تاريخ الاستلام: 08 أكتوبر 2023

تاريخ التحكيم: 30 ديسمبر 2023

تاريخ القبول: 19فبراير 2024

مقالة بحثية

المكان والزمان والآخر في السير الذاتية

عبد الرحمن أبو عابد

باحث، ماجستير في الأدب المقارن من معهد الدوحة للدراسات العليا، قطر

abdulrahman.abuabed@gmail.com

https://orcid.org/0009-0003-6815-7207

ملخص

على الرغم من الثراء الذي يذخرُ به الأدب العربي في الكتابات السيرية، سواء الذاتية أم الغيرية، لم يقابله ثراءٌ مماثلٌ ولازم على المستوى التنظيري لهذه الممارسات الفنية؛ إذ دارت معظم الكتابات بين التوفيق والتلفيق لما يجدُّ في الأكاديمية غرب الأوربية وشمال الأمريكية من نقاشات أبرزها نقاش الجنس الأدبي، وسؤال الذات الذي بدأ بمركزيتها وانتهى بزعزعتها، وصولًا للعولمة المعاصرة لمفهوم كتابات الحياة. تناقش الورقة بعض أبرز الإشكاليات النظرية لهذا الحقل البيني في العلوم الإنسانية، وتلك التي تُكثفها السير العربية والفلسطينية خاصة، منطلقين في قراءتنا لها من الممارسات السيرية في حقلها العربي عبر مفهومي السيرة والترجمة: السيرة بتفعيلها فلسفيًا ومنهجيًا؛ بإلزاماتها المكانية والزمانية والذاتية وبين الذاتية والموضوعية، والترجمة بإلزامها التأويلي الكامن في دلالتها اللسانية والتراثية والمفتوحة على التعدد، مع محاولة الجواب على سؤال حضور الآخر في السير الذاتية وما يحمله من إشكاليات الخاص من العام والفرد في الجماعة. طامحين بهذا تقديم مقاربات نظرية جديدة لدراسة السير الذاتية والغيرية.

الكلمات المفتاحية: السيرة، التراجم، كتابة الحياة، السير الذاتية الفلسطينية، دراسات المكان

 

للاقتباس: أبو عابد، عبد الرحمن. «المكان والزمان والآخر في السير الذاتية»، مجلة تجسير لدراسات العلوم الإنسانية والاجتماعية البينية، المجلد السادس، العدد 1 (2024)، ص35-58. https://doi.org/10.29117/tis.2024.0160

© 2024، أبو عابد، الجهة المرخص لها: مجلة تجسير ودار نشر جامعة قطر. نُشرت هذه المقالة البحثية وفقًا لشروط Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0). تسمح هذه الرخصة بالاستخدام غير التجاري، وينبغي نسبة العمل إلى صاحبه، مع بيان أي تعديلات عليه. كما تتيح حرية نسخ، وتوزيع، ونقل العمل بأي شكل من الأشكال، أو بأية وسيلة، ومزجه وتحويله والبناء عليه، طالما يُنسب العمل الأصلي إلى المؤلف. https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0


 

Submitted: 08 October 2023

Reviewed: 30 December 2023

Accepted: 19 February 2024

Research Article

Place, Time, and the Other in ‘Life Writings’

Abdelrahman Abuabed

Researcher, Master’s Degree in Comparative Literature, Doha Institute for Graduate Studies, Qatar

abdulrahman.abuabed@gmail.com

https://orcid.org/0009-0003-6815-7207

Abstract

Arabic literature has a wealth of 'life writings,' both autobiographical and biographical, but this does not correspond to a comparable and essential wealth at the theoretical level. Being occupied with/by the theoretical discussions of West European and North American perspectives, notably those concerning literary genres, the question of the self that began with its centralization and ended with its destabilization, and the contemporary globalization of the term life writing, not much organic theoretical attention was given to this diverse corpus of Arabic literary practice. In this paper, I examine key theoretical issues of this interdisciplinary field in Humanities and how they are amplified by Arab and particularly Palestinian auto\biographies. By activating “sira” philosophically and methodically with its spatial, temporal, subjective, intersubjective, and objective aspects, and “tarjma” through its interpretative, historical, and linguistic implications, the paper engages with two main practices and concepts, al-sīrah and al-tarjamah, in its task to tackle these theoretical issues. This paper, as well, analyzes the question of the other in autobiographies through the prism of these two concepts and the challenges they pose for the distinctions among the private, the public, the individual and the collective, with the aim of contributing new insights to the theoretical debates of the study of auto\biographies.

Keywords: Autobiography; Tarājim; Sīrah Writings; Palestinian Auto/biographies; Place Studies

 

Cite this article as: Abuabed, Abdelrahman. "Place, Time, and the Other in ‘Life Writings’". Tajseer Journal for Interdisciplinary Studies in Humanities and Social Science, Vol. 6, Issue1 (2024), pp. 35-58. https://doi.org/10.29117/tis.2024.0160

© 2024, Abuabed, licensee Tajseer Journal & QU Press. This article is published under the terms of the Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0), which permits non-commercial use of the material, appropriate credit, and indication if changes in the material were made. You can copy and redistribute the material in any medium or format as well as remix, transform, and build upon the material, provided the original work is properly cited. https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0

 

 


 

مقدّمة

"ولكنّ سيرة المؤلف هي أحد المكونات الأساسية لهذا النص المفتوح على كل أشكال الكتابة القادرة على استيعاب همومه الوجودية والثقافية والفلسفية"[1]. هذا ما كتبه الشاعر الفلسطيني محمود درويش في مقدمة الترجمة الفرنسية للسيرة الذاتية لحسين البرغوثي. إن ما يسميه درويش "نصًا مفتوحًا" هو مدخلنا لتقديم مقاربات لقراءة السير الذاتية: كيف نقرؤها؟ ونفهمها كممارسة فنية ذاتية بأبعاد جماعية؟ وأي علاقة فيها بين الفرد والجماعة؟ منطلقين من نقاش السير الذاتية في حقلها العربي وتاريخه الهائل، قبل السياحة مع أبرز الكتابات النظرية حولها، إذ وجدنا اهتمامًا متصاعدًا بهذا الحقل المفتوح أيضًا على كافة العلوم الإنسانية، شاهدًا في سياقه العربي حضورًا متزايدًا على المستوى النظري، لكنه لا يواكب الثراء السيري العربي المعاصر والتراثي، إذ دارت معظم الاهتمامات بين التوفيق والتلفيق لما يجدُّ في الساحة الأوروأمريكية من نقاشات أبرزها نقاش النوع الأدبي، وسؤال الذات؛ بدءًا بمركزيتها وانتهاءً بزعزعة مكانتها كليًا، لذلك أفردنا له صدر البحث ليكون نقطة انطلاق مستقبلية، مُقدمين عبر تفعيل مفهومي السيرة والترجمة في السياق العربي أطرًا جديدة لمقاربة السير الذاتية: السيرة عبر تفعيلها فلسفيًا ومنهجيًا بإلزاماتها المكانية والزمانية والذاتية وبين الذاتية والموضوعية، والترجمة بإلزامها التأويلي الكامن في دلالتها اللسانية والتراثية، إلى جانب محاولة الجواب عن سؤال حضور الآخر في السير الذاتية، كيف نفهمه؟ وما دوره؟ ذلك أن حضور الآخر أصيل في السيرة الذاتية من عدة زوايا قارة في الممارسة نفسها. واختتمنا بتحليل استكشافي أولي لا يقطع القول بها، بل يشحذه، لعدة سير فلسطينية لكثافة تجربتها الأدبية بعلاقتها بالمكان، لنحفر في ذاكرة المكان السائلة كتكثيف خرائط مكانية وزمانية واجتماعية، تطوي بداخلها أشخاصًا خارج كاتبها وداخله، كاشفين عن مخزون نظري هائل تكتنزه هذه الممارسة وإمكانات جديرة بالتقصي.

أولاً: السير بالعربية

1.     السيرة كحقل بيني

يعد موقع السيرة الذاتية والغيرية حقلًا بينيًا، يجاور التاريخ والأدب والفلسفة وعلم النفس وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا وغيرها من الحقول المعرفية، وهو موقع جعله نهبًا معرفيًا لها بدون تناوله كمجال قائم بذاته، ولكن محنته هي نفسها منحته للعلوم الإنسانية؛ إذ يضيء عليها جمعيًا، كاشفًا عن مرونة حدودها المعرفية وسهولة التنقل بينها، بل وضرورة التنقل فيها للفهم. السيرة كممارسة فنية استرجاعية تجعل من الذات موضوعًا رئيسًا لها، سواء كانت لذاتٍ هي نفسها المؤلفـ/ــة وتسمى سيرة ذاتية، أم لشخص آخر يكتبها وتسمى سيرة غيرية، وإن حملت مُسميات مختلفة عكست جماليات ومتطلبات التواصل الفكري والمعرفي في فترات زمنية معينة، على غرار السيرة وأدب التراجم وعلم الرجال (الجرح والتعديل) والأنساب وأدب الرحلات والأخبار في الثقافة العربية الإسلامية، وكلها ميدانها حياة الأفراد وسيرتهم، بل وطال الجماعات والمدن والكائنات الحية مثل نسب الخيول[2]، مُتشابكة بطبيعة الحال مع شروط المرحلة التاريخية، التي انبثقت عنها هذه الممارسات كتدوين الأحاديث وحفظ تاريخ غزوات النبي محمد عليه السلام. لتصبح كتابة السير في التاريخ العربي الإسلامي، كما يرى طريف الخالدي، "تطابقًا تامًا مع التأريخ [...] حتى استعملت كلمة السير كمرادف للتاريخ"[3]. متوسعًا في نقاش التاريخ والوعي الذاتي – أحد مكونات الكتابة الذاتية – في التراث العربي الإسلامي[4]. ولا يمنع من أن الممارسات السيرية أقدم بكثير، فمن زاوية من الزوايا، الروايات والأخبار والشعر العربي قبل الإسلامي كتابة سيرية للشعراء أنفسهم أو لقبائلهم، وسرد استرجاعي لمواقف أثّرت بهم وذواتهم.

2.     السيرة والترجمة في العربية

يقال في لسان العرب: "سارَ القومُ يَسِيرُون سَيْرًا ومَسِيرًا إِذا امْتَدَّ بِهِمُ السَّيْرُ فِي جِهَةٍ تَوَجَّهُوا لَهَا [...] وَالِاسْمُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ السِّيرَةُ. حَكَى اللِّحْيَانِيُّ: إِنه لَحَسَنُ السِّيرَةِ؛ وَحَكَى ابْنُ جِنِّي: طَرِيقٌ مَسُورٌ فِيهِ وَرَجُلٌ مَسُورٌ بِهِ [...] وسَيَّرَهُ مِنْ بَلَدِهِ: أَخرجه وأَجلاه. وسَيَّرْتُ الجُلَّ عَنْ ظَهْرِ الدَّابَّةِ: نَزَعْتُهُ عَنْهُ"[5]. ونشير إلى أن الدلالات تحيل مباشرة إلى لحركة في المكان، "السيرة: السير، وهو المشي والذهاب"[6]. وكذلك الهيئة والشكل "سيرة الشيء هيئته وحالته"[7]، واستعملت كنمط حياة معين "السيرة الطريقة"[8] وللسيرة دلالات زمانية تاريخية، وهو الأكثر تداولًا "كل ما يروى من تاريخ الماضين وأخبارهم"[9]. ويمكن في ظلال التعريف الأخير أن نضع نقش النمارة –نقش امرئ القيس – النبطي الذي يعود بتاريخه للقرن الثالث الميلادي (328) ويتناول سيرة مقتضبة لمقاتل عربي اسمه عكدي[10]، في أوائل الممارسات السيرية المكتوبة في منطقتنا، أو على الأقل نضيء على مناطق جديدة فيه، خارج النقاشات التنظيرية المعاصرة.

مع إعادة نشر وتحقيق العديد من الممارسات السيرية في القرنين التاسع عشر والعشرين على أيدي الباحثين والباحثات العرب، نجد كتاب الترجمة الذاتية في الأدب العربي الحديث الذي يحاول فيه يحيى عبد الدايم تقديم مفهوم فني للترجمة الذاتية، وكذلك فن السيرة لإحسان عباس، كعملين ينخرطان في النقاش التنظيري العربي للسيرة الذاتية والغيرية عبر التنقيب في المراجع التراثية. يتتبع عبد الدايم ممارسات الترجمة الذاتية في التاريخ في السياق العربي والأورُبي، موضحًا الفرق في استعمال مصطلحي السيرة والترجمة، "نرى كلمة "ترجمة" يجري الاصطلاح على استعمالها لتدل على "تاريخ الحياة الموجز للفرد" وكلمة "سيرة" يصطلح على استعمالها لتدل على التاريخ المسهب للحياة"[11]. مُشيرًا إلى أن كلمة ترجمة انتقلت للعربية من الآرامية، وأول ما استعملها بمعنى تاريخ حياة فرد ما هو ياقوت الحموي في معجمه.

