاحتياجات والاستجابات السياسية. وتبحث الدراسة في مدى إسهام بيولوجيا الجسد البشري في تفسير الفعل السياسي وتوجيه القرارات السياسية، وذلك من خلال فك التشابك الجوهري بين عوامل الطبيعة البشرية والعوامل البيئية في توليد السلوكات الاجتماعية والسياسية، وتقديم دلائل على دور المحددات البيولوجية في تشكيل الاتجاهات السياسية المهمة، ومؤشرات على بروز وتنامي القرارات ذات الطبيعية البيوسياسية. توظف الدراسة مقترب التعقد في النظر للفرد، والتكامل المعرفي بين علمي الحياة والسياسة في مقاربة جسد الفرد كموضوع للتحليل السياسي. وبحكم أن الموضوع غير مطروق على المستوى العربي، سيما أن له طابعًا تجريبيًّا، فقد تم الاستناد إلى أدبيات الدراسات الغربية الأنجلوسكسونية المتقدمة في هذا الإطار. وقد خلصت الورقة إلى أن السياسة كنظام حياة هي أكثر تركيـبـًا مـن أن ترد إلى عامل واحد أساسي (البيئة أو الطبيعة البشرية)، حيث السلوك السياسي هو محصلة أيضا للخصائص الفردية فضلًا عن الترتيبات المؤسسية، كما بينت أن نهج السياسة الحيوية المتأسِّس على الخلفيات البيولوجية للسياسة بقدر ما يكشف أن التقدم الاجتماعي يعتمد إلى حد كبير على اكتشاف الطبيعة البشرية وإدماجها في تخطيط السياسات، بقدر ما قد ينحرف إلى تقييد البشر داخليَّا من خلال حبك العلاقات السياسية بالطبيعة البشرية.

الكلمات المفتاحية: علوم الحياة، الطبيعة البشرية، السلوك السياسي، علم السياسة، التكامل المعرفي

للاقتباس: زكاوي، نبيل. «المنظور البيولوجي للظواهر السياسية وبراديغم السياسة الحيوية». مجلة تجسير لدراسات العلوم الإنسانية والاجتماعية البينية، المجلد السادس، العدد 1 (2024)، ص133-155. https://doi.org/10.29117/tis.2024.0164

© 2024، زكاوي، الجهة المرخص لها: مجلة تجسير ودار نشر جامعة قطر. نُشرت هذه المقالة البحثية وفقًا لشروط Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0). تسمح هذه الرخصة بالاستخدام غير التجاري، وينبغي نسبة العمل إلى صاحبه، مع بيان أي تعديلات عليه. كما تتيح حرية نسخ، وتوزيع، ونقل العمل بأي شكل من الأشكال، أو بأية وسيلة، ومزجه وتحويله والبناء عليه، طالما يُنسب العمل الأصلي إلى المؤلف. https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0


 

Submitted: 31 March 2023

Reviewed: 10 June 2023

Accepted: 20 August 2023

Research Article

The Biological Perspective of Political Phenomena and the Bio-Politics Paradigm*

Nabil Zegaoui

Professor of Political and International Studies, Faculty of Legal, Economic and Social Sciences, Sidi Mohamed Ben Abdallah University, Fez–Morocco

nabil.zegaoui@gmail.com

https://orcid.org/0000-0001-9464-3434

Abstract

The present study demonstrates the value of biological perspective in studying political aspects, by identifying the biological foundations of political behavior, and exploring the contribution of biopolitical paradigm to interpretive frameworks of political needs and responses. The study investigates the possible contribution of the human body biology in interpreting political action and directing political decisions. It untangles the fundamental interplay between human nature factors and environmental factors in generating social and political behaviors, it provides evidence for the role of biological determinants to shape important political attitudes, as well as indications of emergence and increasing biopolitical decisions. The study employs the complexity approach in looking at the individual, and cognitive integration between life and political sciences in approaching the individual s body as a subject for political analysis, and since this experimental topic has never been investigated in the Arab world, its findings are based on the literature of advanced Anglo-Saxon studies. The paper concludes that politics is more complex and cannot be attributed to a single fundamental factor (environment or human nature). Political behavior can be traced to individual as well as institutional traits. The biopolitical approach, grounded in the biological backgrounds of politics, reveals that social progress largely depends on understanding human nature and integrating it into policy planning. However, there is a risk that it may also internally constrain humans by entangling political relationships within human nature.

Keywords: Life sciences; Human nature; Political Behavior; Political Science; Cognitive Integration

 

Cite this article as: Zegaoui, Nabil. "The Biological Perspective of Political Phenomena and the Bio-Politics Paradigm." Tajseer Journal for Interdisciplinary Studies in Humanities and Social Science, Vol. 6, Issue1 (2024), pp. 133-155. https://doi.org/10.29117/tis.2024.0164 

© 2024, Zegaoui, licensee Tajseer Journal & QU Press. This article is published under the terms of the Creative Commons Attribution Non-Commercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0), which permits non-commercial use of the material, appropriate credit, and indication if changes in the material were made. You can copy and redistribute the material in any medium or format as well as remix, transform, and build upon the material, provided the original work is properly cited. https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0


 

مقدّمة

الإنسان جزء من عالم الطبيعة، ولذلك صارت الدراسات حول القضايا الإنسانية تستند إلى الأبحاث التي تعتبر العنصر البشري جزءًا من هذا العالم باعتباره كائنًا حيًّا. فالإقرار بالأسس الثقافية والبيئية لسلوك الإنسان لا ينفي أهمية العوامل الذاتية البيولوجية أيضًا، وعلى ذلك، فلفهم النمط السياسي من هذا السلوك بات ضروريًّا أن تُطبق المعرفة المتولدة عن دراسة الطبيعة البشرية، لا سيما علوم الحياة، باعتبار البيولوجيا لا تنظر إلى الإنسان ككائن حيّ فارغ أو جامد، بل هي ما يلامس حالته بشكل مباشر، بالتالي يتضح التداخل العميق بين طبيعته الحيوانية والسياسية.

وقد كان أرسطو منذ قرون عديدة كأول عالم سياسي، أول من أكد على "التفرد البيولوجي للسلوك السياسي البشري من خلال ملاحظته الشهيرة: "الإنسان بطبيعته حيوان سياسي، غير أن العلماء الذين جاءوا من بعده لم يستوعبوا رسالته"[1]، وربما لم يكن من السهل عليهم أن يسيروا على خطاه، وهو ما جعلهم يكتفون بدراسة تأثيرات البيئة الاجتماعية والمؤسسية والقانونية على المواقف والسلوكات السياسية، إلى حين تبلور براديغم السياسة المتأسسة على المعرفة البيولوجية.

في البدء، وفي سياق إدخال الوضعية إلى مجال الدراسات السياسية التي رأت في نجاحات مناهج العلم الطبيعي مناسبة لمحاكاة نظرته وتصوراته في العلم الاجتماعي، "سعت الحركة السلوكية بقوة إلى تحقيق هدف تحويل علم السياسة إلى حقل علمي يحذو حذو العلوم الطبيعية"[2]، وذلك بالانتصار للعلم على حساب الإيديولوجيا وللموضوعية على حساب التحيز في وقت كانت الدراسات السياسية تتأثر بتوجهات الباحثين، إذ "لا يمكن أن يتباين هذا التفسير العلمي الموضوعي باختلاف الباحثين، وتوجهاتهم، وتحيزاتهم. ولا تثار مثل هذه التساؤلات في العلوم الطبيعية، حيث لا توجد توجهات وتحيزات أيديولوجية"[3].

كما استفاد علم السياسة من الانفتاح على التحليل الوظيفي البنائي الذي نسج على منوال العلم الطبيعي البيولوجي من خلال استخدام "مبدأ المشابهة العضوية للمقارنة بين عمل المجتمع بما يناظره في الكائنات العضوية"[4]، والاستفادة من مفهوماته كالمورفولوجيا -البناء- والفيسيولوجيا-الوظائف-. فعلم البيولوجيا يؤكد أن الكائن العضوي الحي يتكون من أجزاء أو تراكيب بنيوية ذات وظائف محددة تساعد على بقاء وتوازن هذا الكائن. وفضلا عن ذلك، فالنموذج الوظيفي البنائي "يركز على دوافع الفاعل-الإنسان-في الموقف. وهو يعد نموذجًا ذاتيًا؛ إذ يـفـهـم الـسـلـوك فـي نطاق معناه الذاتي عند الفاعل"[5].

وهكذا، فعلى عكس علم السياسة ما قبل السلوكي، الذي شدَّد على الوصف السياسي وتعامل مع الدوافع بشكل تخميني فحسب. تحاول السلوكية السياسية تحليل السببية[6]؛ إذ في الوقت الذي ركز فيه العمل التقليدي في العلوم السياسية على السمات المؤسسية في مقاربة السلوك السياسي البشري، ذهبت السلوكية إلى أن "المؤسسات السياسية لا تعمل بشكل آلي، ولكن من خلال أشخاص، هؤلاء الأشخاص هم من يحركون السياسة، ويبقون محور تفاعلاتها، ومن ثم فدراسة السلوك الإنساني لا يقلّ أهمية عن دراسة قواعد وإجراءات المؤسسات ووظائفها"[7].

ففي سياق الثورة السلوكية، تزايد الاهتمام بدراسة السلوك البشري بدل دراسة المؤسسات والقوانين الجامدة، وظهرت أهمية الفرد/الفاعل في النظرية السياسية. وبعدما كان يتم تجاهل الأسس المادية للنشاط السياسي، أخذ علماء السياسة يفصلون بين الجسم الاجتماعي والجسم المادي، وباعتبار الأخير يندرج في نطاق علوم الحياة، فقد تعزز الاتجاه البيني في الدراسات السياسية، بأن فتح المجال لاستخدام علوم البيولوجيا في فهم أكثر عمقًا للظواهر السياسية، بل إنه سمح بتطوير بعض النظريات في علم السياسة كما بالنسبة لنظرية الاختيار العقلاني. صحيح أن هذه الأخيرة أسهمت بدورها في لفت الانتباه إلى أهمية الفرد في الفعل السياسي على أساس أن صنع القرار هو فعل عقلاني ذاتي، غير أنها لم تكن تهتم بمصدر التفضيلات الشخصية أو بفهم سلوك الاختيار، فظلت لديها الخيارات العقلانية صامتة، إلى أن جاء إسهام النموذج التطوري الذي حاول تفسير الاختلافات في السلوك بالوقوف على أصل الاختيارات، وبيّن أن تلك العقلانية موجودة على مستوى بيولوجي إلى جانب مستوى معرفي. وبهذا صار من الممكن "استخدام علم الأحياء للمساعدة في سد الثغرات الموجودة داخل الصندوق الأسود للتفضيلات الفردية"[8].

كما أسهمت نظرية التعقد، الوافد الجديد على حقل العلوم السياسية بعد نقل تطبيقها من العلوم الطبيعية إلى العلوم الاجتماعية، في تحدي النهج الاختزالي لتفسير السلوك الإنساني، وبالتالي تقديم فهم شامل للأنظمة المعقدة، بما في ذلك عملية السياسة، عبر "تحويل التحليل من الأجزاء الفردية للنظام إلى النظام ككل؛ كشبكة من العناصر التي تتفاعل وتتحد لإنتاج سلوك منهجي لا يمكن تقسيمه فقط إلى أفعال الأجزاء المكونة له"[9]؛ نظرًا لتعقد الفعل السياسي باعتباره مزيجًا من المصالح والمشاعر والسلطة والقيم والرغبة والخوف، وبالنظر لكون الإنسان/الفاعل هو النظام الأكثر تعقيدًا في الكون من حيث تكونه من جزء فيسيولوجي وآخر نفسي، فقد كان ذلك مما دفع أيضًا إلى انفتاح الدراسات السياسية على التكامل المعرفي بين علمي السياسة والبيولوجيا.

وهكذا في ظل ازدهار علم الأحياء، لم يعد مقبولًا أن يشتغل علم الحياة وعلم السياسة بمعزل عن بعضهما بعض، وهو ما قاد في المحصلة إلى تبلور منظور السياسة الحيوية، وذلك من منطلق أن هناك أساسًا بيولوجيًا للأفكار والأفعال، ينطبق على سلوكيات الفاعلين في عمليات السياسة العامة تمامًا كما تفعل في الظروف الاجتماعية الأخرى.

