تاريخ الاستلام: 30 أغسطس 2023

تاريخ التحكيم: 04 نوفمبر 2023

تاريخ القبول: 08 فبراير 2024

مقالة بحثية

العقلانية في العرفان الإسلامي *

نوفل بنزكري

أستاذ باحث، فلسفة إسلاميّة، جامعة الإمام الهادي، قمّ، إيرا ن

 bennaf313@hotmail.com

https://orcid.org/0009-0009-0563-9229

ملخص

تعدّدت الانتقادات التي وُجّهت لمدرسة العرفان والتصوّف في العالم الإسلاميّ، غير أنّ أهمّ هذه الانتقادات هي التي سعت إلى تقويض البناء الإبستمولوجيّ للعرفان عبر اتّهامه باللاعقلانيّة، لكننّا نعتقد أنّ جلّ هذه الانتقادات كانت متسرّعةً؛ ولهذا، سعينا في هذه المقالة إلى دراسة الموقف الحقيقيّ للعرفان الإسلاميّ من مسألة العقلانيّة؛ وذلك عن طريق الإجابة عن السؤالين الأساسين الآتيين: ما هي مختلف المواقف من العقلانيّة؟ وما موقف العرفان من العقل والشهود والشرع باعتبار أنّ الموقف من هذه المصادر المعرفيّة يُحدّد لنا موقف العرفان من العقلانيّة؟ والاستعانة بمنهج البحث الوصفيّ والتحليليّ، والمقارنيّ أحيانًا تبيّن أنّ العقلانيّة العرفانيّة هي عقلانيّة توفيقيّة شاملة، استطاعت أن تصوغ نظامها المعرفيّ على أسس قويمة، مستفيدةً في ذلك من كافّة المصادر المعرفيّة؛ أي الوحي والعقل والشهود؛ واتّضح أنّ الذين انتقدوا العرفان لمخالفته أصول العقلانيّة مخطئون تمامًا، إمّا لأنّهم لم يفهموا العرفان، وخلطوه ببعض النظريّات والممارسات الخاطئة، أو أنّهم لم يفهموا العقلانيّة، وحصروها في تفسير واحد باطل.

الكلمات المفتاحيّة: العرفان، التصوّف، العقلانيّة، الحكمة المتعالية، الشهود

للاقتباس: بنزكري، نوفل. «العقلانية في العرفان الإسلامي». مجلة تجسير لدراسات العلوم الإنسانية والاجتماعية البينية، المجلد السادس، العدد 1 (2024)، ص9-33. https://doi.org/10.29117/tis.2024.0159

© 2024، بنزكري، الجهة المرخص لها: مجلة تجسير ودار نشر جامعة قطر. نُشرت هذه المقالة البحثية وفقًا لشروط Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0). تسمح هذه الرخصة بالاستخدام غير التجاري، وينبغي نسبة العمل إلى صاحبه، مع بيان أي تعديلات عليه. كما تتيح حرية نسخ، وتوزيع، ونقل العمل بأي شكل من الأشكال، أو بأية وسيلة، ومزجه وتحويله والبناء عليه، طالما يُنسب العمل الأصلي إلى المؤلف. https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0

 


 

Submitted: 30 August 2023

Reviewed: 04 November 2023

Accepted: 08 February 2024

Research Article

Rationality in Islamic Irfan*

Naoufal Benzekri

Research Professor, Rational Sciences, Al-Imam Al-Hadi University, Qom–Iran

Bennaf313@hotmail.com

https://orcid.org/0009-0009-0563-9229

Abstract

The school of Irfan and Sufism has been the target of many criticisms. One of these criticisms is that Irfan is irrational. We believe that these criticisms are unfounded. In this article, we will examine the true position of Irfan on the question of rationality, by answering two basic questions: What are the different positions about rationality? What is the position of Irfan regarding Reason, Intuition, and Sharia, because the position on these cognitive sources determines for us the position of Irfan about rationality? We realized by using descriptive, analytical, and comparative methods that Irfan rationality is a comprehensive and inclusive rationality. It has been able to formulate its own epistemological system on sound foundations, drawing on all of the available sources of knowledge: revelation, reason, and intuition. We also argue that those who have criticized Irfan for being irrational are mistaken. Either they have confused Irfan and with some of the wrong theories and practices, or they have confined rationality to a false interpretation.

Keywords: Irfan; Sufism; Rationality; Transcendental wisdom; Intuition

 

Cite this article as: Benzekri, N. "Green Social Theory as a Bridge Between the Social Sciences and Natural Sciences". Tajseer Journal for Interdisciplinary Studies in Humanities and Social Science, Vol. 6, Issue 1 (2024), pp. 9-33. https://doi.org/10.29117/tis.2024.0159 

© 2024, Benzekri, licensee Tajseer Journal & QU Press. This article is published under the terms of the Creative Commons Attribution Non-Commercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0), which permits non-commercial use of the material, appropriate credit, and indication if changes in the material were made. You can copy and redistribute the material in any medium or format as well as remix, transform, and build upon the material, provided the original work is properly cited. https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0


 

مقدّمة

قد يحصل العجب لأوّل وهلة لمن يرى هذا العنوان (العقلانيّة في العرفان الإسلاميّ)! فما علاقة العقلانيّة بالعرفان الإسلاميّ حتّى نضعهما في عنوان واحد؟! يظهر أنّه لا انسجام بين العقلانيّة والعرفان من الأساس حتّى نتحدّث عن العقلانيّة في العرفان. فالعرفان يعتمد على الشهود والمكاشفات و...، بينما العقلانيّة لها أسسها وضوابطها الخاصّة، فأين هذا من ذاك؟! ولقد كان هذا هو السبب الذي دفع العديد إلى انتقاد العرفان ووصمه بتهمة اللاعقلانيّة، أو مخالفة العقلانيّة كحدّ أدنى.

لكنّنا من جهة أخرى، نرى العرفان بوجهه الحقيقي، فهو مدرسة عريقة وأصيلة داخل الحضارة الإسلاميّة، انتمت لها العديد من الشخصيّات الإسلاميّة العظيمة التي لم تكن تُخالف العقلانيّة، بل كانت تسير وفق أصولها، بل إن نفس الشارع المقدّس يدعو إلى العرفان الحقيقيّ والتوجّه نحو المعنويّات والعوالم العالية.

إذن، للجمع بين هذين الموقفين، يُمكننا القول بدءًا بأنّ العرفان لا يُخالف العقلانيّة، غير أنّه لربّما يمتلك تصوّرًا خاصًّا حولها. فما مفهوم العقلانيّة في الحكمة العرفانيّة؟ وهل توجد لدينا عقلانيّة واحدة، أم يُمكننا تصوّر وجود مجموعة من "العقلانيّات"؟ وإذا كان الأمر كذلك، فما العقلانيّة التي يرفضها العرفان، وما العقلانيّة التي يقبل بها؟

هذه التساؤلات سنسعى للجواب عنها في المقالة بشكل أساس، عبر أقسامها الثلاثة:

ففي القسم الأوّل، سنقوم بتحليل المفردات الواردة في عنوان البحث على مستوى تصوّري أوّلي؛ وفي القسم الثاني، سنعرض مختلف المواقف والآراء المتّصلة بمفهوم العقلانية، وما يتصل بها من مفاهيم العقل والوحي والكشف؛ وفي القسم الثالث، سنبحث عن مفهوم العقلانيّة كما يراها العرفان، من خلال استعراض موقف العرفان من العقل والشرع والكشف؛ لنقدّم في الأخير تصوّرًا واضحًا عن العقلانيّة العرفانيّة.

وتجدر الإشارة إلى وجود بعض المحاولات التي بحثت في الموضوع، إمّا ضمنيًّا أو بشكل استقلاليّ، لكنّها لم تخض في بحثه بالعنوان نفسه، وبشكل عميق ودقيق؛ من هنا، تأتي المقالة محاولة أولية لسدّ الفراغ الذي تُعاني منه الدراسات المعمّقة عن موقف العرفان من مسألة العقلانيّة، لاسيّما في العالم العربيّ؛ وذلك في سبيل صياغة عقلانيّة عرفانيّة تفسح المجال لفهم العرفان بشكل صحيح.

أولًا: إضاءات تصوّرية

نسعى هنا إلى التعرّف بشكل إجماليّ على كلّ من العقل والعقلانيّة والعرفان.

1.     تعريف العقل

من الناحية اللغويّة، خلصت التعريفات إلى أنّ العقل هو بمعنى الحصن والإمساك والحبس واللجوء[1]. وأمّا من حيث الاصطلاح، فإنّ العقل هو مشترك لفظي دائر بين معنيين: المعنى الأوّل إبستمولوجيّ، والثاني أنطولوجيّ، والذي يهمّنا هو المعنى الأوّل، ويُطلق عليه الذهن والفاهمة أيضًا[2]، حيث ذُكرت له عدّة تعريفات عند المتكلّمين أو الفلاسفة أو غيرهم، والمتحصّل منها أنّ العقل هو قوّة من قوى النفس الإنسانيّة المجرّدة أو مرتبة من مراتبها[3] تُدرك بها حقائق الأشياء وتكشف الواقع وتُميّز الحقيقة من الخيال والاعتبار؛ وهو "مأخوذ من عقال البعير، يمنع ذوي العقول من العدول عن سواء السبيل"[4].

2.     تعريف العقلانيّة

لغةً، يُمكننا إرجاع لفظتي (العقلاني والعقلانيّة) إلى مادّتي (عَقَلَ) أو (عَقْلَنَ)[5]، لكنّنا عند الرجوع إلى ساطع الحصريّ، وهو أوّل من استعمل مصطلح العقلاني والعقلانيّة، فإنّه يقول: "استعملتُ كلمتي "العقلاني" و"العقلانيّة" مقابل كلمتي (rationnaliste, rationnalisme) الفرنسيتين؛ لأنّي لم أجد كلمة "العقلي" و"العقليّة"[6] وافيةً بالمرام. من المعلوم أنّ المقصود هنا "الاعتماد على العقل وتحكيم العقل في كلّ شيء"[7]. وهذا يعني أنّ العقلانيّة هي مصدر صناعيّ مشتقّ من العقل- المنسوب بالألف والنون للتفريق بينها وبين العقليّة- والمراد منها لغويًّا: ممارسة فكريّة تحتكم إلى العقل وتلتزم بأحكامه.

وأمّا اصطلاحًا، فيتحدّد معنى العقلانيّة بحسب المجال المستعمل فيه، سواءً في نظريّة المعرفة، أم الفقه والأصول، أم علم الأخلاق، أم الفلسفة، أم علم الاجتماع،... ويُعدّ التفسير الذي قدّمته نظريّة المعرفة شاملًا لتفسيرات العلوم الأخرى؛ لأنّ علاقته بها هي تقريبًا علاقة المفهوم الكلّي بمصاديقه، بمعنى أنّ المفهوم الإبستمولوجيّ للعقلانيّة هو نفسه مفهومها الكلامي والأصولي والاجتماعي والفلسفي و...، لكنّه مخصّص بمجال معيّن؛ ولهذا، سنتبنّى في المقال المعنى المطروح في نظريّة المعرفة للعقلانيّة وهو: النزعة التي تُحكّم العقل في الفكر، وتجعله الأساس في الاستدلال، وتحتكم إليه لتشخيص الخطأ من الصواب؛ وهو المعنى الذي يقترب كثيرًا من المعنى الاصطلاحيّ.

3.     نظرة إجماليّة حول العرفان الإسلامي

‌أ.      تعريف العرفان (Irfan)

العرفان لغةً هو مصدر من عرف، يقول الفيّومي: "عرفتُه عِرفةً بالكسر وعِرفانًا علِمتُه بحاسّة من الحواسّ الخمس"[8]، ويذكر الراغب في مفرداته: "المعرفة والعرفان: إدراك الشيء بتفكّر وتدبّر لأثره، وهو أخصّ من العلم، ويُضادّه الإنكار"[9].

وأمّا من ناحية اصطلاحيّة، فيُنظر للعرفان بنظرتين واعتبارين؛ فتارةً ينظر إلى العرفان بالمعنى الأعمّ، وذلك بعدّه ميلًا من الميول الفطريّة العميقة التي أودعها الحقّ سبحانه وتعالى في خلقة الإنسان، والتي تدعوه للتحرّر من الشرنقة التي أحاط بها نفسه، من أجل التحليق في عوالم الصفاء والطهارة والشهود والقرب والسعادة الحقيقيّة؛ وهذا الميل نحو الارتباط بالعلّة (الإله والمعبود)، والاقتراب منه، ومعرفته معرفةً حضوريّة شهوديّة هو ما يُطلق عليه العرفان بمعناه العامّ، الذي لا يخصّ طائفةً دون أخرى، بل يشمل الناس بجميع مذاهبهم، ومللهم، ونحلهم، وأفكارهم، ومعتقداتهم؛ ولهذا، نرى أنّ هذا المعنى العامّ للعرفان حاضرٌ عند مختلف المذاهب الفكريّة والاعتقاديّة عبر التاريخ، بدءًا من البوذيّة والكونفشيوسيّة والتاويّة في الهند والصين، ومرورًا بالزرادشتيّة والحكمة الفهلويّة في إيران والأفلاطونيّة المحدثة عند اليونان، وانتهاءً بالتصوّف والعرفان في مختلف الديانات السماويّة كاليهوديّة والمسيحيّة والإسلام.

