تاريخ الاستلام: 22 مارس 2023

تاريخ القبول: 13 أغسطس 2023

مقالة بحثية

صعوبة تعلم القراءة من منظور علم الأعصاب المعرفي: من التوجه الاختزالي إلى التوجه التكاملي*

 إسماعيل العيس

أستاذ، علم النفس العصبي، كلية العلوم الاجتماعية، جامعة الوادي، الجزائر

smail.layes@gmail.com

 

ملخص

هدفت الدراسة إلى إبراز أهمية المنظور التكاملي في علم الأعصاب المعرفي في دراسة تعلم القراءة واعتلالها، من خلال عرض أهم مُخرجات البحوث العصبية المتوفرة، مع التركيز على أهمية السمات الرئيسة للآليات العصبية التي تتأسس عليها وظيفة القراءة. هذه السمات تتعلق أساسا بعمل الدماغ كشبكة عصبية متداخلة وأثر الاختلافات ما بين اللغات على عمل المناطق المخية المشاركة في القراءة، بالإضافة إلى دور الجوانب الوجدانية والنفسية الاجتماعية. لقد اعتمدت الدراسات العصبية الحديثة حول صعوبة تعلم القراءة طيلة السنوات الماضية بشكل أساسي على تحليل بيانات تخطيط المسارات العصبية النشطة في مناطق محددة من المخ أثناء أداء مهمات القراءة. ورغم توفر كم وافر من المعطيات حول المسارات العصبية للقراءة مناطق التنشيط فيها، إلا أنها ظلت غير قادرة على تقديم صورة متكاملة عن وظيفة الشبكات العصبية المتداخلة والعوامل الأخرى المشاركة في القراءة والمهارات اللغوية المرتبطة بها، وهو ما أُطلق عليه التوجه الاختزالي (reductionism) في علم الأعصاب. والسؤال المطروح: ما المقاربة البديلة لتجاوز هذا القصور في الدراسات العصبية حول صعوبة تعلم القراءة؟ من خلال استعراض وتحليل الدراسات والمعطيات المتوفرة، كان استخلاص أهم التحولات في علم الأعصاب المعرفي الذي أفضى إلى تبني توجه تكاملي، بدل الاختزالي، من خلال دمج منظورات جديدة شملت دراسة وتحليل الوظائف العصبية المعرفية بأبعادها المختلفة وتوظيفها في تفسير صعوبة تعلم القراءة، مما أضفى رؤية أكثر شمولية في إطار توجه نظري ناشئ يُعرف بعلم الأعصاب المعرفي التكاملي.

الكلمات المفتاحية: علم الأعصاب الاختزالي، علم الأعصاب المعرفي التكاملي، صعوبة تعلم القراءة، عسر القراءة

 

للاقتباس: العيس، إسماعيل. «صعوبة تعلم القراءة من منظور علم الأعصاب المعرفي: من التوجه الاختزالي إلى التوجه التكاملي»، مجلة تجسير، المجلد الخامس، العدد 2 (2023)

https://doi.org/10.29117/tis.2023.0138

© 2023، العيس، الجهة المرخص لها: دار نشر جامعة قطر. نُشرت هذه المقالة البحثية وفقًا لشروط Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0). تسمح هذه الرخصة بالاستخدام غير التجاري، وينبغي نسبة العمل إلى صاحبه، مع بيان أي تعديلات عليه. كما تتيح حرية نسخ، وتوزيع، ونقل العمل بأي شكل من الأشكال، أو بأية وسيلة، ومزجه وتحويله والبناء عليه، طالما يُنسب العمل الأصلي إلى المؤلف.


 

Submitted: 22 March 2023

Accepted: 15 August 2023

Research Article

Difficulties in Learning to Read from Cognitive Neuroscience Perspective: From Reductionist to an Integrative Approaches*

Smail Layes

Professor, Neuropsychology, College of Social Sciences,University of El Oued, Algeria

smail.layes@gmail.com

Abstract

This study aimed to highlight the importance of the integrative approach in the study of learning to read and its impairment, by presenting the key findings from the available neurological research, with a particular focus on the significance of the primary features of how brain regions operate from the perspective of integrative cognitive neuroscience. Over the past years, cognitive neuroscience has mainly relied on the analysis of data from the activation neural pathways in specific brain regions during reading tasks. Despite the large amount of data that emerged from such studies, it remains unable to provide an integrated picture of the neural networks underlying reading impairment, and the other factors involved in reading, which has been referred to reductionist approach in neuroscience. The remaining question is: what is the alternative approach to overcome this limitation in neurological studies on reading? Through reviewing and analysing the available literature, we highlighted the most significant shifts in cognitive neuroscience, leading to an integrative approach that incorporates new dimensions that primarily relate to the brain's functioning as an interconnected neural network, and the impact of cross-language differences on the cerebral mechanisms involved in reading, in addition to the role of the emotional and socio-psychological aspects. This approach has provided a more comprehensive view within the emerging theoretical approach known as integrative cognitive neuroscience.

Keywords: reductionist neuroscience; integrative cognitive neuroscience; reading impairment, dyslexia.

 

Cite this article as: Layes, Smail. "Difficulties in Learning to Read from Cognitive Neuroscience Perspective: From Reductionism to an Integrative Approach". Tajseer Journal, Vol. 5, Issue 2 (2023).

https://doi.org/10.29117/tis.2023.0138

© 2023, Layes, licensee QU Press. This article is published under the terms of the Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0), which permits non-commercial use of the material, appropriate credit, and indication if changes in the material were made. You can copy and redistribute the material in any medium or format as well as remix, transform, and build upon the material, provided the original work is properly cited.


 

مقدّمة                                                                                       

علم الأعصاب هو الدراسة العلمية للجهاز العصبي، بما في ذلك علم التشريح العصبي، وعلم الأعصاب البيولوجي، وعلم الأعصاب الفيسيولوجي، وعلم الأدوية العصبي، وتطبيقاته في علم النفس والطب النفسي. يشمل علم الأعصاب ثلاثة فروع رئيسة، وهي: علم الأعصاب السلوكي، وعلم الأعصاب السريري، وعلم الأعصاب المعرفي[1]. فإذا كان علم الأعصاب السلوكي يسعى إلى فهم وتوصيف الشبكات العصبية والآليات الكامنة وراء القدرات والمهارات السلوكية، فإن علم الأعصاب المعرفي يركز على الآليات العصبية للوظائف المعرفية (الذهنية). على الرغم من التداخل بينه وبين علم النفس المعرفي في موضوع الدراسة ودراسة الوظائف المعرفية، فإن علم الأعصاب المعرفي، وانطلاقًا من تأصله في علم النفس التجريبي، وعلم الأعصاب، وتقنيات تصوير الدماغ، فهو يهتم أكثر بالآليات العصبية المحددة التي تتأسس عليها العمليات المعرفية. أما علم الأعصاب السريري – ويسمّى كذلك العيادي - هو مجال ناشئ تقترن فيه بيانات علم الأعصاب الأساسية والطريقة العلمية بمجالات مثل: علم النفس الإكلينيكي والطب النفسي، وعلم الأعصاب، من أجل فهم أفضل الأسس العصبية لاضطرابات الجهاز العصبي العقلي، وتحسين إجراءات تشخيصها وعلاجها.يرى عدد من الباحثين أن الاستفادة من علم الأعصاب لأهداف تعليمية تتم بالضرورة من خلال علم الأعصاب المعرفي[2]، ذلك أن النظريات المعرفية توفر أطر مفاهيمية لعلم الأعصاب يتم من خلالها تجاوز الحدود البيولوجية في إطار البحث في المواضيع المتعلقة بوظائف الدماغ ومن أهمها تعلم القراءة وصعوباتها أو عسر القراءة. بالرغم من وجود اختلاف مفاهيمي جوهري بين "صعوبة تعلم القراءة "، و"عسر القراءة"، إلا أننا نستعملهما هنا بشكل قابل للاستبدال مراعاة لاختلافات الاستعمال في البيئة العربية.

يعرّف عسر القراءة بأنه اضطراب نمائي في اكتساب آليات القراءة (التعرف على الكلمات)، بحيث لا يمكن تفسيره بسبب عجز حسي (سمعي أو بصري) أو نقص في الذكاء أو ضعف الدافعية للتعلم أو كذلك بسبب عوامل بيئية واقتصادية. يعد اضطراب عسر القراءة أكثر اضطرابات التعلم النوعية انتشارا؛ حيث تشمل اضطرابات التعلم النوعية إلى جانب عسر القراءة، عسر الحساب وعسر الكتابة. تقدر نسبة الأطفال المصابين بعسر القراءة من 5٪ إلى 10٪ حسب الدراسات، من مجموع الطلاب المتمدرسين في المرحلة الابتدائية (الإعدادية). في غياب توفر التشخيص والعلاج الملائمين، تستمر صعوبات القراءة لدى الأفراد المصابين بعُسر القراءة إلى سن المراهقة والرشد، لتشمل بذلك مراحل متقدمة من التعليم لتصل حتى إلى المرحلة الجامعية في بعض الأحيان. كما يواجه الأفراد المصابين بعُسر القراءة مستويات عالية من القلق النفسي، وزيادة احتمالية الانقطاع عن الدراسة، فضلا عن مشكلات الصحة النفسية الأخرى[3].

من أبرز الصعوبات التي يعانيها الطلاب ذوي عسر القراءة ما يرتبط بالوعي الصوتي (الفونولوجي)، وهو أكثر المؤشرات ارتباطًا بعسر القراءة في جميع اللغات[4]. فمن الناحية السلوكية، غالبًا ما يتسم المصاب بعسر القراءة بضعف الوعي الصوتي، الذي يمثل القدرة على التعرف على الوحدات الصوتية للغة المنطوقة ومعالجتها ذهنيًا. يظهر هذا العجز بشكل أكثر وضوحًا في اللغات الأبجدية التي تمثل فيها الأصوات بالحروف[5]، ومن ضمنها اللغة العربية. إلى جانب "فرضية العجز الصوتي" لتفسير عسر القراءة، يعاني المصابون بعُسر القراءة كذلك عادة من صعوبات مرتبطة ببطء المعالجة البصرية، مثل: مهمات التسمية السريعة، والانتباه البصري، وسرعة المعالجة السمعية المرتبطة بالقدرات الإدراكية التمييزية السمعية. من ناحية أخرى، تشير الدراسات التي تعتمد على تقنية التصوير العصبي الوظيفي لحالات عسر القراءة إلى أن صعوبة القراءة ترتبط باختلافات في البنية والوظيفة في الشبكات العصبية الموجودة عند القُراء غير المصابين، بما في ذلك القشرة الصدغية الجدارية اليسرى والمنطقة القفوية الصدغية والمنطقة الجبهية السفلى[6].

