تاريخ الاستلام: 16 يناير 2023
تاريخ القبول: 19 فبراير 2023
مقالة بحثية (مترجمة)
تأليف: فينسينزو بوليتي**
ترجمة: سفيان وعكي
محاضر في المعهد العربي الأمريكي، وباحث في جامعة محمد الخامس، المغرب
غالبًا ما توصف الأبحاث البينية الحديثة بأنها إضفاءُ بعض التغييرات المهمة على بنية المؤسسات البحثية وأهدافها. فقد وسمت، أحيانًا، بأنها نوع من الثورة العلمية الكُونِية***. لذلك، ستُحلل هذه الورقة التناظر بين البينية والثورة العلمية، كما ستقترح أن السبيل الذي شُجعت به البينية تبدو مماثلة للكيفية التي وصفت بها وعورضت بها البراديغمات الجديدة في بعض فترات تحولات الثورة العلمية. ومع ذلك، وعلى النقيض مما حدث إبان بعض الثورات العلمية، لا يبدو أن الخطاب الذي يروج للبينية مصحوب بتوافق صلب حول ماهية البينية في الواقع. وأخيرًا، يمكن تعريف البينية الحديثة بوصفها مرحلة "ما قبل البراديغم"، وذلك في سياق أن الحديث نفسَه الذي يشجع البينية يعتبر عقبة محتملة في طريق نضجها.
الكلمات المفتاحية: البينية، الخطاب العلمي، التخصصات العلمية، الثورة العلمية، توماس كون
للاقتباس: وعكي، سفيان (مترجم). «ثورة البينية لفينسينزو بوليتي»، مجلة تجسير، المجلد الخامس، العدد 1 (2023)
© 2023، وعكي، الجهة المرخص لها: دار نشر جامعة قطر. نُشرت هذه المقالة البحثية وفقًا لشروط Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0). تسمح هذه الرخصة بالاستخدام غير التجاري، وينبغي نسبة العمل إلى صاحبه، مع بيان أي تعديلات عليه. كما تتيح حرية نسخ، وتوزيع، ونقل العمل بأي شكل من الأشكال، أو بأية وسيلة، ومزجه وتحويله والبناء عليه، طالما يُنسب العمل الأصلي إلى المؤلف.
Submitted: 16 January 2023
Accepted: 19 February 2023
Research Article (Translated)
The Interdisciplinarity Revolution
Authored by: Vincenzo Politi
Translated by: Soufiane Ouaki
Lecturer at the Arab American Institute, and Researcher at Mohammed V University, Morocco
ouaki.soufiane19@gmail.com
Abstract
Contemporary interdisciplinary research is often described as bringing some important changes in the structure and aims of the scientific enterprise. Sometimes, it is even characterized as a sort of Kuhnian scientific revolution. In this paper, the analogy between interdisciplinarity and scientific revolutions will be analysed. It will be suggested that the way in which interdisciplinarity is promoted looks similar to how new paradigms were described and defended in some episodes of revolutionary scientific change. However, contrary to what happens during some scientific revolutions, the rhetoric with which interdisciplinarity is promoted does not seem to be accompanied by a strong agreement about what interdisciplinarity actually is. In the end, contemporary interdisciplinarity could be defined as being in a ‘pre-paradigmatic’ phase, with the very talk promoting interdisciplinarity being a possible obstacle to its maturity.
Keywords: Interdisciplinarity; Rhetoric of Science; Scientific Disciplines; Scientific Revolutions; Thomas Kuhn
Cite this article as: Ouaki, Soufiane. (Translator) "The Interdisciplinarity Revolution by: Vincenzo Politi," Tajseer Journal, Vol. 5, Issue 1 (2023)
© 2023, Ouaki, licensee QU Press. This article is published under the terms of the Creative Commons Attribution-Non Commercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0), which permits non-commercial use of the material, appropriate credit, and indication if changes in the material were made. You can copy and redistribute the material in any medium or format as well as remix, transform, and build upon the material, provided the original work is properly cited.
توصف الأبحاث البينية الحديثة غالبا بأنها إضفاء بعض التغييرات المهمة على بنية وأهداف المشاريع البحثية. فقد وسمت، في بعض الأحيان، بأنها نوع من الثورة العلمية الكُونِيَّة. ومع ذلك، هل تضفي البينية ثورة على العلم فعلا؟
في هذه الورقة العلميّة، عملت على معالجة التناظر بين البينية والثورة العلمية، على نحو جدّي، فالطريقة التي وصفت وشجعت بها البينية ستُحلل عن طريق أجرأة الأدوات التي طوّرت من قِبل المؤرخين وفلاسفة المعرفة لدراسة التحول العلمي، فكل تحليل سيسمح لي بتقييم مدى، وأيضا حدود، التحولات التي يمكن أن تضفيها البينية على العلم.
في الجزء الأول من هذا المقال، سأفحص باقتضاب تعريفات البينية، وفي الجزء الثاني سأبين كيف وصفت البينية باعتبارها إضفاءً لتغيير ثوري في بنية العلم. أما في الجزء الثالث، سأحدد أي نوع من الثورة، إن كانت موجودة، التي يمكن للبينية أن تضفيها على العلم. وسأقترح أن البينية بإمكانها أن تقود إلى شيء مماثل لتلك الفترات من التغيير العلمي، كالتحول من المفهوم الأرسطي للعلم إلى المفهوم الغاليلي (Galileo Galilei)، الذي تكتنفه البنية التخصصية الشاملة للعلم بدلًا من تخصص واحد. وفي الجزء الرابع، سأناقش بعض اللاتناظرات بين الثورات العلمية والبينية. وسأحاجج أنه بخلاف ما حدث مع بعض الثورات العلمية، لا يبدو الخطاب الذي شُجعت به البينية مصحوبا بتوافق صلب حول ما تعنيه البينية في الواقع. وسأختم في الفقرة السادسة بتوصيف البينية الحديثة باعتبارها مرحلةَ "ما قبل البراديغم"، وذلك عن طريق الاستدلال بأن الحديث عن البينية يمكن أن يكون في الواقع عقبة في طريق نضجها.
يعتبر تعريف البينية من بين أهم إشكالاتها، فكما أشار مشيل هوفمان وآخرون[1]، كانت البينية "كلمة رنانة" خلال العقود الأربعة أو الخمسة الأخيرة، رغم نقص الوعي الحاصل حول ما تعنيه تحديدا.
إن الأدبيات المتعلقة بهذا الموضوع غالبًا ما تميز بين تعدد التخصصات (الجهود التوفيقية لمختلف التخصصات بهدف حل إشكال مشترك من منطلق جهة نظرها الخاصة)، والبينية (تكامل تخصصات مختلفة، في المستوى النظري والمنهجي)، وعبور التخصصات (مقاربة تعبر الحدود بين العلوم الطبيعية والاجتماعية، كما تُسائِل فكرة التخصصات العلمية نفسها)[2].
ويبدو، من الوهلة الأولى، أنّ "التكامل" هو العنصر المفتاح لتمييز البينية عن باقي أشكال البحث متعدد التخصصات، وقد دوفع عن وجهة النظر هذه من طرف كلاين، الذي حاجج بأن "البينية الحقيقية الوحيدة هي البينية التكاملية؛ حيث تساهم مفاهيم وتصورات أحدها في إشكالات ونظريات أخرى"[3]. وقد اعتُمدت جهة نظر مماثلة، في الآونة الأخيرة، أيضًا من لدن مؤلفي التقرير الذي استُشهدَ به على نطاق واسع للأكاديمية الوطنية للعلوم، الذين عرّفوا البينية باعتبارها:
وجهًا من البحث من طرف فرقٍ أو أشخاص يدمجون معلومات، ومعطيات، وتقنيات، وأدوات، ومنظورات، ومفاهيمَ، و/أو نظريات من منطلق تخصصين أو أكثر، أو جسم من المعرفة المتخصصة بهدف تقديم فهم أساسي، أو لحل إشكالات تعتبر حلولها خارج نطاق المجال التخصصي الأحادي، أو مجال ممارسة البحث[4].
ومع ذلك، استُدِلّ على أنه ليس كل تفاعل بيني يفضي إلى تكامل ناجح (غرون يانوف 2016 Grüne-Yanoff). فقد يُستفاد من العديد من سيرورات التعاون البيني ببساطة، أو تفضي إلى إنتاج "قوالب نموذجية"[5] وسجلات[6]، أو "نماذج الهجرة"[7].
وعلاوة على ذلك، يمكن النظر إلى تعدد التخصصات، والبينية، وعبور التخصصات، بوصفها مستويات مختلفة للسيرورة نفسها، بدلًا من كونها أنواعًا مختلفة من الأنشطة: فقد يبدأ البحث العلمي بتداخل تخصصات مختلفة، والتي قد تتكامل مع مرور الوقت، وربما تخلُص إلى كسر الحدود التخصصية على نحو تدريجي. وقد يكون هذا سببًا لتفسير استعمال هذه المصطلحات، خصوصًا "بيني" وعبور التخصصات، غالبًا على نحو تبادلي.