إلا أننا وجدنا أن أول ذكر مكتوب لكلمة مُترجم بمعنى "المُفسر والمُوضح" في كتاب التيجان في ملوك حمير في القرن السادس الميلادي[12]، واستُعملت كلمة ترجمة منذ القرن الثاني الهجري بمعنى نقل الكلام من لغة للغة[13]، بل استعمل ياقوت الحموي مفردة ترجمة بمعنى سيرة مدينة[14]، لا أفراد وحسب على النقيض مما ساقه عبد الدايم في تفريقه بين مصطلحي ترجمة وسيرة. هذا يعطي ثراءً أكبر لمفهوم الترجمة، سواء في معناها الدارج حاليًا من نقل المعنى من لسان للسان، أم من معناها المرتحل تاريخًيا بمعنى التفسير والشرح لظاهرة ما مثلما هي الحال مع ترجمة الأفراد أو ترجمة المدن، أو حتى الجسد كما نقرأ لدى أبي عبادة البحتري "وفي عينيك ترجمة أراها * تدل على الضغائن والحقود"[15]. إلا أن أول استخدام مكتوب لها بمعنى ذكرُ نسب وسيرة شخص ما كانت عند ابن أبي حاتم الرازي، "ولم يترجم لأوس بن شرحبيل في مسند الشاميين"[16]. ويتتبع الرازي في كتابه الرواة لمعاني كتاب الله وسنن رسوله مع تفحص أحوالهم وأمانتهم[17].

3.     سؤال النظرية والمنهج

لكن لم يقابل الثراء والتنوع شكلًا ومضمونًا في المدلولات والتاريخ الهائل من الممارسات السيرية لأشخاص ومدن وجماعات وكائنات حية، ثراءٌ تنظيري، هذا من جانب، أما الجانب الثاني فشهد القرنان التاسع عشر والعشرون تصاعدًا ملحوظًا في كتابات السيرة الذاتية، أبرزها سيرة طه حسين الأيام، وهي العمل السيري الأشهر، وظل لسنوات حاضرًا في الفضاء الإبداعي لكتابة السير الذاتية العربية.

أما العقود الثلاثة الأخيرة، فشهدت كتابات تنظيرية نوعية حاولت تزويد القراء والنقاد بحساسيات نقدية لمقاربة السيرة الذاتية، أبرزها مقالة "رقش الذات" لصبري حافظ، جامعةً بين ما قدمه النقاد الأوربيون من أطر نظرية ومفاهيمية، مع الانخراط في حوار حول ما يسميه حافظ "رقش الذات"، وطرح تساؤلات حول مركزية الذات وأسئلة الهوية في الكتابة السيرية العربية، وانعكاسات ذلك في استراتيجيات الكتابة[18]. والرقش "عملية تنطوي على قدر من الزخرفة والتصحيف، ومقدار من الخداع والمراوغة؛ لأن فيها قدرًا من النرجسية مهما تستر بالحياء والتواضع"[19]. ضاربًا مجاز المرآة وترتيب الإنسان لذاته وهندامه وللصورة المعكوسة أمامه، وينوب عن غياب المرآة العقد سير الذاتي بين القارئ والمؤلف[20]، لكن مجاز المرآة يوتر العلاقة أكثر بين الذات وانعكاس صورتها عند مناقشة بعض السيّر الذاتية متجاوزًا مثال حافظ، وبدل أن تؤكد الذات تلغيها.

يرى حافظ أنَّ أول سيرة ذاتية عربية في العصر الحديث هي الساق على الساق فيما هو الفارياق لأحمد الشدياق (1804-1887م)[21]، المنشورة عام 1855[22]، وهي النص سير الذاتي الذي بعده سلسلة هائلة من السير على اختلافها[23]، ويؤكد حافظ بأن "كل هذه الذوات التي كتبت نفسها في هذه النصوص المتعددة وعلى مدى أكثر من سبعين عامًا [من العشرينيات للتسعينيات] ذوات تشعر بانعدام التواؤم بينها وبين السياق التي ظهرت فيه[...] وتصبح عملية الكتابة فيها[...] انتصار الفردي على الجماعي"[24].

ثانيًا: السير ككتابة للحياة؟

لا يختلف الحال كثيرًا في السياقين الإنجليزي والفرنسي عن نظيرهما العربي فيما يتعلق بالتساؤلات حول السيرة الذاتية وكيفية قراءتها، خاصة مع اتساع الحقل الدراسي واختلاف السير الذاتية شكلًا ومضمونًا، ومن أبرز المراجع الأكاديمية المعاصرة، كتاب قراءة السير الذاتية (Reading Autobiography) لكاتبتيه سِدوني سميث (Sidonie Smith) وجوليا واتسون (Julia Watson) في إصداره الثاني 2010، وأهم ما يميزه رحابة الإشكاليات التي يغطيها، من تساؤلات الذات وإشكاليات مركزيتها، إلى جانب تقديم أربعة وعشرين منهجًا مختلفًا لقراءة السير الذاتية، بعد تصنيف قرابة ستين نوعًا من أنواع كتابات الحياة.

ويعود مفهوم كتابة الحياة (Life Writing) للأصل اليوناني لمفردة السيرة الذاتية (Autobiography)[25] التي تعني (auto) الذات، وbios أي الحياة، وgraphe الكتابة، ليصبح المعنى الكامل: "كتابة الذات للحياة"[26]، ويغطي بعد إزالة أو زعزعة الذات كل كتابات الحياة، من السيرة الغيرية لليوميات والمذكرات ومختلف الوسائط لذلك؛ سواء المكتوبة، أم الأدائية، أم المرئية، أم السينمائية، أم الرقمية[27]. ويقدمان تعريفًا لكتابة الحياة كالآتي: "مفهوم عام للكتابة التي تتناول الحياة سواء حياة الإنسان نفسه، أم حياة غيره كموضوع رئيس لها، ويمكن أن تكون الكتابة سيرية غيرية، أو روائية، أو تاريخية، أو سير ذاتية مباشرة، وبالتالي نسميها سيرة ذاتية"[28]. تسعى الباحثتان بتقديم مفهوم كتابة الحياة، بل وسرديات الحياة لصناعة "تاريخ عالمي"[29] لهذا الحقل الأكاديمي، وإخراجه من حدوده اليورُو-أمريكية الضيقة، بكل من يعنيه من سؤال الشكل والموضوع والبدايات.

1.     سؤال العالمية وقلق الرجل الغربي

درجت الكتابات اليورو-أمريكية لفترة طويلة على تعيين البداية العالمية للسيرة الذاتية باعترافات القديس أوغسطين في هيمنة ثقافية على ممارسات السرد الحياتية الأخرى، ومن ثم تعميد أسلوب الاعترافات كممارسة سيرية معيارية لأي عمل سيري يُصنف داخل هذا الإطار، لتصبح بذلك السيرة الذاتية رهينة الاعترافات الكنسية والأسلوب التعبيري لها هو الشكل المقبول، أي ذلك الذي تؤكد فيه الذات نفسها وتتعرى أمام القارئ الضمني والمعلن، كاشفة عن عيوبها ونواقصها منذ الطفولة، لتخرج كتابات مثل كتابات جورج جسدورف (Georges Gusdorf) مُصرحةً: "السيرة الذاتية غير موجودة خارج منطقتنا الثقافية، بل يبدو أنها تعبر عن قلق خاص بالرجل الغربي، وهو قلق أفاده في غزوه المنظم للكون، لينقله بذلك لرجال في ثقافات أخرى، ولكنهم سيظلون تابعين له في نوع من الاستعمار الفكري لعقلية ليست لهم، فعندما يحكي غاندي حكايته، يستعمل الأدوات الغربية للدفاع عن الشرق"[30].

من الطريف الإشارة إلى أن القديس أوغسطين ولدَ في طاغاست (سوق أهراس حاليًا) بالجزائر، وكتب اعترافاته وهو يتنقل في شمال أفريقيا المُستعمرَة من قِبل الرومان آنذاك، بل وتناولت اعترافاته طفولته هناك أكثر شيء، كما لم تشهد أوربا سيرة ذاتية شبيهة[31]، ومكتوبة داخل القارة، إلا بعد سبعة قرون من سيرته[32]، أي لا يوجد تاريخ مُتصل للسيرة الذاتية في السياق الأورُبي كنظيره بالعربية مثلًا، الذي يتجاوز فيه تاريخ وممارسات السيرة الألف عام[33]، ناهيكم التاريخ السيري عمومًا – الذاتي والغيري – في حضارات أخرى مثل الهند[34] أو الصين[35] أو حضارات وادي النيل[36]، ممن احتضنت كتابات سيرية غيرية وذاتية متنوعة خارج الشكل والمحتوي الأورُبي.

استشرى هذا الموقف في جيل كامل من الباحثين غرب الأورُبيين، كالفرنسي روي باسكال (Roy Pascal) ممن يجزم بأن السيرة الذاتية تنتمي لأوروبا[37]، ودليل على وجود مزايا نفسية خاصة بالحضارة الأورُبية[38]، ويضيف: "يتجاوز مسعاي البحثي كشف الأسباب وراء غياب السيرة الذاتية خارج أورُبا[...] لكن لا يوجد شك بأن السيرة الذاتية أوربية أساسًا"[39]. قد يظن القارئ أنَّ باسكال وجسدروف يطلقان التعميمات عن جهل، لكن من يقرأ لهما يرى أنهما مدركان لوجود سير ذاتية خارج أوربا، لكنها برأي باسكال "سير ذاتية بدافع الظروف لا أكثر"[40].

2.     إشكالية الجوهر

ما يهم في عرض هذه الأفكار هو أثرها الكبير في المنطلقات المعرفية لعدد من الكتابات التنظيرية اليوروأمريكية التي تُستدعى عن قراءة أية سيرة، كما يوضح دوايت رنولدز (Dwight Reynolds) في كتابه الشهير حول السيرة الذاتية العربية ترجمة النفس (Interpreting the Self) مناقشًا تاريخ دراسة السير الذاتية العربية في الأكاديمية الأوروأمريكية[41]. قبل أن يحاول تقديم تأطير لكيفية قراءة كتابات الحياة في الأدب العربي، مُفندًا في خضم ذلك القراءتين المهيمنتين السابقتين للسيرة الذاتية العربية التراثية لكل من جورج مِش (Georg Misch)، وفرانز روزينثال (Franz Rosenthal) وأعمالهما الرائدة في قراءة السيرة الذاتية العربية التراثية؛ حيث طغت على كتابتهما نظرة لـ"ذات جوهرية"[42] ترشح من هذه الأعمال وتتلاشى في الجماعة التي تحتضنها، لا معاملة السيرة الذاتية العربية كأعمال أدبية لها تاريخها وممارستها القارة داخل السياق الثقافي والتاريخي التي ولدت فيه، فضلًا عن قناعة الاثنين بوجود ذات أورُبية تمتلك قصب السبق في التعبير عن فرديتها ووعيها بذاتها[43]، وبمحيطها مقارنة بالذوات الثقافية الإنسانية الأخرى، لتكون أعمالهما مسعى بحثيًا لتفنيد فكرة وجود سيرة ذاتية غير أورُبية أكثر من أي شيء آخر[44].

يهمنا الخلاصة التي يصل إليها رِنولدز بعد الاطلاع على قرابة مائة وأربعين نصًا لسير ذاتية عربية بين القرنين التاسع والتاسع عشر ميلاديا، وهي "إن النصوص التي اطلعنا عليها هنا [الكتاب] تعكس عدة أطياف من الشكل والمحتوى السيري الذاتي الذي يصعب وصفه بنوع أدبي محدد ورسمي[...] إن النصوص المكتوبة في حقب تاريخية مختلفة متباينة كتباين تقليد السيرة الذاتية ككل"[45]. وهذا في رأينا يجعل أي محاولة تنظيرية للنصوص السيرية مهمة شبه مستحيلة، مع ضرورة الإشارة إلى أن رِنولدز يحلل النصوص السير الذاتية تحليلًا موضوعاتيًا عبر أربع سمات متكررة للتمثيل الذاتي العربي في السيرة الذاتية "وصف خيبات الطفولة، ووصف المشاعر بمعية الأفعال الناتجة عنها، وسرديات الأحلام كانعكاسات للحظات قلق تأليفي، والشعر كخطاب حول المشاعر"[46]. إن الثراء السير الذاتي العربي يلقي بظلاله على أية محاولات تنظيرية، مهما ادعت الإحاطة، ليكون المخرج الوحيد هو فعل الممارسة السيرية.