تنطلق إشكالية البحث بما أفادت به الدراسات حول عسر القراءة وجود مجموعة كبيرة من أوجه القصور في المعالجة البصرية، والانتباه المعالجة السمعية، والمعالجة الصوتية واللغة الشفهية[7]، كما توجد نماذج نظرية مفسرة متعددة لعسر القراءة، من أهمها: نظرية العجز الصوتي أو الفونولوجي[8]، ونظرية عجز الخلايا الكبيرة[9] (magnocellular). تفترض نظرية العجز الصوتي أن صعوبات تعلم القراءة لدى عسير القراءة تنجم عن عجز في تقطيع الكلمات المنطوقة إلى مكوناتها الصوتية (المقاطع والفونيمات)، بينما ترى نظرية عجز الخلايا الكبيرة أن عسر القراءة ينشأ من ضعف المعالجة الحسية والحركية الأساسية، وأن الخلل الفونولوجي يعد بذلك ثانويًا. وعلى الرغم من أنه يُعتقد أن هذه الصعوبات الحسية الحركية مرتبطة بالآليات العصبية البصرية والسمعية، إلا أنها تمتدّ أيضا إلى الجهازين الدهليزي والحركي.

من أهم الصعوبات الملاحظة عند عسيري القراءة، وجود ضعف واضح في أداء الحركات الدقيقة بالأصابع مقارنةً بالقراء العاديين، ويُعتقد أن هذه الصعوبة تعكس عجزًا في التنسيق الزمني في المهام التي تتطلب مستوى من التكامل في الاستجابة بين حركات اليدين معًا. ونظرًا لأن دقة الضبط الزمني لحركات اليد ترتبط بعمل المخيخ، فهذا يعد بالنسبة إلى البعض دليلًا على أن صعوبات القراءة يمكن إرجاعها إلى سبب حسي حركي في الأساس. مثل هذا العجز الحسي الحركي في عسر القراءة هو أساس نظرية عجز المخيخ؛ حيث يؤدي هذا الأخير دورًا رئيسيًّا في سرعة المعالجة والترميز الزمني للمعلومات الحسية المتعددة. من هنا، يعتقد الباحثون أن الخلل الوظيفي المخيخي وضعف "التعلم الإجرائي" قد يُفسِر الأعراض المرتبطة بعسر القراءة.

من خلال ما تقدم، يمكن القول إن مسببات عسر القراءة معقدة ومتعددة العوامل، وهو ما يتضح من خلال تنوع التصورات النظرية الحديثة والتركيز على الأساس العصبي للاضطراب. كما يلاحظ من خلال الدراسات ذات التوجهات المعرفية واللغوية، مثل: نظرية الخلل الفونولوجي، ونظرية خلل الانتباه، وغيرهما، أنها تبحث بشكل مستمر عن بيانات عصبية تدعم بها المعطيات السلوكية ومن ثمة افتراضاتها النظرية. مثل هذه الجهود العلمية تركز في السنوات الأخيرة، على استعمال أجهزة رصد وتسجيل النشاط الكهربائي لمناطق المخ، وأجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي، كأهم الوسائل المفضلة في البحث العصبي المعرفي. تقدم هذه الدراسات في كثير من الأحيان بعض المعطيات "الموضوعية" (العصبية) حول مناطق مخية معينة، يرى أصحابها أنها تدعم تصوراتها النظرية حول وجود الخلل الذي يمثل أساس تفسير عسر القراءة. رغم وفرة المعطيات العصبية الناجمة عن هذه الدراسات، إلا أن أهم أوجه قصورها تتمثل في كونها محصورة في مناطق مخية محددة سلفًا، والأهم من ذلك أنها لا تفسر الاضطراب بقدر ما تعطي قرائن (مؤشرات) عصبية عن وجود الخلل المفترض. هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإنّ هذه الدراسات وُجدت حصريًّا في اللغات الهندو-أوروبية، ومؤخرا في اللغات الرمزية (مثل الصينية). من هنا، لا يمكن تعميم نتائج هذه الدراسات على جميع اللغات بمختلف مميزاتها الكتابية. والسؤال المطروح هنا: هل يمكن توقع أثر معين للخصائص اللغوية الكتابية على مناطق المخ المسؤولة عن القراءة؟ والجواب هو: نعم. ذلك أن هذه الخصائص اللغوية الكتابية تقوم بتحفيز وظائف معرفية (ذهنية) معينة عند الفرد، كالانتباه البصري مثلًا، تختلف نوعيًّا وكميًّا باختلاف الخصائص اللغوية، وهذه الوظائف المعرفية بدورها تنشط مناطق وشبكات عصبية مخية معينة لدى الفرد المستعمل لهذه اللغة أو تلك.

نجد في المقابل أن أحد الجوانب التي لم تسترع الاهتمام الكافي من قبل الباحثين في مجال التقييم الشامل للاضطراب، يتعلق بتأثير عسر القراءة على الجانب الوجداني لدى المصابين بمختلف أعمارهم. فغالبًا ما تُعدّ التأثيرات الوجدانية السلبية لعسر القراءة ثانوية بالنسبة إلى الاضطراب الرئيس كونها تمثل نتيجة للأداء الأكاديمي الضعيف[10]، في حين تُهمَل المكونات الوجدانية للوظائف التنفيذية والتي تشمل بشكل أساسي الوظائف المعرفية العليا كالذاكرة والانتباه. صحيح أن الوظائف التنفيذية تقليديًّا تعد عمليات معرفية صِرفة، غير أنه في السنوات الأخيرة اقترح البعض تصنيف هذه الوظائف إلى "هادئة"، تمثل مهام مجردة خالية من المكونات الوجدانية أو الدافعية، ووظائف تنفيذية "ساخنة" بمكوناتها الوجدانية والدافعية الواضحة مثل المعتقدات، والرغبات، والمحفزات، والسلوك الاجتماعي، والمكونات الوجدانية المتعلقة باتخاذ القرار[11]. وللحصول على صورة متكاملة للصعوبات التي يواجهها الأفراد الذين يعانون اضطراب عُسر القراءة، يبدو أن هذا التمييز بين صنفي الوظائف التنفيذية له أهميته الكبيرة. وأبعد من ذلك، قد تؤدي المشكلات النفسية بما فيها الأبعاد الوجدانية، مثل: الشعور بالإحباط، وتدني تقدير الذات، والمشاكل السلوكية المختلفة إلى صعوبات كبيرة في التعلم[12]. بناء على ذلك، من المهم العمل على الجمع بين النماذج الحالية التي تركز على العمليات المعرفية والعصبية المرتبطة بعسر القراءة، والجوانب الوجدانية سابقة الذكر في إطار متكامل لفهم الاضطراب (عسر القراءة في هذه الحالة)، وتقييمه وعلاجه.

أولًا: علم الأعصاب من المنظور الاختزالي: المناطق العصبية للقراءة

يعدّ الدماغ عضوًا معقدًا له العديد من الوظائف المختلفة، منها التحكم في الجسم وتلقي المعلومات وتحليلها وتخزينها. أدت الدراسات المعتمدة على التصوير الشعاعي للدماغ في المقام الأول بتحديد ثلاث مناطق عصبية في نصف الكرة المخية اليسرى (انظر، الشكل 1)، وهي: المنطقة الصدغية الجدارية، المنطقة الجبهية، والمنطقة القفوية الصدغية، وذلك بناء على تنشيطها لدى الأفراد الذين يعانون عسر القراءة بالمقارنة مع أقرانهم القراء العاديين. في ما يتعلق بالمنطقة الصدغية الجدارية اليسرى، أمكن التعرف على أنماط غير طبيعية للنشاط العصبي على مستوى قشرة نصف الكرة المخية الأيسر في عسر القراءة[13] المرتبط بالمعالجة الصوتية،مثل: اكتشاف القافية، والتقطيع إلى وحدات صوتية، وقراءة الكلمات. كما ارتبطت المنطقة الأمامية السفلية اليسرى من المخ بإعادة الترميز النطقي (articulatory recoding)، والقراءة الصامتة. كما وُجد أن أي نشاط يعتمد بشكل كبير على المعالجة الصوتية، كما هو الحال في قراءة الكلمات والكلمات الزائفة أو شبه الكلمات، يتطلب مستوى عاليًا من تنشيط التلفيف الأمامي السفلي لدى عسيري القراءة، مما يشير إلى وجود بعض الوظائف التعويضية تقوم بها المناطق القشرية الأمامية اليسرى، وهي مناطق تقع على مستوى القشرة الخارجية للمخ (الرمادية) التي تمثل أجسام الخلايا العصبية[14].

المنطقة الجبهية الأمامية السفلى: الحركات النطقية

المنطقة الصدغية الجدارية: المعالجة الصوتيةالمنطقة القفوية الصدغية: التعرف على الشكل البصري للكلمات

 

 

 

الشكل (1): مناطق القشرة المخية المسؤولة عن القراءة.

تقع معظم المناطق المسؤولة عن الكلام ومعالجة اللغة والقراءة في النصف المخي الأيسر. في هذا الصدد عادة ما يتم تحديد الوظائف التي يقوم بها المخ حسب التقسيم إلى أربعة فصوص:

-    الفص الجبهي مسؤول عن التحكم في الكلام والتفكير والتخطيط وتنظيم الانفعالات والوعي. اكتشف "بروكا" في القرن التاسع عشر منطقة المخ المشاركة في اللغة الشفهية (الكلام)، بفضل ملاحظاته الإكلينيكية لحالة رجل يعاني من فقدان القدرة على الكلام بعد تعرضه لإصابة دماغية. ومنذ ذلك الحين، حظيت هذه المنطقة المخية باهتمام متزايد؛ حيث أصبح معلومًا اليوم أن منطقة "بروكا" الواقعة في الفص الجبهي لها دور أساسي في تنظيم وإنتاج ومعالجة اللغة والكلام (الشكل 2). كما أن مناطق الفص الجبهي الأخرى مهمة أيضا في القراءة الصامتة[15].

-    يقوم الفص الجداري بالتحكم في الإدراك المرتبط بالحواس، بالإضافة إلى ربط اللغة المنطوقة والمكتوبة بالذاكرة ليتمكن الفرد من فهم ما يسمعه ويقرأه.

-    الفص القفوي أو القُذالي، موجود في المنطقة الخلفية للمخ، هو المكان الذي يضم القشرة البصرية الأولية. ومن أهم ما تقوم به من وظائف أخرى مرتبطة بالإدراك البصري هو التعرف على الحروف (الرموز الكتابية).

