تاريخ الاستلام: 23 مارس 2023

تاريخ التحكيم: 06 يوليو 2023

تاريخ القبول: 30 سبتمبر 2023

مقالة بحثية

انتقال البيئة الاجتماعية جيليًّا بين المعقولية السوسيولوجية والوراثة البيولوجية: مقاربة بينيّة*

شهاب اليحياوي

أستاذ مساعد في علم الاجتماع، المعهد العالي للعلوم الإنسانية، تونس

yahyaouichiheb08@gmail.com

https://orcid.org/0009-0006-5929-3129

ملخص

يهدف المقال إلى الخوض في الجدل الراهن حول المقاربة البينية للعلوم من خلال مناقشة العلاقة الإشكالية بين الحتمية البيولوجية التي تقرّ بالتحديد الجيني للسلوك البشري الفردي أو الجماعي وبين الحتمية الاجتماعية التي تنفي بيولوجية السلوك الاجتماعي؛ إذ يتناول الإشكالية الآتية: كيف يمكن للدراسة البينية لحقلي السوسيولوجيا والبيولوجيا أن تقدّم معرفة تكاملية بين معقولية العلوم الصحيحة ومعقولية العلوم الاجتماعية رغم اختلاف الأسس الإبستمولوجية؟ على أنّ إشكاليتنا قادتنا إلى طرح أسئلة إشكالية فرعية صغناها في توجّهين بحثيين مركزيين ناقشناهما من خلال أمثلة متنوّعة من الدراسات ذات الصلة. وقد اعتمد المقال المنهج التاريخي لفهم وتحليل التطوّرات والتحوّلات التي عرفتها العلاقة بين البيولوجيا وعلم الاجتماع، واستند إلى المنهج الكيفي عند التحليل النقدي لأمثلة من دراسات ناقشت إشكالية نفسها، من أجل تبيان ما انتهت إليه هذه الطروحات من نتائج تكشف التفاعل النظري أو المنهجي بين هذين الحقلين في مقاربة مدى مقبولية القول بالجين الثقافي في محاكاة للوراثة البيولوجية. ولعلّ أبرز استنتاج يتجلّى في أنّ فهم التداخل بين العوامل البيولوجية والثقافية في انتقال الخصائص السلوكية بين الأجيال يُعدّ مجال بحث متطوّر أعاد فرض أهمية الخوض فيه حديثًا خارج منطق التخصّص. لذلك فإنّ فكّ غموضها يتطلّب تضافر الكثير من الدراسات لإثبات العلاقات بين هذه العوامل. ذلك أنّ التفاعل بين الوراثة الجينية والإرث الثقافي يشتغل بكيفيات مختلفة تزيد من تعقيد التكامل البيولوجي النفسي والاجتماعي لتفسير الظواهر السلوكية وانتقال الخصائص الثقافية.

الكلمات المفتاحية: الحتمية البيولوجية، الحتمية الاجتماعية، الجين الثقافي، الدراسة البينية، البيئة الاجتماعية

للاقتباس: اليحياوي، شهاب. «انتقال البيئة الاجتماعية جيليّا بين المعقولية السوسيولوجية والوراثة البيولوجية: مقاربة بينيّة». مجلة تجسير لدراسات العلوم الإنسانية والاجتماعية البينية، المجلد السادس، العدد 1 (2024)، ص109-131. https://doi.org/10.29117/tis.2024.0163

© 2024، اليحياوي، الجهة المرخص لها: مجلة تجسير ودار نشر جامعة قطر. نُشرت هذه المقالة البحثية وفقًا لشروط Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0). تسمح هذه الرخصة بالاستخدام غير التجاري، وينبغي نسبة العمل إلى صاحبه، مع بيان أي تعديلات عليه. كما تتيح حرية نسخ، وتوزيع، ونقل العمل بأي شكل من الأشكال، أو بأية وسيلة، ومزجه وتحويله والبناء عليه، طالما يُنسب العمل الأصلي إلى المؤلف. https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0


 

Submitted: 23 March 2023

Reviewed: 06 July 2023

Accepted: 30 September 2023

Research Article

The Generational Transition of the Social Environment Between Sociological Plausibility and Biological Heredity: An Interdisciplinary Approach*

Yahyaoui Chiheb

Assistant Professor of Sociology, Higher Institute of Humanities, Tunisia

Yahyaouichiheb08@gmail.com

https://orcid.org/0009-0006-5929-3129

Abstract

In this study, we raise the following questions: How can the interdisciplinary study of sociology and biology bridge the gap between the rationality of the natural sciences and the rationality of the social sciences, despite their differing epistemological foundations? These questions have led us to identify smaller sub-problems within two primary research directions, which we illustrate using examples from relevant studies. Our research employs a historical approach to analyze the historical developments and transformations in the relationship between biology and sociology. Additionally, we utilize a qualitative methodology, incorporating critical analysis techniques on examples from studies addressing the same issue, in order to demonstrate the theoretical and methodological interaction between these two fields when assessing the validity of the cultural gene hypothesis as a model for biological inheritance. One of the key conclusions drawn from our research is that understanding the interplay between biological and cultural factors in the transmission of behavioral traits across generations represents a continually evolving research field that has recently gained significance beyond specialized areas of study. Consequently, unraveling the intricacies of this phenomenon necessitates a convergence of multiple studies aimed at establishing the connections between these factors. This complexity arises because the interaction between genetic inheritance and cultural heritage operates through various mechanisms, thereby increasing the complexity of integrating psychological and social biological aspects in explaining behavioral phenomena and the transmission of cultural traits.

Keywords: biological determinism; social determinism; cultural gene; interdisciplinary study; social environment

Cite this article as: Yahyaoui, Chiheb. "The Generational Transition of the Social Environment between Sociological Plausibility and Biological Heredity: An Interdisciplinary Approach". Tajseer Journal for Interdisciplinary Studies in Humanities and Social Science, Vol. 6, Issue1 (2024), pp. 109-131. https://doi.org/10.29117/tis.2024.0163 

© 2024, Yahyaoui, licensee Tajseer Journal & QU Press. This article is published under the terms of the Creative Commons Attribution Non-Commercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0), which permits non-commercial use of the material, appropriate credit, and indication if changes in the material were made. You can copy and redistribute the material in any medium or format as well as remix, transform, and build upon the material, provided the original work is properly cited. https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0


 

مقدمة

يضعنا تاريخ سعي علم الاجتماع إلى تملّك الشروط الإبستمولوجية لعلمية المعرفة أمام مسارين تاريخيين غير منفصلين، وقد سرّع هذا التوجّه الإبستمولوجي مغادرة السوسيولوجيا نموذج الموسوعية في بناء المعرفة، في اتّجاه الأخذ بمبدأ التخصصّية. غير أنّ مسار تأسيس علمية علم الاجتماع احتاج تاريخيًّا من الآباء المؤسسين أن يستعيروا مناهجهم ومدوّنة مهمّة من المفاهيم من العلوم الطبيعية وخاصة الاتّجاه الوضعي[1]. يعني ذلك أنّ التوجّه البيني في البحوث الحديثة تعود جذوره إلى المرحلة الكلاسيكية لعلم الاجتماع الذي أراد أن يكون المستودع الشرعي للمعرفة القادرة على شرح المجتمع باسم رؤية شاملة سائدة في مرحلة التأسيس، غير أنّه أصبح توجّهًا إبستيميًّا حديثًا منذ ستينات القرن الماضي ليتوطّد في مرحلة «الما بعديات" التي شكّلت مرحلة نقد العلوم الاجتماعية لأسسها الفلسفية والإبستمولوجية والاجتماعية والأيديولوجية وغيرها. ذلك أنّ الدراسات البينيّة أو ما يسميّها (Gibbons)بالطريقة الثانية[2] التي تنتقل بنا من معقولية الانكفاء إلى معقولية التجسير ومن منطق ساكن إلى منطق دينامي، هي شكل جديد من المعرفة يقارب المشكلات البحثية غير المقترنة بحقل معرفي بعينه، بل من زاوية تكاملية وتشاركية بين التفرّعات الكثيرة لعلم الاجتماع التي أفرزتها المرحلة التخصّصية التي مرّ بها تاريخ العلم. ولعلّ أبرز مشروع علمي جديد يعبّر عن هذا التوجّه يقودنا إلى برنارد لاهير (P. Lahire) الذي سعى في مؤلفّه الصادر حديثا[3] إلى الإجابة عن هذه الأسئلة الحاسمة من خلال صياغة نموذج موحّد للعلوم الاجتماعية يعتمد على توليفة من المعرفة الأساسية المتعلّقة بالحياة الاجتماعية البشرية وغير البشرية التي أنتجها الفكر البشري في مجالات متعدّدة مثل علم الأحياء التطوري وعلم السلوك وعلم البيئة السلوكي وعلم الإنسان القديم والأنثروبولوجيا والتاريخ وعلم الاجتماع. تعمّق قدرة الإنسان على فهم مسار المجتمعات البشرية في تجاوز لتنوّعها واختلافاتها.

نستشكل، في هذا السياق، بينية العلوم الطبيعية والسوسيولوجيا أو ممكنات التجسير بين الحقلين المعرفيين من خلال استشكال العلاقة بين الحتمية البيولوجية كمقولة علمية تقرّ بالتحديد الجيني للتفاوت في السلوك البشري الفردي أو الجماعي[4]، تسليمًا بـأنّ البيولوجيا هي ذاكرة البيئة الاجتماعية القابلة للنقل جيليًّا، وبين الحتمية الاجتماعية التي ينتصر لها النموذج الوضعي الدوركايمي ومريدوه في نفي بيولوجية السلوك الاجتماعي وإقرار اندماجه العضوي الكلّي في الضمير الجمعي الذي يكاد يحاكي فكرة" الجين Gène"،ولكن على صعيد مجتمعي. يمكن إذًا، تدقيق إشكالية البحث على النحو الآتي: كيف يمكن للدراسة البينية لحقلي السوسيولوجيا والبيولوجيا أن تقدّم معرفة تكاملية بين معقولية العلم الصحيح ومعقولية العلوم الاجتماعية رغم اختلاف الأسس الإبستمولوجية. وهو ما يترتّب عليه طرح سلسلة الأسئلة الآتية: هل يجوز الحديث عن "جين اجتماعي" يرقى إلى مفهوم "جين بيولوجي" ينتقل بالوراثة لا بتأثير البيئة الاجتماعية من المجتمع إلى الخلية؟ وهل ترقى هذه المعرفة البينية إلى مستوى القدرة على حسم هذا الجدل القديم/الجديد حول تحوّل الخصائص الذهنية والقدرات العقلية والسلوكيات الاجتماعية إلى تعليمات وراثية تنتقل بيولوجيا بين الأجيال أي من الخلية إلى المجتمع؟ وإلى أيّ مدى يستقيم ردّ التفاوت البشري في القدرات والاختلاف في السلوكيات إلى هذا الميكانيزم البيولوجي في اكتساب السلوك والطبائع والقدرات؟ وما الإجابات الجديدة التي تحملها الدراسة البينية أو البحث الجماعي بعبارة أدورنو ((Adorno[5] حول علاقة الثقافي بالبيولوجي، وبالتالي إمكانية التقاطع بين السوسيولوجيا والعلوم الطبيعية بتفرعاتها؟

وقد ارتضينا طرح توجّهين أو فرضيتين مركزيتين سنناقشهما في عملنا البحثي من خلال أمثلة متنوّعة من الدراسات ذات الصلة: يقضي التوجّه الأوّل تغليب البعد البيولوجي على التفسير السوسيولوجي عبر مركزية مقولة الحتمية الجينية في التفسير السوسيولوجي للسلوكيات الاجتماعية للأفراد. أمّا التوجّه البحثي الثاني فيعتبر أنّ التدخّل البيولوجي في التشكيل الاجتماعي للفرد يرتبط حتميًّا بالبيئة الاجتماعية التي تمارس تأثيرا ما في مراجعة هذه التعليمات الوراثية "للجين الثقافي" للعائلة أو الطبقة. فعلماء البيولوجيا الجزيئية الحديثة يقرّون بأنّ الأنشطة المتغيّرة لوجود الفرد مهما كانت بسيطة، مثل الحوار أو لعبة الكلمات المتقاطعة يمكن أن تعدّل الحالة البيوكيميائية للدماغ[6]. وفي السياق ذاته يفهم الفريد فويلي (Fouillée) المجتمع ككائن نفسي و"تعاقدي" لا يوجد إلاّ من خلال الأفراد، وتحكمه الوراثة الاجتماعية الحتمية. وفي الضفّة الأخرى من الحوار الحقلي حول السلوك الاجتماعي والخلفية البيولوجية قدّمت حديثا عالمة الأنثروبولوجيا إيفيلين هاير (Heyer) دراسة تميل نتائجها إلى تأكيد تأثير الثقافي (الانتماء اللغوي) في البيولوجي ومورفولوجيا الانتقال الجيني.

