تقرير

ندوات مجلة تجسير الدورية (عن بعد)

مركز ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة قطر:

أكتوبر- ديسمبر 2022، يناير 2023

نورة حمد الهاجري

 مساعد باحث، مركز ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة قطر

nouraalhajri@qu.edu.qa

Report

 Tajseer Journal Monthly Seminars (Virtual)

 Ibn Khaldon Center for Humanities and Social Sciences, Qatar University on:

Oct.-Dec. 2022, Jan. 2023

Noura Hamad Al-Hajri

Research Assistant, Ibn Khaldon Center for Humanities and Social Sciences, Qatar University

nouraalhajri@qu.edu.qa

 

تعقد مجلة تجسير لدراسات العلوم الإنسانية والاجتماعية البينية ندوة دورية، تستضيف فيها عددًا من الأكاديميين والباحثين من جامعة قطر والجامعات العربية، أساتذة وطلابًا. تقام هذه الندوات عن بعد عبر برنامج ويبكس؛ لتصل المجلة في غاياتها إلى عموم المهتمين بالبحث البيني، وتعمل على إيجاد منصة تجسيرية، تربط بين شتى التخصصات المختلفة، لا سيما العلاقات بين المعارف الإنسانية والاجتماعية. تسعى مجلة تجسير إلى استقطاب الكفاءات البحثية في الدراسات البينية لتبادل الخبرات، والتحاور حول قضايا البينية النظرية والتطبيقية مع الباحثين الجدد من طلبة الدراسات العليا، والساعين لخوض غمار البحث البيني. من أجل ذلك تتنوع أطروحات كل ندوة، إلا أن الخيط الناظم بينها هو الفكر البيني التجسيري الذي يرى التخصصات وصلًا لا فصل، وتكاملًا لا تجزئة.

وقد حظيت المجلة بمشاركة متنوعة في التخصصات والمؤسسات، والدول، وتجلى ذلك في انطلاق هذا الموسم بتنظيم المجلة أربع ندوات، جاءت مخرجاتها على النحو الآتي:

الندوة الأولى: التجسير المعرفي بين معاني التكليف ورؤى ما بعد الإنسانوية أكتوبر 2022

في هذه الندوة، حاضر الدكتور مشاري الرويح، أستاذ مساعد في العلاقات الدولية بجامعة قطر حول فكرة: "حل المشاكل المعقدة والنقد المعرفي والقيمي في المشهد المعرفي الغربي، في ظل التوجه إلى الرُؤى ما بعد الإنسانوية في العالَم الغربي"، تطرّق فيها إلى المسارات المعرفية الغربية التي تتعامل مع الظواهر، فهي إما تعتمد النمذجة المبنية على الرياضيات كمدخل تجسيري لحل المشاكل، أو تنصرف إلى الفلسفة كمدخل بيني للإرشاد والنقد القيمي والمعرفي. في حين لا يُوحد أي موقع للوَحْي في خريطة المعرفة الغربية. فالنمذجة الرياضية لتدبير شؤون العالَم تُعدُّ "استكبارًا علميًا"؛ حيث إن طريقة النمذجة عجزت عن تقديم رؤى كلية لقضايا الوجود والقيم والمعرفة، ومع ذلك حاولت تقديم حلول للمشاكل اعتمادًا على التنظيم الذاتي والمحاكاة الحاسوبية؛ فكانت النتيجة لهذه العملية أن نُقلت الفاعلية من الإنسان إلى النظام الذي أصبح الإنسان جزءًا منه. فكان مآل الحال خسارة أي معنى للقيم والمعارف وفقدان القدرة على بناء الحجة الأخلاقية. ولأجل تصحيح المسار، اقترح الرويح معنى "التكليف" بالمعنى الشامل، كبديل للفاعلية الإنسانية، وذلك في إطار التجسير المعرفي؛ حيث إن التكليف يستند إلى قوة التوحيد، وتاليًا يمتلك القدرة على التعامل مع التفكيك الإنساني، كما إنه يُعلي من قيم المسؤولية الأخلاقية، التي تربط العلاقات الدولية بجوهر الفاعلية الإسلامية؛ لأنها القنوات الرئيسة في ظل الاستكبار العلمي الغربي تمثل مصادر تجهيل البشر عن التكليف، ويبنى التكليف عبر آليتي العلم والعزم؛ فالأول يقدِّم الإرشادات والنقد القيمي المعرفي، في حين أن الثاني يقدم الحلول لمشاكل الواقع، وهكذا يجسِّر التكليف بين مسار الإرشاد والنقد القيمي المعرفي ومسار حل المشاكل.