-    أما الفص الصدغي، الذي يقع في الجزء السفلي الجانبي من المخ، فهو يشارك بشكل أساسي في عمل الذاكرة اللفظية لوجود منطقة "فرنيكي" (Wernicke) التي حددها "كارل فرنيكي" كمنطقة بالغة الأهمية في معالجة اللغة والقراءة. بالإضافة إلى ذلك، تشير المعطيات إلى أن نظامين آخرين يشاركان في معالجة اللغة داخل الفصوص، وفيما بينها، وبالتالي لهما أهمية كبيرة في القراءة. الأول يتمثل في المنطقة الجدارية الصدغية اليسرى (المنطقة أ، الشكل 2) الذي يُعتقد أنه يشارك في فك رموز الكلمات وتحليلها. تعد منطقة "فرنيكي" بالغة الأهمية في عملية الربط بين الحروف والكلمات المكتوبة بصورها الصوتية، أي أصوات الحروف والكلمات المنطوقة. هذه المنطقة مهمة كذلك لفهم اللغة المكتوبة والمنطوقة على السواء. أما النظام الثاني، فيتمثل في المنطقة القفوية الصدغية اليسرى (المنطقة ب، الشكل 2) التي تشارك بفاعلية في عملية التعرف التلقائي والسريع على الصور الكلية للكلمات، وهو أمر ضروري لاكتساب الطلاقة في القراءة[16].

منطقة بروكامنطقة فرنيكيالمنطقة بالمنطقة أ

 

 

الشكل (2): النصف الأيسر للكرة المخية: المنطقة الصدغية الجدارية (أ) والمنطقة القفوية الجدارية، (ب) منطقة بروكا ومنقطة فرنيكي[17].

من بين ما تمخضت عنه الدراسات على الأطفال المصابين بعُسر القراءة، أن المعالجة السمعية والبصرية المرتبطة بمهارات القراءة، تتم من خلال أربع مناطق قشرية، وهي ما يعدها الباحثون الشبكة العصبية للقراءة، والتي تتموضع في الغالب على الجانب الأيسر من المخ، وتشمل: التلفيف المغزلي (fusiform gyrus) الذي يشارك في معالجة المعلومات الكتابية، والمنطقة المتخصصة في معالجة اللغة المكتوبة المسماة ب"منطقة التعرف على الشكل المرئي للكلمات" (Visual Word Form Area, VWFA)، والجزء الخلفي من التلفيف الصدغي العلوي، الذي يشارك في معالجة الأصوات، والشق أو الأخدود (sulcus) الصدغي الخلفي العلوي الذي يشارك في دمج المعلومات البصرية والسمعية، والتلفيف الجبهي السفلي الذي يرتبط بالتحويل الصوتي أثناء القراءة[18].

يتبين أن الربط بين مهارات القراءة وعلم الأعصاب من المنظور الاختزالي يقتصر على مخططات للمناطق والمسارات العصبية النشطة في الدماغ أثناء أداء مهمات التعرف على الحروف والكلمات، وذلك بالإحالة بشكل رئيس لمنطقة التعرف على الشكل المرئي للكلمات، كما تُدعَم هذه البيانات من خلال دراسات التصوير العصبي الوظيفي. غير أن هذه النتائج قليلًا ما تعكس صورًا أو تمثيلات دقيقة لعمل الشبكات العصبية الوظيفية الكاملة المرتبطة بالقراءة، ومن ثم فهي تعطي صورة مجتزأة عمّا يحصل بالفعل في الدماغ أثناء القراءة. علاوة على ذلك، يرى الكثيرون أن الإدراك يعمل بطريقة خطية (linear) أو تتابعية بدءًا من استقبال البيانات الحسية إلى تحليلها في القشرة المخية، مما يؤدي إلى بناء تصورات تبسيطية مثل النموذج النظري المسمى "المنظور البسيط للقراءة". لهذا السبب نُعت هذا المنظور من علم الأعصاب المعرفي بالاختزالي (reductionist)[19].

ثانيًا: عسر القراءة من منظور علم الأعصاب الاختزالي

أظهرت الدراسات وجود اختلافات بنيوية في الدماغ بين الأشخاص الذين يعانون عسر القراءة والقراء العاديين من مختلف الأعمار. فالدماغ مكون بشكل أساسي من نوعين من المادة الخلوية العصبية: المادة الرمادية والمادة البيضاء. المادة الرمادية هي ما يرى على سطح المخ، وتتكون من الخلايا العصبية، وتتمثل وظيفتها الأساسية في معالجة المعلومات[20]. توجد المادة البيضاء في الأجزاء الداخلية السفلى من الدماغ، وتتكون من ألياف ضامة أو ارتباطية مغطاة بغشاء الميلين، وهو غلاف مصمم لتسهيل الاتصال بين الأعصاب. المادة البيضاء هي المسؤولة بشكل أساسي عن نقل المعلومات فيما بين أجزاء الدماغ. توصل (Booth and Burman)[21] إلى أن الأشخاص الذين يعانون من عسر القراءة لديهم مادة رمادية أقل في المنطقة الصدغية الجدارية اليسرى من الأشخاص غير المصابين بعُسر القراءة، وهو ما قد يمثل سبب الصعوبات في معالجة البنية الصوتية للغة (الوعي الصوتي). كما أن نقص المادة البيضاء عند عسيري القراءة يرتبط بضعف هذه المناطق العصبية في التواصل مع بعضها البعض.

أدّت الدراسات التي تعتمد على تقنية التصوير العصبي حول عسر القراءة إلى فهم أفضل للآليات المتضمنة في كل نوع من الاضطرابات السلوكية؛ حيث ساعدت تقنيات التصوير العصبي، فضلًا عن تقديم صورة عن الخلل الوظيفي في عسر القراءة، على دعم فكرة وجود أنماط متباينة لعسر القراءة ومتمايزة على المستوى المعرفي. فبعض الدراسات مثلًا أظهرت وجود ضعف في النشاط العصبي على مستوى القشرة الصدغية الجدارية اليسرى والقشرة القفوية الصدغية، وكذلك التلفيف الجبهي السفلي في حالات عسر القراءة. خلُص الباحثون إلى أن هناك أساسًا بيولوجيًّا في حالات عسر القراءة تشمل بشكل خاص المنطقة القفوية الصدغية اليسرى، بما في ذلك منطقة تحديد الشكل البصري للكلمات، مع اختلالات إضافية خاصة بالكتابة[22]. كما قام عدد من الباحثين بالكشف عن الآليات العصبية الأساسية لفرضية العجز الصوتي (الفونولوجي) بالتركيز على أهمية منطقة بروكا. ومن أهم مخرجات البحث في علم الأعصاب المعرفي الاختزالي، نعرض باختصار نموذجين نظريين رئيسين:

1.   فرضية العجز في مسار الخلايا الكبيرة (Magnocellular deficit)

وفق هذه النظرية[23]، فإنّ وجود خلل في سيرورة معالجة الدماغ لعناصر الكلام يمكن أن يُعزى لخلل في مناطق القشرة الدماغية حيث تتم معالجة إشارات الكلام، أو أن تكون إشارات الكلام نفسها لا تنتقل بشكل طبيعي عن طريق ممرات الأعصاب الحسية، وهذا بالضبط ما تهتم به الدراسات من منظور عجز الخلايا الكبيرة. تم التعرف على نوعين من المسارات العصبية البصرية والسمعية: الخلايا الكبيرة "M" والخلايا الصغيرة أو الخلايا "P" (parvocellular) وكلاهما جزء من "النواة الركبية الوحشية" (lateral geniculate nucleus, LGN). يُعتقد أنه في حين تقوم الخلايا الكبيرة بنقل المعلومات البصرية والسمعية السريعة، فإن الخلايا الصغيرة تؤدي دورًا أكبر للحصول على التفاصيل.

2.   فرضية عجز المخيخ

تطور هذا التصور انطلاقا من فرضية "العجز الوظيف الآليي" (automatization deficit)؛ حيث تُرجع المشكلات في المهارات الحركية والآلية عادة إلى المخيخ. حاول بعض الباحثين تأسيس براهين مستمدة من تخصصات متعددة تتفق بشكل مباشر مع نظرية عجز المخيخ[24]، فبيّنوا أن الأطفال الذين يعانون عسر القراءة يظهرون مجموعة من العلامات السلوكية للمخيخ. كما أثبتت الدراسات الحديثة وجود دليل مباشر على وجود خلل تشريحي عصبي في قشرة المخيخ الخلفية، وكذلك ضعف في النشاط العصبي المخيخي بشكل غير طبيعي عند أداء مهمة تعلم التسلسل الحركي كالنقر باستعمال الأصابع.

ثالثًا: حدود المنظور الاختزالي: الحاجة إلى منظور تكاملي في علم الأعصاب المعرفي

يتبيّن مما سبق، أن المنظور الاختزالي يهتم فقط بأجزاء مما تتضمنه عملية القراءة، بحيث يتم التركيز على توفير معطيات حول جوانب منفصلة من القراءة وليس كيفية دمجها في إطار العملية ككل (انظر الشكل 3)، وبالتالي يعدّ المنظور الاختزالي لدى عدد من الباحثين محدودًا. يذكر Castles)) وآخرون[25] أن معظم الدراسات حول مهارة القراءة أُجريت باستخدام كلمات منعزلة أو كلمات زائفة أو كذلك أصوات منفردة. من الواضح أن هذا لا يعطي بيانات كافية عن العملية المتكاملة للقراءة بمختلف مستوياتها. هذا القصور موجود في جميع دراسات تصوير الدماغ التي تبحث في كيفية معالجة الأصوات (الفونيمات) والكلمات الزائفة.

انطلاقًا من مبدأ "البنية تحدد الوظيفة"، كان أحد الأهداف الأساسية لعلم الأعصاب هو ربط مناطق الدماغ المستقلة تشريحيا بوظائف محددة. وبالفعل حصل تقدم ملحوظ وسريع في هذا المجال في العديد من مستويات التحليل المختلفة، بدءًا من دراسة وظيفة المشابك العصبية إلى دور مناطق الدماغ بأكملها في أداء الوظائف المعرفية المعقدة. غير أنه وبعد عقود من تراكم المعطيات، أصبح من الواضح أن فهم العلاقات المعقدة بين الشبكات الدماغية الفرعية المختلفة يحتاج إلى توفر نظريات تكاملية تشمل نطاقات واسعة لوظيفة الدماغ بالاعتماد على مستويات متعددة من التحليل، ومجالات مختلفة من العلوم العصبية[26].