وبهذا، لا تهتم هذه الورقة بتعريف وتصنيف الأنماط المختلفة للنشاط العلمي، إذ ستحذو حذوَ الاتجاه السائد الذي يعرف "البينية" و"البحث البيني" بمعنى فضفاض إلى حد ما، وذلك بهدف الإشارة إلى كل أنماط البحث العلمي الذي ينطوي على أكثر من تخصص واحد.
ليست البينية ظاهرة حديثة في تاريخ العلم. فقد برزت العديد من التخصصات العلمية كالكيمياء الحيوية، من منطلق العمل البيني الذي أُجري في مجال التداخل الجزئي لتخصصين أو أكثر، من التخصصات الموجودة سلفًا، والأمر الذي استُجِدَّ هو الطريقة المحددة للحديث عن البينية.
لقد بدأ تصور البينية في السنوات الأخيرة باعتبارها الطريقة المثلى لحل الإشكالات الدولية الشائكة والمعقدة، كما اعتبرت القادرةَ على حل الإشكالات، أو على الأقل المشاكل المختلفة، أكثر من البحث الأحادي التخصص التقليدي، فالبينية ينُظر إليها عادة باعتبارها تضفي تحولًا أساسيًا على العلم، وعلى نحو أدق، توصف البينية باعتبارها تغييرًا لكيفية إنتاج المعرفة، بالإضافة إلى نمط المعرفة المُنتجة.
اقترح غيبونس وآخرون[8]، وناوتني وآخرون[9]، على سبيل المثال، مفهوم "الوجه الثاني لإنتاج المعرفة"، وعلى النقيض من الوجه الأول للتخصص التقليدي، يعترض الوجه الثاني على المثالية الداخلية لنشاط علمي خالص، يهتم فقط بإشكالاته المضمرة، ويحدث بدلًا من ذلك داخل اللولب الثلاثي (three-folded helix) لمؤسسات العلم والمجتمع. وعلى هذا الأساس، تعتبر البينية مقتدرة على كسر الحواجز بين التخصصات العلمية، وبين العلم كذلك من جهة، والمؤسسات العامة والمجتمع من جهة أخرى.
لقد أُكِّدَ كذلك على أن شكلا جديدا للمعرفة؛ أي "المعرفة المتبادلة"، "يظهر عندما تُنشأ رؤى جديدة، وتعرّف العلائق التخصصية من جديد، ناهيك على بناء أطر تكاملية"[10]، وقد عرفت البينية حديثًا على أنها تؤمّن "بُعدًا جديدًا حيويًّا لإنتاج المعرفة"[11].
ورغم أنه ليس من الواضح تمامًا "كيف" يُنتج مثل هذا النمط من المعرفة فعلًا، أو "ما يحيل عليه"، إلا أنه لا يمكن إنكار أن الحديث في الوقت الحالي حول البينية يصفها باعتبار أنها تضفي تحولًا جذريًّا في العلم، بل إنها توسم، أحيانًا، بأنها متناظرة على نحو ما مع ما يعرّفه كُوْن بـ"الثورات العلمية".
وجدير بالذكر أن كُونْ (1962، 1996) طور نموذجًا دوريًّا لتطور العلم، يعرف خلاله العلم العادي قطيعة عن طريق ما يطلق عليه الثورات العلمية، ففي فترات العلم العادي، يوجه النشاط العلمي بواسطة البراديغم المهمين، الذي يتألف من الافتراضات النظرية والميتافيزيقية، والقيم، ومناهج حل المشكلات، ويحافظ المجتمع العلمي على أساسه على التوافق. وبفضل مثل هذا التوافق، يستطيع العلماء العمل على حل الإشكالات المطروحة، وبالطرق التي يقترحها البراديغم نفسه، دونما مساءلة لأسس المشروع العلمي في كل خطوة. فحينما يواجه العلماء عددًا كبيرًا من الإشكالات المستعصية، يمكن أن ينهار التوافق على البراديغم، وقد تؤدي هذه الوضعية إلى أزمة، والتي بدورها تفسح السبيل لفترة من البحث الاستثنائي (أو غير العادي)، والتي تؤخذ خلالها البراديغمات البديلة بالحسبان. إن الثورة تكتمل حين يصل المجتمع العلمي أخيرًا إلى التوافق على براديغم جديد، ينقض البراديغم القديم، ويسجل في الوقت نفسه انطلاق مرحلة جديدة للبحث العادي. وعليه، يمكن وصف الثورة العلمية بأنها "تحول براديغميّ". ويعتقد كُون أن براديغمات ما قبل الثورة وما بعدها غير متناظرة، وذلك بسبب أنها تفتقر إلى "مقياس مشترك" للمقارنة الموضوعية للغتها النظرية، ولمناهجها وجهة نظرتها للعالم. وهذا، باختصار، نموذج كون للثورة العلمية.
لقد استعمل بعض المختصين المصطلح الكوني لوسم البينية. فقد تحدث فانتوفيش ورافيتز (Funtowicz and Ravetz)، على سبيل المثال، عن "العلم ما بعد العادي"، بالإحالة إلى البحث العلمي الذي أجري في ظل المخاطرة وفي وضعية تعتبر فيها "الحقائق غير مؤكدة، والقيم متنازع عليها، والمخاطر عاليةً، والقرارات مستعجلة"[12]. إن هذا المقال ليس موضعًا لتحليل وتقييم مفهوم العلم ما بعد العادي، ذلك أن العديد من المختصين قاموا بذلك من قبل[13]. بالإضافة إلى ذلك، يجب التأكيد على أن العلم ما بعد العادي ليس الشيء نفسه المتعلق بالبينية، كما لا يمكن إطلاقًا أن يختزل ليصبح مثلها. ومع ذلك، فإنه صحيحٌ أن قدرًا كبيرًا من الأبحاث البينية، كالبحث في تغير المناخ العالمي، أو في القضايا البيئية على سبيل المثال، يمكن تصنيفها بسهولة على أنها علم "ما بعد العادي" بمفهوم فانتوفيش ورافيتز. ولتحقيق هذا الهدف، يكفي أن نسلط الضوء على كيف أن تعبير "العلم ما بعد العادي" يُردِّد بوضوح صدى المصطلح الكُوني، لدرجة أنه سيكون من المشروع التساؤل عما إذا كان ما يتحدث عنه فانتوفيش ورافيتز، بشكل أو بآخر، شكلًا من أشكال "الثورة العلمية".
لقد وُضع رابط صريح بين المفهوم الكوني للثورة العلمية والبينية من لدن بوهل وآخرين الذين حاججوا أن البينية وعلم عبور التخصصات يعتبران ثوريين في جوهرهما[14]، وبالإضافة إلى ذلك، بيَّنَ ريبكو وسوزتاك أنه:
كان التمييز الكوني بين العلم الثوري والعلم العادي مبالغًا فيه بلا ريب، وقد أُحلّ مكانه في دراسة العلم نقاشاتٌ أكثر جِدّة. ومع ذلك، فقد كان للتمييز الكوني آثارٌ مفيدة على النقاش الحالي (حول البينية). فالمختصون الذي يتبعون مناهج تخصصية حذو القذَّة بالقذّةِ سيسقطون على نحو واضح في فئة العلم العادي. أما وسط البينيين فمن المحتمل أن يحتفوا بالتوليفات الكبرى الجديدة التي تضع العلماء على مسار بحثي جديد تمامًا: وهذه التوليفات يمكن اعتبارها علمًا ثوريًّا[15].
يجب التدقيق في أن الحديث عن البينية في سياق تحول وثورات نظريات المعرفة ليس مستجدًا. وفي الواقع، يعتبر العديد من المختصين أن الثورات العلمية تأتي جنبًا إلى جنب مع الممارسة البينية، وقد قُدّم الاستدلال، على سبيل المثال، على أن صرامة البنية التخصصية في جامعات القرون الوسطى لم تسمح بقيادة التطور العلمي. إذ، في الواقع، إن الثورة العلمية تقع في مجملها خارج أسوار الجامعات. [...] فمصطلح "رجل نهضة" يُطلق على الأشخاص الذين لم يكونوا متخصصين في تخصص معين، ولكنهم انشغلوا بفروع معرفية متعددة"[16].
ويبدو أن كُون نفسه يتفق مع هذه الفكرة، خصوصًا في الجزء المتأثر بعمل وايز (Wise)، الذي فحص التفاعلات بين الممارسات في مختلف المجالات المعرفية، بالإضافة إلى المجال المعرفي في ذاته، وبين الوسط الثقافي الأوسع، لقد أدرك على سبيل المثال مرحلةً من قبيل ما يسمى بالثورة الكيمائية التي كانت ممكنة بفضل التطورات الفزيائية[17].
إن هدف هذه الورقة، مع ذلك، ليس فحص الدور المحتمل للبحث البيني في الثورات المعرفية، بل على العكس من ذلك ستسعى الفقرات القادمة إلى فحص ما إذا كان البحث البيني الحديث نفسه يضفي نوعًا من الثورة على العلم.
قد يُعترض على أن التناظر بين العلم البيني والثورات العلمية تناظر سطحي أو مضلل حتى، ويجب تجاهله بالتالي. وفي الواقع أنه بينما تعتبر الثورة الكونية تعويضًا لبراديغم قديم بآخر حديث في تخصص ما؛ كالفيزياء أو الكيمياء، فإن البينية تبدو على أنها تغيير، أو على الأقل، مساءلة حدود البنية التخصصية. فمن الممكن، حسب ما بيّنه بعض مؤرخي وفلاسفة المعرفة، أجرأة الآلة الكُونية لوصف فترات التحولات العلمية الثورية التي أثرت على بنية البحث بشكل شامل.
