تاريخ الاستلام: 29 أكتوبر 2022

تاريخ القبول: 09 يناير 2023

مقالة بحثية

عقود نقل التكنولوجيا كأداة للترويج السياسي

عمر اليوسف

دكتوراه في القانون الخاص، معهد القانون الاقتصادي، جامعة مرسيليا 3، فرنسا

omaralyoussef@gmail.com

ملخص

غالبًا ما يُعالج موضوع عقود نقل التكنولوجيا من وجهة نظر الدولة المستورِدة للتكنولوجيا كوسيلة مُشبعةٍ بالدعاية السياسية لتحقيق التطور الاقتصادي المرغوب. ما قد يجعل العقد غير قادر على تحقيق الغايات المرجوة منه، المتمثلة في الوصول إلى مستوىً تكنولوجي مكافئ لمستوى المُوَرِّد، دون التغافل عمّا يمكن أن يترتب عن ذلك من تكاليف باهظة قد تتحملها الأجيال اللاحقة. وتهدف هذه الدراسة إلى توضيح وجهة نظر المُوَرِّد للتكنولوجيا في محل العقد وتوضيح الأسباب السياسية والاقتصادية والقانونية لعدم نجاح الكثير من هذه العقود، وهو ما من شأنه أن يمنح لواقع هذه العقود رؤية أكثر شمولًا وواقعية، لعلها تسهم في إنجاحها مستقبلًا.

لمناقشة إشكالية إخراج عقد نقل التكنولوجيا من إطاره القانوني وإدخاله في الترويج السياسي، في حالتي سوريا ومصر، يتبع البحث المنهج المقارن التقليدي في مقارنة السلوك القانوني والسياسي لكل من طرفي العقد على أساس الفعل ورد الفعل، بتحليل ودراسة بعض عقود نقل التكنولوجيا التي جرى -أو كان من المفترض أن يجري- تنفيذها في سوريا ومصر منذ خمسينيات القرن الماضي. ويخلص إلى البحث نتائج من أهمها: إنّ استخدام العقد كدعاية سياسية يؤدي إلى فشل نقل التكنولوجيا والتطور الاقتصادي، وأن شرط مراعاة العقد لمصالح الطرفين يقتضي تحقيق المنفعة المتبادلة، سواء كانت تعبيرًا عن كمال معنوي بالنسبة إلى المورد أو كوسيلة للتطور الاقتصادي بالنسبة إلى المستورد.

الكلمات المفتاحية: عقد نقل التكنولوجيا، التطور الاقتصادي، التحكيم التجاري الدولي، الاستثمار المباشر

 

للاقتباس: اليوسف، عمر. «عقود نقل التكنولوجيا كأداة للترويج السياسي»، مجلة تجسير، المجلد الخامس، العدد 1 (2023)

© 2023، اليوسف، الجهة المرخص لها: دار نشر جامعة قطر. نُشرت هذه المقالة البحثية وفقًا لشروط Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0). تسمح هذه الرخصة بالاستخدام غير التجاري، وينبغي نسبة العمل إلى صاحبه، مع بيان أي تعديلات عليه. كما تتيح حرية نسخ، وتوزيع، ونقل العمل بأي شكل من الأشكال، أو بأية وسيلة، ومزجه وتحويله والبناء عليه، طالما يُنسب العمل الأصلي إلى المؤلف.


 

Submitted: 29 October 2022

Accepted: 9 January 2023

Research Article

Technology Transfer Contracts as a Tool for Political Promotion

Omar Al-Youssef

PhD in Private Law, The Institute of Economic Law, University of Marseille 3, France

omaralyoussef@gmail.com

Abstract

The subject of technology transfer contracts is often approached predominantly from the perspective of the technology-importing country, with a heavy reliance on political propaganda to foster the desired economic development. However, this approach may hinder the contract's ability to achieve its intended objectives, namely attaining a technological level on par with that of the technology supplier, without disregarding the potentially exorbitant costs that future generations may bear. This study aims to provide a comprehensive and realistic understanding of technology suppliers' viewpoint within the contractual context, while elucidating the political, economic, and legal reasons contributing to the failure of numerous technology transfer contracts., which would give a more comprehensive and realistic vision, perhaps contributing to their success in the future.

By employing a traditional comparative methodology, the research analyzes and examines selected technology transfer contracts that have been implemented, or were intended to be implemented, in Syria and Egypt since the mid-20th century. The findings underscore the detrimental consequences of utilizing contracts for political propaganda, leading to the failure of technology transfer and impeding economic development. Furthermore, the research highlights the necessity of incorporating mutual interests in the contract, wherein both parties achieve reciprocal benefits, whether in terms of moral fulfillment for the supplier or as a means of promoting economic progress for the importer.

Keywords: Technology transfer contract; Economic development; International commercial arbitration; Direct investment

 

Cite this article as: Al-Youssef, Omar. "Technology Transfer Contracts as a Tool for Political Promotion" Tajseer Journal, Vol. 5, Issue 1 (2023)

© 2023, Al-Youssef, licensee QU Press. This article is published under the terms of the Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0), which permits non-commercial use of the material, appropriate credit, and indication if changes in the material were made. You can copy and redistribute the material in any medium or format as well as remix, transform, and build upon the material, provided the original work is properly cited.

