تقرير

 المنتدى الخليجي الحواري: إلى أين يتّجه الخليج فكريًا؟ قراءة في تحوُّلات المشهد الفكري الخليجي ومآلاته

مركز ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة قطر

17-18 فبراير 2023

حسين محمد نعيم الحق

باحث مساعد، مركز ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة قطر

hhoque@qu.edu.qa

Report

The Arabian Gulf Dialogue Forum: Where is the Gulf heading intellectually? A reading in the Gulf’s intellectual transformation and its implications

Ibn Khaldon Center for Humanities and Social Sciences, Qatar University

17-18 February 2023

Hussein Muhammad Naeem Al-Haq

Research Assistant, Ibn Khaldon Center for Humanities and Social Sciences, Qatar University

hhoque@qu.edu.qa

 

نظَّم مركز ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة قطر المنتدى الخليجي الحواري في 17-18 فبراير 2023، وقد انعقدت جلساته في اليوم الأول بقاعة مكتبة جامعة قطر، في حين انعقدت جلسات اليوم الثاني بفندق الماريوت ماركيز. ويأتي هذا المنتدى في سياق اهتمام مركز ابن خلدون لرصد التحوُّلات التي تمرُّ بها المجتمعات الخليجية، سواء أكان ذلك على مستوى الاجتماعي، أم الديني، أم السياسي، أم العلمي، ورصد الاتجاهات الفكرية الخليجية الراهنة لدى أجيال الخليج الصاعدة في أبعادها الكلية، وتقييم العلاقة بين الأنساق الفكرية القديمة والحديثة، لقياس الثابت والمتغير، والتجسير بين شتى المنظورات العلمية؛ لإيجاد مقاربات مركبة للظواهر الاجتماعية، وتحديد ملامح المستقبل العلمي والمعرفي في الواقع الخليجي.

وقد شارك في المنتدى قرابة 45 مفكرًا وأكاديميًا وباحثًا وناشطًا اجتماعيًا من كل من المملكة العربية السعودية، والكويت، وقطر، والإمارات، وسلطنة عمان، والبحرين، والعراق، واليمن، وينتمون إلى مختلف التخصصات العلمية كالشريعة، والفلسفة، والأخلاق، والقانون، وعلم الاجتماع، وعلم النفس، والعلوم السياسية، والعلاقات الدولية، واللغة، والأدب، والتاريخ، والإعلام، والفيزياء، والإدارة العامة وغيرها، كما أنهم ينتمون إلى مختلف التيارات الفكرية الموجودة في الخليج.

قسِّمت محاور المنتدى إلى أربعة محاور رئيسة؛ وهي: المحور الاجتماعي، والديني، والسياسي، والعلمي؛ حيث شمل كلُّ محور عدة أسئلة رئيسة تعالج القضايا ذات الارتباط الوثيق بالمحور الرئيس، وقد خصِّصت لكل محور جلسةٌ خاصة استُهِلَّت بمداخلات المشاركين الرئيسين الذين ينتمون إلى تخصصات المحور أو التخصصات القريبة منه، تلتْها مداخلات من قِبَل المشاركين الآخرين أساسًا، والجمهور أحيانًا.

وكان المحور الأول عن التفكير الاجتماعي الذي أجاب عن عدة أسئلة مهمة، منها: ما خصائص التفكير الاجتماعي الخليجي ومصادر تشكُّله في الوقت الحاضر؟ وما طبيعة التغيرات الحاصلة في التفكير الاجتماعي الخليجي تجاه الموضوعات الاجتماعية الرئيسة، كالأسرة، والعادات والتقاليد، والقيم، والتعليم؟ وما مستقبل مشهد التفكير الاجتماعي في الخليج؟

وقد أدار هذه الجلسة الدكتور نايف بن نهار، مدير مركز ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية، الذي أشار في بداية الجلسة إلى بعض التحولات التي تمرّ بها المجتمعات الخليجية، وأن هذا المنتدى يأتي لمناقشة هذه التحولات؛ من حيث طبيعتها، وخصائصها، واتجاهاتها، ومآلاتها بطريقة علمية هادئة؛ لأن النقاشات التي تجري في وسائل التواصل الاجتماعي تتسم بالحدة والشدة عادة، بخلاف المنتديات التي تتميز بالمرونة والسعة في الطرح والعرض والنقاش، كما أشار إلى أن هناك فقرًا في التفكير الجماعي الخليجي مع وجود الوفرة المالية في الخليج، وتاليًا يحاول مركز ابن خلدون بجامعة قطر توفير بيئةِ تفكيرٍ جماعي للنخب الأكاديمية والاجتماعية المعنيين بالشأن الفكري الخليجي.