أدى التركيز على الأساليب التي تشمل عمليات ديناميكية واسعة النطاق في الدماغ إلى بناء تصور جديد حول التكامل الوظيفي فيما بينها، بحيث تقوم كل منطقة من المناطق الموزعة على القشرة المخية بالمشاركة في عمليات القراءة المختلفة، لكن التنسيق فيما بين هذه العمليات والدمج بينها هو الذي يمكن عملية القراءة من التحقق. وبمرور الوقت، حصل تطور ملحوظ في الدراسات حول الآليات العصبية الكامنة وراء عملية القراءة من خلال استكشاف الأنماط المختلفة للربط والاتصال الوظيفي بين المناطق المخية المشاركة في القراءة وتفاعلها مع بعضها بعض[27].

                                                                                                   

 

الشكل (3): الأبعاد الأساسية للمنظور التكاملي في علم الأعصاب المعرفي.

رابعًا: عسر القراءة من منظور علم الأعصاب المعرفي التكاملي

تقدم الدراسات المشار إليها في العنصر السابق، تصورات أكثر وضوحًا لعسر القراءة كنتيجة لاختلال الربط العصبي بين المناطق المخية المشاركة في نقل ودمج المعلومات السمعية والبصرية المطلوبة في القراءة، وذلك بفضل تحليل كميّ للبيانات الصادرة من الدماغ باستعمال تقنيات متخصصة تلخص بصورة كمية أنماط اتصال الشبكات العصبية. في هذا الصدد، يُحلّل الترابط بين المناطق المخية وفق نمطين، بنيوي ووظيفي. فمن الناحية البنيوية، يكون التحليل المادي للوصلات التشريحية لعسر القراءة في الشبكات العصبية المخية، مثل المادة البيضاء التي تربط المناطق القشرية وتحت القشرية، بينما يحيل الترابط الوظيفي إلى المعطيات والأنماط الحسابية بين المناطق المخية المستمدة من قياسات نشاط الدماغ[28].

استهدفت العديد من الأبحاث تحديد البنيات العصبية المسؤولة عن العمليات المرتبطة بالقراءة، لكن تحوّلت هذه الجهود مؤخرًا إلى الارتباط الوظيفي ما بين المناطق المخية؛ حيث تركزت هذه الدراسات على فهم كيفية التفاعل الديناميكي لهذه المناطق سواء عند القراء العاديين أو ضعيفي القراءة. من وجهة نظر أخرى[29]، فإن عسر القراءة لا يمكن أن يُعرف فقط من خلال ضعف مستوى تنشيط المناطق المخية للقراءة، وإنما أيضًا من خلال انخفاض الاتصال أو الربط الوظيفي بين هذه المناطق المخية. كما أيَّد باحثون آخرون هذه الرؤية مما يشير إلى أن تكامل الارتباطات العصبية في المخ تتنبأ بمستوى مهارات القراءة لدى الأفراد. بشكل عام، فإن الدراسات تشير إلى أن مهارة القراءة تعتمد على سلامة الترابط بين المناطق داخل الشبكة العصبية للقراءة.

تماشيًا مع هذا المنظور، أظهرت الدراسات أن نمو القراءة يمكن التنبؤ به عن طريق دراسة التغييرات التي تطرأ على التفاعل بين المناطق المخية المختلفة. على سبيل المثال، أظهرت إحدى الدراسات أن أداء القراءة عند الشخص الراشد يترافق بشكل واضح بارتباط وظيفي قوي بين منطقة التعرف على الشكل المرئي للكلمات من جهة، والمناطق المخية المتعلقة بالمعالجة الصوتية من جهة ثانية. في حين يمكن التنبؤ بمهارات القراءة لدى الأطفال ضعيفي القراءة من خلال الارتباطات الضعيفة في هذه المناطق[30]. تشير المعطيات إلى أنه كلما زاد مستوى مهارة القراءة بحيث يصبح أكثر آلية، كلما تحول الاعتماد من المناطق المخية الخاصة بمعالجة المعلومات الصوتية إلى مناطق أخرى مسؤولة عن المعالجة البصرية الإملائية (الكتابية). هذا الانتقال من الاعتماد الكلي على المعالجة الصوتية إلى الاعتماد على المعالجة البصرية الإملائية يحصل بشكل أبطأ لدى القُرّاء الذين يعانون من عسر القراءة.

من أهم العناصر التي اعتمدنا عليها في إبراز الجوانب التي يتأسس عليها التوجه التكاملي في علم الأعصاب المعرفي في مجال دراسة عسر القراءة، ما يلي: النظرة المتجددة للمخيخ بصفته عضوًا لا يقتصر على التنظيم والتنسيق الحركي، وأثر الاختلافات اللغوية على النشاط العصبي لمراكز الدماغ، والتصور الناشئ حول دور البيئة في القراءة المتمثل بشكل خاص في المنظور الإيكولوجي.

1.   المخيخ: مركز عصبي معرفي وليس فقط منطقة تنظيم الحركات

يكمن تفسير علاقة المخيخ بعسر القراءة انطلاقًا من كونه مصدرًا للنشاط الاهتزازي من نوع "ألفا" داخل الشبكة العصبية المشتركة بين المخ والمخيخ، وهي شبكة مهمة للقراءة، وكذلك تنفيذ الحركات والمعالجة اللغوية. وتجدر الإشارة إلى أن إصابات المخيخ لها تأثيرات تتجاوز الوظائف الحركية والعمليات المعرفية. في هذا الشأن، لاحظ كل من (Schmahmann and Sherman)[31] نمطًا مستقرًا من مظاهر الاضطراب التي تميز المصابين بإصابات على مستوى المخيخ وتتمثل في اضطرابات في الوظائف التنفيذية "الهادئة" (مثل: ضعف التخطيط، والتفكير المجرد، والذاكرة العاملة، وضعف الطلاقة اللفظية)، وضعف الإدراك المكاني (صعوبات في التنظيم البصري المكاني، والذاكرة البصرية المكانية)، وكذلك في الوظائف التنفيذية "الساخنة" مثل: التغيرات الوجدانية، والانفعالية، بالإضافة إلى صعوبات لغوية. أطلق الباحثان على هذا النمط السريري اسم "المتلازمة الوجدانية المعرفية المخيخية". هذه المعطيات تبين الدور الأساسي للمخيخ والروابط الوثيقة مع مناطق الدماغ الجبهية الأمامية وما قبل الأمامية، فتوفر الأساس العصبي الذي يساهم بشكل فعال في معالجة المعلومات الواردة إلى القشرة المخية. بالتالي، يمارس كل من المخيخ والقشرة المخية للفص الجبهي دورًا محوريًّا في الشبكة العصبية التي تقوم عليها القراءة والمهام المعرفية المرتبطة بها. أدت هذه المعطيات إلى اعتبار دور المخيخ لا يقتصر فقط على تنظيم السلوكيات الحركية من حيث الشدة والدقة والإيقاع، وإنما كذلك في تنظيم العمليات المعرفية والوجدانية وتناسقها[32].

يُعتقد أن مشاركة المخيخ في القراءة يكون من خلال الفصيص السادس والفصيص السابع؛ حيث يصلان إلى أقصى حد لهما في المخيخ الخلفي الجانبي الأيمن[33]، وهي نفس مناطق المخيخ التي يتم تنشيطها أثناء أداء المهام اللغوية. لا شك في أن تنشيط المناطق العصبية يعتمد على طبيعة ومتطلبات اختبار القراءة موضع التنفيذ، ولكن بوجه عام لوحظ أن التنشيط الأكثر وضوحًا واتساقًا يحدث على مستوى الفصوص 5 و6 و7 في الجانبين الأيسر والأيمين من المخيخ. كما أظهرت العديد من الدراسات وجود شذوذ بنيوي في المخيخ لدى عسيري القراءة على غرار المظاهر البنيوية المشار إليها في العديد من الدراسات، بيّن بعض الباحثين وجود انخفاض في التنشيط العصبي من الفص الأمامي للمخيخ في حالات عسر القراءة[34]، بالإضافة إلى التغيرات في الارتباط الوظيفي بين هذه المنطقة والتلفيف الجبهي السفل والزاوي، وهما منطقتان عصبيتان في المخ يكتسيان أهمية كبيرة في عملية القراءة والعمليات الفونولوجية.

2.   أثر الاختلافات بين اللغات على نشاط الشبكة العصبية للقراءة

بالإضافة إلى دراسات التصوير العصبي الوظيفي حول القراءة وعسر القراءة في اللغات الأبجدية، كانت هناك أيضًا دراسات حول القراءة في اللغات المقطعية كاليابانية والرمزية كالصينية. في هذا السياق، قام (Bolger) وزملاؤه[35] بتحديد مناطق التنشيط العصبي المرتبط بالقراءة على الشبكة العصبية للقشرة المخية اليسرى في جميع تلك اللغات، وهي التلفيف الصدغي العلوي (superior temporal gyrus)، والتلفيف الجبهي السفلي (inferior frontal gyrus)، والمنطقة القفوية الصدغية (occipital temporal cortex). كما ذكر باحثون آخرون وجود تنشيط مشابه في المناطق المخية المذكورة في القراءة بلغات أخرى مختلفة من حيث النظام الإملائي (الكتابي)، مثل: الإسبانية، والإنجليزية، والعبرية.

ومع ذلك، يوجد مستوى من التباين في أنماط التنشيط العصبي المرتبطة بالقراءة في اللغات المختلفة، يتعلق بالبعد الحيّزي (spatial configuration) للتنشيط العصبي. فمن بين المعطيات المُتوصَّل إليها وجود اختلافات على مستوى التلفيف الصدغي العلوي الأيسر؛ حيث تتميز أنظمة الكتابة الأبجدية والمقطعية بتنشيط أكثر انتظامًا، وفي منطقة التلفيف الجبهي السفلي الأيسر، والمنطقة القفوية الصدغية اليمنى؛ حيث يظهر تنشيط أكثر انتظامًا لصالح اللغة للصينية (لغة لوغوغرافية أو رمزية). تُعزى قوة التنشيط في منطقة التلفيف الصدغي العلوي بالنسبة إلى اللغات الأبجدية والمقطعية إلى حقيقة أن الرموز المكتوبة يتم ربطها بأصوات محددة (Fine-Grained speech sounds)، على عكس الأصوات في الكلمات الكاملة كما في اللغة الصينية؛ حيث يرتبط التنشيط المنتظم في منطقة التلفيف الجبهي السفلي الأيسر بالمستوى العالي للمعالجة التجميعية والمتناسقة للمعلومات الدلالية والصوتية في آن واحد، وهو ما تتطلَّبه القراءة في هذه اللغة بالاعتماد على التعرف الكلي على الكلمات.