 


 

مقدمة

من المعترف به لدى الفقه القانوني أنَّ الاقتصاد يكون سابقًا للقانون، والقانون يُصْدَر ليواكب الاقتصاد. فتطوّر العلاقات الاقتصادية بين المشتغلين بالتجارة الدولية أسرع من تطور القوانين. وبهذا، فإن القانون يضحي استجابة من السلطة التشريعية لدولة معينة لنشوء علاقات اقتصادية جديدة. فتلك استجابة تشريعية ضرورية لحلّ مشكلة تواجه العلاقات الاقتصادية في مجتمع المشتغلين بالتجارة الداخلية والدولية في هذه الدولة.

فمعلوم أن هذه تراتبية زمنية في إصدار القانون؛ حيث تظهر أولًا علاقة اقتصادية جديدة تثير مشكلة لمجتمع المشتغلين بالتجارة، ثم تأتي بعد ذلك استجابة السلطة التشريعية التي تتجلّى بإصدار قانون جديد لحل مشكلة تُهدِّد المصلحة الاقتصادية للبلاد.

ومع هذا، يمكن لهذه المعادلة الزمنية أن تنقلب زمنيًا، فيكون صدور القانون سابقًا زمنيًا للاقتصاد وتطوّر علاقاته. في هذه الحالة، يُصدَر قانونٌ يتعلق بقطاع اقتصادي معين بدافع سياسي خالص، دون أيّة جدوى اقتصادية تنعكس إيجابيًا على المجتمع والاقتصاد ككل. فيظهر القانون بآلية إصداره سابقًا حيوية العلاقات الاقتصادية وسرعة تطورها، فيمتدّ تأثير السياسة على الاقتصاد إلى القوانين.

أحد أمثلة هذه القوانين، قانون الإغلاق العام في فرنسا، والتشدد بشكل مبالغ في تطبيقه أثناء جائحة كوفيد-19 خلال العامين 2020 و2021. للوهلة الأولى، تبدو الحاجة لقانون الإغلاق هي مواجهة الجائحة، ولكن - باعتقادي - هذا القانون جاء للرد على مظاهرات السترات الصفراء ضد سياسات الحكومة الفرنسية، واتساعها واستمرارها في المدن الفرنسية. وتبرير هذا الاعتقاد، وجود دول أوربية مثل السويد لم تُصْدِر نهائيًا أيّ قانون للإغلاق خلال العامين 2020 و2021، كما أنَّ قوانين الإغلاق في كل الدول الأوربية سُحِبت بعد بداية الحرب الروسية-الأوكرانية في الشهر الثاني من عام 2022؛ نظرًا لحالة الهلع الاقتصادي مع اندلاع الحرب. إذن، حالة قانون الإغلاق الفرنسي جاءت لمصلحة الطبقة الحاكمة المتمثلة بمنع المظاهرات بشكل غير مباشر؛ لأنَّ المنع المباشر يتعارض مع الحرية الدستورية للتظاهر. إنّ نتيجة هذه المعادلة الزمنية المعكوسة في إصدار قانون الإغلاق العام الفرنسي هي آثار اقتصادية سلبية، وخطيرة على الاقتصاد الفرنسي.

وبناءً عليه، القانون يمكن أن يحمل آثارًا سلبية تؤدي إلى شلل الاقتصاد في الدولة مُصَدِّرة القانون، وتشكل أعباء على ميزانية الدولة. فالعبء يمكن أن يقع على كاهل عدة أجيال في الدولة مُصدِّرة للقانون. وهو ما ينطبق على عقود نقل التكنولوجيا التي تستخدم كأداة للترويج السياسي لمصلحة الطبقة السياسية الحاكمة بشكل صرف.

ونظرًا لضخامة ميزانية عقد نقل التكنولوجيا، وأهميته السياسية والاقتصادية، فإنّه يَصْدُر على شكل قانون يُصدَّق على العقد، ويلزّم الدولة المُسْتَوْرِدة للتكنولوجيا بتنفيذ الجزء المتعلِّق بها حول تسديد ثمن العقد للمتعاقد الآخر المُوَرِّد للتكنولوجيا الذي يكون في الغالب شركة أجنبية.

 في هذا البحث، لبيان الفرق بين هاتين الحالتين لإصدار القوانين، سوف ندرس الحالة الصحية، وهي القانون اللاحق للمشكلة الاقتصادية أي أنَّ القانون يَصْدُر لحلّ مشكلة اقتصادية، ومن ثمَّ سوف نلقي الضوء على الحالة المَرَضِيّة، وهي إصدار قانون سابق للمشكلة الاقتصادية، أي أنَّ القانون يسبب المشكلة الاقتصادية. وذلك من خلال تبيان الجذور السياسية لمفهوم نقل التكنولوجيا أولًا، ثمّ النتائج القانونية لهذا التدخل السياسي في عقود نقل التكنولوجيا ثانيًا.

