تاريخ الاستلام: 30 مارس 2023

تاريخ القبول: 20 أغسطس 2023

مقالة بحثية

المقاربة العصبية المعرفية للوعي: دراسة بينية للبناء الذّهني للتفكير من خلال أطروحات السيكولوجيا المعاصرة والفيزياء النظرية*

عبد الرحمن محمد طعمه

أستاذ اللسانيات الحديثة المشارك، كلية الآداب والعلوم الاجتماعية، جامعة السلطان قابوس، عُمان

a.hassan@squ.edu.om

ملخص

يهدف البحث إلى محاولة تقديم نموذج (Paradigm) معرفيّ مُعاصِر، يشمل مجموعة من المُحدِّدات النظرية والتطبيقية، والمُوجّهات المنهجية، المنبثقة عن التداخل بين بعض فروع العلوم المعاصرة، نستطيع من خلاله فهم مسألة الوعي بالصورة العلمية الصحيحة. ليكون السؤال المركزي: ما مفهوم الوعي ؟، لننطلق منه إلى معالجة هذا السؤال على مستوى العلوم العصبية، ثم من خلال الفيزياء النظرية، خصوصًا أطروحة (الوعي وفيزياء الكمّ)، حتى تكتمل بنود هذا العنصر ضمن الإطار العام للنموذج المُقترَح. ومن خلال هذه العناصر، وغيرها، نفهم انفتاح الإبستمولوجيا المُعقّدة على عددٍ من المشاكل المعرفية الجوهرية، التي أثارها كلٌّ من "باشلار" و"بياجيه" في تاريخ المعرفة العلمية. وقد اتخذت الدراسة من منهج العرفانيات العصبية، والتحليل الفيزيائيّ سبيلا إلى شرح بعض الظواهر المختارة لفهم (معضلة الوعي)، من خلال وصف الإشكالية المطروحة، ثم تقديم وصف عام لها، وعرض أهم النتائج الخاصة بها في الدراسات المعتمدة. وانتهت الدراسة ببعض النتائج الأساسية، على رأسها الوصول إلى تحليل عام لظاهرة (الكواليا)، والعقل التنبؤيّ، وعلاقة المعرفة بالإدراك الحسيّ، والجانب الماديّ للوعي، وهل للوعي بالفعل جانب ماديّ؟ وماذا يمكننا فهمه من ظاهرة التمثيل الذهنيّ، خصوصًا مع المعالجة الفيزيائية الرياضياتية التحليلية لكل ذلك. ومن أهم التوصيات الخاصة بهذه الأطروحات ضرورة أنْ تكون المعالجة تجريبية في أكثر الجوانب، لأنّ فلسفة الظواهر الذهنية لا يُمكن أن تثمر نتائج حقيقية دون الاختبار المعمليّ، خصوصًا من الجانبين: العصبيّ، والفيزيائيّ. وهو ما عرضنا بخصوصه تجارب ودراسات على مدى بنود هذه الدراسة.

الكلمات المفتاحية: الوعي، الكواليا، الإدراك، الدّماغ، الكوانتم

للاقتباس: طعمه، عبد الرحمن. «المقاربة العصبية المعرفية للوعي: دراسة بينية للبناء الذّهني للتفكير من خلال أطروحات السيكولوجيا المعاصرة والفيزياء النظرية»، مجلة تجسير، المجلد الخامس، العدد 2 (2023)

https://doi.org/10.29117/tis.2023.0142

© 2023، طعمه، الجهة المرخص لها: دار نشر جامعة قطر. نُشرت هذه المقالة البحثية وفقًا لشروط Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0). تسمح هذه الرخصة بالاستخدام غير التجاري، وينبغي نسبة العمل إلى صاحبه، مع بيان أي تعديلات عليه. كما تتيح حرية نسخ، وتوزيع، ونقل العمل بأي شكل من الأشكال، أو بأية وسيلة، ومزجه وتحويله والبناء عليه، طالما يُنسب العمل الأصلي إلى المؤلف.


 

Submitted: 30 March 2023

Accepted: 20 August 2023

Research Article

Neurocognitive Approach of Consciousness: An Interdisciplinary Study of Mental Structure of Thought through Contemporary Psychology and Theoretical Physics*

Abd Al Rahman Mohammed Teama

Associate Professor of Modern Linguistics, College of Arts and Social Sciences, Sultan Qaboos University, Oman

a.hassan@squ.edu.om

Abstract

This research aims to present a contemporary cognitive paradigm, including a set of theoretical, applied determinants, and methodological guidelines, emanating from the overlap between some branches of contemporary sciences, through which we can understand the issue of Consciousness in a scientific way. The central question of the study: What is the concept of consciousness? We proceed from it to address this question at the level of neurosciences, and then through theoretical physics, especially the thesis (consciousness and quantum physics).

The study adopted the neurocognitive approach and physical analysis as a method to explain some of the selected phenomena to understand the (dilemma of consciousness), by describing the problem, then providing a general description of it, then presenting the most related important results in the approved studies. The study concluded with some basic findings, On top of which is access to a general analysis of the phenomenon of (qualia), the predictive mind, the relationship between knowledge and sensory perception, the physical aspect of consciousness, and does consciousness really have a physical (concrete) aspect? And what can we understand from the phenomenon of mental representation, especially with the mathematical physical treatment of all of that? Among the most important recommendations of these theses is that the treatment should be experimental in most aspects, because the philosophy of mental phenomena cannot fulfill real results without laboratory testing, especially from both sides: neurological and physical. This is what we had tried to do through all the items of this study.

Keywords: Consciousness; Qualia; Perception; Brain; Quantum

 

Cite this article as: Teama, Abd Al Rahman. "Neurocognitive Approach of Consciousness: An Interdisciplinary Study of Mental Structure of Thought through Contemporary Psychology and Theoretical Physics". Tajseer Journal, Vol. 5, Issue 2 (2023).

https://doi.org/10.29117/tis.2023.0142

© 2023, Teama, licensee QU Press. This article is published under the terms of the Creative Commons Attribution-Non Commercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0), which permits non-commercial use of the material, appropriate credit, and indication if changes in the material were made. You can copy and redistribute the material in any medium or format as well as remix, transform, and build upon the material, provided the original work is properly cited.


 

مقدّمة

تُعدّ دراسة الوعي جوهرًا للبحث المعرفيّ البينيّ بمختلف جوانبه، بدايةً من حقل العلوم الاجتماعية النفسية، وامتدادًا إلى مجالات اللغة، والأنثروبولوجيا، وعلوم الأعصاب، والبيولوجيا التطوّرية، والفيزياء (بمختلف فروعها). وتتلخّص أهمية هذه الدراسة المقدَّمَة في أنها تُركّز على المنجَز الفعليّ المتحقّق تجريبيًّا فيما يرتبط بمناقشة مسألة الوعي الإنسانيّ ومحتوى الفِكر على مستوى المعرفة البينية، المتمثّلة في مشروعات بحثية تتضافر وتتكامل ما بين علوم الأعصاب، والسيكولوجيا، والفيزياء النظرية؛ وهو مزيجٌ مهمٌّ، سيتبيّن لنا من خلاله ضرورة فهم هذه المسألة – على جهة التعيين – من خلال هذه المقاربة المعرفية البينية؛ لأنّ الاكتفاء بفرع معرفيّ واحد فيها لا يُقدّم النتائج المأمولة.

وتتأسّس فكرة البحث على محاولة تقديم نموذج معرفيّ مُعاصِر، يشمل مجموعة من المُحدِّدات النظرية والتطبيقية، والمُوجّهات المنهجية، المنبثقة عن التداخل بين هذه العلوم والمعارف، نستطيع من خلاله فهم مسألة الوعي بالصورة التي تقترب من الصحة المعرفية المنشودة.

خلال ذلك، ينقسم هيكل الدراسة إلى حزمة من العناصر، فتبدأ بمناقشة موجزة لمفهوم الوعي في الدراسات السيكولوجية المعاصرة، لننطلق منها إلى معالجة هذا المفهوم على مستوى العلوم العصبية، ثم من خلال الفيزياء النظرية، حتى تكتمل بنود المقاربة التي اعتمدناها ضمن الإطار العام للنموذج المقترَح.

ثمّ تولج الدراسة في تفصيل البنية الهيكلية المفاهيمية لـ(معضلة الوعي)، الإشكالية الرئيسة للبحث، على المستويَين: العصبيّ، والفيزيائيّ؛ إذ نُعطِي أمثلة من نتائج نظرية العقل التنبّؤيّ الشهيرة، التي تبحث في القيادة الآلية للذّهن وسيطرته على التفاعل الاجتماعيّ الثقافيّ (في مجال الخبرة)، وهنا نجدنا أمام بحث مسألة الوعي الصافي (الخالص)، التي أثارت كثيرًا من النقاشات بين الفلاسفة وعلماء الفيزياء والمنظّرين الاجتماعيين. بما يوجّه الدراسة – بالضرورة، وبالتبعية – إلى مناقشة معضلة الوعي على المستوى الكموميّ الميكرويّ (في العالَم المتناهِي الصّغَر)، مقارنةً بالعالَم المحيطيّ الماكرويّ (الاجتماعيّ) المتناهِي الكِبَر، في بندٍ خاصّ حول موضوع (الوعي وفيزياء الكمّ).

سنحاول تقديم نموذج مفاهيمي ضمن مظلة التجسير المعرفيّ بين العلوم الإنسانية والطبيعية عمومًا، تلك المعرفة التي يتطوّر من خلالها فهمِنا لوعينا، ونُطوّرُ من خلالها الذكاء الاصطناعيّ (Artificial intelligence).

إنّ تطور الذكاء الاصطناعيّ يطرح سؤالًا معرفيًّا مُهمًّا: هل رُدود أفعالِنا واستجاباتِنا التي نَظُنّها معقّدة جدًّا، وخاصّة بنا تمامًا، ونتحكّم فيها إلى أبعد حدٍّ، ليست سوى استجابات نمطية (Stereotyped responses) لمدخلات دُرِّبنا عليها سَلفًا بصورة مّا أو بأخرى؟ قد نذهب بعيدًا ونجعل سؤالًا مثل هذا خاصًّا بعملياتنا الواعية كلّها، وقد نَقصُره على بعض الأمور. وفي الحالات كلّها سيكون الأمر مثيرًا جدًّا!

أولًا: الوعي في المقاربات السيكولوجية العصبية

1.     الوعي والإدراك الحسّيّ

يُمكن التحقّق من تأثير الإدراك على محيط الوعي من خلال بعض التجارب السيكولوجية البسيطة؛ فإذا وقفتَ مثلًا بنهاية الغرفة، وقرّبتَ إبهامك إلى عينيك حتى يتساوَى حجمُه مع حجم الباب بالطّرَف الآخر من الغرفة، فبالطبع يُخبرُك عقلُك بأنّ حجم إبهامك أصغر كثيرًا من حجم الباب، وأنّ سرَّ هذا الحجم الزائف بسبب قرب الإبهام من مجال البصر. فالغرفة بها الكثير من الهاديات المعرفية التي تساعدك على فَهم أنّ الباب أبعدُ بصريًّا عن الإبهام، وداخل الذّهن تحدث عملية تضخيم لحجم الباب لتعويض بُعد المسافة، فالمعرفة هي أساس الإدراك، ولذلك نستخدم الكثير من المعارف لتصحيح ما يرِدُ إلينا من المجال الحسيّ[1].

في كلّ المواقف الحياتية نحن إزاء بناء ذهنيّ مُعقّد، هو العلاقة المركّبة بين الإدراك الحسيّ Perception)) والعرفان (Cognition). فالإدراك ينقل إلينا المعلومات الحسية عن العالَم، بينما يُنظّم العرفان هذه المعلومات، ويترجمها، ويعطيها المعنى من خلال المفاهيم التي تدخل إلى مجال الوعي والخبرة[2]. والإدراك البصريّ هو من أوسع أنماط الإدراك (perceptual modalities)[3] دراسةً وفَحصًا.

وقد أوضح "جون مكنامارا" (Macnamara) في بحث غير منشور، كتبه عام 1978 بعنوان: "كيف نتحدث عما نراه؟" أنه على النّسق البصريّ أنْ يولّد تمثيلاتٍ ذهنيةً تَخلق تجربةَ رؤيتنا للعالَم، وأنه حتى نتحدث عما نراه، فلا بد من وجود نوع من الترجمة أو (التحويل) من التمثيلات الذهنية الناتجة عن النّسق البصريّ إلى صورة التمثيل الذهنيّ الذي يستعمله النّسق اللغويّ، وطَرَح السؤال الكبير: ما الصورة التي يُمكن أنْ يكون عليها هذان التمثيلان، التي تسمح بتحويل أحدهما إلى الآخر؟[4]

إننا نفهم العالَم من خلال الطريقة التي تراه به أعيُننا بالضبط، ويحاول الدّماغ أنْ يُضفيَ المعاني على كثير من المنبّهات الواردة من خلال العين، التي تَسقط على ساحة الشبكية. مع ضرورة فهم أنّ منظور رؤيتك للأشياء يتحكّم في درجة وعيِك بها؛ فالذّهن يُجري معالجات فائقة على المنبّهات البصَرية، ويعطيها معنًى، ويُفسّرها[5]. ولذلك يقع الوعي، من خلال حاسة البصر هنا، في المسافة بين الإدراك (الإحساس) والتمثيل[6].