وتارةً أخرى، يُنظر إلى العرفان بالمعنى الأخصّ، وذلك بعدّه علمًا من العلوم الخاصّة ذا موضوع محدّد ومنهجيّة معيّنة وأهداف مشخّصة، ويُعرّف بأنّه: "العلم بالله سبحانه من حيث أسماؤه وصفاته ومظاهره، وأحوال المبدأ والمعاد وبحقائق العالم وبكيفيّة رجوعها إلى حقيقة واحدة هي الذات الأحديّة للحقّ تعالى، ومعرفة طريق السلوك والمجاهدة لتخليص النفس من مضايق القيود الجزئيّة، واتّصالها إلى مبدئها واتّصافها بنعت الإطلاق والكلّية"[10]. وهذا هو المراد من العرفان في المقال.

‌ب.  بين العرفان والتصوّف

يوجد ارتباط كبير بين التصوّف والعرفان؛ حيث إنّنا لا نستطيع أن نُشخّص بدقّة الفارق الموجود بين هذين المصطلحين العلميين؛ وبسبب هذا الارتباط، كان لزامًا علينا أن نبحث عن طبيعة العلاقة، وأوجه الشبه، والافتراق القائمة بينهما؛ حتّى نرى هل بوسعنا استخدام أحدهما بدلًا عن الآخر، أم لا؟

أوّل ما يستوقفنا هو ما ذكره البعض من أنّ العرفان يمثّل الجانب المعرفيّ في التصوّف، بينما يشير التصوّف إلى الجانب الاجتماعي في العرفان[11].

وصرّحت طائفة ثانية بأن الفرق بينهما يرجع لامتلاك العرفان لقاعدة معرفيّة يؤسّس عليها، وافتقادها عند التصوّف[12].

بينما رأت طائفة ثالثة أنّ العرفان مرتبة من مراتب الطريقة والسلوك الصوفي فحسب، ولا يصل إليها من الصوفيّة إلا من بلغ درجة عالية في سلّم الطريق[13].

عند الرجوع إلى تعريف التصوّف وحقيقته والغاية التي يهدف إليها الصوفيّ، فإنّنا لا نجد أيّ فارق بين التصوّف والعرفان. فقد ذكر الشيخ زرّوق الفاسي في تعريفه للتصوّف: "إنّه منقول من (الصُّفة)؛ لأنّ صاحبه تابع لأهلها فيما أثبت الله لهم من الوصف حيث قال تعالى: ﴿يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ والْعَشِيِّ يُريدُونَ وَجْهَه﴾ وهذا هو الأصل الذي يرجع إليه كلّ قول فيه"[14]؛ حيث يظهر من خلال هذا التعريف أنّ التصوّف هو التوجّه نحو الباري تعالى والانقطاع إليه، وطلب المعارف الشهوديّة الحقيقيّة من خلال تصفية القلب وتزكية النفس؛ وهو المعنى نفسه الذي يفيده تعريفنا السابق للعرفان. وخلاصة لهذا، نقول إنّ حقيقة العرفان والتصوّف واحدة، أمّا تبنّي مصطلح دون آخر، فهو لا يعدو كونه عمليّة تعسّف لا مبرّر لها قد تؤدّي إلى إسقاط كثير من الأعلام المحسوبين على هذا المصطلح أو ذاك، خصوصًا أنّ رفض التصوّف وإنكاره تحكمه الأسباب نفسها التي أدّت بالبعض إلى رفض العرفان وإنكاره.

وعلى هذا، فإنّنا لن نفرق في المقال بين العرفان والتصوّف، لكن دون أن يعني ذلك قبول كلّ المدارس الصوفيّة بشتّى اتّجاهاتها وتوجّهاتها؛ إذ من المعلوم أنّ بعض الطوائف الصوفيّة تُعاني من انحرافات فقهيّة وسلوكيّة، بل حتّى عقائديّة؛ ولهذا من اللازم علينا التفريق بين نوعين من التصوّف: أحدهما إيجابيّ حقيقيّ، والآخر سلبي ادّعائيّ؛ لكن، يبقى أنّ العرفان عانى بدوره أيضًا من وجود بعض الطوائف المنحرفة، فلا يوجد أيّ سبب بالتالي للتفريق بين التصوّف والعرفان.

‌ج.    نبذة تاريخيّة حول العرفان[15]

لقد قطع العرفان مجموعة مراحل قبل أن يصل إلى الحالة التي عليها الآن؛ يمكن اختصارها في أربع:

·      مرحلة الجذور: فقد ظهر العرفان في المرحلة الأولى (القرنين الأوّل والثاني) على شكل الزهد والإعراض عن الحياة الدنيا والانصراف إلى الحياة الآخرة؛ حيث يلجأ المسلم إلى مجاهدة نفسه في طاعة الله، والالتزام بما جاء في الكتاب والسنّة؛ وقد كان للنصوص القرآنيّة والروائيّة تأثير كبير في توجيه المسلمين إلى هذه الحقيقة؛ كما كان لسيرة الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم، وأئمّة أهل البيت، وبعض الصحابة العظام دور كبير في ترسيخ هذه المسألة، فنستطيع أن ننسب إليهم تاريخيًّا الدور الأساس في ظهور التصوّف والعرفان.

·      مرحلة النشأة: وفيها بدأت جماعة من الزهّاد والعبّاد مع توسّع الدولة الإسلاميّة وازدهارها من الناحية المادّية وتكالب الناس على الحياة الدنيا تتميّز عن عامّة المسلمين من خلال استعمال بعض التعابير الجديدة التي استمدّوها من الكتاب والسنّة مثل: الفقر، واتّخاذ لباس خاصّ، والانعزال عن الناس في أماكن خاصّة للعبادة، وأصبح يُطلق عليهم اسم الصوفيّة؛ ومن بين أبرزهم أبو هاشم الصوفي الذي يبدو أنّه أوّل شخص أطلقت عليه تسمية الصوفي[16]، والفضيل بن عياض، وشقيق البلخي، ومعروف الكرخي، وغيرهم.

·      مرحلة الازدهار والتدوين العملي: باتت الحاجة ملحّة بالنسبة للعرفاء والصوفيّة مع تطّور الثقافة والعلوم الإسلاميّة وتزايد الوافدين على هذه المدرسة، وظهور بعض المعارضين والمنكرين عليها إلى تأليف مجموعة من المصنّفات في شرح مسلكهم، وترتيب المقامات، والأحوال، ونظام السير والسلوك الذي يمشون عليه، ومطابقة ذلك بالكتاب والسنّة، والدفاع عن مدرستهم؛ فظهرت بذلك أوّل الكتابات الصوفيّة؛ نظير اللّمع لأبي نصر السرّاج الطوسي، والتعرّف لمذهب أهل التصوّف للكلاباذي.

·      مرحلة النضج والتدوين العلميّ: التي بدأت مع ظهور شخصيّة عرفانيّة كبيرة قامت بإحداث تطوّر عظيم على مستوى العرفان؛ ألا وهي شخصية الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي الذي عمل على التأسيس لمبادئ العرفان المعرفيّة والوجوديّة، لينتقل بالعرفان من حالته العمليّة المحدودة إلى المجال النظري الواسع، فاتحًا الباب لاكتساح ميادين أوسع وكسب أنصار أكثر. فمن خلال مصنّفاته العديدة، لاسيما كتاب فصوص الحكم، قام محيي الدين بن عربي بوضع الأسس للعرفان النظريّ، ليستمرّ تلامذته من بعده – نظير صدر الدين القونويّ وعبد الرزّاق الكاشانيّ والقيصري – على النهج من خلال شرحهم لهذه القواعد وبسطها وتنظيمها على شكل علم مستقلّ له موضوعه الخاصّ ومسائله المحدّدة[17].

ثانيًا: العقلانيّة ـ مواقف وآراء

يضمّ تيّار العقلانيّة العديدَ من الاتّجاهات والأفكار والمذاهب، التي يسعى كلّ واحد منها لتقديم تصوّره الخاصّ حولها؛ بالإضافة إلى أنّه لطالما وجدت أيضًا عبر التاريخ تيّارات ومذاهب أخرى وقفت في الطرف المقابل للعقلانيّة رافضة، أيّ دور للعقل في صياغة المعرفة البشريّة، ومعطية لأمور أخرى نظير الحسّ أو الدين أو الإيمان أو الشهود الدور الريادي والوحيد في الوصول إلى العلم والمعرفة. وبين هؤلاء وأولئك، سعت مجموعة ثالثة إلى الجمع بين الفريقين من خلال تبنّي آراء توفيقيّة تسعى لإعطاء كلّ واحد من تلك الوسائل المعرفيّة دورًا خاصًّا في تحصيل المعرفة الإنسانيّة الصحيحة.

وعليه، يُمكن تقسيم العقلانيّة داخل الفكر الإسلاميّ بحسب المواقف تجاه العقل بالأساس، إلى ثلاثة أقسام رئيسة: العقلانيّة المُفرطة (أو الإفراطيّة)، والعقلانيّة التفريطيّة (أو القاصرة) والعقلانيّة التوفيقيّة (أو المعتدلة)[18].

1.     العقلانيّة المُفرطة (القصوى)

وهو الاتّجاه الذي يُعطي للعقل الدور الرياديّ في الحصول على المعرفة، فيتفاوت أتباع هذا التيّار في نظرتهم إلى العقل شدّة وضعفًا؛ فمنهم من يقتصر على تمجيد العقل وتقديمه من دون أن يُلغي بقيّة الوسائل المعرفيّة الأخرى، ومنهم من يعتقد بتفرّد العقل في تحصيل المعارف الصحيحة من دون أن يفسح المجال أبدًا لغيره. وهنا، مختصر لبعض التيّارات التي تنتمي إلى هذا الاتّجاه

‌أ.       تيّار الاعتزال

 يُطلق الاعتزال على طائفتين؛ الطائفة الأولى هي الجماعة التي اعتزلت عليًّا (عليه السلام) وامتنعت عن الحرب معه أو ضدّه في معركة الجمل[19]، ويُسمّى هذا الاعتزال بالاعتزال السياسيّ؛ غير أنّ المراد من الاعتزال هنا، الاعتزال الكلاميّ الذي يُطلق على الطائفة الثانية، وهم أتباع (واصل بن عطاء) الذي اعتزل حلقة أستاذه الحسن البصري، فصاروا يُسمّون بهذا الاسم؛ وقد تميّزت هذه الفرقة الكلاميّة من غيرها بالاحترام الكبير التي تُكنّه للعقل، وبإعطائه دورًا كبيرًا في مسألة الإيمان؛ حيث إنّ المعتزلة اعتمدوا على العقل "كمرجع أساس في استنباطاتهم وتقريراتهم"[20]. وعلى الرغم من أنّ المعتزلة أدّوا دورًا كبيرًا في الدفاع عن العقيدة الإسلاميّة وإشاعة أجواء التعقّل والحرّية الفكريّة داخل المجتمع الإسلامي، إلا أنّهم ذهبوا بعيدًا في اعتمادهم على العقل، وتجاوزوا حدّ الاعتدال، فلم يكتف بعضهم برفض القضايا التي تُخالف العقل، بل كانوا يرفضون أيضًا حتّى القضايا الخارجة عن دائرة العقل، "فسلكوا بذلك مسلك الإفراط في العقلانيّة وتأويل النصوص الدينيّة"[21].

‌ب.   تيّار الحداثة[22]

 يُمكن النظر إلى مصطلح الحداثة (Modernism) من ثلاثة أنظار مختلفة: النظرة الأولى هي النظرة الزمنيّة؛ حيث تدلّ الحداثة بهذا المعنى على كلّ ما هو جديد؛ والنظرة الثانية هي النظرة العلميّة، فتكون الحداثة بحسب هذا المفهوم عبارة عن الإبداع والتقنيّة والتطوّر؛ وأمّا النظرة الثالثة، فهي النظرة الفلسفيّة التي تعتبر الحداثة منهجًا في تكوين الرؤية الفلسفيّة للوجود، ويبنى على أساس محوريّة الإنسان، واعتماد العقل، وقانون الحركة والتطوّر في الوجود.

وعلى أن المقال يدرس الحداثة كمنهج فلسفيّ، إلا أنّ الحداثة لا تمثّل مدرسة فلسفيّة واحدة، بل هي مجموعة فلسفات واتّجاهات في فهم الكون والحياة والإنسان، قد تبدو مختلفة ومتضادّة ومتناقضة مع بعضها أحيانًا، غير أنّ الذي يظهر هو وجود أسس وجذور فلسفيّة واحدة لجميع تلك الاتجاهات الحداثيّة. تلك الأسس هي التي نستطيع أن نصطلح عليها بالأسس الفلسفيّة للحداثة وهي: النزعة الإنسانيّة، والعقلانيّة، وقانون الحركة والتطوّر في الوجود. ويهمنا البحث حول الركن الثاني، أي موقف الحداثة من العقل والعقلانيّة.

يبدو أنّ فلاسفة الحداثة اتّخذوا موقفًا إيجابيًّا من العقلانيّة، ومرجعيّة العقل وتحكيمه على المستوى المعرفيّ، غير أنّهم يحصرونه في حدود معطيات الاستقراء والاختبار والتجربة، ولا يقصدون منه العقل التأمّلي التجريدي بالطريقة التي يتبعها الفلاسفة التأمّليون؛ ولهذا سنكتشف أنّ العقلانيّة الحداثويّة التقنيّة، بعدما كانت في بداياتها مع ديكارت (Descartes) دعوةً إلى التأسيس لمعرفة يقينيّة صلبة ـ أضحت في الأخير ألعوبةً بيد الوضعانيّة، والنسبانيّة، والقول بتعدّد الحقيقة، والذرائعيّة، والمثاليّة؛ لتنتهي في الأخير إلى تدمير نفسها بنفسها، وتحويل الصرح الضخم للعقلانيّة إلى أنقاض متناثرة.