سوف يقتصر البحث على إلقاء الضوء على النتيجة الاقتصادية المتمثلة في مسؤولية الدولة عن تصرفاتها في تعويض الطرف الثاني اقتصاديًا، نتيجة تدخل السلطة السياسية عمليًا في إصدار القوانين بدلًا من السلطة التشريعية، بالرغم من إن إصدار القوانين شكلٌ من أشكال السلطة التشريعية. وهو ما قد يُسْفِر عن الفشل الكلي لعملية نقل التكنولوجيا، بالإضافة إلى خسارة الأموال العامة المخصصة لهذا العقد، دون نسيان الخسارة في الوقت والربح الفائت من هذه العملية مع احتمالية كبيرة بتعويض الطرف المُوَرِّد للتكنولوجيا.

أولًا: الجذور السياسية لعقود نقل التكنولوجيا

إنَّ نشأة عقود نقل التكنولوجيا هي نتيجة مباشرة لقوانين التأميم التي بدأت بالصدور بالدول ذات النهج الاشتراكي في الخمسينيات من القرن العشرين الميلادي؛ فالشركات الأجنبية فقدت الرغبة باللجوء إلى الاستثمار المباشر في الدول ذات الخلفية السياسية الاشتراكية؛ نظرًا لخطر دائم في تأميم أصول تلك الدول وممتلكاتها. فعلى سبيل المثال، الرئيس الروسي بوتين كانت لديه النية بتأميم أرباح الشركات الخاصة لتنفيذ وعوده الانتخابية في عام 2018[1].

بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ عقد نقل التكنولوجيا يمتلك خصائص تميزه عن غيره من العقود الدولية، وهذه الخصائص تتعلق بموضوع العقد نفسه؛ أي التكنولوجيا، وبالقواعد المطبقة عليه. فموضوع العقد لا تعريفَ له متفقٌ عليه من قبل جميع الأطراف، وهم المُسْتَوْرِد للتكنولوجيا، والمُوَرِّد للتكنولوجيا. فالتكنولوجيا لا تتمتع باعتراف قانوني متطابق في كل الأنظمة القانونية. بمعنى آخر، إنَّ الدول النامية والدول الصناعية بوصفها أطراف العقد تستخدمان مصطلح التكنولوجيا في العقد، ولكن لكل منهما تعريفه الخاص لهذا المصطلح، تبعًا لمصالحه الخاصة. هذه المصالح التي لا تخلو من دافعٍ سياسيٍّ، يتلخص في توطيد التبعية الاقتصادية والسياسية للطرف المُوَرِّد. وبالمقابل الطرف المُسْتَوْرِد يسعى للتخلص من هذه التبعية. إنّ هذه الاختلافات في المناهج السياسية والاقتصادية بين دول العالم أدّت إلى فشل، وعدم إلزامية مشروع التقنين الدولي لنقل التكنولوجيا، على نحو ما سيعرض البحث.

1. بروز نقل التكنولوجيا كنتيجة للتأميم في الدول النامية

إذا أخذنا دولتين عربيتين كمثال تاريخي، وهما سوريا ومصر، نجد أن هناك ترابطًا تاريخيًا وسياسيًا بين هاتين الدولتين اللتين لهما اقتصاد زراعي. إن الروابط التاريخية والسياسية في العصر الحديث تعود إلى فترة حكم محمد علي باشا الذي حكم سوريا ومصر من عام 1831 حتى عام 1840، بعد عام 1840 عادت سوريا إلى حكم الدولة العثمانية، إلا أنّ الحرب العالمية الأولى أوقعت سوريا تحت سيطرة فرنسا من تاريخ 24 تموز 1920 حتى تاريخ 17 نيسان 1946، بموجب قرار من عصبة الأمم الذي أعطى فرنسا الحق في الوصاية على سوريا ولبنان. فالهدف المعلن في قرار الوصاية هو "السماح لسوريا بالوصول إلى الاستقلال والسيادة، وذلك بعد الوصول إلى مستوى كافٍ من النضج السياسي والتطور الاقتصادي"[2]. وبالتالي نجد أنَّ هدف التطور الاقتصادي معلنٌ منذ الإعلان الرسمي لتأسيس الدولة السورية.

بين العامين 1949 و1954، مرّت سوريا بفترة أربعة انقلابات عسكرية، كان للعقود الدولية للنفط دورٌ مركزيٌ في حدوثها. على سبيل المثال، إنّ أول انقلاب عسكري حدث في سوريا في عام 1949 تلقى مساعدة عسكرية سرية من السفارة الأمريكية في دمشق؛ وذلك بهدف المصادقة على مشروع عقد خطوط التابلين مع شركة أرامكو. تلك الخطوط يبلغ طولها 1214 كم، تبدأ من الأراضي السعودية، وتمتد عبر الأراضي الأردنية والسورية، لتنتهي في الأراضي اللبنانية. فقبل انقلاب 1949، رفض مجلس الشعب السوري عدة مرات مصادقة هذا العقد؛ بسبب مدته لـ 70 عامًا، والثمن غير العادل. ولكن، بعد انقلاب 1949 بشهرين، صادق مجلس الشعب السوري على العقد دون أي تعديل.[3]