اعتمد البحث المنهج التاريخي لفهم وتحليل التطوّرات والتحوّلات التي عرفتها العلاقة بين البيولوجيا وعلم الاجتماع وإلى المنهج الكيفي الذي اعتمدنا ضمنه التحليل النقدي لأمثلة من دراسات سوسيو-بيولوجية وأنثروبولوجية ناقشت المسألة خارج معقولية حقل الانتماء وضمن إطار المعالجة البينيّة أي التكاملية من أجل تبيان ما انتهت إليه هذه الطروحات من نتائج تكشف التفاعل النظري أو المنهجي بين حقليّ السوسيولوجيا والعلوم الطبيعية وفروعها في مقاربة إشكالية العلاقة بين البعد البيولوجي والبعد الاجتماعي للسلوك والخصائص السلوكية ومدى مقبولية القول "بالجين الثقافي" في محاكاة للوراثة البيولوجية أو بتعبير برنار لايير(Lahire) الإسهام الثقافي في تحويل البيولوجي مقابل الإسهام البيولوجي في تشكيل الاجتماعي[7]. وعلى ذلك فإنّنا سنستدعي على أثر مقاربة نظرية لتأصيل مفاهيم البحث الرئيسة وتدقيقها في القسم الأوّل من العمل، دراسات تنتمي إلى ميادين بحثية متنوّعة، ناقشت من خلال موضوعات بحثها هذا الجدل القديم/الجديد بين "البيولوجي" و"السوسيولوجي" في السلوك الاجتماعي للأفراد ومحدودية المقاربة التخصّصية الحقلية للسلوك البشري وإشكالية الانتقال الجيني للسلوك في سياق التطوّر التاريخي للعلوم البيولوجية والاكتشافات الهائلة في المجال الجيني والجينوم البشري.

أولًا: في تاريخية التجسير بين البيولوجي والسوسيولوجي: السوسيو-بيولوجيا حقلًا

نستعرض في هذا القسم الذي يكشف الإطار النظري للبحث، متعدّد المراحل التي عرفتها العلاقة بين البيولوجيا وفروعها والعلوم الإنسانية والاجتماعية، انطلاقًا من النزعة الطبيعانية التي فرضت نفسها ضمن البدايات التأسيسية للسوسيولوجيا والأنثروبولوجيا. وسيحيلنا تقفّي تطوّر العلاقة بين علم الاجتماع والبيولوجيا إلى تتبّع نشأة وتطوّر علم الاجتماع البيولوجي أو البيولوجيا الاجتماعية ورؤيتها المتنوّعة لبيولوجية السلوك الاجتماعي وتفاعل السلوك البيولوجي مع المعطى الثقافي والتأثير السياقي لبيئة الإنسان الاجتماعي في تشكّل وانتقال السلوكيات والسمات السلوكية. ثم إنّ اقتحام البحث الجيني ميدان البحث السوسيولوجي للسلوكيات والظواهر الاجتماعية مهّد لولادة ما سميّ بعلم الجينوميات البشرية. لذلك سنتعرّض تفصيليًا ما حمله من إضافات نوعية غيّرت مسار الجدل السوسيو-بيولوجي حول فرضية الانتقال الجيني للسمات الثقافية.

1.     سيطرة النزعة الطبيعانية على علم الاجتماع

حتى لا يفهم أن القصد من الدراسة البينية للسلوك الاجتماعي العودة إلى طفولة علم الاجتماع التي وقعت في سحر البيولوجيا والنظرية الداروينية بالذات، ارتأينا أن نستعيد بعضًا من هذا التاريخ وتوظيفه لمزيد توضيح مرجعية البحث في مقاربتها وانحيازها لتيّار التجسير والبينية في العلوم الاجتماعية والإنسانية التي تقتضيها إعادة دراسة وفهم مشكلة انتقال السلوك الاجتماعي.

تعود بنا النظرة البيولوجية للطبيعة البشرية إلى القرنين السابع عشر والثامن عشر مع نظريات هيوم وهوبز (Hume and Hobes) وانحيازه للأصل البيولوجي للشرّ لدى الإنسان بما يفرض إخضاع الإنسان وسلوكه إلى آلية الضبط الاجتماعي من أجل جعل الاجتماع البشري ممكنًا وضروريًّا. فمع هوبز توطّدت النزعة الطبيعانية أو التفسير البيولوجي للسلوك البشري مع ظهور وانتشار النظرية التطوّرية الداروينيّة في القرن 19م، وبخاصة قانون الانتقاء الطبيعي المفسّر للطبيعة البشرية كنتاج لقانون البقاء للأصلح الذي عبره ينقل النوع البشري سماته وخصائصه البيولوجية والسلوكية إلى نسله[8]. فالإنسان مثل كلّ العضويات قادر على توريث خصائصه المكتسبة إلى نسله. فالداروينية الاجتماعية تعتقد أنّ الجماعات التي يبدي أفرادها استعدادًا أكثر للتضحية بحياتهم من أجلها هي الأصلح للبقاء. وأنّ هذه الجماعات تبدي حرصًا أكبر على نقل جيناتها لنسلها مقارنة بالجماعات التي تميل إلى السلم أو يكون أفرادها أقلّ ميلًا للتضحية من أجل الجماعة. فالأفراد الذين ينجحون في البقاء ينقلون سماتهم وخصائصهم الفطرية والمكتسبة جينيًّا إلى نسلهم. فالإيثار هو سلوك بيولوجي، عند داروين والداروينية الاجتماعية، ينتقل وراثيَّا عبر الأجيال وليس سلوكًا اجتماعيًّا يُستشكل عبر عملية التنشئة الاجتماعية أو عبر التعلّم الاجتماعي بعبارة باندورا (Bandura)[9].

وقد سبق لسبنسر (Spinser) تطويع المنطق التفسيري العضوي للتطوّر الحيواني والبشري لتفسير سيرورة التغيّر التاريخي للمجتمعات تأثّرا بقوانين الانتقاء الطبيعي الداروينية وبالفلسفة الوضعية لأوغست كونت(comte) التي يعتبرها الأنسب في تطبيق مبادئ البيولوجيا في فهم المجتمعات وتفسير تحوّلها التطوّري من طور إلى آخر كصورة مماثلة لما يحصل في عالم البيولوجيا[10]. فالمجتمع الإنساني يتطوّر على غرار الكائنات الحيّة، من الأشكال البسيطة إلى الأكثر تعقيدًا[11]. وقد وجد هذا التوجّه الطبيعاني استمراره وتوطيده في نظريات يومانز ((Youmans، وسمنر (Sumner) المؤكّدة على استجابة التاريخ الاجتماعي لظهور الرأسمالية إلى القانون البيولوجي للتطوّر بما يجعل الرأسمالية الأفضل والأنسب للإنسانية، وفي ذلك تبرير للقاعدة المركزية لنشوء الرأسمالية وتطوّرها التي هي مبدأ" دعه يفعل، دعه يمرّ".

عمومًا يمكن التمييز تاريخيًّا بين شكلين اثنين من المذهب العضوي ضمن علم الاجتماع: العضوية الطبيعانية لرينه وارمز (Worms) والعضوية التناظرية لكونت ودوركايم وسبنسر[12]. تعالج العضوية الطبيعانية جميع الظواهر الاجتماعية بنفس الطريقة التي يتعامل بها علم الأحياء مع جميع ظواهر الحياة[13]. من أجل ذلك أصبح لعلم الاجتماع مهمّة التأليف بين العلوم الاجتماعية من أجل صياغة معرفة شمولية بالمجتمع كواقع معقّد ممّا يستوجب منه أن يكون منفتحا على سائر العلوم الاجتماعية لبناء معرفة كليّة بالعضوية الاجتماعية. وقد استخدم بشكل لافت مصطلحات بيوعضوية مثل "علم الأمراض الاجتماعية"، و"أمراض المجتمع"؛ للتعبير عن الاضطرابات التي يعيشها المجتمع عند الخوض في قضايا الإصلاحات الاجتماعية[14]. أمّا العضوية التناظرية لكونت ودوركايم فقد استعارت من البيولوجيا فكرة العضوية التي أصبح معها المجتمع كلاّ ديناميكيًّا تتكامل أجزاؤه وظيفيًّا وإن تباينت لتضمن اشتغال الكلّ[15]. وقد شكّل علم النفس التطوّري الحقل المعرفي الأمثل للتوجّه الطبيعاني والبيولوجي في تفسير الأسس الكونية المفترضة لسلوكياتنا. فهو يعتقد في أنّ التطوّر البيولوجي بنى العقل البشري في مجموعة من الوحدات المعرفية تتخصّص كلّ وحدة منها في الكشف عن نوع معيّن من المعلومات ومعالجتها. ولذلك من الضروري الأخذ في الاعتبار هذه البنية الطبيعية لعقلنا عند تفسير السلوكيات والظواهر السوسيو-ثقافية[16].

إلاّ أنّ الانتقادات ضد المذهب الطبيعي في علم الاجتماع بدأت خلال عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين في الظهور. فقد اتّسع تشكيك علماء الاجتماع في قدرة المذهب الطبيعي على تفسير تعقيد وتنوّع السلوك البشري وتغاضيها عن العوامل الاجتماعية والثقافية التي يمكن أن تؤثر على السلوك البشري. هذا وقد توسّع التشكيك في إمكانية دراسة المجتمع ككائن "طبيعي" خلال ستينيات القرن الماضي مع التيّار النقدي في علم الاجتماع، اعتبارا لتمثّله للواقع الاجتماعي على أنّه بناء اجتماعيّ وثقافيّ. وقد أدّت هذه الانتقادات إلى ظهور مناهج ونظريات جديدة في علم الاجتماع، مثل التفاعلية الرمزية، التي سعت إلى فهم السلوكيات البشرية من حيث العلاقات الاجتماعية والمعايير الثقافية والمعاني الرمزية في كسر لهذا الاستقطاب الثنائي بين البيولوجي والاجتماعي. غير أنّ، المذهب الطبيعي لا يزال يمثّل نظرية وازنة في علم الاجتماع يستمرّ حضورها وإن بكيفيات مختلفة بحسب ريمون بودون (Boudon) في اعتبار الإنسان عنصرًا من الطبيعة[17].

2.     علم الاجتماع البيولوجي: السلوك الاجتماعي والأساس الجيني للتوارث

لا يستقيم تقديم علم الاجتماع البيولوجي (Sociobiologie) كأحد فروع علم الاجتماع كما يميل إلى ذلك البعض، ولا كأيديولوجيا ولا حتى كنظرية، بل كحقل عملي يجمع بين نقاط القوّة في العديد من الحقول المعرفية كعلم السلوك، وعلم الحيوان، وعلم الحشرات، وعلم البيئة، وعلم الوراثة السكانية وغيرها، بهدف تأسيس علم جديد يجعل من الممكن أخيرًا التغلّب على الثنائية "النظرية" التي تعارض بين الطبيعة والثقافة. لذلك فإنّ إحدى وظائف علم الاجتماع البيولوجي، لدى مؤسسه الأوّل ويلسون (Wilson. E.O) هي" إعادة صياغة أسس العلوم الاجتماعية بطريقة تسمح بإدراجها في التوليف الحديث"[18] لدراسة السلوكيات السياسية والاختيارات الأخلاقية أو الأذواق أو السلوكيات الاجتماعية، لذلك اقترحت البيولوجيا الاجتماعية لاحقًا نظرية وسيطة تقارب الثقافة كمجموع سلوكيات أولية ثقافية/جينية دون القول بانتقالها الوراثي. بمعنى أنّ تبنّى الأفراد للسمات الثقافية يمكن أن يتأثّر بـ "التحيّزات الجينية" وعندما يؤثر السلوك الاجتماعي على أبنائهم يحصل ما يمكن تسميته بالانتقاء وتتّخذ هذه السمات ذات الأصل الثقافي طابعا فطريّا عن طريق استيعابها وراثيًا[19].