‌ج.      التيّار العلمانيّ

 ظهرت فكرة العلمانيّة (Secularism) بصورتها الحالية في أوربا كردّة فعل ضدّ السيطرة التي مارستها الكنيسة في العصور الوسطى على الحياة الاجتماعيّة والسياسيّة والفكريّة للإنسان الغربي؛ فكانت تدعو إلى إعادة الاعتبار للإنسان، والعقل الإنساني في صياغة الحكومة والسلطة السياسيّة، بعيدًا عن الدين وهيمنة الإكليروس، وقد تسرّب هذا التيّار إلى العالم الإسلاميّ بعد انحلال الدولة العثمانيّة وبداية الاحتكاك بين هذا العالم وبين أوربا في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي، وقد حقّقت هذه الدعوة أعظم انتصاراتها على الإسلام في الربع الأوّل من القرن العشرين الميلادي في المناطق الإسلاميّة التي ألحقت بأوربا القيصريّة... وفي تركيا بعد إلغاء الخلافة وإعلان تركيا دولة علمانيّة لا دينية[23]، ثمّ انتشرت بعد ذلك في العالم العربي.

يتّفق العلمانيّون حول ضرورة الفصل بين السلطة الدينيّة والسلطة الزمنيّة (السياسيّة)، وإفساح المجال للعقل الإنساني ليُؤدّي الدور نفسه الذي كان الدين يُؤدّيه في إدارة الدولة والسياسة؛ لكن، يجب التنويه إلى وجود قراءات مختلفة لفكرة العلمانيّة بين المفكّرين العلمانيّين:

      القراءة الأولى: ترى أنّ رفض الدولة الدينيّة يرتكز على اعتبارات سوسيولوجيّة أو تاريخيّة أو سيكولوجيّة أو سياسيّة، بمعنى أنّ الإيمان بالعلمانيّة، وفصل الدين عن الدولة، يرجع إلى الاعتقاد بأنّ قيام الدولة الدينيّة يتعارض مع تحقيق الوحدة الاجتماعيّة (الاعتبار الاجتماعي)، وأنّه أمر أوجبته في الماضي ظروف تاريخيّة معيّنة (الاعتبار التاريخي)، كما أنّ دولة من هذا القبيل تُعدّ مخالفةً للطبيعة الإنسانيّة (الاعتبار السيكولوجي)، ولا يُمكنها أن تنسجم أبدًا مع الديمقراطيّة؛ لأنّه لا يُمكنها أن تكون إلا كُلّيانية (الاعتبار السياسي)[24]. ويُطلق عادل ضاهر على هذا النوع من العلمانيّة اسم العلمانيّة الليّنة[25].

      القراءة الثانية: هي أكثر عمقًا من الأولى؛ إذ تُرجع ضرورة فصل الدين عن الدولة إلى اعتبارات فلسفيّة وإبستمولوجيّة؛ وبهذا تستحقّ أن يُطلق عليها (العلمانيّة الصلبة)، كما سمّاها بذلك ضاهر[26]. أو يُمكننا أن نسمّيها أيضًا بـ (العلمانيّة الفلسفيّة). فـ"العلماني الصلب ينطلق في رفضه للدولة الدينيّة من موقف معيّن من طبيعة الدين وطبيعة القيم وطبيعة الله وطبيعة الإنسان"[27].

وتصل العلمانيّة الفلسفيّة في إطار تحليلها الإبستمولوجي لهذه المفاهيم إلى النتائج الآتية:

      المعرفة الدينيّة ليست ممكنة نظريًّا إلا إذا أخضعنا الوحي ـأو الادّعاءات المؤسّسة على الوحي لمعايير العقل[28].

      للعقل استقلاليّته التامّة؛ ومعنى ذلك أنّ لمعايير العقل أولويّة مطلقة في الشؤون المعرفيّة، فلا الوحي ولا الحدس ولا أيّة وسيلة أخرى، يُمكن أن تُتّخذ على أنّها ذات أولويّة على العقل أو حتّى مستقلّة عنه[29].

      كلّ ادّعاء معرفي يقوم على حدس أو وحي مزعوم ينبغي أن يُوضع على محكّ العقل، وإلا فإنّه يبقى مجرّد ادّعاء، ويكون نصيبه من التحوّل إلى معرفة حقّة هو لا شيء[30].

ومن هنا، نُلاحظ كيف سقطت العلمانيّة (خصوصًا الفلسفيّة) في العقلانيّة المفرطة، وهذا الموقف الإبستمولوجي قد حدا بها إلى فصل الدين عن مختلف أبعاد حياة الإنسان، لا البعد السياسيّ فحسب.

2.     العقلانيّة التفريطيّة (القاصرة)

وهو الاتّجاه الذي يرى أنّ العقل لا يمتلك الدور الأساس في الحصول على المعرفة، ويُقدّم عليه وسائل معرفيّة أخرى، مثل الدين أو الإيمان أو الشهود؛ ويشتمل هذا الاتّجاه على العديد من التيّارات الفقهيّة والكلاميّة التي نستعرض البعض منها على سبيل المثال.

‌أ.       المدرسة النصّية

تضمّ هذه المدرسة مجموعة من العلماء الذين اقتصروا على الأخذ بظواهر القرآن والحديث، ولم يكتفوا برفض العقل كمصدر مستقلّ في استنباط المسائل العقائديّة، بل تعدّوا ذلك إلى الوقوف بوجه جميع الأبحاث العقليّة المرتبطة بالنصوص الاعتقاديّة؛ وبعبارة أخرى، فقد كان هؤلاء يخالفون الكلام العقلي الذي يُعدّ فيه العقل كمصدر مستقلّ للعقائد، ولم يرتضوا للعقل حتى الإيفاء بدور الدفاع عن العقائد الدينيّة؛ حيث من المشهور، مثلًا، عن مالك بن أنس أنّه قال في جواب من سأله عن الآية الكريمة ﴿ٱلرَّحۡمَٰنُ عَلَى ٱلۡعَرۡشِ ٱسۡتَوَىٰ٥ [طه: 5]: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة"[31].

على كلّ حال، فقد كان هؤلاء يُعارضون إعمال الفكر بجميع أشكاله في مجال الدين، ويرفضون علم الكلام من الأساس؛ وبعد دخول الفلسفة اليونانيّة إلى العالم الإسلاميّ، اتّخذت مواجهتهم للعقل وإعماله في مجال الدين قالبًا آخر تمثّل في تكفير الفلاسفة والوقوف في وجه الفلسفة، يقول ابن الصلاح: "الفلسفة أسّ السفه والانحلال، ومادّة الحيرة والضلال، ومثار الزيغ والزندقة؛ ومن تفلسف، عميت بصيرتُه عن محاسن الشريعة المطهّرة المؤيّدة بالحجج الظاهرة والبراهين الباهرة..."[32].

‌ب.   الاتّجاه التفكيكي

والمراد منه الاتّجاه الذي ظهر في خراسان على يد مهدي الأصفهاني، ويُنادي بضرورة التفكيك والتمييز بين ثلاثة طرق للمعرفة؛ أي طريق القرآن ومنهجه، وطريق الفلسفة ومنهجها، وطريق العرفان ومنهجه.

وتختلف مدرسة التفكيك المقصودة هنا عن "المدرسة المنسوبة إلى جاك دريدا،... إذ يسعى دريدا إلى تفكيك النصّ الأدبي ليصل إلى نتيجة أن النصّ، كلّ نصّ، يتشظّى فهمه بعدد قارئيه... إلى درجة اعتبر أنّ النصّ لا يُمكن فهمه حتى لمبدعه وكاتبه"[33]. ولهذا، رأى البعض أن الأولى تسمية المدرسة بمدرسة التقويض[34].

تبنى مدرسة التفكيك الخراسانيّة على مجموعة من الرؤى، نلخّصها في النقاط الآتية:

      الفصل بين المناهج المعرفيّة الثلاثة: الوحي والعقل والكشف، وتأكيد تباينها في مدلولاتها، وفي الحقائق التي تكشفها.

      رفض التأويل؛ إذ إنّ التأويل ناتج عن امتزاج الفلسفة والعرفان وغيرهما من الاتّجاهات الفكريّة بالدين.

      الالتزام بالآيات والروايات في أصول الدين، والتعبّد في المعارف.

      الاهتمام الخاصّ بالمسار التاريخيّ للثقافة الإسلاميّة؛ لفرز الإسلام النقيّ عن الإسلام المشوب[35].

لقد بذل التفكيكيّون جهودًا كبيرةً من أجل نفي (تهمة) اللاعقلانيّة عنهم، لكن، على الرغم من ذلك، تبقى هذه الوصمة ملازمةً لهم ما داموا لا يعترفون بدور كبير للعقل في تحصيل المعرفة الدينيّة؛ يقول مهدي الأصفهاني: "فإنّ العقل الذي هو حجّة الله تعالى لا كاشفيّة له أيضًا عن أحكام الله ورسوله ضرورتًا [هكذا]"[36].

3.     العقلانيّة التوفيقيّة (المعتدلة)

ونقصد الاتّجاه الذي يسعى نحو التوفيق بين مختلف الوسائل المعرفيّة (أي العقل والوحي والشهود)، ولا يرفض أيّة واحدة منها، بل ينظر إليها كلّها بنظرة متوازنة ومعتدلة؛ ولهذا يصحّ أن نطلق عليه (العقلانيّة المعتدلة)؛ ويتمثّل في مجموعة من المدارس، أهمّها:

‌أ.      المدرسة التوفيقيّة الكلاميّة

سعى مجموعة من المتكلّمين المسلمين في البداية إلى التوفيق بين العقل والدين؛ ومن بينهم أبو الحسن الأشعريّ الذي كان في شبابه متعلّقًا بأفكار المعتزلة، لكنّه عدل عنها، وطرح آراء جديدة مخالفة؛ ففي ضمن إعطائه الأصالة للنقل، اعترف الأشعري أيضًا بدور العقل التبيينيّ والدفاعيّ؛ ساعيًا إلى إيجاد منهج متوسّط بين العقلانيّة المفرطة للمعتزلة، والعقلانيّة التفريطيّة للنصّية؛ فهو الذي كان يعتقد في البداية أنَّ رسالته تكمن في الردّ على آراء المعتزلة، نراه يعتمد على المنهج العقليّ في عرض الآراء الكلاميّة؛ لكن، مع سعيه إلى عدم السقوط في الإفراط الذي سقط فيه هؤلاء. ومع ذلك، يبقى السؤال الذي ينبغي التأمّل فيه هو: إلى أيّ حدّ تمكّن الكلام الإسلاميّ في بداياته من التوفيق بين العقل والنقل؟

نعلم أنّ المنهج الكلاميّ باعتبار طبيعته الدفاعيّة كان يحاول الاستفادة أكثر من المنهج النقليّ في التدليل على مسائله، ممّا أفضى به إلى افتقاد الكثير من القواعد العقليّة التي يُمكنها أن تُساعده على حلّ الإشكالات التي تواجهه؛ وقد لازمت هذه الإشكالات المذهب الكلاميّ على الرغم من التحوّلات التي طرأت عليه مع ظهور إمام الحرمين الجويني الذي سعى إلى إضفاء صبغة عقليّة أكبر على الأفكار الكلاميّة.

لكن، قدرة علم الكلام تعزّزت أكثر مع ظهور عالم كبير في القرن السابع الهجري؛ ألا وهو الخواجة نصير الدين الطوسي الذي أعطى نَفسًا جديدًا لهذا العلم من خلال إفادته من القواعد الفلسفيّة في المباحث الكلاميّة. فصحيح أنّ أولى المحاولات لإدخال المبادئ الفلسفيّة إلى علم الكلام بدأت بصورة باهتة مع الغزّالي والفخر الرازي؛"حيث أصبح علم الكلام أكثر تسامحًا مع مدخل الفلسفة وأكثر تقبّلا له"[37]، غير أنّ الاستفادة من القواعد الفلسفيّة في علم الكلام اتّخذت مع الطوسيّ طابعًا أكثر تطوّرًا، فقد "التحم علم الكلام بالفلسفة إلى حدّ كبير، بل تبلورت المباحث الكلاميّة وأصبحت فلسفة، لا سيّما في الجانب الإلهيّ"[38].

لقد أدّى الالتحام بين الفلسفة وعلم الكلام دورًا كبيرًا في التوفيق بين العقل والنقل بشكل لم يحصل في السابق عند المتكلّمين المتقدّمين؛ حيث أصبح علم الكلام قادرًا على الإجابة العقليّة عن الكثير من الإشكالات الدينيّة التي استعصت عليه من قبل؛ لكن، يبقى أنّ وظيفة علم الكلام تنحصر في الدفاع عن الدين والقضايا الدينيّة؛ ولهذا، يستفيد حتّى من غير الأدلّة العقليّة، بل ومن الأدلّة العقليّة الضعيفة المعتمدة على المشهورات والمسلّمات؛ وعليه، فقد بقيت قدرة علم الكلام محدودةً في التعاطي مع العقل؛ ممّا أثّر في الأخير على قدرته على التوفيق بين العقل والنقل.