في حين، بين العامين 1952 و1970 برزت المناهج السياسية الاشتراكية في سوريا ومصر، وقد اعتمدت المناهج على تأميم وسائل الإنتاج، ورؤوس الأموال الأجنبية، والاستثمارات الأجنبية؛ بهدف تحرير التجارة من الطرق الحديثة للاستعمار[4]. فمع بداية سبعينيات القرن العشرين الميلادي، اعتمد الرئيس المصري السادات أسلوبًا اقتصاديًّا مختلطًا يقوم على تدخل الدولة في كل الأنشطة الاقتصادية، مع السماح بحرية السوق في مصر، وهذا ما أدّى إلى ظهور عدة مشاكل في الاقتصاد المصري، وفي معدلات النمو في تلك الفترة؛ فالأشخاص الاعتباريون المصريون من القانون العام هم المشتغلون الرئيسيون في التجارة الداخلية والدولية في مصر[5].

أما في بداية الثمانينيات، عانت مصر من عدم القدرة على سداد الديون الخارجية، وتحديدًا بين عام 1987 وعام1991. ففي العامين 1990 و1991، كان الدين الخارجي المصري 44،7 مليار دولارٍ أمريكي؛ وذلك بسبب الخسائر في الشركات العامة المصرية الذي يُقدَّر بحوالي 500 مليون جنيهًا مصريًّا. إلا أن هذه خسائر القطاع العام المصري زادت بين عامي 1993 و1994 إلى 2،5 مليار جنيهًا مصريًّا، مما ترك آثارًا سلبية على النمو والتطور الاقتصادي[6].

ولا يختلف الحال بين العامين 1958 و1961، حين شكّلت سوريا ومصر الجمهوريةَ العربيةَ المتحدة. وهنا أصبح الإقليم الشمالي (سوريا) يُدار على طريقة الحزب الواحد الذي في مصر. فبدأ التأميم في سوريا برياح الاشتراكية القادمة من مصر، وكانت النتيجة تكبد الاقتصاد السوري خسائر فادحة في السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين.

في بداية التسعينيات، كل من سوريا ومصر، اعتمدتا برنامجًا للخصخصة؛ بهدف إصلاح الاقتصاد وتطوير البلاد، وذلك من خلال قوانين الاستثمار[7].

البرنامج المصري للخصخصة شمل 314 شركة عامة، باستثناء الهيئة العامة لقناة السويس، والطيران، والصناعات العسكرية، والقطاع النفطي، والغازي المصري. في فترة الخصخصة في مصر - التي امتدت بين عامي 1993 و2003 - بدأت مصر تعي أهمية وجود قانون خاص بنقل التكنولوجيا؛ بسبب العدد الهائل للنزاعات المتعلقة بنقل التكنولوجيا لمصر أمام محاكم التحكيم الدولية. وبالتالي، ظهر القانون رقم 17 لعام 1999 الذي تضمّن قسمًا خاصًا بعقود نقل التكنولوجيا[8].

لا بدَّ من الإشارة، أن التأميم في مصر أدّى إلى نقل ملكية وسائل الإنتاج إلى الجيش المصري، فأصبح لدينا عسكرة للاقتصاد المصري. فشهد العام 1979 إنشاء جهاز الخدمة المدنية في مصر، الذي سمح للجيش المصري بالتدخل في الحياة الاقتصادية المدنية، وغير العسكرية في مصر؛ فتملّك الجهاز عشرين شركةً عامة مصرية في كافة المجالات الاقتصادية. فمثلًا، شركة واحدة من هذه الشركات، شركة ناصر للخدمات والصيانة لديها نشاط في 21 قطاعًا اقتصاديًّا مختلفًا من النشاط البيئي، والبنكي، والطبي، وإدارة المؤسسات...[9]. وبالتالي في العقود التجارية الدولية سيكون الجيش المصري في الغالب ممثلَ الطرف المصري، وبالتالي له ميزة تنافسية على الأطراف الأخرى في العقد، وهذا بالتأكيد ما تعيه الشركات الأجنبية المالكة للتكنولوجيا.

فالقوة السياسية المسيطرة واضحة هنا؛ حيث اُسْتُعْمِل الاقتصاد المصري لغايات سياسية بحتة[10]؛ فتدخل الجيش المصري في الاقتصاد سببه سياسي خالص، ألا وهو البدء بتغيير عقيدة الجيش المصري بعد معاهدة كامب ديفيد عام 1979. فللحفاظ على المعاهدة، لا بدّ من تغيير عقيدة الجيش المصري من محاربة العدو الخارجي إلى بناء الوطن داخليًا. وهي في الحقيقة، إلهاء العسكر في الاقتصاد وإفساده بالمال، بدلًا من المهمة الأصلية المتمثلة في حماية الدولة من أي عدوانٍ خارجي.