وقد تأسّس المشروع الرئيس لعلم الاجتماع البيولوجي على مسلّمة تقاطع العلوم البيولوجية والعلوم الاجتماعية بحثًا عن اختبار فرضية: أنّ بعض الجينات أو مجموعات الجينات التي تؤثّر على سمات سلوكية معيّنة يمكن أن تكون موروثة جيليا في إطار قانون الانتخاب الطبيعي[20]. ولا تزال البيولوجيا تحافظ على قوّة تأثير بعض مقولاتها خاصة ضمن التيّار الوظيفي عبر مفهوم الوظيفة وقاعدتها العضوية ومدرسة شيكاغو الحضرية عبر مفهوم التنافس الترابي بين الجماعات المحلية المستوحاة مباشرة من المنافسة بين الأنواع وكذلك المدرسة التفاعلية وبالذات من خلال استناد هربارت ميد (H. Mead) إلى السلوكية[21]. على أنّ ثمّة خلطًا مفتعلًا أحيانًا بين علم الاجتماع البيولوجي البشري وعلم الاجتماع البيولوجي الحيواني يجد تبريره في ادّعائه بناء نظرية لتطوّر السلوك البشري (وكذلك الحيواني) من خلال محاولة إثبات أنّ الشروط الفسيولوجية التي تسمح بتحقّق السلوكيات البشرية ناتجة عن اشتغال جينات محدّدة له[22].

يستند تفسير علم الاجتماع البيولوجي للسلوكيات الاجتماعية إلى فرضية أنّ "الجين" هو مركز الاختيار وأنّ الفرد ليس سوى ناقل للجينات، ممّا يسمح بتفسير السلوك العدواني مثلًا بردّه إلى "جين عدواني" يتشكّل وينتقل إلى الأفراد ليجعلهم عدوانيين أو "صقور" بعبارة ماينارد سميث (M. Smith) أو على خلاف ذلك أن يكونوا "حمائم"، أي غير عدوانيين ومسالمين، إذا لم ينقل لهم "جين" العدوان[23]. ويكون الصراع بحسب سميث بين الصقور والحمائم استجابة لقانون الانتخاب الطبيعي الذي ينتقي الصقور للبقاء، لأنّهم يمتلكون فرصة أفضل للنجاح التطوّري بفعل قدرتهم على السيطرة على الآخرين التي تمنحهم فرصًا أفضل للتكاثر واستدامة رأسمالهم الوراثي. وفي سياق آخر، مخالف تمامًا، يعتبر علم الاجتماع البيولوجي أنّ «الجين الأناني" ليس قانونًا طبيعيًّا، بل إنه يساعد على خلاف ذلك في تفسير السلوكيات الاجتماعية النقيضة له مثل إيثار الغير على النفس مستدلًّا ببرهان من عالم حشرات غشائيات الأجنحة[24]. وهو ما ذهب اليه ويلسون (Wilson) في اعتباره أنّ السلوك الإيثاري يمكن أن يسهم أيضًا في بقاء سلالة الفرد، إلاّ أنّه يقرنُ الإيثار فقط بمتغيّرين اثنين؛ وهما: الاختيار الأبوي والإيثار المتبادل[25].

يجدر الانتباه إلى أنّ علم الاجتماعي البيولوجي عرف، في الحقيقة، تعريفات ثلاثة في تشكّله كحقل معرفيّ بينيّ لتفسير السلوك الاجتماعي بيولوجيّا. وقد أطلق على التعريف الأوّل تسمية علم البيئة السلوكي[26] أو البيولوجيا الاجتماعية حسب ويلسون الذي عرّفها في كتابه "البيولوجيا الاجتماعية: البناء الجديد" بكونها "دراسة منهجية للأساس البيولوجي لكلّ السلوكيات الاجتماعية"[27]، وانتقالها بين الأجيال أو ضمن الجماعات الاجتماعية تحت خيمة الجينات. بل ذهب أبعد من ذلك فهو يؤكّد أنّ التمييز الاجتماعي أمر طبيعي في البشر لأنّ "التسلسل الهرمي" يسمح للأقوى بالحصول على أفضل طريقة للحصول على الغذاء والإناث. فالإنسان كما يقول عالم الوراثة دوبجانسكي (Dobzhansky) منذ الستينيات، ليس حقيبة حمض نووي بل هو نتاج تمفصل ما بين التطوّر البيولوجي والتطوّر الثقافي[28]. فالسلوك في تقديرنا وتوافقا مع الفكرة الأخيرة يتلقّى تأثير الجينات، ولكن في الآن نفسه يتلقّى تأثير البيئات التي يعيشها الفرد الاجتماعي وهو ما يجعل في النهاية من الصعب أحيانًا التمييز بين ما يتمّ اكتسابه أي الثقافي وما هو فطري أي البيولوجي. وقد اتّخذ علم الاجتماع البيولوجي في مرحلة موالية تسمية "البيولوجيا الاجتماعية الشعبية" بحسب كيتشر (Kitcher) باعتبارها تتوجّه في دراستها للسلوك الاجتماعي إلى الجمهور عامة وليس للمجتمع الأكاديمي. وقد حاول ويلسون ضمن هذا التوجّه إثبات أن الجينات صانعة الاختلافات السلوكية مستعرضًا عددًا من البراهين على وراثية بعض السلوكيات مثل تقاطع المظهر الثقافي[29]، والاختلافات بين الأفراد التي تقع بمعزل عن الاختلافات في بيئاتهم[30].الاّ أنّ ويلسون يقرّ بأنّ مناقشته لبعض السلوكيات المسلّم ببيولوجيتها أو خضوعها للحتمية الجينية تظلّ أولية وهو ما يعني إقراره وإن بشكل متأخّر بتأثير عاملي الثقافة والتعلّم في خلق الاختلافات السلوكية خارج المتلازمة الجينية نستشفّه من خلال مفهومه "التأثير المضاعف" الذي يفسح المجال للقبول بتأثير الثقافة في التحوّلات السلوكية المسلّم ببيولوجيتها والقول تبعًا لذلك بالتفاعل بين الثقافة والجينات[31]. أمّا التعريف الثالث لعلم الاجتماع البيولوجي فيحيلنا إلى تسمية علم البيئة السلوكي البشري أو علم البيئة التطوري البشري الذي يستعاض عنه أحيانا بالتسمية القديمة البيولوجيا الاجتماعية. وهو العلم الذي يركّز على السلوك بدل الآليات النفسية للسلوك. فالسلوكيات البشرية هي استجابات تكيفية لظروف بيئية تشكّل محفّزات الفعل.

ولا يزال هذا الحقل مثيرًا للنقد والمعارضة إلى اليوم، من ذلك نقد الأنثروبولوجي الأمريكي مارسال ساهلين (Sahlins) للتفسير الجيني للسلوك الاجتماعي ولمعاصره (Chagno) بالذات ولدراسته السوسيوبيولوجية لمجتمع (Yanomamö) التي أعاد فيها تأكيد التحديد الجيني للسلوكيات الاجتماعية مثل العنف. فقد أوضح في دراسته أنه ضمن شعب "اليانومامي" يتّصف الرجل الذي يقتل (أونوكاي unokai) بخاصية تكيفية على "غير أونوكاي non-unokai" هي في الأصل سمة وراثية منتقاة أثناء التطوّر. وقد انتهت به نتائج البحث إلى اعتبار أنّ "أونوكاي" يحصّنه سلوكه العنيف ويشتغل كرادع يقلّل تعرّضه وعائلته لهجوم من قبل الآخرين. أمّا على صعيد الإنجاب، فإنّ آباء "أونوكاي" يبلغ متوسط ​​عدد الأطفال ثلاثة أضعاف عدد الأبناء الذين لم يقتلوا قط أي "غير أونوكاي"[32]. وما يعيبه مارسال ساهلين، أيضا، على ما يسميها "السوسيو-بيولوجيا المبتذلة"، هو تجاهلها توسّط عامل الثقافة بما هي نظام من الرموز والتأويلات التي تصنع القطيعة بين عالم "البيولوجي" وعالم "الاجتماعي"[33]. وهو يعتبر أنّ التمسّك بالحتمية البيولوجية في تفسير الظاهرة الثقافية والسلوك الاجتماعي يوسّع الهوّة بين البيولوجيا والعلوم الاجتماعية والأنثروبولوجية وبالأخصّ مع تنسيب البيولوجيين أنفسهم لهذه الحتمية بتأثير من الاكتشافات الجديدة، مثل: علم الوراثة السلوكي، و"علم الجينوم الاجتماعي"، أو "الجينوميات الاجتماعية" وأخذها بتأثير البيئات المادية والاجتماعية والثقافية في الجينوم البشري ذاته، وبالتالي خصائصه السلوكية[34].

3.     الجينوميات الاجتماعية وعلم الوراثة السلوكي

استندت البحوث الاجتماعية حول فرضية إسهام الجينات في انتقال السمات الشخصية جيليًا إلى نتائج بحوث علم الوراثة وتطوّر تطبيقاته. وقد اقترنت ولادة علم الوراثة الكمية بفرانسيس جالتون (Francis Galton) وجريجور مندل (Gregor Mendel) في القرن 19م وإلى فيشر (Fisher) صاحب مفهوم "متعدّد الجينات المضاف" (Additive polygenic) الذي يعيد الاختلافات فيما يسمّى بالنمط الظاهري (Phenotype) إلى تباينات الجينات ولكن أيضا إلى تباين البيئات، كما أنّ تطبيقاته على الإنسان توسّعت منذ سبعينيات القرن الماضي في الطب، وأسهمت في ولادة تخصّص بحثي جديد وهو علم الوراثة السلوكية (behavioral genetics)[35] الذي يستند في تفسيره للسلوكيات الاجتماعية إلى التحديد الجيني في تفسير الأمراض العقلية والذكاء، وقابليتها للتوريث الاجتماعي في علم النفس أو في بعض حقول العلوم الإنسانية، مثل: علم الإجرام السوسيوبيولوجي، وعلم الجينوميات الاجتماعية (Sociogenomics)، وعلم الأعصاب الاجتماعي، وغيرها.

وقد شهدت العشرية الأولى من القرن الحالي تطوّرات هائلة في تكنولوجيا تحليل التسلسل والتصنيف أو التنميط الجيني، وسّعت إمكانية التجسير المعرفي والمنهجي بين حقول السوسيولوجيا، وعلم النفس، والأنثروبولوجيا، وعلم الوراثة السلوكي، والبيولوجيا، وظهور أوّل لمفهوم "علم الجينوم الاجتماعي"، أو "الجينوميات الاجتماعية". وتبعًا لذلك، استعادت البيولوجيا حضورها القديم في تفسير الحياة الاجتماعية في تعارض مع اجتماعية دوركايم[36]، وبالأخص منذ ما اصطلح عليه بعصر البيانات الضخمة (ما بعد 2015) حول ما سميّ "بالدرجات متعدّدة الجينات"؛ أي العلاقات الجينية والتشكّل البيولوجي في علاقة بالبيئات الفيزيقية والاجتماعية والثقافية. وهو ما مهّد لولادة ما سميّ بعلم الجينوميات الاجتماعية[37] وظهور مشاريع بحثية مثل مشروع "الجينيوم الاجتماعي"، الذي انطلق منذ الثمانينيات بقيادة ميليندا ميلز (Mills) يعرض إجابات لفهم موضوعات، مثل: العنف، والوفاء الزوجي، والتحصيل التعليمي، والحراك الاجتماعي بين الأجيال، والرفاهية، والإدمان، والسلوك المحفوف بالمخاطر، والأمراض المزمنة وغيرها. وقد تمثّلت أهم اكتشافاته أو استنتاجاته العلمية في أنّ التنوّع الواسع في أشكال الحياة يخفي هوية جزيئية. وقد أدّت هذه الاكتشافات إلى توسيع قدرة العلم على فهم الحياة، ووضع الخريطة أو الخرائط الجينية، والحصول على معلومات كافية لمعرفة خطط إنتاج البروتينات المخزّنة للنظام التطوّري للكائن البشري، مما يسمح للعلم الجديد بمعرفة تاريخ أمراض الشخص ومستقبله، وشكل نموّه وما يحصل ضمنها من طفرات. وقد عرف هذا المشروع مرحلة ثانية سميّت بما بعد جينيومية اقترنت بتمكّن البيولوجيا الجزيئية من فكّ شفرته بشكل شبه كلّي سمح بمعرفة التسلسل الكامل للجينوم البشري مع بداية القرن 21م. وتُقدّم البيولوجيا الجزيئية تفسيرًا للروابط بين التراث الجيني للإنسان وتكوينه النفسي والسلوكي[38] في تطوّر لمفاهيمها المركزية المتّصلة بالجين والمعلومة والبرنامج الجيني وتجاوز للبنية الفيزيائية- الكيميائية نحو البنية السلوكية لتطوّر الكائن الحي.

وفي خاتمة هذا القسم النظري نشير إلى أنّ القسم الموالي من البحث يستمرّ في مناقشة القضايا المطروحة من خلال مقاربة تحليلية نقدية لدراسات متنوّعة ناقشت إشكالية التفاعل بين البيولوجي والثقافي والتفاعلات التي تنسّب غرور البيولوجيا على أنّها الأقدر على تقديم الإجابات العلمية الصارمة حول السلوكيات والخصائص لتفتح المجال أوسع راهنيًّا ومستقبليًّا للدراسات والبحوث البينية التي تجسّر بعمق بين البيولوجيا وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا وعلم النفس الاجتماعي، خاصة مع الاكتشافات الجديدة في علوم الوراثة والتخلّق الجيني التي تدعّم هذا المسار البحثي.