في ضوء كل ذلك، تهدف هذه الدراسة لإثبات قيمة منظور علوم الحياة لدراسة جوانب السياسة، من خلال استكشاف مواضيع سياسية بإسهام علم البيولوجيا، كما تسعى لإعادة الاعتبار لموقع الجسم البشري في السياسة من خلال تسليط الضوء على موقع الجزء المادي للفرد من قلب الفعل السياسي؛ لأنّ وجود الفاعل السياسي هو في نهاية المطاف وجود جسدي، والسياسة نفسها هي صنيعة عقل لا ينقطع عن الجسد.

وتنشغل الدراسة بأحد أهم مباحث العلاقة بين النظام الطبيعي والنظام الاجتماعي إبستمولوجيًّا وعمليًّا. ويتعلق الأمر من الناحية الأولى ببحث مدى إمكانية استناد الدراسات السياسية إلى المعرفة حول بيولوجيا الطبيعة البشرية، ومن الناحية الأخرى ببحث مدى تأثير السمات البيولوجية على السلوك السياسي، ومنه إمكانية التوجيه البيولوجي للسياسات. وفي ذلك تكثف الإجابة عن جملة الأسئلة الآتية: كيف تتدخل علوم الحياة في فهم السلوك السياسي؟ وما الأسس البيولوجية للحياة السياسية؟ ثم ما أبرز القضايا السياسية التي تم توجيه الاهتمام فيها نحو علوم الحياة؟، وما مدى إسهام نهج السياسة الحيوية في الأطر التفسيرية للاحتياجات والاستجابات السياسية؟

وعليه، فمن حيث تقسيم البحث، يفرض علينا اختيار الجسد البشري كموضوع للتحليل السياسي، الانطلاق من الطبيعة البشرية كخاصية برمجية أي بوصفها مجموع السلوكيات والخصائص الناتجة عن العوامل الباطنية الكامنة في الإنسان، ففي محور أول سيُفَكّ التشابك الجوهري بين العوامل الباطنية والعوامل البيئية في توليد المواقف والسلوكيات الاجتماعية والسياسية لدى الإنسان، بعدها في محور ثانٍ سيتضح كيف يمكن للعوامل البيولوجية أن تساعد في تشكيل وتوجيه السلوكيات السياسية المهمة، وفي ضوء ذلك في محور أخير ستقدم بعض عناصر النموذج السياسي الحيوي.

أولًا: جدل الطبيعي والبيئي في فهم السلوك البشري

تدور معظم المعارف والعلوم حول الطبيعة البشرية، كما تعد هذه الأخيرة عاملًا مهمًّا في جميع الظواهر الإنسانية والاجتماعية. فقد تميزت الفلسفة السياسية منذ القدم بالاحتكام للطبيعة البشرية، وهكذا شغلت حيزًا مهمًا في تأملات الفلاسفة الإغريق، غير أنهم نظروا إليها من منظور الفضائل الأخلاقية والقدرات السياسية للإنسان وحسب؛ فأرسطو مثلًا جادل بأن وضع الناس في المجتمع هو انعكاس لطبيعتهم الفطرية، فاعتبر المرأة غير قادرة بشكل طبيعي على المشاركة في الحياة السياسية، وبرَّر عدم المساواة في التداول على الحكم بالاختلافات الطبيعية بين الجنسين. و"تفسير أرسطو حول هذه النقطة هو أنه نظرًا لأن الرجال أكثر قدرة على القيادة، ويتفوقون بشكل طبيعي على النساء، يجب أن يتخذوا دائمًا موقف الحكم على النساء، ويجب ألا يتبادلوا الحكم مع النساء كما هو مميز في الحكم السياسي على هذا النحو"[10]. كما أنه عبر تاريخ الفكر السياسي، كان الرأي الأكثر شيوعًا عن الطبيعة البشرية هو شرانيتها في مقابل خيريتها، ويكفي أن نشير على سبيل الذكر إلى نظرة طوماس هوبز (Thomas Hobbes) التشاؤمية للطبيعة البشرية، حيث إن هدف النظام الاجتمـاعـي بالنسبة له هـو تنظيم هذه الطبيعة، وذلك على خلاف وجهة نظر جون لوك التي افترضت الطبيعة الخيرة في الإنسان.

عمومًا، فعلى الرغم من أن الإنسان الحديث قد حقق بالفعل مسارات كبيرة ونجاحات رائعة في العلوم الطبيعية، إلا أن الاعتراف بالطبيعة البشرية أمر سطحي... وفي مجال العلوم الاجتماعية الإنسانية، لا تجذب الطبيعة البشرية الانتباه الكافي الآن. فتاريخيًّا، تقريبًا لا يوجد مفكر أو مُنَظّر مشهور يأخذ الطبيعة البشرية كمشروع مستقلّ ومهم في البحث. والمفكرون والمنظرون الذين يتعمقون في جوهر وقوانين المجتمع البشري لا يشكلون فرعًا خاصًا وناضجًا للطبيعة البشرية. ففي محيط المعرفة، لا يوجد نظام نظري مقبول على نطاق واسع ومؤثر فيما يتعلق بالطبيعة البشرية. ويبقى أهم بحث خاص عن الطبيعة البشرية هو ذلك الذي يجمع فيه ديفيد هيوم (David Hume) بين الطبيعة البشرية والأخلاق معًا[11].

صحيح أن دراسة الطبيعة البشرية من قبل علماء النفس قد تقدمت بشكل هائل منذ اكتشاف التطور البشري، لكنها تقدمت دون التأثير أو التأثر بدراسة السياسة. فكتب علم النفس الحديثة مصورة بحقائق لا حصر لها من المنزل والمدرسة والمستشفى والمختبر النفسي، لكن السياسة فيها نادرًا ما تُذكر[12]. في مقابل ذلك، وعلى غرار العلوم الأخرى التي تدرس سلوك الإنسان، لم يكن يجري التمييز بين دراسة الفعل ودراسة الفاعل، فظل علم السياسة ما قبل السلوكي يحلل المؤسسات ويتجنّب تحليل الإنسان/الفاعل السياسي؛ "إذ كانت النظريات التي تدرس الظواهر السياسية تتعامل مع الأخيرة باعتبارها ظواهر مصمتة وجافة، فانتشرت الاقترابات المؤسسية والقانونية والدستورية للتعامل مع هذه الظواهر، من خلال اللوائح والقوانين والدساتير، بينما لم يتم الالتفات كثيرًا للعنصر البشري، أو الأبعاد الثقافية والمجتمعية للظاهرة"[13]، إلى أن بزغ تيار علم السياسة السلوكي في النصف الثاني من القرن العشرين، حيث طُرحت العديد من الأفكار والنظريات في مجال علم النفس السياسي، وكان من أبرزها أعمال هارولد لاسويل (Harold Lasswell) التي قدمت حينئذ نظرة جديدة لدراسة السلوك السياسي من خلال التركيز على العوامل النفسية والاجتماعية التي تؤثر فيه، والمزج على وجه التحديد بين دوافع النشاط السياسي والشخصية.

وفي ظل ازدهار علم النفس التطوري الذي حلّ محلّ مفاهيم الطبيعة البشرية، اهتم فرانسيس غالتون (Francis Galton) بكيفية تطبيق نظرية ابن عمه تشارلز داروين (Charles Darwin) في الانتقاء الطبيعي على الجماعات البشرية محاولًا إخضاع الإنسان لعمليات التطور التكيفي التي تحكم جميع الكائنات الحية، فقدم أطروحة الطبيعة مقابل التنشئة، أي كمنافس لها، ليس من أجل فهم أصل السمات البشرية فحسب، ولكن من أجل التوصل بناء على ذلك إلى برنامج التدخل الكفيل بتحسينها. فانطلق من كون أن الطبيعة مسؤولة أكثر من التنشئة عندما يتعلق الأمر بسمات الإنسان، ومن ذلك استنتاجه الأصل الوراثي للعبقرية، ليدعو إلى التشكيل النشط للمجموعات البشرية بالزيادة من الصفات المواتية، أي تحسين الصفات الفطرية للعرق، وهو ما أشار إليه لاحقًا باسم تحسين النسل الذي عنى لديه الولادة الصالحة. وهكذا فاعتقاد غالتون "بأن الجهود المبذولة لزيادة الصفات الإيجابية وتقليل الصفات غير المواتية يجب أن توجه إلى الطبيعة بدلاً من التنشئة"[14] شكل بداية توفير البيولوجيا التطورية مقاربة علمية للأصول الطبيعية للسلوك الاجتماعي.

وضمن نفس السياق، حاول عالم الاجتماع الإيطالي سيزار لمبروزو (Cesare Lombroso) تفسير السلوك الإجرامي بعوامل بيولوجية تستند إلى فيزيولوجيا الطبيعة البشرية، على أساس عدم فصل تصنيف الجرائم عن دراسة المجرم. حيث "اعتقد في السبعينيات من القرن التاسع عشر أنه يمكن تمييز النماذج الإجرامية بخصائص تشريحية معينة مثل حجم الجمجمة والفكين والجبهة وطول الذراع. وأقرّ بأنّ التعلم الاجتماعي قد يؤثر في نمو نزعات وأنماط السلوك الإجرامي"[15].

وهكذا، فمع هذه الأدبيات وغيرها، التي عكست مسار تبلور علم الأحياء الاجتماعي، انطلق الجدل حول ما إذا كانت الطبيعة أو التنشئة أكثر أهمية في تحديد السلوك البشري، حيث ظل مناصروه "ينظرون إلى البشر على أنهم آليون تتحكم الجينات في كل أفعالهم بغض النظر عن الخيارات التي تقدمها البيئة"[16].

غير أن استخدام الطبيعة البشرية كمفهوم توضيحي عام وثابت في العلوم الاجتماعية، والقول بأن الحتمية البيولوجية من خلال الإرث الجيني هي التي تجعل البشر على ما هم عليه، قد واجه انتقادات كثيرة، فالفيلسوف الألماني كارل بوبر (Karl Popper) اعتبر أنَّ هذا المفهوم "له قيمة مشكوك فيها بسبب التنوع الهائل للأشكال التي يبدو أنها تتخذها في المجتمع. ويعتقد أن المؤرخين وعلماء الاجتماع يجب أن يركزوا الانتباه على كيفية قيام المؤسسات الاجتماعية بتشكيل الطبيعة البشرية بدلًا من البحث عن أي مجموعة أساسية من السمات البشرية "[17]. كما اتّبع علماء الاجتماع إميل دوركهايم (Émile Durkheim) في رفض التفسيرات الاختزالية للسلوك الاجتماعي؛ حيث يمكن للحقائق الاجتماعية وحدها أن تفسر الحقائق الاجتماعية الأخرى، ولا يمكن أن يكون للطبيعة البشرية أي قوة تفسيرية لدى علماء الاجتماع[18]. فيما اعتقد نقاد آخرون أن النظريات القائمة على الاختلافات الطبيعية كثيرًا ما تعتمد على البيانات التي تتوفر عن السلوك الحيواني لا على البيانات الأنثروبولوجية أو التاريخية عن السلوك الإنساني، وهي البيانات التي تظهر التنوع والتباين عبر الزمان والمكان[19]. ولا يزال آخرون ينظرون إلى البشر على أنهم صفحة بيضاء، أو لوحة بيضاء، مكتوبة بالتجربة[20]، والخبرة، وليس بالفطرة والغريزة. وذلك على أساس أن البيولوجيا تتوقف عند الميلاد لتحلّ الثقافة محلها بعد ذلك. وهذه الدعوى النقيضة التي تنكر مفعول البيولوجيا وتعترف بالتكـويـن الاجـتـمـاعـي فـحـسـب، هي الأخرى نوع من حتمية ثقافية مرفوضة.