ويعتبر التحول بين العلم الأرسطي والغاليلي إحدى تلك الفترات. فمثل هذا التحول لم ينطوِ على تحولات نظرية داخل تخصص معين، إذ لا يمكن ربط ما يسمى بالأرسطيين، في الواقع، بالميتافيزيقا والفيزياء والرياضيات وعلم الفلك والشعريّة فحسب، بل بالكتلة الشاملة من التخصصات التي تشكل نسق التخصصات المركب الأرسطي. إن ما يُسمى بالغاليليين، على نحو مماثل، لم يهاجموا نظرية محددة أو تخصصًا محددًا، ولكنهم بدلًا من ذلك تحدّوا المبادئ المؤسسة للهيراركية (التراتبية) المهيمنة للعلوم.
لقد حُللت هذه الفترة من وجهة نظر كُونية من طرف بياجيولي (Biagioli) في ورقته الكلاسيكية أنثروبولوجيا اللاتناظر. بياجيولي لم يكن مهتمًا بالتحليل الصوري والسانكروني (التزامني) للاتنظرات بين براديغمين متنافسين، بل كان، بخلاف ذلك، مهتمًا بالظهور الدياكروني (التعاقبي) للإخفاقات التواصلية، بمعنى أنه أراد أن يبين كيف أن التعثرات التواصلية التي يتعرض لها، من جهة نظر كون، مؤيدو براديغمين متنافسين من حين لآخر أثناء ثورة علمية لا تعتمد على السمات المنطقية والدلالية فحسب لزوج من اللغات النظرية المتنازعة. بل قد يكون سبب تعثر التواصل عبر البراديغم، حسب بياجيولي، راجعًا إلى سلوك المشاركين في التواصل أنفسهم، أكثر من كونه مشكلة تغيير المعنى أو القطيعة الوجودية، واللاتناظرية ههنا قد تكون لها علاقة بخطابات وطموحات مجتمعين علميين متنافسين، ولهذا عرف بياجيولي عمله باعتباره "دراسة أنثروبولوجية للثورات العلمية واللاتناظرية".
من الواضح، من وجهة نظر بياجيولي، أن النقاش بين الأرسطيين والغاليليين لم يكن موسومًا بنقص حقيقي في الفهم المتبادل، بل هو عدم رغبة من الطرفين في التواصل وفهم مضامين جهة النظر تلك. لقد كان الفلاسفة الأرسطيون يميلون إلى رفض آراء غاليليو على نحو مسبقٍ إلى حدٍ ما، وقد كان هذا الموقف مدفوعًا بالفهم السائد للعلم في ذلك الوقت. وحتى ذلك الحين، وفي ظل البراديغم الأرسطي الذي استمر طويلًا، كان العلم يعتبر في جوهره دراسةً لمزاياه، وفي هذا الإطار احتلت التكهنات الفلسفية المركز الأول لهيراركية المعرفة. وبعبارة: إن الأمر ليس كما لو اختلف الفلاسفة الأرسطيون مع غاليليو؛ لأنهم أساءوا فهمه، بل إنهم لا يريدون فهمه؛ لأنهم لم يعتبروه عالمًا حقيقيًّا ابتداءً.
وكرد فعل على ذلك، استاء غاليليو والغاليليون من الجوانب الكمية والرياضية لكتاباتهم. لقد تَبَنَّوا "نخبوية رياضية" عمقت هوة التواصل مع منافسيهم، ويتجسد هذا السلوك في حوار غاليليو حول النسقين العالميين الرائدين؛ حيث تسخر شخصيَّتَا ساجريدو وساليفياتي، الذين يمثلان المنظور الغاليلي، من سيمبليسيو البسيط التفكير، الذي يمثل نسخة كاريكاتيرية من الفيلسوف الأرسطي. إنّ غاليليو يستخدم ما يسمى بالخطاب "البياني" أو "الاحتفالي"، الذي يفترض أن الجمهور متعاطف بالفعل مع الأطروحات التي من المفترض أن تُثبت مستقبلا. وعليه، فإنه عند إلقاء نظرة فاحصة يبدو أن حوار غاليليو ليس سوى حوارا حقيقيا[18].
إن الجدل بين الغاليليين والأرسطيين ينطوي على بعد أخلاقي أيضًا. فبالنسبة إلى غاليليو، كانت دوغمائية الأرسطيين في تجاهل الرياضيات أمرًا غير أخلاقي، وهو علامة على عدم رغبتهم في اتباع الحقيقية. أما بالنسبة إلى الأرسطيين، فقد كان غاليليو نرجسيًّا جدًّا ومنشغلًا بجمع حقائق جديدة بدلًا من محاولة فهمها على نحو صحيح. وعلى هذا الأساس، كان الافتقار إلى التواصل بين الغاليليين والأرسطيين من أعراض الاختلافات العميقة بين الروح المهنية للطرفين.
لقد كان في عمق سلوك كلّ من الأرسطيين والغاليليين منافسة حول المكانة والاعتراف الأكاديميَيْن. فإلى حدود النهضة، كانت العقيدة الأرسطية فحسبُ تُعتبرُ "العلمَ"، كما شغِل الأرسطيون كل المناصب الأكاديمية؛ حيث كانت الوظيفة الجامعية ببساطة ممنوعة على أولئك الذين لم يتّبعوا البراديغم المهيمن. لقد اعتُبرت الرياضيات علمًا أدنى، ونتيجة لذلك كافح علماء الرياضيات لدخول الأوساط الأكاديمية. وقد تمكن غاليليو، في الواقع، من مواصلة بحثه من خارج الأوساط الأكاديمية بفضل الرعاية، التي يمكن اعتبارها من منظور معاصر نوعًا من "التمويل الخاص"، لعائلة دي ميديشي[19]. وبالنظر إلى المناخ السائد في ذلك الوقت، يبدو واضحا أن الغاليليين حاولوا السخرية من المنهج الأرسطي بهدف اختراق الأوساط الأكاديمية، بينما رفض الأرسطيون الأسلوب الغاليلي بهدف حماية مناصبهم.
سيكون من السهل للغاية، مع ذلك، استبعاد السجال بين الأرسطيين والغاليليين باعتباره مجرد ظاهرة اجتماعية، والتي لا ينبغي أن تكون مصدر قلق بالنسبة إلى الفلاسفة الذين يهتمون بالعناصر المعرفية للعلم. إن إحدى القضايا الناشئة عن ظاهرة الثورات العلمية في كيفية فهم ما يطلق عليه بـ"العقلانية المستقبلية"، والتي بموجبها ينتهي الأمر بالعلماء إلى دعم براديغم جديد لم يُطور بالكامل، ولم يؤكد بعدُ بالكامل، الذي يقبل بعد ذلك لأسباب تجريبية إضافية. وليس في الإمكان فصل الجوانب الاجتماعية والخطابية للصراع بين المجموعات المهنية المتنافسة عن المشكلة المعرفية لاختيار براديغم أفضل. وفي الواقع، يمكن لهذه الجوانب الإبستمولوجية الإضافية أن توجه وتسهل الاختيار. وكما يشير بياجيولي[20]، "يتطلب إضفاء المشروعية على النظريات الجديدة كلّيا أو جهات النظر العالمية ثورات في الهيراركية الاجتماعية للتخصصات وظهور مجموعات اجتماعية مهنية جديدة"[21].
وباختصار، إنه من السهل، حسب بياجيولي، ملاحظة أن الأرسطيين والغاليليين لم يرغبوا في الانخراط في حوار حقيقي، وملاحظة كيف أن كلًّا منهما طور استراتيجيات خطابية لتشويه سمعة خصمه أو التقليل من شأنه، ومثل هذا العناد ورفض التواصل، الذي تغذيه جرعة جيدة من الخطاب البياني والأخلاقي والرغبة في الاعتراف المهني، عزز الإحساس بالهوية الجمعية والتماسك لدى كل من الأرسطيين والغاليليين. وفي المقابل، يبدو أن تكوين مثل هذا الإحساس القوي بالهوية المجتمعية – الذي سهل التواصل بين أعضاء المجتمع العلمي نفسه، لكنه منعه بين أعضاء المجتمعات المختلفة – سمح بمزيد من تفصيل وتنقيح النظريات التي طورها البراديغمان المتصارعان. ومن هذا المنطلق، لعبت فجوة التواصل التي يغذيها الخطاب دورًا معرفيًّا إيجابيًّا؛ لأنها دفعت إلى تجويد وصقل الرأيين المتصارعين.
إذا كانت البينية المعاصرة تضفي الثورة على العلم، كما حاجج عل ذلك عدة مختصين، فإن مثل هذه الثورة تنطوي على بنية التخصص العلمي بشكل شامل، وليس تغييرًا للنظرية في تخصص معين فحسبُ، وبالتالي يمكن ملاحظة ما إذا كانت الطرق التي يُنفّذ بهذا مثل هذا التغيير تتوافق مع نموذج بياجيولي.