وقد قدَّم المشاركون في هذه الجلسة مقاربات مختلفة في الإجابة عن أسئلتها الرئيسة؛ حيث كانت هناك مقاربات جيوسياسية، ودينية، وتاريخية، وأنثروبولوجية، وغيرها، ويمكن الإشارة إلى أهم إجاباتهم فيها بما يلي:

-     لا شكَّ في أن هناك تحولات حصلت في المجتمعات الخليجية، ويتسم بعض تلك التحولات بالعنف والسرعة، ما أدَّت إلى تغيرات سياسية واقتصادية واجتماعية، غير أن التغيُّرات الحاصلة في الجوانب المادية كانت أسرع من التغيرات اللامادية (المعنوية)، كالفكر والتصور والعادات والتقاليد، ويرى بعض المشاركين أن السبب وراء تأخر التغيرات في الجوانب المعنوية قد يكون الحياء من إبداء مظاهر التغير، مراعاةً لمشاعر المجتمع. وهناك من يرى أن هذه التغيرات كانت في الجوانب الهامشية، ولم تمس القضايا الجوهرية.

-     إن المجتمعات الخليجية لا يمكن حصرها في نمط موحَّد، بل هي، بشكل عام، تنقسم إلى ثلاثة أنماط رئيسة، وهي: المجتمع القبلي، والزراعي، والبحري، وكل نمط من هذه الأنماط الثلاثة له بعض قِيَمه وتصوُّراته الخاصة تجاه القضايا المركزية في الحياة. وبناءً عليه، فإن المجتمعات الخليجية تتفاوت؛ من حيث الانفتاح والانغلاق، وتاليًا ما يعد انفتاحًا في مجتمع ما قد لا يُعد كذلك في مجتمع آخر، ومع ذلك يمكن القول بأن الخليج يتجه نحو مزيد من الانفتاح، ولكنه، فيما يبدو، يحصل في الغالب برعاية السلطة السياسية، وهذا أمرٌ يرى فيه البعض خطورة؛ لأن الدولة قد تؤيد الانفتاح أو تضرب عنه بحسب مصالحها في ذلك، فلا بد من تفعيل دور المجتمعات. على أن الإغراق في الانفتاح على الآخر يسهم في ظهور الحركات المتشددة، كما أن الانفتاح نفسه سلاحٌ ذو حدين؛ لأن هناك قضايا تتعارض مع قيمنا وعاداتنا وتقاليدها، كالمثلية، والمخدرات، والإلحاد، والتطبيع، وغيرها.

-     إن تحرير مصطلح الانفتاح مهم جدًا، حتى يمكن البناء على مفهوم واضح وصلب، وحين نتحدث عن الانفتاح فلا بد من الإجابة على أسئلة مهمة حوله، مثل: ما حدود الانفتاح؟ وما محدداته؟ متى يعد الشيء انفتاحًا أو انغلاقًا؟ وعلى ماذا يكون الانفتاح؟ ومتى ننظر إلى الانفتاح على أنه تهديد للهوية؟

-     إن الهوية شعور نفسي ذو محددات اجتماعية، وهناك عناصر للهوية، منها: اللغة، والعادات والتقاليد، والزي، والهوية ليست ذات صورة جامدة، بل هي عبارة عن دوائر، تبدأ من القرية، إلى المدينة، فالدولة، فالإقليم، فالعالَم، وكل دائرة منها تُشبِع جزءًا من الهوية؛ لذا يمكن القول بأن الإنسان قد يمتلك هوية مركبة، وليست هوية بسيطة.

-     هناك نوعان من الهوية في الخليج عمومًا، هما: هوية عامة، وهي الهوية الإسلامية، وهوية خاصة، تعود إلى المجتمعات المحلية. وكل هوية تتكون من عدة عناصر مختلفة، والهوية المشتركة في المجتمعات الخليجية تعتمد على الثقافة الإسلامية في الغالب، في حين أن الهوية الخاصة لكل مجتمع خليجي تتأثر بالخصائص المحلية.