‌ب.  المدرسة التوفيقيّة الفلسفيّة

من المعلوم أنّ الفلسفة تتّكئ بشكل أساس على العقل؛ فهل كانت الفلسفة الإسلاميّة تعتمد فقط على المعرفة العقليّة مقدّمةً إيّاها على كلّ معرفة، ولو كان مصدرها الوحي أو الشهود، فتنصبّ بذلك في العقلانيّة المفرطة؟ أم أنّها سعت إلى التوفيق بينها، فلم تُنكر دور أيّ واحد في تحصيل العلم والمعرفة، أي أنّها نحت منحى العقلانيّة التوفيقيّة؟[39].

وفي هذا الصدد، تعرض المقال المحاولات التي قدّمها الفلاسفة من أجل التوفيق بين العقل والوحي والشهود، وذلك عن طريق تقسيمهم إلى ثلاث مدارس فلسفيّة أساسيّة عرفها العالم الإسلاميّ: (المدرسة المشّائية)، (المدرسة الإشراقيّة) و(مدرسة الحكمة المتعالية).

·      المدرسة المشّائية:

وهي المدرسة المنتسبة إلى أرسطو الذي كان يُدرّس تلامذته ماشيًا[40]. وقد كانت هذه المدرسة هي الرائجة في العالم الإسلامي لمدّة طويلة جدًّا، وتخرّج منها العديد من الفلاسفة العظماء، كالكندي، والفارابي، وابن سينا، والمحقّق الطوسي، وابن رشد وغيرهم؛ الذين سعوا إلى تنقيح فلسفة أرسطو المترجمة من اليونانيّة وتطويرها.

فعند الرجوع إلى أهمّ حكماء المشّاء، نرى مثلًا، الفارابي كان يرى للعقل شأنًا كبيرًا في تحصيل المعرفة، ولهذا عُرف عنه اهتمام خاصّ بعلم المنطق الذي يُعنى بإصلاح الفكر؛ لكن، هل بلغ به اهتمامه بالعقل إلى حدّ الإفراط والغلوّ على حساب الدين والقضايا الدينيّة؟

من المسلّم به تاريخيًّا أنّ الفارابي كان مولعًا بالفكر الفلسفيّ من جهة، وبكمال الإسلام من جهة أخرى؛ بمعنى آخر أنّه كان يثق في الاثنين معًا. وما دامت لديه الثقة، فهما إذن لا يتعارضان بل يتّفقان؛ لأنّ كلّ واحد منهما هو في حاجة إلى الآخر[41].

وكذلك الشأن بالنسبة لابن سينا الذي "لعب دورًا أساسيًّا في الجمع بين الفلسفة والدين"[42]، فقد حاول في مصنّفاته التدليل على بعض القضايا الفلسفيّة المرتبطة بالدين، خصوصًا في مجال الإلهيّات، والنفس الإنسانيّة، والمبدأ والمعاد، وغيرها عن طريق الاستفادة من مبادئ حكمة المشّاء؛ وتمكّن بفضل ذهنيّته الوقّادة من توظيف القواعد الفلسفيّة في فهم القضايا الدينيّة وإثباتها عن طريق العقل، بل وسعى أيضًا إلى التوفيق بين الفلسفة والتصوّف؛ إذ يُعدّ من بين الأوائل الذين كتبوا في فلسفة التصوّف وعملوا على تفسير المكاشفات العرفانيّة تفسيرًا عقليًّا؛ ويظهر هذا الأمر في النمط الثامن والتاسع والعاشر من كتابه الإشارات والتنبيهات؛، حيث خصّص هذه الفصول للبحث عن حقيقة البهجة والسعادة، ومقامات العارفين وأسرار الآيات.

لكنّ السؤال المطروح هو: ما مدى نجاح الفلسفة المشّائية في هذه العمليّة التوفيقيّة؟

على سبيل المثال، إذا رجعنا إلى مصنّفات ابن سينا الفلسفيّة، سنكتشف أنّ الشيخ الرئيس لم يُحالفه الحظّ كثيرًا في الإجابة عن العديد من المسائل المطروحة في العقيدة الإسلاميّة مثل المعاد الجسماني، مع أنّه كان يُصرّح باعتقاده بها تعبّدًا؛ ممّا قد يوحي بوجود انفصال عنده بين العقل والدين في هذا النوع من المسائل.

وعلى الرغم من ذلك، فقد فتح المشّاؤون المسلمون بأبحاثهم القيّمة البابَ أمام العقلانيّة التوفيقيّة داخل العالم الإسلامي، لكنّها تبقى توفيقيّة ضيّقة ومحدودة.

·      المدرسة الإشراقيّة (Illuminationism):

صحيح أنّ الفلسفة المشّائية كانت فارس الميدان الوحيد على مستوى العالم الإسلامي لأجيال كثيرة، لكنّ هذا لا ينفي خلال هذه المدّة ظهورُ بعض الفلاسفة الذين كانوا ينادون بالفلسفة الإشراقيّة التي ترى أنَّ المعرفة تحصل عبر إشراق الحقائق على النفس من خلال تجليتها وصقلها بالرياضة والمجاهدة المعنويّة؛ حيث يُعدّ أفلاطون من أهمّ روّاد هذه المدرسة.

وأمّا أبرز فيلسوف في الإسلام تبنّى المنهج الإشراقي، وعمل على وضع مبانيه الفلسفيّة الخاصّة، فقد كان شهاب الدين السهْرَوَردي المسّمى بشيخ الإشراق. وسيقتصر المقال على كشف موقف هذه المدرسة من مسألة العقلانيّة.

يسهُل الحكم على المدرسة الإشراقيّة التي أسّسها السهروردي بأنّها كانت عقلانيّة توفيقيّة، والسبب في ذلك يرجع إلى العناصر المعرفيّة التي تألّفت منها هذه المدرسة؛ فمن المعلوم[43] أنّ السهروردي قد استقى حكمته من خلال الاستفادة من عدّة تيّارات معرفيّة، وهي:

      الفلسفة اليونانيّة: وخصوصًا فلسفة أفلاطون وأرسطو وأفلوطين.

      التراث الإيراني القديم: والمراد به الحكمة الإيرانيّة التي كانت تعتمد على فلسفة النور؛ حيث استفاد منها السهروردي في تقسيمه العالم إلى نور (ويُمثّل الخير المطلق) وظلمة (وهو مظهر للشرّ في العالم). وتجدر الإشارة هنا إلى الشرّ بحسب السهروردي هو أمر عدمي ولا يمتلك ذاتًا مستقلّة، خلافًا لما كان يعتقده الثنويّة.

      العرفان والتصوّف: فقد التقى السهروردي بأئمّة الصوفيّة - خصوصًا في الشام- وتعلّم منهم، وقد كان يقضي أوقاته في الرياضة والخلوة والتفكّر.

      القرآن والسنّة: إذ يُعدّ السهروردي "أوّل حكيم إسلامي استفاد دائمًا بصورة غاية في الوضوح من الآيات القرآنيّة والأحاديث النبويّة"[44]، بل إنّه يُسند فلسفته (فلسفة الأنوار) إلى آية النور الشريفة الواردة في القرآن الكريم.

لكن، هذا النجاح التوفيقيّ لم يكن على درجة كبيرة جدًّا لتأسيس منظومة فلسفيّة تكون قادرة على إثبات أسسها؛ ولعلّ السبب في ذلك يكمن فيما نُسب إلى السهروردي من قوله باعتباريّة الوجود وأصالة الماهية؛ أي إلى حصر الوجود - وبالتالي الفلسفة- في الذهن، فلا تكون لها أيّة قدرة على الوصول إلى الحقائق الدينيّة والعرفانيّة.

·      مدرسة الحكمة المتعالية:

ذكرنا سابقًا أنّ الفلسفة الإسلاميّة ظلّت لعقود طويلة محكومة بالمنهج المشّائي الذي لم يستطع على الرغم من الخدمات الكبيرة التي قدّمها للفكر الإسلامي من الإجابة عن الكثير من التساؤلات المعرفيّة الدينيّة، والكلاميّة، والفلسفيّة، والعرفانيّة،... وقد أشرنا إلى تخلّل هذه الفترة لبعض المحاولات الأخرى التي تبنّت المنهج الإشراقي، خصوصًا تلك التي قام بها السهروردي؛ حيث حاولت إقحام بعض العناصر الجديدة في البنية المعرفيّة الفلسفيّة (أي الشهود)، لكنّها لم تلق رواجًا كبيرًا داخل العالم الإسلامي، ولم تتمكّن من إيقاف الزحف المشّائي الذي اكتسح الفلسفة الإسلاميّة لسنوات طويلة، إلى أن جاء القرن العاشر الهجري الذي شهِد بروز صدر الدين الشيرازي الذي سعى إلى إعطاء نفس جديد للفلسفة بشكل خاصّ، وللمعرفة بشكل عامّ داخل العالم الإسلامي. فأعظم إنجاز تمكّن الملا صدر من القيام به هو إعادة الاعتبار للوجود، ووضعه في مكانته الحقيقيّة، وذلك من خلال طرحه لمبدأ (أصالة الوجود).

فعلى الرغم من أنّ القول بأصالة الوجود يُنسب عادةً إلى فلاسفة المشّاء، غير أنّ عدم وضوح هذه المسألة في عصرهم، انجرّت بهم إلى عدم اتّخاذها كقاعدة يُؤسّسون عليها أبحاثهم الفلسفيّة؛ ممّا جعلهم في كثير المسائل يسلكون سبيل الماهية والتحليل الذهنيّ المحض للواقعيّات.

لقد تمكّنت الفلسفة أخيرًا بفضل الملا صدر من الوصول إلى حاقّ الواقع، والتحرّر من ربقة الفهم الذهنيّ الماهوي، فاكتسبت بذلك قدرةً أكبر على تحليل الواقعيّات؛ وبالتالي، فهم العرفان والدين فهمًا عقليًّا أعمق وأدقّ وأشمل؛ وهذا يظهر جليًّا في المسائل الحديثة التي أبدعتها الحكمة المتعالية[45]، ومكّنتها من حلّ العديد من الإشكالات الكبيرة؛ نظير طرحها لمسألتي الحركة الجوهريّة وتجرّد الخيال، واللتان مكّنتا صدر المتألّهين من تقديم تفسير عقليّ للمعاد الجسمانيّ؛ كما سيأتي عند التطرّق للعقلانيّة العرفانيّة.

استطاع الملا صدر تحقيق إنجاز آخر على مستوى المنهج المعرفيّ، وذلك من خلال اعتماده على الكشف والوحي؛ فصحيح أنّ صدر المتألّهين كان يرى البرهان السبيل الوحيد لإثبات المسائل الفلسفيّة[46]، لكنّه لم يُلغ دور الوحي والشهود في بناء نسقه الفلسفيّ، غير أنّ هذا الدور لا يتعلّق بالاستدلال على القضايا الفلسفيّة؛ لأنّ ذلك موكول للعقل، بل يتعلّق دور الوحي والكشف في فلسفة صدر المتألّهين بمجالات أخرى، أهمّها: طرح مسائل جديدة، وهداية العقل وصيانته من الوقوع في الخطأ، بالإضافة إلى كشف وجود مغالطات عند حصول تعارض بين نتيجة البرهان ومعطيات الوحي أو الشهود، وتأييد نتائج البرهان، وأيضًا تحصيل الاطمئنان بصحّة النتائج الحاصلة عن طريق البرهان.

بل إنّ الوحي والشهود قد يُعينان الفيلسوف حتّى على مستوى إقامة بعض البراهين، عن طريق الإلهام مثلًا أو الاقتراح، كأن يُطرح ذلك الدليل في الشرع أو الكشف؛ لكن، تكون مقدّماته محتاجة للإثبات.

إذن، بات مشهودًا أنّ الفلسفة التي شيّد دعائمها صدر المتألّهين الشيرازي تنحو منحى العقلانيّة التوفيقيّة الشاملة التي تسعى للاستفادة القُصوى من جميع المصادر المعرفيّة، أي الوحي والشهود والعقل؛ وبالفعل، فقد تمكّنت هذه الفلسفة التي أطلق عليها صاحبها الحكمة المتعالية من حلّ العديد من القضايا الفلسفيّة العالقة، وكذلك من تفسير مجموعة كبيرة من القضايا الدينيّة والعرفانيّة التي كانت مستعصية حتى ذلك العصر على الفهم والتفسير العقليّ؛ لذلك استعانت العقلانيّة العرفانيّة بهذه المدرسة الفلسفيّة في التأصيل لمبادئها.

ثالثًا: العقلانيّة العرفانيّة

بعد أن تعرّفنا على العديد من النتائج المهمّة حول العقلانيّة، نتعرّف على مفهوم العقلانيّة في العرفان؛ لكنّنا نعلم أنّ الموقف من العقلانيّة يمرّ عبر بيان الموقف من المصادر المعرفيّة الأساسيّة الثلاثة؛ العقل والشهود والشرع. ولهذا، سنسعى لبيان الموقف الحقيقي للعرفان من هذه المصادر المعرفيّة، حتّى يحقّ لنا بعد ذلك محاكمته ووضعه في القسم التي يُناسبه من بين الأقسام الثلاثة السابقة للعقلانيّة؛ لأنّنا ذكرنا سابقًا أنّ أيّ موقف من العقلانيّة يبنى في الحقيقة على الموقف من تلك المصادر الثلاثة للمعرفة الإنسانيّة.