بهذا الإيجاز، نجد أنَّ التأميم فشل في إنقاذ الاقتصاد، وتحقيق التطور الاقتصادي؛ وذلك يعود إلى الشركات التي تخشى من التأميم أو من العسكرة باتت تعزف عن الشروع باستثمار مباشر في البلاد ذات النهج الاشتراكي. فردة فعل الشركات الأجنبية هي تقسيم الاستثمار وتجزئته من خلال تفكيك الاستثمار إلى سلسلة من الخدمات، كل خدمة منها تقابل عملية عقدية؛ بمعنى آخر، الشركات مالكة التكنولوجيا هجرت الاستثمار الأجنبي المباشر لمصلحة عملية تعاقدية، وهذا التدخل العقدي يهدف ويؤدي إلى عزل الالتزام بنقل التكنولوجيا؛ لأن مُوَرِّد التكنولوجيا يُفضِّل استثمار التكنولوجيا بنفسه على أرض المُسْتَوْرِد بحجة الإنتاجية. وهذه هي الحال تمامًا في حالة الاستثمار المباشر[11]. وبالتالي لم يعد هناك نقل فعلي للتكنولوجيا من المُوَرِّد إلى المُسْتَوْرِد.

بالرغم من أنَّ الشركات الأجنبية مالكة التكنولوجيا لا تلجأ إلى العمليات العقدية إلا إذا كان الاستثمار المباشر غير ممكن. لكن في الحالتين، سواء الاستثمار المباشر أو العمليات التعاقدية، تبقى الشركات الأجنبية هي التي تستثمر بنفسها التكنولوجيا، والمحصلة، ليس هناك نقل فعلي للتكنولوجيا للمستورِد[12]؛ والسبب في ذلك هو اختلاف مفهوم موضوع العقد (التكنولوجيا) من وجهة نظر كل من المُوَرِّد والمُسْتَوْرِد. فكل منهما يراه طبقًا للنهج السياسي والاقتصادي السائد في دولته.

2. اختلاف مفهوم التكنولوجيا تبعا لاختلاف المنهج السياسي للدولة

إن الفقه القانوني يُعرّف التكنولوجيا بأنها مجموعة معقدة من المعارف العلمية، والآلات، والأدوات، وكذلك السيطرة المنتظمة الفعّالة على وحدة إنتاج، وكذلك الآلات التي تُجسدها[13]. هذا التعريف يشمل مجموعة المعارف والطرق التقنية. بالإضافة إلى الخبرة أو المهارة (How-Know).

بالرغم من هذا التعريف الواسع للتكنولوجيا، إلا أنّ التكنولوجيا منظور لها بطريقتين مختلفتين من قِبل أطراف العقد. وذلك بحسب موقع كل منهما في العقد؛ فالمُوَرِّد مالك التكنولوجيا ينظر إليها على أنَّها مال معنوي في إطار صفقة تجارية؛ حيث يستطيع تقديم عدة خدمات مرتبطة بهذا المال المعنوي. من وجهة نظر المُوَرِّد، هي نقطة الثقل في عقد نقل التكنولوجيا. هذا هو المنهج القائم على الحرية الاقتصادية والرأسمالية.

بينما مركز الثقل من وجهة نظر المُسْتَوْرِد للتكنولوجيا، مشاركة التكنولوجيا في تحقيق تطور الدولة؛ فهو يبحث عن الوصول إلى السيطرة التكنولوجيّة، وتأمين استخدام حصري للتكنولوجيا المنقولة[14]. ومثاله الأكبر الدول المتأثرة تاريخيًّا بالسياسات الاشتراكية.

أ. التكنولوجيا بوصفها مالًا معنويًّا

إنَّ القوانين الوضعية قد منحت الأشياء النادرة والمفيدة صفة المال. فمثلًا، الغرفة الجنائية لمحكمة النقض الفرنسية في حكمها الصادر عام 2000[15] قد اعتبرت أنَّ مفهوم المال لا يقتصر على الأموال المادية؛ بل يمتدّ إلى الأموال المعنوية. فبرأي المحكمة أنَّ الشيء النادر والمفيد لا بدّ أنّ يُعتَرف به كمَالٍ من قبل القانون، وبالتالي يصبح قابلًا قانونيًّا ليكون محل عقد[16].

ووفق الفقه القانوني الفرنسي، إذا تم تكييف الأشياء المعنوية كمَالٍ، فإنَّ مفهوم الملكية يكون مرنًا وشاملًا ليغطي الاستحواذ على حق استثمار الأشياء المعنوية[17].وبه يكون الفقه والقضاء الفرنسي والأوروبي قد كيّفا الملكية الفكرية كجزء من الملكية في السبب الموجب رقم 11 للتوجيه الأوربي رقم 2001/29 لعام 2001،حين أعطى لصاحب الحق الفكري حقًّا حصريَّا لاستثماره[18]. كما أنَّ المجلس الدستوري الفرنسي أعطى حقوق الملكية الفكرية حماية دستورية؛ بتأكيده على أنَّ الإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان والمواطنة لعام 1789 يضمن لمالك حق الملكية الفكرية حماية هذا الحق ضمن إطار القانون والالتزامات الدولية لفرنسا[19].