ومع ذلك، في معظم القرن الماضي، كان التأكيد على البيئة (التنشئة) على حساب الطبيعة كمفتاح لفهم كيف يتصرف البشر ويفكرون...فردًّا على أهوال الحرب في القرن العشرين، أصبح من المبدأ بالنسبة للعديد من علماء الأنثروبولوجيا الإصرار على أن ما يسمى بالمجتمعات البدائية كانت أقلّ عنفًا واضطرابًا من المجتمعات الصناعية؛ إذ في مثل هذه المجتمعات تكون الحرب شأنًا رمزيًا إلى حد كبير. لذلك يجب أن يُنظر إلى العنف على أنه سلوك مكتسب[21]، يُتَعَلّم. بينما الطبيعة البشرية ثابتة لا تتغير بالتعلم أو الحضارة. ولذلك فما يسبب الاختلاف في النتائج الجماعية على مرّ الزمان والمكان هو التباين في الحكومة؛ إذ تنتج المؤسسات السياسية المُصمَّمة بشكل عقلاني نتائج جماعية مواتية بشكل أفضل من خلال توجيه المساعي الفردية للسلطة إلى أنشطة متبادلة المنفعة بدلًا من أنشطة مدمرة للطرفين. لذلك، فإن الأفراد الذين يعيشون في ظل مؤسسات مبنية بعقلانية هم أكثر عرضة للبقاء على قيد الحياة والازدهار، وللتمتع بالسلام والحرية، ولتجنب الحرب والقمع والفقر[22].

 ثم هناك فريق من العلماء يرى أن "الطبيعة في حالة حرب مستمرة مع التنشئة من أجل السيطرة على الفرد، مما يعطي عبارة الطبيعة مقابل التنشئة معنى جديدًا تمامًا"[23]. وفي هذا الإطار نجد بأن نظرية الواقعية السياسية متجذرة في افتراضات محددة حول العلاقة بين الطبيعة البشرية كبيولوجيا والبيئة كممارسات سياسية ومؤسساتية، وذلك على أساس أن هذه الطبيعة ثابتة لا يمكن للتنشئة أن تعدلها، وأنها هي التي تؤثر على التنشئة وتحدد بالتالي ثقافة المجتمع ومؤسساته. في مقابل ذلك، وعلى خلفية الخصائص الخطيرة أو الشريرة للطبيعة البشرية، يذهب البعض إلى وجوب، "أن تخضع هذه الطبيعة للسيطرة الأخلاقية الثقافية. فالبشر هم أنفسهم خليط من الطبيعة والثقافة، ولكن هويتهم الثقافية هي التي تجعل منهم بشرًا. ويروّض السلوك الأخلاقي الحيوان المختفي تحت الجلد. وتحسن الطبيعة وتمنح أخلاقًا بتطبيق القانون والعقل"[24].

عمومًا، قد يكون صحيحًا أن الطبيعة البشرية تغطي دورة السلوك البشري بأكملها، غير أن النظريات التي تفيد بأن الأفراد ينصاعون لنزوعاتهم الفطرية تتجاهل الدور المحوري الذي يقوم به التفاعل الاجتماعي في تشكيل سلوك الإنسان. ولذلك يبقى المنظور الموضوعي لمقاربة العلاقة بين الطبيعة البشرية البيولوجية وبيئة التنشئة هو مقترب التفاعل الذي يقدم فهمًا متكاملًا للعلاقة بين ما هو بيولوجي وما هو اجتماعي. وفي هذا الإطار اقترح كراوفورد (Crawford) إعادة صياغة هذه الثنائية، وذلك بناء على افتراضات أهم ما جاء فيها هو الآتي:

1-     لا يوجد انقسام حاد بين الطبيعة والتنشئة على المستوى البيولوجي والاجتماعي؛ إذ تعتبر البيولوجيا والمؤسسات الاجتماعية ذات أسس مشتركة. علاوة على ذلك، يجب النظر إلى حجج الحتمية الجينية البسيطة بشك، حيث يتأثر التعبير عن أي جين واحد بكل من الجينات الأخرى التي نرثها، والبيئة اللاجينية التي يتمّ فيها التعبير عن الجينات. ففي الواقع، إن العلاقة بين الطبيعة والتنشئة متشابكة للغاية على المستوى البيولوجي/البيئي بحيث لا يمكن تمييزها تقريبًا، فنادرًا ما تحدد الجينات المفردة مصيرنا.

2-     البشر (والحيوانات الأخرى) متنوعون وقابلون لإعادة النظر على المستوى البيولوجي: يمكن للتجارب أن تعيد كتابة بيولوجيا أدمغتنا الفردية وتقوم فعليًّا بذلك[25].

ذلك أن البيئة تستجيب للتصرفات البيولوجية، وهذه الأخيرة تتطور استجابةً لمدخلات الأولى؛ حيث "البيئة والميول الذاتية القائمة على أساس بيولوجي قد ترقص مع بعضها البعض عبر التطور لتؤدي، في بعض الحالات، إلى تعويض نقاط ضعف بعضها البعض، وفي حالات أخرى، لتقوية تأثيرات بعضها البعض. وتصبح قصة البيئة الجينية أكثر تعقيدًا إلى حدٍّ كبير عندما نفكر في احتمال أن الجنس البشري قد تطور بيولوجيًا ليكون مستجيبًا بشكل خاص للاختلافات في البيئة التي يمرّ بها المرء"[26].

فالتفاعل بين الطبيعة البشرية والبيئة يشير "إلى أن التأثيرات البيئية تحدث ضمن سياقات بيولوجية محددة، وأن التأثيرات الجينية تعتمد على الظروف البيئية. فمظاهر التأثيرات الحقيقية للتفاعل بين الجينات والبيئة تجعل النقاش حول الأهمية النسبية للجينات مقابل البيئة موضع نقاش: فكلا العاملين مهم بلا شك في فهم كيفية تطور السلوك[27]. فالبيولوجيا هي إطار للتمكين؛ حيث تضع الطبيعة البشرية الثوابت لسلوك الانسان، فيظلّ عاجزًا عن التحرر من الحدود التي تقدرها بيولوجيته. وفي المقابل، البيئة هي إطار للتكيف، حيث التنشئة هي نوع من البرمجة الثقافية يتشرب فيها الفرد ما يقع عليه من مؤثرات، وتصل الأجيال بعضها ببعض ويتمخض عنها تشكيل وإعادة تشكيل التفاعلات التي تسهم في تعليم الفرد منظومات القيم والمعايير والمعتقدات وغيرها.

وبدورها، لم تكن العلوم السياسية على هامش مناظرات الطبيعة/التنشئة، فقد "حلت حقائق العملية السياسية منذ فترة طويلة محل الهيكل القانوني الرسمي للمؤسسات السياسية كموضوع رئيس للدراسة في العلوم السياسية"[28]. فلم يعد ممكنًا فهم المجتمعات البشرية -وخاصة أنظمتها السياسية- بشكل كامل دون الرجوع إلى الوظائف البيولوجية التي تؤديها[29]. إذ كرد فعل على علماء السياسة التقليديين الذين ظلوا يعتبرون أنَّ القوى البيئية هي التي تشكل المواقف والسلوكيات السياسية، أخذت هذه الأخيرة تخضع للتحقيق التجريبي باستعمال التقنيات النفسية الفيزيولوجية. وفي هذا السياق، أظهر علم النفس المعرفي المعاصر آثارًا مهمة على أبحاث العلوم السياسية، فعلى سبيل المثال: "كان الموضوع الرئيس للطبيعة البشرية في السياسة لدى جراهام والاس (Graham Wallace) هو التفاعل بين المكونات العقلانية وغير العقلانية للسلوك البشري"[30]؛ فنظرا لأنّ الجهاز العصبي المركزي للإنسان يجعل من الممكن تكاملًا معقدًا للغاية للمعلومات الجينية والثقافية والمكتسبة بشكل فردي، فإنه يوجد الجمع بين الحالات الفيزيولوجية والرموز المحددة ثقافيًا والخصوصيات الشخصية في جميع الإجراءات التي نسميها سياسية[31].

ثانيًا: الاستكشاف البيولوجي للسلوك السياسي

صحيح أن عمليات السياسة تتضمن مؤسسات وقواعد، ولكن مع ذلك لا يمكن تجريد هذه العمليات من الأفراد المشاركين فيها بما في ذلك أفعالهم؛ لأن الركون إلى محدداتها البيئية وحسب، سيكون حاله حال مذيع رياضي يقدم لمستمعيه وصفًا تفصيليًّا للملعب بدلًا من إخبارهم بما يفعله اللاعبون. ولذلك فبقدر ما تفرض الخصائص البيولوجية قيودًا على سلوك الأفراد، بقدر ما يكون لذلك آثار على الحياة السياسية، حيث يشكل مجموع الأفراد جزءًا من البيئة الكلية للنظام السياسي.

وفي هذا الإطار، يستكشف النهج السلوكي الحيوي،...، الاحتياجات البيولوجية الأساسية للبشر الذين يتصرفون سياسيًا، ويربط تلك الاحتياجات بالعمليات النفسية الفيزيولوجية التي تتوسط في إثارة شهية السلوكيات وتفاعلها مع البيئة الطبيعية (وكذلك الاجتماعية)، بالإضافة إلى ردود الفعل من البيئة على العمليات النفسية الفيزيولوجية التي تعتبر توازناتها الذاتية والمتجانسة ضرورية لحياة الكائن (بما في ذلك الحياة السياسية)[32].

وبحكم طبيعته المعقدة، فإن تفسير السلوك السياسي يتطلب فهما متزامنا لكل من المؤثرات البيولوجية والبيئية، ويعدّ منظور التفاعل بين الوراثة والتنشئة أمرًا بالغ الأهمية لدراسة السوابق الجينية للسلوك السياسي؛ لأنّ الصفات الوراثية المخزنة في جيناتنا تؤثر في ما يكتسّب من سلوكيات، وبدورها فالعوامل البيئية وهي تبحث هذه السلوكيات، قد تُعدِّل من التأثيرات الجينية المقدرة، ومع ذلك تظل هذه التأثيرات قوية على السلوك السياسي، فلا يمكن فهم هذا الأخير إلا من منظور الميول، التي هي إرث من الماضي التطوري والتراث الجيني للجنس البشري.

ومع أن التقسيم الاصطلاحي للسلوك بين فطري (التركيب الوراثي) ومكتسب (الشكل الظاهري) قد يطرح احتمال التعارض بينهما، إلا أن "ماير (Mayr) -قد حل- هذه المشكلة بنسبة السلوك إلى مفهوم البرنامج الوراثي، وهو المفهوم الذي اشتق من علم الحياة الجزيئي ونظرية المعلومات. وتبعًا لذلك، فالسلوكيات المبنية على برنامج وراثي لا يسمح بقدر يمكن إدراكه من التحورات خلال عملية الترجمة إلى شكل ظاهري تسمى بالبرامج المغلقة. وهناك برامج وراثية أخرى يتم تحويرها خلال ترجمتها إلى شكل ظاهري بواسطة ما يتزود به الفرد من خبرات تقع خلال حياته. هذه البرامج تتضمن بين مكوناتها جزءًا مكتسبًا ويشار إليها بالبرامج المفتوحة"[33].

فالبيولوجيا وَضعت في قلب التنظيم الخلوي فكرتي البرنامج والمعلومة اللتين لهما بُعد معرفي. والواقع أن هناك برنامجًا معلوماتيًّا، حسب التعبير البيولوجي الشائع اليوم، منقوشًا في البنية الجزيئية للأدن ADN: البرنامج الوراثي. والحال أن مصطلحي المعلومة والبرنامج قد انتقلا من الآلة الاصطناعية أي الحاسوب ليقتحما الآلة الحيّة[34]. فجسد الحيوان/الآلة أو الحيوالة مصنوع من الأنابیب والأسطوانات والصمامات والمكابس التي تنتج الضغط وتحرره، وبالتالي تنتج الحركات والأفعال تبعا لبرمجة وأتمتة محددة؛ حيث البرنامج الجيني المغلق أو النمط الوراثي الذي يُصّوَّر في الحمض النووي يشكل الطابع المبرمج في سمات السلوك البشري، في حين أن البرنامج المفتوح أو النمط الظاهري يتضمن معلومات إضافية يتم الحصول عليها من خلال الخبرات الثقافية والتعليمية ويكون إدماجها في السلوك البشري.