ثالثًا: الممارسة السيرية

1.     الخاص من العام/الفرد في الجماعة

السيرة الذاتية ومنذ لحظة الاسم، أي ذاتية، تُشير للفردي، لكن أي علاقة تربطها بالجماعة؟ إن الربط يفترض نوعًا من الانفصال أو المسافة بين الاثنين، فأي فصل يسبق الربط؟ أو أي مسافة تلك التي يسير فيها الفرد عند كتابة حياته؟ أو أي جزء يراه مهمًا من حياته؟ والمراد بالمسافة هنا هو الانتقال بين نقطة وأخرى في زمان معين، وقد يكون انتقالًا جسديًا أو نفسيًا أو فكريًا، وما يترتب على هذه من صناعة لمساحة ما، تبدأ بمساحة خاصة بالفرد نفسه وقد تنتهي بمساحة العالم بأسره، لو جمعناها بمسافات أفراد آخرين.

تتميز غالبية الكتابات للسير الذاتية العربية في القرن العشرين؛ بالحس النقدي تجاه المجتمع ومؤسساته كنبرةٍ حاضرة بقوة في العديد منها[47]، إلى جانب الرحلة في الزمان والمكان، و"يصعب الفصل بين الرحلة والذات المرتحلة"[48]، وهناك العلاقة مع اللغة، أي رحلة الذات مع الكلمات[49]. كما أن كتابات السير الذاتية العربية مرت بثلاثة تحولات عكست التحولات المجتمعية عمومًا، وأثر ذلك على الذوات الكاتبة؛ المرحلة الأولى: للذات الواثقة من نفسها ومشروعها التحديثي والوطني، والثانية: الذات المتسائلة أو المترعة بالشكوك في مرحلة ما بعد الاستقلال والتحرر، وثالثًا: الذات المتشظية[50]. فالتغييرات المجتمعية بل والوطنية والقومية انعكست جليًا في استراتيجيات كتابة السيرة الذاتية، بل يمكن هنا الإضاءة على مساحة جديدة/قديمة حول الكتابة في زمن الاستعمار وما بعد التحرر، وهي مساحة تُوجب الحذر - كما رأينا -مع ما ساقه المنظرون الأورُبيون على شاكلة جسدروف وباسكال، حتى لا تكون الذوات الكاتبة غير الأورُبية مُعرّفة حصرًا بعلاقتها بالآخر اليوروأمريكي، فلا تخرج من غيبها إلا بوجوده، آخذين بعين الاعتبار الموقف الذي يتبوأه الكُتاب والكاتبات كلاهما في لحظات تاريخية معينة لمجتمعاتهم، أو "الدور الرمزي الخاص للكاتب والكاتبة كمثقف شاهد على تجربة بلد أو منطقة، ليعطي هذه التجربة هوية عامة مُدرجة للأبد في جدول الأعمال الخطابي العالمي"[51].

عبر هذا الدور يمكن أن نضيف بأن تجارب الكاتب وكل ما يحدث في عالمه ويضعه حبرًا على ورق، هي أحداث عالمية لو أردنا لها ذلك، بل هي كذلك منذ لحظة النشأة؛ لأنها جزء من تجربة الإنسان في التاريخ، ولكونها شهادة[52]، تمثيل – جزئي ومحدود ومشروط – لتجربة جماعة إنسانية، وشاهدًا مهمًا على فترات تاريخية تطل على المشهد الاجتماعي/الثقافي/السياسي على حد تعبير عايدة فحماوي في حديثها عن السير الذاتية الفلسطينية[53]. والكتّاب العرب ممن عاشوا لحظات تاريخية فارقة وتقلبات دائمة، ذواتهم مُثقلة، أو كما نقرأ لدى تحية عبد الناصر في حديثها عن اللحظات التاريخية الفارقة منذ منتصف القرن العشرين إلى اليوم "بالنسبة للكتاب العرب، ممن امتد تكوينهم ومسيرتهم المهنية لهذه اللحظات التاريخية الكبرى، فإن إنتاج سيرتهم الذاتية مترعٌ بتمثيل الذاتية عبر الحركات المناهضة للاستعمار والإمبريالية"[54].

لو أخذنا نموذج السير الذاتية للكتاب الفلسطينيين مثلًا، وفي ظل وجود آخر مشروع استعماري استيطاني في العالم في فلسطين، سنجد استراتيجيات كتابة مختلفة في التعامل مع هذا الموضوع تنبع من التجربة نفسها، ولحظات تاريخية مكثفة، ومن أشدها والتي شهدت صعودًا لافتًا في كتابة السير الذاتية فلسطينيًا، لحظة ما بعد اتفاق أوسلو الذي وصفه الكثير بأنه نكبة ثانية، فـ"التسعينيات شهدت انفجارًا في السير الذاتية الفلسطينية ما بعد اجتياح بيروت في عام 1982 وتوقيع اتفاقية أوسلو 1993"[55]. والانفجار رافقه تغير في الشكل والمضمون الفني للسيرة الذاتية خاصة لدى كتاب السيرة الذاتية من الأدباء الفلسطينيين، بين النثر والشعر في مذكرات ويوميات والسير الذاتية المباشرة، ليعطي هذا للنقاش الفني للسيرة الذاتية أبعادًا جديدة، خاصة وكما نقرأ لدى بارت مور جلبرت (Bart Moore-Gilbert) أن "كتابات الحياة الفلسطينية تحمل عدة مشاكل مفاهيمية [مقارنة بالكتابات ما بعد الاستعمارية][...] أبرزها أن فلسطين تذكرنا وبقسوة أن جزءًا كبيرًا من العالم لم يتحرر بعد، أي ليس ما بعد استعماري، ولا حتى بالمعنى التقني لوجود دولة مستقلة"[56]. إلى جانب تعقد سؤال المسافة بين ما هو فردي وجمعي.

2.     الحياة العلائقية

في كتابها الصادر حديثًا حول السير الذاتية العربية في العصر الحديث، تحاول آرييل شتريت (Ariel Sheetrit) تقديم قراءة مركبة لها عبر ثنائية الفرد والجماعة، من خلال نقد القراءات اليوروأمريكية أولًا، وثانيًا تقديم قراءة حول الحساسيات بين الفردي والجماعي في استراتيجيات السرد السيري الذاتي العربي، من خلال فهم العلاقة بين الذات السيرية وعلاقتها بأصوات، وشخصيات، وأنواع أدبية والبيئة التي تعمل فيها[57]، والهدف من هذا النوع من القراءات هو أَشكَلة العلاقة بين مفهوم الذات المستقلة التي شاعت في الكتابات اليوروأمريكية حول السيرة الذاتية، عبر مفهوم كتابة الحياة العلائقية (Relational)، تلك التي تضع الفرد داخل شبكة علاقات يتحرك بداخلها، على الإشكاليات العديدة التي رافقت هذا المفهوم. وإن كان هذا النقاش، أي الفرد والجماعة، ذا حسابات ثقافية مختلفة في السياق العربي، وهو ما التفت له عدد من الباحثين والباحثات مثل ماري آن فاي (Mary Ann Fay) إذ تؤكد أن نقاش "أنا التنوير" لا ينطبق على الكتابات السيرية العربية: "إن الفهم العربي للتاريخ والمنهج التاريخي كسيرة ذاتية يكشف الطبيعة اليورو مركزية لادعاءات ما بعد الحداثة بأن الفرد أو الذات المستقلة من صنع الإنسانوية الغربية والتنوير. إن أي قراءةٍ للسير الذاتية أو قواميس السير الذاتية أو السير الذاتية الفكرية المعروفة بالثبت توضح أن التعبير عن الذات المستقلة والعارفة والقابلة للاسترداد موجودٌ في العالم العربي الإسلامي قبل تغلغل أفكار التنوير في الحياة الفكرية للمثقفين العرب أو العثمانيين في القرن التاسع عشر. ولذلك فإن النقد ما بعد الحداثي للذات المستقلة من كونها نتاج إنسانية غربية مُضللة لا يمكن تطبيقه على حالة الشرق الأوسط الإسلامي"[58].

 إن مساحة التأمل والبحث الرحبة التي يتيحها التحرك داخل تساؤلات السير الذاتية بالعربية، سواء عموديًا عبر تاريخها الممتد لأكثر من ألف عام، أم أفقيًا عبر تنوع الشكل والمحتوى يضع أي مسعى تنظيري لها في رحلة صعبة، وكما توضح شتريت في الحديث عن الذات المؤلفة وعلاقتها بباقي الشخصيات "الكثير من السير الذاتية العربية التي قرأت تُؤشكل العلاقة للتقسيم الهرمي لذات السير الذاتية كشخصية وصوت رئيس فيها"[59]. وخلال سعيها البحثي تصل شتريت للحظات معينة في السير الذاتية العربية تطفو فيها الشخصيات الخلفية في السير الذاتية لدرجة تلغي حضور الذات الكاتبة كليًا[60]، رغم وعيها ببداهة فكرة وجود آخرين في كل السير الذاتية، لكنها توضح استراتيجية دارجة فيها هي الانسحاب والاشتباك بين الفرد وجماعته[61]، أي عزل الذات عن الجماعة والانشغال بها لمعرفة مكانها داخل الجماعة ومن ثم العودة. إن مسعى شتريت (Sheetrit) ونتائجها البحثية على جديتها الكبيرة ورصانتها العملية العالية، إلا أنها تكاد تكون بديهية خاصة مع بقائها داخل حظيرة المقاربات اليورو أمريكية للسير الذاتية الغيرية خاصة من لحظة سؤال الفرد والجماعة، وبالطبع لا نسعى هنا للسير معهم تحت مظلة الخصوصية في تلك السير؛ نظرًا لأنها بنت هذه الثقافة أو تلك؛ فالخصوصية تفترض عمومية ومعيارية خارجية، وكما أسلفنا، العالمية جزء أصل من أي عمل سيري.

3.     وهم السيرة ومساراتها

قبل الانتقال إلى المقاربات، يهمنا طرح رأي يخرجنا من ثنائية الفرد والجماعة نحو مساحة أرحب، وهو رأي مهم لممارسات السير الذاتية، وإن كان تركيزه الأول على السير الغيرية، وهو مفهوم الهابيتوس (Habitus) لدى بيير بوردو (Pierre Bourdieu)، مناقشًا ما يسميه "وهم السير الغيرية"[62]، وفكرة تاريخ الحياة (life history)، ومنتقدًا منطلقاتها من ناحية إضفاء معنى وانتقاء أحداث بعينها لجعل حياة إنسان ما وحدة واحدة بمعنى واحد، وهو ما يراه فعل أدلجة لحياة الإنسان: "يعززُ هذا الميل بأن يصبح الشخص إيديولوجي لحياته الخاصة، عبر اختيار أحداث مهمة لإضافة غاية نهائية من خلال إنشاء علل بينهما لتتماسك، كاتب السيرة الغيرية الذي يميل بشكل طبيعي، خاصة من خلال تكوينه كمؤول محترف، لقبول هذا الإبداع المصطنع للمعنى"[63]. ويقدم بوردو مفهوم الهابيتوس الذي يتيح فهم وتحليل الذات ككيان تاريخي واجتماعي[64]، طارحًا الحياة كمسار (trajectory)، ومشيرًا لعبثية فهم مسار مترو أنفاق واحد بدون فهم الشبكة التي يسير فيها والمحطات المختلفة التي يمر بها[65]، كما أنه أولًا، وعبر مفهوم الهابيتوس، يسعى للقطع الأبستمولوجي مع الاتجاهات الوضعانية والفردانية في العلوم الاجتماعية[66]، والهابيتوس بنيات ناظمة ومنتظمة، أي إنها مجموع سمات جوانية لدى الفرد وليدة نشأته في جماعة معينة لكنها بأثر اجتماعي خارجي واضح، كنوع من دائرة مفتوحة تضم الفرد والجماعة.

يهمنا أيضًا لدى بورديو فكرة الحياة كمسار، وهي ما سنراه جليًا عند تفعيل مفهوم السيرة، ولكن وقبل ذلك، لابد من نقاش مفهوم الهوية السردية لدى بول ريكور (Paul Ricśur)، خاصة أنها تشتبك رأسًا مع مفهوم الهابيتوس، ويمكن إجمال النقاش بين مفهوميهما بالآتي: "بالنسبة لبورديو، فإن الهوية العملية القائمة على الهابيتوس هي الهوية الحقيقية الوحيدة (أي غير الوهمية)، أما ريكور فيرى أنّ كل هوية سردية هي هوية فردية واحدة، أي تفسير واحد فقط للذات من بين تفسيرات محتملة أخرى. وهكذا يمكن بناء قصص الحياة وتفكيكها وإعادة بنائها من خلال الانطلاق من بدايات حياتية مختلفة، أو وجهات نظر ومنطلقات مختلفة"[67].