تُقرّر معظم التجارب السيكولوجية أننا نمتلك بالفطرة قدراتٍ ذهنيةً عرفانيةً، وآلياتٍ عصبيةً (يمثّلها بامتياز نسق الخلايا العصبية المعروفة بالمرآة Mirror Neuron System)[7]، تُمكّننا من تأويل المقاصد والمعاني الثاوية خلف الأعمال والسلوكيات الصادرة عن كلّ ما يحيط بنا في مجال الإدراك الواسع، وهذا ما يسمح لنا بدرجة من الوعي ضمن نطاق تفكيرنا، تعطينا القدرة على مشاركة الآخرين حالاتِهم الذّهنية، وتوقّع سلوكياتهم التي لم تَصدر بعدُ...إلخ[8].

وفي محيط الأعيان، يوجد لدينا ما يُعرف بالشيء القاصي (البعيد)، الموجود بالعالَم الخارجيّ؛ فسقوط الشجرة مثلا يَخلق نمطًا تنبيهيًّا خاصًّا يحمله وسيطٌ من الوسائط الإعلامية، التي تتمثّل في موجات صوتية ناجمة عن ارتطام الشجرة بالأرض. وقد يتمثّل الوسيط الإعلاميّ في انعكاس ضوئيّ، أو بجزيئات كيميائية، أو بمعلومات لمسية واردة من البيئة. فمثلا، عندما تُنقل المعلومات من خلال الموجات الضوئية وتتلامس مع المستقبِلات الحسية المناسبة بالعينين، يظهر التنبيه الداني (القريب)، وهو امتصاص الخلايا الشبكية للموجات الضوئية. ويحدث الإدراك عندما يتكوّن الشيء المدرَك بطريقة تعكس بعض خصائص العالَم الخارجيّ؛ بمعنى أنّ الصورة التي تكوّنت عن الشجرة الساقطة على شبكية العين تعكس صورة الشجرة الساقطة أمامك[9]، لكنها لا تعكس حقيقة الشجرة أو كيفية وجودِها الفعليّ بالعالَم. والجدول (1)[10] يوضّح المُتّصل الإدراكيّ؛ إذ تقوم وسائط الإعلام بنقل المعلومات عن الشيء القاصي إلى الدماغ، وعندما تنتقي المستقبلات الحسية لدينا هذه المعلومات يظهر التنبيه الداني، الذي يؤدي بدوره إلى إدراكنا للأشياء من حولنا. هذا هو الأساس، أو المقاربة العرفانية الأساسية لبداية تشكيل الوعي بين الأذهان والأعيان.

الجدول (1): المُتّصَل الإدراكيّ بين الحواس وتعيين المُدرَكات

الشكل

الشيء القاصي

وسيط الإعلام

التنبيه الداني

المدرَك

الإبصار – المشهد

وجه جدتك

الضوء المنعكس على وجه الجدة (موجات كهرومغناطيسية مرئية)

امتصاص الفوتونات الضوئية في الخلايا العصوية والمخروطية بالشبكية (السطح المستقبِل بالجزء الخلفيّ للعين)

 وجه الجدّة

السمع – الصوت

سقوط شجرة

الأصوات الناتجة عن سقوط الشجرة

وصول الموجة الصوتية إلى غشاء طبلة الأذن (السطح المستقبِل داخل القوقعة بالأذن الداخلية)

سقوط الشجرة

الشم – الرائحة

لحم مُقدّد يُقلَى

الجزيئات الكيميائية المتطايرة نتيجة للقلي

امتصاص الجزيئات من خلال خلايا الظهارة الشمّية olfactory epithelium (السطح المستقبِل بالتجويف الأنفي)

اللحم المقدّد

التذوّق – الطّعم

آيس كريم

جزيئات الآيس كريم المنبعثة في الهواء، المتحلّلة باللعاب

اتصال الجزيئات ببراعم التذوّق taste buds، والخلايا المستقبِلة باللسان ولهاة الحلق uvula، جنبًا إلى جنب مع التنبيه الشميّ

الآيس كريم

اللمس

لوحة مفاتيح الحاسوب

الضغط الميكانيكيّ والاهتزاز عند الاتصال بين سطح الجلد ولوحة المفاتيح

إثارة عدد من مختلف الخلايا المستقبِلة داخل الأدَمة الجلدية dermis (الطبقة الأعمق من الجلد)

لوحة مفاتيح الحاسب

وتتكوّن المعرفة داخل الوعي عندما تُستخدم مثل هذه المعلومات، وغيرها الملايين، في تحقيق أهداف مُعيّنة، مثل: هل هذا الطعام صالح للأكل؟ وهل يتعيّن عليّ الخروج من الغابة؟ وما حجم المخاطر المحيطة بهذا الأمر؟ متى يُمكنني عبور الطريق بصورة آمنة؟ إلى آخر تلك القرارات، التي قد تكون مصيرية في كثير من الأحيان[11].

2.      لوحة التجربة الإدراكية العرفانية

على الرغم من اختلاف عناصر التجربة الواعية، فهي تنتظم جميعًا في إطار حالة واعية واحدة. فالوعي، من وجهة النظر الذاتية، متوحّد متواصل متماسك، عكس الدّماغ، المنقسم إلى تلافيف وفصوص ومناطق مختلفة. فإذا رأيتَ مثلًا عصفورًا يطير من شجرة إلى أخرى، فإنّ صوت رفرفة جناحيه يُعالَج في القشرة السمعية، وحركته تُعالَج في المنطقة V5 من القشرة البصَرية، ولونه يُعالَج في المنطقة V4، وشكله يُعالَج في مناطقَ أخرى، وموقعه داخل مجال الرؤية يُعالَج في منطقة مغايرة تمامًا لكلّ المناطق. لكنك تدرك كلّ العناصر معًا بصورة متكاملة داخل إطار تجربة إدراكية عرفانية متماسكة واحدة. إنّ الأمر أشبه بقيام مئة رسّام برسم لوحة واحدة متكاملة العناصر. لكن عناصر لوحتنا الإدراكية ليست بصَرية فقط، بل تتكامل فيها عناصرُ سمعية وشمّيّة وشعورية أخرى.

ناقشَ الفيلسوف "دانييل دينيت" (Daniel Dennett) مسألة أنّ العوام والمختصين على حدّ سواء يعتنقون، دون وعيٍ منهم، رؤية أطلق عليها (المسرح الديكارتيّ Cartesian Theatre)، مفادها أنّ لدينا موضعًا مُعيّنًا بالدّماغ يكون مركزًا للوعي، تتجمع فيه المعلومات الحسية كلها، حتى تستطيع أنْ تكون واعيًا بها! كأنها تُعرَض على مسرح لتشاهدَها أنت فتعيَها. هذه الرؤية قريبة من الحسّ المشترك، لكنها غير صحيحة؛ لأنّ لكلّ نوع من المعلومات مجموعةً من المراكز المخية التي تستقبله وتدركه[12].

إنّ إدراكنا لذواتنا وأجسادنا ومحيطنا الوجوديّ ليس أمرًا هيّنًا، بل تقف وراءه آلياتٌ شديدة التعقيد داخل الدماغ. خذ مثالًا: كيف تعرف أنّ مذاق الشاي الذي أتذوّقه هو المذاق نفسه الذي تستمتع أنت به؟! أليس من الممكن أنْ تكون النّكهة التي تذوقتُها أنا عند احتساء الشاي هي تلك التي تتذوّقها أنت عند أكل التفاح مثلًا؟! هذا المثال، وغيره، يشير إلى ما بات يُعرف في فلسفة العقل بمعضلة الوعي الصعبة (Hard Problem of Consciousness)، كما يوضحها الفيلسوف الأستراليّ "ديفيد تشالمرز" (Chalmers David)[13]؛ فإذا سألتَ أحد علماء الأعصاب عن آلية الإبصار، فسيبدأ في الحديث عن خلايا الشبكية، والعصب البصَريّ، ومراكز الإبصار التي تعالج المعلومات البصرية بالدّماغ...إلخ. وإذا سألته عن الكيفية التي نفهم بها اللغة، أو نتذكر بها الأشياء فسيُحدّثك مباشرة عن المراكز المسؤولة عند ذلك بالدّماغ. وكلّ تلك معلومات لها صلة بالوعي، لكنها تُمثّل تحديًا أمام المتخصصين. لكنها لا تمثّل التحدّي الفلسفيّ؛ لأنها مُختزَلة في الآليات المادّية فقط! ولذلك يسميها "تشالمرز" بـ(معضلة الوعي السهلة).

أما معضلة الوعي الصعبة، فهي انبثاق التجربة الواعية؛ فلماذا تتضمّن عملية الإبصار إدراكًا واعيًا بالألوان المحيطة بنا، وكيف يبزغ هذا الإدراك؟ لماذا نعي ضوءًا بطول موجيّ مُحدّد على هيئة اللون الأحمر، ولماذا لا نعيه بلونٍ أزرق مثلًا، أو على هيئة موسيقى صاخبة؟ كيف تنبثق هذه الخصائص الذاتية للتجربة الإدراكية العرفانية لدينا، وهي المعروفة في فلسفة العقل بمصطلح الـ(كواليا Qualia، أو الكيفيات المحسوسة)، مثل مذاق الشاي، أو آلام الولادة، أو إدراك زُرقة السماء؟ إننا حتى اليوم لا نمتلك معلوماتٍ أساسيةً حول وَصْف الحالة المرافقة للشعور عند رؤية اللون الأحمر! فرؤية كلّ فردٍ منّا للّون الأحمر، وهو مثال من ملايين الأمثلة، تختلف بيننا تمامًا؛ لأنّ الإدراك الحسيّ الخاص بكلّ إنسان (الناشئ عن تفاعلات فيزيائية عصبية نفسية) متفرّد بصورة كلية. قد تكون نُسختك الشعورية من اللون الأحمر هي النموذج الوحيد لهذا اللون بالعالَم[14]!

إننا حين نرى شيئًا ما، ويقع الضوء المنعكس منه على الشبكية، يتحوّل إلى إشارات كهربائية تصل للدّماغ، فتقوم مراكز الإبصار بالمعالجة؛ فهذه مجموعة من الخطوات التي تؤدّي كلٌّ منها إلى الأخرى، لكننا بنهاية هذه السلسلة لا نرى ناتجًا ثابتًا يُمكن توقّعه من هذه الخطوات! فلا نشاهد أنّ هذه السلسلة من الأسباب والتأثيرات تؤدّي إلى الشعور باللون الأحمر، أو بأي لونٍ آخرَ؛ فكلّ ما تؤدّي إليه هو معالجة المعلومات البصَرية مثل الكاميرا! فمن أين أتت التجربة الواعية إذن؟ وبسبب عدم ضرورة صدور الوعي، أو الكواليا، عن هذه السلسلة من الخطوات المتفاعلة في دماغنا، يرى "تشالمرز" الإمكانية المنطقية لوجود أشخاص مثلنا تمامًا، يفرحون ويبكون ويأكلون الطعام ويمشون في الأسواق، تمامًا مثلنا، لكنهم من الداخل لا يتمتعون بأية تجربة واعية، مثل الروبوتات! وقد أطلق عليهم مصطلح [الزومبي الفلسفيّ][15]. إنّ الخبرة الذاتية للرؤية ذات صلة وثيقة بسيرورات تحدث في قشرة المخّ البصَرية، ولكنّ هذه الصلة نفسَها هي التي تُحيّر أفكارنا. ومما يلفت الانتباه، أنّ هذه الخبرة الذاتية، على ما يبدو، تنبثق من سيرورة فيزيائية، ولكننا لا نمتلك أية فكرة عن كيفية ذلك، أو سببه، وفقًا لتشالمرز[16].