هكذا، وفي ظل اكتساب النظريات البيولوجية دلالات سياسية، يمكن أن يُفهم السلوك السياسي كظاهرة وراثية أيضًا، فإلى جانب دراسة المؤسسات التي تساعد على فهم كيفية تقييد سلوك الهيئات السياسية. تَعِد دراسة الجينات بفهم أفضل للقيود البيولوجية المفروضة على الفاعل السياسي، إذ تُدرَك الجينات كمؤسسات جسم الإنسان تنظم العمليات العصبية التي تدفع السلوك السوسيوسياسي، وبالتالي تقدير وظيفتهم في فهم سيرورة التفاعلات الاجتماعية والسياسية المعقدة التي تميز الجنس البشري.

ويُعدّ العنف أحد السلوكيات الاجتماعية التي حظيت ببحث القابلية للتوريث الجيني، وهو السلوك الذي يمكن أن يكون له معنى سياسي يتجسد في عدوانية الشعوب ضد أنظمة الحكم أي الثورة، أو عدوانية دولة ضد أخرى أي الحرب، على اعتبار أن العدوان السياسي المنظم ما هو إلا المظهر الجـمـاعـي لمـشـاعـر عدوانية الأفراد. وقد كانت أولى الدراسات في هذا الإطار هي تلك التي خلصت إلى تأكيد فرضية الاستعداد الجيني للعنف، والتي "أجريت على توائم الزيجوت الواحد الذين ربوا منفصلين ((Monozygotic Twins، أو الأقارب الذين ربوا معًا. وأعطت جميعها تلازمًا بين الجينات والسلوك الإجرامي...(ومنها) دراسة قارنت توائم زيجوت واحد نشأوا في أسر مجرمين وآخرين نشأوا في أسر غير مجرمين، بأخوة غير أقارب نشأوا في أسر مجرمين وأسر غير مجرمين، ولقد اتّضح من النتائج أن إجرامية الوالد البيولوجي تعطي تنبؤًا أقوى بالسلوك الإجرامي للطفل، مقارنة بإجرامية الأب بالتبني، مما يقترح نوعًا من النقل الوراثي للنزعة الإجرامية"[35].

وقد عمل العلماء على تحديد جينات كانت مُتغيِّراتها مُنتقاة وتشارك في تنظيم السلوك. فبعضها يشارك في التحكم بالعدوانية، مثل المُتغيِّر الذي ينظم أنزيم الأوكسيداز maoa، الذي يستخدم لتنظيم إنتاج الإشارات الكيميائية في الدماغ؛ التي تطلق فرط النشاط، والاستجابة للضغط والعدوان. وثمة مُتغير للجين maoa يرتبط بصعوبة التحكم في الاستجابة الفردية في مواجهة وضع مُجهِد، ويُعزز سلوكًا عدوانيًّا غير متكيّف في بعض الأحيان[36]. ثم هنــاك جينات أخرى لها دور أيضًا في التأثير بالســلوكيات العدوانية والعنف وغيرها من السلوكيات القريبة كالقســوة والتوتر...ومع ذلك فالجين المشار إليه الذي كان الأول من نوعه في الكشف عن علاقة المورثات بالعنف، هو الذي نال الاهتمام الأكبر من حيث المتابعة العلمية، حتى أنه عرف بــ"جين العنف" أو "الجين المحارب".

عمومًا يمكن الاستنتاج من دراسة علاقة الجينات بالعنف إلى وجود أربعة أصناف من الجينات، وهي:

1-     جينات ولادية تســبب العنف من دون أي تأثيــر؛ لأنها جاءت مع الفرد ولاديــًّا وتحمــل تغيرًا أو طفرات لســبب ما، أو أنها قد نشــطت أثنــاء تكوين الجنين لأسباب غير معروفة في الوقت الحاضر. والأفراد الحاملون لتلك الجينات يولدون ومعهم العنف والعدوان كأي سلوك آخر، ويجب الحذر منهم والتعامل معهم بعناية.

2-     الجينات الغالبة المرتبطة بالعنف هي تلك التي تنشط عند تدخل عامل البيئة لتتحــول إلى جينات عنف، وهنا تعمل تلك الجينــات مثل الألغام تنفجر حال الضغط عليها.

3-     جينــات الأدوية؛ حيث إن بعض الأدوية التي تعطى لمعالجة الكآبة تؤدي دورًا مهمًا في اســتفزاز جينات العنف، مما تؤدي إلــى القتل أحيانًا، وهذا يضيف ثقلًا لدور الجينات في العنف.

4-     جينات ليس لها علاقة بالعنف تؤثر على جينات العنف وتنشطها، مما تسبب العنف رغم أن الجينات الأولى مسالمة[37].

وليس السلوك العنيف والعدواني وحده الذي يأتي من عوامــل وراثيــة، وإنما هناك سمات سياسية أخرى يمكن أن تكون ناتجة عن برنامج تحمله الجينات، مثل الإيديولوجيات السياسية؛ إذ تشير دراسات التوائم إلى أن اليساريين واليمينيين يولدون هكذا، ولا يصيرون كذلك. فسماتهم المختلفة مثل الخوف والتعاطف متجذرة في علم الأحياء، إذ يشترك التوائم المتطابقون (الذين لديهم نفس المادة الوراثية) في المعتقدات السياسية حتى عندما يُنَشَّؤون بعيدين عن بعضهم بعض، في حين أن التوائم الأشقاء (الذين لديهم ما يصل إلى نصف نفس المادة الوراثية) لا يتشاركون المعتقدات دائمًا حتى عندما يتم تربيتهم معًا[38].

فالإيديولوجية كهوية سياسية للأفراد والجماعات تجد تفسيرها في الجوهرية الجينية التي تفيد بأن الخبر الوراثي المقدر والمخزن في الحمض النووي ADN هو جوهر هذه الهوية. "إذ تعدّ الهوية والانتماء والوراثة مفاهيم مهمة للناس كأفراد وكأجزاء من عائلات ومجتمعات مختلفة. فالتفسيرات الجينية للذات والهوية لها دور تلعبه في مثل هذه التركيبات؛ ومع ذلك، فإن الجوهرية الجينية أعمق من الخبر الوراثي للإحساس بالهوية وتكمن في الأفكار القائلة بأن الروابط الأسرية الجينية هي الوحيدة، أو الأكثر أهمية، بين الناس؛ و/أو أن التفسيرات الجينية (للظروف) وحدها تشكل الهوية أو الذات"[39].

ويجدر التنويه إلى أنه لا ينبغي اعتبار أن الوراثة هي وحدها ما يُحدّد السلوك، ففضلًا عن أن للعامل البيئي تأثيرًا من خلال تفعيل عدد من الجينات، حيث إن جينات العنف مثلًا لا تنشط أو لا يحصل تشغيلها إلا بعد أن يكون التأثير عليها من قبــل ظروف بيئية محددة، فإن التأثيرات الجينية لا تتجلى كذلك إلا من خلال عمل الدماغ؛ إذ إن الأسس الجزيئية والعصبية هي التي تصل الجينات بالسلوك.

فبناءً على ذلك، يمثل عمل وتنظيم الجهاز العصبي المركزي للإنسان النظام الذي يتحكم في السلوك البشري أو يعدله، "ولطالما كان الدماغ مصدر كل الأفكار والأفعال السياسية على الرغم من اعتباره منذ فترة طويلة أمرًا مفروغًا منه أو تم التعامل معه على أنه كائن حي فارغ في النظرية السياسية"[40].

إذ يؤثر الدماغ أو يتوسط في مواقف القادة السياسيين والمواطنين على السواء. ذلك أن للإيديولوجيا السياسية أساسًا عصبيًّا؛ حيث النزعة اليمينية المحافظة المرتبطة باستشعار الخوف وإدراك التهديد تجد تفسيرها في كبر حجم اللوزة الدماغية، التي "تقوم بشكل أساسي بمسح جميع المعلومات الواردة وتمييز المعلومات التي تعتبرها مهمة. وبسبب هذا على الأرجح، فهي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالقدرة على إدراك التهديد، وهو ما يدفع الكثيرين إلى القول بأنها مسؤولة عن إنتاج الخوف"[41]، وتفسر بالتالي المواقف العنصرية الضمنية كاستجابة عصبية لإدراك محفزات الخوف من الآخر المختلف، علمًا بأن البناء الاجتماعي يؤثر هنا في تحديد ما يكون الخوف منه وكيفية التعامل معه. وعلى خلاف ذلك، "فتفضيل الليبراليين للتفاوض والتهدئة على الصراع عند مواجهة التهديد مرتبط بخلل في وظيفة اللوزة التي تعيق إدراك التهديد"[42].

كما تكشف دراسات علم الأعصاب أن أنظمة الدماغ العاطفية تشارك في اتخاذ القرارات[43]، حيث إنها توفر تقييمًا عاطفيًا يسبق الإدراك والقرار الواعي. فالعمليات الحتمية داخل الدماغ هي ما يوجه التفكير السياسي في اتجاه معين. فمثلًا حينما أختار التصويت لحزب سياسي في الانتخابات دون هذا أو ذاك، فأنا "لا أختار أيًا من تلك الرغبات، إنما أشعر برغبة خاصة في داخلي لأن هذا هو الشعور الناتج عن العمليات الكيميائية الحيوية في دماغي. قد تكون تلك العمليات حتمية أو عشوائية، ولكنها ليست حرة"[44]، ومعنى ذلك أن القرار الذي أدركه يكون مدفوعًا بنشاط عصبي في الدماغ.

وفضلًا عن امتلاك علم الأعصاب القدرة على تقويض نماذج الاختيار العقلاني المشار إليها أعلاه، فإنه يتحدى كذلك التصور القائل بأن اتخاذ القرار هو محصلة عملية عقلانية أو منطقية بحتة، فالعديد من القرارات السياسية، لا سيما حينما تكون روتينية، يكون اتخاذها تلقائيًّا دون انعكاس أو حساب واعٍ. ذلك أنه "عندما تطلق خلية عصبية شحنة كهربائية، فإما أن يكون ذلك رد فعل حتمي للمنبهات الخارجية أو نتيجة لحدث عشوائي مثل التحلل التلقائي لذرة مشعة. لا يترك أي من الخيارين مجالا للإرادة الحرة، فمن المؤكد أن القرارات الناجمة عن تفاعل تسلسلي لأحداث كيميائية حيوية، حيث تحدد الأحداث السابقة اللاحقة ليست إرادة حرة قطعا. كما إن القرارات الناتجة عن الحوادث العشوائية من دون الذرية ليست حرة أيضًا، إنها عشوائية. وعندما تجتمع الحوادث العشوائية مع العمليات الحتمية نحصل على نتائج احتمالية، وحتى هذه ليست حرية"[45]، إذ "تعتبر العواطف جزءًا ضروريًّا من عملية اتخاذ القرار بدءًا من المشاعر السلبية التي تجذب الانتباه إلى المعلومات الجديدة والمزيد من المداولات الواعية حول كيف يمكن أن يغير المزاج بشكل عام الانتباه إلى المعلومات في عملية التداول"[46].

وفضلًا عن ذلك، فالسلوك العدواني منقوش في الجهاز العصبي، حيث "باســتخدام فحص الرنين المغناطيســي (MRI) تبيّن أن هناك تغييرًا في المواقع المخية المسؤولة عــن تنظيــم العواطف والســيطرة على الإدراك...وأن التغيــر في بعض مناطــق الدماغ يمكن أن يعطي مؤشــرًا بيولوجيًّا على العدوانية التي يمكن أن توفر فرصة لمعرفة الاستعداد للعدوانية للأفراد[47]. كما يميل السلوك العنيف أيضًا إلى الترابط مع تشوهات في اللوزة الدماغية[48].