وسنتجاوز هذين المفهومين عبر مفهومي السيرة، التي تحيل في دلالتها اللسانية لثلاثة أسس هي الجماعة والزمان والمكان، والترجمة الذاتية، التي لا تدعي الإحاطة بكل المعاني الممكنة لحياة فرد وجماعة، بل تقدم بالضرورة تأويلًا واحدًا ضمن تأويلات أخرى كثيرة ممكنة؛ لنسد بذلك بعض الفجوات الموجودة في النقاشات النظرية المعاصرة من داخل الحقل السيري العربي نفسه. كما أننا نفهم الهوية السردية كما عند بول جون إيكون (Paul John Eakin)؛ من أنها ضاربة عميقًا في بيولوجيا الإنسان وعلم أعصابه، أي في فيزيائه، لا كهوية سردية ميتا فزيائية[68].

رابعًا: المقاربة النظرية

يقترح التنوع السيري تنوعًا في المقاربات النظرية، والمقصود بالنظري هو المنظار الذي قد نقرأ به، وكما أشرنا سابقًا، تقدم السير الذاتية الفلسطينية على وجه الخصوص تكثيفًا نوعيًا للعديد من التساؤلات النظرية لذلك سنشير لبعضها في معرض حديثنا، وبالطبع لا ندعي هنا الشمول ولا التمثيل، فهي بالتأكيد لا تُمثل الناتج السيري الفلسطيني ولا العربي على تنوعهما الشديد شكلًا ومحتوى، ولكنا لا ننفي في الوقت نفسه إمكانية سحب ما نصل إليه هنا إلى سير ومساحات نقدية أخرى. وتتناول المقاربة التي نقدمها ثلاثة أركان تعود لسؤال المكان كتكثيف للأركان الثلاثة وشدها دومًا لمادية الظاهرة بنهج يتجاوز المقاربات العابرة للتاريخ والمكان والجماعة.

1.     سؤال المكان ومكان التساؤل

سنلاحظ أن العمل السيري نفسه هو ما يقدم لنا مفاتيح قراءته، منذ لحظة الاسم. في مسح سريع للسير الذاتية الفلسطينية، نجد حضورًا كبيرًا للمكان على غرار (البئر الأولى وشارع الأميرات، ورحلة جبلية رحلة صعبة، ورأيت رام الله، وسأكون بين اللوز، أنا والقدس، أو خارج المكان)، وغيرها العديد من العناوين الشبيهة[69]، فضلًا عن تركيزها على المكان وأهميته في سردها لتفاصيل حياتها وتجاربها. التفكير في المكان والعودة الاسترجاعية إليه وإعادة فهم علاقتنا بهِ، فعل تأملي وممارسة جمالية في تتبع رحلة الذات في المكان؛ مكان الولادة والنشأة ومكان الطفولة واللعب واللهو، والأكل والشرب، ومكان النضج واكتشاف الجسد، وبداية علاقتنا مع الآخر، لهذا التساؤل حول المكان هو مكان التساؤل في أي سيرة. أو كما يكتب حافظ: "إن كل سرد للهوية، بما في ذلك السيرة الذاتية، يستخدم استراتيجية الرحلة أو صيغة المسار النصية، وهي رحلة في المكان والزمان أو السياق[...] وتنطوي الرحلة – لكونها رحلة – على حتمية التحول والصيرورة، التحول في المكان والزمان، وأهم من ذلك كله التحول في فهم الذات لنفسها، وصياغتها له في آن"[70].

ليضيف لاحقًا عن الربط بين كتابة الرحلة وكتابة الذات عبارة محورية حول السيرة؛ "حيث يصعب الفصل بين الرحلة والذات المرتحلة"[71]. هنا يصبح التشكيل بين مؤلِف ومؤلَف ذي ثقل تنظيري، تكشفه السير عمومًا، ويأخذ حمولة مضاعفة في السياق الفلسطيني يفيض عن التجربة الفلسطينية نفسها، زمانًا ومكانًا وجماعة؛ فلا يوجد ذات بدون جماعة.

 ترى سوزان إندرفتز (Susanne Enderwitz) أن للسير الذاتية الفلسطينية سؤالًا خاصًا بها، يختلف عن سؤال السيرة الذاتية التقليدي – والحديث هنا عن السيرة الأوربية دون شك – "إن سؤال السير الذاتية الأصلي – [من أنا؟ وكيف أصبحت ما أنا عليه اليوم؟] – يتحول [في السيرة الذاتية الفلسطينية] لنسخة معدلة من [أين أنا وإلى أين أنتمي؟]" متفقة مع سلمى الخضراء الجيوسي في وجوب الالتفات للمكان عند نقاش الأدب الفلسطيني إجمالاً[72]. وترى إندرفتز أن للسير الذاتية الفلسطينية أربع مهام: تصحيح التاريخ الفلسطيني المُشوه، وإعادة تقييم الصورة المُشوهة للفلسطينيين، ورفع الصوت ومطالبة العالم بالاعتراف، ورابعًا، صناعة ذاكرة جمعية قوامها العودة لفلسطين[73].

إلا أننا نختلف بشدة مع إندرفتز في تصنيفها للأزمة التي تمر بها الذات في السير الذاتية الفلسطينية، إذ تراها سياسية حصرًا، لا فلسفية ولا نفسية[74]، والواقع إنها كل هذا وأكثر، فالذات الفلسطينية تمر بأزمة زمكانية؛ فماضيهم ليس حاضرًا، ومكانهم مُستعمر، لتكتمل بذلك أركان أزمتهم الوجودية، شاملةً كافة مناحي حياتهم، وهو ما تساعدنا فيه فهمه مفردة السيرة، لا بدلالاتها اللغوية وحسب بل والفلسفية، وهنا وجاهة التأسيس لمقاربة خاصة تغطي كافة الأبعاد السابقة لا من جانب واحد فحسب، ونشارك بها محمود درويش تنهيدته "لا شيء يثبت أني موجود حين أفكر مع ديكارت"[75]. خاصة مع ما تلقته الأنا الديكارتية من نقد في حقل الدراسات السيرية، بل عندما نمضي أكثر مع درويش نقرأ أبعادًا أكثر للذات الفلسطينية في حضورها وغيابها في وطنها، بل وفي العالم؛ حيث يسائل درويش فيها عبثية متطلبات وزارة الداخلية الإسرائيلية عند مطالبته لجواز ثم جواز مرور فيحرموه من ذلك؛ لأنه لا إقامة له، فيسأل: "أنا موجود أم غائب؟ أعطوني خبيرًا في الفلسفة لأثبت له أنني موجود"[76]. وإن كنا لا نسعى هنا لإثبات الفلسطيني فلسفيًا، ففي هذا تسليم لبنية حصاره الاستعماري وقبول بشروط طاولة المخابرات التي تنفيه في بلده والعالم.

السيرة كممارسة ومنذ لحظة التأليف تتوسل الجمع، ذلك الذي ينسج شتات الذاكرة والمكان والزمان والجسد؛ حيث "إن لكل شيء من العلم ونوع من الحكمة وصنف من الأدب سببًا يدعو إلى تأليف ما كان فيه مشتتًا، ومعنى يحدو على جمع ما كان متفرقًا"[77]. بل إن مفردة المُؤلِف التي تعود بجذرها لألّفَ، بمعنى الجمع بين الأشياء ووصل بعضها بعضًا، ومنها الأُلفة بين الناس، تحيل لقدرة الكاتب لا على اختراع الكلمات، بل الجمع بينها، وفي السيرة تأليف بين الذكريات والتجارب وجمع ما بينها لتصبح كلاً واحدًا ببداية ونهاية، قابلين أن أي انزياح في بداية هذا الكل أو نهايته، انزياحٌ كامل له. هنا، نضيء على سؤال الشكل الفني في السيرة وللسيرة الذاتية، من أنه سليل التجربة لا العكس، فالتجربة المَعيشة هي من تضع شروطها الفنية التعبيرية الخاصة بها، بل أبعد من هذه الحدية، نقول إن العلاقة بين التجربة المعيشة للكاتب أو الكاتبة والشكل الفني الذي يتوسله للتعبير عنها علاقة "ضم"[78] – مستعيرين مفردة الجاحظ – لا أسبقية لأولٍ على ثانٍ في شوق التجربة لشكل فني يعتنقها ويعتقها.

 ومصطلح كتابة الحياة (life writing) الذي يهيمن اليوم على حقل الدراسات السيرية، ليخرجها من مركزيتها الأوربية النظرية تارةً، أو ليعلو فوق النقاشات التصنيفية، ما زال يحتفظ بداخله على بقايا أسلافه الذين يحاول تجاوزهم، ويخفق في الوفاء للممارسة نفسها، فالإنسان يكتب الحياة وتجاربهُ فيها بقدر ما تكتبه الحياة وتجاربها، لذلك نُصّر على استعمال مفردتي سيرة وترجمة في حقل الدراسات هذا، ولكن بأي معنى وبأي سبب كما سؤال الجاحظ؟

2.     السيرة والسير

السيرة من السير وتشير إلى مكان في صيرورة مستمرة وتنقل دائم، لا سكونية فيها وثبات، حالها كحال الإنسان السائر، والسير يكون لغاية بمسافة من ألف إلى باء، وأحيانًا هيامٌ لا وجه أو وجهة، وللسير نقطة انطلاق ومحطات ونقطة وصول، ولا إنسان يسير مرتين ولو سار الدرب نفسه، فالدرب يتغير والإنسان كذلك، بل إن علامة تطور الإنسان في الأحياء التطورية هي قدرته على السير؛ رجلاه منتصبان وذراعاه لجذعه، رأسه للسماء وعيناه للمدى، فاتحًا أمامه آفاقًا متعددة واحتمالات متفاوتة يختبر بها ذاته ويطل على العالم. السير عتبٌ[79] وقدرٌ[80] إلهي للإنسان في القرآن الكريم، يُطالب بها اللهُ الإنسانَ بدرس الجغرافيا والتاريخ بل ونفسه، وهو كذلك نوع من الرياضة الروحية لدى البوذية، شريطة أن تدرك مشيك حين تمشي[81]، ومدرسة فلسفية يونانية أرسطية بائدة (المشائية). إن جمال السيرة في السير – والعكس – يكمن في أن الإنسان فيها ليس معلقًا في الهواء، قد يبدو الأمر بديهيًا، ولكنه حاسم، فالإنسان مشدود إلى الأرض، إلى المكان، بما يحمله من موضع ومكانة وعتبة للعالم، كل العالم، وفي السير نُموضعُ أنفسنا، وهذه الموضعة مشروطة بإحساسنا، بل وعينا بأنفسنا – بمكاننا – وبالآخرين والأشياء من حولنا.

مع إيماننا بأن السيرة ككل ترجمة لتجربة واحدة وحسب من تجارب حياتية مختلفة لفرد واحد، وتُسعفنا العربية كما رأينا عند تتبعنا السابق للدلالات اللغوية لكل من السيرة والترجمة في التراث العربي؛ إذ رأينا أن للسيرة ثراء دلاليًا يحمل الزمان والمكان، بل لا يمكن فهمها كظاهرة زمانية أو مكانية وحسب، بل كليهما، وإن درجت الكتابات المعاصرة على قصر اهتمامها على الزماني –تماشيًا مع المنحى الفلسفي العام واهتمامه بالتاريخ – وهو ما سنحاول تجاوزه، إلى جانب الدلالة الاجتماعية لمفردة السيرة سواء في معانٍ مثل الهيئة والطريقة، أم كما أخبرنا اللحياني "إنه لحسن السيرة"، ولا يكون ذلك إلا بجماعة تفصلُ بين الحسن والسيئ. والمراد من هذا تحليلًا هو دراسة تمثلات المكان سواء المتخيل أم الحقيقي في السيرة، وتنقلات السارد عبر المكان لا الزمان وحسب، وكيف يحدد المكان ذات وهوية السارد ويتحداها داخل الجماعة الحقيقية والمتخيلة، وكيف تحرك الأماكن الأحداث، وكيف نفهم السيرة عبر المكان وكمكان لممارسة الكتابة الذاتية، على سبيل المثال لا الحصر. ندركُ أن كل شيء يحدث في المكان، لكن مكان الحدث مهمٌ كعلته وآليات وقوعه، وآليات ولادة المعاني منه مهمة كالمعاني نفسها.