لقد كشف "وارين ماكولوتش" (McCulloch)، بالفعل، وعالِم فيزيولوجيا الأعصاب "والتر بيتس" (Pitts)، أوائل الأربعينيات، عن الفصل بين المُدخلات والـمُخرجات، وإنتاج أعداد لا نهائية لا تقبل الحساب الرقميّ داخل الشبكة العصبية، وذلك عندما حاولا استنتاج: كيف نعرف ما نعرفه؟ فاقترحَا محاولة الحصول على معلومات تتعلّق بما هو داخل الدّماغ البشريّ لمحاكاة الرسم التخطيطيّ العصبيّ لكيفية تطوّر الإدراك، فأسّسا لهذا الغرض شبكة عصبية اصطناعية يمكنها القيام بوظائف منطقية، كما يُمكنها ترجمة أية وظيفة منطقية إلى شبكة عصبية. وكان الهدف من هذا إثبات أنّ للمعرفة والوعي بنية عصبية، وأنّ أية وظيفة منطقية يُمكن تنفيذها في الشبكات العصبية النّمطية (البحث عن المادّة وراء الوعي والعقل). لقد سعوا فعليًّا إلى استنباط مُدخلات الدّماغ، أو ما يُسمّى بالصندوق الأسود (بصمة الحقائق المتعلّقة بالعالَم الخارجيّ داخل الدّماغ) الذي نحصل من مُخرجاته على إدراكنا ووعينا. لكن الطموح الإبستمولوجيّ لمشروعهم فشل تمامًا، وأُجبرا على الاعتراف بتعذّر استنباط الحقائق المتسبّبة في تلك الإدراكات، من خلال الإدراكات المُسترجَعَة من ذاكرة الأشخاص[17]. لقد كانت محدودية نموذجهم الصوريّ للدّماغ مؤكّدةً لحجم القصور الأساسيّ لمعرفتنا بالعالَم. وقد كانت النتيجة الوحيدة المهمة من خلال تجربتهم هي أنه حتى إذا لم نتمكّن من معرفة العالَم على حقيقته، فعلى الأقل يُمكن للجهاز العصبيّ حساب أعداد لا متناهية، لأنه يعمل بوصفه آلة منطقية[18]. وبالنهاية، فلا يُمكن حوسبة المعرفة والإدراك والعرفان هكذا، أو فصل المُدخلات والمُخرجات بسهولة؛ لأنّ محاكاة الشبكة العصبية كما هي بحقيقتها أمرٌ بعيد المنال.

ثانيًا: الوعي في المقاربة العصبية العرفانية

1.     التفاعل بين الدماغ والوعي[19]

وضع "جون إكليس" (Eccles) (1903-1997)، الحاصل على نوبل الطب عام 1964 (مُكتشِف المشابك العصبية Synapses)، تصوّرًا أصيلًا يَدين به لكارل بوبر Popper)) بصفة أساسية. فقد ألّف عام 1970 كتابًا بعنوان (مواجهة الواقع: مغامرات فلسفية من ذهن عالِم). وقدّم عام 1989 تأليفًا لهذه الأطروحات، في كتابه (تطوّر الدماغ وخَلق الوعي، بحثًا عن الطبيعة الحقيقية للإنسان). وقد تبلورت أفكارُه بصورة كبيرة عام 1994؛ عقب تطوّر الأبحاث البيولوجية العصبية وعلوم الأعصاب. وعلى الرغم من تأثّره بالنزعة المادّية التطوّرية، والإقرار بأنّ الأحداث الذهنية ترتبط بالضرورة بمُتّصَل السيرورات العصبية البيولوجية للدّماغ، لكنه يرفض أنْ يُعطيَ الوضع الأنطولوجيّ للوعي تعريفًا واحديًّا (Moniste) صرفًا. فالداروينية، وفق "إكليس"، لم تُقدّم جوابًا حول تكوين التجارب الذهنية غير المادّية وكيفية تطوّرها، موضّحًا أنّ بروز الوعي إنما هو مثل السّرّ الذي يُرادُ كتمُه عبثًا في المعتقد التطوّريّ.

وبالاعتماد على التقسيم الثلاثيّ الشهير للعالَم عند "بوبر"[20]، ينتقد "إكليس" النزعة المادّية المطلقة التي لا تُعوّل سوى على العالمَ (1)؛ أي مجموع العالَم الماديّ، وتدخل الأدمغة في ذلك. وفي المادّية المطلقة يُقصَى العالَم 1م، الذي يُعدّ أصغر جزء من العالَم الماديّ المقترِن بحالات ذهنية. ويَسري هذا أيضًا على العالَم (2)، الذي هو مجموع التجارب الذّهنية والمادّية. وذوو النزعة المادّية المتعصّبون هم وحدهم مَن يرفضون الإقرار بوجود الوعي في الأحداث والوقائع الذهنية. والواقع أنّ المادّية المطلقة تُقصَى من تلقاء نفسها عند "إكليس".

يسعى المُنظّرون المادّيون إلى الحفاظ على الطابع المغلق للعالَم (1)، وإنْ كانت الروحية الشاملة (Panpsychisme)، والظّاهراتية المصاحِبَة[21] ( (epiphenomenisme، ونظرية التماثل (التي يدافع عنها "فيغل" Feigl) تحاول إقامة روابط بالحياة الذّهنية للوعي.

وعمومًا، يدافع "إكليس" عن أطروحة للثنائية التفاعلية بين الدّماغ والوعي، مُحدّدًا إياها على النحو الآتي[22]:

العالَم 1 = العالَم 1خ + العالَم 1در : العالَم 1م = العالَم 2

العالَم 1: مجموع العالَم الماديّ، ويدخل في ذلك الأدمغة.

العالَم 1خ: ما يخلو في العالَم الماديّ من الحالات الذّهنية.

العالَم 1در: هو التفاعل في دماغ الربط (د ر) مع العالَم 2.

العالَم 1م: الجزء الأصغر من العالَم الماديّ الذي يقترن بحالات ذهنية، بفضل العالَم 1در.

العالَم 2: مجموع التجارب الذّاتية والذّهنية.

والرأي عندي أنّ الدماغ مجرد مستقبِل receiver)) لبعض محتويات الوعي، بحيث يعمل مثل المرآة (der Spiegel)، فيعكس شيئًا من أوامر هذا الكيان المهيب غير المادّي (الوعي)، ليكون الجسد بحواسّه مع الدماغ مجرد مَركبة أو ناقلة (vehicle). وتجارب علم الأعصاب المعاصر (خصوصًا تجارب ما يُعرف بالحوامل العصبية التمثيلية representative vehicles)[23]، توضّح أنّ الدّماغ متزمّن؛ أي يعمل مُقيدًا بحدود الزمكان.

إنّ كلّ كائن حيّ يمتلك وسائله الخاصة لمعرفة حواسّه هو فقط، التي لا يملكها غيره من الكائنات. وربما نقوم بقياس بعض الحالات الحسية من خلال استنباط بعض أوجه الظروف المحيطة أو السلوكيات، أو من خلال الفحص الدماغي بالتخطيط الكهربائيّ ((EEG أو بأشعة الرنين، أو بالمقطعية...إلخ. لكننا لا نستطيع معرفة المسارات المعلوماتية الفردية لكلّ منّا. فكلّ إنسان وحده هو المالِك للمسارات؛ فهي التي تُشكّل عقلَ كلّ منّا، ومنظومة جهازه العصبيّ (منظومة تفكيره وكينونته)، المعقّدة بتسلسل هرميّ للشبكات العصبية، والاتصالات المتشابِكة، والتقسيمات الخاصة بمساحات تفعيل يتفرّد بها كلّ إنسان. ولذلك فإنّ لكلّ إنسان حالاتٍ تمثيليةً داخليةً للحالات الحسية وغيرها من السيرورات العرفانية، والعلاقات السببية مع تلك السيرورات، لا يَملكها الآخرون[24].

وقد رأى "تشالمرز" (Chalmers) أنّ بعض المعلومات لها جانبان أساسيان: أحدهما فيزيائيّ، والآخر تجريبيّ، في بحثه عن العلاقة الأساسية بين العمليات المادّية والخبرة الواعية؛ فحيثما توجد الخبرة الواعية فإنها تكون جنبًا إلى جنب، بوصفها جانبًا واحدًا لحالة المعلومات، والجانب الآخر مُدمج ضمن عملية فيزيائية في المخ[25].

ولذلك يقوم الوعي بوظيفة الاتصال، التي تُيسّر تدفق المعلومات بين مختلف عناصر (المسرح العقليّ) وَفقًا لمصطلح "ديكارت" (Descartes)، كما أنه قادرٌ على زيادة إمكانية الوصول بين مصادر المعلومات؛ فللوعي القدرةُ الهائلة على خَلق الترابط ضمن السيرورات الكبرى للتكيّف البيولوجيّ[26].

فعندما نعزف مثلًا على البيانو، ينصب التركيز على العزف نفسه؛ أي عزف المقطوعة كلها، وليس على الضغط على مفاتيح البيانو؛ فالوعي يُركّز على المقطوعة بصورة كلية، وليس على تفاصيل النغمات. نعم إننا على علمٍ بهذه النغمات، لكننا نستخدمها في خلفية الوعي بوصفها أساسًا لأجل صرف الانتباه إلى المقطوعة الموسيقية كلها. الأمر نفسه مع قيادة السيارة، أو الدراجة، أو القيام بأي فعل مُركّب من تفاصيل. ولذلك فإنّه في أيّ فعل معرفيّ يكون حضور الوعي من الجزئيات (التفاصيل) إلى الكليات. على سبيل المثال، يُقسّم "بولاني" (Polanyi) هيئة الوعي في حالة أداء أي فعل معرفيّ إلى مستويين إبستمولوجيين: الوعي الرئيس (focal awareness)، والوعي الثانويّ (subsidiary awareness)؛ إذ يُدرك الوعيُ الرئيسُ الفعلَ المعرفيَّ بصورته الكُلّانية، بينما يتمظهر الوعي الثانويّ بصورة المكان الذي تشتغل فيه المُكوّنات التفصيلية[27].

ومعلوم أنّ قارئ أيّ نصّ إذا ركّز على الكلمات والأبنية فسيفقد مباشرة معنى الكلام، أو المعرفة المُتضمّنَة بالنصّ؛ فالكلمات والعبارات والفقرات هي المكوّنات التفصيلية التي يتجه منها الوعي إلى الفعل الكليّ، وهو تحصيل المعنى. ولذلك تختلف قراءة مُدقّق النصوص عن قراءة الباحث عن المعرفة، الذي قد لا يلاحظ الأخطاء النحوية والمطبعية[28].

إنّ العقل الواعي بذاته يمارس تأثيره على المراكز العصبية النّشِطَة في المستوى الأعلى من النشاط الدّماغيّ؛ أي في مناطق الربط بين المخّ والذّهن بنصف الكرة المخيّ المتحكِّم، ويقوم بتعديل الأنماط الدينامية المكانية والزمانية للأحداث العصبية. وعلى ذلك، فإنّ العقل الواعي يمارس دورًا تأويليًّا مُسيطِرًا على الأحداث العصبية، وهو الدّور الذي يُضفي وَحدة على الخبرة الواعية، وليس الآليات العصبية لمناطق الربط بنصف الكرة الدماغيّ. فالوَحدة داخلنا لا تأتي، إذن، من المركّب النيوروفسيولوجي، بل من الخاصية التكاملية التفاعلية للعقل الواعي بذاته، الذي يقوم بدمج مختلف الأنشطة الصادرة عن المخ، ويُعطي الخبرة الواعية المُوحّدة[29].

يطرح "جون سيرل" (John Searle) سؤالًا معرفيًّا مُهمًّا: كيف تتسبب العمليات البيولوجية العصبية للمخّ في إحداث الوعي؟ وتكون الإجابة الممكنة من خلال إعادة تفسير الخبرات الواعية وبنائها بواسطة علم الأعصاب؛ إذ إنّ التنوّع الهائل في خبراتنا الواعية، مثل: تذوّق الأطعمه والأشربة، والنظر إلى السماء، وشم روائح الأزهار، والشعور بالألم المفاجئ، وغير ذلك من ملايين الصّور المتنوّعة المتضمّنة ضمن سيرورات بيولوجية عصبية معقّدة، تؤدّي بالنهاية إلى حالات موحّدة مترابطة داخلية من الوعي، هي الخبرات البصَرية، والشّمّية، واللمسية، والتذوّقية، وخبرات الإحساس بالألم، والتفكير الواعي[30]. داعيًا إلى التخلّي عن مبدأ الثنائية، وافتراض أنّ الوعي ظاهرة بيولوجية وحسب. وهو أمرٌ أيضًا يحتاج إلى مناقشات ومباحثات مُطوّلة.

اللغز يكمن في أنّ بعض التمثيلات الداخلية للمخ ولعقل الإنسان، مثل الإحساس بالحرارة، أو الشعور باللون الأحمر، لا تشبه الوقائع الخارجيّة التي يزعم المرءُ أنّ هذه التمثيلات تمثّلها: متوسط الطاقة الحركية لجزيئات المادة الحسّية (درجة الحرارة)، ومتوسط الانعكاس الكهرومغناطيسيّ للكائن المرئيّ (الشعور باللون). ووَفقًا لأنطونيو داماسيو، فإنّ هذا التمثيل الجوهريّ للتفاعلات السببية بين العالَم الخارجيّ وجسم الإنسان يدعم التمثيل الذاتيّ للوعي؛ أي تمثيل الذات الداخلية مقابل العالَم الخارجيّ. فالمخّ لا يستطيع بالاستبطان (introspection) تحقيق نمذجة للعالَم، بالطريقة التي يستطيع بها الوصول إلى الآلام والاحتياجات والروائح[31]. كيف يحدث تمثيل الخبرات الواعية بالدّماغ؟ أي: كيف تتمثّل في المخّ خبرتي الواعية بلون غروب الشمس، أو بطعم الفراولة، أو برائحة الورد، أو بتعرّف وجه شخص عزيز، أو بالإحساس بالألم، أو بالخطر، كيف يحدث التفكير الواعي؟ ولا يُمكن لعلم الأعصاب الفيزيائيّ فهم كلّ ذلك إلا من خلال تحليل المُدركات الحسية، أي بتحليل الحواس في عَلاقتها بالعالَم المحيط بنا. فعندما يتلف عدد ضخم من الخلايا العصبية، أو تتدمّر قشرة المخ، كما في حالة الزهايمر، وأمراض تدهور الذاكرة، وضعف المعرفة والإدراك...إلخ، تتحوّل شخصية الإنسان، ويفقد ذاتيته، وشعوره بنفسه وبالوجود؛ إنه يفقد جوهر كينونته، فكأنه لم يعد موجودًا! لأنّ فقدان الوعي هو فقدان للإنسان.