1.     موقف العرفان من العقل

قيل لأبي الحسن النوري رحمه الله: بم عرفت الله تعالى؟ فقال: بالله. قيل: فما بال العقل؟ قال: العقل عاجز لا يدلّ إلا على عاجز مثله[47]. يظهر من هذا القول أنّ العرفاء اتّخذوا موقفًا سلبيًّا من العقل، ولم يعتمدوه كوسيلة لتحصيل المعرفة الحقيقيّة التي يسعون إليها؛ وقد كان هذا هو السبب الكامن من وراء اندلاع الحملات الشعواء ضدّهم من قبل مختلف المدارس الفكريّة، غير أنّ أغلب هذه المواقف العدائيّة ضدّهم كانت استعجاليّة؛ حيث سنكتشف معًا أنّ الانتقادات التي وجّهها العرفاء للعقل لم تكن مطلقة؛ لكن، قبل الخوض في موقف العرفاء من العقل، نرى لزامًا علينا تسليط الضوء على حدود العقل؛ إذ سيُساعدنا ذلك كثيرًا في فهم الصورة السلبيّة التي رسمها العرفاء عن العقل، وما مرادهم الجدّي من انتقادهم للعقل؟، وما نوع العقل الذي يقصدونه في ذلك؟.

فحينما نرجع إلى أقوال الحكماء أنفسهم، نراهم يقولون باكتناف العقل بمجموعة من الحدود، منها:

      العقل محكوم بالحسّ: إنّ جميع ما يتعقّله الإنسان محكوم بالحسّ؛ ولهذا يذكر الحكماء أنّ "من فقد حسًّا، فقدْ فقدَ علمًا"[48].

      العقل عاجز عن إدراك كنه الأشياء: يعترف الحكماء بأنّ العقل قاصر (وليس مقصّر!) عن إدراك الأشياء بالكنه، وبأنّ غاية ما يُمكنه تحقيقه في هذا المجال هو التعرّف على بعض خواصّ الأشياء ولوازمها. يقول ابن سينا: "الإنسان لا يعرف حقيقة الشيء البتة"[49].

      المعرفة العقليّة تحصل بالضدّ: وهذه مسألة طبيعيّة جدًّا، إذ حينما يعجز العقل عن معرفة الأشياء، فإنّه يلجأ إلى ضدّها؛ ولهذا يُقال: إنّ الأشياء لا تُعرف إلا بأضدادها.

      المعرفة العقليّة لا تحصل إلا بالأوضح: بمعنى أنّ المعرِّف يجب أن يكون أجلى مفهومًا عند الإنسان من المعرَّف، وإلا فلا تحصل أيّة فائدة من تلك المعرفة؛ ولهذا يمنع المنطقيّون تعريف الأشياء بالمساوي في الظهور والخفاء، وكذلك بالأخفى معرفةً.

      المعرفة العقليّة مقيِّدة: فمن المسلّم به لدى الحكماء والمنطقيّين أنّ معرفة أيّ شيء لا تكون إلا من خلال تمييزه عمّا عداه.

      لا يُعرف الشيء إلا بمعرفة علّته: إذ يتوقّف المعلول في وجوده على العلّة، فلا يُعرف المعلول معرفةً حقيقيّة إلا من خلال معرفة علّته الصادر عنه، يقول الكندي: "ولسنا نجد مطلوباتنا من الحقّ من غير علّة"[50].

بعدما تبيّن أنّ للعقل حدودًا، سنكتشف أنّ الانتقادات التي وجّهها العرفاء للعقل لم تكن مطلقة، بل اقتصرت على مجموعة من النقاط التي ترجع إلى تلك الحدود التي يُعاني منها العقل؛ ولهذا، فهم:

      انتقدوا العقل في دائرة الكشف عن الحقائق الكونيّة العامّة (وخصوصًا الله تعالى)؛ لأنّه محدود وعاجز؛ فالحكماء يعترفون بأنّ العقل محكوم بالحسّ، وأنّه عاجز عن إدراك كنه الأشياء، وأنّه لا يعرف الأشياء إلا بأضدادها، وبالأوضح، وبعللها؛ والله تعالى (بل حتّى كثير من الموجودات) لا يُدرك بالحسّ ولا بالكُنه؛ كما أنّه لا ضدّ له، ولا أوضح منه، ولا علّة له.

      انتقدوا العقل الذي يرفض الشهود، ولا يقبل به كمنهج في تحصيل العلوم الحقيقيّة، مع أنّه الطريق الوحيد بحسبهم للوصول إلى الحقائق.

      انتقدوا العقل المشوب بالوهم؛ لأنّ أحكامه تكون خاطئة؛ فكلّما ضعُف عقل الإنسان، تمكّن الوهم والخيال من السيطرة عليه.

      في مقابل ذلك، فإنّهم اعترفوا بالعقل السليم الذي لا تتطرّق إليه الأوهام والشبهات، يقول ابن عربي: "ولهذا يقال في علوم النبوّة والولاية إنّها وراء طور العقل، ليس للعقل فيها دخول بفكر، لكن له القبول خاصّة عند السليم العقل الذي لم يغلب عليه شبهة خياليّة فكريّة"[51].

      قالوا بضرورة تقوية العقل وإحكام قواعده من أجل الوقوف أمام الخيالات الكاذبة.

       رحّبوا بالعقل وقالوا بحجّيته في نطاق الحدود المسموح له بالتحرّك داخلها، نظير العقائد وعلم الكلام، فإنه "لا ينبغي أن يجعل في العقائد إلا ما يُقطع به، إن كان من النقل، فما ثبت بالتواتر، وإن كان من العقل، فما ثبت بالدليل العقليّ"[52].

      قبلوا بالعقل الذي لا يرفض الكشف، بل يُعدّ مقدّمة له، وداعيًا إليه؛ فلما "رأت عقول أهل الإيمان بالله تعالى أن الله قد طلب منها أن تعرفه بعد أن عرفته بأدلّتها النظريّة، علمت أنّ ثَمّ علمًا آخر بالله لا نصل إليه من طريق الفكر"[53].

      استعملوا العقل للدفاع عن مبانيهم وآرائهم، وعرضها وفقًا للمنهج العقلي؛ وما سعيُهم إلى تأسيس العرفان النظريّ إلا تعبير جليّ عن هذا الأمر؛ يقول القيصري: "لمّا رأيت أنّ أهل العلم الظاهر يظنّون أنّ أهل هذا العلم ليس له أصل يُبنى عليه ولا حاصل يوقف لديه، بل تخيّلات وطامّات ذكريّة لا برهان لأهله عليه... بيّنت موضوع هذا الفنّ ومسائله ومبادئه. وما ذكرت من البرهان والدليل هنا وفي مقدّمات شرح الفصوص وباقي الرسائل التي كُتبت في هذه الطريقة إنّما أتيت به إلزامًا لهم بطريقتهم"[54].

لقد قدّمت فلسفة الحكمة المتعالية خدمات جليلة للعقلانيّة العرفانيّة من خلال إمدادها بمجموعة من المبادئ الفلسفيّة البديعة؛ ممّا أكسبها قدرة أكبر على عرض المسائل العرفانيّة والتدليل عليها؛ نظير مسألة وحدة الوجود العرفانيّة التي أصبح من السهل الاستدلال عليها عن طريق بحث الإمكان الفقريّ والوجود الرابط الذي طرحه صدر المتألّهين.

2.     موقف العرفان من الشهود

‌أ.       تعريف الشهود

في لسان العرب "المشاهدة: المعاينة. وشهده شهودًا أي حضره، فهو شاهد"[55]،ويقول ابن فارس: "الشين والهاء والدال أصل يدلّ على حضور وعلم وإعلام لا يخرج شيءٌ من فروعه عن الذي ذكرناه"[56].وعليه، فإنّ الشهود لغةً بمعنى الاطّلاع على الأمر المشهود ومعاينته حضورًا، ومن خلال الاتّصال المباشر به.

هذا المعنى حاضر اصطلاحًا، لكن بدائرة أضيق؛ إذ إنّ الشهود بحسب تعريف العرفاء هو معاينة المشهود (أي الحقّ تعالى) عن طريق نوع خاصّ من الاتّصال المباشر، أي الاتّصال القلبي؛ فـ"الشهود هو رؤية الحقّ بالحقّ"[57]، ومن الواضح أنّ هذه الرؤية المراد منها الرؤية القلبيّة، لا مطلق الرؤية والمعاينة.

‌ب.   دائرة العلم الشهوديّ

عدّت الحكمة المتعالية العلم - كيفما كان - تعبيرا عن نوع اتّحاد وجودي بين النفس الإنسانيّة المجرّدة وبين المعلوم المجرّد؛ فالصورة العلميّة بجميع أقسامها؛ الحسّية، الخياليّة، العقليّة هي صورة مجرّدة عن المادّة، وإن كان لها نحو تعلّق بها؛ والدليل على ذلك هو عدم اتّصافها بالخواصّ المادّية نظير الانقسام والإشارتين الزمانيّة والمكانيّة، وعدم جواز انطباع الكبير في الصغير. ومن هنا، فإنّ العلم بجميع أقسامه لا يتحقّق إلا حينما ترتفع الواسطة الموجودة بين العالم والمعلوم؛ وبما أنّنا رأينا سابقًا أنّ حقيقة الشهود تتمثّل في الاتّصال المباشر بين العالم والمعلوم، فإنّ العلم برأي صدر المتألّهين يساوي الكشف والشهود[58]. وعليه، تكون الحكمة المتعالية قد وسّعت من دائرة الشهود ليشمل علاوةً على العلمين الحضوري والشهوديّ، حتّى العلم الحصولي، غاية الأمر أنّ الأوّل يكون علمًا شهوديًّا قويًّا (عن قُرب) والثاني علمًا شهوديًّا ضعيفًا (عن بُعد).

‌ج.     قيمة المعرفة الشهوديّة العرفانيّة وحجّيتها (موقف العرفان من الشهود)

يُعدّ الشهود العرفاني أهمّ طريق عند العارف من أجل الاطّلاع على حقائق عالم الوجود (وعلى رأسها حقيقة الحقائق: الله تعالى)؛ وما هذا إلا للحجّية الكبيرة التي يراها العارف لهذا الطريق؛ حيث تبنى حجّية الشهود عند العارف على مجموعة من الخصائص التي يمتاز بها عن بقيّة الطرق، من بينها:

      انتفاء الواسطة فيها بين العالم والمعلوم: هذه الخاصّية الأبرز لهذا الطريق، التي تجعله متعاليًا عن بقيّة الطرق؛ وهذا الأمر يتجلّى في العلوم الشهوديّة العرفانيّة بصورة أجلى وأرفع؛ لأنّ الواسطة ترتفع فيها بين العالم والمعلوم في مراتب أعلى من المرتبة الحسّية الظاهريّة، ممّا يُمكّن العالم من إدراك المعلوم والاتّحاد به على مستوى باطنه وحقيقته.

      سلامتها عن الخطأ والكذب: إذ كيف يُتصوّر خطأ في العلم عند وجود اتّحاد وجودي بين العالم والمعلوم على مستوى الحقيقة، بل نستطيع أن نقول إنّه لا يُمكننا حتّى وصفها بالصدق؛ لأنّ الصدق يُقابل الكذب فيما من شأنه الاتّصاف بهما (هما من قبيل الملكة وعدمها)؛ أي في العلوم الحصوليّة التي قد يوجد فيها اختلاف بين الواقعين الذهني والخارجي؛ وأمّا في العلوم الشهوديّة العرفانيّة، فلا يوجد هذا الاختلاف أبدًا؛ ولهذا تكون أرقى من الصدق والكذب.

      سعة دائرة المعلومات الشهوديّة العرفانيّة: فإذا كانت دائرة المُدركات العقليّة محدودة لمحدوديّة العقل نفسه، فلا تتجاوز إطار المفاهيم الحصوليّة الضيّقة، فإنّ دائرة المعارف الشهوديّة العرفانيّة تتّسم بالشمول لجميع هذا الكون الفسيح؛ حيث لا توجد هنا أيّة حدود تقف في وجه العارف من أجل سبر أغوار عالم الوجود، اللهمّ ما يكتنفه هو نفسه من ضُعف.

      غايتها الوصول إلى الحقّ تعالى: فهي تمتلك شرفًا كبيرًا بشرفيّة غايتها، إذ العارف "يريد الحقّ الأوّل لا لشيء غيره، ولا يُؤثر شيئًا على عرفانه وتعبّده له فقط لأنّه مستحقّ للعبادة"[59].

      مأخوذة من الحقّ تعالى مباشرة: حيث يفتخر العرفاء عن غيرهم بكونهم تلامذة لله تعالى - إن صحّ التعبير - من دون واسطة. يقول ابن عربي نقلًا عن الجنيد البغدادي: "وإن كنّا أخذنا علمنا عن الله ما أخذناه من الكتب ولا من أفواه الرجال"[60].

إذًا، ما نستخلصه من كلّ هذه الخصائص أنّ المعرفة الشهوديّة العرفانيّة وإن كانت تشترك مع بقيّة المعارف الإنسانيّة في الحجّية والاعتبار (كلٌّ بحسبه)، إلا أنّ درجة اعتبارها أقوى، وطريقها أسلم وأنفع.