3.     المكان وتجربتنا معه

نال المكان والتجربة الذاتية معه وفيه مساحة خاصة في مشروع مارتن هيدغر (Martin Heidegger)[82] الفلسفي وهو يعمل كخلفية فلسفية لهذه المقاربة، خاصة كتاباته في أربعينيات القرن العشرين، أو ما يعرف بالمرحلة الثالثة من مشروعه الفلسفي، ويمكن فهمها وفقًا لجِف مَلباس (Jeff Malpas) على ثلاثة أوجه هي المكان كموضع التفكير السليم، والأفق الذي يحتويه، وكأصل أو نقطة انطلاق للتفكير بما يحمله هذا من وجهةٍ وزاد[83]. وهي أوجه متداخلة كما يرى مَلباس وتنويعات لموضع (topos) مفرد وموحِد، وإن كان لا ينفي تعددية جوهرية مرنة[84]، أي أن أحادية المكان والتفكير فيه لا تلغي تعدديته، كما يميز تفكير هيدغر عودته الدائمة للحظة لقائنا بالعالم كلحظة التفكير، وهي في الوقت نفسه لحظة لقائنا بأنفسنا وبالآخر والأشياء دفعة واحدة، هي الوجود في العالم.

بالطبع هذا يشتبك مع مفهوم الدازين (Dasein) لدى هيدغر، أو على الأقل يدفعنا لتوضيح علاقته بهذا البحث خاصة الجدل الطويل حوله وحول صاحبه، والموقف الذي نتبناه كما لدى جون هوقلاند (John Haugeland): "الدازين ليس الناس ولا وجودهم، بل نمطًا أو طريقة حياة يتشاركه أعضاء جماعة ما، وأنماط الحياة هذه، بهذا المعنى، لديها البنية الأساسية للوجود في العالم"[85]. الدازين محتضن في نمط الحياة أو الطريقة كترجمة لعلاقتنا بالوجود وفهمنا له، ولكل منا مقاربته الذاتية تجاه الدازين، أو ما يسميه هيدغر (Stimmung)، وقد تناوله مرة كحالة ملل أو قلق، لكن الإنسان مراقب وفاعل، تحقيقًا لوجودنا الأصيل ومسؤوليتنا تجاهه.

ويجمل مَلباس في كتابه المكان والتجربة (Place and Experience) قراءته النقدية لهيدغر في ثلاث نقاط: "أولًا، الإنسان مرتبط دون انفصام بالمكان، ثانيًا، يحتضن هذا المكان الذاتي [ويمكن أن نضيف بين الذاتي كذلك] والموضوعي دون اختزاله لأي منهما لمحوريته لكليهما، وثالثًا، هذا المكان، المختلف عن الفضاء والزمان لكنه مرتبط بكلاهما، جزءٌ أساسي منهجيًا ووجوديًا في فهمنا له"[86]. والعلاقة التي تربط المكان لديه بالتجربة علاقة تبادلية، يقوم فيها طرف على الآخر، مع تأكيدنا على أننا لا نتحدث هنا عن مكان محدد ومحدود، بل أرضية كاملة وفضاء مترامٍ، تؤازرنا في فهمه مادة السير – كمدخل معجمي ومعطى فيزيائي – في السيرة، أي تلك الفاعلية المضمرة فيها، بما تتضمنه من احتمالات وخيارات داخل الدازين، إلا أننا لا نفهمها كفعل فردي وحسب لو أردنا الوصول للمساحة الكاملة، بل نراه من عدة زوايا، أو مسارات ومسافات داخل الجماعة يؤثر ويتأثر بها الفرد، يصنعها وتصنعه، وذلك لرسم خريطة كاملة ومساحة للمكان الخاص، وعند التقائها بمسافات الآخرين ترسم المكان العام، المتخيل والحقيقي، عمادها الترجمة في السيرة كمقاربة للوجود في مواقع مختلفة، أي تأويل واحد لظاهرة من ضمن عدة تأويلات أخرى، فالسيرة الذاتية والغيرية مفتوحة على طيف واسع من التأويلات. "وأي نوع من الفاعلية يجب أن تكون فاعلية متموضعة وموجهة[...] بطريقة تحتوي الجوانب الذاتية وبين الذاتية والموضوعية". كما يؤكد ملباس[87]، ويضيف عن الفاعلية بعلاقتها بالآخرين؛ "أي فاعل، بقدر ما يملك القدرة على الفعل[...] يعمل في فضاء موضوعي يعمل فيه غيره من الفاعلين، لكنه مع ذلك يتهيأ ذاتيًا دائمًا – أي الفضاء – وفوريًا بموقعه الفاعل وتوجهه"[88]؛ أي لا نخسر الفردي ولا الجماعي وفقًا لهذا الإطار الفلسفي في النظر إلى المكان.

4.     السيرة والترجمة وحدود الممكن

هذا فيما يخص مفردة السيرة، التي ستصبح مفهومًا بإمكان فلسفي، والمقصود بالمفهوم هنا مجموع الإحالات الذهنية والمكانية المرتبطة بالمفردة. لنأتي بعدها لدلالات الترجمة في سياقها الخاص بما عرف تاريخيًا بأدب التراجم، الذي يشمل نقل المعاني من لسان للسان، وتقديم التفسير والشرح لظاهرة ما، ومن ضمنها حيوات الناس بل والمدن، وهنا نود تقديم معادلة جديدة للتفريق بين الترجمة والسيرة، وهي أن كل السِير – بل والمذكرات واليوميات والمدونات – تراجم، أي إنها ترجمة لمعنى واحد من عدة معانٍ مُحتملة أخرى لتجربة فرد أو جماعة أو مدينة أو غير ذلك، بعد تفعيل طيف التفسير والتوضيح بل والتأويل في دلالات الترجمة، كما أشرنا سابقًا عند نقاش المفردة. لكن ماذا نقصد بهذا؟ الترجمة ستصبح هنا تقريع للحدية والأحادية لما هو ممكن تأويليًا عند نقاش السير الذاتية والغيرية، أي أن كل سيرة تحمل معنى واحد ضمن معانٍ أخرى محتملة، أي ترجمة لتجربة، تتحرك على بدايات ومواقف تُكُون كلية معينة لكن غير ناجزة؛ لتكون بذلك مفردة ترجمة أعم من السيرة، وهي حاسمة في فهم التجارب داخل الممارسات السيرية.

مثلاً، يمكن لنا فهم الفصول الأولى من السيرة الذاتية لجبرا إبراهيم جبرا (البئر الأولى) على أنها ترجمة ذاتية لطفولة الفنان الشاعر في أحضان الطبيعة والمجتمع الذي ولد فيه، بل توثيق للحظة الوعي بالعالم؛ حيث يرصد جبرا رحلته منذ عام ميلاده في بيت لحم، إلى انتقال عائلته إلى مدينة القدس، وهو كما يوضح في الجواب عن سؤال الكتابة، أن ما يكتبه "شخصي بحت، وطفولي بحت"[89]. لنقرأ وفي الكلمة الأولى في ترجمته الذاتية بأنها لحظة انتباه/وعي/إدراك "انتبهت إلى أهلي يسمون المكان الذي نسكنه الخان"[90]. هي إذن فصول من السيرة كما يسميها، لا السيرة، وترجمة لمرحلة من حياته، "الطفل والد الرجل"[91]، وكذلك الحال مع محمد الأسعد في سيرته (أطفال الندى)، التي لا يعدها صاحبها سيرة ذاتية فردية بل ذاكرة قرية من مئات القرى الفلسطينية المهجرة[92]، وهي بما سقناه هنا ترجمة للحظة تاريخية مرت بها قرية أم الزينات إلى جانب ترجمات أخرى عديدة للمكان نفسه تصنع لو جمعناها مساحة القرية[93]. وكذلك العديد من الأعمال الفلسطينية الشبيهة التي تأخذ شكل مذكرات أو يوميات مثلما هي الحال مع محمود درويش ومريد البرغوثي وفدوى طوقان وسعاد العامري وغيرهم الكثير. ما نود التأكيد عليه هنا في سياق مفهوم الترجمة قبل الانتقال للجزئية الأخيرة، وهو الإمكان النوعي له وحمولته الكثيفة التي نأبى أن نعزلها عن نقاش السير عربيًا، كفعل تأويلي لتجربة ولحظة تاريخية معينة مُدونة أو محفوظة، من زاوية نظرنا للتجربة كترجمة تحرر سؤال الحقيقة والخيال في السيرة الذاتية والغيرية عمومًا.

ويمكن فهم الجزء الأول من السيرة الذاتية لحسين البرغوثي (الضوء الأزرق)، كلحظة لقاء بين مريد وشيخ طريقة غريبين في مدينة سياتل، وهي مفصلية في الأدبيات الصوفية، لذلك وفي الكلمة الأولى لسيرته يكتب البرغوثي "التقيت به: صوفي من قونية، تركيا، من طائفة [الدراويش الدوارين]"[94]، وصولاً للحظة الوداع وختام السيرة "لم أرَ [بري] بعدها، ولم أره أبدًا"[95]. لتصبح كلية العمل ترجمة ذاتية لتجربة صوفية خاضها البرغوثي في مرحلة من حياته في الولايات المتحدة، والطريف في السيرة الذاتية جزالة التناول المكاني لدى البرغوثي، "غريب كما يبدو المكان كمصيدة، أحيانًا. لسبب غامض، وجدت نفسي أقضي جل وقتي في [سياتل] مترددًا بين أمكنة ثلاثة: [سينماتك الوهم العظيم]، و[حانة القمر الأزرق]، ومقهى [لمخرج الأخير]"[96].

إن الأماكن كما سنقرأ في سيرة ومسيرة البرغوثي في مدينة سياتل محطات مختلفة في طريقه للاكتشاف ذاته أكثر "وجدتني أتنقل بين هذه المقاهي الثلاث، وأبحث عن نفسي"[97]، (الرحلة والذات المرتحلة)، وهو محوري لفكرة التجربة نفسها، ونفهمها عبره، ونتعرف معه على تاريخ مقتضب لمدينة سياتل، وكل مكان يسير البرغوثي فيه يحدد رحلته ويتحدى هويته أكثر، فالمكان يدفع سرديات السيرة للأمام، وإن كانت الحبكة عادةً ما تفعل ذلك، كما نتعرف على آخرين على طوال سيرة البرغوثي وأدوارهم في هذه التجربة، وأخيرًا الزمان وذاكرته، إذ ينطلق البرغوثي أكثر من مرة من موقف محدد حاضر لتقاطعات تاريخية مع شخصياته، وتتيح السيرة له إمكانية ومكان استرجاعي للتأمل في هذه المواقف.

أما بداية أو نقطة انطلاق سيرة حسين البرغوثي الثانية، (سأكون بين اللوز)، فهي مختلفة؛ لاختلاف التجربة نفسها ولحظتها التاريخية؛ إذ كتبها البرغوثي وهو يصارع مرض السرطان. يكتب "بعد ثلاثين عامًا أعود إلى السكن في ريف رام الله، إلى هذا الجمال الذي تمت خيانته"[98]، لكن أي عودة هذه؟

للسيرة مسار، وهنا هي عودة، فلو أردنا صناعة مساحة لفعل أو ظاهرة العودة فلسطينيًا، نتناول مسارات أخرى شبيهة، فلو قارناها بعودة أخرى، لبرغوثي آخر، هو مريد، العائد في (رأيت رام الله) لفلسطين بعد منفى إجباري دام ثلاثين عامًا إثر النكسة، وهذه العودة المستمرة إلى البلاد، مجازًا وحقيقةً، موضوعة امتلكت زمام القلم في العديد من الممارسات السيرية الفلسطينية، تميزت بعدة جوانب مركبة لدرجة بعيدة، منها استنهاض ذاكرة المكان وتشوهاته بفعل الاستعمار الاستيطاني الصهيوني تارةً، لكنها لا تقتصر عليها ومن الخطر قصرها على ذلك، ومنها ذاكرة الذات والأهل والأصدقاء، خاصة من رحلوا، فهي عودة مترعة بالغصة والألم والحنين والاغتراب، ولكنها ذات حس مرهف في تناولها لعودتها، والاغتراب فيها مُركب، من اغتراب جماعي فلسطيني عن العالم، وذاتي عن الجماعة نفسها التي رحل عنها طوعًا، كحسين، أو قصرًا، كمريد.