ثانيًا: نماذج تفسيرية للمقترب السوسيو-بيولوجي: نحو تجسير بيني للعلوم

ارتأينا، من أجل مناقشة القضايا البينية التي تجسّر بين البيولوجيا وعلم الاجتماع وتؤكّد الحاجة الملحّة إلى تبنّي المقاربات البينية أن ننتقي دراسات وبحوث حديثة تناقش نفس الإشكالية عبر حقول بحثية وموضوعات مختلفة. وقد اخترنا ثلاث دراسات: ناقشت الدراسة الأولى لإيفيلين هاير (Heyer) تأثير البعد "الثقافي" في التطوّر البيولوجي: عبر استشكال العلاقة بين التعدّدية الثقافية والتعدّدية البيولوجية. أمّا البحث الثاني لمارغريت لوك (Lock) فينتقل بنا إلى حقل بحثي مغاير يستشكل التغيّرات البيولوجية والأعراض المرضية المتّصلة بوضعية عضوية تتمثّل في سنّ اليأس وانقطاع الطمث بين المفهوم البيولوجي (الكوني/الحتمي) والمفهوم الثقافي السياقي والمتغاير من ثقافة إلى أخرى. وقد اخترنا أن نتّخذ من مرض السكر ميدانا إضافيًّا ثريًّا لمناقشة واختبار فرضية أن هذا المرض اجتماعيّ بالأساس رغم حقيقته البيولوجية؛ من حيث إنّه يتكوّن وينتقل وراثيًّا بما يجعل من الاجتماعي والثقافي حقلًا للتشكّل والجيني جسرًا لعبور المرض جيليًّا.

1.     تأثير "الثقافي" في التطوّر البيولوجي: دراسة في علاقة التعدّدية الثقافية والتعدّدية البيولوجية

 أنجزت الأنثروبولوجية إيفيلين هاير ((Evelyne Heyer دراسة حول تأثير الثقافة في التطوّر البيولوجي للإنسان سنة 2000 في آسيا الوسطى. وقد طرحت حول التفاعلات بين "الثقافي" و"الوراثي" في تطوّر الإنسان وتوريثه البيولوجي لخصائصه وصفاته وقدراته، إشكالية: أنّ الإنسان - وإن كان يورّث مثل الحيوان جيناته- ينفرد بتوريث سماته الثقافية أيضًا مثل: اللغة والتنظيم الاجتماعي وتوارث النجاح التكاثري ممّا يقتضي السؤال الإشكالي حول مدى تأثير التوارث الثقافي في التطوّر البيولوجي للإنسان؟ وكيف تؤدّي التغيّرات في نمط الحياة إلى ظهور أشكال جديدة لانتقاء متغيّرات جينيّة جديدة في التجمّعات البشرية؟

وقد طرحت الباحثة فيما يخصّ المحور الأوّل من البعد الثقافي وهو اللغة سؤالًا إشكاليّا على النحو الآتي: هل أفضى التقاء الناطقين باللسان الهندي-الإيراني واللسان التركي إلى تبادل جيني داخل هذه العائلات الألسنية ضمن شعوب آسيا الوسطى؟ وقد اعتمدت الدراسة قياسات اختبار الاختلافات في الخصائص البيولوجية لخمس مجموعات من السكان الأوراسيين مع تقديرات خاصة بالموقع الجغرافي لتنتهي إلى نتيجة أنّ الشعوب القريبة جغرافيًّا متباعدة جينيًّا وأنّ المتباعدة منها جغرافيًّا بينها تقارب جينيّ، وبالتالي فإنّ التقارب الفيزيائي والجغرافي لا يشكّل العامل المحدّد لهذا التقارب الجيني بين هذه الشعوب. وفي المقابل توصلت، حينما اختبرت العلاقة بين التباعد اللغوي (عائلة اللغة التركية/ عائلة اللغة الهندية الإيرانية) والتباعد الجغرافي، إلى نتيجة أنّ التقارب أو التباعد الجغرافي يقترنان في كلتا الحالتين بالتقارب أو التباعد اللغوي (العامل الثقافي) بمعنى أنّ التقارب اللغوي هو العامل المحدّد للتقارب الجغرافي. ويشكّل بذلك معيارًا ثقافيًا للاقتران بين الجنسين له تأثير معلّل في الدراسة على التطوّر والاختلافات الجينية للشعوب. فالنّاس يميلون دائمًا إلى الارتباط بمن ينتمون لعائلتهم اللغوية وإن كانوا بعيدين جغرافيًّا، ولا يميلون إلى الارتباط بالقريب جغرافيًّا إذا كان متباعدا ثقافيا[39]. وقد خلصت الدراسة إلى أنّ العامل الثقافي المتمثّل في التقارب اللغوي يجسّر للتبادل الجيني[40]، وبالتالي بنت استنتاجها لثقل وأهمية العامل الثقافي وتحديديته في التطوّر الجيني[41]، والاختلافات الجينية بين النّاس. ويتشكّل هذا العامل الثقافي أحيانًا بقوّة القيم الدينية، التي تمنع الارتباط الزيجي بين المختلفين دينيًّا، مانعًا وحاجزًا للتبادل الجيني وبالتالي لانتقال الخصائص الجينية بين السكّان.

هذا وقد اشتغلت دراسة (Heyer) على محور ثانٍ وهو التنظيم الاجتماعي الذي يتشكّل ضمن هذا البحث من ثلاثة عناصر كبرى وهي: البنوّة أي الانتماء إلى عائلة أبوية أو عائلة أمومية أو الاثنين معًا. وهو ما تختلف أمامه المجتمعات تاريخيًا. ويخصّ العنصر الثاني: التحالف أشكال ترابط العائلات وتشكّلها والإقامة بمعنى مجال إقامة المرأة أو الرجل بعد تكوّن العائلة والذي يعني في المجتمعات الأبوية أن تنتقل البنت بعد الزواج للإقامة بقرية أو مدينة زوجها وعلى العكس من ذلك يهاجر، في المجتمعات الأمومية، الرجال إلى قرى زوجاتهم. أمّا العنصر الثالث فيحيلنا إلى قواعد النسب التي تكشف ضمن شعوب آسيا الوسطى الناطقين بالتركية (أبويين) أنّ نقل الاسم والميراث يمرّ عبر النسب ولدى الناطقين بالهندية الإيرانية (أموميين) في شكل انتقال الاسم والميراث إلى أبنائهم.

وقد تأكّد لديها أنّ الاختيارات الثقافية التي مرجعها ثقافة المجتمع وقيمه لها تأثير لا تستطيع البيولوجيا منفردة أن تقدّم تفسيرًا عنه أو تثبت خطأه لتعلّقه بمجال اهتمام حقلي السوسيولوجيا والأنثروبولوجيا. فهذه الدراسة بيّنت ثقل الارتباط الإحصائي بين الثقافي والجيني، وأنّ التوارث الجيني أو انتقال الخصائص الجينية للبشر لا يتمّ خارج المجتمعي والثقافي الذي يسجّل حضوره بقوّة فيما تكشفه مثل هذه النتائج من روابط تبرهن على وجاهة التجسير المعرفي، من أجل فهم بينيّ لقضايا ظلّت حبيسة لوقت طويل منطق الخصوصية النظرية والإبستمولوجية للحقول العلمية. فإن سمح النسق الثقافي للعائلة الألسنية التركية بالزواج من خارج العائلة (Exogamy) فذلك يعني نقل خصائصها الجينية وخريطة أمراض مجتمع رعوي بدويّ إلى مجتمع من عائلة لغوية أخرى، ونمط غذائي ريفي مغاير لا شكّ أنّ له تأثيرا على الخصائص الجينية للنسل ضمن هذا المجتمع الجديد للمرأة. وعلى خلاف منه فإنّ النسق الثقافي للعائلة الألسنية الهندية- الإيرانية ذات النمط الحياتي الفلاحي يفرض الزواج داخل العائلة أو العشيرة (Endogamy) فإنّ ذلك يعني احتفاظها بخصوصياتها الجينية وخريطة الأمراض الموصولة بنمط غذائها القائم أساسًا على القمح ومشتقاته، بعيدا عن التغيير والتجديد الذي يأتيه هذا التلاقح الزيجي البيولوجي.

يؤكّد ما تقدّم من تحليل سوسيو-جيني للعلاقة المعقّدة بين ما هو بيولوجي وما هو ثقافي الحاجة الملحّة لترك المقاربات التخصّصية والأخذ أكثر من ذي قبل بالمقترب البينيّ في تفكيك هكذا مشكلات لا يستوعبها المقترب البيولوجي أو الوراثي أو الجغرافي أو الأنثروبولوجي أو السوسيولوجي وغيره من الحقول المعرفية للعلوم الصحيحة أو الإنسانية والاجتماعية منفردة بطرحها. من أجل ذلك فإنّ البحوث المستقبلية هي بحوث بينية بتعبير (Sforza) الذي كرّر في كتابه"[42] طرح الأسئلة ذاتها التي طُرحِت في بحث هاير موضوع تحليلنا والذي تمحور كما أسلفنا حول البحث في كيفية الحفاظ على الثقافة وانتقالها أو توريثها وتأثير الاختلافات الجينية على الثقافة.

2.     سنّ اليأس بين المفهوم البيولوجي (الكوني/الحتمي) والمفهوم الثقافي (السياقي والمتغاير)