طبقًا الفقه والقضاء الفرنسي، تثبت الملكية لصاحب حق الملكية الفكرية بالحيازة القانونية. هذه الحيازة تقابل الحيازة المادية في الأموال المادية المنقولة، التي تكون مشمولة بالقاعدة التي تنص على أنَّ الحيازة في المنقول هي سند الحائز. هذا الفقه يُعرّف الحيازة القانونية بأنَّها المظهر الذي يمكن أن يخلقه استثمار المال المعنوي، بشكل علني أو بالمعرفة بمعلومة تقنية غير محمية ببراءة اختراع[20]. أي أنَّ هذه الحماية تشمل أيضًا المعلومات التقنية والتجارية السرية.

فالاعتراف بحقوق الملكية الصناعية، والأدبية كحق ملكية وإمكانية إعطاء الأشياء المعنوية النادرة والمفيدة صفة المال يعود إلى حقبة سياسية مهمة وهي حقبة الثورة الفرنسية عام 1789م.

إنَّ الحيازة القانونية للمال المعنوي (التكنولوجيا) تعطي للمستورِد في عقد نقل التكنولوجيا الحقَّ فقط في استعمال التكنولوجيا، فالمُوَرِّد مالك التكنولوجيا لديه القدرة على استعمال واستثمار التكنولوجيا، بالرغم من نقل التكنولوجيا للمستورِد. فالطابع المعنوي يسمح بهذا الاستعمال المتزامن وقتيًا. ولكن المُسْتَوْرِد يستطيع في هذه الحالة أيضًا أن يعطي حق استعمال التكنولوجيا للغير. لذلك من المعتاد في عقود نقل التكنولوجيا أن يضع المُوَرِّد قيودًا قانونية على استعمال التكنولوجيا، مثل: عدم نقلها للغير أو عدم استخدامها لغايات غير الغايات المحددة في العقد، لا سيما الغايات العسكرية[21]. ولهذا جذر سياسي في هذه العقود؛ فالسياسة تؤدي دورًا في إبرام هذه العقود والالتزامات المتبادلة التي تحتويها. على سبيل المثال، دولة المُوَرِّد تشترط حصول المُوَرِّد على الموافقة الإدارية المسبقة منها قبل الشروع في المفاوضات، لإبرام العقد فيما يتعلق بالتكنولوجيا بشكل عام، والتكنولوجيا مزدوجة الاستخدام المدني والعسكري بشكل خاص.

بشكلٍ عامٍ، المُوَرِّد يضع القيود على حق استعمال التكنولوجيا بحجة المحافظة على القيمة الاقتصادية للمعلومات السرية من جهة أولى. فنشرها وإتاحتها للعامة يجعلها غير ذات قيمة له؛ فلا أحد سوف يدفع ثمن معلومات تقنية وتجارية وقعت في المجال العام وأصبحت متاحة للجميع مجانًا. ومن جهة أخرى، عندما تكون التكنولوجيا محميّة بموجب حقوق الملكية الفكرية، فإن المُوَرِّد يُبرّر القيود على حق استعمال التكنولوجيا؛ رغبةً في حصول المُسْتَوْرِد على النتيجة المثلى من التكنولوجيا المنقولة. فمن هذه القيود، عدم نقل المُسْتَوْرِد التكنولوجيا للغير أو عدم استخدامها لغير غاية العقد، أو عدم إجراء البحوث على التكنولوجيا المنقولة من قبيل الهندسة العسكرية أو إدخال تحسينات عليها. ولكن، المُسْتَوْرِد يريد الحصول على حق استعمال التكنولوجيا في عملية الإنتاج دون أي قيود ومن ثم استيعاب التكنولوجيا، وأيضًا يسعى للوصول إلى المقدرة على إحداث تحسينات على التكنولوجيا الأولية المنقولة؛ أي الوصول إلى مرحلة الاستقلال التكنولوجي.

رغبة المُسْتَوْرِد هذه تصطدم في الأغلب مع سياسة دولة المُوَرِّد للتكنولوجيا التي تبحث عن سوق لتصريف منتجاتها، ولعمل شركاتها، وليس جعل الدولة المُسْتَوْرِدة للتكنولوجيا منافسًا حقيقيًّا لها في مجال التكنولوجيا. فالمُوَرِّد من مصلحته السياسية والاقتصادية أن يعتبر التكنولوجيا مالًا معنويًّا، وليس وسيلة لتطور الدول النامية. وبالتالي لديه الحق في فرض قيود على حق استعمال التكنولوجيا، ولكن هذا الحق في فرض القيود على استعمال التكنولوجيا يصبح عديم الأثر إذا اعتبرنا أنَّ التكنولوجيا وسيلة للتطور الاقتصادي للمستورد.

وبناء عليه، نجاح عقد نقل التكنولوجيا مرهون دائما بالتوافق السياسي بين دولة المُوَرِّد ودولة المُسْتَوْرِد، كما يلحظ في عقود نقل التكنولوجيا بين دول غرب وشرق أوربا، بخلاف أغلب العقود بين دول الغرب وبلاد الشرق الأوسط.