تتيح لنا هذه المقاربة إطارًا مقارنًا كذلك، بل تفرضه في أحيان كثيرة؛ لأن التعددية جزءٌ أصيل منها، وتخرجنا من نمط التفكير الخطي والمغلق، للمتشعب والمفتوح في صناعتها المستمرة للمساحات المتولدة من قراءة السير الذاتية والغيرية، فمن المفاهيم التي تصلح في فهم المساحة المتولدة من مسارات العودة الفلسطينية لدى حسين ومريد البرغوثي وغيرهما مفهوم النوستالجيا (nostalgia)، لا بمعناه الزماني الدارج حاليًا كحنين سلبي لماضٍ ساكن، بل بدلالته اللغوية في أصوله اليونانية. لو كانت عودة الفلسطيني نوستالجية فبأي معنى ستكون؟ إن النوستالجيا التي نتحدث عنها خليط ما بين مفهوم جِف ملباس من خلال إعادتها إلى أصله اليوناني والتفكير الفلسفي به؛ إذ تنقسم الكلمة إلى مقطعين (nostos)، أي المنزل أو العودة للمنزل، و(algos) وتعني الألم، وبهذا يصبح معناها الألم المصاحب للعودة للمنزل، هو ألم سليل الرغبة في هكذا عودة[99]. وهي تتضمن لديه المكاني والزماني، واستدعاء الذاكرة وفقدانها، والإحساس بالمنزل والغربة عنه[100]. لتكون بذلك على علاقة مباشرة مع السيرة الذاتية والمكان كما سقناه سابقًا، "الذاكرة السير ذاتية دائمًا ذاكرة للذات والعالم معطاة كذاكرة لوجود معين في مكان"[101].

لكنا نُفرق مع سفتلانا بويم (Svetlana Boym)، أحد أهم من درسوا مفهوم النوستالجيا[102]، بين نوعين من النوستالجيا: تلك التي تُركز على النوستوس، أو النوستالجيا الترميمية (restorative)، أي ذلك الفعل الاستدعائي عبر التاريخي لاستعادة المنزل المفقود، والنوستالجيا التي تركز على الألجوس، وتسميها بويم، النوستالجيا التأملية (reflective)[103]. ونرى النوستالجيا الفلسطينية عودة واعية وناقدة، وفعل تأويلي وإعادة فهم للمكان وعلاقتنا به لاستعادته، لا فعل لاواعي مع اسقاطات عابرة للتاريخ، عودةٌ تشبه الفن الياباني – والفلسفة اليابانية – الكنتسوجي (Kintsugi) الذي لا يخفي عيوب الأشياء المكسورة، بل يظهرها بالمعدن الثمين، ذهبًا كان أم فضة أم بلاتينيوم[104]. وما نحِنُّ إليه كأفراد وجماعات ملكٌ لنا، وننتمي له، بعلاقتنا المباشرة بالزمان والمكان الفلسطينيين.

5.     الغيرية في السير الذاتية: مرآة الغريبة

كيف نفهم كتابة الآخر داخل السير الذاتية كحالة حسين أو مريد البرغوثي أو جبرا إبراهيم جبرا مع أقاربهم؟ أو كيف نفهم نزعة سير الغيرية في السير الذاتية إجمالًا؟ فهؤلاء وغيرهم الكثير يكتبون في سيرهم، وعلى ذاتيتها، سير غيرهم. هذا من الأسئلة المطروحة في النقاش المعاصر للحقل السيري، وسنقوم هنا بمحاولة الإجابة عليه مستعينين بمشهد ومثل عربي "أسجح من مرآة الغريبة" يذكره الجاحظ؛ حيث يكتب "وذلك أن المرأة [الغريبة] إذا كانت هديًا في غير أهلها تتفقد من وجهها وهيئتها ما لا تتفقده وهي في قومها وأقاربها، فتكون مرآتها مجلوة تتعهد بها أمر نفسها"[105]. المرأة الغريبة إذن، من تزوجت في جماعة غير جماعتها، تتفقد هيئتها أمام المرآة دومًا لتصححها، والمرآة تسدُ محل قومها؛ حضور لغياب. تحدث صبري حافظ عن استعارة المرآة والسيرة الذاتية، من ترتيب للهندام أمامها وحيادية الصورة المعكوسة، لكني أمضى خطوة أبعد، ليكون المثل "أسجح من مرآة الغريبة" طريقة لفهم حضور الآخر في السير الذاتية عمومًا لا العربية وحسب، لدرجة يغيب فيها الناظر أمام المرآة كليًا للحظات عند تأمل ذاته، كما وضحت شتريت في هرمية شخصيات السيرة التي أشرنا إليها سابقًا.

ممارسة وفعل الكتابة الذاتية هو مكان لتأمل مسيرة الذات بعلاقتها بالآخرين وآثارهم فيها، والمساحات التي خلقتها هذه المسيرة، والعلاقة معهم علاقة تبادلية، مراجعات ومحاكمات، تصحيح وتخطيئ. كما أننا نأخذ الغربة في "الغريبة" على أنها غربة اجتماعية ومكانية وزمانية، غربة البعد عن المنزل أو الوطن أو الجماعة، في المنفى الاختياري أو الإجباري، وغربة الزمن عند الحديث عمن رحلوا ولا وجود لهم إلا في ذاكراتنا. في كتابها حديث المرآة (Mirror Talk) تنظر سوزان إجن (Susan Egan) لسؤال مشابه؛ حيث توضح "يبدأ حديث المرآة كلقاء بين حياتين، يكون فيها كاتب السيرة الغيرية هو نفسه كاتب السير الذاتية"[106]، وتصلح نقاط التقائنا لتدعيم مسعانا النظري هنا، وإن كان اهتمامها الأول اهتمام بالنوع الأدبي، في حين نناقش هنا الممارسة نفسها في ماديتها كما وضحنا عند نقاش مفردة سيرة.

خاتمة

يقدم لنا مفهوما السيرة والترجمة في السياق العربي، والفلسطيني خاصة؛ مع تعقد وكثافة الممارسة السيرية فيها ونضارة التساؤلات، ثراءً تنظيريًا يلقي بظلاله على الممارسة السيرية عمومًا؛ عربيًا وعالميًا، إذ حاولنا في بحثنا طرح أطر جديدة لقراءة السير الذاتية عبر مقاربة تستند إلى المكان وما يحتويه من زمان وجماعة، بل ونمط حياة. إن ما سقناه يتجاوز الأسئلة المتولدة من ثنائية الفرد والجماعة المهيمنة على الحقل عمومًا أو التدرج الزمني الخطي في القراءة، عبر صناعة مساحة أوسع للتفكير في السيرة إجمالًا، غيرية كانت أم ذاتية، وهي مساحة متولدة من مفهوم السيرة نفسه كظاهرة مشدودة لمادية الممارسة السيرية المتضمنة للفرد والجماعة والوجود بأسره كون المكان هو نافذتنا على العالم. وكيف نقرأ تنقلات السارد عبر كل من المكان والزمان، وأثر ذلك على هويته وسبل صقلها في الجماعة الحقيقية أو المتخيلة التي يحيا فيها. وعملنا عبر تفعيل مفهوم الترجمة الذاتية تأويليًا كإمكان لمعنى واحد ضمن عدة معانٍ محتملة للسيرة لتكون الترجمة الذاتية أعم كمفهوم من السيرة، فكل السير تراجم، وهذا يفتح المجال النقدي على مصراعيه عند نقاش السير بحيث تقبل السيرة الذاتية أو الغيرية الزيادة في المعاني تعريفًا ومنذ لحظة الاسم. إن تفعيل مفهوم السيرة فلسفيًا ومنهجياً، وما يتيحه من إحالات مكانية وزمانية واجتماعية، يساعدنا في فهم بعض ممارسات السيرة الذاتية بعلاقتها بزمان ومكان السرد وتحديات وحدود الهوية، وعلاقة ذلك بالذات وبالآخرين في السيرة، وأي علاقة مركبة تجمعهم، وهو ما يكشف عن ثراء وإمكان هائل تقدمه السير الذاتية عند مقاربتها من داخلها، ويضعنا مباشرة أمام أبرز التساؤلات النظرية المعاصرة والالتقاء معها في مواقع تارةً، والاختلاف معها تارة أخرى، مؤكدين ضمنيًا على أن أي نقاش حول السير، ذاتية أم غيرية، يلزمه استدعاء لكل الحقول المعرفية للعلوم الإنسانية، وهو استدعاء مرده لموقع الحقل السيري نفسه.


 المراجع

أولًا: العربية

ابن الكلبي، هشام بن محمد. نسب الخيل في الجاهلية والإسلام وأخبارها، رواية أبي منصور الجواليقي. بغداد: مطبعة المجمع العلمي العراقي، 1985.

ابن منبه، وهب. كتاب التيجان في ملوك حمير، تحقيق ونشر مركز الدراسات والأبحاث اليمنية. صنعاء: مركز الدراسات والأبحاث اليمنية، ط1، 1347ه.

ابن منظور، محمد بن مكرم. لسان العرب. بيروت: دار صادر، د.ت.

أبو ياسين، حسن عيسى. شعر همدان وأخبارها في الجاهلية والإسلام. جمع وتحقيق ودراسة: حسن عيسى أبو ياسين. الرياض: دار العلوم، ط1، 1983.

البحتري، الوليد بن عبيد. ديوان البحتري، تحقيق وشرح وتعليق حسن كمال الصيرفي. القاهرة: دار المعارف، ط3، 1963.

البرغوثي، حسين. الضوء الأزرق. بيروت: المؤسسة العربية للنشر والدراسات، ط1، 2004.

–––. سأكون بين اللوز. بيروت: المؤسسة العربية للنشر والدراسات، ط1، 2004.

الجاحظ، أبو عثمان. الحنين إلى الأوطان، مراجعة طاهر الجزائري. القاهرة: مؤسسة هنداوي، 2017.

جبرا، جبرا إبراهيم. البئر الأولى: فصول من سيرة ذاتية. بيروت: دار الآداب، 2009.

حافظ، صبري. "رقش الذات لا كتابتها: تحولات الاستراتيجيات النصية في السيرة الذاتية". مجلة ألف، ع22 (2002).

الحموي، ياقوت. معجم البلدان. بيروت: دار صادر، ط2، 1995.

حميد الله، محمد. مجموع الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة. بيروت: دار النفائس، ط6، 1987.

درويش، محمود. أثر الفراشة: يوميات. بيروت: رياض الريس للكتب والنشر، ط2، 2009.

–––. يوميات الحزن العادي. بيروت: رياض الريس للكتب والنشر، ط5، 2009.

الرازي، ابن أبي حاتم. كتاب الجرح والتعديل. بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1952.

صفوت، أحمد زكي. جمهرة رسائل العرب في عصور العربية الزاهرة العصر الجاهلي عصر صدر الإسلام. بيروت: المكتبة العملية، ط1، 1939.

عاشور، رضوى. الحداثة الممكنة. القاهرة: دار الشروق،2009.

عبد الدايم، إبراهيم. الترجمة الذاتية في الأدب العربي الحديث. بيروت: دار إحياء التراث العربي،1982.

فحماوي-وتد، عايدة. "المكان والإنسان في السيرة الذاتية الروائية الفلسطينية: "أم الزينات" نموذجًا لكتابة التاريخ الشفوي"، مجلة الدراسات الفلسطينية، ع130 (ربيع 2022).

الفراهيدي، الخليل بن أحمد. كتاب العين. القاهرة: دار ومكتبة الهلال، [د.ت].

قاسمية، خيرية. "المذكرات والسير الذاتية الفلسطينية". ضمن الموسوعة الفلسطينية، قسم الدراسات، مج3. بيروت: هيئة الموسوعة الفلسطينية، ط1، 1990.

"كتب: أطفال الندى". جدلية، 17/5/2013، تاريخ الزيارة: 15/9/2022، https://www.jadaliyya.com/Details/28622

لعريني، صلاح الدين. "مفهوم الهابيتوس عند بيير بورديو". مجلة العلوم الاجتماعية، ع9 (نوفمبر 2014).

ثانيًا:

References:

ʻAbd al-Dāyim, Ibrāhīm. Al-tarjamah al-dhātīyah fī al-adab al-ʻArabī al-ḥadīth. (in Arabic) Bayrūt: Dār Iḥyāʼ al-Turāth al-ʻArabī, 1982.

Abdel Nasser, Tahia. Literary Autobiography and Arab National Struggles. Edinburgh: Edinburgh University Press, 2017.

Abulhab, Saad D. DeArabizing Arabia: Tracing Western Scholarship on the History of the Arabs and Arabic Language and Script) New York: Blautopf Publishing, 2011.

Al-Barghūthī, Ḥusayn. Al-ḍawʼ al-Azraq. (in Arabic) Bayrūt: al-Muʼassasah al-ʻArabīyah lil-Nashr wa-al-Dirāsāt, 1ST ed., 2004.

–––. Sa-akūnu bayna al-Lawz. (in Arabic) Bayrūt: al-Muʼassasah al-ʻArabīyah lil-Nashr wa-al-Dirāsāt, Ṭ1, 2004.