وعلى نحو مماثل لما حدث خلال بعض الثورات العلمية، لا تعتمد البينية على أساس المعطيات التجريبية لغرض نجاحها فحسب، فقد نجح بعض التعاون البيني، كما أن نتائج بعض المشاريع البينية الأخرى لم تظهر بعد رغم ذلك. إن نجاح بعض المشاريع البينية المحددة في الماضي، مع ذلك، ليس سببًا كافيًا للتفكير في أن البينية "عمومًا" ستنجح في كل الأحوال، فلا يمكن تقرير ما إذا كانت مقاربة بينية ما ستحل بالفعل إشكالية معقدة معينة إلا بعد حدوثها. وبالتالي، فإن وضع المنافحين عن البينية يشبه حال المدافعين عن الرياضيات الغاليلية أثناء نزاعهم مع الأرسطيين، وذلك لما وجدوا أنفسهم ينافحون عن منهجية لم يثبت نجاحها. وعلى نحو مماثل، نظرًا لأنه من الصعب للغاية تقييم مزاياها المستقبلية، فإن الخطاب المحيط بالبينية غارق في العناصر الخطابية.
إن الاستراتيجية البيانية تُستعمل في بعض تقارير السياسة رفيعة المستوى التي تقترحها مؤسسات التمويل؛ حيث يبدو أن قيمة البينية والموقف المتعاطف إزاءها أمر لا محيص عنه. فعلى سبيل المثال، يُزعم في التقرير الذي سبق ذكره للأكاديمية الوطنية للعلوم، بطريقة استعراضية إلى حد ما، أن البينية:
بإمكانها أن تكون إحدى أكثر المساعي البشرية إنتاجية وإلهاما، فهي تؤمّن تنسيقًا للمحادثات والتواصل اللذيْن يفضيان إلى معرفة جديدة. وباعتبارها طريقة حديثة للتعليم والاستكشاف، فقد قدمت أشياء كثيرةً فعلًا، كما تَعِد ببيئة علمية مستديمة أكثر، وحياة صحية ومزدهرة أكثر، بالإضافة إلى تكنولوجيا حديثة لإلهام العقول الشابة، ناهيك عن فهم أعمق لموقعنا في الزمان والمكان. [...] إن البحث البيني والتعليم مستلهمان من الدوافع لحل الإشكالات والأسئلة المعقدة، سواء كانت مستخلصة من الفضول العلمي أو من المجتمع، كما تقود الباحثين في تخصصات مختلفة لتحقيق الوِجَاهات وحدود تلك التخصصات أو حتى لعبور تلك الحدود لتشكيل تخصصات جديدة[22].
وفي تقرير آخر للمؤسسة الوطنية للعلوم هذه المرة، يبدو أن البينية هي الترياق القادر على معالجة جميع أمراض العالم تقريبًا.
فمن الاستدامة الكونية، إلى الطاقة المتجددة، فأصول الحياة في الكون، إلى التنبؤ بالاضطرابات الاقتصادية واحتمالات التخفيف منها، يبدو أن أكبر التحديات العلمية، والتحديات التي قد توفر أكبر فرصة للحلول التكنولوجية التحويلة في القرن الحادي والعشرين، بينيةٌ بطبيعتها. ولعل المهارات المطلوبة من الجيل الجديد من العلماء والمهندسين لمعالجة هذه التحديات كانت وما تزال موضع نقاش على نطاق واسع[23].
وفي بعض الأحيان، قد يتخذ الخطاب المحيط بالبينية نغمات أخلاقية: بمعنى عدم الانخراط في البينية، وبالتالي عدم الانخراط في التغيرات البنيوية للبينية الأكاديمية التي قد تفضي إلى ما يعتبر مجرد "خطأ". ففي بداية مقال نُشر في مجلة "العالم The Scientist"، ادعى روبيرت خان (Robert Khan) أنه بهدف حل أغلب الإشكالات الملحة، ينبغي أن يُتصور البحث البيني باعتباره ضرورة علمية إلى جانب اعتباره ضرورة اجتماعية، أما بقية المقال فقد خصصه خان لفحص كيفية معالجة العراقيل المحتملة للبينية؛ حيث استهدف، على وجه الخصوص، البنية الأكاديمية وآليات التمويل الأساسي[24]. وعلى نحو مماثل، انتقد نيكولسكو ((Nicolescu النظام الأكاديمي الحديث، الذي بإمكانه أن يكون "قوميا"، "إقطاعيًّا" و"حمائيا"، ويجادل بأنه في الإمكان كسر حواجزه، أي النظام الأكاديمي، من خلال البينية[25].
وأخيرا، ليس من الصعب ملاحظة أن أحد أسباب دعم البينية يمكن أن يكون راجعًا إلى الرغبة في الاعتراف ببعض المجموعات المهنية وظهور مجموعات أخرى. إنه غالبًا ما يحاجَج بأن حل الإشكالات المعقدة في العالم الواقعي يقتضي جهدًا تكامليًّا لكلا العلوم الطبيعية والعلوم الاجتماعية، والتي ينبغي "إعادة تشكيل" حدودها[26]. وبغض النظر عن حل بعض الإشكالات، فإن "إعادة التشكيل" ستضفي أهمية أكبر أيضًا على أولئك الذين ينشغلون بالعلوم الاجتماعية وكذلك بالفنون والعلوم الإنسانية. وتكرارًا كما قاله بياجيولي، قد يقتضي إضفاء المشروعية على طريقة جديدة للممارسة العلمية، ثورات في الهيراركية الاجتماعية للتخصصات، ولظهور مجموعات مهنية اجتماعية جديدة.
لقد وضّحت، نسجًا على منوال بياجيولي، في الفقرة السابقة كيف تتشابك الحوافز المهنية، والمناورات الخطابية والعناصر الإبستيمية في بعض الثورات العلمية. إن العزلة التواصلية التي يفرضها أعضاء المجتمع العلمي على أنفسهم، والمدفوعة ببعض الاستراتيجيات الخطابية التي تمتَازُ برفض الانخراط مع المنافسين، تسمح لهم بالتفكير في التزاماتهم الجمعية وصقلها. وقد زعمت أيضًا أن الحديث عن البينية المعاصرة يمتاز بخطاب مماثل لذلك الذي يقود ويسهل بعض أنماط التغيير العلمي الثوري، ويظلّ أن نرى ما إذا كان الخطاب المحيط بالحديث عن البينية يخدم كما يقود بعض مراحل التغيير العلمي الثوري.
بادئ ذي بدء، يجب أن نتساءل عما إذا كان المؤيدون للبينية المعاصرة متفقين حول المنهج البيني، وما يجب أن يكون عليه.
فمن جهةٍ، لا يكون المختصون في البينية، أي العلماء الذين يقومون بالأبحاث البينية، واضحين على نحو كبير فيما يتعلق بالمناهج التي يطبقونها، لقد لاحظ ربيرتسون وآخرون، على سبيل المثال، أنه:
لما اعتُرف على نطاق واسع بالرغبة في الاستكشاف البيني، وأصبحت البينية بالفعل "شعار سياسة العلم"، صارت مناهج التعاون البيني مبهمة للأغراب عنه، وهي ما تزال غير موصوفة عموما. لقد حلل العديد من المختصين البينيةَ، خصوصا في علاقتها بخلق تخصصات جديدة ومؤسسات جديدة [...]، إلا أنه لا يزال هنالك صمتٌ مستمر حول مناهج التعاون البيني نفسه[27].
ومن جهة أخرى، لا يتفق محللو البينية، أي المؤرخون وعلماء الاجتماع وفلاسفة المعرفة البينية، على وجود منهج مماثل، أو حتى إذا كانت هنالك رغبة في استكشافه. لقد حاول بعضهم تقديم قواعد تصورية للبينية؛ إذ يسرد نيويل (Newell)[28] على سبيل المثال سلسلة من الخطوات اللازمة لحل الإشكالات المعقدة التي يجب، أثناء إعمال النظر فيها، أن تؤلف منهجًا بينيًّا. أما الخطوات الأولى في سلسلة نيويل فهي من قبيل: تعريف الإشكال، وتحديد التخصصات ذات الصلة به لحله، ثم جمع المعرفة التخصصية المتعلقة به، أي المستلهمة من تصورات تخصصية. أما المجموعة الثانية من الخطوات فهي: تحديد النزاعات، وحل النزاعات من خلال أرضية مشتركة لها، وخلق أرضية مشتركة لها في الواقع، وتعتبر هذه المجموعة من الخطوات مناسبة أكثر للبحث البيني.