لكن، يبقى أنّ حجّية هذا النوع من المعرفة هي حجّية شخصيّة، لا تتجاوز الشخص الذي يعيشها؛ وبالتالي، من غير الممكن نقلها إلى الآخرين؛ حيث تُعدّ هذه المسألة من أبرز الإشكالات التي ترد على المعرفة العرفانيّة؛ وبالنتيجة، لا يُمكننا بعد ذلك أن نتحدّث عن علم اسمه (العرفان)؛ بل وتوجد الكثير من المكاشفات الخاطئة التي يلتبس أمرها على العارف، فيظنّ أنّها رحمانيّة صادقة، بينما هي شيطانيّة كاذبة؛ إذ لا يترك الشيطانُ الإنسانَ حتّى في تلك العوالم العالية، بل يكون ترصّدُه له فيها أشدّ، علاوةً على أنّه يُشاهَد عند المصابين ببعض الأمراض النفسيّة أو العضويّة، مثل (الماليخوليا)[61] ادّعاءُ الاطّلاعِ على هذا النوع من العلوم والمكاشفات.

للجواب عن الإشكال، نقول:

      يجب ألا نخلط بين شخصيّة المعرفة العرفانيّة وخصوصيّتها[62]. فنحن نعترف بأنّ هذه المعرفة شخصيّة ولا يُمكن نقلها بعينها للآخرين، لكنّنا لا نقول بخصوصيّتها وعدم إمكان حصولها للغير؛ وهذا الأمر ينسحب أيضًا حتّى على العلوم الحسّية؛ فعندما أقول مثلًا (الشمس موجودة)، فأنا لا أستطيع أن أنقل ما أشاهده بعينه إلى الآخرين، غير أنّ بقيّة الناس يستطيعون بدورهم الحصول على هذه المعرفة من خلال إعمال حواسّهم والنظر إلى الشمس لكي يكتشفوا أنَّها موجودة، وما ذلك إلا لاشتراك جميع أفراد الإنسانيّة في نفس الحواسّ الظاهريّة. وهذا ينطبق على العلوم العقليّة التي تكون شخصيّة (مرتبطة بشخص المدرِك)، لكنّها لا تكون خاصّة؛ إذ بإمكان الجميع الوصول إليها من خلال اتّباع القوانين العقليّة المنطقيّة. والشيء نفسه بالنسبة للمعرفة الشهوديّة العرفانيّة التي يُمكن للجميع الوصول إليها بسبب اتّحاد كافّة بني البشر في وسيلتها وأداتها الإدراكيّة؛ أي القلب، غاية الأمر أنّ الاستفادة من هذه الوسيلة منوط بتحقّق بعض الشروط الخاصّة أي (التزكية والسير والسلوك)؛ وهذا نجده حتّى في المعرفة الحسّية الظاهرة المشروطة بسلامة الحواسّ مثلًا، والمعرفة العقليّة المشروطة بسلامة العقل، وحسن الاستفادة منه.

      تحدّث العرفاء بإسهاب عن الضوابط التي يجب أن تخضع لها المكاشفات؛ من هذه الضوابط؛ ضابطة العقل، والشرع، والأستاذ الخبير، وبعض الضوابط الخاصّة الأخرى التي تُميّز بين المعرفة الشهوديّة الصادقة (أو الرحمانيّة)، والكاذبة (أو الشيطانيّة)؛ حيث إنّ هذه الضوابط تؤدي في العرفان الدور الذي يؤديه المنطق في العلوم العقليّة.

3.     موقف العرفان من الشرع

يخضع العرفاء بشكل كامل للشرع، ويعترفون بحاكميّته على علومهم ومعارفهم، بل الأكثر من ذلك، فإنّهم يعتقدون باتّحاد العرفان والشرع، وأنّ العرفان الذي يُطلقون على جانبه العلميّ اسم الحقيقة، وجانبه العمليّ اسم الطريق، هو باطن الشريعة، أي أنّ "الشريعة والطريقة والحقيقة أسماء مترادفة صادقة على حقيقة واحدة باعتبارات مختلفة، وليس فيها خلاف في نفس الأمر"[63]. وعلى هذا، فالعرفاء أحرص الناس على متابعة الشرع والتقيّد به؛ لأنّه المدخل الوحيد الذي يُمكّنهم من الوصول إلى المعارف الشهوديّة التي يسعون إليها.

ومثلما أنّ (العرفان) يدعو إلى الشرع، الشرع يدعو بدوره إلى العرفان وتحصيل المعارف الكشفيّة، فالعديد من النصوص تُفيد هذا المعنى[64]؛ وعليه، هناك توافق كبير في العرفان بين كلّ من الشرع والكشف، ممّا أتاح الفرصة للعرفاء لتقديم تفسيرات عميقة للقضايا الشرعيّة.

وهناك نقطة هامة، هي أنّ العمل يحظى بأهميّة قصوى عند العرفان إلى درجة نستطيع القول معها إنّه يعدّ عنصرًا مهمًّا من العناصر التي تتقوّم بها العقلانيّة العرفانيّة، فهو من العلامات الفارقة التي تميّز بها العرفان من بقيّة المدارس المعرفيّة، وخصوصًا الكلام والفلسفة.

فيرى العرفان أنّ العمل - تزكية النفس - وسيلة أساسيّة من أجل تهيئة النفس لاستقبال العلوم الشهوديّة؛ فلكي تتّحد النفس الإنسانيّة مع الواقعيّات الخارجيّة في مقام القلب أو الروح أو السرّ، ينبغي عليها أن تتجرّد أوّلًا من مقام الحسّ؛ ليُمكنها أن تصل إلى مراتب تُتيح لها الوصول إلى حقائق الأشياء والاتّحاد بها في مراتب عالية؛ وهنا يأتي دور العمل والسير والسلوك في تصفية النفس وتجريدها عن التعلّقات الدنيويّة الحسية.

ولهذا، أغلب الانتقادات الموجّهة من قِبل العرفاء للفلاسفة والفلسفة، التي فُهم منها رفض العرفان للعقل، كان المقصود منها في الأساس تلك الفلسفة التي تُلغي الشهود ودوره في تحصيل المعرفة، وتُهمل العمل، وتقتصر على مجموعة من المدركات الحصوليّة القاصرة من دون تحويلها إلى ممارسة وسلوك فعليّ.

 وهنا، تبرز وظيفة أخرى مهمّة ينهض العمل بها على مستوى معرفيّ، وهي تحويل نفس العلوم والمُدركات الحصوليّة إلى علوم ومُدركات شهوديّة. فالممارسة العمليّة للمعلومات تنقل المعلومات من مقام الذهن والعقل المجرّد إلى مقام الواقع والخارج، ليتمكّن الإنسان من مُعايشتها عن قُرب، وبعبارة أخرى: ليتمكّن الإنسان من شهودها واقعًا، حيث تمرّ - عادةً -عمليّة انتقال العلوم وتحوّلها من حصوليّة إلى شهوديّة عبر ثلاث مراحل: علم اليقين، وعين اليقين، وحقّ اليقين، ليحصل اتّحاد وجودي تامّ (فناء) بين العالم والمعلوم.

خاتمة

نقول إنّ العقلانيّة العرفانيّة هي عقلانيّة توفيقيّة شاملة (بتمام معنى الكلمة)، استطاعت أن تصوغ نظامها المعرفيّ على أسس قويمة، مستفيدةً في ذلك - إلى أقصى حدّ - من كافّة المصادر المعرفيّة التي وضعها الحقّ تعالى بين يدي الإنسان؛ أي الوحي والعقل والشهود، خصوصًا بعد تسلّحها بالأسس الفلسفيّة التي قدّمتها لها مدرسة الحكمة المتعالية. رأينا كيف أنّها تمكّنت من التوفيق بشكل لم يسبق له مثيل بين كلّ من المصادر المعرفيّة الثلاثة، من خلال تقديم تفسير جديد لكلّ من العقل والشهود يضحيان به أكثر انسجامًا مع بعضهما البعض، وأكثر قدرةً على تفسير حقائق الوحي؛ هذا بالإضافة إلى استفادة العقلانيّة العرفانيّة من عنصر العمل الذي أضفى عليها حيويّة وفاعليّة وملامسة للواقع أكثر؛ واتّضح أنّ الذين واجهوا العرفان وانتقدوه لمخالفته -بحسبهم -أصول العقلانيّة مخطئون تمامًا، إمّا لأنّهم لم يفهموا العرفان على حقيقته، وخلطوه ببعض النظريّات والممارسات الخاطئة، أو أنّهم لم يفهموا العقلانيّة على حقيقتها، وحصروها في تفسير واحد باطل.

وعليه، نستطيع القول إنّ العرفان وحده الذي استطاع أن يفي بشروط العقلانيّة الحقيقيّة التي تحتكم إلى العقل دائمًا وفي جميع المجالات. وتحتكم إليه عندما تكون له القُدرة والمُكنة فيدعو إلى نفسه، وتحتكم إليه عندما يكون عاجزًا وقاصرًا فيدعو إلى اتّباع الشهود أو الشرع، وتحتكم إليه أيضًا عندما يدعو إلى العمل وتفعيل العلم على مستوى الممارسة والواقع؛ كما يُمكن القول إنّ الذين رفضوا العرفان والكشف والشهود بحجّة الدفاع عن العقلانيّة هم أوّل المخالفين لها، حينما لم يستمعوا إلى صوت العقل الذي يُرشدهم إلى ضرورة اتّباع طرق أخرى للوصول إلى المعرفة الحقيقيّة التي يعجز عن الوصول إليها بنفسه.

يبقى أنّه كان من اللازم علينا دراسة بعض معطيات العقلانيّة العرفانيّة، أي محاولة تطبيق العقلانيّة العرفانيّة على بعض مسائل العرفان، مثل: وحدة الوجود، المرشد والمريد، فناء النفس ...، لنرى مدى انسجام هذه المسائل مع مبدأ العقلانيّة، كما أنّه من المفيد اللجوء إلى تحليل ممارسات العرفان للتثبت عن طريقها حضور هذه العقلانية العرفانية.


 

المراجع

أولًا: العربية

ابن سينا. التعليقات، تحقيق عبد الرحمن بدوي. بيروت: مكتبة الإعلام الإسلامي، 1404هـ.

ابن عربي، محيي الدين. الفتوحات المكّية. بيروت: دار إحياء التراث العربي، ط2، 1994.

ابن فارس، أبو الحسين أحمد. معجم المقاييس في اللغة. بيروت: دار الفكر، ط2، 1418هـ.

ابن منظور، جمال الدين الخزرجي المصري. لسان العرب. تحقيق أمين محمد، ومحمد العبيدي. بيروت: دار إحياء التراث العربي، ط1، 1408هـ.

الأصفهاني، الراغب. معجم مفردات ألفاظ القرآن. طهران: منشورات مرتضوي، ط2، 1376هـ.

الأصفهاني، مهدي. أبواب الهدى. طهران: مركز الثقافة والنشر منير، ط1، 1387هـ.

أعرافي، علي رضا. الفلسفة، بحث فقهي في دراسة الفلسفة، تعريب محمد جمعة. قم: مؤسّسة الإشراق والعرفان الثقافيّة، ط1، 1433هـ.

الآملي، السيّد حيدر. أنوار الحقيقة وأطوار الطريقة وأسرار الشريعة. قمّ: المعهد الثقافي نور على نور، 1382هـ.

البازعي، سعد، والرويلي، ميجان. دليل الناقد العربي. الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، ط3، 2002.

البغدادي، علي. "المدرسة التفكيكيّة والمدرسة الصدرائيّة تقاطع المنهج المعرفي"، الفكر الإسلامي، ع13،14(1375هـ).

التركة، صائن الدين علي بن محمد. التمهيد في شرح قواعد التوحيد، تقديم وتصحيح وتعليق الشيخ حسن الرمضاني. بيروت: مؤسّسة أمّ القرى، ط1، 1424ه.

الجرجاني، الشريف. كتاب التعريفات. بيروت: مؤسّسة دار إحياء التراث العربي، ط1، 1424هـ.

جعفري، محمد. العقل والدين في تصوّرات المستنيرين الدينيّين المعاصرين، تعريب حيدر نجف. بيروت: مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، ط1، 2010.

الحصري، ساطع. في اللغة والأدب وعلاقتهما بالقوميّة. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربيّة، ط2، 1985.

داود، الشيخ زكريا. "المدرسة التفكيكيّة والتأصيل للعقل الشيعي". البصائر، ع35 (2006).

الداية، فايز. معجم المصطلحات العلميّة العربيّة. دمشق: دار الفكر، ط1، 1410ه.

الديناني، غلام حسين إبراهيم. حركة الفكر الفلسفي في العالم الإسلامي. بيروت: دار الهادي، ط1، 1422هـ.

الراوي، عبد الستّار. ثورة العقل: دراسة فلسفيّة في فكر معتزلة بغداد. بغداد: دار الشؤون الثقافيّة العامّة، ط2، 1986.

الربيعي، فالح. تاريخ المعتزلة فكرهم وعقائدهم. القاهرة: الدار الثقافيّة للنشر، ط1، 1421هـ.

الرفاعي، عبد الجبّار. مبادئ الفلسفة. بيروت: دار الهادي، ط1، 142هـ.

سليمان، عبّاس. تطوّر علم الكلام إلى الفلسفة ومنهجها عند نصير الدين الطوسي. الإسكندريّة: دار المعرفة الجامعيّة، 1994.

الشاطبيّ، أبو إسحاق. الاعتصام. بيروت: دار المعرفة، ط2، 1420هـ.

شمس الدين، الشيخ محمد مهدي. العلمانيّة تحليل ونقد محتوى وتاريخًا. بيروت: المؤسّسة الدوليّة للدراسات والنشر، ط3، 1996.

الشيرازيّ، صدر الدين. صدر المتألّهين، الحكمة المتعالية في الأسفار العقليّة الأربعة. بيروت: دار إحياء التراث، بيروت، ط3، 1981.