Al-Buḥturī, al-Walīd ibn ʻUbayd. Dīwān al-Buḥturī, (in Arabic) taḥqīq wa-sharḥ wa-taʻlīq Ḥasan Kamāl al-Ṣayrafī, b 1. al-Qāhirah: Dār al-Maʻārif, 3rd ed., 1963.

Al-Farāhīdī, al-Khalīl ibn Aḥmad. Kitāb al-ʻAyn, (in Arabic) b 6. al-Qāhirah: Dār wa-Maktabat al-Hilāl, no. Date.

Al-Ḥamawī, Yāqūt. Muʻjam al-buldān. (in Arabic) Bayrūt: Dār Ṣādir, 2nd ed., 1995.

Al-Jāḥiẓ, Abū ʻUthmān. Al-ḥanīn ilá al-Awṭān, (in Arabic) murājaʻat Ṭāhir al-Jazāʼirī. al-Qāhirah: Muʼassasat Hindāwī, 2017.

Al-Rāzī, Ibn Abī Ḥātim. Kitāb aljrj wa-al-taʻdīl, (in Arabic) b 4. Bayrūt: Dār al-Kutub al-ʻIlmīyah, 1st ed., 1952.

ʻĀshūr, Raḍwá. Al-ḥadāthah al-mumkinah. (in Arabic) Cairo: Dār al-Shurūq, 2009.

Berryman, Charles. “Critical Mirrors: Theories of Autobiography.” Mosaic: An Interdisciplinary Critical Journal, Vol. 32, No. 1 (March1999).

Bourdieu, Pierre. “The biographical Illusion (1986)”, in Wilhelm Hemecker and Edward Saunders (ed). Biography in Theory. Berlin\Boston: Walter de Gruyter GmBH, 2017.

Boym, Svetlana. The future of nostalgia. New York: Basic Books, 2001.

C. Deng, "kintsugi." Encyclopedia Britannica, 22024/1/7, accessed on 192024/2/, https://www.britannica.com/art/kintsugi-ceramics.

Darwīsh, Maḥmūd. Athar al-farāshah: Yawmīyāt. (in Arabic) Bayrūt: Riyāḍ al-Rayyis lil-Kutub wa-al-Nashr, 2nd ed., 2009.

–––. Yawmīyāt al-ḥuzn al-ʻĀdī. (in Arabic) Bayrūt: Riyāḍ al-Rayyis lil-Kutub wa-al-Nashr, 5th ed., 2009.

Eakin, Paul John. Writing Life Writing: Narrative, History, Autobiography. New York: Routledge, 2020.

Egan, Susan. Mirror Talk: Genres of Crisis in Contemporary Autobiography. Chapel Hill and London: The University of North Carolina Press, 1999.

Enderwitz, Susanne. “The Mission of the Palestinian Autobiographer,” in Stephan Guth, Priska Furrer, and Johann Christoph Burgel) ed (. Conscious Voices: Concept of Writing in the Middle East. Lebanon: Orient-Institute der DMG, 1999.

Fay, Mary Ann (ed). Auto/biography and the Construction of Identity and Community in the Middle East. New York: Palgrave, 2001.

Fḥmāwy-Wtd, ʻĀyidah. "al-makān wa-al-insān fī al-sīrah al-dhātīyah al-riwāʼīyah al-Filasṭīnīyah: Umm alzynāt namūdhajan li-Kitābat al-tārīkh al-shafawī," (in Arabic) Majallat al-Dirāsāt al-Filasṭīnīyah, No. 130 (Rabīʻ 2022).

Gusdorf, Georges. “Conditions and limits of Autobiography,” in James Olney (ed.) Autobiography: Essays Theoretical and Critical. Princeton: University Press, 2014.

Ḥāfiẓ, Ṣabrī. "Rqsh al-dhāt lā ktābthā: Taḥawwulāt al-Istirātījīyāt al-naṣṣīyah fī al-sīrah al-dhātīyah". (in Arabic) Majallat alf, No. 22 (2002).

Ḥamīd Allāh, Muḥammad. Majmūʻ al-wathāʼiq al-siyāsīyah lil-ʻAhd al-Nabawī wa-al-khilāfah. (in Arabic) Bayrūt: Dār al-Nafāʼis, 6th ed., 1987.

Hanh, Thich Nhat. Living Buddha, Living Christ. New York: Riverhead Books, 1997.

Haugeland, John. “Reading Brandom Reading Heidegger,” European Journal of Philosophy, Vol.13, No.3, (2005). https://doi.org/10.1111/j.1468-0378.2005.00237.x

Ibn al-Kalbī, Hishām ibn Muḥammad. Nasab al-Khayl fī al-Jāhilīyah wa-al-Islām wa-akhbāruhā, (in Arabic) riwāyah Abī Manṣūr al-Jawālīqī. Baghdād: Maṭbaʻat al-Majmaʻ al-ʻIlmī al-ʻIrāqī, 1985.

Ibn manẓūr, Muḥammad ibn Mukarram. Lisān al-ʻArab. (in Arabic) Bayrūt: Dār Ṣādir, no. date.

Ibn Munabbih, Wahb. Kitāb al-tījān fī mulūk Ḥimyar, (in Arabic) taḥqīq wa-nashr Markaz al-Dirāsāt wa-al-Abḥāth al-Yamanīyah. Ṣanʻāʼ: Markaz al-Dirāsāt wa-al-Abḥāth al-Yamanīyah, 1st ed., 1347h.

Jabrā, Jabrā Ibrāhīm. Al-Biʼr al-ūlá: fuṣūl min sīrat dhātīyah. (in Arabic) Bayrūt: Dār al-Ādāb, 2009.

Khalidi, Tarif. Arabic Historical Thought in the Classical Period. Cambridge: Cambridge University Press,1996.

Kolkenbrock, Marie. “Life as Trajectory: Pierre Bourdieu’s ‘The Biographical Illusion’ (1986)”, in Wilhelm Hemecker and Edward Saunders (ed). Biography in Theory. Berlin\Boston: Walter de Gruyter GmBH, 2017.

"kutub: Aṭfāl al-nadá," Jadalīyat, 17/5/2013, accessed on 15/9/2022, at: https://www.jadaliyya.com/Details/28622.

Lewis, Bernard. “First-Person Narrative in the Middle East,” in Martin Kramer (ed.) Middle Eastern Lives: The Practice of Biography and Self-Narrative. New York: Syracuse University Press, 1991.

Lʻryny, Ṣalāḥ al-Dīn. "Mafhūm alhābytws ʻinda Pierre bwrdyw,"(in Arabic) Majallat al-ʻUlūm al-ijtimāʻīyah, No. 9 (November 2014).

"Maḥmūd Darwīsh, al-ḍawʼ al-Azraq Laḥusayn al-Barghūthī fī Ṭabʻah Faransīyah qaddamahā Maḥmūd Darwīsh," (in Arabic) Ṣaḥīfat al-Ayyām, 4/5/2004, accessed 9/1/2022, at: https://www.al-ayyam.ps/ar_page.php?id=33dcday3398874Y33dcda

Malpas, Jeff. “Heidegger, space, and world,” in Julian Kiverstien and Michael Wheeler (ed). Heidegger Cognitive Science. New York: Palgrave Macmillan, 2012.

–––. Heidegger and the thinking of place. Massachusetts: MIT Press, 2012.

–––. Place and Experience: A Philosophical Topography London & New York: Routledge, 2nd ed., 2018.

Misch, Georg. A History of Autobiography in Antiquity, trans. E.W. Dickes. Connecticut: Greenwood Press, 1973.

Moore-Gilbert, Bart. Postcolonial Life-Writing: Culture, Politics, and Self-Representation. London and New York: Routledge, 2009.

Nivison, David S. “Aspects of Traditional Chinese Biography,” The Journal of Asian Studies, Vol. 21, No. 4 (1962). https://doi.org/10.2307/2050875.

Pascal, Roy. Design and Truth in Autobiography. London: Routledge, 2015.

Qāsimīyah, Khayrīyah. "al-mudhakkirāt wa-al-siyar al-dhātīyah al-Filasṭīnīyah," (in Arabic) ḍimna al-Mawsūʻah al-Filasṭīnīyah, Qism al-Dirāsāt, b 3. Bayrūt: Hayʼat al-Mawsūʻah al-Filasṭīnīyah, 1st ed., 1990.

Reynolds, Dwight F. Interpreting the Self: Autobiography in the Arabic Literary Tradition. Los Angles: University of California Press, 2001.

Ṣafwat, Aḥmad Zakī. Jamharat Rasāʼil al-ʻArab fī ʻuṣūr al-ʻArabīyah al-Zāhirah al-ʻaṣr al-Jāhilī ʻaṣr Ṣadr al-Islām, (in Arabic) b3. Bayrūt: al-Maktabah al-ʻamalīyah, 1st ed., 1939.

Said, Edward. Humanism and Democratic Criticism. New York: Colombia University Press, 2004.

Sheetrit, Ariel M. A Poetics of Arabic Autobiography: Between Dissociation and Belonging. New York: Routledge, 2020.

Smith, Sidonie & Watson, Julia. Reading Autobiography: A Guide for Interpreting Life Narratives. Minnesota: University of Minnesota Press, 2010.

Truc, Gérôme. “Narrative Identity against Biographical Illusion: The Shift in Sociology from Bourdieu to Ricoeur”, Études Ricoeuriennes/Ricoeur Studies, Vol. 2, No. 1 (2011).

Wheeler, Michael. "Martin Heidegger", The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Fall 2020 Edition), First published 12//10/2011, accessed 19/1/2024: URL: https://plato.stanford.edu/archives/fall2020/entries/heidegger/#Spa



[1]- "محمود درويش، الضوء الأزرق لحسين البرغوثي في طبعة فرنسية قدمها محمود درويش"، صحيفة الأيام، 4/5/2004، تاريخ الزيارة: 1/9/2022، https://www.al-ayyam.ps/ar_page.php?id=33dcday3398874Y33dcda

[2]- هشام بن محمد بن الكلبي، نسب الخيل في الجاهلية والإسلام وأخبارها، رواية أبي منصور الجواليقي (بغداد: مطبعة المجمع العلمي العراقي، 1985).

[3]- Tarif Khalidi, Arabic Historical Thought in the Classical Period (Cambridge: Cambridge University Press,1996), p. 205.

[4]- Ibid, pp. 200-204.

[5]- محمد بن مكرم ابن منظور، لسان العرب (بيروت: دار صادر، د.ت)، ص389.

[6]- حسن عيسى أبو ياسين، شعر همدان وأخبارها في الجاهلية والإسلام. جمع وتحقيق ودراسة: حسن عيسى أبو ياسين (الرياض: دار العلوم، 1983)، ص290-291.

[7]- وبهذا المعنى وردت في القرآن الكريم، ﴿قَالَ خُذۡهَا وَلَا تَخَفۡۖ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا ٱلۡأُولَىٰ[طه: 21].

[8]- محمد حميد الله، مجموع الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة (بيروت: دار النفائس، 1987)، ص159.

[9]- أحمد زكي صفوت، جمهرة رسائل العرب في عصور العربية الزاهرة العصر الجاهلي عصر صدر الإسلام، ج3(بيروت: المكتبة العملية، 1939)، ص46.

[10]- Saad D Abulhab, DeArabizing Arabia: Tracing Western Scholarship on the History of the Arabs and Arabic Language and Script) New York: Blautopf Publishing, 2011(, pp. 87-156.

[11]- إبراهيم عبد الدايم، الترجمة الذاتية في الأدب العربي الحديث (بيروت: دار إحياء التراث العربي،1982)، ص31.

[12]- وهب بن منبه، كتاب التيجان في ملوك حمير، تحقيق ونشر مركز الدراسات والأبحاث اليمنية (صنعاء: مركز الدراسات والأبحاث اليمنية، 1347ه)، ص260.

[13]- الخليل بن أحمد الفراهيدي، كتاب العين (القاهرة: دار ومكتبة الهلال، [د.ت])، ج6، ص72.

[14]- ياقوت الحموي، معجم البلدان (بيروت: دار صادر، ط2، 1995)، ص234 وص213.

[15]- الوليد بن عبيد البحتري، ديوان البحتري، تحقيق وشرح وتعليق حسن كمال الصيرفي (القاهرة: دار المعارف، 1963)، ج1، ص576.

[16]- ابن أبي حاتم الرازي، كتاب الجرج والتعديل (بيروت: دار الكتب العلمية، 1952)، ج4، ص338.

[17]-المرجع نفسه، ج1، ص5.

[18]- صبري حافظ، "رقش الذات لا كتابتها: تحولات الاستراتيجيات النصية في السيرة الذاتية". مجلة ألف، ع22 (2002)، ص12.

[19]- المرجع نفسه، ص7.

[20]- المرجع نفسه.