إن إعمال النظر بعمق، وعلى نحو كاف، في وصفة نيويل للبينية يظهر إشكالًا مفاده أن كل عنصر من قائمته إشكالي على نحو كبير، فعلى سبيل المثال، لا يُعتبر شيء مثل خطوته الأولى، أي تحديد المشكلة، فوريًّا أو بريئًا منهجيًّا، فكما لاحظ ألفارغونزاليس (Alvargonzález)، تُصاغ الإشكالات في الواقع من داخل التخصصات التي تكون "مغلقة عمليًّا" حول النظريات، والمبادئ، والوسائل المادية (الأجهزة التجريبية)، فبإمكان تخصصات مختلفة أن تعرف الإشكال نفسه بطرق مختلفة. بالإضافة إلى ذلك، ليس واضحًا تمامًا ما إذا كان في الإمكان تعريف إشكالات ما من منطلق تصور تخصص حرّ[29]. أما الخطوات الأخرى في قائمة نويل من قبيل "حل النزاعات من خلال خلق أرضية مشتركة"، فتُعتبرُ الإشكالاتِ المهمةَ التي ينبغي أن تحلها البينية. وباختصار، يبدو أن نويل يخبرنا بما ينبغي علينا فعله، وليس كيفية فعله. أو بعبارة جدلية أكثر، إنه يخبرنا ماهي إشكالات البينية دون الإشارة إلى طريقة حلها.
أما بامر (Bammer) الذي يتساءل أيضًا عن عدم وجود منهج مقبول لتكامل التخصصات بهدف حل الإشكالات المركبة، فيتصور مجالًا جديدًا للبحث يسمى العلوم التطبيقية والتكاملية. ومن بين المشاريع الرئيسة التي يجب أن يشرف عليها مثل هذا المجال الحديث، في تصور بامر، خَلقُ قاعدة بيانات دولية تجمع كل نماذج البحوث البينية الناجحة، وذلك عن طرق تطوير علوم ضخمة، ومشاريع البيانات الضخمة، ينبغي أن يظهر نوع من الأنماط المتبوع ببحث بيني ناجح[30].
وأما المحللون الآخرون في البينية، مع ذلك، فإنهم يُسائلون إمكانية تأسيس، ما يُقصد بـ"المنهج البيني" على دفعة واحدة. لقد بيّن كرون (Krohn) على سبيل المثال أن الدراسة البينية ينبغي أن تنبع من أساس كل حالة على حدة case-by-case، فدراسة النماذج الناجحة للبحث البيني، مع ذلك، لن تفضي إلى الاعتراف ببعض القواعد العامة للبينية كما أكد بامر، ذلك أن كل حالة من الحالات، حسب كرون، تعتبر "قائمة بذاتها"، ولا يمكن اعتبارها على هذا الأساس "نموذجًا" للممارسة البينية بشكل عام. إن إعمال النظر في العديد من حالات البينية، من جهة نظر كرون، بإمكانه أن يسهل اكتساب المهارات والعادات والحدس، لكنه لا يفضي إلى اكتشاف منهج البحث البيني[31].
لقد حاجج فرودمان أيضا على شيء مماثل، فالبينية من جهته ليست بحاجة إلى قواعد ثابتة، وإلى مناهج محددة، بل يتعلق أكثر بأفضال العلماء، مثل "الانفتاح على تصورات جديدة، والاستعداد للاعتراف بأوجه القصور في وجهة نظر ما، ثم الخطأ ولعب دور الأبله، والإسراف في تفسير مواقف الآخرين ودافعهم"[32]. ومن جهة نظره، فإن محاولة الكشف عن القواعد العامة ومناهج البينية تعتبر من بقايا الاتجاه التقليدي لخلق تخصصات مستقرة نسبيًّا وذوات حدود محددة على نحو جيد، غير أن هدف البينية على وجه أدق هو كسر تلك الحدود. وعليه، سيكون إثبات جوهر البينية متناقضًا في حال وضعت نفسها ضمن حدود تخصص جديد. لذلك، ينبغي، حسب فرودمان، تجنُّبُ إغراء "تخصيص البينية" (disciplinize interdisciplinarity) على طريقةِ بامر بأي ثمن.
وعلى نحو مختصر، لا يبدو أن المؤيدين للبينية سيتفقون على وجود منهج للبحث البيني، كما يبدو أنهم لن يتفقوا عما إذا كان يجب أن تستكشف قضية ما على أية حال.
وعندما يتعلق الأمر بنمط الإشكالات التي يجب حلها، فإنه من الملاحظ أنه يوجد وعي جمعيّ حول حقيقة أن البينية المعاصرة مفيدة في حل الإشكالات المعقدة، أو إشكالات الحياة الواقعية، أو التحديات الكبرى، أو كل ما يتعلق بهذا القبيل. غير أنه ليس واضحًا تمامًا ما إذا كانت الإشكالات المعقدة، أو التحديات الكبرى قابلة للحل على كل حال. إن هانسون (Hansson) يتساءل في هذا الصدد، (ربما على نحو خطابي): "هل نعتقد حقًّا أن حجمها، أي الإشكالات والتحديات، وتعقيدها ومستوى صعوبتها يمكن حلها في المستقبل المنظور، وذلك حتى من خلال جهد تعاوني وضخم ومركّز؟"[33]. وقد تساءل ألفارغونزاليس (Alvargonzález)، على نحو مماثل، عما إذا كانت الإشكالات التي تُستدعى البينية لحلها إشكالات علمية ابتداءً، فمن جهة نظره، "يمكن أن يكون الافتراض بأن لهذه الإشكالات حلولا علمية (سواء في العلم ما بعد العادي، أو عبور التخصصات الموحد في المستقبل) وهمًا"[34].
وأخيرًا، إن مشكلة تعريف نمط الإشكالات التي يجب حلها، وكيف يجب حلها، تسير جنبًا إلى جنب مع إشكال منهج (أو مناهج) البينية، فبدون الاتفاق على منهج ما، أو مجموعة من المناهج، لطرح الإشكالات وحلها، قد لا يكون واضحًا دائمًا في أي وقت، حَلّ إشكال بالفعل على أي حال. إن إحدى القضايا المرتبطة بالممارسة البينية صعوبة تقييم مُخْرَجاتِها؛ حيث يرى كلاين (Klein) أن "معايير التقييم تشكل القضية الأقل فهما في البينية، ويرجع ذلك جزئيًّا إلى أن هذه القضية لم تنل حظها الكافي من الدراسة، كما يرجع من جهة أخرى إلى أن تعدد المهام يبدو متعارضًا مع المعيار الواحد"[35].
وعلى سبيل ختم هذه الفقرة، هنالك بعض الملاحظات التي يجب إبداؤها تواليًا. على الرغم من الإشكالات والصعوبات الكامنة في ذلك، فإنه لا يمكن أن نزعم ههنا أن البينية لا فائدة منها، ولا ينبغي البحث فيها على أية حال، فبخلاف هذا الموقف النقدي المُغالي، يمكن للمرء أن يستجيب من خلال فحص الدوافع الكامنة وراء البينية. إن البحث البيني لا تقتصر دوافعه على التعقيد المتأصل في العالم أو الإشكالات المطروحة في حدود التخصصات المختلفة، بل قد تكون بعض محركاتها الحاجة إلى حل الإشكالات الاجتماعية والتحديات والإمكانات التي خلقتها التكنولوجيا، ربما ذات الطبيعة التجريبية[36].
وفضلا عن ذلك، رغم أن البينية لن تكون مقتدرة على حل كل الإشكالات الشائكة والملحة التي يواجهها العالم، فإنه بإمكانها محاولة تحسين الوضع الحالي على الأقل، وقد يكون الحل "الصحيح" المطلق (ولكن المتأخر) لبعض الإشكالات عدوًا للخير: بمعنى أن انتظار اكتساب المعرفة الصحيحة بالمستويات الأساسية للواقع قد يكون منافيًا للحكمة. إن الاعتماد على المعرفة التي تنتجها التخصصات التقليدية، كما يرى فرودمان، قد يكون غير مستدام ببساطة، ومع ذلك فإنه في الإمكان تقدير العديد من الأشياء المتعلقة بها، إلا أن هذا لا يعني أن البينية تخلو من بعض الإشكالات، وعليه يجب على التحليلات الفلسفية الكشف عنها وحلها.
وأخيرًا، ينبغي التأكيد على أن الاعتراضات على البينية معروفة، بل إن العديد من الانتقادات طُورت في ظل بعض القضايا التي نوقشت أعلاه، كالإشكالية المتعلقة بما إذا كان هنالك منهج للبينية، وإشكالية كيفية تقييم نتائج البحث البيني، إلى غيره من الإشكالات. ومع ذلك، لا بدّ من التأكيد على أن هذه الفقرة لم تكن حول الانتقادات الموجهة للبينية التي نقلت من خارج مجتمع المؤيدين لها، لقد ناقشت هذه الفقرة، عوضًا عن ذلك، عدم وجود اتفاق في الآراء إزاء بعض القضايا الأساسية وسط مجتمع البينية. إن الفقرة الآتية ستحاول توضيح أن هذه القضية من إحدى الاختلافات الرئيسة بين الثورة العلمية والبينية.
إن البينية المعاصرة تقارن في بعض الأحيان بالثورات العلمية، وعلى نحو أكثر وضوحًا، لا تقارن بالثورات داخل التخصصات نفسها نحو الثورة الكيميائية، أو التحول من مكانيك نيوتن الكلاسيكية إلى نسبية أينشتاين في الفيزياء، ولكنها تقارن بدلًا من ذلك بنوع من التغيير الذي يؤثر على الهيراركية الشاملة للعلم، نحوَ ظهورُ المنهج الغاليلي. فكما هو الحال في تلك المراحل، يمتاز الحديث عن البينية بنمط من الخطاب "المناهض للتخصص"، وغالبًا ما تفترض قيمة البينية بدل إثباتها، كما يمكن الدفاع عن ضرورتها في مواجهات الإشكالات المعقدة والتحديات الكبرى على أسس أخلاقية.