هناك أيضا مجال فرعي جديد نسبيًّا في علم الأحياء، يسعى إلى فهم العلاقة المتبادلة بين الهرمونات والسلوك، هو علم الغدد الصماء السلوكي، حيث العديد من العمليات الفيزيولوجية مستمدة من تفسيرات هذا العلم، ذلك أن التحقيق في التفاعل بين الهرمونات والتفضيلات السياسية يقدم نتائج مهمة، حيث تسمح الهرمونات بتعديل السمات المهمة للتفاعل الاجتماعي البشري، مثل المشاعر والانتباه والذاكرة والتعلم والاعتراف والتواصل[49]، وهي عوامل مؤثرة في نحت متغيرات سياسية حاسمة مثل الثقة والمكانة والعدوان.

يبدو التأثير الاجتماعي والسياسي المحتمل لهرمون التستوستيرون أكثر صلة من خلال توسطه في العديد من السلوكيات الاجتماعية المهمة، بما في ذلك التعرف على التغيرات في الوضع الاجتماعي والاستجابة لها، والتأثير على العدوانية والسلوكيات المعادية للمجتمع،... وفيما يتعلق بالتسلسل الهرمي للوضع، يبدو أن هناك علاقة متبادلة بين التستوستيرون وعروض الهيمنة... وعلى وجه الخصوص، يبدو أن التستوستيرون يتوسط في رد الفعل على التحدي، خاصة في مواجهة السياقات الاجتماعية التنافسية. حيث يلعب التستوستيرون دورًا في إظهار السلوك المعادي للمجتمع، بما في ذلك التمرد على السلطة[50].

من جهة أخرى، تقدم نتائج إحدى الدراسات دليلًا على وجود رد فعل هرموني متباين في التنافس الانتخابي؛ حيث بيّنت أنه "كلما ارتبط موضوع ما بحزب المرشح الخاسر، كلما زاد لديه انخفاض نسبي في هرمون التستوستيرون. فقد يعمل الانخفاض النسبي في هرمون التستوستيرون عند الخاسرين على معايرة الثقة بشكل مناسب أو تعديلها إلى مستويات واقعية وتعزيز سلوك الانسحاب من المنافسات التي من المحتمل أن تؤدي إلى مزيد من الخسارة، في حين أن زيادة هرمون التستوستيرون عند الرابحين يؤثر على الثقة، فيؤدي إلى إعداد الفائز للمنافسة اللاحقة ورفع مكانته[51].

ويظل التأثير الهرموني محددًا بالسياق؛ إذ في ظل التنافس الانتخابي دائما، "يمثل الأشخاص الذين لديهم مستويات عالية من الكورتيزول حالات مزاجية أكثر اكتئابًا ويصنفون على أنهم أقل جدارة بالثقة، وبالقبول، والتأثير، وبالإفادة مقارنة مع نظرائهم الذين ينخفض لديهم هرمون الكورتيزول"[52]. وعندما تتغير المنافسة إلى العنف مثلًا، تتكشف تأثيرات لقوى هرمونية أخرى؛ حيث يرتبط تقييم المخاطر بإنتاج الدوبامين، وهكذا "يميل أولئك الذين لديهم انخفاض في وظيفة الدوبامين إلى إظهار كسر أكبر للقواعد، حتى أنهم يتصرفون بقوة عندما يواجهون صعوبات في خضم المنافسة"[53].

ثالثا: النهج الحيوي والخلفيات البيولوجية في صنع السياسات

كان الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو (Michel Foucault) أول من استخدم مفهوم السياسة الحيوية في سبعينيات القرن الماضي، للإشارة إلى "الإدماج المتزايد للحياة الطبيعية للإنسان في آليات وحسابات القوة"[54]، وكشكل سياسي جديد للسلطة، يهتم بالسكان كمشكلة جماهيرية وكموضوع للحكم، بالنظر لظواهرها الجماعية ذات الآثار الاقتصادية والسياسية، وذلك في الوقت الذي كانت سلطة الضبط تركز فقط على جسد الفرد. فبينما "تستخدم السلطة الانضباطية فكرة القاعدة كمعيار خارجي يمكن من خلاله قياس الأجساد من حيث طبيعتها أو شذوذها، وأيضًا كوسيلة لضبطها. تستخدم السياسة الحيوية فكرة القاعدة المستمدة من العلوم البيولوجية. وتشير القواعد إلى سلطات التنظيم الذاتي للكائنات الحية، وقدرتها على إنشاء معايير جديدة لنفسها عندما يؤدي الالتزام بالسلوكيات والأنماط الراسخة إلى بقاء الكائنات الحية"[55].

فالسياسة الحيوية تتخذ مفعول الطبيعة البشرية كأساس بيولوجي لبناء الواقع السياسي، وهكذا فهي تتضمن التدخل على مستوى العمومية، وتقوم على التقنيات والخطابات الأمنية التي تتخذ حياة السكان كهدف لها، "باعتبارها عملية بيولوجية، تُحكم وتُدار سياسيًّا"[56]. ويُحلّل مفهوم السكان على أسس عرقية وإثنية من أجل وضع هذه المجموعات العرقية والإثنية في تسلسل هرمي، وغالبًا ما يكون تصورها من منظور تأويل اجتماعي دارويني لصراع البقاء. وتستخدم هذه التسلسلات الهرمية لتبرير أشكال عنصرية الدولة، وتحسين النسل، والفصل العنصري، والإبادة الجماعية، وفقا لمبدأ أن صحة الأجناس والمجموعات الإثنية الأرقى أو الأكثر تطورًا يجب الدفاع عنها ضد الأجناس والجماعات العرقية الدنيا أو الأكثر بدائية[57].

ببساطة، فالسياسة الحيوية تعنى بأهمية الأدلة المستمدة من علوم الحياة التي يمكن أن تساعد في اتخاذ قرارات السياسة، وهي تغطي مجالات عدة يتخذ فيها صانعو السياسات بالضرورة قرارات سياسية، لكنها ذات أهمية بيولوجية كذلك. وعلى هذا الأساس، فجوهر السياسة الحيوية قد ظهر مبكرًا حتى قبل أن ينحت فوكو هذا المفهوم، حيث تُستخدَم مبادئ الوراثة لتشكيل سياسات تحسين النسل المتطلعة لخلق مجتمع مُطهَّر وراثيًّا، من خلال تشجيع توالد أولئك الذين لديهم خصائص وراثية مرغوبة وتقييد أولئك الذين لديهم خصائص وراثية غير مرغوبة. غير أن "هذا الاعتراف المبكر بفوائد علم الوراثة أدى إلى تطبيق متطرف لهذه المعرفة وشكل الأساس لسياسات تحسين النسل في الولايات المتحدة وأوربا في القرن العشرين. ويقدم علم تحسين النسل حالة جذرية لكيفية اقتران المعرفة الجينية والتفسير الخاطئ للعلوم الجينية بالسياسة العامة القمعية لحرمان الأفراد من الحقوق الأساسية"[58].

فقد شكلت الخطط السياسية المبنية على مبادئ بيولوجية اختيارات لدى بعض الدول. إذ "في العقود الأولى من القرن العشرين، أصدرت العديد من الولايات الأمريكية وبعض الدول الإسكندنافية قوانين للتعقيم الإجباري للمجرمين المؤكدين وأولئك الذين وصفوا بأنهم ضعاف العقول. وانضمت ألمانيا إلى هذه الدول قبل وصول هتلر إلى السلطة، لكن في ظل حكم النازيين تم تشجيع إنتاج أطفال من ذوي الدم النقي الآري، ولم يتم تعقيم المعيبين من مختلف الأنواع فحسب، بل أبيدوا"[59].

فقد أثر تفكير عالم الوراثة الألماني مندل (Mendel)حول تحديد النسل على التدابير الفعلية التي نفذتها الدولة النازية لمكافحة ما اعتبرته انحطاط الأعراق الأخرى، غير أن هذه الأفكار لم تشكل خلفية للبرامج الاجتماعية في ألمانيا الهتلرية، مثل قوانين التعقيم القسري فحسب، بل ترجمت الرؤى النازية إلى حقائق بشعة؛ حيث أصبحت المحاكمات الوراثية جزءًا من عمليات صنع القرار التي تحدد الإجراءات المتخذة ضد أولئك الذين يعدون أقل شأنًا، وبالتالي تحديد مصيرهم. فغدت السياسة الحيوية للدولة النازية سياسة لموت الأعراق غير النقية أو المريضة، ذلك أن سياسات تحسين النسل التي فرضتها، لم تكتفِ بتجميع السكان المتابعين في المعسكرات، بل قضت بإبادتهم باعتبار حياتهم لا تستحق أن تعاش.

فقواعد الصحة النازية التي وجدت أساسها في الفكر التطوري العرقي هي تجسيد لما سمي العنصرية العلمية المستمدة من الداروينية الاجتماعية؛ حيث نقلت هذه الأخيرة نظرية الانتخاب الطبيعي من عالم الطبيعة إلى عالم الإنسان، وذلك على أساس أن العلاقات بين الأفراد والجماعات والدول تقوم هي كذلك على الصراع من أجل البقاء، وأن التفوق هو عنصر وراثي، حيث النوع الذي ينتصر يورث العناصر التي أدت إلى تفوقه.

وهكذا، فهذه الرؤية ألهمت السياسات الاجتماعية التمييزية والسياسات التوسعية للقوى الغربية، من خلال توظيفها في "تبرير التفاوت بين الطبقات داخل المجتمع الواحد وفي الدفاع عن حق الدولة العلمانية المطلقة في تبرير المشروع الإمبريالي الغربي على صعيد العالم بأسره. فالفقراء في المجتمعات الغربية وشعوب آسيا وإفريقيا (والضعفاء على وجه العموم) هم الذين أثبتوا أن مقدرتهم على البقاء ليست مرتفعة، ولذا فهم يستحقون الفناء أو على الأقل الخضوع للأثرياء ولشعوب أوربا الأقوى والأصلح"[60].

ولا تدور السياسات الحيوية الاستعمارية حول هذا فحسب، "بل حول إدارة حركة الانتشار وقواعد السلوك"[61] للسكان، وذلك كما في السياق الاستيطاني الإسرائيلي من خلال سياسات تسوير الأراضي الفلسطينية وإغلاق المعابر أمام السكان قصد التحكم في تنقلهم وقوتهم الديمغرافية باعتبارهما فعلًا بيولوجيًّا. حيث في "هذا النوع من السيطرة السياسية الحيوية، المتمثل في تقسيم السكان إلى شديدي الخطورة وخفيفي الخطورة"[62]، تتخذ سياسة الإحلال والمحو بُعدًا أمنيًّا جسديًّا يتمثل في اعتبار الجسد الفلسطيني في القدس مصدرًا للخطر والفوضى (الديمغرافية والأمنية) يهدد تعميم النموذج المرغوب للمواطن، وهو ما يعني تعريضه للتهديد الدائم الذي تتم مواجهته بالإبعاد والإزالة عن الحيز من أجل الحفاظ على السلامة العامة للجماعة[63]، وهكذا تصبح سيطرة الدولة على البيولوجيا الأداة الأهم في رسم المشهد السكاني المرغوب والمراد؛ حيث تتم صياغة الخطط القومية الكبرى ويتم رصد الميزانيات الطائلة بغية التقليل من الأجساد التي تحسب على الفئات المعادية وغير المرغوبة، مقابل الاستثمار في الأجساد المرغوبة التي تُحسب على الفئة المرغوبة والمرادة ثم العمل على زيادتها إحصائيا[64].

إن تنامي خطاب الأمننة دفع إلى نقل الأمن من دائرة الجغرافيا السياسية التي تهتم بحماية أراضي الدولة القومية ذات السيادة والدفاع عنها، إلى دائرة السياسة الحيوية الموجهة نحو تعزيز حياة السكان. وهذا الخطاب السياسي الحيوي للعداء العرقي والعنصري (كمقدمة لفكرة تمثيل العدو كطرف عرقي آخر) يتطلع لتفكيك أي فهم للأنواع البشرية كسلسلة بيولوجية متصلة، ويسعى جاهدا لفرض انقسامات هرمية تستند إلى اختلافات عرقية قاطعة[65].