كما تعززت المعطيات حول وجود خلل وظيفي محدد في الدماغ عندي عسيري القراءة باللغة الصينية يميزها عن اللغات التي تعتمد على النظام الأبجدي بفضل دراسة Siok)) وزملائه[36] باستعمال الرنين المغناطيسي الوظيفي وحدّد الباحثون مستوى منخفضًا ملحوظًا من التنشيط العصبي على مستوى التلفيف الأوسط الجبهي الأيسر لدى الأطفال المستعملين للغة الصينية من خلال اختبار القرار المعجمي. تبعًا لذلك، يعتقد الباحثون أن القراءة بطلاقة في اللغة الصينية تعتمد على سلامة التلفيف الأوسط الجبهي الأيسر كمحور رئيس لتنسيق وتكامل المعلومات في الذاكرة العاملة اللفظية والبصرية، وأن عسر القراءة ينتج عن خلل وظيفي في هذه المنطقة من المخ.

بالإضافة إلى ذلك، قدم (Siok) وآخرون[37] معطيات دراسة تَتَبْعُيَّة تدعم فكرة وجود أثر واضح للخصائص الإملائية والخطية للغة على مظاهر النشاط في عسر القراءة؛ حيث إن الأطفال المصابين بعسر القراءة الناطقين باللغة الصينية لم يظهروا ضعف النشاط العصبي في التلفيف الأوسط الجبهي الأيسر فحسب في اختبار الحكم على القافية، بل أظهروا أيضًا نقصًا في حجم المادة الرمادية في هذه المنطقة مقارنة بأقرانهم القراء العاديين. كذلك لم يظهر لدى القراء الذين يعانون من عسر القراءة أي تنشيط في المنطقة الخلفية اليسرى، وهو ما يميز عسيري القراءة في اللغات التي تعتمد على النظام الأبجدي. عدّ الباحثون أن المشاركة الفريدة لمنطقة التلفيف الأوسط الجبهي الأيسر في القراءة باللغة الصينية عند القراء العاديين دون عسيري القراءة، مؤشرًا واضحًا على مشاركة العمليات الحركية خلال تعلم القراءة بهذه اللغة. فالأطفال في المرحلة الأولى من تعلم القراءة، كلما يتعلمون كلمات جديدة فإنهم يقضون وقتًا طويلًا في نسخ صورها الخطية، وهو ما يحفّز المنطقة المخية المشار إليها والتي تقع مباشرة قبل القشرة الحركية.

في دراسة مقارنة ما بين اللغتين الصينية والإنجليزية شملت أفرادًا يعانون اضطراب عسر القراءة، وقراءً عاديين، وباستعمال اختبار المطابقة الدلالية للكلمات[38]، وعلى الرغم من ملاحظة وجود اختلافات بين اللغتين الصينية والإنجليزية في التنشيط العصبي لدى مجموعة القراء العاديين، إلا أن عسيري القراءة في كلتا اللغتين كان مستوى التنشيط العصبي مشابهًا في التلفيف الأوسط الجبهي الأيسر، وفي القشرة المخية اليسرى، والمنطقة القفوية الصدغية اليسرى. من هنا يتبيّن أن القراء الذين يعانون من عسر القراءة في اللغة الإنجليزية يظهرون كذلك نقص النشاط العصبي في منطقة التلفيف الأوسط الجبهي الأيسر. لذلك، يبدو أن السمة العصبية الوظيفية لعسر القراءة في اللغتين الصينية والإنجليزية متشابهة إلى حدٍّ ما. مع الإشارة إلى أن هذا التشابه قائم -حسب هذه الدراسة- على أساس الأداء في مهمة محددة وهي المطابقة بين الكلمات دلاليًّا. ومع ذلك، فإن التنشيط العصبي لمناطق محدد من القشرة المخية عند القراء العاديين في النظامين اللسانيين (الأبجدي والرمزي) يظهر فيه اختلافات واضحة حسب هذه الدراسة. كما أظهرت المقارنة بين اللغة الإيطالية واللغة الإنجليزية أن درجة التنشيط العالي في منطقة التلفيف الصدغي العلوي الأيسر للمتكلمين باللغة الإيطالية، تعكس مستوى تحفيز المعالجة الصوتية، في حين فإن مستوى التنشيط العالي على مستوى التلفيف الصدغي السفلي والتلفيف الجبهي السفلي، بأنه مؤشر على تحفيز للمعجم الإملائي، كما ارتبط التلفيف السفلي الجبهي الأيسر بالمعالجة الدلالية. هذه المعطيات تدعم كذلك فكرة أن النشاط العصبي يتلاءم مع الخصائص اللسانية للغة المستعملة لدى الأفراد الذين لا يعانون عسر القراءة[39].

خلاصة لما سبق، يمكن القول إن أثر الاختلافات اللسانية ينعكس بشكل أساسي على المظهر الكمي للاختلاف في التنشيط العصبي أي درجة تنشيط المراكز العصبية، مع اختلافات نوعية أقل درجة من حيث المناطق المخية التي يحصل فيها هذا التنشيط العصبي. ومهما يكن من أمر، فإن الاختلافات قائمة، وإن درجة التنشيط في أجزاء محددة من القشرة المخية تعكس مدى مشاركة هذه الأجزاء في القراءة تبعا للخصائص الكتابية والصوتية للغة محل الدراسة. هذه المعطيات لا تؤيد تمامًا فكرة أن هناك شبكة عصبية موحدة وشاملة للقراءة في جميع اللغات (universal)، وإنما نجد أن الخصائص الكتابية واللسانية عمومًا بما في ذلك التوظيف الصرفي (المورفولوجي) في اللغة، يفرض آليات معرفية عصبية معينة لأداء مهمة القراءة.

وإذا نظرنا إلى الآليات العصبية للقراءة باللغة العربية كنظام لغوي متميز، نجد بأن هذا الأخير يختلف اختلافًا واضحًا عن نظام اللغات الهندو-أوروبية. هذه الاختلافات لا تقتصر على اتجاه القراءة (من اليمين إلى اليسار) فحسب، وإنما تمتد كذلك إلى عدة مستويات إملائية وصرفية (مورفولوجية) وفونولوجية. تتميز اللغة العربية بنظام تصويت فريد يشمل مصوتات قصيرة (الحركات)، وهي رموز خطية توضع أعلى أو أسفل الحروف، ومصوتات طويلة (حروف العلة). اللغة العربية تتميز كذلك بامتلاكها نوعين من الكتابة: مع أو بدون علامات التشكيل أو الحركات، والتي يرتبط وجودها بكمية المعلومات الصوتية التي تحملها لكي يعتمد عليها القارئ للوصول إلى مستوى أكثر دقة وسرعة في القراءة. يُعتقد أن الكتابة من دون حركات تضطر القارئ إلى توقع معاني متعددة للكلمة ومن ثم الاحتفاظ بهذه المعاني لفترة زمنية معينة خلال القراءة قبل أن يُحدَّد المعنى النهائي من خلال السياق اللغوي للمقروء. هذه العملية المعرفية تعتمد بشكل خاص على النصف الأيمن للمخ رغم هيمنة نصف الكرة المخية الأيسر على معالجة اللغة الكتابية كما وُضِّح سابقًا. من هنا يظهر دور العوامل اللغوية في تنظيم عمل المناطق المخية المتعلقة بالمعالجة اللغوية والقراءة[40].

في دراسة مقارنة بين ناطقين باللغة العربية وآخرين ناطقين باللغة الإسبانية، وجد (Al- Hamouri) وآخرون[41] أن النشاط العصبي للدماغ المرتبط بوظيفة معالجة اللغة، يتركز في أربع مناطق لكل أفراد العينة باختلاف لغتهم: القشرة الصدغية الجدارية، بما في ذلك الجزء الخلفي من التلفيف الصدغي الأوسط والعلوي، القشرة الصدغية الإنسية (قرين الدماغ والتلفيف المجاور للحصين)، المناطق الصدغية السفلية والمناطق الجبهية السفلية، وهي كلها مناطق مرتبطة بمعالجة اللغة في مختلف الدراسات السابقة. غير أن القراءة باللغة العربية ترتبط بظهور نمط زماني ومكاني معقد من نشاط الدماغ في كلا نصفي الكرة المخية بحيث يتركز النشاط العصبي في النصف الأيسر للمخ. أي كلما زادت الفترة الزمنية أثناء معالجة اللغة الكتابية تتدخل مناطق مخية أخرى في اللغة العربية. في حين، أظهر الأفراد المتحدثون باللغة الإسبانية النمط المعتاد في اللغات الهندو-أوربية بخصوص تباين النشاط العصبي في الجانب الأيسر من المخ.

يُعتقد أن تدخل نصف الكرة المخية الأيمن في فترة لاحقة من المعالجة اللغوية في القراءة باللغة العربية مرتبط بعمليات التحليل المعجمي للكلمات. من هذا المنظور، قد يكون مستوى الغموض المعجمي الدلالي المرتبط أساسًا بغياب الحركات أو علامات التشكيل التي تحدد المعنى مسبقًا، يحفّز المعالجة المشتركة بين نصفي الكرة المخية. من هنا، قد يكون نشاط نصف الكرة المخية الأيمن للحفاظ على المعاني البديلة أو المحتملة المرتبطة بالكلمات، ضروريًا لقراءة النصوص غير المشكلة (بدون حركات) في اللغة العربية. على سبيل المثال، يمكن أن تُحيل الحروف المكونة لكلمة (كتب) إلى عدة معاني ودلالات مثل، كُتِبَ، كُتُبْ، كَتَبَ الخ. فبالنسبة إلى القارئ يجب الاحتفاظ بكل هذه المعاني المحتملة حتى يحدد السياق المعنى المقصود للكلمة في الجملة التي يقرأها. كما تجدر الإشارة إلى أن هناك تباينًا في الفترة الزمنية للنشاط العصبي بين نصفي الكرة المخية المرتبطة بالحفاظ على المعاني المختلفة للكلمات المكتوبة؛ حيث تكون مشاركة نصف الكرة المخية الأيمن بشكل بعدي أي في مرحلة متأخرة من المعالجة، وذلك عند تحديد شكل الكلمة في النصف الأيسر من المخ[42].