يوجد، على الرغم من ذلك، اختلاف مهم بين الثورات العلمية والبينية، فأثناء الثورة العلمية، تسير العناصر الإبستمولوجية والخطابية جنبًا إلى جنب، وفي ظل هذا الوضع يمكن أن يوظف الخطاب باعتباره آلية للإقصاء: فقد يفضي رفض آراء المنافسين من خلال المناورات الخطابية إلى السماح لأعضاء المجتمع بالتركيز على براديغمهم الخاص، وذلك بهدف تطوريه وتقويته. ورغم ذلك، يبدو أنه في وضع البينية، وخلف خطابها المعادي للتخصص، لا يوجد إجماع حقيقي بين مؤيديها حول الشكل الذي ينبغي أن يبدو عليه هذا "العلم الجديد". بل قد يدعي المرء أن حديث فانتوفيش ورافيتز (Funtowicz and Ravetz) عن "العلم ما بعد العادي" يعتبر في الواقع مرحلة "ما قبل البراديغم": إن البراديغم البيني ما يزال في طور النضج[37].
ويمكن القول إن ما يوضحه التحليل الحالي هو أنه على الرغم من الطريقة التي تُوصف بها، فإن البينية ليست مثل الثورة الكونية في نهاية المطاف. وقد تكون هذه إشكالية فقط إذا ما اعتُبر القبول العالمي لنموذج كون العلمي أمرًا مفروغًا منه، وإذا ما اعتبرت الثورات الكونية هي التغييرات العلمية المهمة الوحيدة التي تستحق المناقشة فحسبُ أيضًا، غير أنه في إمكان المرء أن يختلف مع كون، وبالتالي يسِم التغيير الذي قد تضفيه البينية على العلم بمصطلحات مختلفة. ومع ذلك، فإن الهدف الرئيس من هذه الورقة ليس تحديد ما إذا كانت البينية المعاصرة في الواقع مثالًا يعبر عن الثورات الكونية. بل بدلًا من ذلك، يُستخدم التناظر مع الثورات الكونية لفحص بعض سمات البينية. ويعني هذا أنه وراء خطاب البينية، يوجد عدم اتفاق كليّ حول مناهجها، كما تعتبر طرق تقييم قوتها في حل الإشكالات، في الواقع، إشكالية لفهم كيف بإمكان البينية أن تغير العلم وتنتج نمطًا جديدًا من المعرفة بأي طريقة كانت، بغض النظر عما يمكن أن يوصف به مثل هذا "التغيير".
كما يمكن القول أيضا إن قوة البينية تكمن تحديدًا في عدم الإجماع على "براديغم بيني" متجانس، فقد تكون قيمة البينية في تعددها المضمر، الذي يُحتمل أن يجعلها أكثر صمودًا في وجه الإشكالات المقعدة والتحديات الكونية التي تستدعي البينية لحلها. غير أن التعدد غير المحدود يطرح إشكالاته أيضًا، خصوصًا لما تبدأ إعادة تشكيل الخطوط الفاصلة بين العلوم الطبيعية والعلوم الاجتماعية، وبين العلوم والفنون والعلوم الإنسانية. وقد يتضح أنه في بعض أوضاع التغيير في الثورات العلمية، كما وصفها بياجيولي، غُيرت هيراركية تخصصات العلوم، وما تسعى إليه البينية هو محو أي هيراركية في التخصص العلمي، أو حتى في أي فكرة يمكن اعتبارها "علمية"، ويبدو أن نيكولسكو[38] وفرودمان[39]، إلى حدٍّ ما، قد جادلا عن الفكرة نفسها. ولسوء الحظ، ليس هذا المكان مناسبًا لمناقشة هذه القضية التي تستحق أن تعالج بشكل منفصل. يكفي أن نقول إن مثل هذا الرأي قد يتجاوز مفهوم "التغيير العلمي".
وأخيرًا، إن ما حللته في هذه الورقة لا يتعلق كثيرًا بالمساهمات المحددة عن البينية، بل تعلق على نحو أكبر بكيفية الحديث عن البينية عمومًا، وذلك مثلما لاحظ ماكي Mäki بحقٍّ:
إن الحديث عن البينية يختلف عن البينية الكامنة في الممارسة العلمية، فقد يكون كلاهما (وغالبا ما يكونان كذلك) ثمرة بعضهما. ويوجد بعض الحديث الفارغ والرنان، أو المضلل عن البينية من جهة، كما يوجد عدم اعتراف أو عدم فهم للبينية في الممارسة العملية للعلم من جهة أخرى. [...] إن الطرق التي يُربط بها الاثنان، النظر والممارسة، يجب فحصها على نحو منفصل، فحتى لو كانا مختلفين، ومستقلين في بعض الأحيان، فإن النظر والممارسة يشتركان في شيء مهم: إن كليهما ينضج حاليا[40].
وسيكون التساؤل مشروعًا عما إذا كان هناك شيء يتعلق بالحديث عن البينية، بخلاف الممارسة العملية لها، التي تستحق المناقشة الفلسفية. يمكن لشخص مَا أن يوافق على أن بعض الطرق التي يُعلن من خلالها عن التأثير "الثوري" للبينية قد يضخم الأمور أكثر ممّا تحتملهُ، ومع ذلك، وفي اللحظة نفسها، يمكن للشخص نفسه أيضًا أن يدعي أن عواقب مثل هذا "الحديث الرنان والمضلل" لا تكاد تذكر، إن وُجدَت أساسًا. إن الحديث عن البينية، رغم ذلك، لا يجب أن يُتجاهل، فالبينية، كما اعترف بذلك العديد من المختصين، أصبحت "تعويذة" بتعبير متيزر وزار (Metzger and Zare)[41]، وروبرتسون وآخرين (Robertson et al)[42]، وكلاين، من بين آخرين.
كما سيكون في الإمكان أيضا وسم البينية بأنها "قِيْمة" توجّه العلماء وصناع السياسات في اختيارهم للنظريات أو لمشروعات البحث، بمعنى أن النظرية أو المشروع يجب أن يُنتقيَا بدل منافسيهما إذا كانا بينيّين. إن البينية لم تكتسب هذا الوضع من منطلق نجاح مشاريع بحثية بينية محددة؛ ففي الواقع، إن نجاح بعض الأبحاث البينية، مثل علم المناخ، على سبيل المثال موضع خلاف كبير[43]، سارويتز (Sarewitz). وعلى هذا الأساس، قد يكون الحديث عن البينية قد لعب دورًا في الطريقة التي يُنظر بها إلى ممارسة البينية نفسها، والترويج لها أيضا. بل، ربما قد تكون قيدت، على نحو محدد أكثر، نمط الأسئلة التي يطرحها المرء حول البينية.
هنالك نمطان (على الأقل) من الأسئلة التي ينبغي طرحها بصدد البينية نفسها: أسئلة "كيف؟" (كيف يمكننا تطبيق أو تشجيع البينية؟)، بالإضافة إلى أسئلة "لماذا؟" (لماذا ينبغي علينا تطبيق أو تشجيع البينية؟). يبدو أن السواد الأعظم من المختصين والمحللين للعلم ينشغلون أساسًا بالنمط الأول من الأسئلة: بمعنى كيف يمكن تحقيق التكامل البيني- البيني، فغالبًا ما يتخذ هذا الانشغال شكل تحليلاتٍ اجتماعية للحواجز المؤسسية التي قد تمنع التعاون البيني، والتعاون متعدد التخصصات الناجحين، إلى جانب اتخاذه شكل اقتراحات مختلفة حول الطرق الممكنة لحلها.
أما أسئلة كيف؟ فإنها تضع الحصان أمام العربة، فالاهتمام بكيفية تسهيل وتشجيع وتحقيق البينية مدفوع بافتراض مسبق مفاده أن البينية مفيدة بالفعل؛ وأنها مفيدة أفضل من البحث العلمي الذي يُجرى في حدود التخصصات التقليدية، بمعنى أنه يبدو أن البينية وفعاليتها وقيمتها تعتبر أمرًا مفروغًا منه، ودون مزيد من التحفظ. وبغض النظر عن طرح أسئلة حول الكيفية التي يمكن للبينية أن تسهل أو تطبق بها، فإنه يمكن (أو ربما ينبغي) مساءلتها نفسها، ويمكن فعل هذا من خلال تغيير نمط الأسئلة التي تُسأل غالبا حول البينية، بمعنى تغيير الحديث (طريقة النظر) حول البينية أساسًا.