إنّ أهم الأطروحات الخاصة بعلاقة المخّ بالوعي ما يُعرف في علم الأعصاب بالتعالقات العصبية للوعي) NCC Neural (Correlates of Consciousness، التي تشرح ما يصاحب التجربة الواعية من نشاطات مخية كهروكيميائية. لكننا ينبغي أنْ نفهم أنّ استكشافنا للتعالقات العصبية المصاحِبة لخبرة ذاتية مُعيّنة لا يعني بالضرورة أنّ التعالقات هي (سبب) تلك الخبرة؛ فمن القواعد الرئيسة في فسيولوجيا الأعصاب وغيرها أنّ العلائقية، أو الترابط، لا يعني السببية (Correlation does not imply Causation)؛ فإذا كانت هناك علاقة بين (أ) و(ب)، فلدينا ثلاثة احتمالات سببية: (أ) تسبب (ب)، أو (ب) تسبب (أ)، أو (أ) و(ب) يسببهما شيء آخر. وقد يكون كلٌّ من (أ) و(ب) الشيء نفسه، مثل الماء وH2O، أو نجمة الصباح ونجمة المساء (النجمة نفسها)[32].

ووَفقًا لفيلسوف الأعصاب الهنديّ الأصل "فيلايانور راماشاندران" Vilayanur Ramachandran، فإنّ لدينا تمثيلًا أعلى (meta-representation)، هو (الكواليا)، بالإضافة للتمثيل الأوّليّ لمعالجة المُدخلات المعلوماتية، والتمثيل الأعلى هو (تمثيل التمثيل)، الذي يتولّى تحقيق احتياجات حاسوبية جديدة للدّماغ، وهي السماح بالمعالجة المفتوحة للرموز، وهو ما نسميه بـ(التفكير)، الذي هو تقليب الاحتمالات للخروج بحَدْسٍ جديد، وربما غريب، عن طريق التخيّل. ويرتبط بذلك كثيرًا بزوغ (اللغة) القادرة على توصيل الأفكار والمقاصد والاقتراحات للآخرين، ويرتبط به أيضًا بناء نظرية عن عقول الآخرين. وقد حدث كلّ هذا التطوّر في أدمغة البشر من خلال قفزة ذهنية كوانتيمية[33].

ولتوضيح مفهوم (تمثيل التمثيل) في وعي الإنسان، مثال الشعور بالألم، فالألم الناتج عن ملامسة غلاية الماء فتسحب يدك بسرعة، يختلف عن الألم الذي تفكّر به بعد لحظة الملامسة. الألم الأول ليس له (كواليا)، وليس له تمثيل التمثيل، فهو مجرد انتباه بدائيّ، أما الألم الثاني الذي يعقب ذلك ونفكّر فيه فيكون له (تمثيل التمثيل)، أو ما بعد الانتباه، ونتحدث بشأنه مع الآخرين، وله جوانب متنوّعة، فتقول مثلًا: كم هو سيئ، وينبغي ألا تفعل ذلك مرة أخرى، وسأخبر ابني عن شدة الألم، أو ينبغي أن آخذ مُسكّنًا للألم...إلخ. إنّ الألم الثاني له كلّ هذه التوابع الدلالية التي تربطه بالذات، حتى تكتمل الخبرة الذاتية؛ أي الكواليم (qualium) الخاصة به[34].

2.     العقل التنبّؤيّ في المقاربة العصبية للوعي[35]

وَفقًا لنظرية "العقل المُتنبّئ/التنبّؤيّ"، ينشأ الوعي فقط عندما تفشل توقّعات الدّماغ الضمنية في التجسّد. والعمليات العرفانية العُليا في القشرة المخية يُمكن أنْ تحدث دون وعي، ومناطق الدّماغ المسئولة عن المشاعر والدوافع هي التي تُوجّه انتباهنا الواعي، وليس القشرة المخية.

في نظرية العقل التنبّؤيّ يعمل كلٌّ من التعلّم والخبرة والوعي، بشكل مستمرّ، على تحسين توقّعاتنا الضمنية أو غير الواعية، ولا نلاحظ الأحداث إلا عندما تفشل التوقّعات، أي إننا نصبح واعين بالظروف عندما تستحقّ اهتمامنا، وهذه التلقائية تُمكّننا من العمل بسلاسة داخل العالَم، كما أنّ وعينا الذي يتحقق عندما تفشل التوقعات يُمَكِّننا من تجنب مشكلات المعالجة التلقائية ومن التكيّف مع التغيّرات في بيئتنا. وفي مثال مبسط، تتنبأ العمليات اللاواعية بمسار الكرة المقذوفة إلينا، وتُعدِّل حركة أطرافنا تبعًا لذلك، أما المعالجة الواعية فستبدأ بالعمل إذا ما انعطفت الكرة بزاوية قائمة فجأة[36].

ويظهر هنا مفهوم (الأوهام المفيدة) الذي يرى أنّ الآليات المُبرمَجة مُسبقًا تُشكِّل رؤيتنا عن العالَم دون أيّ جهد منّا على الإطلاق، ويفترض نموذج العقل التنبؤيّ أنّ التلقائية لا تُشكِّل إدراكنا فحسب، بل تُشكِّل جميع العمليات الذّهنية، بما فيها أحكامنا وقراراتنا وأفعالنا.

وقد دلّل "سيدني لامب" Sydney Lamb على أننا لا نستطيع التواصل والتفاهم والتفكير (العمليات العرفانية العُليا)، دون أنْ نعتمد على ما اصطلح على تسميته بـ(الأوهام الدلالية semantic mirages)[37].

ولكي نتعايش بسَلاسة مع العالَم من حولنا، نحتاج إلى أنْ يُميّز الدماغ بسرعة وتلقائية بين الأفعال الخاصة بالجِسم والمُدخلات الخارجية، ويُحقّق الدماغ ذلك من خلال إنتاج ما يُسمى بنسخة العصب الصّادر (efferent copy)[38] لكلّ أمرٍ يُرسله إلى العضلات؛ فعلى سبيل المثال، عندما تُحرّك رأسك إلى الأمام والخلف فأنتَ تَعلم أنّ العالَم من حولك لا يهتزّ للأمام والخلف، رغم أنّ الأدلَّة المَرئية التي تصل إلى الدماغ قد تعطي هذا الانطباع، بسبب أنّ نسخة العصب الصّادر تُشير إلى أنّ الدماغ نفسه هو مَنْ أعطى الأمر بالحركة.

 

الشكل (1): المسار العرفانيّ لبعض سيرورات الوعي في قشرة الدّماغ[39]

يوضّح الشكل القشرة الخارجية للدماغ – القشرة المُخّية – موضع العمليات العقلية العليا في التصوّرات التقليدية عن عمل الدماغ. ولكن في النموذج الذي اقترحه "مارك سولمز" من جامعة "كيب تاون" بجنوب إفريقيا، فإنّ الوعي ينشأ من النشاط الحادث في المناطق الأسفل، مثل نظام التفعيل الشبكيّ، والسقيفة البطنية، والمهاد؛ فعلى سبيل المثال، المعلومات الحسية – التي تمرّ جميعها عبر المهاد – تصبح واعية فقط عندما تكون مرتبطة بالعواطف أو الدوافع، وفي الحالتين فإنّ القشرتين: الجبهية والحزامية توجّهان انتباهنا إليها، وفي الوقت نفسه، يقوم الجسم المُخطّط والطّلل العصبيّ بدور في التحكّم بالحركة التلقائية وتوجيهها، وهو ما يُمكّننا من التفاعل مع بيئتنا دون التفكير فيها بشكل واعٍ. فالدماغ يبحث عن أقلّ قدر من الطاقة لأجل العمل مع المحيط الوجوديّ الشاسع؛ فالاعتماد على اللاوعي هو ثمن بقاء الجنس البشريّ، فإذا كُنّا مُجبَرين دائمًا على التفكير في كلّ جوانب الموقف المحيط بنا، وكان علينا أنْ نَزِن جميع خياراتنا بخصوص ما يجب أنْ نفعله، لانقرض الجنس البشريّ منذ زمن بعيد.

وعقولنا – بذلك – هي أجهزة تنبؤية، تُثبت حقيقة أنّ التواتر صفة أساسية للعالَم من حولنا؛ فالخبرة والذاكرة تتيحان استحضار مواقف متماثلة، واتخاذ إجراءات سابقة الفعاليّة. على سبيل المثال، في الدوائر العصبية البسيطة، مثل التي توجد عند اللافقاريات (Invertebrata)، يُمكن لإشارات من البيئة أو من الجسم إطلاق استجابات مناسبة (مُكتَسَبَة بالتّعلّم) ضمن نافذة زمنية قصيرة نسبيًّا. ومع نموّ التعقّد العضويّ وازدياده، تُضافُ حلقات متزايدة من الشبكات العصبية إلى الدائرة الأساسية لتحسين التنبّؤ بالأحداث الأكثر تعقيدًا، والأحداث ذات الانفصال الزمنيّ الأطول بين إشارات المُدخلات والاستجابات. وبعد فترة كافية من التدريب، تستطيع الحلقات الطويلة للأدمغة الأكبر الاستغناء عن الاعتماد على منبّهات خارجية، من خلال معالجة احتمالات الأحداث الخارجية ونتائجها الراجحة داخليًّا[40].

ثالثًا: الوعي في المقاربة الفيزيائية

1.     الوعي ضمن المجال الموجيّ والرنين المشترك

يرى علماء فيزيولوجيا الأعصاب أنّ معالجة المعلومات التي تُجريها العصبونات (النيورونات Neurons) تبدأ بمجرد وصول الصوت والضوء إلى الآذان والعيون، بما يستحثّ العصبونات لبَثِّ إشاراتِ استجابةٍ لمختلف المناحي البيئية. وكلّ بثٍّ ينطوي على حركة ذرات مشحونة كهربائيًّا، هي الأيونات التي تدخل وتخرج من خلال أغشية الخلايا العصبية؛ إذ تُطلق هذه الحركة سلسلة تفاعلات تنتقل من خلية عصبية إلى أخرى، من خلال مبادئ منطقية تُشبه، إلى حدٍّ مّا، عمليات: [مع، أو، ليس] البوليانية[41] – التي تُعوّل عليها بوابات الحواسيب المنطقية في وقتنا الحالي – لإنتاج مُخرجات مثل الكلام. وبتلك الطريقة، وفي جزء من آلاف الأجزاء من الثانية، يرتبط معدّل البثّ الصادر من ملايين العصبونات داخل الدماغ بآلاف المعالم المرئية والمسموعة المحيطة بنا. وبذلك التفسير الارتباطيّ، تتعرّف عصبونات الدماغ على كلّ شيء وتستكشف ملامحه. ولكن على الرغم من ذلك، فلا تكفي معالجة المعلومات لتفسير المعرفة الواعية، لأنّ الحواسيب تعالج كمًّا هائلًا من المعلومات دون إظهار أدنى إشارة تدلّ على الوعي!

إنّ العصبون لا يعرف سوى أمر وحيد، هو معدّل بثّه؛ إذ يبثّ أو لا يبثّ استنادًا إلى مُدخلاته، وبالتالي فإنّ ما يحمله البثّ من معلومات يُكافئُ إلى حدٍّ كبير الصفر أو الواحد بلغة الحاسوب الثنائية (binary system). ومن ثَم، فهو يُشفّر جزءًا صغيرًا فحسب من المعلومات. لكنّ الجزء المُشفَّر يُمثّل نصيبًا من التجربة الواعية بالأشياء. ويظلّ السؤال المعرفيّ الكبير قائمًا: كيف يحدث الربط والوصل لتجميع ملايين المعلومات داخل ملايين التجمعات النيورونية المُوزَّعة على نطاق واسع في الشبكة العصبية لكي تؤلّف فهمًا واعيًا بالمكان، وبالأشياء، وبالزمان، وبكلّ ما نعرف؟ لا بد أنّ الأمر أكبر من اختزاله في نشاطٍ عصبونيّ، وهو ما دفع "ماكفادن" إلى افتراض أنه في كلّ مرة يَنشط فيها عصبون، إلى جانب الإشارة المادّية التي تنتقل خلال الألياف العصبية (Nerve Fibers) الشبيهة بالأسلاك، فإنه يُصدر نبضةً كهرومغناطيسيةً دقيقةً إلى الحيّز المحيط، تُشبه الإشارة التي يُصدرها هاتف محمول عند إرسال نصٍّ مّا[42]، لتتولّد ما يُمكننا تشبيهه ببِرْكَة من الطاقة الكهرومغناطيسية، التي تُشكّل المجال الكهرومغناطيسيّ للدّماغ، الذي ربما يفسّر جانبًا من ماهية الوعي والتفكير[43].