الندوة الثانية: أطروحة التكامل المعرفي: مخاطر التلفيق وآفاق التجسير نوفمبر 2022

جاءت مداخلة الدكتور محمد هُمام، أستاذ اللسانيات القانونية بجامعة ابن زهر بالمغرب حول "التكامل المعرفي وآفاق التجسير في الفكر والتاريخ العلميين؛ عربيًا وغربيًا"؛ حيث بيّن الدكتور همام أهمية موضوع التكامل المعرفي الذي بات حديث الوسط الأكاديمي غربيًا وعربيًا على حد السواء، رغم ضبابية كثيفة وسيولة يصعب معهما تحديد وضع معين لهذا التكامل وتلك الرؤية المتجاوزة للتخصص؛ نظرًا لما امتاز به المجال المعرفي من هيمنة وسلطة للبراديغم والنموذج التجزيئي القائم على الفصل بين التخصصات، في حين أن الدعوة لتكامل العلوم هي دعوة لأنسنة المعرفة ودعوة لتحريرها بالتخلص من مركبات التحيّز التخصصي. ولتأكيد هذه الأهمية أشار همام إلى المحاولات الكبيرة إلى أن الموضوع تعتريه مصطلحات عدة، مثل: تكامل العلوم، والحوار بين العلوم، والتلاقح، والتعاون والتجسير، والتقريب والتبيئة، وهو ما يدفع إلى بحث مصطلحي في هذا الجانب. من جهة أخرى، يرى همام نموذجين تربعا على عرش تاريخ العلم؛ نموذج غربي ساد مع النهضة الأوروبية، وقام على تقسيم العمل، وإضافة علوم جديدة واستبعاد أخرى، مثل: الفلسفة والدين، والتأسيس لبراديغم جديد يقوم على الفيزياء والتجربة والقاعدة والتنبؤ، فقد قام هذا النموذج على الفصل لا الوصل بين القيم والأخلاق والفلسفة؛ ليحلّ محلها النموذج الوضعي التجريبي. في المقابل كانت المعرفة الإسلامية قبل ذلك بقرون تتأسس على الوصل – وهذا هو الاختلاف – فالعلوم الإسلامية المختلفة كلها تدور في فلك الدين والقرآن الكريم...إلى أن تحوّلت المعرفة الإسلامية إلى الوافد الجديد أمام الحركة الاستعمارية، والتزم علماؤها وباحثوها بتطبيق هذا المنهج التجزيئي القائم على الفصل بين التخصصات، دون إنكار لما حققّه من إنجازات. وقد ذكر المحاضر جهود بعض العرب والغربيين الذين مارسوا وحققوا التكامل معتمدين نموذج الوصل في علومهم وكتاباتهم وقد عرّج في ورقته إلى معوقات التكامل المعرفي، وذكر منها: الإيديولوجيا التي تعيق التواصل المعرفي بين التخصصات والمتخصصين، والمفاهيم وصناعتها، وحاجز اللغات، والنموذج التجزيئي والتجريبية في العلوم الإنسانية، خاتما بأهمية مفهوم التجسير دون غيره من المفاهيم، مثل: التقريب والتبيئة والتداخل؛ فالتجسير – حسب وجهة نظر المحاضِر – يعطي فرصة للحوار لا الإقصاء والإلغاء.

الندوة الثالثة: إشكالية الوصل والفصل ما بين العلوم الإنسانية والاجتماعية من خلال الثنائي التاريخ والفلسفة: دراسة حالات في سياقات تاريخية ديسمبر 2022