بدلًا من دراستها باعتبارها حالات طارئة أو قضايا من خارج المشروع العلمي، وصل بعض فلاسفة المعرفة إلى قبول فكرة أن العناصر الاجتماعية والخطابية بإمكانها أن تكون جزءًا من نظريات عقلانية العلم. فعلى سبيل المثال، قد تقود هذه العناصر أثناء بعض الثورات العلمية سيرورة اختيار البراديغم من خلال خلق فجوة تواصلية بين أعضاء مجموعتين اجتماعيّتين-مهنيتين متنافستين. إن هذا الإقصاء التواصلي يسمح لأعضاء كل مجموعة بالتفكير في براديغمهم الخاص وتحسينه. ومع ذلك، قد تكون الاستراتيجيات الخطابية نفسها عائقًا أمام تطوير براديغم معين أحيانًا، فغالبًا ما تعتبر مقبولية وضرورة البينية أمرًا مفروغًا منه، بيد أنه ما يزال هنالك عدم إجماعٍ حول أسسها بين مؤيديها. إن الحديث عن البينية (النظرية) قد يؤدي إلى عرقلة نضجها، وذلك من خلال تقييد نمط الأسئلة التي نطرحها حولها.
References:
Alvargonzález, David. “Multidisciplinarity, Interdisciplinarity, Transdisciplinarity and the Sciences”. International Studies in the Philosophy of Science, V25 (2011), pp. 387-403.
Ankeny, Rachel and Sabina Leonelli. “Repertoires: A Post-Kuhnian Perspective on Scientific Change and Collaborative Research”. Studies in History and Philosophy of Science, V60 (2016), pp. 18-28.
Bammer, Gabriele. Disciplining Interdisciplinarity: Integration and Implementation Sciences for Researching Complex Real-World Problems, Canberra: ANU Press, 2013.
Barry, Andrew and Georgina Born. Interdisciplinarity: Reconfigurations of the Social and Natural Sciences, Oxon: Routledge, 2013.
Biagioli, Mario. Galileo, Courtier, Chicago: University of Chicago Press, 1993.
–––. “The Anthropology of Incommensurability”. In: Studies in History and Philosophy of Science, Vol. 21 (1990), pp. 183-209.
Bradley, Seamus and Karim Thébault. "Models on the Move: Migration and Imperialism". in: Studies in History and Philosophy of Science, Vol. 77 (2019).
Choi, Bernard and Anita Pak. “Multidisciplinarity, Interdisciplinarity and Transdisciplinarity in Health Research, Services, Education and Policy: Definitions, Objectives, and Evidence of Effectiveness”. Clinical and Investigative Medicine, Vol. 29 (2006), pp. 351-364.
Dear, Peter. Discipline and Experience: The Mathematical Way in the Scientific Revolution, Chicago: University of Chicago Press, 1995.
–––. “Mixed Mathematics”. in: Harrison, Peter and others, Wrestling with Science: From Omens to Science, Chicago: University of Chicago Press, 2011.
Frodeman, Robert and others. The Oxford Handbook of Interdisciplinarity, Oxford: Oxford University Press, 2010.
Frodeman, Robert. Sustainable knowledge: A Theory of Interdisciplinarity, New York: Palgrave Macmillan, 2014.
Funtowicz, Silvio and Jerome Ravetz. “Science for the Post-Normal Age”. Futures, Vol. 31 (1993), pp. 735-755.
Gibbons, Michael, et al. The New Production of Knowledge: The Dynamics of Science and Research in Contemporary Societies. London: SAGE Publications Ltd, 1994.
Grüne-Yanoff, Till. “Interdisciplinary Success without Integration”. In: European Journal for Philosophy of Science, Vol. 6 (2016), pp. 343-360.
Hansson, Bengt. "Interdisciplinarity: For What Purpose?". Policy Science, Vol. 32 (1999), pp 339-343.
Hoffmann, Michael, and others. “Philosophy of and as Interdisciplinarity”. In: Synthese Vol. 190 (2013), pp. 1857-1864.
Holbrook, Britt. “What is Interdisciplinary Communication? Reflections on the Very Idea of Disciplinary Integration”. In: Synthese, Vol. 190 (2013), pp. 1865-1879.
Khan, Robert. “Interdisciplinary Collaborations Are a Scientific and Social Imperative”. In: The Scientist, last accessed: 09/2018, https://www.the-scientist.com/opinion-old/interdisciplinary-collaborations-are-a-scientific-and-social-imperative-59085.
Klein, Julie T. “A Taxonomy of Interdisciplinarity”. In: Frodeman, Robert, and others, The Oxford Handbook of Interdisciplinarity, Oxford: Oxford University Press, 2010.
–––. Crossing Boundaries: Knowledge, Disciplinarities, and Interdisciplinarities. Charlottesville, VA: University Press of Virginia, 1996.
–––. “Evaluation of Interdisciplinary and Transdisciplinary Research: A Literature Review”. American Journal of Preventive Medicine, Vol. 35 (2008), SS116-123.
–––. Interdisciplinarity: History, Theory and Practice. Detroit: Wayne State University Press, 1990.
Knuuttila, Tarja and Andrea Loettgers. “Model Templates Within And Between Disciplines: From Magnets to Gases—and Socio-Economic Systems”. in: European Journal for Philosophy of Science, Vol. 6 (2016), pp. 377- 400.
Krohn, Wolfgang. “Interdisciplinary Cases and Disciplinary Knowledge”. In: Frodeman, Robert, and others, The Oxford Handbook of Interdisciplinarity, Oxford: Oxford University Press.
Kuhn, Thomas S. “Afterwords”. In: Horwich, Paul, World changes: Thomas Kuhn and the Nature of Science. Cambridge: MIT Press, 1993.
Lennox, James. “Aristotle, Galileo and Mixed Sciences”. In: Wallace, William. Reinterpreting Galileo. Catholic University of America Press, 1986.
Mäki, Uskali. "Philosophy of Interdisciplinarity. What? Why? How?". In: European Journal for Philosophy of Science V6 ((2016), pp. 327-342.
Mancosu, Paolo. Philosophy of Mathematics and Mathematical Practice in the Seventeenth Century. Oxford: Oxford University Press, 1996.
Metzger, Norman and Richar Zare. “Interdisciplinary Research: From Belief to Reality”. In: Science V283 (1999), pp. 642- 43.
National Academy of Sciences (NAS). Facilitating Interdisciplinary Research. Washington: National Academy Press, 2005.
National Science Foundation (NSF). Impact of Transformative Interdisciplinary Research and Graduate Education on Academic Institutions (No. NSF 09-519). Arlington, VA: National Science Foundation, 2008.
Newell, William. “Decision-making in Interdisciplinary Studies”. In: Morçöl, Göktug, Handbook of Decision-making. New York: Marcel Dekke, 2007.
Nicolescu, B. Manifesto of Transdisciplinarity. Albany, NY: State University of New York Press, 2002.
Nowotny, Helga, Peter Scott and Michale Gibbons. Re-thinking Science: Knowledge and the Public in the Age of Uncertainty. Oxford: Polity, 2001.
Pohl, Christian, et al. “Integration”, In: Hadorn, Gertrude Hirsch, and others, Handbook of Transdisciplinary Research. Netherlands: Springer, 2008.
Repko, Allen and Rick Szostak. Interdisciplinary Research: Process and Theory. London: SAGE Publications Ltd, 2008.
Robertson, David, Douglas Martin and Peter Singer. “Interdisciplinary Research: Putting the Methods under the Microscope”. In: BMC Medical Research Methodology, Vol. 3 (2003), pp. 20-24.
Sarewitz, Daniel. “Against Holism”. In: Galison, Peter and Stump, David, The Disunity of Science, Stanford: Stanford University Press, 1996.
Turner, Stephen. “Knowledge Formation: An Analytic Framework”. In: Frodeman, Robert and others, The Oxford Handbook of Interdisciplinarity, Oxford: Oxford University Press, 2010.
Turnpenny, John, Mavi Jones and Irene Lorenzoni. “Where now for Post-Normal Science? A Critical Review of its Development, Definitions, and Uses. Science”. Technology, and Human Values, Vol. 36 (2011), pp. 287-306.
Wise, Norton. “Mediations: Enlightenment Balancing Acts or the Technologies of Rationalism”. In: Horwich. Paul,, World changes: Thomas Kuhn and the Nature of Science. Cambridge: MIT Press, 1993.
* نُشِر هذا المقال في الأصل باللغة الإنجليزية، انظر:
Politi, Vincenzo. «The interdisciplinarity revolution»; Theoria. An International Journal for Theory, History and Foundations of Science, 34(2), (2019): 237-252. (https://doi.org/10.1387/theoria.18864).