ب. التكنولوجيا بوصفها وسيلة للتطور الاقتصادي

تعد الدول النامية التكنولوجيا وسيلة للتطور الاقتصادي، فتُقسّم التكنولوجيا إلى مناسبة وأخرى غير مناسبة للتطور الاقتصادي وسعيًا لتقليص الفجوة التكنولوجيا مع المُوَرِّد؛ فإذا كانت التكنولوجيا المستهدفة تساهم في تقليص الفجوة التكنولوجيّة، فهي تكنولوجيا مناسبة. وبالمقابل فإذا لم تساهم في ذلك، فهي تكنولوجيا غير مناسبة[22]. التكنولوجيا غير المناسبة قد تؤدي إلى زيادة معدلات البطالة، وإلى الازدواجية التكنولوجية في قطاعات الإنتاج في الدولة نفسها. فالفجوة التكنولوجيّة قد تختلف من قطاع تكنولوجي إلى آخر في الدولة نفسها. على سبيل المثال، في مصر، كانت التكنولوجيا متقدمة في مجال المنتجات القطنية، ولكن التكنولوجيا المستخدمة في تصفية المياه قديمة جدًا.

لقد حاول الفقه المصري وضع أربعة معايير لتحديد متى تكون التكنولوجيا غير مناسبة، وبالتالي، لا تعتبر وسيلة للتطور الاقتصادي.[23] أول هذه المعايير الحاجة لمشاريع ضخمة لاستعمال التكنولوجيا؛ لأنَّ السوق في البلاد النامية متواضع والقدرة الشرائية منخفضة في هذه البلاد، وبالتالي لا يمكن تصريف المنتجات الناتجة عن التكنولوجيا في بلد المُسْتَوْرِد. والنتيجة يصبح لدينا قدرات إنتاجية غير مستثمرة. أما المعيار الثاني فمتعلق بالحاجة لرأس مال ضخم في عملية الإنتاج. إنَّ الدول الصناعية لديها مشكلة في اليد العاملة لذلك تحاول تعويض النقص في الأيدي العاملة عن طريق توظيف رؤوس أموال ضخمة في العملية الإنتاجية، ونقيض ذلك في الدول النامية؛ حيث الأيدي العاملة الكثير وبالتالي لا حاجة لتوظيف رؤوس أموال ضخمة في العملية الإنتاجية. وثالث المعايير الحاجة إلى اختصاص تقني وإداري مؤهل تأهيلًا ممتازًا عند دولة المُوَرِّد؛ لأن بالرغم من عملية التدريب المهني إلا أن العنصر البشري في الدول النامية لا يكون قادرًا دائمًا على استيعاب التكنولوجيا المنقولة، أما المعيار الرابع الأخير، عدم ملاءمة المنتجات الناتجة عن التكنولوجيا مع الحاجات الأساسية للبلد المُسْتَوْرِد للتكنولوجيا.

في الواقع، إنَّ هذه المعايير لا تُعَرِّف بطريقة واضحة ما التكنولوجيا الملائمة؛ لأنَّ نقل التكنولوجيا يحتاج إلى مشروع ضخم، وتوظيف رؤوس أموال ضخمة، واختصاص تقني وإداري مؤهل لاستيعاب التكنولوجيا المنقولة. مهما يكن، فإنَّ هذه المعايير تثبت بشكل جازم أنَّ التكنولوجيا هي وسيلة للتطور من وجهة نظر الدول النامية.

أمام هذا الاختلاف بين الدول الصناعية والدول النامية في وجهة نظر كلٍّ منهما إلى مفهوم التكنولوجيا، حاول المؤتمر الاقتصادي للأمم المتحدة إيجاد تسوية تلبي المصالح الاقتصادية للطرفين في العقد، ولكن الاختلاف السياسي بين الدول الأعضاء في المؤتمر أفشل هذه الجهود، على نحو ما سيعرض البحث.

3. الاختلاف السياسي أَفشل مشروع التقنين الدولي لنقل التكنولوجيا

كما تبيّن سابقًا، نتيجةً لاختلاف نظرة كلٍّ من المُوَرِّد والمُسْتَوْرِد لمفهوم التكنولوجيا، وتعارض مصالحهما حول تفسير هذا المفهوم، نجد أنَّ نقل التكنولوجيا أصبح محل نقاش حاد في البلاد النامية؛ فبالنسبة إلى بعض هذه الدول النامية، إنَّ نقل التكنولوجيا هو عبارة عن وصفة سحرية تحقق التطور والنمو الاقتصادي. وبالنسبة إلى بعضها الآخر، فإنَّ عقود نقل التكنولوجيا تكون غير كافية لتحقيق الهدف المرجوّ منها؛ بل على العكس، إنَّها تقود إلى التبعية الاقتصادية والتكنولوجيّة والسياسية إلى الدول الصناعية[24]. فالشروط التقييدية على استعمال التكنولوجيا تؤدي إلى جعل التكنولوجيا محتكرَة عند المُوَرِّد دون نقل حقيقي للتكنولوجيا إلى الدولة المُسْتَوْرِدة