توسّع اهتمام حقل الأنثروبولوجيا اليوم أكثر من ذي قبل بدراسة أشكال التفاعل بين ""الثقافي و"البيولوجي" من خلال دراسات كثيرة، نستدعي أحدها لمناقشة هذه الأسئلة الراهنة التي تقتضي بالضرورة تطوير السوسيولوجيا مثلما الأنثروبولوجيا أو العلوم الطبيعية أسسها الإبستمولوجية ومراجعة وتجديد جهازها المفاهيمي في اتّجاه يستوعب التطوّر في كلّ حقل من هذه الحقول وغيرها وتوسّع المشترك بينها حضورًا وإلحاحًا على البحث البينيّ أو الجماعي. من ذلك ظهور مفهوم "علم الأحياء المحلّي بتعبير الأنثروبولوجية مارغريت لوك (Lock)[43]، ضمن اتّجاه جديد في الأنثروبولوجيا الطبيّة يهدف إلى دراسة الاختلافات في جسم الإنسان في علاقة ببيئاته الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، مدفوعًا بالاكتشافات الجديدة في علم التخلّق التي تدعّم فرضية تأثير هذه البيئات على تجسّد ما يسمّى بالبرنامج الجيني للإنسان. فهذه الاكتشافات قدّمت، بحسب الباحثة، الحجج العلمية الداعمة أو المؤكّدة للصلة بين الطبيعة والثقافة تسمح بردّ الاختلافات في الجينات وتجسّداتها إلى عملية التطوّر الطويلة الناتجة عن تفاعل الجسم مع بيئاته المادية أو الثقافية. ففي دراستها لسنّ اليأس عند النساء في اليابان وأمريكا الشمالية انتهت إلى أنّ خلف التوافق الزمني لانقطاع الطمث في العمر نفسه عند النساء اليابانيات والنساء في أمريكا الشمالية، فإنّ الأعراض المرتبطة به تختلف بين المجتمعين. فنفحات الحرارة الساخنة أو التعرّق الليلي مثلًا وُجدت أنّها أقلّ شيوعًا لدى النساء اليابانيات مقارنة بالنساء اللائي يعشن في كندا والولايات المتّحدة، بالإضافة إلى الأعراض المتّصلة بهشاشة العظام وأمراض القلب وسرطان الثدي. الاّ أنّ الاختلافات تتجاوز سياج حقل البيولوجيا لتقتحم حقل الثقافي والرمزي حيث تقودنا إلى التباين في تصوّرات سنّ اليأس (Menopause)[44] بين الثقافتين. ففي المجتمع والثقافة اليابانية يحيل إلى مرحلة حياة أكثر روحانية ولا يمثّل نهاية الدورة الشهرية سوى أحد عناصرها أو سماتها لا غير[45]. تتعارض هذه النتائج مع الرؤية الطبية الخالصة التي تعتبر سن اليأس عملية كونية تحيل إلى مجموعة من الأعراض الحتمية، اعتبارا لما أفضت اليه الدراسة من تغاير حدوث هذه الأعراض بالنظر إلى العوامل الاجتماعية والثقافية المختلفة من بيئة إلى أخرى ومن ثقافة إلى أخرى. فمفهوم "علم الأحياء المحلّي" يعتبر انقطاع الطمث "بناء ثقافي"[46] وبناء ذاتي يتجاوز حصره في التفسير البيولوجي الخالص اعتبارًا لما استخلصته من تعقّد العوامل التي تؤثّر على سنّ اليأس وبالتالي تنسيب الحتمية البيولوجية في تفسير كثير من الخصائص البيولوجية المنقولة أو الموروثة جيليًّا، وما يطرأ عليها من تغيّرات أو تباينات. وبناءً عليه تعتبر (Lock)أنّ سنّ اليأس هو أولًا وقبل كلّ شيء مسألة ثقافة ولا يمثّل ظاهرة بيولوجية حتمية، منتشرة عالميًا تعيشها ضرورة جميع النساء وبالكيفية والأعراض نفسها. فمن خلال المعطيات الإثنوجرافية والمقابلات والبيانات الإحصائية والمعطيات الثقافية اليابانية والأمريكية الشمالية قدّمت الباحثة برهنتها على عدم كونية هذه الظاهرة البيولوجية لتباين كيفيات التعاطي معها كمرض أو كمرحلة عمرية أو حتى الاختلاف في نوعية الأعراض والتعرّض لها من عدمه بين الثقافات. فهي مجال بناء المعنى بما يعني أنّها تتحدّد ثقافيًّا[47]، ولا تتّصل بالأعراض البيولوجية والتغيّرات الفيسيولوجية على المرأة فحسب، وإنّما على مكانتها ونظرة محيطها لوضعيتها الجديدة كامرأة مسنّة ولانقطاع أو نهاية دورها الإنجابي والجنسي كذلك[48]. فالمرأة اليابانية تعاني أقلّ بكثير من نساء أمريكا الشمالية من هشاشة العظام وفشل القلب التي يعتقد فيها النساء الغربيات كنتيجة مباشرة للتحوّلات الهرمونية التي تحدث في سنّ الخمسين حيث يعانين أربع مرات أكثر من اليابانيات من الأمراض القلبية وسرطان الثدي ومرتين أكثر فيما يتعلّق بمرض هشاشة العظام[49]. بل تذهب الباحثة أبعد من ذلك في اعتبار أنّ علاقة النساء بسنّ اليأس ترتبط كثيرًا بالأدوار التي ينسبها لهنّ مجتمعاتهنّ، وأنّ التغييرات المرتبطة بتقدّم عمر النساء يُنظر إليها على أنّها اجتماعية أكثر من كونها بيولوجية، مقدّمة مثال نساء أمريكا الشمالية اللواتي هنّ مستعدّات لفعل أيّ شيء للقضاء على أي مظهر من مظاهر التقدّم في العمر لخوفهنّ الشديد من الشيخوخة التي تعادل الموت ومن ألاّ يصبحن مرغوبًا فيهنّ أو بعبارة فرانسواز اريتيي (Héritier) العمر الذي يتغيّر فيه كلّ شيء[50]. وهو ما يفسّر التجاءهن إلى العلاج بالهرمونات من أجل تعطيل ولوجهنّ منطقة الشيخوخة. وعلى خلاف من ذلك تماما يسود عند نساء بيتي ((béti جنوب الكاميرون شعور بالتحرّر عندما يتوقّفن عند انقطاع الطمث عن ممارسة الجنس، وهو شعور يتجلّى في مجتمعات أخرى، بين المايا ((Maya في أمريكا الوسطى أو الماوري. من نيوزيلندا، على سبيل المثال، حيث تفرح المرأة بنهاية حياتها الجنسية لأنّها تصنع فرصة للانتقال إلى مسؤوليات جديدة تجعل منها امرأة مهمّة أو بارعة. فالمرأة الحقيقية بالنسبة "لبيتي"، على نقيض المجتمعات الأخرى، هي التي اجتازت مرحلة الخصوبة[51] وبالتالي الانتقال إلى مكانة أعلى تحرّرها من سيطرة الرجل أو خضوعها له.

إنّ الاختلافات التي تكشفها متعدّد الدراسات حول أعراض سنّ اليأس والأمراض التي تصاحبه، وسلوك المرأة التي توقّف عندها الحيض يعيدنا من جديد إلى الجدل حول بيولوجية الثقافي أو التأثير الثقافي فيما هو بيولوجي. فانقطاع الطمث لا يستقيم مقاربته بما هو ظاهرة بيولوجية كونية، بما أنّه بناء اجتماعي ثقافي يحيل إلى تمثّلات مختلفة للظاهرة كمرض أو كمرحلة عمرية أو كانتقال في الوضعية الاجتماعية تتغاير بالنظر إلى اختلاف الثقافات كما أسلفنا، ولا يتباين معها التعاطي الاجتماعي والفردي مع هذه التغيرات الجسمية للنساء فحسب، بل حتى على ما هو بيولوجي أي الأعراض الجسمية والصحية المصاحبة لها[52].

3.     مرض السكري: عندما يُصنع المرض اجتماعيا ويُنقل وراثيا: الاجتماعي حقلا للتشكّل والجيني جسرا لعبور المرض

يقود النقاش حول بينية العلوم الطبيعية والسوسيولوجيا إلى إشكالية تلحّ اليوم أكثر من ذي قبل، ألا وهي الدراسة البينية لمرض السكري كمرض مزمن بين تفسير طبي بيولوجي قائل بانتقاله جينيًّا وبين مقاربة سوسيولوجية تتمثّله كبناء اجتماعي أو كمرض جماعي يحيل إلى وضعية سوسيو-اقتصادية[53] وإلى ثقافة جماعية ترتقي إلى مستوى العامل المفسّر لإنتاج المرض. فبينما يكشف المنظور الأوّل عن صلته الوثيقة ببعدين أو مستويين: الخلل الجيني الوراثي الذي يمنح الفرد استعدادًا جينيًّا للمرض وتأثير النمط الغذائي كمتغيّر مفسّر للخلل الوظيفي للبنكرياس أو للمستقبلات، فإنّ المقترب السوسيولوجي ينتصر للعامل الاجتماعي/الثقافي الذي يقرن بين البيئة الاجتماعية للمرضى وإنتاج المرض، لأنّ عدم توازن النظام الغذائي للفرد هو أحد تمظهرات العجز المادي وعدم القدرة الاقتصادية للطبقات الضعيفة ماديًّا على استبدال نظام غذائي مؤسّس على السكريات بنظام غذائي قائم على البروتين مكلف ماديّا، إضافة إلى أنّ مرض السكّر له صلة وثيقة بمشكلات القلق والتوتّر والانفعالات الشديدة والمتواترة، التي هي مشكلات اجتماعية بامتياز تحيلنا إلى نمط اجتماعيته أو مؤالفته الاجتماعية (Sociabilité) الموصولة بوضعيته الاجتماعية. فالمريض يعيش بين الآخرين أي الأصحاء ويحيا مثلهم أحيانًا كثيرة ولكنّ المرض يشكّل بالنسبة له إعادة بناء لعلاقاته الاجتماعية في تأثّر بتمثّله الجماعي للمرض ولصورته لدى الآخرين اجتماعيًّا[54]. فكلود برنار (Bernard) أب الطب التجريبي مثلًا طوّر مفهومًا للصحة والمرض يسلّط الضوء على الاستمرارية بين الحالتين بدلًا من الاختلاف النوعي بينهما. فهو يتفهّم الصحة بمثل تفهّمه للمرض، من حيث إنهما لا يختلفان من حيث الطبيعة بل يخضعان للقوانين والقواعد نفسها ويتشابهان في أنّهما يمثّلان حالتين متناقضتين في الجسم البشري ويتأثّران بالظروف المحيطة بالإنسان وسلوكه وأسلوب حياته[55]. أمّا مقاربة دوركايم العضوية فتنزع عن الصحة طابعها البيولوجي لتصبح تعبيرًا عن حالة تكيّف الجسم مع محيطه الاجتماعي لا يستقيم معه الانغلاق في التفسير البيولوجي لحاجته إلى فهم علاقة الشخص /المريض بمتعدّد بيئاته الطبيعية والاجتماعية والثقافية[56].

يوجب هذا التداخل بين الاجتماعي من جهة والبيولوجي من جهة ثانية في إنتاج المرض أو بالأصحّ إنتاج القابلية للمرض، انتباه التفسير الفيسيولوجي والبيولوجي للمرض[57] لوجاهة الأسباب النفسية الاجتماعية للمرض والتأثيرية العالية للبيئات المادية والثقافية والاجتماعية للفرد، في خلق توزيع غير عادل أمام المرض أو عدم تكافؤ شروط الحصانة ضدّ المرض أو عدم تكافؤ حظوظ النجاة من المرض المزمن مثل السكريّ.

يقدّم الطبّ تفسيره للمرض المزمن بأنّه خلل جيني ينتقل وراثيًّا للأبناء. ويمكن تعريف مرض السكري بكونه مجموعة من الأمراض التي تشترك في إظهار نفسها من خلال ارتفاع السكر في الدم المزمن والمسؤول عن مضاعفات محدّدة تؤثر بشكل رئيس على العينين والكلى والأوعية والأعصاب[58]. إلاّ أنّه فضلًا عن وجاهة العوامل الأيكولوجية المتّصلة بتغيّر البيئة من حيث نوعية الهواء والماء وزيادة الملوّثات والمواد الكيميائية في البيئة، والتي تعمل بمثابة اضطرابات الغدد الصماء[59]، فإنّ للعوامل السوسيو‑ثقافية، في تقديرنا، تأثيرًا لا يمكن تبخيس مدى جديّة ارتقائه إلى أن يكون عاملًا محدّدًا للإصابة بالأمراض المزمنة وبخاصة مرض السكّر. ولا يعالج هذا التعدّد للعوامل ذات الصلة من قريب أو من بعيد بإنتاج المرض أو بترشيح فرد دون غيره للإصابة بالمرض المزمن، عبر الخوض في ترتيب أهميتها أو الخوض في احتمالية أن يكون لها تأثير ما على الإصابة بالمرض أو استفحاله، بل عبر تعاون متعدّد الحقول المعرفية؛ أي الطب وعلم الوبائيات أو علم الأمراض الوبائية وعلم الاجتماع الطبي وعلم اجتماع البيئة وسوسيولوجيا التغذية، وعلم الاجتماع الثقافي وغيرها بغاية فهم ديناميكية التفاعل بين مختلف العوامل لخلق المرض، ونقله جيليًّا ضمن العائلة بعيدًا عن الحتمية الجينية في مفهومها البيولوجي البحت. فهل انتقال المرض من الآباء إلى الأبناء هو انتقال وراثي يدعّم مقولة الحتمية البيولوجية التي خضنا فيها سابقًا؟ أم أنّ هذا الانتقال لا يستقيم سوسيولوجيًّا اعتباره توارث بيولوجي وإنّما هو نتاج لحتمية اجتماعية، إذا اعتبرنا أن المستوى المعيشي أي الاقتصادي مسؤول بدرجة قوية عن خلق القابلية للمرض؟[60] أم أنّ الرأسمال الثقافي للفرد الاجتماعي الموصول بانتمائه الطبقي أو الاجتماعي هو العامل الصامت ولكنّه المؤثّر بشدّة في خلق ما عبّرنا عنه بالقابلية للمرض، بحسب دراسة (Lebredonchel) حول علم اجتماع التمثيل الغذائي[61].