خامسًا: المقاربة الإيكولوجية: دور العوامل البيئية

1.   التعلم من المنظور الإيكولوجي

ترتبط النظرية الإيكولوجية (البيئية) لـ(Bronfenbrenner)[43] بمفهوم "برمجية العقل" (mind’s software)، نظرًا لتعدد مكوناتها المساهمة في التعلم. في إطار المقاربة الإيكولوجية، يُنظر للنمو الفردي في سياق العلاقات الشبكية المترابطة بين الأسس البيولوجية والخصائص المعرفية والأبعاد الاجتماعية والثقافية للتعلم. كما يُنظر إلى نمو الفرد كنظام تفاعلات تتألف من أربع منظومات فرعية[44]: منظومة جزئية (microsystemومنظومة بينية (mesosystem)، ومنظومة خارجية (exosystem)، ومنظومة كلية (macrosystem). جميع العلاقات داخل النظام الإيكولولجي ثنائية الاتجاه (انظر الشكل 4). فبالنسبة إلى المنظومة الجزئية التي تمثل المستوى الأكثر تأثيرًا في هذا النظام المتداخل، فتشمل الفرد وتفاعلاته مع العناصر الأخرى المباشرة وغير المباشرة، مثل المعلم، أفراد الأسرة والأقران. أما المنظومة البينية فتحيل إلى المستوى الثاني من النظام الإيكولوجي الذي يشمل الترابط والعلاقات بين أو داخل منظومتين جزئيتين أو أكثر من جهة، والفرد والمدرسة من جهة أخرى. وأما المنظومة الخارجية فتمثل المستوى الثالث الذي ينطوي على علاقات مؤثرة ولكن غير مباشرة بين الفرد والهيئات الأخرى، مثل: وسائل الإعلام، والوضع الاجتماعي والاقتصادي. في حين تتعلق المنظومة الكلية بالمستوى الخارجي من النظام، وتتضمن ثقافة الفرد والمعتقدات الثقافية والمجتمعية. ولكون نمو الفرد يتشكل من خلال تفاعلاته مع المستويات أو الطبقات المختلفة المذكورة، فإن كل منظومة تمارس تأثيرها بصفة مستقلة على نمو الفرد. يوضح نموذج النظام الإيكولوجي كيف يحصل النمو المعرفي للفرد بشكل عام في سياق البنيات المتداخلة والمترابطة.

نظرًا لكون القراءة ليست أساسية لجمع المعلومات ومعالجتها ومشاركتها فحسب، بل تتضمن كذلك مكونات متعددة، مثل: النص المقروء، والدماغ، والسياق، والمعرفة السابقة التي تشكلت عبر المراحل التعليمية، والثقافة والبيئة الجغرافية، ولهذا، فإن هذا النموذج يتلاءم مع توصيف سيرورة القراءة ككل. يتمثل أساس النظام الإيكولوجي في الوظيفة العقلية التي تعد جوهر المنظومة الجزئية ومركز النظام ككل، وتتفاعل بشكل مباشر مع اللغة والكتابة (المنظومة البينية). يتداخل النظام الفرعي للتعلم واللغة داخل طبقة أخرى تتمثل في الثقافة أي المنظومة الخارجية. ونظرًا لأن الثقافة مرتبطة ارتباطًا وثيقا باللغة والقراءة، فيمكنها بالتالي تعزيز الخصائص اللغوية والكتابية، كما تتأثر الثقافة بالبيئة الجغرافية (المنظومة الكلية).

على الرغم من أن النموذج الإيكولوجي يشمل القراءة كمظهر من مظاهر اللغة، فهذا التصور النظري يمكن أن يساعد في فهم تأثر الأداء القرائي بعوامل متعددة، ذلك أن النظام الإيكولوجي يشمل العناصر الكمية والنوعية في توصيف المنظومات الفرعية، والتي تتضافر لتسهيل التعلم بصورة أكثر كفاءة من خلال القراءة في المقام الأول. كما يتأثر التعلم الذي يحدث داخل النظام الإيكولوجي بعدد من العوامل تتصل بتفاوت الأفراد في مستويات الكفاءة والدافعية والجهد المبذول للتعلم. هذه الاختلافات تعتمد على الخصائص الفردية والقدرات المعرفية. كذلك، فإن الانتباه أو التركيز على المعلومات التي يعتمد عليها الفرد المتعلم ترتبط أساسًا بحاجاته المختلفة. كما أن الموارد الاقتصادية لها دور أساسي كذلك في الاختلافات بين الأفراد في مجال التعلم.

الشكل (4): النظام الإيكولوجي للقراءة[45].

2.   تطبيقات علم الأعصاب المعرفي الإيكولوجي في تقييم صعوبات التعلم والتكفل بها

واجه النموذج العصبي المعرفي السائد الكثير من الانتقادات باعتباره يشدد على علم المظاهر المرضية بحد ذاتها ومسمياتها، بالإضافة إلى أنه تجاهل العوامل النفسية والاجتماعية، وإمكانية التغيير عند الأطفال ذوي عسر القراءة. على الرغم من أن علم الأعصاب المعرفي كثيرًا ما يُنظر إليه على أنه قائم على النموذج الطبي للتشخيص وعلاج صعوبة التعلم، فقد حصل تطور خلال السنوات الأخيرة، بحيث أصبح هناك ميلٌ لتبني منهج إيكولوجي لتحليل التفاعلات بين المتغيرات الذاتية للفرد والمتغيرات البيئية؛ أي كيف تساهم البيئة في نمو القدرة على التعلم عند الطفل، وأثر ذلك في عملية تشخيص وتطوير التدخلات العلاجية للأطفال ذوي عسر القراءة[46].

على عكس النموذج الاختزالي، أو نموذج القائم على العجز، فإن المنظور الإيكولوجي في علم الأعصاب في مجال صعوبات التعلم يركز على ما يمكن للطفل القيام به بدلًا من نواحي القصور؛ أي ما لا يستطيع الطفل القيام به، وبالتالي لا يقتصر التدخل على مهارات العلاج والتعويض فحسب، بل يركز أيضًا على التوافق بين الطفل وبيئته التعليمية[47]. يمكن أن يتركز التدخل العلاجي لذوي صعوبات التعلم على إحدى أو بعض العناصر الآتية: (أ) الطفل بحد ذاته كالمهارات التعويضية أو العلاجية، (ب) البيئة كنوع التعليم والتدريس، (ج) تغيير التصورات والمواقف والتوقعات من الآخرين تجاه الطفل؛ حيث توجّه نظرة المعلم إلى قدرات الطفل بدلًا من عجزه، و (د) تغيير تصورات الطفل ومواقفه وتوقعاته تجاه ذاته ليدرك حقيقة إمكاناته المختلفة، بدل كونه شخصًا عاجزًا في مجال معين (مثل القراءة).

وتماشيًا مع المنظور الإيكولوجي لعلم الأعصاب المعرفي، قدم داماتو D’Amato) ( والباحثون معه[48] تصورًا عمليًّا لآليات تفسير اضطرابات التعلم ومن ثم كيفية بناء خطة تأهيل فردية. يوضح الشكل (5) كيفية تفاعل الخصائص الفردية مع جوانب أخرى من بيئة التعلم (السياق التعليمي والمحتوى والمهمة والمنهاج) في إطار توجه إيكولوجي للمتعلم وصعوباته التعلمية[49]. في هذا السياق، قد تُعزى صعوبة التعلم عند الفرد المتعلم ليس فقط إلى عوامل فردية، ولكن أيضًا إلى المحتوى أو معرفة الطالب السابقة بالمحتوى أو المهمة أو المنهج التعليمي أو كذلك بيئة التعلم في الفصل الدراسي. علاوة على ذلك، يمثل كل مجال من هذه المجالات نقطة تدخل علاجية محتملة بالتزامن مع استراتيجية تعويض النقص أو العجز لدى المتعلم. وبالتالي، فإن النموذج النفسي العصبي الإيكولوجي ينظر إلى المتعلم على كفرد ديناميكي يمتلك إمكانات معتبرة للتغيير، وليس فقط كحامل لعجز ذي سبب محدد (عصبي) مزمن ومستمر. من هنا، فإن النموذج النفسي العصبي الإيكولوجي ينظر إلى المتعلم على أنه عنصر ديناميكي يمتلك إمكانات كامنة للتغيير بدل التركيز باستمرار على العجز في التعلم.

 

 

 


 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


الشكل (5): مكونات التقييم الإيكولوجي الشامل حسب داماتو والباحثين معه[50].

يرى البعض أن التقييم النفسي العصبي الإيكولوجي يجب أن يحل محل "نموذج العجز" التقليدي القائم على فكرة الإصابة العصبية المحددة، في البيئة المدرسية من خلال تقديم خدمات أكثر شمولية للطلاب الذين يعانون من صعوبات التعلم. يربط نموذج علم النفس العصبي البيئي التقييم بالتدخل ويوفر طريقة بديلة لتحديد الطلاب ذوي صعوبات التعلم. ضمن هذا النموذج، فإن الممارسين من جميع هذه التخصصات مسؤولين عن التقييم التكويني (formative evaluation) لتقدم الطالب ومراجعة الأهداف التعليمية. ومن ميزات هذا التوجه كذلك هو الاهتمام بالطبيعة المتبادلة لجميع الأنظمة التي تؤثر على الطفل. يوفر هذا التصور إمكانية لتعزيز عمل المهنيين في مجال التعليم؛ لأنه يشمل النظر في قاعدة بيولوجية للسلوك دون استبعاد النظر في وجهات النظر البديلة للنمو المعرفي والوجداني والاجتماعي. وبالتالي، يتم التعرف على الطلاب ذوي صعوبات التعلم ومساعدتهم بناءً على نقاط القوة وكذلك احتياجاتهم المختلفة، مما يزيد من فرص نجاحهم في عملية التأهيل والعلاج.

كما لاحظنا سابقًا، فإن النموذج الاختزالي، أو النموذج الموجه نحو العجز، يركز على المستوى الجزئي، أي على مستوى الخصائص الداخلية للفرد وبشكل خاص على أوجه القصور والعيوب الجوهرية مثل عدم القدرة أو عدم تحفيز الطالب. يغلب على عملية التقييم المتداولة حاليا في النظم التعليمية أو في الرعاية الصحية المتخصصة التركيز على ما لا يستطيع الطفل القيام به أي جوانب القصور والعجز، مع أن الأدوات المستخدمة فعالة إلى حد ما في تحديد هذه الجوانب لدى الطفل بدلًا من استخدام نقاط القوة لديه لتطوير استراتيجيات وأنشطة تعويضية. أما النموذج التكاملي فيعتمد على تقييم التفاعل بين خصائص الطفل والبيئة التعليمية، لتوضع بعدها خطة تعليمية فردية بناء على نقاط القوة عند الطفل واحتياجاته. ينبغي أن يتضمن التقييم الشامل للطلاب ذوي صعوبات التعلم كل من الإجراءات الرسمية وغير الرسمية بما في ذلك العناصر الآتية[51]: الوظائف الإدراكية والحسية، والوظائف الحركية، والقدرة الذهنية والمعرفية، والاهتمام / التعلم، والقدرة على المعالجة، ومهارات التواصل و اللغة، والإنجاز الأكاديمي، والشخصية، والسلوك، وبيئة التعليم، والفصول الدراسية.