–––. صدر المتألّهين، مفاتيح الغيب، قدّم له محمد خواجوي. بيروت: مؤسّسة التاريخ العربي، ط3، 1424هـ.

الصاوي، أحمد. الفلسفة الإسلاميّة: مفهومها واهتماماتها وأهمّيتها ونشأتها وأهمّ قضاياها. القاهرة: المتّحدة للطباعة، 1998.

ضاهر، عادل. الأسس الفلسفيّة للعلمانيّة. بيروت: دار الساقي، ط2، 1998.

الطبطبائي، محمد حسين وآخرون. فلسفة صدر المتألّهين الشيرازي، المباني والمرتكزات. بيروت: معهد المعارف الحكمية، 2008.

الطوسي، عبد الله بن علي السرّاج. اللمع في تاريخ التصوّف. حققه عبد الحليم محمود، وطه سرور. بيروت: دار الكتب العلميّة، ط1، 1421هـ.

الطويل، توفيق. قصّة النزاع بين الدين والفلسفة. مصر: مكتبة الآداب، 1947.

عبوديّت، عبد الرسول. النظام الفلسفي للحكمة المتعالية. بيروت: مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، 2013.

عمر، أحمد مختار. معجم اللغة العربيّة المعاصرة. القاهرة: عالم الكتب، ط1، 2008.

غالب، مصطفى. السهروردي. بيروت: مؤسّسة عزّ الدين، 1402هـ.

الفارابي، أبو نصر. الجمع بين رأي الحكيمين، مقدّمة وتعليق الدكتور ألبير نصري نادر. طهران: دار النشر الزهراء، ط2، 1405هـ.

الفاسي، أحمد بن أحمد زرّوق. قواعد التصوّف. بيروت: دار الكتب العلميّة، ط2، 1426هـ.

الفيومي، حمد بن محمد بن علي. المصباح المنير. بيروت: مكتبة لبنان ناشرون، 2001.

القبانجيّ، السيّد صدر الدين. الأسس الفلسفيّة للحداثة. بيروت: مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي،2011.

القيصريّ، داود. شرح الفصوص. طهران‏: شركت انتشارات علمى وفرهنگى، ط1، 1375هـ.

القيصري، داود بن محمود. رسائل القيصريّ. طهران: معهد الدراسات للحكمة والفلسفة الإيرانيّة، ط2، 1381هـ.

كسّار، جواد علي. فهم القرآن. قم: مؤسّسة العروج، ط1، 1424هـ.

الكندي. رسائل الكندي الفلسفيّة، تقديم وتصحيح وتعليق محمد أبو ريدة. بيروت: دار الفكر العربي، ‏ط2،1950.

كوليبالي، طاهر. التصوّف العقلي عند ابن سينا. بيروت: دار الهادي، ط1، 1424هـ.

مطهّري، مرتضى. مدخل إلى العلوم الإسلاميّة. قم: دار الكتاب الإسلامي، ط5، 1431هـ.

يزدان بناه، يد الله. العرفان النظريّ مبادئه وأصوله. بيروت: مركز الحضارة، 2014.

ثانيًا: الفارسية

نجاد، علي أميني، وبابائي، مهدي، والكرماني، علي رضا. مباني وفلسفه عرفان نظرى. قم: مركز دراسات دائرة المعارف العلوم العقليّة الإسلاميّة، ط1، 1390ه..

زادة، محمد حسين. منابع معرفت. قمّ: منشورات مؤسّسة السيّد الخميني للتعليم والتحقيق، ط1، 1386هـ.

ثالثًا:

References:

Āmulī, Al-Sayyid Ḥaydar. Anwār al-ḥaqīqah wa-aṭwār al-ṭarīqah wa-asrār al-sharīʻah (in Arabic). Qumm: al-Maʻhad al-Thaqāfī Nūr ʻalá Nūr, 1382AH.

Al-Aṣfahānī, Al-Rāghib, Muʻjam mufradāt alfāẓ al-Qurʼān (in Arabic). Ṭihrān: Manshūrāt mrtḍwy, 2nd ed., 1376AH.

Al-Aṣfahānī, Mahdī. Abwāb al-Hudá (in Arabic). Ṭihrān: Markaz al-Thaqāfah wa-al-Nashr Munīr, 1st ed., 1387AH.

Al-Baghdādī, ʻAlī. "al-Madrasah altfkykyyh wa-al-madrasah alṣdrāʼyyh taqāṭuʻ al-manhaj al-maʻrifī" (in Arabic). Al-Fikr al-Islāmī, No. 13, 14 (1375AH).

Al-Bāziʻī, Saʻd., wā lrwyly, Mījān. Dalīl al-nāqid al-ʻArabī (in Arabic). Al-Dār al-Bayḍāʼ: al-Markaz al-Thaqāfī al-ʻArabī, 3rd ed., 2002.

Al-Dāyah, Fāyiz. Muʻjam al-muṣṭalaḥāt alʻlmyyh al-ʻArabīyah (in Arabic). Dimashq: Dār al-Fikr, 1st ed., 1410AH.

Aldynāny, Ghulām Ḥusayn Ibrāhīm. Ḥarakat al-Fikr al-falsafī fī al-ʻālam al-Islāmī (in Arabic). Bayrūt: Dār al-Hādī, 1st ed., 1422AH.

Al-Fārābī, Abū Naṣr. Al-jamʻ bayna raʼy alḥkymyn (in Arabic). muqaddimah wa-taʻlīq al-Duktūr Albīr Naṣrī Nādir. Ṭihrān: Dār al-Nashr al-Zahrāʼ, 2nd ed., 1405AH.

Al-Fāsī, Aḥmad ibn Aḥmad Zarrūq. Qawāʻid altṣwwf (in Arabic). Bayrūt: Dār al-Kutub alʻlmyyh, 2nd ed., 1426AH.

Al-Fayyūmī, Ḥamad ibn Muḥammad ibn ʻAlī. Al-Miṣbāḥ al-munīr (in Arabic). Bayrūt: Maktabat Lubnān Nāshirūn, 2001.

Al-Ḥuṣarī, Sāṭiʻ. Fī al-lughah wa-al-adab wa-ʻalāqatuhumā bālqwmyyh (in Arabic). Bayrūt: Markaz Dirāsāt al-Waḥdah al-ʻArabīyah, 2nd ed., 1985.

Al-Jurjānī, Al-Sharīf. Kitāb altʻryfāt (in Arabic). Lubnān: Muʼassasat Dār Iḥyāʼ al-Turāth al-ʻArabī, 1st ed., 1424AH.

Al-Kindī. Rasāʼil al-Kindī alflsfyyh (in Arabic). mqddmh wa-taṣḥīḥ wa-taʻlīq Muḥammad Abū Rīdah. Bayrūt: Dār al-Fikr al-ʻArabī, 2nd ed., 1950.

Alqbānjī, Al-Sayyid Ṣadr al-Dīn. Al-Usus alflsfyyh lil-ḥadāthah (in Arabic). Bayrūt: Markaz al-Ḥaḍārah li-Tanmiyat al-Fikr al-Islāmī, 2011.

Alqyṣrī, Dāwūd. Sharḥ al-fuṣūṣ (in Arabic). ṭhrān: shrkt Intishārāt ʻilmayy wa-Farhangī, 1st ed., 1375AH.

Alqyṣry, Dāwūd ibn Maḥmūd. Rasāʼil alqyṣrī (in Arabic). Ṭihrān: Maʻhad al-Dirāsāt lil-ḥikmah wa-al-falsafah alʼyrānyyh, 2nd ed., 1381AH.

Al-Rāwī, ʻAbd alsttār. Thawrat al-ʻaql: dirāsah flsfyyh fī fikr Muʻtazilat Baghdād (in Arabic). Baghdād: Dār al-Shuʼūn althqāfyyh alʻāmmh, 2nd ed., 1986.

Al-Rifāʻī, ʻAbd aljbbār. Mabādiʼ al-falsafah (in Arabic). Bayrūt: Dār al-Hādī, 1st ed., 1422AH.

Al-Rubayʻī, Fāliḥ. Tārīkh al-Muʻtazilah fikruhum wa-ʻaqāʼiduhum (in Arabic). Cairo: al-Dār althqāfyyh lil-Nashr, 1st ed., 1421AH.

Al-Ṣāwī, Aḥmad. Al-falsafah alʼslāmyyh: mafhūmuhā wāhtmāmāthā wʼhmmythā wa-nashʼatuhā wʼhmm qaḍāyāhā (in Arabic). Al-Qāhirah: almttḥdh lil-Ṭibāʻah, 1998.

Alshāṭbī, Abū Isḥāq. Al-Iʻtiṣām (in Arabic). Bayrūt: Dār al-Maʻrifah, 2nd ed., 1420AH.

Al-Shīrāzī, Ṣadr al-Dīn. Ṣadr almtʼllhyn, Mafātīḥ al-ghayb (in Arabic). qaddama la-hu Muḥammad Khwājawī. Bayrūt: Muʼassasat al-tārīkh al-ʻArabī, 3rd ed., 1424AH.

–––. Ṣadr almtʼllhyn, al-Ḥikmah al-mutaʻāliyah fī al-asfār alʻqlyyh al-arbaʻah (in Arabic). Bayrūt: Dār Iḥyāʼ al-Turāth, Bayrūt, 3rd ed., 1981.

Al-Ṭabaṭabāʼī, Muḥammad Ḥusayn wa-ākharūn. Falsafat Ṣadr almtʼllhyn al-Shīrāzī, al-mabānī wa-al-murtakazāt (in Arabic). Bayrūt: Maʻhad al-Maʻārif al-Ḥikmīyah, 2008.

Al-Tarikah, Ṣāʼin al-Dīn ʻAlī ibn Muḥammad. Al-Tamhīd fī sharḥ Qawāʻid al-tawḥīd (in Arabic). taqdīm wa-taṣḥīḥ wa-taʻlīq al-Shaykh Ḥasan al-Ramaḍānī. Bayrūt: Muʼassasat amm al-Qurá, 1st ed., 1424H.

Al-Ṭawīl, Tawfīq. Qṣṣh al-nizāʻ bayna al-Dīn wa-al-falsafah (in Arabic). Miṣr: Maktabat al-Ādāb, 1947.

Al-Ṭūsī, ʻAbd Allāh ibn ʻAlī alsrrāj. Al-Lumaʻ fī Tārīkh altṣwwf (in Arabic). ḥaqqaqahu ʻAbd al-Ḥalīm Maḥmūd, wa-Ṭāhā Surūr. Bayrūt: Dār al-Kutub alʻlmyyh, 1st ed., 1421AH.

Aʻrāfy, ʻAlī Riḍā. Al-falsafah, baḥth fiqhī fī dirāsah al-falsafah (in Arabic). taʻrīb Muḥammad Jumʻah. Qum: Muʼassasat al-Ishrāq wa-al-ʻirfān althqāfyyh, 1st ed., 1433AH.

ʻBwdyyt, ʻAbd al-Rasūl. Al-niẓām al-falsafī lil-ḥikmah al-mutaʻāliyah (in Arabic). Bayrūt: Markaz al-Ḥaḍārah li-Tanmiyat al-Fikr al-Islāmī, 2013.

Ḍāhir, ʻĀdil. Al-Usus alflsfyyh llʻlmānyyh (in Arabic). Bayrūt: Dār al-Sāqī, 2nd ed., 1998.

Dāwūd, al-Shaykh Zakarīyā "Al-Madrasah altfkykyyh wa-al-taʼṣīl lil-ʻaql al-Shīʻī". (in Arbic) Al-Baṣāʼir, No. 35, (2006).

Ghālib, Muṣṭafá. Al-Suhrawardī. Bayrūt: Muʼassasat ʻzz al-Dīn, 1402AH.

Ibn ʻArabī, Muḥyī al-Dīn. Al-Futūḥāt almkkyh (in Arabic). Bayrūt: Dār Iḥyāʼ al-Turāth al-ʻArabī, 2nd ed., 1994.

Ibn Fāris, Abū al-Ḥusayn Aḥmad. Muʻjam al-maqāyīs fī al-lughah (in Arabic). Bayrūt: Dār al-Fikr, 2nd ed., 1418AH.

Ibn manẓūr, Jamāl al-Dīn al-Khazrajī al-Miṣrī. Lisān al-ʻArab (in Arabic). taḥqīq Amīn Muḥammad, wa-Muḥammad al-ʻUbaydī. j9. Bayrūt: Dār Iḥyāʼ al-Turāth al-ʻArabī, 1st ed., 1408AH.

Ibn Sīnā, Al-Taʻlīqāt (in Arabic). taḥqīq ʻAbd al-Raḥmān Badawī. Bayrūt: Maktabat al-Iʻlām al-Islāmī, 1404AH.

Jaʻfarī, Muḥammad. Al-ʻaql wa-al-dīn fī tṣwwrāt almstnyryn aldynyyyn al-muʻāṣirīn, (in Arbic) taʻrīb Ḥaydar Najaf, Bayrūt: Markaz al-Ḥaḍārah li-Tanmiyat al-Fikr al-Islāmī, 1st ed., 2010.

Kssār, Jawād ʻAlī. Fahm al-Qurʼān (in Arabic). Qum: Muʼassasat al-ʻUrūj, 1st ed., 1424AH.

Kwlybāly, Ṭāhir. Altṣwwf al-ʻaqlī ʻinda Ibn Sīnā (in Arabic). Bayrūt: Dār al-Hādī, 1st ed., 1424AH.