ثمّة، اليوم في تقديرنا، توجّه أكثر تمسكًّا بالخروج من مأزق الاختصاص والتفسير من داخل الحقل المعرفي في اتّجاه التسليم بالتفاعل البيني للعوامل المتدخّلة والمؤثّرة في إنتاج المرض المزمن لا فرديًّا بل جماعيّا. فالطبّ الحديث أصبح ينظر للمرض المزمن مثل السكّري على أنّه مرض جماعي مثل الوباء؛ لأنّه نتاج تماثل شروط إنتاجه أي اشتراك مرضى السكر في بيئة مادية أو في نمط عيش ونمط غذائي متشابه[62]. ففي بحث (ENTRED) (عينة شاهدة ممثلة لمرضى السكر) أجري في فرنسا على فترتين (2001-2003) و(2007-2010)[63] تبيّن أنّ الفئات الاجتماعية الأقلّ حظّا ماديًّا هي الأكثر قابلية للإصابة بمرض السكر وبآثاره السلبية. كما أنّ التقرير العالمي حول مرض السكري الصادر عن منظمة الصحة العالمية سنة 2016 كشف أن معدّلات تطوّر عدد المصابين بالمرض ما بين 1980و 2014 سجّلت أعلى النسب لدى الطبقات الضعيفة ومتوسّطة الدخل بشكل لافت مقارنة بأفراد الطبقات العليا[64]. ولذلك ثمّة ضرورة تؤكّدها مثل هذه الدراسات والبحوث لتقاسم علوم الطبّ وعلم الاجتماع، وبخاصة سوسيولوجيا الطبّ لتسمية الأمراض المزمنة أيضًا بالأمراض البيئية[65] إقرارًا بوجود صلة وثيقة بين انتشار وتوسّع الأمراض المزمنة وارتفاع معدّلات التلوّث والاستخدام الواسع للمواد الكيميائية ضمن المجتمعات الصناعية أو تبعًا لسيرورة التصنيع وما عقبها من تحوّلات عميقة في نمط العيش وصناعة وتوزيع الغذاء[66]. فالتوسّع الحضري واتّساع سكّان المجال الحضري على حساب الريف والبادية أفضى إلى تحوّلات عميقة مسّت شكل العائلة وأدوارها وطبيعة العلاقات بين أعضائها نتج عنه تراجع واندثار أغذية تقليدية كثيرة، ولكن أيضا تحوّل في تنظيم عملية الغذاء التي أصبحت سريعة وغير منتظمة وفردية، حيث إنّها فقدت طابعها الجماعي ومصادرها الطبيعية في اتّجاه الخضوع لأشكال حفظ وتصنيع وتوزيع جديدة لمأكولات[67] تستجيب أساسًا للقيم التجارية أكثر منه للقيم الصحية. وهو ما يمنح مقاربة الأمراض المزمنة شمولية وبينية تدفعها إلى البحث في كيفية تفاعل العوامل التي تتنوّع مصادرها وعدم استقلاليتها عن بعضها سواء على الصعيد العملي أم على مستوى التحليل. لذلك تدعو، مثلًا، (Sylvie Pouteau)[68] علم الأحياء المعاصر إلى إعادة بناء نفسه عبر التخلّي عن فكرة أنّ الحمض النووي هو المحدّد الأوّل والأخير لتكوين الفرد والقبول بأنّ المكوّنات الأخرى للكائن الحيّ أو بيئته لهما جانب مهمّ من التأثير والتحديد الذي يتوجّب على التحليل العلمي ألّا يبخس حضوره في التحليل. فلا شيء يمكن "برمجته"، مّما يغيّر الاهتمام نحو فهم كيفية تمفصل مجموع العوامل البيولوجية والبيئية والاجتماعية والثقافية وكيفية انتظامها لتشكيل الفرد. 

يتحوّل المرض المزمن ضمن المقترب البيني الذي لا يتجاهل الحقيقة البيولوجية والتفسير الطبي، ولا يغالي في الجزم بطابعه التحديدي إلى حادث اجتماعي بالنسبة للفرد يتأثّر تعاطيه معه بتمثّلاته الجماعية للمرض المنقولة له عبر التنشئة الاجتماعية ضمن الجماعة الاجتماعية وبخبراته الاجتماعية. فكما أنّ الرأسمال الاقتصادي والثقافي للفرد الاجتماعي يرتقيان إلى مستوى العامل المؤثّر في إنتاج مرض السكر من عدمه، فإنّهما يحدّدان إلى حدّ كبير قدراته واستعداداته للتعامل مع هذا الوضع الاجتماعي الجديد (الإصابة بمرض السكري الملازم له طوال حياته الباقية) وإعادة بنائه في اتّجاه ترتيب باقي مناحي حياته الاجتماعية وعلاقاته بوسطه العائلي والمهني والاجتماعي لتتناسب مع التعايش المطلوب مع المرض وقبوله كحقيقة. فالمرض المزمن بهذا الفهم، الذي ينحاز إليه مارك أوجيه (Augé)[69]، حامل لمعنى يحيلنا إلى علاقة الفرد بالنظام الاجتماعي وبالجماعة المرجع. فتمثّل المرضى لسبب الإصابة بالمرض يتغاير بحسب ثقافة الفرد المقترنة بوضعيته الاقتصادية والاجتماعية. ولذلك يتحدّث الأنثروبولوجي فرانسوا لابلاتين((Laplatine عن نموذجين تفسيريين للمرض "؛ الأوّل خارجي عن الفرد. قد يكون واقعيًّا، مثل ربط مرض السكريّ بمادة السكر. وقد يكون رمزيًّا وغيبيًّا يوصل سبب المرض بالغيبيات، مثل القول بالسحر أو العين أو بابتلاء أو عقاب إلهيّ للتكفير عن الأخطاء أو العقاب، وبالتالي ينفي الفرد في كلتا الحالتين عن نفسه أن يكون هو السبب بعامل سلوكه الغذائي أو سلوكه النفسي غير المتوازن أو طبيعة علاقاته بالآخرين. أمّا النموذج الثاني، فهو داخليّ يرجع المرض إلى الانتقال الوراثي الجيلي أو أيضًا إلى الحالة النفسية المتوتّرة أو القلقة.

خاتمة

لعلّ الخلاصة الأهم التي انتهينا إليها من خلال قراءتنا الموسّعة للدراسات والبحوث التي تندرج ضمن إشكالية البحث هي أنّها تتوزّع إلى قطبين: قطب يميل إلى استثمار الاكتشافات الجديدة والثورية في علم الوراثة وعلم التخلّق الجيني ليثبت هيمنة البيولوجي أو الحتمية الجينية في الوراثة السلوكية أو الانتقال الثقافي جينيًّا بين الأجيال. أمّا القطب الثاني فقد اشتغل على تأكيد تأثير العامل الثقافي في التغيرات الجينية والانتقال الجيني. كما أنّ الاستقطاب الذي يحاول أن يضعف موقف الحقل المعرفي المخالف بغية إثبات أحقيّة حضوره بقوّة في مقاربته لموضوعاته الخصوصية بحقله أي السلوك الاجتماعي وانتقال السمات السوسيو-ثقافية بين الأجيال، يسجن نفسه بذلك في الجدل القديم بين العلوم الطبيعية وعلم الاجتماع أو العلوم الاجتماعية الأخرى، وخاصة الأنثروبولوجيا بفروعها الثقافية والاجتماعية والفيزيقية.

أشارت الدراسات الحديثة في السوسيو-بيولوجيا إلى أنّ بعض السلوكيات الاجتماعية يمكن أن تنتقل عبر التوريث الجيني خلال النشاطات الخلوية الحيوية في الجسم، مما يعني أنّ هذه السلوكيات قد تنتقل من جيل إلى آخر، ويمكن أن تؤدّي الوراثة إلى نمط معيّن من السلوك الاجتماعي، مثل: الرغبة في التعاون، والتضامن مع الآخرين أو الرغبة في المنافسة، والتفوّق عليهم. إلاّ أنّ ذلك لا يضعف الحضور القويّ لتأثير البيئات التي يعيشها الفرد، مثل تجربة الحياة الاجتماعية والثقافية، في التعبير الجيني وإسهامها في تشكيل السلوك الاجتماعي الذي ينتقل إلى الأجيال اللاحقة. فالسلوك الاجتماعي البشري، كما أسلفنا عبر الدراسات المقتبسة في التحليل، يتأثّر بشكل كبير بالثقافة والتعليم والتجارب الشخصية، وبالتالي فإنّ الوراثة ليست العامل الوحيد الذي يؤثر على السلوك الاجتماعي؛ لاعتماد السلوك الاجتماعي على تفاعل معقّد بين العوامل الوراثية والبيئية، وليس ببساطة على أحدهما فحسب. فرغم أنّ عدد من الدراسات السوسيو-بيولوجية انتهت إلى تأكيد حقيقة تأثير الوراثة على السلوك الاجتماعي، فإنّ ذلك لا يحصل إلاّ في تفاعل ما مع العوامل البيئية والثقافية التي تتغاير معها أشكال التأثير الجيني في انتقال السلوكيات الاجتماعية.

وبشكل عام، فإنّ فهم التداخل بين العوامل البيولوجية والثقافية في انتقال الخصائص السلوكية بين الأجيال يُعدّ مجال بحث متطوّر ومعقّد أعاد فرض أهمية الخوض فيه حديثًا خارج منطق التخصّص، ورسم الحواجز الصارمة بين الحقول المعرفية الطبيعية أو الإنسانية والاجتماعية. لذلك فإنّ فكّ طلاسمها يتطلّب تضافر وتنافذ الكثير من الدراسات المستقبلية والأبحاث لإثبات العلاقات والتأثيرات بين هذه العوامل. ذلك أنّ التفاعل بين الوراثة الجينية والإرث الثقافي يشتغل بكيفيات مختلفة. فكلّ شخصية هي نتاج تدخّل مبدأين توليديين هما البيولوجي والثقافي[70]. فحضور البعد الثقافي بحسب موران لا يلغي ولا يحلّ محلّ النسق الجيني، بل إن الإرث الثقافي يكمل الوراثة ويضمن دوام المجتمع، لكونه يضمن استمرارية إنتاج المجتمع لنفسه ذاتيّا بشكل دائم أو إعادة التنظيم الذاتي الذي يحدّد بشكل ما إعادة إنتاج النسق الثقافي في كلّ فرد من أفراد المجتمع. ومن ناحية أخرى فإنّ جزءًا من علوم الحياة ما بعد الجينوم ينفتح اليوم بحثيًّا على الأبعاد البيئية والاجتماعية والثقافية التي تمّ تجاهلها من قبل البيولوجيا، وظلّت مجالًا مخصوصًا للعلوم الاجتماعية والسوسيولوجيا، خصوصًا تحت مبرّر صرامة الفواصل الإبستمولوجية بين المعارف. فهذه الأبعاد أصبحت بتأثير من المقاربة البينية ذات صلة وثيقة بالبيولوجيا، ممّا قلّل أو خفّف من التعارض بين البيولوجي والثقافي وأخرج الجدل العلمي من الاختزالية البيولوجية أو الاجتماعية المفرطة إلى البحث في كيفيات التداخل والتبادل بين الجيني والثقافي في انتقال وتوارث الخصائص الجينية، مثل السمات الشخصية والسلوكية والقدرات العقلية.

صفوة القول إذًا، إنّ العلوم الحديثة ما بعد الجينوميات وخاصة علم التخلّق تطرح على العلوم الاجتماعية عمومًا وعلم الاجتماع خصوصًا أبعادا جديدة للعلاقة، تفرضها الاكتشافات الهائلة التي لم تعد تملك السوسيولوجيا وغيرها من العلوم الاجتماعية الصلابة اللازمة للبقاء في دائرة أسئلتها التقليدية وطروحاتها الحديّة حول السلوك الاجتماعي للبشر، وانتقال الصفات والخصائص السلوكية يقودها أكثر من ذي قبل إلى الشراكة متعدّدة التخصصات من أجل فهم أعمق وأدقّ للإنسان والمجتمع وظواهر التفاوت الاجتماعي في المكانة والطبقة والميول السلوكية والطباع وما إلى ذلك[71]. ومع ذلك ما زال علماء الاجتماع يتجاهلون التطوّرات الكبرى للعلوم المعرفية والبيولوجيا العصبية بحجة أنّ هذه العلوم تنفرد بدراسة الطبيعة الأولية للعقل في حين أنّ السوسيولوجيا معنية بدراسة الطبيعة الثانية للنشاط البشري، أي ما هو اجتماعي وثقافي. غير أنّ هذا الانغلاق والصرامة الإبستمولوجية يحرم علم الاجتماع، كما يصرّح بذلك لايير (Lahire) في أحدث مؤلّفاته، من أن يثري مقاربته للفعل البشري وسلوكياتها الاجتماعية بالتقاطع مع نتائج العلوم الاجتماعية الأخرى من جهة، والعلوم البيولوجية وما تحمله من حقائق واكتشافات علمية ثورية ضمن ما يسمى بما بعد الجينوم التي تضع العلوم الاجتماعية بتخصّصاتها المتنوعة في لحظة نقدية تاريخية للانخراط في مراجعات تمسّ موضوعاتها ومقارباتها وحدودها مع العلوم البيولوجية من جهة أخرى. فهذا الكمّ الهائل من الثورات في عديد الحقول العلمية يجعلها حتمية وغير اختيارية بالمرّة.


 

المراجع

أولًا: العربية

تيودور، أدورنو. محاضرات في علم الاجتماع، ترجمة: جورج كتورة. بيروت: مركز الإنماء القومي، 1985.

ستيفنسون، ليزلي. وآخرون، ثلاث عشرة نظرية في الطبيعة البشرية، ترجمة: خليل زيدان. الرياض: دار أدب للنشر والتوزيع، 2022.

كيفلس، دانييل. وهود، ليروي. الشفرة الوراثية للإنسان، القضايا العلمية والاجتماعية مشروع الجينوم البشري، ترجمة: أحمد مستجير. الكويت: عالم المعرفة، 1997.