ولذلك جاء أحد الباحثين بنظرية عن (الرنين المشترك) الذي يربط بين الذبذبات المنتشرة بغزارة حولنا في المحيط الإدراكيّ والوعي. صاحب النظرية هو (Tam Hunt) المتخصص في فلسفة العقل، ومؤلّف الكتاب الشهير (Eco, Ego, Eros) (البيئة، والأنا، والغريزة "الشهوة")[44]، الذي قدّم له عالِم الأعصاب الألمانيّ الأمريكيّ الشهير "كريستوف كوخ"، صاحب كتاب (البحث عن الوعي، مقاربة بيولوجية عصبية). ففي الفيزياء المعاصرة – كما يقول "تام" – كلّ شيء له رنين خاص resonance، أي إنه يتذبذب vibrate؛ (حركة = رنين + ذبذبة). والغريب، والمُسجّل كذلك، أنه عندما تتقارب أشياء من بعضها فإنها تضبط نفسَها، بطريقة غير معلومة، على الرنين بالتردّد نفسه، ما يسمح لها بالاندماج والائتلاف (Combination) لتُشكّل عُنصرًا رنّانًا أكبرَ، وعندما ترنّ المكوّنات الصغيرة مع بعضها بتناغُم، فإنّ مقدار الوعي الضئيل بمادّتها يتّحد، ثم يبدأ في الارتقاء درجاتٍ لأعلى على سُلّم تراتبية التعقيد Hierarchical Scale of Complexity))، من أبسط الأشياء في حيّز الوجود، وصولًا إلى ما هو أكثر تعقيدًا، مثل الجنس البشريّ. وفي أثناء الكلام، فهناك مستويات كثيرة من الذبذبات التي تصدر، وتنتقل في الهواء، من دماغي، ثم خلال الأحبال الصوتية، إلى دماغك، عبر الوسائل التقنية (السماعات والميكروفونات...إلخ)، وتلتقط الآذان الرنين، الذي يتحوّل إلى أنواع أخرى من الرنين داخل الخلايا العصبية (العصبونات)، وتحدث الترجمة والفَهم. فما تنصّ عليه (النظرية العامة لتفسير الوعي من خلال الرنين) General Resonance Theory of Consciousness)) هو أنّ كلّ شيء عبارة عن سلسلة من التراتيب الطبقية المتداخلة للرنين المشترك، وعندما تقوم أجزاء من الدّماغ بالرنين المشترك "سويًّا"، وهو ما يُعرف في العلوم العصبية بالترابطية (Coherence)، تلك الحالة التي تُمثّل الوعي؛ أي عندما يكون المرءُ واعيًا، تكون أجزاء مختلفة من الدماغ في تلك اللحظة متصلة عبر ترابطات متّسقة، أو رنين مشترك واسع النطاق (large-scale share coherences and share resonance). وفي أثناء النوم، يتشكّل نمطٌ موجيٌّ لمستوًى عالٍ جدًّا من موجات (دلتا) الدّماغية، وفي هذه الحالة تعمل أجزاء الدماغ بصورة منفصلة، ليس بمعنى الفوضى، ولكنها تكون بدرجة ترابُط أقلّ مما تكون عليه في حالة الوعي أو اليقظة. وعلى هذا، يُفسِّر "تام" (Tam) الوعي بواسطة الرنين، ويقول كذلك إنّ كلّ ما يُنتجه الدماغ: الأحاسيس والمشاعر والأفكار...إلخ، هو نوع من الذبذبات أو الرنين المشترك، وربما استطعنا يومًا مّا أنْ نُشكّل مكتبةً لمختلف الصور الموجية المُمكنة، التي تُمثّل هذه الأنماط المختلفة من المشاعر والأفكار والنيات...إلخ، بحيث تكون هذه الموجات هي التمثيل الخارجيّ الماديّ (الفيزيائيّ) لهذه الأحداث غير المادّية.

إننا نتواصل من خلال الرنين المشترك، وفقًا لهذه الرؤية، فبطريقة مّا، هناك تردّد مشترك يسمح لنا بفَهم بعضنا، ولذلك لا نتفاهم، مثلًا، مع النمل أو النحل...إلخ، لاختلاف هذا الرنين من نوعنا إلى نوعهم، فكلّ جماعة من الكائنات والموجودات وصلت بطريقة ما، ومن خلال التعقيد، إلى هذا النمط من الرنين المشترك[45].

يُشير الفيزيائيّ "أحمد فراج"[46]، وزملاؤه، إلى مقاربة غريبة جدًّا بخصوص ظاهرة الكواليا (الكيفيات المحسوسة) (qualia)، التي ذكرناها فيما مضى، وهي أنّ كلّ أعيان الوجود تتفاعل مع الوجود وتقيسُه وَفقًا لنظامها الخاص بها فقط؛ فرؤية كلّ فردٍ منّا للّون الأحمر، مثلًا، تختلف بيننا تمامًا؛ لأنّ الإدراك الحسيّ الخاص بكلّ إنسان (الناشئ عن تفاعلات فيزيائية) متفرّد بصورة كلّية. كذلك سماع كلّ إنسان للأصوات واستجابته معها، فكلّ شيءٍ متفاعل مع الأعيان وَفق جهاز إدراكيّ عرفانيّ خاص، خاضع للتجربة الذاتية عند كلّ إنسان، لكنه محكومٌ بالإطار الجَمعيّ العام المُسيطِر على كلّ نوع من الكائنات (حالة المخّ في غير الإنسان) [يُمكننا استعمال فرضية الرنين المشترك لـ "تام" هنا]. وقد حاولوا تفسير ذلك فيزيائيًّا من خلال ما أطلقوا عليه تغيّر (ثابت بلانك h)؛ ثابت فيزياء الكمّ الأشهر، الذي يقوم بدورٍ أساسيّ في ملاحظتنا للوجود. فكلّ عنصر في الطبيعة يُشكِّل، كما يقولون، دِرعًا خاصًّا به، فإذا تفاعلت الطبيعة معه اقتربت منه إلى حدٍّ مُعيّن لا يُمكن تجاوزه. ينطبق ذلك على البروتون، والهيدروجين، والنيتروجين، والأكسجين، والحديد...والجُسيمات الذّرية الأوّلية؛ فكلّ جُسيم له الحدّ الأدنى للاقتراب منه في أثناء التفاعل (درع طبيعيّ يمتلكه كلّ عُنصر للحفاظ على كينونته)، تمامًا مثل الشفرة الخاصة بكلّ جين Gene؛ فكلّ كيان مادّيّ لديه درعُه الخاصّ للاقتراب منه في أثناء التفاعل. هذا الدّرع أطلقوا عليه مصطلح (الطول الأصغر) minimal length))، ويقولون إنّ اختلاف طول هذا الدّرع من عنصرٍ إلى آخرَ، أو من جُسيمٍ إلى آخرَ، يُحدّد قيمة تغيّر (ثابت طول بلانك) الخاصة بهذا العنصر، أو ذاك الجُسيم[47].

h = 6.626070 x 10-34 J.S

2.      مقاربات علاقة الوعي بفيزياء الكمّ

في ثمانينيات القرن العشرين، اقترح الفيزيائيّ الرياضياتيّ السير "روجر بنروز" ((Sir Roger Penrose وعالِم التخدير الأمريكيّ "هاميروف" (Hameroff)، أنّ الارتباط قد ينشط بالاتجاه الآخر؛ فسواء أكان الوعيُ يؤثّر بميكانيكا الكمّ أم لا، فإنّ الكمومية قد تسهم في عمل الذّهن.

 تساءل "بنروز": ماذا إنْ كان ثمةَ تراكيب جزيئية في أدمغتنا تُغيّر من حالتها استجابة لحدث كمّي واحد؟ ألا تتبنّى هذه التراكيب حالةَ التراكُب تمامًا، مثل الجُسيمات في تجربة الشّقّ المزدوج الشهيرة؟ هل يُمكن للتراكُب الكمّيّ أنْ يَظهر على صُورٍ تتواصل فيها الخلايا العصبية النشطة (النيورونات) بالإشارات الكهربائية؟ يرى "بنروز" أنّ تعزيز حالة التناقض الذّهنيّ الواضح ليس سلوكًا شاذًّا للإدراك، بل قد يكون تأثيرًا كميًّا حقيقيًّا؛ فذهن الإنسان قادرٌ على تفعيل العمليات العرفانية بصورة تفوق كثيرًا قدرة الحواسيب الرقمي[48].

اقترح "روجر بنروز" ابتداءً في كتابه (العقل الجديد للإمبراطور) عام 1989م (The Emperor's New Mind: Concerning Computers, Minds and The Laws of Physics)، أنّ تأثيرات الكمّ موجودة في حيّز الإدراك البشريّ. وسُميت فكرته بفرضية الانخفاض الماديّ المُنسّق (Orchestrated Objective Reduction= ORch-OR)[49]. وتعني عبارة "الانخفاض الماديّ" أنّ انقلاب التداخُل الكمّي والتراكُب (عملية فيزيائية حقيقية)، لا تختلف عن ظاهرة فرقعة البالون. كما اقترح "بنروز" في نظريته أنّ الجاذبية هي التي تمنع حدوث التأثيرات الكمّية على الأشياء الموجودة حولنا، مثل الكواكب والكراسيّ...إلخ. ويعتقد "بنروز" أنه يستحيل على الأشياء التي تكبر الذرات حجمًا أنْ تقبل حالة التراكُب، لأنّ تأثير الجاذبية سيُجبر نسختين متناقضتين على الظهور في الزمان والمكان.

واقترح "بنروز" في كتابه المُهمّ (ظِلالُ العقل) (Shadows of the Mind) عام 1994م، أنّ التراكيب المساهمة في الإدراك الكمّي قد تكون عبارة عن جدائل بروتين تُسمّى بـ(الأنيبيبات الدقيقة) Micro tubules))، وهي موجودة في معظم خلايانا، بما في ذلك خلايا الدّماغ العصبية. وقد جادل "بنروز" و"هاميروف" بأنّ لاهتزازات الأنيبيبات الدقيقة أنْ تتبنّى حالة التراكُب الكمّي (مسألة التذبذبات والرنين، مرة أخرى). لكن لا يوجد دليل يدحض مثل الادّعاء. وفكرة التراكُب الكمّي في الأنيبيبات الدقيقة أيدتها التجارب الخاصة عام 2013م. لكنّ الفيزيائيّ السويديّ الأمريكيّ "ماكس تكمارك" (Tegmark) أكّد أنّ التراكُب الكمّي للجزيئات المشاركة في الإشارة العصبية لا يبقى حتى لجزء من الزمن الضروريّ لحركة الإشارة؛ فالإشارات العصبية هي ومضات كهربية يُسبّبها مرور الذرّات المشحونة عبْر جدران النيورونات (Neurons). فإذا كان واحد من الذرّات في حالة تراكُب كموميّ ثم اصطدم بخلية عصبية، فالتراكُب يختفي بأقلّ من بليون جزء من الثانية، كما يُوضّح "تكمارك"[50]. وعلى ذلك، فإنّ الأفكار التي تخصّ تأثير الكمّ على الذّهن لا تزال محلّ بحث وشكّ.

لكن تبقى مقاربة (بنروز-هاميروف) فارقةً في علاقة الوعي بفيزياء الكمّ، فقد أوضحَا أنّ هذه الأنابيب الدقيقة مُصمّمَة في نمط كسوريّ (fractals)، من شأنه أنْ يُمكِّنَ من إجراء سيرورات الكمّ بالدماغ. وهذه الكسور هي هياكل ليست ثنائية الأبعاد ولا ثلاثية الأبعاد، لكنها عبارة عن بعض القيمة الكسرية فيما بينهما[51]. وهذا النمط من الهياكل الكسورية تَعِجّ به الطبيعة من حولنا. وقد مكّنت التكنولوجيا المتقدّمة من قياس كسور الكمّ في المختبر؛ من خلال تقنية مجهر نفق المسح الضوئيّ (Scanning Tunneling Microscope (STM)، إذ يُمكِن رؤية الذرات المنفردة. وقد قام كلٌّ من "كريستيان سميث" (Christian Smith)، و"شيان مين جين" (Chien-Jen)، بترتيب الإليكترونات بعناية في نمطٍ كسريّ، ما أدّى إلى تكوين كسور كمّيّة. كما قاما مع فريق بحثيّ بحقن الفوتونات (جسيمات الضوء) في رقاقة اصطناعية هُندِسَت بصعوبة كبيرة في مثلّث (سيربينسكي)[52] (Sierpiński triangle) صغير الحجم؛ إذ حُقنت الفوتونات في طرف المثلث، وشوهدت كيفية انتشارها من خلال تركيبها الكسريّ، في عملية عُرفت بالنقل الكميّ. وكُرّرت مئات التجارب على كسور مربّعة، أطلقوا عليها (سجادة سيربينسكي). ووصلوا إلى أنّ انتشار الضوء عبر الكسوريات (fractals) محكوم بقوانين مختلفة في حالة الكمّ، مقارنة بالحالة الفيزيائية الكلاسيكية[53]. المعرفة الجديدة بهذه الأنماط الكسورية الكمية يُمكِنها أنْ توفّر الأسس الداعمة لاختبار نظرية الوعي الكمّيّ تجريبيًّا؛ فكما يقول الباحثان، فمن خلال فحص النقل الكميّ في التركيبات الكسورية المُصمّمَة اصطناعيًّا، فربما تكون تلك هي الخطوات الأولى نحو توحيد الفيزياء والرياضيات والبيولوجيا[54]، بما يُمكن أنْ يُثريَ بصورة كبيرة فَهم العالَم الكبير (الأعيان) والعالَم الأصغر داخل أدمغتنا (الأذهان).