وفي هذا الإطار، أخذ علم الوراثة الشرعي يستخدم لأغراض أمنية خارج أي رقابة ديمقراطية أو قضائية مستقلة كما بالنسبة للطب الشرعي الجنائي، وذلك مع إدراج المهاجرين والأقليات ضمن دائرة ما يمكن تسميته المراقبة الجينية التي تنتهجها بعض الدول. إذ أصبح المهاجرون يخضعون لتقنيات جديدة لتحديد الهوية، فتحدث لهم ملفات شخصية اعتمادًا على قواعد بيانات الحمض النووي، تتيح "تبادل المعلومات عبر الحدود والولايات القضائية، وقد أصبحت عنصرًا أساسًّيا في علم الوراثة الشرعي في الاتحاد الأوربي وفي مختلف الاتفاقيات الثنائية والثلاثية الأطراف في شمال العالم"[66]، كما "تقوم الدولة الصينية بجمع الحمض النووي لأفراد الأقليات، وفي بعض المناطق، تجعل التبرع بالحمض النووي شرطًا لإصدار جواز السفر[67]، وذلك بخلفية تكوين قاعدة بيانات جينية للمجتمع الإيغوري المسلم.

في الواقع، هناك توسع في التفاصيل المميزة للسياسة الحيوية التي لا تترك أي جانب من جوانب الحياة، فالسياسات الجنائية تعتمد بشكل كبير على ما يمكن تسميته التحقيقات الجينية، ليس في كشف الجرائم وحسب، ولكن أساسًا باستباقها. حيث إن قواعد البيانات التي أُحدِثت ببعض الدول مثل ما يسمى البنوك الحيوية الموجودة في إنجلترا، لم تعد تتقيد باستثمار المعلومات الجينية في الأبحاث العلمية الطبية أو في الاستخدامات التنبئية الصحية للوقاية من الأمراض، بل تتعداه إلى استخدامات غير طبية، لا سيما في مجال مكافحة الجريمة. وذلك على خلفية أن سلطات الدولة يمكنها، وينبغي لها، أن تتنبأ بالمخاطر المحتملة وغير المتوقعة وتديرها، بدلًا من الانتظار حتى ترتكب ويحصل الرد عليها.

وفضلًا عن ذلك، هناك استغلال متزايد لبيانات الدماغ خارج نطاق الطب، ناجم عن الفوائد المترتبة عن تطوير التكنولوجيّات العصبيّة؛ حيث تعتمد بعض الإدارات الحكومية أسلوب تفتيش الدماغ لاختراق بيانات الأشخاص، وتسهيل مراقبتهم رقميًّا، والنفاذ إلى معطياتهم الشخصية. وفي هذا الإطار، نجد أنَّ "البنتاغون، الذي يأوي وزارة الدفاع الأمريكية، قد دعم البحوث الخاصة بالكشف عن الكذب باستخدام تقنيات متقدمة، ولاسيما باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي. على أن هذه التقنيات متوفرة في السوق. ومن أمثلة ذلك أن برين ويف ساينس (Brain Wave Science) وهي شركة مَقرّها في ماساتشوستس، بالولايات المتحدة الأمريكية، أعلنت على موقعها الإلكتروني أنها طورت نظام اختبار P300 يقيس الموجات الدماغية، وذلك من أجل مساعدة الوكالات المعنية بإنفاذ القانون في مجالات من قبيل الأمن الوطني، ومكافحة الإرهاب، والعدالة الجنائية، فضلًا عن مراقبة الهجرة"[68].

إن التوفر المتزايد للمعلومات الجينية والرؤى التي تقدمها حول صحة الفرد المستقبلية، والاستعداد للإعاقة بالإضافة إلى الاستعداد المحتمل للسمات السلوكية هي معلومات قيمة، ليس للأغراض العلاجية وحدها، ولكن أيضًا لمجموعة واسعة من الأطراف الثالثة (بما في ذلك أرباب العمل)، ومقدمي السلع، والخدمات الاجتماعية (مثل شركات التأمين)[69].

إذ توفر الاختبارات الجينية معلومات تتعلق بالحالة الصحية للفرد وتقدم رؤية حول ما ستكون عليه في المستقبل من حيث مدى الاستعداد الوراثي للمرض أو الإعاقة، وهي المعلومات التي تسمح لأرباب العمل بتحديد ما إذا كان المرشحون للعمل حساسين بشكل خاص لمخاطر صحية يمكن أن تشكل مسوغًا لزيادة تكاليف الرعاية الصحية، وانخفاض إنتاجية العمال، وضعف الحضور في العمل. ولهذا يفضل أرباب العمل تعيين موظفين أصحاء؛ لأنهم أقل احتمالًا أن يرتبوا تكاليف طبية كبيرة. ومن جهتها تعمل شركات التأمين على استخدام نتائج التقنيات الجينية المتقدمة كأداة لاصطفاء ما يعتبرونه عملاء منخفضي المخاطر، حيث ترفض بشكل روتيني تغطية حالات أولئك الذين يحملون علامات تزيد من خطر إصابتهم بالأمراض.

ويمكن تفسير ممارسات التفريق بين الأفراد وفقًا لما يعدّ جينات جيدة وجينات سيئة ببحث أولئك الفاعلين الاقتصاديين عن التحكم في مستويات مرتفعة من المردودية والتوازنات المالية، إلا أنها تنطوي على نوع من التمييز الجيني الذي أضحى في المجتمعات الغربية الرأسمالية شكلًا جديدًا للتفاوت الاجتماعي الذي يسم طبقة دنيا جينيًّا، ويُعرِّض أفرادها لسوء المعاملة على أساس ملفاتهم الجينية ويحرمهم من حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية.

إن التدخل على المستوى الجيني يمكن أن يشكل آلية استباقية لعلاج الأمراض والإعاقات التي يتم استكشافها جينيًّا، وذلك من خلال عملية تسمى تحرير الجينات، كما يمكن أن يستغل بشكل منحرف في عمليات التعديل الوراثي لأغراض أمنية أو عسكرية مثلا من خلال ما يسمى تحوير الجينات، وفي هذا الإطار "يخشى نشطاء حقوق الإنسان من أن تستخدم الهندسة الوراثية لخلق بشر خارقين يستعبدوننا. ويقدم المتنبئون رؤى مروعة لديكتاتوريات بيولوجية تستنسخ جنودًا شجعان وعمالًا مطيعين[70]. قد يكون ذلك ضربًا من ضروب الخيال العلمي، ومع ذلك يظل واردًا؛ لأن السياسات الحيوية العسكرية تستبيح كل شيء، فيكفي استحضار أن "الجيوش تسخر الدافع الجنسي في تأجيج العدوان العسكري؛ حيث يقوم الجيش بتجنيد الشباب فقط عندما يكون الدافع الجنسي في ذروته، ويحد الجيش من فرص الجنود في ممارسة الجنس الفعلي مما يراكم الضغط في داخلهم، ثم يوجه هذا الضغط المكبوت ويسمح بتحريره في شكل عدوان عسكري[71].

أخيرًا، تجدر الإشارة إلى أن سياسات الهجرة يمكن أن تقوم بدورها على التكامل بين السياسة والوراثة؛ حيث يعتمد الارتباط الجيني لإثبات الانتماء الأسري في الاستجابة لمطالبات المهاجرين بحقوق لمّ شمل الأسرة، كما شكل التعريف الجيني إحدى وسائل سياسات الهوية في عمليات العدالة الانتقالية، وذلك كما كان شأن التجربة الأرجنتينية، التي شهدت إنشاء البنك الوطني للبيانات الجينية واللجنة الوطنية للحق في الهوية، وكان الاعتماد على التحقيقات الجينية كأداة لتحديد هوية المختفين الأحياء من الأطفال الذي اختطفوا في فترة النظام الاستبدادي، وبالتالي إثبات روابطهم مع العائلات التي كانت تبحث عنهم منذ اختفائهم.

خاتمة

يُعدّ موضوع هذه المقالة من حيث دمجه بين علمين: أحدهما طبيعي والآخر اجتماعي، غير مطروق على المستوى العربي سيما أن له طابعًا تجريبيًّا. ولذلك استندت في نتائجها إلى أدبيات الدراسات الغربية الأنجلوسكسونية المتقدمة في هذا الإطار. فقد قدمت الدراسة منظورًا أصيلًا لدراسة الفعل البشري، باعتباره محور السياسة، يكمن في التقاطع بين علم السياسة وعلم الأحياء. وعليه، أكدت الدراسة على نهج التفاعل في مقاربة الطبيعة البشرية من خلال الجمع بين نزعة بيولوجية وتصور سوسيولوجي، وخلصت إلى أن البيولوجيا تقترن بالتنشئة فيما يتعلق بحال البشر، وأن ما يظهر من سلوك لدى الإنسان هو المحصلة النهائية للتفاعل بين المسارات الوراثية والبيئية. ذلك أن ديناميات معداتنا الإحيائية تمنحنا إمكانية فهم أسباب رغباتنا فيما نريد وتحديد العمليات والتفضيلات الداخلية لدينا، في الوقت الذي تغير تنشئتنا الاجتماعية وخبراتنا الشخصية اختياراتنا بدرجات متفاوتة.

في ضوء ذلك، قدمت المقالة فهمًا متكاملًا للسلوك السياسي، وتشكيل السياسات من خلال تضمين التحليلات على المستوى الفردي في الدراسات السياسية، وأكدت في هذا على ضرورة إيلاء الاهتمام للخصائص الفيسيولوجية والنفسية للفرد إلى جانب الترتيبات المؤسسية، وذلك على اعتبار أن تأثيراتهما المتبادلة هو ما يؤدي إلى جملة من النتائج السياسية التي نراها في عالم اليوم. وهكذا اهتدت الدراسة إلى أنه بقدر ما أن الكثير من سلوكنا السياسي نتعلمه ويتأثر بالبيئة، بقدر ما أن الاختلافات الجوهرية في الأفعال والمواقف السياسية تصل إلى عمق بيولوجيتنا من حيث ارتباطها الوثيق بجيناتنا. ذلك أن السياسة كنظام حياة هي أكثر تركيـبـا مـن أن ترد إلى عامل واحد أساسي (البيئة أو الطبيعة البشرية). ومن هنا فصياغة السياسات ينبغي أن تحتكم إليهما معًا، حيث إن دراسة الطبيعة البشرية لا تعد فحسب مشروعًا مهمًا لمعرفة الإنسان لذاته، بل إن التقدم الاجتماعي البشري يعتمد إلى حد كبير على اكتشاف هذه الطبيعة وإدماجها في المخططات السياسية، وذلك من منطلق أن احتياجات هذه الطبيعة هي نقطة البداية المنطقية للسياسة. وفضلًا عن ذلك، فالسياق الاجتماعي متأصل أيضًا في عملية السياسة من خلال قدرته على التأثير في صنع القرار السياسي، حيث إن هذا الأخير ما هو إلا استجابة للإشارات الاجتماعية التي تطلقها الاحتياجات والدوافع الأساسية للناس. وفي نفس الإطار، بينت الورقة أهمية نهج السياسة الحيوية، المتأسس على الخلفيات البيولوجية للسياسة وعلى النظر للحياة السياسية باعتبارها متأصلة في الطبيعة البشرية، في فهم أعمق للفعل السياسي وذلك من خلال إدراك كيف يتم تقييد الأفراد داخليا، حيث إن تفاعل المؤسسات مع هذه القيود هو ما يؤدي لحبك الخيارات السياسية بالطبيعة البشرية.

لكن في المقابل، فمع أن المقالة أكدت أنه لا يمكننا فعل ما نحن غير مبرمجين على فعله وراثيًّا، إلا أن هذا لا يعني تـحـويـل المـشـكـلات السوسيوسياسية إلـى مـجـرد مشكلات بيوطبية، ونتصور أن علاجها يكمن في تدخل طبي حتى يتكيّف الأفراد مع المجتمع. فهذه النظرة الاختزالية، ستجعل على سبيل المثال، ألَّا فائدة من محاولة تقليل الاختلافات بين الأعراق والجنسين ما بدت أنها فطرية، وألَّا جدوى من انضمام الناس إلى الجماعات السياسية، والمشاركة في الانتخابات، والانخراط في أنواع أخرى من السلوك الجماهيري، عندما يعرفون أن جهودهم لن تغير النتيجة السياسية المقدرة وراثيًّا. ومع ذلك، فهذا لا ينفي إمكانية أن يعتمد حل مشاكل الناس في المستقبل، على الآليات الجينية والعصبية إلى جانب التغيير الاجتماعي. ولعل التحدي الأبرز الذي سيواجه علماء البيولوجيا السياسية هو ذلك المتعلق بمدى إمكانية أن يترجم واقع تأثر السلوك السياسي بعوامل من داخل وخارج الجسم البشري إلى إمكانية للتنبؤ بالمواقف والتفضيلات السياسية، وهو ما قد يفتح الباب لانحراف السياسات الحيوية، في تمفصل بين العلم والقيم، نحو ممارسة لاأخلاقية للذكاء الاصطناعي في توجيه السلوك السياسي وراثيا كمظهر من مظاهر السيطرة الآلية على جسد الإنسان.