-     إذا أرادت المجتمعات الخليجية أن تحافظ على هوياتها فلا بد من المحافظة على التراث؛ حيث لا يمكن الحديث عن الهوية بعيدًا عن التراث، غير أن السؤال المهم هنا: من الذي يدير هذه العملية؟

-     هناك تيارات فكرية في الخليج، كالتيار الإسلامي، والتيار اللبرالي، فالتيار الذي يستطيع أن يستجيب لمطالب المجتمع، وينجح في تقديم حلول لمشاكله، هو الذي يستطيع الصمود. وفي الحديث عن التيار المنتصر في الخليج في الوقت الحاضر، يرى بعض المشاركين أن كلًا من التيار الإسلامي والتيار اللبرالي فشِلَا في قيادة التغيير؛ لأن السلطة السياسية هي التي استفادت من التيار الذي كانت توجهاته مناسبة لمصالحه.

-     هناك تحديات تواجهها المجتمعات الخليجية، وهي تهدد هوياتها الاجتماعية، كالعولمة، والصراع بين ثقافات المجتمعات وطموحات الدول، وعدم وجود فلسفة واضحة للمجتمعات الخليجية، واستيراد المناهج الدراسية والموضوعات والأسئلة من الخارج، والمشاكل المصطنعة من المجتمعات الأخرى، والفجوة بين الجيلين الحاضر والجديد، والتضخم المادي على حساب المعنى، واللغات الأجنبية كاللغة الإنجليزية التي تشكِّل وعينا وطريقة تفكيرنا، وسيطرة القيم الرأسمالية على قيمنا الاجتماعية، والتركيبة الاجتماعية الديمغرافية المشوهة، وإنتاج المدن الكبرى قدرًا كبيرًا من الثقافة الوافدة التي لا تتناسب مع ثقافة المجتمع.

-     هناك صورة نمطية عن الثقافة الاجتماعية في الخليج، وهي أن الدولة هي التي تقود المجتمع، وليس العكس، وهذا صحيح، ولهذا يُنظر إلى دور المجتمع في قيادة التغير بنظرة دونية، علمًا بأن الدولة لا تستطيع تغيير المجتمع عادة إلا إذا كان هناك استعداد من المجتمع نفسه لقبوله.

-     لا بد أن تفكِّر المجتمعات الخليجية في مواجهة إشكالاتها، ولا يمكن ردها إلى الدول؛ لأن الدول تهمها الجوانب المادية غالبًا، كالجانب الأمني والسياسي والاقتصادي، وهناك من يرى أن الدول في الخليج هي التي تمتلك القدرة على تحديد وجهات المجتمع، في حين أن قوى المجتمع تبقى في خانة ردة الفعل.

-     هناك تحديات تواجهها الأسر الخليجية، كالفكر اللبرالي الفرداني، والعولمة وتأثيرها على النشء، ووسائل التواصل الاجتماعي وما يصحبها من قيم مخالفة لقيم الأسرة ومرجعياتها، والنظرة الدونية إلى المرأة.

-     يرى البعض أن هناك صورة متخيلة عن الحراك النسوي بأنه يريد الانقلاب على الدين والمجتمع، وهذا ليس صحيحًا؛ لأن الفكر النسوي لا يتعارض مع الدين، في حين يرى آخرون أن هناك تعارضًا بين بعض الفكر النسوي وقيم الدين والمجتمع، وأن الحراك النسوي استورد قضاياه من المجتمعات الأخرى، وتاليًا قدم توصيات لا تتناسب مع المرأة الخليجية.

-     هناك مؤشرات تدل على أن المرأة الخليجية تقوم بدور فاعل في المجتمع والسياسة، وهي ستكون صانعة قرار وسلام، وتتصدر المشهد الاجتماعي والسياسي، ولكنها بحاجة إلى استمرار الجهود، لكن في المقابل هناك من يرى أن وضع المرأة في الخليج لم يتغير كثيرًا، حتى وإن وصلت إلى مناصب إدارية عليا، في حين يرى البعض أن المرأة في الخليج تأخذ حقوقها بشكل كامل.

-     لا يمكن الحديث عن مآلات التغيير في الخليج؛ لأن عملية التغيير مستمرة، كما أنه لا ينبغي أن ننظر إلى المستقبل على أنه سيتجلى في شكل معين، بل يمكن أن تكون هناك خيارات متعددة وأشكال مختلفة.