وفي عام 2016م، خمّن "آرديان كانْت" (Ardian Kant)، وهو واحدٌ من أكثر فلاسفة الكمّ إجلالًا في جامعة "كامبريدج"، أنّ الوعي قد يُغيّر سلوك أنظمة الكمّ بطرق دقيقة، لكنها قابلة للكَشف. ويرى "كانْت" أنه من المتعذّر تصديق أنّ وَصف الوعي، الذي أُجري قبل حقبة فيزياء الكمّ، قادرٌ على تفسير كلّ سمات نظرية الوعي. إنّ السؤال المُربك يكمُن في الطريقة التي يختبر بها الوعي محسوسات فريدة، مثل مشاهدة اللون الأحمر، أو شم رائحة لحم مقليّ. فباستثناء من يُعانون العمَى، فكلّنا نعرف شكل اللون الأحمر، لكننا لا نعرف كيف نُعبّر عن هذا المحسوس، وليس ثمةَ شيء في الفيزياء يُخبرنا عنه[55].

إنّ عالَمَنا بكلّ ما فيه، من إنسان وحيوان ونبات، ليس فيزيائيًّا خالصًا محضًا، فالأعيان جميعها تحوي الجسيمات الدقيقة (عالَم الذرّة)؛ وهذه الذرّات تُمثّل جوهر الحركة في الكون، فهي تتحرّك بجنون بسرعات تقترب من 10 مليون متر في الثانية! بينما يبدو كلّ شيءٍ أمامنا ساكنًا جامدًا.

تُخبرُنا ميكانيكا الكمّ أنّ الطبيعة الوجودية لهذه الجُسيمات توصف من خلال الدالة الموجية (Wave Function)[56]، التي تُسمّى Psi، ورمزها Ψ. فتَحَرُّك هذه الجُسيمات عبارة عن موجة (فكرة المجال)، وهذه الموجة تنقسم إلى جزأين: جزء حقيقيّ، وجزء تخيّليّ imaginary part (i)؛ فالجزء التخيليّ يعنِي كمية غير فيزيائية (أي: غير قابلة للقياس)، وهو ما يُمثّله الفيزيائيون بالكمية الناتجة عن الجذر التربيعيّ لعددٍ سالبٍ:

√ (−x) = i √x

X2 = −1

وكلّ ذرات جسم الإنسان تشملُ الكمية التخيلية. والأكثر عجبًا أنّ أعصاب الدّماغ تشتغل، كذلك، من خلال هذه الكمية غير الفيزيائية؛ فهي موجودة على مستوى الحساب الرياضياتيّ. وانتشار الموجات الكهرومغناطيسية، التي ذكرناها سابقًا، لا يحدث أبدًا دون وجود هذه الكمية التخيلية؛ لأنّ الحركة الكهرومغناطيسية الترادفية الذاتية (spinning) لا تتمّ دون وجود هذا الجزء التخيليّ من الموجة. وإذا كانت دالة الموجة عبارة عن جزءٍ حقيقيّ فقط، فسيستحيل، مثلًا، مرور الضوء عبْرَ الزجاج، وسيستحيل أنْ نتراءى (تراني وأراك)، وسينطمس وجود هذا القلم الذي نكتب به هذه السطور، ويتلاشى الحاسوب، وتختفي كلّ أعيان العالَم من حيّز وجودها، كما نعرفه ونفهمه[57].

إنّ هذا الجزء غير الفيزيائيّ، إذن، على الرغم من ضآلته في وجوده داخلنا، وداخل الأعيان، هو جزءٌ لا غِنًى عنه لأجل تحقيق هذا الوجود كلّه وفهمه، وهو مركزيٌّ في تشكيل وعيِنا (المستوى الأرقى من التفكير العرفانيّ).

موجز القول: عالَم الذّهن هو الصلة الوحيدة المُمكنة بين الفيزيائيّ (المادّيّ) واللافيزيائيّ (الذّهن والوعي). والعالَم بكلّ أعيانه، بمن فيها الإنسان، لديه درجة من التواصل مع كلّ ما حولَه، من خلال أربعة مستويات أساسية[58]:

-      مستوى التواصل الأول (الحسّ المباشر): وهذا موجودٌ حتى على مستوى الجماد؛ فالجماد يتفاعل مع العالَم ويتأثّر ويستجيب؛ فاقتراب النار من الشّمع يدفعه – بالقوة – إلى الذوبان، والتنافر بين الشحنات المتماثلة، والتجاذب بين الشحنات المتغايرة (في الكهرومغناطيسية) ...إلخ، هو أمرٌ حادثٌ بالضرورة...إلخ.

-      مستوى التواصل الثاني (الإدراك المحض): ونجده في مملكتَي الحيوان والنبات (fauna & flora)؛ فاقتراب النار من الحيوان يدفعه للهروب منها، فهو، إذن، لديه نمطٌ غريزيّ من الإدراك، لكنه لا يصل إلى حدّ المعرفة الكلّية مثل الإنسان.

-      مستوى التواصل الثالث (العقل العرفانيّ): وهذا لا يَملكه سوى الإنسان فقط، في تفاعله مع الكون والطبيعة، في حدود عِلمنا، الذي يُشكّل من خلاله المفاهيم، ويُطوّر به القدرات التركيبية التفكيكية؛ فيعرف أنّ النارَ مُضِرّة، لكنه يستطيع تطويع استخدامات النار، ويتحكّم بها للفائدة...إلخ.

-      مستوى التواصل الرابع (الوعي العرفانيّ): وهذا أرقى المستويات، وأبدعها؛ لأنّ الإنسان يعرف أنّ لديه وعيًا، ويحاول فَهم الفَهم، ومعرفة المعرفة...إلخ.

خاتمة

من خلال ما سبق تفصيله ومناقشته يمكننا تقرير أنّ المعرفة هي أساس الإدراك، ولذلك نستخدم الكثير من المعارف لتصحيح ما يرِدُ إلينا من المجال الحسيّ المحيط بنا. كما أنّ النّسق البصريّ يولّد تمثيلاتٍ ذهنيةً تَخلق تجربةَ رؤيتنا للعالَم، فنحن نعي العالَم من خلال ما نراه، ولكن حقيقة الأشياء لا نعرفها. وعندما نتحدث عمّا نراه، فلا بد من وجود نوع من التحويل من التمثيلات الذهنية الناتجة عن النّسق البصريّ إلى صورة التمثيل الذهنيّ الذي يستعمله النّسق اللغويّ لدينا.

ولا شكّ، إذًا، في أنّ الحرمان الحسيّ له تأثيرات ضارّة على جودة الوعي وتماسُكه، وَفقًا لمعظم الاختبارات التجريبية في السيكولوجيا العامة. ولذلك ناقشت الدراسة مسألة مرتبطة بذلك بقوة، هي (الكواليا).

ناقش البحث فرضية "ديكارت" حول (مسرح الوعي)، وطرحنا بعض آراء العلماء بهذا الخصوص. وعرضنا بالتفصيل قضية (معضلة الوعي الصعبة). وأوضحنا في نظرية العقل التنبّؤيّ عمل كلٍّ من التعلّم والخبرة والوعي، بشكل مستمرّ، على تحسين توقّعاتنا الضمنية أو غير الواعية، ولا نلاحظ الأحداث إلا عندما تفشل هذه التوقّعات. وتلك نتيجة مهمة جدا في دراستنا هذه.

ناقش البحث تفصيلًا بعض النماذج العلمية عند كلٍّ من: "وارين ماكولوتش"، و"والتر بيتس"، و"جون إكليس"، وغيرهم، واتضح من خلالها قصور النموذج الصوريّ الذي حاولوا من خلاله البحث عن مادّية محضة للوعي.

اتضح أنه ما زال لدينا لغزٌ يَكمن في أنّ بعض التمثيلات الداخلية للمخ ولعقل الإنسان، مثل الإحساس بالحرارة، أو الشعور باللون الأحمر، لا تشبه الوقائع الخارجيّة التي يزعم المرءُ أنّ هذه التمثيلات تمثّلها.

طرحنا بالتفصيل المقاربات الفيزيائية للوعي، وأهمها فرضية (الرنين المشترك)، التي ترتبط مع أطروحة المجال الكهرومغناطيسيّ للدّماغ. ومن خلال مناقشة تلك المسألة الدقيقة، استنبطنا أنه يُمكن أنْ يكون للوعي ارتباطٌ بفكرة المجال في الفيزياء، وذلك في أحد جوانبه، وليس كلها. ودفعنا ذلك إلى مناقشة فرضية "بنروز-هاميروف" حول الأنيبيبات العصبية الدقيقة (micro tubules).

وهو ما انتهى بنا، بالضرورة، إلى مناقشة مسألة (الكمية التخيلية) في الرياضيات، ودورها الفيزيائيّ في بلورة وعينا وصِلتِنا بالأعيان من حولنا. وأوضحنا بواسطتها المستويات الأربعة الأساسية، التي تُشكّل درجات تواصُلنا الذاتيّ على مستوى التفكير المحض، وتواصلنا مع الكون المحيط بنا.


 

المراجع

أولًا: العربية

أندريو، برنار. الفلسفة العصبية، ترجمة عبد المجيد جحفة. بيروت: دار الكتاب الجديد المتحدة، ط1، 2023.

بلاكمور، سوزان. حوارات حول الوعي، ترجمة عمرو شريف. القاهرة: نيو بوك للنشر والتوزيع، والمركز القومي للترجمة، ط1، 2019.

تشوكروف، كيتي. "عجز العقل من منظور فلسفي"، ترجمة محمد السيد، الثقافة العالمية، الكويت، ع212 (2022).

تونوني، جوليو. فاي، رحلة من الدماغ إلى الروح، نظرية عصبية في تفسير الوعي، تر. أحمد عمرو شريف. القاهرة: نيو بوك للنشر والتوزيع، ط1، 2021.

درويش، بهاء. التفسير الطبيعيّ المعاصر للوعي، بحثٌ في فلسفة العقل. الإسكندرية: منشأة المعارف، ط1، 2009.

سميث، كريستيان دي موريس. "هل يمكن تفسير الوعي بفيزياء الكم؟ أحدث الأبحاث يقترب بنا خطوة نحو المعرفة"، ترجمة أحمد إسماعيل عبد الكريم، الثقافة العالمية، الكويت، ع212 (2022): 10-15.

شتيرينبيرج، كارين.، وشتيرينبيرج، روبرت. علم النفس المعرفي، تر. هشام حنفي العسلي، ج 1. السعودية: دار نشر جامعة الملك سعود، ط1، 2017.

شرودنجر، إرفين. ما الحياة؟ الجانب الفيزيائي للخلية الحية، ترز أحمد سمير سعد. المملكة المتحدة: مؤسسة هنداوي، ط1، 2018.

شيا، نيكولاس. التمثيل الذهني في العلوم العرفانية، ترجمة عبد الرحمن طعمه. السعودية: دار نشر منصة معنى، ط1، 2023.

طعمه، عبد الرحمن. أنطولوجيا العرفان واللسان، من المنظومية إلى النسقية. الأردن: دار كنوز المعرفة، ط1، 2021.

–––. البناء العصبي للغة، دراسة بيولوجية تطوّرية في إطار اللسانيات العصبية العرفانية. الأردن: دار كنوز المعرفة، ط1، 2017.

–––. فهم الإنسان بين العرفان واللسان والأعيان، مدخل نيوروفيزيولوجي إلى أنظمة الذهن والطبيعة. الرياض: دار رقيم للنشر والتوزيع، ط1، 2023.

عوض، عادل. حقيقة الوعي بين الوحدة والتعدّد أو الاتصال والانفصال. الإسكندرية: دار الوفاء، ط1، 2003.

غاليم، محمد. الأنموذج المعرفي إطارا لاتصال العلوم، بحث في وحدة المنهج وترابط الموضوعات. تونس: الدار التونسية للكتاب، ط1، 2021.

الغزالي، أبو حامد. مشكاة الأنوار ومصفاة الأسرار، تحقيق أبو العلا عفيفي. القاهرة: الدار القومية للطباعة والنشر، ط1، 1964.