[21]- من الطريف أن رضوى عاشور ترى الساق على الساق أول رواية عربية. يُنظر: رضوى عاشور، الحداثة الممكنة (القاهرة: دار الشروق، 2009).

[22]- حافظ، ص18.

[23]- المرجع نفسه، ص26.

[24]- المرجع نفسه، ص23.

[25]- صك لغوي كلمة autobiography في عام 1797 لحاجته لكلمة في الإنجليزية تغطي كتابات الكُتاب لتجاربهم الحياتية؛ حيث درجت العادة آنذاك في تأليف مصطلحات جديدة من أصول كلاسيكية (يونانية ولاتينية)، ينظر:

Charles Berryman, "Critical Mirrors: Theories of Autobiography.” Mosaic: An Interdisciplinary Critical Journal, Vol. 32, No. 1 (March1999), p. 72.

[26]- Sidonie Smith, &Julia Watson, Reading Autobiography: A Guide for Interpreting Life Narratives (Minnesota: University of Minnesota Press, 2010), p. 1.

[27]- Ibid, p. 4.

[28]- Ibid, p. 4.

[29]- Ibid, p. 5.

[30]- Georges Gusdorf, "Conditions and limits of Autobiography,” in James Olney (ed.) Autobiography: Essays Theoretical and Critical (Princeton: University Press, 2014), p. 29.

[31]- ستصبح لاحقًا اعترافات جان جاك روسو Jean-Jacques Rousseau (1712-1778م) هي الشكل الفني الحديثللسيرة الذاتية الأوروبية، وبالتالي معيار الحداثة العالمي.

[32]- Dwight F. Reynolds, Interpreting the Self: Autobiography in the Arabic Literary Tradition (Los Angles: University of California Press, 2001), p. 31.

[33]- إلى جانب الدراسات العربية، يمكن العودة إلى مقال ثري للمستشرق الشهير برنارد لويس (1916- 2018م) يعدد فيه الأعمال السيرية العربية والتركية والفارسية وصولًا للقرن العشرين، ينظر

Bernard Lewis, "First-Person Narrative in the Middle East,” in Martin Kramer(ed.) Middle Eastern Lives: The Practice of Biography and Self-Narrative (New York: Syracuse University Press, 1991), pp.20-34.

[34]- يُنظر إلى الرامايانا (Ramayana) الهندية التي تعني حرفيًا سيرة راما، أما مكان تجول/رحلة/طريق راما، من وضع شاعر السنسكريتية الأول الشاعر ڤالميكي، بين الألفين الرابع والسابع الميلادي. وهي وإن كانت ملحمة شعرية لكنها تجعل من موضوع كتابتها حياة شخص ما بسرد سيري.

[35]- حول ضخامة السير الصينية مثلًا يُنظر:

David S. Nivison, "Aspects of Traditional Chinese Biography,” The Journal of Asian Studies, Vol. 21, No. 4 (1962), pp. 457-463. https://doi.org/10.2307/2050875.

[36]- ينُظر مثلًا لسيرة "متن" أحد كبار الموظفين في أواخر الأسرة الثالثة وأوائل الأسرة الرابعة في مصر القديمة، والسيرة الذاتية لـ "ويني الأكبر" أحد المسؤولين في بلاط الأسر السادسة، وسيرة "أحمس بن إبانا" أحد قادة الجيش المصري في فترة حكم الأسرة الثامنة عشر.

[37]- Roy Pascal, Design and Truth in Autobiography (London: Routledge, 2015), p. 2.

[38]- Ibid, p. 3.

[39]- Ibid, p. 22.

[40]- Ibid, pp.21-22.

[41]- Reynolds, pp.17-35.

[42]- Ibid, p. 20.

[43]- يكتب مِش "في آداب الأعراق المختلفة، لا الأوربية وحسب، بل على سبيل المثال الشرق الأقصى نوع من التطور في الكتابة السير الذاتية، وميل لتمثيل الذات". ص6، لكنه مُصر على أن "تاريخ السيرة الذاتية، ولكونه يتعامل مع الظاهرة المعقدة للحياة العقلية، لا يمكن ربطه بالشعوب البدائية". ص18، يُنظر:

 Georg Misch, A History of Autobiography in Antiquity, trans. E.W. Dickes (Connecticut: Greenwood Press, 1973).

[44]- Reynolds, p. 20.

[45]- Ibid, p. 242.

[46]-Ibid.

[47]- حافظ، ص23.

[48]- المرجع نفسه، ص24.

[49]- المرجع نفسه.

[50]- المرجع نفسه، ص26 وما بعدها.

[51]- Edward Said, Humanism and Democratic Criticism (New York: Colombia University Press, 2004), p. 127.

[52]- نستعمل هنا كلمة شهادة بالمعنى الدلالي اللغوي، أي الإخبار بما عاينه الشاهد وحضره، مع وعينا بدراسات الشهادة الـ testimonio في حقل الدراسات الأدبي والثقافي بل والسياسي في أمريكا اللاتينية وعلاقته المتوترة مع السيرة الذاتية.

[53]- عايدة فحماوي-وتد، "المكان والإنسان في السيرة الذاتية الروائية الفلسطينية: "أم الزينات" نموذجًا لكتابة التاريخ الشفوي"، مجلة الدراسات الفلسطينية، ع130 (ربيع 2022)، ص135.

[54]- Tahia Abdel Nasser, Literary Autobiography and Arab National Struggles (Edinburgh: Edinburgh University Press, 2017), p. 2.

[55]- Abdel Nasser, p. 62.

[56]- Bart Moore-Gilbert, Postcolonial Life-Writing: Culture, Politics, and Self-Representation (London and New York: Routledge, 2009), p. 112.

[57]- Ariel M. Sheetrit, A Poetics of Arabic Autobiography: Between Dissociation and Belonging (New York: Routledge, 2020), p. 6.

[58]- Mary Ann Fay, (ed.), Auto/biography and the Construction of Identity and Community in the Middle East (New York: Palgrave, 2001), p. 2.

[59]- Sheetrit, p. 5.

[60]- Ibid, p. 186.

[61]- Ibid, p. 188.

[62]- Pierre Bourdieu, "The biographical Illusion (1986)," in Wilhelm Hemecker and Edward Saunders (ed). Biography in Theory (Berlin\Boston: Walter de Gruyter GmBH, 2017), pp. 210-216.

[63]- Ibid, p. 211.

[64]- Marie Kolkenbrock, "Life as Trajectory: Pierre Bourdieu’s ‘The Biographical Illusion’ (1986)," in Wilhelm Hemecker and Edward Saunders (ed.), Biography in Theory (Berlin\Boston: Walter de Gruyter GmBH, 2017), p. 223.

[65]- Bourdieu, p. 215.

[66]- صلاح الدين لعريني، "مفهوم الهابيتوس عند بيير بورديو"، مجلة العلوم الاجتماعية، ع9 (نوفمبر 2014)، ص65.

[67]- Gérôme Truc, "Narrative Identity against Biographical Illusion: The Shift in Sociology from Bourdieu to Ricoeur," Études Ricoeuriennes/Ricoeur Studies, Vol. 2, No. 1 (2011), p. 154-155.

[68]- Paul John Eakin, Writing Life Writing: Narrative, History, Autobiography (New York: Routledge, 2020).

[69]- يمكن الرجوع لقائمة بالسير الذاتية الفلسطينية لنهايات الثمانينات لدى: خيرية قاسمية، "المذكرات والسير الذاتية الفلسطينية"، ضمن الموسوعة الفلسطينية، قسم الدراسات، مج3 (بيروت: هيئة الموسوعة الفلسطينية، ط1، 1990)، ص749-902.

[70]- حافظ، ص10.

[71]- المرجع نفسه، ص24.

[72]- Susanne Enderwitz, "The Mission of the Palestinian Autobiographer,” in Stephan Guth, Priska Furrer, and Johann Christoph Burgel) ed.), Conscious Voices: Concept of Writing in the Middle East (Lebanon: Orient-Institute der DMG, 1999), p. 35.

[73]-Ibid, pp. 42-50.

[74]- Ibid, p. 35.

[75]- محمود درويش، أثر الفراشة: يوميات (بيروت: رياض الريس للكتب والنشر، ط2، 2009)، ص25-26.

[76]- محمود درويش، يوميات الحزن العادي (بيروت: رياض الريس للكتب والنشر، ط5، 2009)، ص55.

[77]- أبو عثمان الجاحظ، الحنين إلى الأوطان، مراجعة طاهر الجزائري (القاهرة: مؤسسة هنداوي، 2017)، ص5.

[78]- المرجع نفسه، ص5.

[79]- تكررت ﴿سِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ كثيرًا في آيات القرآن الكريم مثل: الأنعام: 11، النمل: 69، العنكبوت: 20.

[80]- وبهذا المعنى ورد قول الله تعالى: ﴿وَجَعَلۡنَا بَيۡنَهُمۡ وَبَيۡنَ ٱلۡقُرَى ٱلَّتِي بَٰرَكۡنَا فِيهَا قُرٗى ظَٰهِرَةٗ وَقَدَّرۡنَا فِيهَا ٱلسَّيۡرَۖ [سبأ: 18].

[81]- Thich Nhat Hanh, Living Buddha, Living Christ (New York: Riverhead Books, 1997), p. 14.

[82]- الحديث هنا يشمل مقارنة ضمنية مع التركيز الفلسفي السابق على الزمان والتاريخ من إيمانويل كانط إلى هنري برغسون داخل الدرس الفلسفي غرب الأورُبي.

[83]- Jeff Malpas, Heidegger and the thinking of place (Massachusetts: MIT Press, 2012), p. 13.

[84]- Ibid, p. 13.

[85]- John Haugeland, "Reading Brandom Reading Heidegger,” European Journal of Philosophy, Vol.13, No.3 (2005), p. 423. https://doi.org/10.1111/j.1468-0378.2005.00237.x

[86]- Jeff Malpas, Place and Experience: A Philosophical Topography (London & New York: Routledge, 2nd ed., 2018), Forward, p. viii.

[87]- Jeff Malpas, "Heidegger, space, and world,” in Julian Kiverstien and Michael Wheeler (ed). Heidegger Cognitive Science (New York: Palgrave Macmillan, 2012), p. 316-317.

[88]- Michael Wheeler, "Martin Heidegger," The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Fall 2020 Edition), First published 12/10/2011, accessed 19/1/2024: URL: https://plato.stanford.edu/archives/fall2020/entries/heidegger/#Spa

[89]- جبرا إبراهيم جبرا، البئر الأولى: فصول من سيرة ذاتية (بيروت: دار الآداب، 2009)، ص10.

[90]- جبرا، ص16.

[91]- المرجع نفسه، ص12.

[92]- "كتب: أطفال الندى"، جدلية، 17/5/2013، تاريخ الزيارة: 15/9/2022، https://www.jadaliyya.com/Details/28622

[93]-ينظر: فحماوي – وتد.

[94]- حسين البرغوثي، الضوء الأزرق (بيروت: المؤسسة العربية للنشر والدراسات، 2004)، ص7.

[95]- المرجع نفسه، ص169.

[96]- المرجع نفسه، ص11.

[97]- المرجع نفسه، ص17.

[98]- حسين البرغوثي، سأكون بين اللوز (بيروت: المؤسسة العربية للنشر والدراسات، 2004)، ص33.

[99]- Malpas, Heidegger and the thinking of place, p. 161.

[100]- Ibid, p. 163.

[101]- Ibid, p. 168.

[102]- للنوستالجيا تاريخ طبي مثير، فهي في الأصل من صك طبيب سويسري اسمه يوهانس هوفر Johannes Hofer (1669-1752م) وله بحث طريف حولها، عندما اكتسحت أورُبا جائحة النوستالجيا على أثر الحروب ورحيل الجنود بعيدًا عن مساقط رؤوسهم. وقبل هوفر، يعالج الجاحظ قضية الحنين في مؤلفه؛ حيث يكتب "وقال بعض الفلاسفة: فطرة الرجل معجونة بحب الوطن؛ ولذلك قال بقراط: يداوي كل عليل بعقاقير أرضه". ويذكر بأن العرب كانت تحمل معها في الغزو والسفر ترابًا من بلادها تستنشقه عند نزلة كل برد أو صداع.

[103]- Svetlana Boym, The future of nostalgia (New York: Basic Books, 2001), p. XVIII.

[104]- C. Deng, "kintsugi." Encyclopedia Britannica, 22024/1/7, accessed on 192024/2/. https://www.britannica.com/art/kintsugi-ceramics.

[105]- الجاحظ، ص10.

[106]- Susan Egan, Mirror Talk: Genres of Crisis in Contemporary Autobiography (Chapel Hill and London: The University of North Carolina Press, 1999), p. 7.