 

 المراجع

أولًا: العربية

الأديب، علي محمد الحسين، وإبراهيم، سعد معن، وياسين، ناهي يوسف. "الأسس الوراثية للعنف والعدوانية: الجزء الثاني-دور الجينات"، العراقية للسرطان والوراثة الطبية، مج10، ع1 (2017).

بارسونز، نايجل؛ وسالتر، مارك ب. "السياسات الحيوية الإسرائيلية: الإغلاق والتأريض والتحكم في الأراضي الفلسطينية المحتلة"، عمران، مج2، ع7 (2014).

خربوش، محمد صفي الدين. "التحول التطبيقي ودراسة الظواهر السياسية"، السياسة الدولية، ع216 (2019).

–––. "دراسة الظواهر السياسية بين العلم ووجهات النظر"، السياسة الدولية، ع217 (2019).

سابلونيير، برنار "كيف تُشكِّلُنا الجينات والبيئة؟"، ترجمة محمد أحمد طجو، مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، 14/04/2022، تاريخ الزيارة: 11/03/2023، https://2u.pw/D7Yp9Mi

ستيفانون، ليزلي وآخرون. ثلاثة عشر نظرية في الطبيعة البشرية، ترجمة خليل زيدان. الرياض: دار أدب للنشر والتوزيع، 2022.

عبد المعطي، عبد الباسط. اتجاهات نظرية في علم الاجتماع. الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، .1981

عبد ربه، أحمد. "مئة عام من البحث: هل لا تزال تصلح السلوكية لتفسير الظواهر السياسية"، الديمقراطية، ع75 (2019).

غـانـم، هنيـدة. "السياسة الحيوية للاستعمار الاستيطاني: إنتاج المقدسيين كمارقين"، قضايا إسرائيلية، مج12، ع47 (2012).

غيدنز، أنتوني. علم الاجتماع، ترجمة فايز الصياغ. لبنان: المنظمة العربية للنشر، 2005.

فوكوياما، فرانسيس. نهاية الإنسان: عواقب الثورة البيوتكنولوجية، ترجمة أحمد مستجير. مصر: سطور، 2002.

كاتسنيلسون، ألّا. "علم الجريمة: الحصول على الأدلة بواسطة تقنيات تصوير الدماغ"، رسالة اليونسكو، ع1 (2022).

كوبر، آدم. التفسير الأنثروبولوجي، ترجمة تراجي فتحي. الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 2008.

لي، إرمان وبيتر إ. بارسونز، وراثة وتطور السلوك، ترجمة أحمد شوقي حسن ورمزي علي العدوي. الرياض: دار ماكجروهيل للنشر، 1984.

المسيري، عبد الوهاب. الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان. دمشق: دار الفكر، 2003.

موران، إدغار. المنهج: معرفة المعرفة-الأفكار، ترجمة يوسف تيبس. الدار البيضاء: أفريقيا الشرق، 2013.

هراري، يوفال نوح. الإنسان الإله: من الهومو سابينس إلى الهوموديوس تاريخ مختصر عن المستقبل، ترجمة علي بدر. فرنسا: دار ألكا للنشر والتوزيع.2021.

–––. العاقل: تاريخ مختصر للنوع البشري، ترجمة حسين العبري وصالح بن علي الفلاحي. نيودلهي: دار منجول للنشر، 2018.

ثانيًا:

References :

ʻAbd al-Muʻṭī, ʻAbd al-Bāsiṭ. Ittijāhāt Naẓarīyat fī ʻilm al-ijtimāʻ (in Arabic). al-Kuwayt : al-Majlis al-Waṭanī lil-Thaqāfah wa-al-Funūn wa-al-Ādāb, 1981.

ʻAbd Rabbih, Aḥmad. "miʼat ʻām min al-Baḥth : Hal lā tazālu taṣluḥu al-sulūkīyah li-tafsīr al-Ẓawāhir al-siyāsīyah" (in Arabic). al-Dīmuqrāṭīyah, No .75 (2019).

Al-Adīb, ʻAlī Muḥammad al-Ḥusayn, wa-Ibrāhīm Saʻd Maʻn, wa-Yāsīn, Nāhī Yūsuf. "al-Usus al-wirāthīyah lil-ʻunf wa-al-ʻudwānīyah : al-juzʼ althāny-dwr al-jīnāt" (in Arabic). al-ʻIrāqīyah llsrṭān wālwrāthh al-ṭibbīyah, Vol. 10, No. 1 (2017).

Al-Misīrī, ʻAbd al-Wahhāb. Al-falsafah al-māddīyah wa-tafkīk al-insān. (inArabic) Dimashq: Dār al-Fikr, 2003.

Apicella Coren L. and Cesarini, David A. "Testosterone and the Biology of Politics-Experimental Evidence From the 2008 Presidential Election", in K. Hatemi and McDermott, Man Is by Nature a Political Animal: Evolution Biology and Politics. Chicago: The University of Chicago Press, 2011.

Bārswnz Nigel wa sāltr, Mārk b. "al-Siyāsāt al-ḥayawīyah al-Isrāʼīlīyah: al-ighlāq wāltʼryḍ wa-al-taḥakkum fī al-arāḍī al-Filasṭīnīyah al-muḥtallah" (in Arabic). ʻUmrān, Vol. 2, No. 7 (2014).

Blank, Robert H. "The Brain and Public Policy", in Somit Albert and Petersan, Stevan A. Biopolicy: The Life Sciences and Public Policy. Bingley: Emerald Group Publishing Limited, 2012.

Brown, Chris. " Human Nature Science and International Political Theory", Journal of International Relations and Development, Vol. 16, No. 4 (2013).

Cairney, Paul. "Complexity Theory in Political Science and Public Policy", Political Studies Review, Vol. 10, No. 3 (2012).

Conservative, Anonymous. The Evolutionary Psychology Behind Politics: How Conservatism and Liberalism Evolved Within Humans. Florida: Federalist Publications, 2014.

Crawford, Neta C. "Human Nature and World Politics: Rethinking Man ", International Relations, Vol. 23, No. 2 (2009).

Debrix, François and Barder, Alexander D. Beyond Biopolitics Theory Violence and Horror in World Politics. Oxon: Routledge, 2012.

Dodge, Kenneth A. "The Nature-Nurture Debate and Public Policy", Merrill-Palmer Quarterly, Vol. 50, No. 4 (2004).

Fowler, James H. and Schreiber, Darren. "Biology Politics and the Emerging Science of Human Nature", Science, Vol. 322, No. 5903 (2008).

Fūkūyāmā, Frānsīs. Nihāyat al-insān: ʻawāqib al-thawrah albywtknwlwjyh (in Arabic). Trans Aḥmad Mustajīr. Miṣr: Suṭūr, 2002.

Ghānm, hnydh. "Al-siyāsah al-ḥayawīyah lil-istiʻmār al-istīṭānī: intāj al-Maqdisīyīn kmārqyn" (in Arabic). Qaḍāyā Isrāʼīlīyah, Vol. 12, No. 47 (2012).

Ghydnz, Antūnī. ʻilm al-ijtimāʻ (in Arabic). Trans Fāyiz al-Ṣabbāgh. Lubnān: al-Munaẓẓamah al-ʻArabīyah lil-Nashr, 2005.

Graham, Wallas. Human Nature in Politics. Boston and New York: Houghton Mifflin Company, 1916.

Grant, Steen R. DNA and Destiny Nature and Nurture in Human Behavior. Cambridge: Perseus Press, 1996.

Hatemi, Peter K. and McDermott, Rose. "Evolution as a Theory for Political Behavior", in Hatemi, Peter K. and McDermott, Rose. Man Is by Nature a Political Animal: Evolution Biology and Politics. Chicago: The University of Chicago Press, 2011.

Hrāry, ywfāl Nūḥ. al-ʻĀqil: Tārīkh Mukhtaṣar lil-nawʻ al-Bishrī (in Arabic). trans Ḥusayn al-ʻIbrī wa-Ṣāliḥ ibn ʻAlī al-Fallāḥī. nywdlhy: Dār mnjwl lil-Nashr, 2018.

–––. al-insān al-Ilāh: min alhwmw sābyns ilá alhwmwdyws Tārīkh Mukhtaṣar ʻan al-mustaqbal (in Arabic). Trans ʻAlī Badr. bi-dūn makān: Dār alkā lil-Nashr wa-al-Tawzīʻ. 2021.

Kātsnylswn, allā. "ʻilm al-jarīmah: al-ḥuṣūl ʻalá al-adillah bi-wāsiṭat Tiqniyāt taṣwīr al-dimāgh" (in Arabic). Risālat al-Yūniskū, No. 1 (2022).

Kharbūsh, Muḥammad Ṣafī al-Dīn. "al-taḥawwul al-taṭbīqī wa-dirāsat al-Ẓawāhir al-siyāsīyah" (in Arabic). al-siyāsah al-Dawlīyah, No. 216 (2019).

–––. "dirāsah al-Ẓawāhir al-siyāsīyah bayna al-ʻIlm wwjhāt al-naẓar" (in Arabic). al-siyāsah al-Dawlīyah, No. 217, (2019).

Kūbar, Ādam. Al-tafsīr al-antharūbūlūjī (in Arabic). Trans trājy Fatḥī. Al-Kuwayt: al-Majlis al-Waṭanī lil-Thaqāfah wa-al-Funūn wa-al-Ādāb, 2008.

Lemm, Vanessa and Vatter, Miguel. "Michel Foucault s Perspective on Biopolitics", in Peterson Steven A. and Somit, Albert. Handbook of Biology and Politics. Cheltenham and Northampton: Edward Elgar Publishing Limited, 2017.

Lī irmān wbytr I. bārswnz, wirāthat wa-sulūk (in Arabic). Trans Aḥmad Shawqī Ḥasan wa-Ramzī ʻAlī al-ʻAdawī. Al-Riyāḍ: Dār mākjrwhyl lil-Nashr, 1983.

Masters, Roger D. "Politics as a Biological Phenomenon", Social Science Information, Vol. 14, No. 2 (1975).

Miller, Trudi C. "Political Science and Human Nature: A Response to Panksepp MacLean and Masters", Politics and the Life Sciences, Vol. 13, No. 1 (1994).

Mūrān, Idghār. Al-manhaj: maʻrifat almʻrft-ālʼfkār, (in Arabic), Trans Yūsuf tybs. Al-Dār al-Bayḍāʼ: Afrīqiyā al-Sharq: 2013.

Paor, Aisling de. Genetics Disability and the Law: Towards an EU Legal Framework. Cambridge: Cambridge University Press, 2017.

Plows, Alexandra. Debating Human Genetics: Contemporary Issues in Public Policy and Ethics. Oxon: Routledge, 2011.

Ryan, Michael. The Genetics of Political Behavior: How Evolutionary Psychology Explains Ideology. New York: Routledge, 2021.

Sāblwnyyr, brnār "Kayfa tushkkilunā al-jīnāt wa-al-bīʼah?" (in Arabic). trans Muḥammad Aḥmad ṭjw, Muʼassasat Muʼminūn bi-lā ḥudūd lil-Dirāsāt wa-al-Abḥāth, 14/24/2022, accessed on: 11/03/2023, at: https://2u.pw/D7Yp9Mi

Schubert, Glendon. "Politics as a Life Science: How and Why the Impact of Modern Biology Will Revolutionize the Study of Political Behavior", in Somit, Albert. Biology and Politics : Recent Explorations. Paris: Maison des Sciences de l’Homme and Mouton, 1976.