أما الجلسة الثانية فكانت حول التفكير الديني، وقد دار النقاش فيها حول أسئلة مهمة، منها: ما خصائص التفكير الديني في الخليج؟ وما مصادر تشكُّله؟ وما حجم التحولات في أنساق التفكير الديني الخليجي؟ وما الجديد في أولويات البحث المعرفي الديني في الخليج؟ وما مآلات اتجاهات التفكير الديني الخليجي؟

وقد شارك في هذه الجلسة أيضًا عددٌ من المتحدثين الرئيسين والمتداخلين الآخرين الذين حاولوا الإجابة عن الأسئلة المطروحة في ضوء مقاربات مختلفة، وقدَّموا إجابات مهمة، من أهمها:

-     نشَأت فكرة الدولة الحديثة في العالم الإسلامي عبر عصر التنظيمات في الدولة العثمانية، وبعد نشْأة الدول الخليجية الحديثة أصبح الخطاب الديني يتكون من خلال الدولة غالبًا؛ بحيث لا فتوى إلا من الدولة، وقد أدى هذا الوضع إلى نتائج سلبية فيما يتعلق بدور الدين في المجتمع، منها: قلة فاعلية الفرد من الناحية الدينية، وقلة فاعلية الدين نفسه في المجتمع، وتقلُّب الخطاب الديني بحسب مصالح الدولة، وتأزُّمه، وتنميطه.

-     ويمكن أن يُعد الوقف أحد الحلول المهمة لمواجهة هذه المشكلة؛ حيث إن الوقف يزيد من فاعلية الفرد، بناءً على استقلاليته من الدولة وغيرها من مصادر التمويل، فيمكنه أن يؤدي دوره بشكل فاعل.

-     الخطاب الديني في بعض دول الخليج يتمتع بقدر من الاستقلالية كسلطنة عمان؛ حيث كان الخطاب الديني يفرض نفسه، حتى على الدوائر السياسية، ولهذا يوجد هناك توازن بين الخطابين الديني والسياسي.

-     إن أهم التشكلات الدينية في الخليج تتمثل في كل من التيار التقليدي الذي ينتمي عادة إلى المذاهب الفقهية المشهورة، والتيار السلفي، وتيار الأسلمة الذي يريد الإصلاح والتجديد، وتيار الأنسنة الذي يستخدم الدين وفق آليات المجتمع، والتيار الصوفي العرفاني الذي ظهر نتيجة الجفاء الحاصل في المجتمعات، والشيعة الذين يمثلون نسبة معتبرة في بعض دول الخليج، كالبحرين. كما لا يمكن نفي وجود أهل الأديان الأخرى في الخليج، نتيجة وجود عدد كبير من الأجانب الذين لا يدينون بالإسلام.

-     إن الخطاب الديني المستقل يستطيع أن يطور نفسه ويراجع ذاته، فيستدرك أخطاءه، ويصحح مساراته الخاطئة، فعلى سبيل المثال: لما ظهرت بعض الحركات المتشددة بعد أحداث 11 سبتمبر، والتي كفرت المجتمعات المسلمة، واجهه خطاب آخر من داخل المنظومة الدينية بتقديم أطروحات بديلة. وحين برز النقاش مع التيارات الأخرى فإن علماء الشريعة وباحثيها ذهبوا إلى دراسة المنطق والفلسفة، بحثًا عن طريقة للنقاش المثمر، ولما احتكَّ الشرعيون بعامة المسلمين والشباب من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، ووقفوا على مشاكلهم، ذهبوا إلى الاطلاع على الفلسفة الأخلاقية والسياسية والاجتماعية وغيرها التي تفيد في معالجة مشاكل الأمة والشباب، ما جعلهم أكثر قربًا من المجتمع والواقع الاجتماعي، كما أن الخطاب الديني حين واجه التيارات المناهضة له ظهر هناك تسامح أكبر داخل الصف الإسلامي، والميل إلى الانفتاح في تقبل الآخر والاستفادة من جميع الآراء الموجودة داخل هذا الصف.

-     تتمثل أولويات البحث المعرفي الشرعي الحالي في الخليج في القضايا السجالية، كالإلحاد، والعلمنة والشذوذ والتطبيع.