ليفونتين ريتشارد، البيولوجيا عندما تصبح أيديولوجيا: عقيدة الحمض النووي، ترجمة: فهد عبد العزيز وأسامة خالد. الكويت: رواسخ، 2019.

ثانيًا:

Reference:

Adorno, Theodor. Introduction to Sociology. (In Arabic). trans Jūrj Kattūrah. Bayrūt: Markaz al-Inmāʼ al-Qawmī, 1985.

Albert Espelt, et al, « Socioeconomic inequalities in diabetes mellitus across Europe at the beginning of the 21st century », Diabetologia, Vol.51, No.11 (September 2008), pp. 1971-1979.

Arthur Rogers and Denis Durand, de Bousingen, Une Bioéthique pour L’Europe. Strasbourg: Les éditions du Conseil de l’Europe, 1995.

Augé, Marc. Herzlich, Claudine. Le sens du mal, Anthropologie, histoire, sociologie de la maladie. Paris: éd. Des Archives contemporaines, 1984.

Bandura, Albert. Social Learning Theory. Englewood Cliffs, NJ: Prentice Hall, 1977.

Canguilhem, Georges. Le normal et le pathologique. Paris: Puf, coll Quadrige,2013.

Carnoy, Albert & Worms, René. « La Sociologie. Sa nature, son contenu, ses attaches », Revue néo-scolastique de philosophie. Deuxième série, 26ᵉ année, No. 1, (1924), pp. 114-116.

Cicolella, André. « Les perturbateurs endocriniens », in Annie Thébaud-Mony (éd), Les risques du travail. Pour ne pas perdre sa vie à la gagner. Paris: La Découverte, 2015.

Cohen-Scali, Jonathan. « La maladie chronique comme recomposition du social: diabète, malades, experts », Science politique. Université Montpellier I, 2014, p. 25, accessed on 04/02/2023, at: https://theses.hal.science/tel-01537125/document.

Cordonier, Laurent. «La biologie permet-elle d’expliquer le social? » Science et Pseudo-Sciences (Afis), No.335 (Janvier 2021).

Coutu, Benoit. (dir.), De la dualité́ entre nature et culture en sciences sociales. Montréal: Les éditions libres du carré rouge, 2014.

Delas. J.P, Milly B. Histoire Des Pensées Sociologiques, Paris: Armand colin,2012.

Domnique, Raynaud. « La sociologie est-elle une science naturelle comme une autre? », in G. Bronner et R. Sauvayre. Le naturalisme dans les sciences sociales. Paris: Hermann,2011.

Driscoll, Catherine. "Sociobiology", The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Summer 2022 Edition), Edward N. Zalta (ed.), accessed on 06/7/2023, at: https://plato.stanford.edu/archives/sum2022/entries/sociobiology

Druet, Céline & et al. « Échantillon national témoin représentatif des personnes diabétiques », Saint-Maurice: Institut de veille sanitaire; 2012. Accessed on 06/03/2023, at: http://www.intercomsante57.fr/html/assoc/pdf/Synthese-echantillon-representatif-personnes-diabetiques-entred-2007-2010.pdf

Dubois, Michel., Guaspare, Catherine and Louvel, Séverine. "De la génétique à l’épigénétique: une révolution «post-génomique» à l’usage des sociologues," Revue française de sociologie, Vol. 59, No. 1 (2018), pp. 71-98. https://doi.org/10.3917/rfs.591.0071.

Florent, Bernard. “Vers une description naturaliste du phénomène culturel, Les relations causales entre neurobiologie et culture,” L’Homme, Vol. 209, No. 1 (2014), pp. 95-120.

Gauthier, Claude. “Spencer, le concept de société: entre organicisme et individualisme”, Philosophiques, Vol. 20, N° 1 (printemps1993), pp. 3-24.

Geiger, Roger L. “René Worms, l’organicisme et l’organisation de La Sociologie.” Revue Française de Sociologie, Vol.22, No.3 (1981), pp.345–60. https://doi.org/10.2307/3321156.

Guillo, Dominique. Sciences sociales et sciences de la vie. Paris: Puf, 2000.

Héritier, Françoise. Masculin/féminin. La pensée de la difference. Paris: Odile Jacob, 1996.

Honneth, Axel. « Les Maladies De La Société; Approche d’un concept presque impossible », Réseaux, Vol. 5, No. 193 (2015), pp. 21-42.

Horkheimer, Max. Between Philosophy and Social Science: Selected Early Writing, translated by G. Frederick Hunter. London: Press Cambridge, 1993.

Jean-Pierre Poulain, Manger aujourd’hui, attitudes, normes et pratiques. Toulouse: éd Privat, 2002.

Kevles, Daniel & Hood, Leroy. The code of codes: scientific and social issues in the human genome project. (In Arabic). Trans Aḥmad Mustajīr. Al-Kuwayt: ʻĀlam al-Maʻrifah, 1997.

Kleini, Julie Th. « A conceptual vocabulary of interdisciplinary science », In Weingart, Peter, Stehr, Nico, (eds) Practising interdisciplinary. London: University of Toronto Press,2000.

Lahire, Bernard. Les structures fondamentales des sociétés humaines. paris: éd La découverte, Sciences sociales du vivant, 2023.

Lebredonchel, Louis. “Sociologie des représentations alimentaires et de l’éducation à l’alimentation, pour une alimentation durable dans le contexte de la transition épidémiologique, Une étude de cas au sein de quatre écoles élémentaires”. Thèse de doctorat en sociologie et démographie, Caen: Université de Caen-Normandie,2021, pp. 115-130, accessed on 20/01/2023, at: https://tel.archives-ouvertes.fr/tel-03450172/.

Lewontin, Richard. Biology as Ideology: The Doctrine of DNA. (In Arabic). trans Fahd ʻAbd al-ʻAzīz & Usāmah Khālid. Al-Kuwayt: rwāskh, 2019.

Luca, Cavalli-Sforza. Evolution biologique, évolution culturelle. Paris: éd Odile Jacob, 2005.

Lumsden, Charles. Wilson, Edward. O. Genes, Mind and Culture, The Coevolutionary Process. Cambridge, MA: Harvard University Press, 1981.

M.J Marie Pascaline. “L'expérience de la ménopause: étude Ethnographique En Suisse Romnde Et Au Centre Cameroun”, Thése De Doctorat. Lausanne: l'Université de Lausanne, 2012.

Margaret, Lock. « Encounters with Aging; Mythologies of Menopause in Japan and North America », Medical Anthropology Quarterly, Vol. 9, No. 2 (Jun, 1995), pp. 284-286.

Martinez. Cruz Begoña & et al. « In the heartland of Eurasia: the multilocus genetic landscape of Central Asian populations », European journal of human genetics, Vol. 19, No. 2 (2011), pp. 216-223.

Massimo Mezzavilla, & et al. « Genetic landscape of populations along the Silk Road: admixture and migration patterns », BioMed Central, 2014, accessed on 03/2/2023, at: https://d-nb.info/1096853434/34.

Meyran, Régis. “La culture est-elle dans les gènes?” Pour la Science, N°. 428, (Juin 2013).

Mills, M.C. Tropf. F.C. « Sociology, Genetics and the Coming of Age of Sociogenomics», Annual Review of Sociology, Vol. 46 (2020), pp. 553-581, accessed on 18/1/2023,at: https://doi.org/10.1146/annurev-soc-121919-054756.

Morin, Edgar, Le Paradigme Perdu: La Nature Humaine. Paris: Éditions du Seuil, 1973.

Murray, Christopher J L. and et al, « a multi-investigator collaboration for global comparative descriptive epidemiology », The Lancet, Vol. 380, No. 9859 (Déc. 2012), pp. 2055-2058.

Organisation mondiale de la Santé, Rapport mondial sur le diabète, World Health Organization 2016, accessed on 05/03/2023, at: http://apps.who.int/iris/bitstream/handle/10665/204875/WHO_NMH_NVI_16.3_fre.pdf;jsessionid=0D55028658C74411F085786BF4799734?sequence=1, p. 26.

Panofsky, Aaron L. « Field analysis and interdisciplinary science: Scientific capital exchange in behavior genetics », Minerva, Vol. 49, No. 3, (2011), pp. 295–316, accessed on 07/7/2023, at: https://doi.org/10.1007/s11024-011-9175-1.

Parsons, Talcott. The Social System. London: Routledge, New éd, 1991.

piroux, Joël. Pathologies environnementales. Paris: éd Josette Lyon, 2007.

Punthakee, Z., Goldenberg, R., Katz, P. «Definition, classification and diagnosis of diabetes, prediabetes and metabolic syndrome», Canadian journal of diabetes, Vol. 42 (2018).

Rabinow, Paul. Le Déchiffrage du Génome: L’aventure Française, Trad Frédéric Keck. Paris: Odile Jacob, 2000.

Raymond Boudon, « Les sciences humaines peuvent-elles échapper au naturalisme? », in Gérald Bronner. Romy Sauvayre (dir), Le Naturalisme dans les sciences sociales. Paris: Hermann, 2011.

Richer, Jocelyne & Margaret, Lock. « Bouffées de chaleur Au Pays De La Menopause », Interface: la revue de l'ACFAS, Vol. 17, No. 3 (mai 1996).

Robinson G. E., Grozinger C. M., Whitfield C. W, « Sociogenomics: social life in molecular terms », Nature Reviews Genetics, Vol. 6, No. 4 (2005), pp. 257-270.

Ruelland. Jacques G. L’Empire Des Génes, Histoire de la sociobiologie, Lyon: Éd ENS Éditions, 2004.

Sahlins Marshall. Critique De La Sociobiologie. Paris: NRF Gallimard, 1980.

Sebastien, Lemerle. Essor Et Diffusion des Pensers Sociobiologiques En France 1970-1995. Paris: Bibliothèque Interuniversitaire des Langues Orientales, 2000.

Spencer, Herbert. Principes de psychologie, T1. Paris: éd L’Harmattan, 2007.

–––. Principles of Biology, Vol.1, gutenberg. Release Date: April 26, 2017 [EBook #54612], accessed on 16/01/2023, at: https://www.gutenberg.org/files/54612/54612-h/54612-h.htm.

Stevenson, Leslie et al. Thirteen Theories of Human Nature. (In Arabic). trans Khalīl Zaydān. Al-Riyāḍ: Dār adab lil-Nashr wa-al-Tawzīʻ, 2022.

Sylvie, Pouteau. (edit), Génétiquement indéterminé; Le vivant auto-organisé. Versailles: Editions Quae, 2007.

Vincent, Jeanne-Françoise. « La ménopause, chemin de la liberté selon les femmes beti du Sud-Cameroun », Journal des africanistes, Vol. 73, No. 2 (2003), pp. 121-136.

Virginie, Vinel “La menopausa, passaggio verso un altro status? Invecchiamento e vecchiaia femminile presso i Moose del Burkina Faso”, in Diasio N., Vinel V., Il tempo incerto. Antropologia della menopausa. Milan: éd. Franco Angeli, 2007.

–––. « La ménopause: instabilité des affects et des pratiques (France)». in: Héritier F, Xanthakou M, Corps et affects. Paris: O. Jacob, 2004.

Wilson, David Sloan., Wilson, Edward O. Rethinking The Theoretical Foundation of Sociobiology, The Quarterly Review of Biology, Vol. 82, N°. 4 (2007), pp. 327-348, accessed on 16/01/2023, at: Doi:10.1086/522809PMID 18217526S2CID 37774648.

Wilson, Edward O. Sociobiology; The New Synthesis.Cambridge. MA: Belknap/Harvard University Press, 1975.

–––. On Human Nature. Cambridge, MA: Harvard University Press, 1978.

–––. La sociobiology. Monaco: Éditions du Rocher, 1987.

Yves, Christen. L’Heure De La Sociobiologie. Paris, Albin Michel, 1979.



* قُدم في: مؤتمر مركز ابن خلدون السنوي للتجسير (30 سبتمبر-1 أكتوبر 2023).

* Submitted for: The Annual Conference of Ibn Khaldon Center on Interdisciplinary Research (September 30th-October 1st, 2023).

[1]- Raynaud Domnique, « La sociologie est-elle une science naturelle comme une autre ? », in G. Bronner et R. Sauvayre. Le naturalisme dans les sciences sociales (Paris: Hermann, 2011), pp. 289-317.

[2]- Julie Th. Kleini, « A conceptual vocabulary of interdisciplinary science », In Weingart, Peter, Stehr, Nico, (eds) Practising interdisciplinary (London: University of Toronto Press, 2000).

[3]- Bernard Lahire, Les structures fondamentales des sociétés humaines (Paris: éd La découverte,2023), pp. 16-34.