ينبغي كذلك أن تتضمن عملية التقييم المعلومات المجموعة، وبيانات حول ظروف ظهور الصعوبة التعلمية (عسر القراءة) وتطورها. انطلاقًا من هذه المؤشرات، يُصمّم التقييم النفسي العصبي من وجهة نظر تكاملية. بالإضافة إلى ذلك، استشارة أولياء الأمور والمعلمين والطلاب لتحديد إجراءات التغييرات المطلوبة، وكيف يمكن للأفراد في البيئة المساهمة في تسهيل وإحداث التغييرات المطلوبة وفقًا لاحتياجات الطلاب التربوية والنفسية.

 خاتمة وتوصيات

تناولت هذه الورقة بعض أهم معطيات البحث العصبي المعرفي الاختزالي في دراسة عسر القراءة، من حيث تحديد المراكز العصبية المخية المسؤولة عن حدوث هذا الاضطراب. كما سبق ذكره، فإنه رغم وفرة المعطيات الدقيقة عن تلك المراكز العصبية إلا أنها تبقى محدودة بالنظر إلى الهدف من هذا النوع من الدراسات، وهو تفسير عسر القراءة. في الواقع، ما توفر من معطيات لا يفسر حدوث الاضطراب، طبيعته وآلياته وإنما يصف الظاهرة العصبية المرتبطة بوجود الاضطراب (عسر القراءة). ومن جهة أخرى، من أوجه القصور في المنظور الاختزالي أن المراكز المخية التي تعدّ أساس عملية القراءة ليست موحدة في جميع اللغات بمختلف خصائصها، بل إن هذه الأخيرة تنعكس على عمل الجهاز العصبي، وبالتالي، فإن ما يناسب وصف نظام لغوي معين لا ينطبق بالضرورة وبشكل تام على نظام آخر، خاصة في ظل الاختلافات فيما بينهما من حيث طبيعة الوحدات الخطية، درجة التطابق الحرفي-الصوتي، قواعد التوظيف، الخ. فضلًا عن ذلك، هذا المنظور لا يوضح كل جوانب عملية القراءة بأبعادها النفسية والوجدانية، رغم أن هذه الأخيرة تعد نتيجة، وليست سببًا من المنظور الاختزالي. في المقابل، رأينا أن المنظور التكاملي يحاول سد الثغرات المذكورة من خلال تجاوز الحدود البيولوجية (العصبية) ليتعداها إلى العوامل البيئية واللغوية.

رغم ما يتصف به علم الأعصاب من المنظور التكاملي من محاسن بالمقارنة مع المنظور الاختزالي، بدمج المعارف المتراكمة لعلم الأعصاب المعرفي من جهة ومبادئ المنظور الإيكولوجي من جهة ثانية، غير أنه لا يخلو من بعض النقائص التي تمثل، في الوقت الراهن على الأقل، بعض حدود هذا التوجه، ومنها:

·    بتعدد العوامل (الذاتية والمحيطية) التي يُعتقد أنها تتدخل بدرجة أو بأخرى في التعلم وصعوباته، يتعدد الأطراف المتدخلين في عملية التقييم والتكفل العلاجي، مما يمكن أن يُعقِّد من إجراءات هذه العملية، ويزيد من مدتها الزمنية، وحتى كُلفتها، بالنظر إلى صعوبة الحصول على المعلومات من جميع المصادر والتعاون فيما بينهم. وهذا ينطبق على التقييم والتكفل في نفس الوقت.

·    رغم أهمية الوعي بالعوامل البيئية التي تؤثر في التعلم وفي نشأة اضطرابات التعلم، فإن تأثيرها يبقى محل نقاش حول مدى اعتبار هذه العوامل كمسببات أو كعوامل مساعدة لظهور الاضطرابات، وبالتالي فالعوامل البيئية قاصرة لوحدها عن تفسير الاضطراب بأي حال من الأحوال.

·    لا يزال علم الأعصاب التكاملي في الوقت الحاضر منحصرًا في تصورات ومبادئ نظرية، ولم يتم تسخيره في الممارسة الإكلينكية في الواقع إلا في حدود معينة مثل "الخطة التربوية الفردية" و"الدمج"، وبالتالي فهو بحاجة لتطوير منهجيات وطرق ووسائل ملموسة في مجالي التقييم والتأهيل؛ لكي يأخذ مكانته كاستراتيجية عملية في ميادين العلوم العصبية النفسية والتربوية.

وبناءً على ما تقدم ذكره، نقترح العمل على:

-    المشاركة الفاعلة في دراسة علاقة الخصائص اللغوية والثقافية العربية بالقراءة وبالتعلم الأكاديمي بشكل عام.

-    تطوير الجهود البحثية لتشمل استعمال الأدوات والأجهزة الخاصة باستكشاف عمل الجهاز العصبي (مثلا ERP لدراسة الآليات العصبية لدى عسيري القراءة الناطقين باللغة العربية.

-    إنشاء وحدات بحثية متعددة التخصصات الأكاديمية (الاجتماعية، الإنسانية والتربوية)؛ للتوسع في دراسة التعلم وصعوباته وأبعاده وطرق معالجتها.

-    إنشاء شبكة للمختصين في العلوم الاجتماعية والنفسية العصبية والتربوية: لتحديد أولويات مواضيع البحث وتنظيم الندوات حولها.

المراجع

References:

Al-Hamouri, F., et al. “Brain Dynamics of Arabic Reading: A Magnetoencephalographic Study”. Neuroreport, Vol. 16, No. 16 (2005).

Bolger, D.J., Perfetti, C.A., & Schneider, W. “Cross-cultural Effect on the Brain Revisited: Universal Structures Plus Writing System Variation”, Human Brain Mapping, Vol. 25, No. 1 (2005).

Booth, J.R., & Burman, D. D. "Development and Disorders of Neurocognitive Systems for Oral Language and Reading". Learning Disability Quarterly, Vol. 24, No. 3 (2001).

Bronfenbrenner, U. The Ecology of Human Development: Experiments by Nature and Design. Cambridge, MA: Harvard University Press, 1979.

Castles, A., Rastle, K., & Nation, K. “Ending the Reading Wars: Reading Acquisition from Novice to Expert”, Psychological Science in the Public Interest, Vol. 19, No. 1 (2018).

D’Amato, R.C., & Rothlisberg, B. A. (1996). “How Education Should Respond to Students with Traumatic Brain Injury”. Journal of Learning Disabilities, Vol. 6 (1996).

D'Amato, R.C., et al. “Ecological Neuropsychology: An Alternative to the Deficit Model for Conceptualizing and Serving Students with Learning Disabilities”. Neuropsychology review, Vol. 15, No. 2 (2005).

Dow-Edwards, D. et al. “Experience during Adolescence Shapes Brain Development: From Synapses and Networks to Normal and Pathological Behavior”. Neurotoxicology and teratology, Vol. 76 (2019).

Edwards Erica S., et al. “Dyslexia on a Continuum: A Complex Network Approach”. PLoS ONE, Vol. 13, No. 12 (2018).

Ellis, G & Bloch, C. “Neuroscience and Literacy: An Integrative View”. Transactions of the Royal Society of South Africa, Vol. 76, No. 2 (2021).

Hu, W., et al. “Developmental Dyslexia in Chinese and English Populations: Dissociating the Effect of Dyslexia from Language Differences”. Brain, Vol. 133, Pt. 6 (2010).

Hudson, R., High, L., & Al Otaiba, S. "Reading Rockets. Dyslexia and the Brain: What Does Current Research Tell Us?”. The Reading Teacher, Vol. 60, No. 6 (2007).

Hulme, J.A., et al. “Psychological Literacy: A Multifaceted Perspective”, Psychology Teaching Review, Vol. 21, No. 2 (2015).

Jordan, J., McGladdery, G., & Dyer, K. “Dyslexia in Higher Education: Implications for Maths Anxiety, Statistics Anxiety and Psychological Well‐Being”. Dyslexia, Vol. 20, No. 3 (2014).

Joseph J, Noble K, & Eden G. “The Neurobiological Basis of Reading”. Journal of Learning Disabilities, Vol. 34 (2001).

Koyama, M.S., et al. “Resting-state Functional Connectivity Indexes Reading Competence in Children and Adults”, The Journal of Neuroscience, Vol. 31, No. 23 (2011).

Martin, C.B. et al. "Distributed Category-Specific Recognition-Memory Signals in Human Perirhinal Cortex", Hippocampus, Vol. 26, No. 4 (2016).

McNorgan, C., Randazzo-Wagner, M., & Booth, J. R. “Cross-modal Integration in The Brain is Related to Phonological Awareness Only in Typical Readers, Not In Those With Reading Difficulty”, Frontiers in Human Neuroscience, Vol 7, (2013).

Mesulam, M.M., et al. “Quantitative Classification of Primary Progressive Aphasia at Early and Mild Impairment Stages”. Brain, Vol. 135, Pt. 5 (2012).

Nelson, J.M., & Harwood, H. R. “A Meta-Analysis of Parent and Teacher Reports of Depression among Students with Learning Disabilities: Evidence for the Importance of Multi-Informant Assessment”. Psychology in the Schools, Vol. 48, No. 4 (2011).

Novita, S. “Secondary symptoms of dyslexia: A Comparison of Self-Esteem and Anxiety Profiles of Children with and without Dyslexia. European Journal of Special Needs Education, Vol. 31, No. 2 (2016).

Pae, H.K. “The Consequences of Reading: The Reading Brain”. In: Script Effects as the Hidden Drive of the Mind, Cognition, and Culture. Springer: Literacy Studies, Vol. 21, 2020.

Paulesu, E., Danelli, L., & Berlingeri, M. “Reading the Dyslexic Brain: Multiple Dysfunctional Routes Revealed by a New Meta-Analysis of PET and fMRI activation”. Frontiers in Human Neuroscience, Vol. 8 (2014).

Paulesu, E., et al. “Dyslexia: Cultural Diversity and Biological Unity”. Science, Vol. 291 (2001).

Pugh, K.R., et al. Functional Neuroimaging Studies of Reading and Reading Disability”, Mental Retardation and Developmental Disabilities Research Reviews, Vol 6, No 3, (2000).

Rothlisberg, B.A., D’Amato, R.C., & Palencia, B. N. Assessment of Children for Intervention Planning Following Trau-Matic Brain Injury. New York: Guilford Press, 2003.

Schmahmann, J.D., & Sherman, J.C. “The Cerebellar Cognitive Affective Syndrome”. Brain: A Journal of NeurologyVol. 121, No. 4 (1998).