وقد منحت مجلة تجسير حق ترجمته إلى اللغة العربية. تُرجم هذا المقال؛ لأنه يندرج ضمن الأهداف البحثية والمعرفية التي تسعى مجلة تجسير إلى تحقيقها، من بينها تجسير العلوم والبحث عن العلائق الممكنة بينها. يحاول مقال "ثورة البينية" تعريف البينية وتحديد الاختلافات الكامنة بينها وبين مصطلحات معرفية مثل تداخل التخصصات، وتعددها، ويخلص إلى تحديد أهم مميزات البينية عن غيرها، غير أن الشاغل الرئيس للباحث هو تحديد الملامح الثورية للبينية في العلوم، وذلك بعد رصد أهم التطورات التي شهدها تطور العلوم، والصراع الذي عرفه هذا التطور بغية السيطرة على اقتراح آليات البحث ومنطق الكشف العلمي، وقد اتخذ ذلك الصراع أشكالا متعددة. ولتوضيح ذلك الصراع قدم الباحث نموذج الأرسطيين والغاليليين الذين لم تضع رحى الصراع أوزارها إلا بعد ظهور البينية بوصفها مُخرجًا ثوريًا يوفر إمكانية البحث في موضوع واحد برؤى بينية، بدل الاعتماد على رؤية واحدة. والشاغل الآخر الذي حاول الباحث دراسته، وكان من بين الدوافع التي أسهمت في استحقاق المقال للترجمة، تلك المقارنة بين البنية والثورة العلمية كما يتصورها توماس كون؛ إذ خلص الباحث إلى وجود ملامح مشتركة بين البينية والثورة العلمية، ولا يخفى على القارئ والباحث أن الثورة العلمية تحدث خللا ثم تغييرًا في طريقة التفكير، ومن ثم طريقة دراسة القضايا المعرفية ومعالجتها. ويعني ذلك أن البينية ثورة معرفية ستفضي لا محالة إلى تغيير أفهامنا حول موضوعات مختلفة، خصوصًا في العلوم الاجتماعية التي تعدّ المجال البحثي لمجلة تجسير، كما تنتهي إلى نتيجة سعى إليها فلاسفة المعرفة منذ زمن طويل، وهي معالجة موضوعات العلوم الاجتماعية من منطلق بيني مركب، بدل التوسل بالمناهج والأطر النظرية البسيطة.
** فينسينزو بوليتي (Vincenzo Politi) الهيئة الفرنسية للطاقات البديلة والطاقة الذرية، باريس، فرنسا vin.politi@gmail.com– http://orcid.org/0000-0002-5 753-3196
*** نسبة إلى توماس كون، في كتابه: بنية الثورات العلمية، ترجمة حيدر حاج إسماعيل (بيروت: المنظمة العربية للترجمة،2007).
[1] Michael Hoffmann, Jan Schmidt, and Nancy Nersessian, “Philosophy of and as Interdisciplinarity,” Synthese, Vol. 190 (2013), p. 1857.
[2] Bernard Choi, and Anita Pak, “Multidisciplinarity, Interdisciplinarity and Transdisciplinarity in Health Research, Services, Education and Policy: Definitions, Objectives, and Evidence of Effectiveness,” Clinical and Investigative Medicine, Vol. 29 (2006), pp. 351-364.
[3] Julie T. Klein, Interdisciplinarity: History, theory and practice (Detroit: Wayne State University Press, 1990), p. 20.
[4] National Academy of Sciences (NAS), Facilitating interdisciplinary research (Washington: National Academy Press, 2005), p. 2.
[5] Till Grüne-Yanoff, “Interdisciplinary success without integration,” in: European Journal for Philosophy of Science, Vol. 6 (2016), pp. 343-360.
[6] Rachel Ankeny and Sabina Leonelli, “Repertoires: A post-Kuhnian perspective on scientific change and collaborative research,” Studies in History and Philosophy of Science, Vol. 60 (2016), pp.18-28.
[7] Seamus Bradley, and Karim Thébault, “Models on the Move: Migration and Imperialism,” in: Studies in History and Philosophy of Science, Vol. 77 (2019), pp. 81-92.
[8] Michael Gibbons, et al. The New Production of Knowledge: The Dynamics of Science and Research in Contemporary Societies (London: SAGE Publications Ltd, 1994).
[9] Helga Nowotny, Peter Scott and Michale Gibbons, Re-thinking Science: Knowledge and the Public in the Age of Uncertainty (Oxford: Polity, 2001).
[10] Julie T. Klein, “Evaluation of Interdisciplinary and Transdisciplinary Research: A Literature Review”, in: American Journal of Preventive Medicine, Vol. 35 (2008), p. 119.
[11] Robert Frodeman, and others, The Oxford Handbook of Interdisciplinarity (Oxford: Oxford University Press, 2010), p. vi.
[12] Silvio Funtowicz, and Jerome Ravetz, “Science for the Post-Normal Age,” in: Futures, Vol. 31 (1993), p. 735.
[13] John Turnpenny, Mavi Jones and Irene Lorenzoni, “Where now for post-normal Science? A Critical Review of its Development, Definitions, and Uses,” in: Science, Technology, and Human Values, Vol. 36, no. 9 (2011) pp. 287-306.
[14] Pohl, Christian, et al., “Integration”. In: Gertrude Hirsch Hadorn and others. Handbook of Transdisciplinary Research (Netherlands: Springer, 2008), p. 6.
[15] Allen Repko and Rick Szostak, Interdisciplinary Research: Process and Theory (London: SAGE Publications Ltd, 2008). p. 6.
[16] Stephen Turner, “Knowledge Formation: An analytic framework,” in: Robert Frodeman and others, The Oxford Handbook of Interdisciplinarity (Oxford: Oxford University Press, 2010), p. 16.
[17] Norton Wise, “Mediations: Enlightenment Balancing Acts, or the Technologies of Rationalism,” in: Paul Horwich, World Changes: Thomas Kuhn and the Nature of Science (Cambridge: MIT Press, 1993), pp. 230-256.
[18] Mario Biagioli, “The Anthropology of Incommensurability,” in: Studies in History and Philosophy of Science, Vol. 21 (1990), pp. 1185-1191.
[19] Mario Biagioli, Galileo, Courtier (Chicago: University of Chicago Press, 1993).
[20] Ibid, p. 188.
[21] تعتبر الثورة العلمية التي حدثت بسبب رياضيات غاليليو موضوعًا مهمًا في تاريخ العلم وفلسفته، ولقد طورت دراسات إضافية تدرس المشهد التخصصي المتغير زمن غاليليو، وذلك من لدن؛ دير 1995، 2011، ولينوكس 1986، ومانكوسو 1996، من بين آخرين. وتجدر الإشارة، على أي حال، إلى أن هذه الورقة ليست بصدد غاليليو؛ بل استُخدم تفسير بياجيولي لغاليليو ههنا بهدف تقييم مدى التغيير الثوري (المُدّعى) الذي قد تضفيه البينية المعاصرة على العلم.
[22] National Academy of Sciences (NAS), Op. cit., p. 16.
[23] National Science Foundation (NSF), Impact of Transformative Interdisciplinary Research and Graduate Education on Academic Institutions (No. NSF 09-519), (Arlington, VA: National Science Foundation, 2008), p. 7.
[24] Robert Khan, “Interdisciplinary Collaborations are a Scientific and Social Imperative,” in: The Scientist, available at: https://www.the-scientist.com/opinion-old/interdisciplinary-collaborations-are-a-scientific-and-social-imperative-59085 (last accessed: September 2018).
[25] B. Nicolescu, Manifesto of Transdisciplinarity (Albany, NY: State University of New York Press, 2002).
[26] Andrew Barry, and Georgina Born, Interdisciplinarity: Reconfigurations of the Social and Natural Sciences (Oxon: Routledge, 2013).
[27] David Robertson, Douglas Martin and Peter Singer, “Interdisciplinary Research: Putting the Methods under the Microscope,” in: BMC Medical Research Methodology, Vol. 3 (2003), p. 21.
[28] William Newell, “Decision-making in Interdisciplinary Studies," in: Göktug Morçöl, Handbook of Decision-making (New York: Marcel Dekke, 2007), pp. 245-265.
[29] David Alvargonzález, “Multidisciplinarity, Interdisciplinarity, Transdisciplinarity and the Sciences,” in: International Studies in the Philosophy of Science, Vol. 25 (2011), pp. 387-403.
[30] Gabriele Bammer, Disciplining Interdisciplinarity: Integration and Implementation Sciences for Researching Complex Real-world Problems (Canberra: ANU Press, 2013).
[31] Wolfgang Krohn, “Interdisciplinary Cases and Disciplinary Knowledge,” in: Robert Frodeman and others, The Oxford Handbook of Interdisciplinarity (Oxford: Oxford University Press, 2010), pp. 31-49.
[32] Robert Frodeman, Sustainable Knowledge: A Theory of Interdisciplinarity (New York: Palgrave Macmillan, 2014), p. 48.
[33] Bengt Hansson, “Interdisciplinarity: for What Purpose?” in: Policy Science, Vol. 32 (1999), pp. 342-343.
[34] Alvargonzález, Op. cit., p. 401.
[35] Julie T. Klein, Crossing Boundaries: Knowledge, Disciplinarities, and Interdisciplinarities (Charlottesville, VA: University Press of Virginia, 1996), p. 210.
[36] National Science Foundation (NSF). Op. cit., pp. 26-40.
[37] Funtowicz, and Ravetz, Op. cit., pp. 735-755.
[38] B. Nicolescu, Manifesto of Transdisciplinarity (Albany, NY: State University of New York Press, 2002).
[39] Frodeman, Sustainable knowledge, Op cit.
[40] Uskali Mäki, “Philosophy of Interdisciplinarity. What? Why? How?” in: European Journal for Philosophy of Science, Vol. 6 (2016), p. 330.
[41] Norman Metzger and Richar Zare, “Interdisciplinary research: From Belief to Reality,” in: Science, Vol. 283 (1999), p. 642.
[42] Robertson, et al., Op cit., p. 21.
[43] Daniel Sarewitz, “Against Holism,” in: Peter Galison and David Stump, The Disunity of Science (Stanford: Stanford University Press, 1996), p. 68.