Mṭhhry, Murtaḍá. Madkhal ilá al-ʻUlūm alʼslāmyyh (in Arabic). Qum: Dār al-Kitāb al-Islāmī, 5th ed., 1431AH.

Nijād, ʻAlī Amīnī. wbābāʼy, Mahdī. wa-al-Kirmānī, ʻAlī Riḍā. Mabānī wflsfh ʻIrfān nẓrá. (in farisī) Qum: Markaz Dirāsāt Dāʼirat al-Maʻārif al-ʻUlūm alʻqlyyh alʼslāmyyh, 1st ed., 1390AH.

Shams al-Dīn, Al-Shaykh Muḥammad Mahdī. Alʻlmānyyh taḥlīl wa-naqd muḥtawá wtārykhan (in Arabic). Bayrūt: almʼsssh aldwlyyh lil-Dirāsāt wa-al-Nashr, 3rd ed., 1996.

Sulaymān, ʻAbbās. tṭwwr ʻilm al-kalām ilá al-falsafah wa-manhajuhā ʻinda Naṣīr al-Dīn al-Ṭūsī (in Arabic). Alʼskndryyh: Dār al-Maʻrifah aljāmʻyyh, 1994.

ʻUmar, Aḥmad Mukhtār. Muʻjam al-lughah al-ʻArabīyah al-muʻāṣirah (in Arabic). al-Qāhirah: ʻĀlam al-Kutub, 1st ed., 2008.

Yzdān bināh, yad Allāh. Al-ʻIrfān alnẓrī mabādiʼih wa-uṣūlih (in Arabic). Bayrūt: Markaz al-Ḥaḍārah, 2014.

Zādah, Muḥammad Ḥusayn. Manābiʻ mʻrft. (in Farisī) qmm: Manshūrāt Muʼassasat al-Sayyid al-Khumaynī lil-taʻlīm wa-al-taḥqīq, 1st ed., 1386AH.

 



* أصل المقال رسالة ماجستير للمؤلف بعنوان: العقلانيّة في العرفان، كلّية الكلام والعلوم العقليّة، جامعة آل البيت العالميّة، إيران، 1434هـ..

* The origin of the article is a master’s thesis by the author entitled: Rationality in Irfan, College of theology and rational sciences, Al-Albayt University, Iran, 2013.

[1]- جمال الدين الخزرجي المصري ابن منظور، لسان العرب، تحقيق أمين محمد، ومحمد العبيدي (بيروت: دار إحياء التراث العربي، ط1، 1408هـ)، ج9، ص326 -329.

[2]- قد يُقال إن الذهن والفاهمة أوسع مجالًا من العقل؛ لأنّها تدرك المعاني المحسوسة والخياليّة والوهميّة أيضًا. في المقال لن نفرّق بين هذه الثلاثة.

[3]- هذا الاختلاف بين النظر إلى العقل كقوّة من قوى النفس، والنظر إليه كمرتبة من مراتبها يرجع في الحقيقة إلى الاختلاف الفلسفيّ بين مدرستي المشّاء، ومدرسة الحكمة المتعالية؛ وهو ما يتطلّب البحثُ عنه عقدَ دراسة مستقلّة.

[4]- الشريف الجرجاني، كتاب التعريفات (بيروت: مؤسّسة دار إحياء التراث العربي، ط1، 1424هـ)، ص125.

[5]- (عقْلَنَ يُعقلن، عقلنةً، فهو مُعقلِن، والمفعول مُعقلَن، عَقْلَن معتقداتٍ: جعلها مقبولة مطابقة للعَقل)، انظر: أحمد مختار عمر، معجم اللغة العربيّة المعاصرة (القاهرة: عالم الكتب، ط1، 2008)، ج2، ص1531.

[6]- ساطع الحصري، في اللغة والأدب وعلاقتهما بالقوميّة (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربيّة، ط2، 1985)، ص92، 93.

[7]- المرجع نفسه.

[8]- أحمد بن محمد بن علي الفيّومي، المصباح المنير (بيروت: مكتبة لبنان ناشرون، 2001)، ص154.

[9]- الراغب الأصفهاني، معجم مفردات ألفاظ القرآن (طهران: منشورات مرتضوي، ط2، 1376هـ)، ص343.

[10]- داود بن محمود القيصري، رسائل القيصريّ (طهران: معهد الدراسات للحكمة والفلسفة الإيرانيّة، ط2، 1381هـ)، ص7.

[11]- مرتضى مطهّري، مدخل إلى العلوم الإسلاميّة (قم: دار الكتاب الإسلامي، ط5، 1431هـ)، ج2، ص59.

[12]- جواد علي كسّار، فهم القرآن (قم: مؤسّسة العروج، ط1، 1424هـ)، ص135.

[13]- طاهر كوليبالي، التصوّف العقلي عند ابن سينا (بيروت: دار الهادي، ط1، 1424هـ)، ص30.

[14]- أحمد بن أحمد زرّوق الفاسي، قواعد التصوّف (بيروت: دار الكتب العلميّة، ط2، 1426هـ)، ص19-20.

[15]- يد الله يزدان بناه، العرفان النظريّ مبادئه وأصوله (بيروت: مركز الحضارة، 2014)، ص22.

[16]- مطهّري، ص80.

[17]- يقول القيصريّ: "لمّا كان العلم بهذه الأسرار موقوفًا على معرفة قواعد وأصول اتّفقت عليها هذه الطائفة... بينت فيها أصولًا تبتنى قاعدة التوحيد عليها، وتنتسب هذه الطريقة إليها بحيث يعلم منها أكثر قواعد هذا العلم‏”، داود القيصريّ، شرح الفصوص (طهران‏: شركت انتشارات علمى وفرهنگى، ط1، 1375هـ)، ص5.

[18]- استفدنا من كتاب: محمد جعفري، العقل والدين في تصوّرات المستنيرين الدينيّين المعاصرين، تعريب حيدر نجف (بيروت: مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، ط1، 2010) بتصرف.

[19]- عبد الستّار الراوي، ثورة العقل: دراسة فلسفيّة في فكر معتزلة بغداد (بغداد: دار الشؤون الثقافيّة العامّة، ط2، 1986)، ص28.

[20]- فالح الربيعي، تاريخ المعتزلة فكرهم وعقائدهم (القاهرة: الدار الثقافيّة للنشر، ط1، 1421هـ)، ص22.

[21]- علي رضا أعرافي، الفلسفة، بحث فقهي في دراسة الفلسفة، تعريب محمد جمعة (قم: مؤسّسة الإشراق والعرفان الثقافيّة، ط1، 1433هـ)، ص67. بتصرف.

[22]- اعتمد المقال على كتاب: السيّد صدر الدين القبانجيّ، الأسس الفلسفيّة للحداثة (بيروت: مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، 2011)؛ لأنّ الهدف إلقاء نظرة إجماليّة على بعض المدارس وموقفها.

[23]- محمد مهدي شمس الدين، العلمانيّة تحليل ونقد محتوى وتاريخًا (بيروت: المؤسّسة الدوليّة للدراسات والنشر، ط3، 1996)، ص7.

[24]- عادل ضاهر، الأسس الفلسفيّة للعلمانيّة (بيروت: دار الساقي، ط2، 1998)، ص62-65.

[25]- المرجع نفسه، ص62.

[26]- المرجع نفسه.

[27]- المرجع نفسه، ص73.

[28]- المرجع نفسه، ص361.

[29]- المرجع نفسه.

[30]- المرجع نفسه، ص362.

[31]- أبو إسحاق الشاطبيّ، الاعتصام (بيروت: دار المعرفة، ط2، 1420هـ)، ص106.

[32]- توفيق الطويل، قصّة النزاع بين الدين والفلسفة (مصر: مكتبة الآداب، 1947)، ص121.

[33]- زكريا داوود، "المدرسة التفكيكيّة والتأصيل للعقل الشيعي"، البصائر، ع. 35 (2006)، ص55.

[34]- سعد البازعي، وميجان الرويلي، دليل الناقد العربي (الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، ط3، 2002)، ص107.

[35]- لبيان الرؤى والمواقف التي تتبنّاها مدرسة التفكيك، اعتمدنا على: علي البغدادي، "المدرسة التفكيكيّة والمدرسة الصدرائيّة تقاطع المنهج المعرفي"، الفكر الإسلامي، ع. 13،14(1375هـ)، ص155-159. بتصرّف

[36]- مهدي الأصفهاني، أبواب الهدى (طهران: مركز الثقافة والنشر منير، ط1، 1387هـ)، ص308.

[37]- عبّاس سليمان، تطوّر علم الكلام إلى الفلسفة ومنهجها عند نصير الدين الطوسي (الإسكندريّة: دار المعرفة الجامعيّة، 1994)، ص16.

[38]- المرجع نفسه، ص37.

[39]- من المسلّم به أنّ الفلسفة الإسلاميّة لم تتّبع منهج العقلانيّة القاصرة (التفريطيّة).

[40]- عبد الجبّار الرفاعي، مبادئ الفلسفة (بيروت: دار الهادي، ط1، 1422هـ)، ج1، ص83.

[41]- أحمد الصاوي، الفلسفة الإسلاميّة: مفهومها واهتماماتها وأهمّيتها ونشأتها وأهمّ قضاياها (القاهرة: المتّحدة للطباعة، 1998)، ص91، بتصرّف.

[42]- غلام حسين إبراهيم الديناني، حركة الفكر الفلسفي في العالم الإسلامي (بيروت: دار الهادي، ط1، 1422هـ)، ج1، ص481. بتصرّف.

[43]- صدر الدين الشيرازي، صدر المتألّهين، مفاتيح الغيب، قدّم له محمد خواجوي (بيروت: مؤسّسة التاريخ العربي، ط3، 1424هـ)، ص29- 35.

[44]- مصطفى غالب، السهروردي (بيروت: مؤسّسة عزّ الدين، 1402هـ)، ص43.

[45]- للمزيد ينظر: محمد حسين الطباطبائي وآخرون، فلسفة صدر المتألّهين الشيرازي المباني والمرتكزات (بيروت: معهد المعارف الحكمية، 2008)؛ عبد الرسول، عبوديّت، النظام الفلسفي للحكمة المتعالية (بيروت: مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، 2013).

[46]- يقول الشيرازي: "إنّما البرهان هو المتّبع في الأحكام العقليّة". الشيرازيّ، صدر المتألّهين، الحكمة المتعالية في الأسفار العقليّة الأربعة (بيروت: دار إحياء التراث، بيروت، ط3، 1981)، ج5، ص91.

[47]- عبد الله بن علي السرّاج الطوسي، اللمع في تاريخ التصوّف، حققه عبد الحليم محمود، وطه سرور (بيروت: دار الكتب العلميّة، ط1، 1421هـ)، ص38.

[48]- تُنسب المقالة إلى أرسطو، راجع: أبو نصر الفارابي، الجمع بين رأي الحكيمين، مقدّمة وتعليق الدكتور ألبير نصري نادر (طهران: دار النشر الزهراء، ط2، 1405هـ)، ص99.

[49]- ابن سينا، التعليقات، تحقيق عبد الرحمن بدوي (بيروت: مكتبة الإعلام الإسلامي، 1404هـ)، ص82.

[50]- الكندي، رسائل الكندي الفلسفيّة، مقدّمة وتصحيح وتعليق محمد أبو ريدة (بيروت: دار الفكر العربي، ‏ط2، 1950)، ص26.

[51]- محيي الدين ابن عربي، الفتوحات المكّية (بيروت: دار إحياء التراث العربي، ط2، 1994)، ج4، ص162.

[52]- المرجع نفسه، ج7، ص95.

[53]- المرجع نفسه، ج4، ص321.

[54]- نقلًا عن: صائن الدين علي بن محمد التركة، التمهيد في شرح قواعد التوحيد، تقديم وتصحيح وتعليق الشيخ حسن الرمضاني (بيروت: مؤسّسة أمّ القرى، ط1، 1424هـ)، ص6 و7.

[55]- ابن منظور، ص223.

[56]- أبو الحسين أحمد ابن فارس، معجم المقاييس في اللغة (بيروت: دار الفكر، ط2، 1418هـ)، ص539.

[57]- الجرجاني، ص107.

[58]- علي أميني نجاد، و مهدي بابائي، وعلي رضا الكرماني، مباني وفلسفه عرفان نظرى (قم: مركز دراسات دائرة المعارف العلوم العقليّة الإسلاميّة، ط1، 1390هـ)، ص203،

[59]- مطهّري، ص102.

[60]- ابن عربي، ج9، ص283.

[61]- الماليخوليا ضرب من الجنون، وهو أن تحدث للإنسان أفكار رديئة، ويغلبه الحزن والخوف... فايز الداية، معجم المصطلحات العلميّة العربيّة (دمشق: دار الفكر، ط1، 1410هـ)، ص1199.

[62]- راجع: محمد حسين زادة، منابع معرفت (قمّ: منشورات مؤسّسة السيّد الخميني للتعليم والتحقيق، ط1، 1386ه)، ص174.

[63]- السيّد حيدر الآملي، أنوار الحقيقة وأطوار الطريقة وأسرار الشريعة (قمّ: المعهد الثقافي نور على نور، 1382هـ)، ص11.

[64]- التعاليم الإسلاميّة تحثّ المسلم على ضرورة معرفة الله تعالى والانقطاع إليه: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾، وتدعو إلى مجاهدة النفس وتزكيتها: ﴿والَّذينَ جاهَدُوا فينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنين‏﴾، ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها وقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها﴾.