Shaywitz, B.A., et al. “Disruption of Posterior Brain Systems for Reading in Children with Developmental Dyslexia”. Biological Psychiatry, Vol. 52, No. 2 (2002).

Shaywitz, S.E., & Shaywitz, B.A. “Paying Attention to Reading: The Neurobiology of Reading and Dyslexia”. Development and Psychopathology, Vol. 20, No. 4 (2008).

Siok, W.T., et al. “Biological abnormality of impaired reading is constrained by culture. Nature, 431, 7004 (2004).

Siok, W.T., et al. “Structural-functional Basis for Dyslexia in the Cortex of Chinese readers". Proceedings of the National Academy of Sciences of the United States of America, Vol. 105, No. 14 (2008).

Snowling, M.J. "From Language to Reading and Dyslexia". Dyslexia, Vol. 7, No. 1 (2001).

Stein, J. & Walsh, V. “To See But Not To Read; the Magnocellular Theory of Dyslexia”. Trends in Neurosciences, Vol. 20, No. 4 (1997).

Szücs, D., & Goswami U. “Educational Neuroscience: Defining a New Discipline for the Study of Mental Representations, Mind, Brain, and Education, Vol. 1, No. 3 (2007).

Turkeltaub, P.E., et al. “Development of Neural Mechanisms for Reading”, Nature Neuroscience, Vol. 6, No. 7 (2003).

Vanden Bos, G.R. APA Dictionary of Psychology. Washington, DC: American Psychological Association, 2007.

Zelazo, P.D., & Carlson, S. M. “Hot and Cool Executive Function in Childhood and Adolescence: Development and Plasticity”. Child Development Perspectives, Vol. 6, No. 4 (2012).

 



* قُدم في: مؤتمر مركز ابن خلدون السنوي للتجسير (30 سبتمبر - 1 أكتوبر 2023).

* Submitted for: The Annual Conference of Ibn Khaldon Center on Interdisciplinary Research (September 30th-October 1st, 2023).

[1]- G.R. Vanden Bos, APA Dictionary of Psychology (Washington, DC: American Psychological Association, 2007), p. 314.

[2]- D. Szücs, & U. Goswami, “Educational Neuroscience: Defining A New Discipline for the Study of Mental Representations, Mind, Brain, and Education, Vol. 1, No. 3 (2007), p. 118.

[3]- J. Jordan, G.McGladdery, & K. Dyer, “Dyslexia in Higher Education: Implications for Maths Anxiety, Statistics Anxiety and Psychological Well‐being”, Dyslexia, Vol. 20, No. 3 (2014), p. 230.

[4]- M.J. Snowling, "From Language to Reading and Dyslexia", Dyslexia, Vol. 7, No. 1 (2001), p. 41.

[5]- W.T. Siok, et al., “Biological Abnormality of Impaired Reading is Constrained by Culture, Nature, 431, 7004 (2004). p. 73.

[6]- E. Paulesu, L. Danelli, & M. Berlingeri, “Reading the Dyslexic Brain: Multiple Dysfunctional Routes Revealed by a New Meta-Analysis of PET and fMRI Activation”, Frontiers in Human Neuroscience, Vol. 8 (2014), p. 121.

[7]- J.A. Hulme, et al., “Psychological Literacy: A Multifaceted Perspective”, Psychology Teaching Review, Vol. 21, No. 2 (2015), p. 17.

[8]- Snowling, p. 40.

[9]- J. Stein, & V. Walsh, “To See but Not to Read; The Magnocellular Theory of Dyslexia, Trends in neurosciences, Vol. 20, No. 4 (1997), p. 149.

[10]- S. Novita, “Secondary Symptoms of Dyslexia: A Comparison of Self-Esteem and Anxiety Profiles of Children with and without Dyslexia, European Journal of Special Needs Education, Vol. 31, No. 2 (2016), p. 283.

[11]- P.D. Zelazo, & S.M. Carlson, “Hot and Cool Executive Function in Childhood and Adolescence: Development and Plasticity, Child Development Perspectives, Vol. 6, No. 4 (2012), pp. 354–360.

[12]- J.M. Nelson, & H.R. Harwood, “A meta-analysis of Parent and Teacher Reports of Depression among Students with Learning Disabilities: Evidence for the Importance of Multi-Informant Assessment”, Psychology in the Schools, Vol. 48, No. 4 (2011), p. 379.

[13]- K.R. Pugh, et al., Functional Neuroimaging Studies of Reading and Reading Disability”, Mental Retardation and Developmental Disabilities Research Reviews, Vol. 6, No. 3 (2000(, p. 210.

[14]- J. Joseph, K. Noble, & G. Eden, “The Neurobiological Basis of Reading”, Journal of Learning Disabilities, Vol. 34 (2001), p. 569.

[15]- B.A. Shaywitz, et al., “Disruption of Posterior Brain Systems for Reading in Children with Developmental Dyslexia”, Biological Psychiatry, Vol. 52, No. 2 (2002), p. 103.

[16]- Shaywitz et al., p. 106.

[17]- S.E. Shaywitz, B. A. Shaywitz, “Paying Attention to Reading: The Neurobiology of Reading and Dyslexia”. Development and Psychopathology, Vol. 20, No. 4 (2008), p. 1342.

[18]- D. Dow-Edwards, et al., “Experience during Adolescence Shapes Brain Development: From Synapses and Networks to Normal and Pathological Behavior”, Neurotoxicology and Teratology, Vol. 76 (2019), p. 120.

[19]- G. Ellis, & C. Bloch, “Neuroscience and Literacy: An Integrative View”, Transactions of the Royal Society of South Africa, Vol. 76, No. 2 (2021), p. 178.

[20]- R. Hudson, L. High, S. Al Otaiba, "Reading Rockets. Dyslexia and the Brain: What Does Current Research Tell Us?", The Reading Teacher, Vol. 60, No. 6 (2007), p. 510.

[21]- J.R. Booth, & D.D. Burman, "Development and Disorders of Neurocognitive Systems for Oral Language and Reading", Learning Disability Quarterly, Vol. 24, No. 3 (2001), p. 209.

[22]- C.B. Martin, et al., "Distributed Category-Specific Recognition-Memory Signals in Human Perirhinal cortex", Hippocampus, Vol. 26, No. 4 (2016), p. 431.

[23]- J. Stein, & V. Walsh, "To See but Not to Read; The Magnocellular Theory of Dyslexia", Trends in Neurosciences, Vol. 20, No. 4 (1997), p. 147.

[24]- Ellis & Bloch, p. 178.

[25]- A. Castles, K. Rastle, & K. Nation, “Ending the Reading Wars: Reading Acquisition from Novice to Expert”, Psychological Science in the Public Interest, Vol. 19, No. 1 (2018), p. 23, 

[26]- M.M. Mesulam, et al., “Quantitative Classification of Primary Progressive Aphasia at Early and Mild Impairment Stages”, Brain, Vol. 135, Pt. 5 (2012), p. 1546.

[27]- S. Edwards Erica, et al., “Dyslexia on a Continuum: A Complex Network Approach”, PLoS ONE, Vol. 13, No. 12 (2018), p. 8.

[28]- Edwards Erica, et al., p. 11.

[29]- C. McNorgan, M. Randazzo-Wagner, & J.R. Booth, “Cross-modal Integration in the Brain is Related to Phonological Awareness Only in Typical Readers, Not In Those With Reading Difficulty”, Frontiers in Human Neuroscience, Vol. 7 (2013), p. 5.

[30]- M.S. Koyama, et al., “Resting-state Functional Connectivity Indexes Reading Competence in Children and Adults”, The Journal of Neuroscience, Vol. 31, No. 23 (2011), p. 8620.

[31]- J.D. Schmahmann, & J.C. Sherman, “The Cerebellar Cognitive Affective Syndrome”, Brain A Journal of NeurologyVol. 121, No. 4 (1998), p. 571.

[32]- Ibid, p. 572.

[33]- P. E. Turkeltaub, et al., “Development of Neural Mechanisms for Reading”, Nature Neuroscience, Vol. 6, No. 7 (2003), p. 769.

[34]- W.T. Siok, et al., “Structural-Functional Basis for Dyslexia in the Cortex of Chinese Readers", Proceedings of the National Academy of Sciences of the United States of America, Vol. 105, No. 14 (2008), p. 5563.

[35]- D.J. Bolger, C.A. Perfetti, & W. Schneider, “Cross-cultural Effect on the Brain Revisited: Universal Structures Plus Writing System Variation”, Human Brain Mapping, Vol. 25, No. 1 (2005), p. 94.

[36]- Siok, et al., “Structural-functional Basis for Dyslexia in the Cortex of Chinese Readers”, p. 5563.

[37]- Siok, et al., “Biological Abnormality of Impaired Reading is Constrained by Culture”, p. 74.

[38]- W. Hu, et al., “Developmental Dyslexia in Chinese and English Populations: Dissociating the Effect of Dyslexia from Language Differences”, Brain, Vol. 133, Pt. 6 (2010), p. 1698.

[39]- E. Paulesu, et al., “Dyslexia: Cultural Diversity and Biological Unity”, Science, Vol. 291 (2001), p. 2167.

[40]- F. Al-Hamouri, et al., “Brain Dynamics of Arabic Reading: A Magnetoencephalographic Study”, Neuroreport, Vol. 16, No. 16 (2005), p. 1862.

[41]- Ibid, p. 1863.

[42]- Ibid.

[43]- U. Bronfenbrenner, The Ecology of Human Development: Experiments by Nature and Design (Cambridge, MA: Harvard University Press, 1979), p. 92.

[44]- H.K. Pae, “The Consequences of Reading: The reading brain”. In: Script Effects as the Hidden Drive of the Mind, Cognition, and Culture (Springer: Literacy Studies, Vol. 21, 2020), p. 135.

[45]- Ibid, p. 137.

[46]-B.A. Rothlisberg, R.C.D’Amato, and B. N. Palencia, Assessment of Children for Intervention Planning Following Trau-Matic Brain Injury (New York: Guilford Press, 2003), p. 701.

[47]- R.C. D’Amato, and B.A. Rothlisberg, “How Education Should Respond to Students with Traumatic Brain Injury”, Journal of Learning Disabilities, Vol. 6 (1996), p. 676.

[48]- Ibid, p. 677.

[49]- R.C. D'Amato, et al., “Ecological Neuropsychology: An Alternative to the Deficit Model for Conceptualizing and Serving Students with Learning Disabilities”. Neuropsychology review, Vol. 15, No. 2 (2005), p. 99.

[50]- Ibid, p. 102.

[51]-Ibid, p. 101.