"لغز الخبرة الواعية لديفيد تشالمرز"، موقع مجلة العلوم Oloom، 1/2/1999، تاريخ الزيارة: 18/3/2023، على الرابط: https://oloom.aspdkw.com/1999/02/%d9%84%d8%ba%d8%b2-%d8%a7%d9%84%d8%ae%d8%a8%d8%b1%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%a7%d8%b9%d9%8a%d8%a9 /

ماكفادن، جونجو. "شبكة الدماغ اللاسلكية، هل يمكن للوعي أن يحل في مجال الدماغ الكهرومغناطيسي، لا أن يكون مجرد رمز مشفر داخل شبكة عصبوناتنا؟"، ترجمة مجدي خاطر، الثقافة العالمية، الكويت، ع212 (2022): 44-53.

مصطفى، عادل. مائة عام من التنوير. القاهرة: مؤسسة هنداوي للطباعة والنشر، ط1، 2018.

ثانيًا: الأجنبية

References:

al-Ghazālī, Abū Ḥāmid. Mishkāt al-anwār wmṣfāh al-asrār (in Arabic). edit: Abū al-ʻUlā ʻAfīfī. al-Qāhirah: al-Dār al-Qawmīyah lil-Ṭibāʻah wa-al-Nashr, 1st ed., 1964.

Andryw, Brnār. al-falsafah al-ʻaṣabīyah (in Arabic). trans ʻAbd al-Majīd Jaḥfah. Bayrūt: Dār al-Kitāb al-jadīd al-Muttaḥidah,1st ed., 2023.

ʻAwaḍ, ʻĀdil. Ḥaqīqat al-Waʻy bayna al-Waḥdah wāltʻddd aw al-ittiṣāl wa-al-infiṣāl (in Arabic). al-Iskandarīyah : Dār al-Wafāʼ, 1st ed., 2003.

Baars, Bernard J.The Theatre of Consciousness: The Workplace of the Mind. New York: Oxford University Press, 1997.

Bjorn, Merker. “Consciousness without a Cerebral Cortex: A Challenge for Neuroscience and Medicine”. Behavioral and Brain Sciences, Vol. 30, No.1 (2007).

Blākmwr, Sūzān. ḥiwārāt ḥawla al-Waʻy (in Arabic). trans ʻAmr Sharīf. Al-Qāhirah : Niyū Būk lil-Nashr wa-al-Tawzīʻ, wa-al-Markaz al-Qawmī lil-Tarjamah, 1st ed., 2019.

Buzsáki, G. Rhythms of the Brain. U.K: Oxford Univ. Press,2006.

Chalmers, David J. "Explaining Consciousness: The “Hard Problem.” Special issue of Journal of Consciousness Studies, Vol. 2, No. 3 (1995).

–––. The Character of Consciousness. Cary: Oxford University Press, 2014.

–––. "The Puzzle of Conscious Experience", Scientific American, Vol. 273, No. 6 (1995).

Churchland, Paul M. The Engine of Reason, the Seat of the Soul: A Philosophical Journey into the Brain. U.S.A: The MIT Press, 1996.

Churchland, Paul M., & Churchland, Patricia S. "Neural Worlds and Real Worlds". Nat Rev Neurosci, Vol. 3 (2002).

Darwīsh, Bahāʼ. Al-tafsīr alṭbyʻī al-muʻāṣir llwʻy, bḥthun fī Falsafat al-ʻaql (in Arabic). al-Iskandarīyah : Munshaʼat al-Maʻārif, 1st ed., 2009.

Dennett, Daniel. Allen Lane (ed.), Consciousness Explained. USA: The Penguin Press, 1991.

Farag, Ahmed, Elmashad, Ibrahim, & Mureika, Jonas. “Universality of Minimal Length”, Physics Letters B, Vol. 831 (2022).

Gerovech, Salva. From Newspeak to Cyberspeak: A History of Soviet Cybernetics. Cambridge, M A: MIT Press, 2004.

Ghālīm, Muḥammad. Al-Unmūdhaj al-maʻrifī iṭārā lātṣāl al-ʻUlūm, baḥth fī Waḥdat al-manhaj wtrābṭ al-mawḍūʻāt (in Arabic). Tūnis : al-Dār al-Tūnisīyah lil-Kitāb, 1st ed., 2021.

Gray, J A, et al, "Implications of synesthesia for functionalism: Theory and experiments". Journal of Consciousness. Vol, 9, No, 12 (2002): 5-31.

Hameroff, Stuart R. & Watt, Richard C, "Information processing in microtubules". Journal of Theoretical Biology. Vol. 98, No. 4 (1982): 549-561.

Hameroff, Stuart & Penrose, Roger. "Reply to criticism of the 'Orch OR qubit'. Physics of Life Reviews. Vol. 11, No. 1 (2014): 104-112.

Hunt, Tam. Eco, Ego, Eros: Essays in Philosophy, Science and Spirituality. New-York: Aramis Publications, 2014.

Khovanova, Tanya., Nie, Eric. & Puranik, Alok. "The Sierpiński Triangle and the Ulam-Warburton Automaton", Math Horizons, Vol. 23, No. 1 (2014): 5-9.

Lamb, Sydney. Language and Reality. London and New York: Bloomsbury Publishing ,2004.

"Lughz al-Khibrah alwāʻyh ldyfyd tshālmrz" (in Arabic). Majallat al-ʻUlūm, 1/2/1999, accessed on : 18/3/2023, ʻat : https://oloom.aspdkw.com/1999/02/%d9%84%d8%ba%d8%b2-%d8%a7%d9%84%d8%ae%d8%a8%d8%b1%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%a7%d8%b9%d9%8a%d8%a9

Mākfādn, Jwnjw. "Shabakah al-dimāgh al-lāsilkīyah, Hal yumkinu llwʻy an yaḥullu fī majāl al-dimāgh alkhrwmghnāṭysy, lā an yakūn Mujarrad ramz mshfr dākhil Shabakah ʻṣbwnātnā?" (in Arabic). trans Majdī Khāṭir, al-Thaqāfah al-ʻĀlamīyah, al-Kuwayt, No. 212 (2022): 44-53.

Milan, E. et al. "The Kiki-Bouba effect: A case of personification and ideaesthesia". Journal of Consciousness Studies. Vol. 20, No. 1–2 (2013): 84-102.

Muṣṭafá, ʻĀdil. miʼat ʻām min al-Tanwīr (in Arabic). al-Qāhirah : Muʼassasat Hindāwī lil-Ṭibāʻah wa-al-Nashr, 1 ed, 2018.

Polanyi, M. Personal Knowledge: Towards a Post-Critical Philosophy. London: Routledge & Kegan Paul Ltd, 1962.

Searle, John R. The Mystery of Consciousness. New York: The New York Review of Books, 1997.

Shayyā, nykwlās. al-tamthīl al-dhihnī fī al-ʻUlūm al-ʻirfānīyah (in Arabic). trans ʻAbd al-Raḥmān Ṭuʻmah. al-Saʻūdīyah : Dār Nashr minaṣṣat maʻná, 1st ed., 2023.

Shrwdnjr, irfyn. mā al-ḥayāh? al-jānib alfyzyāʼy llkhlyh al-ḥayyah (in Arabic). trans Aḥmad Samīr Saʻd. al-Mamlakah al-Muttaḥidah : Muʼassasat Hindāwī, 1st ed., 2018.

Shtyrynbyrj, Kārīn., shtyrynbyrj Robert. ʻilm al-nafs al-maʻrifī (in Arabic). trans Hishām Ḥanafī al-ʻAsalī, b 1. al-Saʻūdīyah : Dār Nashr Jāmiʻat al-Malik Saʻūd, 1st ed., 2017.

Smīth, Krīstīyān Dī Mūrīs. "Hal yumkinu tafsīr al-Waʻy bfyzyāʼ alkm? aḥdath al-Abḥāth yqtrb Bannā Khaṭwah Naḥwa al-Maʻrifah" (in Arabic). trans Aḥmad Ismāʻīl ʻAbd al-Karīm, al-Thaqāfah al-ʻĀlamīyah, al-Kuwayt, No. 212 (2022): 10-15.

Tegmark, Max. “Consciousness as a State of Matter.” Chaos, Solitons & Fractals, Vol. 76 (2015): 238–270.

Tshwkrwf, kyty. "ʻajz al-ʻaql min manẓūr falsafī" (in Arabic). trans Muḥammad al-Sayyid, al-Thaqāfah al-ʻĀlamīyah, al-Kuwayt, No. 212 (2022).

Ṭuʻmah, ʻAbd al-Raḥmān. Al-bināʼ alʻṣby lil-lughah, dirāsah bywlwjyh tṭwwryh fī iṭār al-lisānīyāt al-ʻaṣabīyah al-ʻirfānīyah (in Arabic). al-Urdun: Dār Kunūz al-Maʻrifah, 1st ed., 2017.

–––. Anṭūlūjiyā al-ʻIrfān wa-al-lisān, min almnẓwmyh ilá al-nasaqīyah (in Arabic). al-Urdun : Dār Kunūz al-Maʻrifah, 1st ed., 2021.

–––. Fahm al-insān bayna al-ʻIrfān wa-al-lisān wa-al-aʻyān, madkhal nywrwfyzywlwjy ilá anẓimat aldhhn wa-al-ṭabīʻah (in Arabic). al-Riyāḍ : Dār Raqīm lil-Nashr wa-al-Tawzīʻ, 1st ed., 2023.

Tawnuny, jwlyw. fāy, Riḥlat min al-dimāgh ilá al-rūḥ, Naẓarīyat ʻṣbyh fī tafsīr al-Waʻy (in Arabic). trans Aḥmad ʻAmr Sharīf. Al-Qāhirah, nywbwk lil-Nashr wa-al-Tawzīʻ, 1st ed., 2021.



* قُدم البحث في: مؤتمر مركز ابن خلدون السنوي للتجسير (30 سبتمبر - 1 أكتوبر 2023).

* Submitted for: The Annual Conference of Ibn Khaldon Center on Interdisciplinary Research (September 30th- October 1st, 2023).

[1]- كارين شتيرينبيرج، روبرت شتيرينبيرج، علم النفس المعرفي، تر هشام حنفي العسلي (السعودية: دار نشر جامعة الملك سعود، ط1، 2017)، ج1 ص122.

[2]- انظر: مخطط الإدراك – العرفان، في عبد الرحمن طعمه، أنطولوجيا العرفان واللسان، من المنظومية إلى النسقية (الأردن: دار كنوز المعرفة، ط1، 2021).

[3]- نمط الإدراك هو النّسق الحسيّ المختص بحاسة مُعيّنة، مثل اللمس والشم والسمع...إلخ. شتيرينبيرج، ج1، ص122.

[4]- للتفاصيل، انظر: محمد غاليم، الأنموذج المعرفي إطارا لاتصال العلوم، بحث في وحدة المنهج وترابط الموضوعات (تونس: الدار التونسية للكتاب، ط1، 2021)، ص96 وما بعدها.

[5]- شتيرينبيرج، ج1، ص123.

[6]- يقول الإمام "أبو حامد الغزالي": "العين تدرك من الأشياء ظاهرها وسطحها الأعلى دون باطنها؛ بل قوالبها وصورها دون حقائقها. والعقل يتغلغل إلى بواطن الأشياء وأسرارها، ويدرك حقائقها وأرواحها، ويستنبط سببها وعلتها وغايتها وحِكمتها، وأنها مِمّ خُلق، وكيف خُلق، ولِمَ خُلق، ومِن كَم معنًى جُمع ورُكّب، وعلى أية مرتبة في الوجود نزل." أبو حامد الغزالي. مشكاة الأنوار ومصفاة الأسرار، تحقيق أبو العلا عفيفي (القاهرة: الدار القومية للطباعة والنشر، ط1، 1964)، ص45.

[7]- عبد الرحمن طعمه، البناء العصبي للغة، دراسة بيولوجية تطوّرية في إطار اللسانيات العصبية العرفانية (الأردن: دار كنوز المعرفة، ط1، 2017)، ص61 وما بعدها.

[8]- غاليم، ص156. وانظر تفاصيل حول آلية الانتباه المشترك Shared Attention Mechanism، وتحليلات للقدرات الذهنية، ص157 وما بعدها.

[9]- شتيرينبيرج، ص126.

[10]- المرجع نفسه، ص127.

[11]- من باب إعطاء الصورة الكاملة للحقائق، يُنظر للمزيد من التفاصيل، جوليو تونوني، فاي، رحلة من الدماغ إلى الروح، نظرية عصبية في تفسير الوعي، تر أحمد عمرو شريف (القاهرة: نيو بوك للنشر والتوزيع، ط1، 2021)، ص101-112. وانظر أيضا:

Paul M. Churchland, The Engine of Reason, the Seat of the Soul: A Philosophical Journey into the Brain (USA: The MIT Press, 1996): 213-216.