-     هناك تحديات دينية تواجهها المجتمعات الخليجية، وهي تتمثل في ثقافة الاستهلاك في باب المفاهيم والمصطلحات، وبروز ظاهرة الإلحاد، وظهور الديانة الإبراهيمية، وظاهرة الإرجاء التي تحاول إبعاد الأحكام الشرعية عن الواقع، والحركات الدينية المتشددة، وغير المؤهلة، وسطحية نقد أطروحات الحداثة وما بعد الحداثة؛ حيث إنه يقتبس غالبًا من النقد الغربي.

-     وفيما يتعلق بمآلات التفكير الديني في الخليج فيرى البعض أن التيار التقليدي سيزداد تطورًا، وسيصبح هناك تقبلٌ للتعددية، وقبولٌ للرأي الآخر، وينتشر التيار القرآني، والتيار الصوفي العرفاني.

ثم جاءت الجلسة الثالثة التي ناقشت محور التفكير السياسي، وقد دار الحديث فيها حول عدد من الأسئلة المهمة، منها: ما طبيعة التحولات الحاصلة في الوعي السياسي الخليجي؟ وهل ثمة تغيُّر في الوعي الشعبي الخليجي تجاه القوى الإقليمية والدولية؟ وما مستقبل التفكير السياسي في الخليج؟

ويمكن أن نلخص أهم الإجابات التي أدلى بها المشاركون في هذه الجلسة فيما يلي:

-     هناك وعي سياسي متزايد في المجتمعات الخليجية، ولكنه يتفاوت من مجتمع إلى آخر.

-     إن الفكر القبلي هو السائد في المجتمعات الخليجية، وهو يتصادم مع الديمقراطية؛ لأنه يؤدي إلى التفريع الهوياتي، وتاليًا يذهب المواطن الخليجي إلى صناديق الاقتراح، مثلًا، وهو متشبع بالهوية القَبَلِيَّة، وهذا ما يؤثر في خياراته الانتخابية بطبيعة الحال، ومن هنا تواجه المجالس التشريعية في الخليج إشكالات عديدة، منها: عدم استقلالية هذه المجالس وأعضائها، وتاليًا لا تستطيع أن تؤدي الدور المطلوب منها، وكانت النتيجة الطبيعية أن أصبحت العمليات الديمقراطية شكلية إلى حد كبير؛ حيث تحاول الأنظمة أن تقدِّم حل "الصندوقراطية"، وهو الذهاب إلى الانتخابات، دون أن يكون لها أي قيمة وتأثير في الواقع العملي.

-     إن القيم الديمقراطية فشلتْ في المجتمعات الخليجية، في حين أثبتت القيم الدينية، والعدالة الاجتماعية، وغيرها من القضايا أهميتها؛ لذا يمكن القول بأن النظام الديمقراطي يتوافق مع طبيعة الغرب الذي يعطي قيمة كبيرة لحرية الفرد، في حين أن الجماعة المتمثلة في القبيلة هي التي تحظى بقيمة أكبر في مجتمعاتنا.

-     يرى البعض أن هناك فكرة صاعدة، وهي أن العلاقة بين الديمقراطية والاقتصاد في دول الخليج عكسية؛ فكلما تتطور الديمقراطية يتدهور الاقتصاد، والعكس صحيح

-     إن ظاهرة شراء العقارات من مواطني دول الخليج لا تشير إلى حالة الوفرة فقط، بل تعني أيضًا أن المواطن الخليجي لا يشعر بالأمان في بلده؛ حيث إنه يعيش حالة قلق دائم؛ لأنه قد يفقد في لحظة كل شيء، حتى جنسيته، نتيجة أفكاره وحرياته؛ حيث إن الجنسية تستخدَم في بعض دول الخليج كأداة عقوبة أو مكافئة، وهو ما يشكل خطرًا كبيرًا على المواطن الخليجي.

-     إن الدول المجاورة للخليج تمتلك مشاريع مستقلة، كإيران وتركيا وإسرائيل، في حين أن دول الخليج ليست لديها مشاريع، عدا دولة قطر والإمارات العربية المتحدة اللتين تمتلكان مشاريعهما الخاصة، غير أنها قد تتقاطع مع مشاريع أخرى، وهو ما يشكل تحديًا بالنسبة إلى الدول الأخرى، كما أن هذه المشاريع لا تضع في الحساب مصالح المنطقة الكلية.