Simon, Herbert A. "Human Nature in Politics: The Dialogue of Psychology with Political Science", The American Political Science Review, Vol. 79, No. 2 (1985).

Skinner, David "Technological Policies and Practices Studying the Past Present and Future of Forensic Genetics", in Victor Toom, Matthias Wienroth and Amade M charek, Law Practice and Politics of Forensic DNA Profiling. London and New York: Routledge, 2023.

Sokolon, Marlene K. "Does Deliberation Make You Angry? Neuroscience and Theories of Deliberative Democracy", in Valk, Frank Vander. Essays on Neuroscience and Political Theory: Thinking the Body Politi. Oxon: Routledge, 2012.

Stokes, Geoff. "Politics Epistemology and Method: Karl Popper s Conception of Human Nature", Political Studies, Vol. 3, No. 1 (1995).

Styfānwn, Līzlī wa-ākharūn. Thalāthat ʻashar Naẓarīyat fī al-ṭabīʻah al-basharīyah (in Arabic). Trans Khalīl Zaydān. Al-Riyāḍ: Dār adab lil-Nashr wa-al-Tawzīʻ, 2022.

Tabery, James. Beyond Versus: The Struggle to Understand the Interaction of Nature and Nurture. Massachusetts: Massachusetts Institute of Technology, 2014.

Toom, Victor; Wienroth, Matthias. & M charek, Amade. "Forensic Genetics and Their Technological Worlds", in Toom, Victor. Wienroth, Matthias. and M charek, Amade (Eds.). Law Practice and Politics of Forensic DNA Profiling. London and New York: Routledge, 2023.

Virno, Paolo. "An Equivocal Concept of Biopolitics", in Campbell,Timothy and Sitze, Adam. Biopolitics: A Reader. Durham and London: Duke University, 2013.

Ward, Julie K. "Aristotle on Physis: Human Nature in The Ethics and Politics", Polis, Vol. 22, No. 2 (2005).

Yang, Yue. "Human Nature: The Foundation of Politics and Law", Journal of Politics and Law, Vol. 2, No. 4 (2009).



*  قُدم في: مؤتمر مركز ابن خلدون السنوي للتجسير (30 سبتمبر-1 أكتوبر 2023).

* Submitted for: The Annual Conference of Ibn Khaldon Center on Interdisciplinary Research (September 30th-October 1st, 2023).

[1]- James H. Fowler and Darren Schreiber, "Biology Politics and the Emerging Science of Human Nature", Science, Vol. 322, No. 5903 (2008), p. 912.

[2]- محمد صفي الدين خربوش، "التحول التطبيقي ودراسة الظواهر السياسية"، السياسة الدولية، ع216 (2019)، ص156.

[3]- محمد صفي الدين خربوش، "دراسة الظواهر السياسية بين العلم ووجهات النظر"، السياسة الدولية، ع217 (2019)، ص135.

[4]- أنتوني غيدنز، علم الاجتماع، ترجمة فايز الصياغ (لبنان: المنظمة العربية للنشر، 2005)، ص74.

[5]- عبد الباسط عبد المعطي، اتجاهات نظرية في علم الاجتماع (الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 1981)، ص103.

[6]- Glendon Schubert, "Politics as a Life Science: How and Why the Impact of Modern Biology Will Revolutionize the Study of Political Behavior", In: Albert Somit, Biology and Politics: Recent Explorations (Paris: Maison des Sciences de l'Homme and Mouton, 1976), p. 176.

[7]- أحمد عبد ربه، "مئة عام من البحث: هل لا تزال تصلح السلوكية لتفسير الظواهر السياسية"، الديمقراطية، ع75 (2019)، ص143.

[8]- Peter K. Hatemi and Rose McDermott, "Evolution as a Theory for Political Behavior", in: Peter K. Hatemi and Rose McDermott, Man Is by Nature a Political Animal: Evolution Biology and Politics (Chicago: The University of Chicago Press, 2011), p. 17.

[9]- Paul Cairney, "Complexity Theory in Political Science and Public Policy", Political Studies Review, Vol. 10, No. 3 (2012), p. 346.

[10]- Julie K. Ward, "Aristotle on Physis: Human Nature in The Ethics and Politics", Polis, Vol. 22, No. 2 (2005), p. 290.

[11]- Yue Yang, "Human Nature: The Foundation of Politics and Law", Journal of Politics and Law, Vol. 2, No. 4 (2009), p. 162.

[12]- Wallas Graham, Human Nature in Politics (Boston and New York: Houghton Mifflin Company, 1916), p. 14.

[13]- عبد ربه، ص112.

[14]- James Tabery, Beyond Versus: The Struggle to Understand the Interaction of Nature and Nurture (Massachusetts: Massachusetts Institute of Technology, 2014), p. 3.

[15]- غيدنز، ص281.

[16]- Steen R. Grant, DNA and Destiny Nature and Nurture in Human Behavior (Cambridge: Perseus Press, 1996), p. 21.

[17]- Geoff Stokes, "Politics Epistemology and Method: Karl Popper’s Conception of Human Nature", Political Studies, Vol. 3, No. 1 (1995), p. 107.

[18]- Chris Brown, "‘Human Nature’ Science and International Political Theory", Journal of International Relations and Development, Vol. 16, No. 4 (2013), p. 439.

[19]- غيدنز، ص187.

[20]- Grant, p. 21.

[21]- Brown, p. 442.

[22]- Trudi C. Miller, "Political Science and Human Nature: A Response to Panksepp MacLean and Masters", Politics and the Life Sciences, Vol. 13, No. 1 (1994), p. 122.

[23]- Grant, p. 21.

[24]- آدم كوبر، التفسير الأنثروبولوجي، ترجمة تراجي فتحي (الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 2008)، ص122.

[25]- Crawford, p. 276.

[26]- Dodge, p. 424.

[27]- Ibid, p. 423.

[28]- Simon, p. 293.

[29]- Masters, p. 36.

[30]- Simon, p. 295.

[31]- Masters, p. 36.

[32]- Schubert, p. 155.

[33]- لي إرمان وبيتر إ. بارسونز، وراثة وتطور السلوك، ترجمة أحمد شوقي حسن ورمزي علي العدوي (الرياض: دار ماكجروهيل للنشر، 1984)، ص20.

[34]- إدغار موران، المنهج: معرفة المعرفة-الأفكار، الجزءان 3و4، ترجمة يوسف تيبس (الدار البيضاء: أفريقيا الشرق، 2013)، ص45.

[35]- فرانسيس فوكوياما، نهاية الإنسان: عواقب الثورة البيوتكنولوجية، ترجمة أحمد مستجير (مصر: سطور، 2002)، ص64.

[36]- برنار سابلونيير، "كيف تُشكِّلُنا الجينات والبيئة؟"، ترجمة محمد أحمد طجو، مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، 14/04/2022، تاريخ الزيارة: 11/03/2023، https://2u.pw/D7Yp9Mi

[37]- علي محمد الحسين الأديب، وسعد معن إبراهيم، وناهي يوسف ياسين، "الأسس الوراثية للعنف والعدوانية: الجزء الثاني-دور الجينات"، العراقية للسرطان والوراثة الطبية، مج10، ع1 (2017)، ص129.

[38]- Michael Ryan, The Genetics of Political Behavior: How Evolutionary Psychology Explains Ideology (New York: Routledge, 2021), p. 21.

[39]- Alexandra Plows, Debating Human Genetics: Contemporary Issues in Public Policy and Ethics (Oxon: Routledge, 2011), p. 123.

[40]- Robert H. Blank, "The Brain and Public Policy", in Albert Somit and Stevan A. Petersan, Biopolicy: The Life Sciences and Public Policy (Bingley: Emerald Group Publishing Limited, 2012), p. 63.

[41]- Anonymous Conservative, The Evolutionary Psychology Behind Politics: How Conservatism and Liberalism Evolved Within Humans (Florida: Federalist Publications, 2014), p. 104.

[42]- Conservative, p. 145.

[43]- Marlene K. Sokolon, "Does Deliberation Make You Angry? Neuroscience and Theories of Deliberative Democracy", in Frank Vander Valk, Essays on Neuroscience and Political Theory: Thinking the Body Politic (Oxon: Routledge, 2012), p. 208.

[44]- يوفال نوح هراري، الإنسان الإله: من الهومو سابينس إلى الهوموديوس تاريخ مختصر عن المستقبل، ترجمة علي بدر (فرنسا: دار ألكا للنشر والتوزيع، 2021)، ص406.

[45]- هراري، ص404.

[46]- Sokolon, p. 217.

[47]- الأديب وإبراهيم وياسين، ص119.

[48]- Conservative, p. 111.

[49]- McDermott, p. 258.

[50]- Ibid, p. 254.

[51]- Coren L. Apicella and David A. Cesarini, "Testosterone and the Biology of Politics-Experimental Evidence From the 2008 Presidential Election", in K. Hatemi and McDermott, Man Is by Nature a Political Animal: Evolution Biology and Politics (Chicago: The University of Chicago Press, 2011), p. 269.

[52]- McDermott, p. 254.

[53]- Conservative, p. 130.

[54]- François Debrix and Alexander D. Barder, Beyond Biopolitics Theory Violence and Horror in World Politics,) Oxon: Routledge, 2012), p. 145.

[55]- Vanessa Lemm and Miguel Vatter, "Michel Foucault’s Perspective on Biopolitics", in Steven A. Peterson and Albert Somit, Handbook of Biology and Politics (Cheltenham and Northampton: Edward Elgar Publishing Limited, 2017), p. 42.

[56]- Paolo VirNo., "An Equivocal Concept of Biopolitics", in Timothy Campbell and Adam Sitze, Biopolitics: A Reader (Durham and London: Duke University, 2013), p. 269.

[57]- Lemm and Vatter, p. 43.

[58]- Aisling de Paor, Genetics Disability and the Law: Towards an EU Legal Framework (Cambridge: Cambridge University Press, 2017), p. 85.

[59]- ليزلي ستيفانون وآخرون، ثلاثة عشر نظرية في الطبيعة البشرية، ترجمة خليل زيدان (الرياض: دار أدب للنشر والتوزيع، 2022)، ص469-470.

[60]- عبد الوهاب المسيري، الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان (دمشق: دار الفكر، 2003)، ص99.

[61]- نايجل بارسونز ومارك ب. سالتر، "السياسات الحيوية الإسرائيلية: الإغلاق والتأريض والتحكم في الأراضي الفلسطينية المحتلة"، عمران، مج2، ع7 (2014)، ص23.

[62]- بارسونز وسالتر، ص32.

[63]- هنيـدة غـانـم، "السياسة الحيوية للاستعمار الاستيطاني: إنتاج المقدسيين كمارقين"، قضايا إسرائيلية، مج12، ع47 (2012)، ص95.

[64]- المرجع نفسه.

[65]- Debrix and Barder, p. 59.

[66]- Victor Toom, Matthias Wienroth and Amade M’charek, "Forensic Genetics and Their TechNo.logical Worlds", in Victor Toom, Matthias Wienroth and Amade M’charek (Eds.), Law Practice and Politics of Forensic DNA Profiling (London and New York: Routledge, 2023), p. 10.

[67]- David Skinner, "TechNo.logical Policies and Practices Studying the Past Present and Future of Forensic Genetics", in Victor Toom, Matthias Wienroth and Amade M’charek (Eds.), Law Practice and Politics of Forensic DNA Profiling (London and New York: Routledge, 2023), p. 242.

[68]- آلا كاتسنيلسون، "علم الجريمة: الحصول على الأدلة بواسطة تقنيات تصوير الدماغ"، رسالة اليونسكو، ع1 (2022)، ص19.

[69]- Paor, p. 2.

[70]- يوفال نوح هراري، العاقل: تاريخ مختصر للنوع البشري، ترجمة حسين العبري وصالح بن علي الفلاحي (نيودلهي: دار منجول للنشر، 2018)، ص478.

[71]- هراري، الإنسان الإله، ص174.