في هذه الندوة، تطرّق الدكتور وجيه كوثراني، أستاذ التاريخ في معهد الدوحة للدراسات العليا إلى "العلاقة المتأصلة بين الفلسفة والتاريخ"، وما يتجاذبهما من معارف مهمة؛ مثل: السياسة، والاقتصاد، والأنماط الاجتماعية، والأخلاق. فهي ما تشكل في مجموعها حالة غنية ومعقدة بتركيبها ومتجاذبة في الحاجة والاستخدام المعرفي لها بين الفيلسوف والمؤرخ، مع الاعتراف باستحواذ الفلسفة على تلك المعارف على مدار الأزمنة التاريخية منذ المرحلة اليونانية وحتى العصور الأوروبية الحديثة ومرورًا بالحضارة الإسلامية الكلاسيكية. ولتبيان حالة الاتصال. عرض د. كوثراني ثلاث حالات تاريخية؛ أولها: الزمن اليوناني القديم؛ إذ ثمة علاقة واطلاع من قبل كل جهة على جهد الضفة الأخرى، فقد أشار الدكتور وجيه إلى اطلاع الفيلسوف أرسطو، بل حتى أفلاطون نسبيًّا على التواريخ اليونانية، وثانيهما: النموذج الإسلامي الكلاسيكي الذي امتلك شبكة من العلاقات بين التاريخ والفلسفة، وما بينهما من أنواع الكتابات التي أسمّاها بالكتابات الحرّة المتنوعة والتي ضمّت كمًّا هائلًا من أنماط الحياة الاجتماعية والسياسية ومراتبها الرسمية والشعبية لدى الخواص والعوام، مبينًا ما أسهم فيه عدد من العلماء العرب، أمثال ابن خلدون. أما المحطة التاريخية الثالثة؛ تمثلت بالنموذج الغربي الأوروبي الممتد من الربع الأخير من القرن التاسع إلى أوائل القرن العشرين الميلادي، فهذا العصر هو عصر الفلسفات بامتياز، كما أنه عصر الثورات، والحروب، والإيديولوجيات المتصارعة المختلفة. أشار المحاضر في ختام مداخلته إلى التنافس العلمي المحموم الذي أودى بتخصصات مثل علم الاجتماع وعلم النفس بالانفصال عن الفلسفة بجهود عدد من العلماء والمفكرين، وعلى رأسهم دوركايم وفيبر، بالإضافة إلى جهد الجيل الجديد من المؤرخين الذين سعوا لكتابة تاريخ اجتماعي مُكّمل للتاريخ السياسي مؤسسين بذلك مجلة (الحوليات). وبهذا يصل المحاضر لحقيقة مفادها أن العلوم والمعارف في حالة تجاذب تارة، وحالة تنافر تارة أخرى تقف خلفها إيديولوجيات وأفكار.

الندوة الرابعة: دراسة تاريخ أهل السنة والجماعة: مقاربات متعددة يناير 2023

غوصًا في مصطلح أهل السنة والجماعة وتفكيكًا له، جاءت مداخلة الأستاذ الدكتور بشير نافع ؛ حيث تناول الموضوع من عدة زوايا، منها: التاريخي، والسياسي، والديني، والفكري عبر التاريخ الإسلامي؛ لفهم أكبر وعرضٍ أوضح لهذه الجماعة الدينية. بيّن نافع أنه رغم دراسات وجهود عدد من المفكرين المبرّزين في التاريخ الإسلامي أمثال: هودجستون، ورضوان السيّد، وجورج المقدسي وغيرهم عربا وأجانب، إلا أن تلك الجهود لم توضح وتكشف عن بدايات تشكل هذا المصطلح وجذوره. ووصل الباحث بعد تعقبه للمواقف والأحداث السياسية وانتقال السلطة والفتن، وبروز المذاهب الكلامية كالمعتزلة والطوائف المتنوعة، وارتباطات هذا المصطلح بمصطلح أهل الحديث، منتهيًا بعد عرضه إلى نتيجة مفادها: أن المذهب الفقهي كان الحاضنة الأساسية لأهل السنة والجماعة؛ فالناس كانت تعرف وتتداول الفقه الحنبلي والشافعي والحنفي والمالكي، لذا فإن فهم أهل السنة والجماعة مربوط بفهم المذاهب الفقهية هذه. وقد بيّنت نتائج بحثه مسألتين؛ الأولى: التصوف ومآل حالها وانتمائها لجماعة أهل السنة والجماعة، والثانية: انعدام الصلة بين جماعة أهل السنة والجماعة والسلطتين السياستين؛ الأموية والعباسية. مؤكدًا على تشابك الموضوع، وهو ما استدعى فهمًا عابرًا للتخصصات؛ لكي يصل إلى هذه النتائج.

هذا، وتستكمل المجلة ندواتها الشهرية الأخرى لهذا الموسم، كما تعرض ندواتها مسجلة عبر صفحة مركز ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية على اليوتيوب للمهتمين؛ سعيًا لتكوين مكتبة مرئية للبحث البيني الذي تتبّنى نطاقه ومجالاته وتقاطعاته المعرفية.

عنوان قناة مركز ابن خلدون : QU_Ibn Khaldon Center

للاقتباس: الهاجري، نوره حمد. «تقرير عن ندوات مجلة تجسير الدورية (عن بعد) - مركز ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة قطر: أكتوبر- ديسمبر 2022، يناير 2023»، مجلة تجسير، المجلد الخامس، العدد 1 (2023).

© 2023، الهاجري، الجهة المرخص لها: دار نشر جامعة قطر. نُشرت هذه المقالة البحثية وفقًا لشروط Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0). تسمح هذه الرخصة بالاستخدام غير التجاري، وينبغي نسبة العمل إلى صاحبه، مع بيان أي تعديلات عليه. كما تتيح حرية نسخ، وتوزيع، ونقل العمل بأي شكل من الأشكال، أو بأية وسيلة، ومزجه وتحويله والبناء عليه، طالما يُنسب العمل الأصلي إلى المؤلف.