-     هناك تحديات تواجهها المجتمعات الخليجية فيما يتعلق بالجانب السياسي، منها: التدخل الخارجي في سياسات الخليج، ومحاولة التماهي بين السياسة الخارجية والهوية الوطنية، وتوجيه وعي الناس إلى توجهات الدول ومصالحها.

-     لا يمكن إنكار دور الدول في تطور المجتمعات؛ لذا لا يصح شيطنتها، فلا بد أن يكون دور كل من المجتمع والدولة مكمِّلًا للآخر.

-     يرى بعض المشاركين أن الهزائم التي منيت بها الشعوب العربية في الربيع العربي جعلت المجتمعات الخليجية تشعر بعدم الجدوى من الحراك السياسي، كما أن الهجوم الشرس الذي واجهته دولة قطر من بعض الدول الغربية أثناء كأس العالم جعل الشباب يميلون إلى العودة إلى الإسلام التقليدي بدل الإسلام التحديثي؛ لأنهم شعروا بفشل هذا الأخير.

وأخيرًا جاءت الجلسة الرابعة التي تناولت محور التفكير العلمي الذي تولّى الإجابة عن أسئلة رئيسة، منها: ما طبيعة الانشغالات العلمية لدى الشباب الخليجي في المرحلة الحالية؟ وما التحديات العلمية والمعرفية التي تواجه الشباب الخليجي؟ وما مستوى ثقة المجتمعات الخليجية في المؤسسات الأكاديمية؟ وما مدى إسهامها في صناعة الوعي العلمي؟

وفيما يلي، نورد أهم الإجابات التي أدلى بها المشاركون في تناولهم للأسئلة المطروحة، وهي:

-     إن المجتمعات العربية والإسلامية، منها المجتمعات الخليجية، كانت متأثرة بأفكار الحضارات الأخرى في الماضي، وهي تتأثر الآن بشكل كبير بالفكر الغربي.

-     مفهوم التفكير العلمي قد تأثر بالتفكير في العلوم الطبيعية، وقد طغى على التفكير الشبابي في الخليج التفكير العاطفي والعفوي والتقليدي.

-     هناك تحديات كثيرة تواجهها المجتمعات الخليجية فيما يتعلق بالتفكير العلمي، منها: التقصير في دعم البحث العلمي، وطغيان التفكير الخيالي والأسطوري، والتعصب للرأي التقليدي، والتحدي اللغوي والرقمي، وثقافة استهلاك المنتجات المادية الغربية دون المشاركة في تطويرها، وعدم اهتمام التعليم الخليجي بالموضوعات الحيوية التي تمس المجتمعات، والتقليد الأعمى للغرب، ونظرة المجتمع السلبية إلى تخصصات العلوم الاجتماعية.

-     ويرى بعض المشاركين أن بعض هذه المشاكل يمكن حلها من خلال التشجيع على الحوار العلمي، والنقد المعرفي، ودعم مراكز الأبحاث لسد الفجوات المعرفية، وتفعيل دور القطاع الخاص ورجال الأعمال في دعم البحث العلمي.

-     هناك من يرى أن التفكير العلمي في المؤسسات العلمية الخليجية لم يتطور أبدًا، مع أن التخصصات الاجتماعية والإنسانية في المجتمع الخليجي تشكو مِن التمييز من قبل أقسام التخصصات العلمية. في حين يرى آخرون أن التفكير العلمي لا يمكن أن يتكون في الجامعات؛ لأنه يبدأ من الصغر، ولكن الجامعات تعد منافذ مهمة لتطويره.

 

للاقتباس: نعيم الحق، حسين محمد. «تقرير عن المنتدى الخليجي الحواري: إلى أين يتّجه الخليج فكريًا؟ قراءة في تحوُّلات المشهد الفكري الخليجي ومآلاته - مركز ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة قطر، 17-18 فبراير 2023»، مجلة تجسير، المجلد الخامس، العدد 1 (2023).

© 2023، نعيم الحق، الجهة المرخص لها: دار نشر جامعة قطر. نُشرت هذه المقالة البحثية وفقًا لشروط Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0). تسمح هذه الرخصة بالاستخدام غير التجاري، وينبغي نسبة العمل إلى صاحبه، مع بيان أي تعديلات عليه. كما تتيح حرية نسخ، وتوزيع، ونقل العمل بأي شكل من الأشكال، أو بأية وسيلة، ومزجه وتحويله والبناء عليه، طالما يُنسب العمل الأصلي إلى المؤلف.