[4]- ريتشارد ليفونتين، البيولوجيا عندما تصبح أيديولوجيا: عقيدة الحمض النووي، ترجمة فهد عبد العزيز وأسامة خالد (الكويت: رواسخ، 2019)، ص14.

[5]- تيودور أدورنو، محاضرات في علم الاجتماع، ترجمة جورج كتورة (بيروت: مركز الانماء القومي،1985).

[6]- Arthur Rogers and Denis Durand de Bousingen, Une Bioéthique pour L’Europe (Strasbourg: Les éditions du Conseil de l’Europe, 1995), p.106.

[7]- Lahire, pp.42-43.

[8]- ليزلي ستيفنسون وآخرون، ثلاث عشرة نظرية في الطبيعة البشرية، ترجمة خليل زيدان (الرياض: دار أدب للنشر والتوزيع، 2022)، ص457-458.

[9]- Albert Bandura, Social Learning Theory, (Englewood Cliffs, NJ: Prentice Hall, 1977).

[10]- Herbert Spencer, Principles of Biology, Vol. 1, gutenberg. Release Date: 26/4/ 2017, accessed on 16/01/2023, at https://www.gutenberg.org/files/54612/54612-h/54612-h.htm.

[11]- Claude Gauthier, Spencer, le concept de société: entre organicisme et individualisme , Philosophiques, Vol. 20, No.1(printemps1993), pp. 3-24.

[12]- Dominique Guillo, Sciences sociales et sciences de la vie (Paris: Puf, 2000).                                                                                                                                       

[13]- Roger L. Geiger, “René Worms, l’organicisme et l’organisation de La Sociologie.” Revue Française de Sociologie, Vol. 22, No. 3 (1981), pp. 345–60. https://doi.org/10.2307/3321156.

[14]-Albert Carnoy. René Worms, « La Sociologie. Sa nature, son contenu, ses attaches », Revue néo-scolastique de philosophie. Deuxième série ,26ᵉ année, No. 1 (1924), pp. 114-116.

[15]- J.P Delas. B.Milly, Histoire Des Pensées Sociologiques (Paris: Armand colin,2012), pp. 30-34.

[16]- Laurent Cordonier, « La biologie permet-elle d’expliquer le social ?» Science et Pseudo-Sciences (Afis), No. 335 (janvier 2021), pp. 5-10.

[17]- Raymond Boudon, « Les sciences humaines peuvent-elles échapper au naturalisme ? », in Gérald Bronner. Romy Sauvayre (dir), Le Naturalisme dans les sciences sociales (Paris: Hermann, 2011), pp. 23-50.

[18]- Edward O.Wilson, La sociobiologie (Monaco: Éditions du Rocher, 1987) , p. 20.

[19]- Lemerle Sebastien, Essor Et Diffusion Des Pensers Sociobiologiques En France 1970-1995 (Paris: Bibliothèque Interuniversitaire des Langues Orientales, 2000), p. 67.

[20]- David Sloan Wilson , Edward O. Wilson. , Rethinking The Theoretical Foundation of Sociobiology, The Quarterly Review of Biology, Vol.82, No.4 (2007), pp.327-348, accessed on 16/01/2023, Doi:10.1086/522809PMID 18217526S2CID 37774648.

[21]- Dominique Guillo, Sciences sociales et sciences de la vie (Paris: Puf, 2000).

[22]- Jacques G. Ruelland. L’Empire Des Génes, Histoire de la sociobiologie (Lyon: Éd ENS Éditions,2004).

[23]- Christen Yves, L’Heure De La Sociobiologie (Paris, Albin Michel, 1979).

[24]-ويكيبيديا، الموسوعة الحرّة، غشائيات الأجنحة، تاريخ الزيارة 25/02/2023، غشائيات _الأجنحة https://ar.wikipedia.org/wiki/

[25]- Benoit Coutu (dir.), De la dualité́ entre nature et culture en sciences sociales (Montréal: Les éditions libres du carré rouge, 2014), pp. 181-209.

[26]- Catherine Driscoll, "Sociobiology", The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Summer 2022 Edition), Edward N. Zalta (ed.), accessed on 06/7/2023, at https://plato.stanford.edu/archives/sum2022/entries/sociobiology

[27]-Edward. O Wilson, Sociobiology; The New Synthesis (Cambridge, MA: Belknap/Harvard University Press, 1975), p4.

[28]- Lahire, p. 35.

[29]-Edward. O Wilson, On Human Nature (Cambridge, MA: Harvard University Press, 1978), pp. 20-129.

[30]- Wilson. O, pp. 128-130.

[31]-Charles Lumsden, Edward. O Wilson. Genes, Mind and Culture, The Coevolutionary Process (Cambridge, MA: Harvard University Press, 1981), pp. 307-308.

[32]- Régis Meyran, « La culture est-elle dans les gènes ? » Pour la Science, No.428 (Juin 2013), p. 72.

[33]- Marshall Sahlins, Critique De La Sociobiologie (Paris: NRF Gallimard, 1980), p. 32.

[34]- Bernard Florent, « Vers une description naturaliste du phénomène culturel, Les relations causales entre neurobiologie et culture », L’Homme, Vol. 209, No. 1 (2014), pp. 95-120.

[35]- Aaron L. Panofsky, « Field analysis and interdisciplinary science: Scientific capital exchange in behavior genetics », Minerva, Vol. 49, No. 3 (2 011), pp. 295–316, accessed on 07/7/2023, at https://doi.org/10.1007/s11024-011-9175-1.

[36]- G. E. Robinson, C. M. Grozinger, C. W Whitfield, « Sociogenomics: social life in molecular terms », Nature Reviews Genetics, Vol. 6, No. 4 (2005), pp. 257-270.

[37]- M.C. Mills, F. C. Tropf, « Sociology, Genetics and the Coming of Age of Sociogenomics», Annual Review of Sociology, Vol. 46 (2020), pp. 553-581, accessed on 18/1/2023, at https://doi.org/10.1146/annurev-soc-121919-054756.

[38]- Paul Rabinow, Le Déchiffrage du Génome: L’aventure Française, Trad Frédéric Keck (Paris: Odile Jacob, 2000), p. 12.

[39]-Evelyne Heyer, Philippe Mennecier. « Genetic and linguistic diversity in Central Asia », In
Francesco d'Errico
 , Jean-Marie Hombert, Becoming Eloquent, Advances in the emergence of language, human cognition, and modern cultures (Amsterdam/Philadelphia: John Benjamins Publishing Company, 2009), pp. 163-180.

[40]- Massimo Mezzavilla, & Al, « Genetic landscape of populations along the Silk Road: admixture and migration patterns », BioMed Central, 2014, accessed on 03/2/2023, at https://d-nb.info/1096853434/34.

[41]- Martinez. Cruz Begoña & al, « In the heartland of Eurasia: the multilocus genetic landscape of Central Asian populations » , European journal of human genetics ,Vol. 19, No. 2 (2011), pp. 216-223.

[42]- Cavalli-Sforza Luca, Evolution biologique, évolution culturelle (Paris: éd Odile Jacob,2005).

[43]-Lock Margaret, « Encounters with Aging; Mythologies of Menopause in Japan and North America », Medical Anthropology Quarterly, Vol. 9, No. 2 (Jun 1995), pp. 284-286.

[44]- صيغ المصطلح في عام 1821 من قبل الطبيب الفرنسي تشارلز غاردان (Gardanne)، وبدأ تداوله لأول مرة في منتصف القرن التاسع عشر في الدوائر الطبية في أوروبا وأمريكا الشمالية للإشارة إلى الوقت الذي يقترب من نهاية دورات الحيض.

[45]- Lock, op cit.

[46]- Jocelyne Richer, Lock Margaret, « Bouffées de chaleur Au Pays De La Menopause », Interface: la revue de l'ACFAS, Vol. 17, N°. 3 (mai 1996), p. 13.

[47]- Vinel Virginie, « La ménopause: instabilité des affects et des pratiques (France) » In: Héritier F, Xanthakou M, Corps et affects (Paris: O. Jacob, 2004).

[48]- Vinel Virginie, “La menopausa, passaggio verso un altro status? Invecchiamento e vecchiaia femminile presso i Moose del Burkina Faso”, in Diasio N., Vinel V., Il tempo incerto. Antropologia della menopausa (Milan: éd. Franco Angeli, 2007), pp. 55-74.

[49]- Jocelyne, p. 14.

[50]- Françoise Héritier, Masculin/féminin. La pensée de la différence (Paris: Odile Jacob, 1996), p. 225.

[51]- Jeanne-Françoise Vincent, « La ménopause, chemin de la liberté selon les femmes beti du Sud-Cameroun », Journal des africanistes, Vol. 73, No. 2 (2003), pp. 121-136.

[52]- Marie Pascaline M.J, « L'expérience de la ménopause: étude Ethnographique En Suisse Romnde Et Au Centre Cameroun », Thése De Doctorat (Lausanne: l'Université de Lausanne,2012), pp. 48-51.

[53]- Albert Espelt, et al, « Socioeconomic inequalities in diabetes mellitus across Europe at the beginning of the 21st century », Diabetologia, Vol. 51, No. 11 (September 2008), pp. 1971-1979.

[54]- Jonathan Cohen-Scali. « La maladie chronique comme recomposition du social: diabète, malades, experts », Science politique. Université Montpellier I, 2014, p. 25, accessed on 04/02/2023, at https://theses.hal.science/tel-01537125/document.

[55]- Georges Canguilhem, Le normal et le pathologique (Paris: Puf, 2013), pp. 41-66.

[56]- Axel Honneth, « Les Maladies De La Société; Approche d’un concept presque impossible », Réseaux, Vol. 5, No. 193 (2015), p. 26.

[57]- Talcott Parsons, The Social System (London: Routledge, New éd, 1991), p. 431.

[58]- Z. Punthakee, R. Goldenberg, P. Katz, « Definition, classification and diagnosis of diabetes, prediabetes and metabolic syndrome », Canadian journal of diabetes, Vol.42(2018), pp. 10-15.

[59]- Christopher J L. Murray and et al, « a multi-investigator collaboration for global comparative descriptive epidemiology », The Lancet, Vol. 380, No. 9859 (Déc. 2012), pp. 2055-2058.

[60]- استعرنا مفهوم القابلية من المفكّر العربي الجزائري مالك بن نبي الذي استعمل مفهوم القابلية للاستعمار في تفسيره للعلاقة بين التنمية والتخلّف.

[61]-Louis Lebredonchel, « Sociologie des représentations alimentaires et de l’éducation à l’alimentation, pour une alimentation durable dans le contexte de la transition épidémiologique, Une étude de cas au sein de quatre écoles élémentaires » Thèse de doctorat en sociologie et démographie (Caen: Université de Caen-Normandie,2021), pp.115-130, accessed on 20/01/2023, at: https://tel.archives-ouvertes.fr/tel-03450172/.

[62]- Cohen-Scali, p. 25.

[63]- Druet, Céline & et al. « Échantillon national témoin représentatif des personnes diabétiques », Saint-Maurice: Institut de veille sanitaire; 2012. Accessed on 06/03/2023, at http://www.intercomsante57.fr/html/assoc/pdf/Synthese-echantillon-representatif-personnes-diabetiques-entred-2007-2010.pdf

[64]- Organisation mondiale de la Santé, Rapport mondial sur le diabète, World Health Organization 2016, accessed on 05/03/2023, at http://apps.who.int/iris/bitstream/handle/10665/204875/WHO_NMH_NVI_16.3_fre.pdf;jsessionid=0D55028658C74411F085786BF4799734?sequence=1 , p. 26.

[65]- Joël piroux, Pathologies environnementales (Paris: éd Josette Lyon,2007).

[66]- André Cicolella, « Les perturbateurs endocriniens », in Annie Thébaud-Mony (éd), Les risques du travail. Pour ne pas perdre sa vie à la gagner (Paris: La Découverte, 2015), pp. 287-290.

[67]- Jean-Pierre Poulain, Manger aujourd’hui, attitudes, normes et pratiques, (Toulouse: éd Privat, 2002).

[68]- Pouteau Sylvie, Génétiquement indéterminé; Le vivant auto-organisé (Versailles: éd Quae, 2007).

[69]- Marc Augé, Claudine Herzlich. Le sens du mal, Anthropologie, histoire, sociologie de la maladie (Paris: éd. Des Archives contemporaines, 1984), pp. 217-256.

[70]- Edgar Morin, Le Paradigme Perdu: La Nature Humaine (Paris: Éditions du Seuil, 1973), p. 141.

[71]- Michel Dubois, Catherine Guaspare & Séverine Louvel, "De la génétique à l’épigénétique: une révolution «post-génomique» à l’usage des sociologues", Revue française de sociologie, Vol. 59, No. 1 (2018), pp. 71-98.