[12]- تونوني، ص31-32. وقد أخطأ "ديكارت" بتحديد دور الغدة الصنوبرية Pineal Body بأنها مركز الوعي بالدّماغ. واقترح "دينيت" نموذج المُسوّدات المتنوّعة، عام 1991، (Multiple Drafts Model = MDM) بالفصل الخامس من كتابه Consciousness Explained، الذي ينص على أنّ "كلّ العمليات العرفانية، وكلّ عمليات التفكير، والحركة، تحدث بالدّماغ من خلال سيرورات متوازية، تُفسِّر وتَفهم التحكّم في المـُدخلات الحسّية، وتُطوّرها. كما أنّ المعلومات الواردة إلى الجهاز العصبيّ تخضع لسيرورات أخرى، مثل الإضافة والاندماج والمراجعة والتنقيح، في صورة أوامر مُنوّعة، ولهذه السيرروات ترتيب متنوّع بحسب نوع الإدراك نفسه." للمزيد من التفاصيل، انظر، عادل عوض، حقيقة الوعي بين الوحدة والتعدّد أو الاتصال والانفصال (الإسكندرية: دار الوفاء، ط1، 2003)، ص47-49. وانظر أيضًا:

Daniel Dennett, & Allen Lane (ed.), Consciousness Explained (USA: The Penguin Press, 1991), p. 111.

[13]- David J. Chalmers, The Character of Consciousness (Cary: Oxford University Press, 2014): 4-5.

[14]- لا أريد أنْ أدخل في التفاصيل السيكولوجية لنظريات ما يُعرف بـ(الحسّ المواكب) Synesthesia، المعروف أيضًا بالحس الموافِق (المتزامِن)، أو التصاحُب الحسّيّ؛ لأنهم يعدّونه في علم النفس متلازمة مرَضيّة، ناشئة عن التجنيب الدماغيّ lateralization، والتموضُع localization، وعدم التمايُز differentiation، في قشرة المخّ. والشائع في هذه الظاهرة أنْ تسمع الألوان، وأنْ ترى الأصوات، وأنْ تشمّ الذكريات البعيدة؛ فيستحضر الصوت، مثلا، بصورة لا إرادية، تجربة اللون والشّكل والحركة، فيما يُعرف بـ(Chromesthesia = color hearing). إنه تواكُبٌ ومزيجٌ فريدٌ تختصّ به أنت دون غيرك؛ فوعيُك يَخلق عالمـًا ذهنيًّا مائزًا يتفاعل به مع الوجود، بصورة لا تتكرّر. ورأيي أنّ المسألة ليست مرَضيّة بقدر ما هي إبداعيّة. فالتاريخ يُخبرنا عن عبقرياتٍ للرسّامين والموسيقيين وغيرهم، ممن ساعدهم هذا الحسّ المواكب على إخراج مكنونات عوالمهم الداخلية العجيبة في صور تعبيرية لا مثيل لها. للمزيد، انظر:

J A Gray, et al., "Implications of synesthesia for functionalism: Theory and experiments". Journal of Consciousness. Vol. 9, No. 12 (2002): 5–31; E Milan, et al., "The Kiki-Bouba effect: A case of personification and ideaesthesia". Journal of Consciousness Studies. Vol. 20, No1–2 (2013): 84–102.

علمًا بأنّ مصطلح Ideaesthesia يعني (التصاحب أو التداعِي الفكريّ، أو الحَثّ المفاهيميّ)؛ وتلك آلية ذهنية يعمل من خلالها الوعي بصورة قوية، ولا يُمكننا التفكير من دونها.

[15]- تونوني، ص17 وما بعدها. ولذلك فقد رأى أنّ الحركة السلوكية في علم النفس- التي سادت في بواكير هذا القرن- قد ركَّزت على السلوك الخارجيّ، ولم تسمح بأي حديث عن السيرورات العقلية الباطنة. وبعدها أدّى ظهور علم العرفان cognitive science إلى تركيز الانتباه على السيرورات التي تجري داخل الدماغ. أما الوعي فقد بقي وما زال خارج إطار التناول! للمزيد، انظر:

David Chalmers. Explaining Consciousness: The “HARD PROBLEM.” Special issue of Journal of Consciousness Studies, Vol. 2, No. 3 (1995), p. 4.

[16]- يمكن الاطلاع على مقال تفصيليّ: "لغز الخبرة الواعية لديفيد تشالمرز"، موقع مجلة العلوم، 1/2/1999، تاريخ الزيارة: 18/ 3/ 2023، على الرابط: https://oloom.aspdkw.com/1999/02/%d9%84%d8%ba%d8%b2-%d8%a7%d9%84%d8%ae%d8%a8%d8%b1%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%a7%d8%b9%d9%8a%d8%a9 /

 

[17]- Salva Gerovech. From Newspeak to Cyberspeak: A History of Soviet Cybernetics (Cambridge, M A: MIT Press, 2004), p. 76.

[18]- كيتي تشوكروف، "عجز العقل من منظور فلسفي"، ترجمة محمد السيد، الثقافة العالمية، الكويت، ع212 (2022)، ص161 وما بعدها.

[19]- برنار أندريو، الفلسفة العصبية، ترجمة عبد المجيد جحفة (بيروت: دار الكتاب الجديد المتحدة، ط1، 2023)، ص64-70.

[20]- عبد الرحمن طعمه، فهم الإنسان بين العرفان واللسان والأعيان، مدخل نيوروفيزيولوجي إلى أنظمة الذهن والطبيعة،) الرياض: دار رقيم للنشر والتوزيع، ط1، 2023(، ص79 وما بعدها.

[21]- أطروحة ترى أنّ الظواهر الذّهنية (المعتقدات، والرغبات، والعواطف، والمشاعر، والنيّات) ليست ذات سلطة أو قوة سببية، ولا تأثير لها في الجسد أو في الظواهر الذّهنية الأخرى. والأحداث الفيزيائية المادّية وحدها يُمكن أنْ تكون سببًا في أحداث أخرى، والأحداث الذّهنية ليست سوى آثار للأحداث الفيزيائية المادّية. أندريو، هامش ص66.

[22]- أندريو، ص66.

[23]- للتفاصيل، راجع: نيكولاس شيا، التمثيل الذهني في العلوم العرفانية، ترجمة عبد الرحمن طعمه (السعودية: دار نشر منصة معنى، ط1، 2023).

[24]- Churchland, p. 196.

[25]- David J Chalmers, “The Puzzle of Conscious Experience,” Scientific American, Vol. 273, No. 6 (1995), p. 10.

[26]- Bernard J. Baars, The Theatre of Consciousness: The Workplace of the Mind (New York: Oxford University Press, 1997), p. 164.

وراجع فيما سبق، مناقشة "دينيت" لفكرة المسرح الديكارتيّ.

[27]- M. Polanyi, Personal Knowledge: Towards a Post-Critical Philosophy (London: Routledge & Kegan Paul Ltd, 1962), p. 57.

[28]- Ibid, p. 59.

[29]- عادل مصطفى، مائة عام من التنوير (القاهرة: مؤسسة هنداوي للطباعة والنشر، ط1، 2018)، ص125 وما بعدها.

[30]- John R. Searle, The Mystery of Consciousness (New York: The New York Review of Books, 1997), p. 3.

[31]- Paul M. Churchland, and Patricia S. Churchland, "Neural Worlds and Real Worlds". Nat Rev Neurosci, Vol. 3 (2002), p. 3.

[32]- سوزان بلاكمور، حوارات حول الوعي، ترجمة عمرو شريف (القاهرة: نيو بوك للنشر والتوزيع، والمركز القومي للترجمة، ط1، 2019)، ص470.

[33]- بلاكمور، ص377.

[34]- بلاكمور، ص382. وانظر تحليل ظاهرة الطيف المقلوب inverted spectrum، بهاء درويش، التفسير الطبيعيّ المعاصر للوعي، بحثٌ في فلسفة العقل (الإسكندرية: منشأة المعارف، ط1، 2009)، ص38-39.

[35]- Merker Bjorn, “Consciousness without a Cerebral Cortex: A Challenge for Neuroscience and Medicine.” Behavioral and Brain Sciences, Vol. 30, No.1 (2007): 63-81.

[36]- Ibid, P 65.

[37]- Sydney Lamb, Language and Reality (London and New York: Bloomsbury Publishing, 2004), p. 227.

[38]- راجع: شيا، التمثيل الذهني في العلوم العرفانية.

[39]- طعمه، فهم الإنسان بين العرفان واللسان والأعيان، ص27. وانظر أيضا: ص 28- 30.

[40]- G. Buzsáki, Rhythms of the Brain (U.K: Oxford Univ Press, 2006): 111-136.

[41]- جونجو ما كفادن،"شبكة الدماغ اللاسلكية، هل يمكن للوعي أن يحل في مجال الدماغ الكهرومغناطيسي، لا أن يكون مجرد رمز مشفر داخل شبكة عصبوناتنا؟"، ترجمة مجدي خاطر، الثقافة العالمية، الكويت، ع212 (2022)، ص45. والبوليانية نسبة إلى عالِم الرياضيات البريطانيّ "جورج بول" Boole (1815-1864م)، الذي طوّر طريقة رياضياتية لتكوين عبارات منطقية باستخدام رموز تُستعمل في حلّ مسائل المنطق والاحتمالات الهندسية؛ إذ تتألّف العمليات الأساسية في الجبر البوليانيّ من علاقات: "النفي" Not، و"أو" Or، و"مع" And. وقد أسهم هذا النوع من الجبر بقوة في تشغيل الحواسيب، وبرمجيتها، وتطوير الإليكترونيات الرقمية. المرجع نفسه، هامش ص53.

[42]- ماكفادن، ص46.

[43]- يناقش "ماكفادن" الفرضية في بقية مقالته، بشرح الاختلاف بين المادة والطاقة، وليس بين المادة والروح...إلخ، بطرحه نظريته حول (مجال المعلومات الكهرومغناطيسيّ الواعي، عام 2000، وقام بتحديثها عام 2020). وأهم أطروحاته أنّ تفاعلات المجالات الكهرومغناطيسية داخل العقول الواعية، وهي الممثِّلة للأنشطة بطبيعة الحال، مثل: التخيّل، والتخطيط، وحلّ المشكلات، والعمليات الإبداعية، وكلّ مقوّمات التفكير المرتبطة بالوعي، هي سيرورات تُحوسَب من خلال أفكار كليّة معقّدة مُشفّرة بالمجال، وليس من خلال أرقام ثنائية، فالأفكار، وفقًا لرؤيته تلك، هي وحدات حوسبة الوعي، أو هي: البيتات الواعية Conscious Bits. ولذلك فلن تكتسب الحواسيب ذكاءً عامًّا مثل الإنسان أبدًا، لأنّ الذكاء العام هو مهارة تُخوّلها قدرة مجال المعلومات الكهرومغناطيسيّ الواعي للحوسبة، من خلال البيتات الواعية (الأفكار). المرجع نفسه، ص51، 52.

[44]- انظر للتفاصيل التي سنذكرها حول الفرضية:

Tam Hunt, Eco, Ego, Eros: Essays in Philosophy, Science and Spirituality, New York: Aramis Publications, 2014): 9-32.

[45]- طعمه، فهم الإنسان، ص127 وما بعدها.

[46]- Ahmed Farag, Ibrahim Elmashad, & Jonas Mureika, “Universality of Minimal Length,” Physics Letters B, Vol. 831 (2022).

[47]- طعمه، فهم الإنسان، ص97 وما بعدها.

[48]- Stuart R. Hameroff, & Richard C Watt, "Information processing in microtubules". Journal of Theoretical Biology. Vol. 98, No. 4 (1982): 549–561.

[49]- Stuart Hameroff, Stuart; Roger Penrose, "Reply to criticism of the 'Orch OR qubit'. Physics of Life Reviews. Vol. 11, No. 1 (2014): 104–112.

[50]- Max Tegmark, “Consciousness as a State of Matter.” Chaos, Solitons & Fractals, Vol. 76 (2015): 238–270.

وطعمه، فهم الإنسان، ص115- 119.

[51]- كريستيان دي موريس سميث، "هل يمكن تفسير الوعي بفيزياء الكم؟ أحدث الأبحاث يقترب بنا خطوة نحو المعرفة"، ترجمة أحمد إسماعيل عبد الكريم، الثقافة العالمية، الكويت، ع212 (2022)، ص11.

[52]- كُسيريّ سُمّي على اسم "واكلاو سيربينسكي" Waclaw Sierpiński، الذي وصفه عام 1915م. وهو من أبسط الأمثلة على الأشكال التي تشبه نفسها؛ إذ تكون مُنشأة رياضياتيًّا، ومن الممكن تشكيلها عند أيّ مقياس. راجع التفاصيل في:

Tanya Khovanova, Eric Nie, & Alok Puranik, "The Sierpiński Triangle and the Ulam-Warburton Automaton", Math Horizons, Vol. 23, No. 1 (2014): 5–9.

[53]- سميث، ص14.

[54]- المرجع نفسه، الصفحة نفسها.

[55]- طعمه، فهم الإنسان، ص118.

[56]- إرفين شرودنجر، ما الحياة؟ الجانب الفيزيائي للخلية الحية، ترجمة أحمد سمير سعد (المملكة المتحدة: مؤسسة هنداوي، ط1، 2018)، ص57 وما بعدها.

[57]- شرودنجر، ص87 وما بعدها.

[58]- هي المستويات التي أوضحها "باسل الطائي"، وقد قمتُ ببعض التعديلات عليها، للتفاصيل: طعمه، فهم الإنسان، ص180 وما بعدها.