لذلك في السبعينيات من القرن العشرين، وتحت مظلة المؤتمر الاقتصادي للأمم المتحدة للتجارة والتطور لعام 1979، حاولت الأمم المتحدة وضع مشروع للتقنين الدولي لعقود نقل التكنولوجيا؛ ليغدو تقنينًا دوليًّا ملزمًا لكل الدول، وهذا الذي لم يحدث حتى الآن[25]. أعلن مشروع التقنين أحقية الدول النامية في الحصول على التكنولوجيا مقابل ثمن عادل للمُورِّد. هذا المشروع استهدف وضع معايير مقبولة دوليًّا في مواد نقل التكنولوجيا؛ من أجل أن يتمكن المُوَرِّد من الوصول إلى مرحلة السيطرة على التكنولوجيا والاستقلال التكنولوجي.

لقد حاول المشروع إيجاد تسوية بين الدول المشاركة في المؤتمر التي تكتلت حسب منهجها السياسي في ثلاث مجموعات، كل منها لديها مصالحها المتعارضة مع المجموعات الأخرى؛ فمجموعة البلاد النامية - وهي المستعمرَات السابقة - تكتلت في مجموعة الـــ 77 (المجموعة ألف). والدول الاشتراكية انضوت في المجموعة دال، بينما الدول الصناعية الرأسمالية تمثلت في المجموعة باء.

كل من هذه المجموعات لديها مشروعها الخاص الذي يتعارض مع مشروع المجموعات الأخرى، مما أدى إلى فشل المؤتمر ورفض الطابع الإلزامي للمشروع. كما فشلت أيضًا محاولة الوصول إلى اتفاق على القانون الواجب تطبيقه على العقد أو حتى على الطريقة المُثلى لحل نزاعات العقد؛ فالدول الصناعية تفضل قوانينها، لتنظم العقد والتحكيم الدولي كوسيلة لفض النزاعات. بخلاف الدول النامية التي تُصرّ على أنَّ التحكيم الدولي هو أداة استعمارية لتدويل العقد، وفرض المسؤولية الدولية للدول في حال خسارتها أمام المحاكم التحكيمية. لهذا الدول النامية تَصِرُّ على أن تكون محاكمها الوطنية هي صاحبة الاختصاص، وقانونها الوطني هو الذي يحكم العقد. فالارتياب السياسي في نوايا المجموعات في المؤتمر وراء إخفاق المؤتمر وفشله، حتى أنَّ المؤتمر لم يُعرّف التكنولوجيا مفاهيميًا بشكل مباشر، وإنما عرّف عمليات نقل التكنولوجيا بأنها: "المعاملات التي تنطوي على تفاهمات بين الأطراف تتضمن نقل التكنولوجيا"[26].

في الواقع، هناك خوف من التحكيم التجاري الدولي عند الدول النامية لعدة أسباب، منها، على سبيل المثال، الاعتراف بالقرار التحكيمي الملغى في بلد إصداره، سواء على أساس النظرية الفرنسية لاستقلال التحكيم التجاري الدولي، عن أي نظام قانوني وطني أو غير وطني. بمعنى أنه فور صدور القرار التحكيمي الدولي، فإنه ينتمي إلى نظام قانوني مستقل. والمسألة تصبح مسألة اعتراف من قبل القاضي واضع اليد أو عدم الاعتراف به، فالمحكّم الدولي يكون بمنزلة قاضٍ أجنبي بالنسبة إلى القاضي واضع اليد.

أما بالنسبة إلى الاجتهاد الأمريكي، فهو يؤسس للاعتراف بالقرار التحكيمي الملغى ببلد الإصدار، على أساس أنَّ المادة الخامسة (من اتفاقية نيويورك لعام 1958 من أجل الاعتراف وتنفيذ قرارات التحكيم الأجنبية[27]) لديها طابع اختياري، في تضادٍ جليّ مع الاجتهاد الفرنسي الذي يتمسك بإلزامية هذه المادة. إن التفسير الأمريكي للمادة الخامسة من اتفاقية نيويورك يَنُصُّ على أنَّ القاضي واضع اليد يستطيع رفض الاعتراف بالقرار التحكيمي الملغى في بلد إصداره، بينما التفسير الفرنسي ينص على أنَّ القاضي واضع اليد يجب عليه إلغاء القرار التحكيمي الملغى في بلد إصداره إلا في حالة أنَّ يكون القانون الوطني للقاضي واضع اليد أكثر تفضيلًا للتحكيم. ففي هذه الحالة، القاضي يستطيع الاعتراف بالقرار التحكيمي الملغى في بلد إصداره بموجب المادة السابعة من اتفاقية نيويورك لعام 1958[28]. وهذا هو الحال مع المادة 1520 من قانون الإجراءات المدنية الفرنسية التي لا تنص على أنَّ إلغاء القرار التحكيمي في بلد إصداره سبب لعدم الاعتراف أو عدم تنفيذ القرار التحكيمي. فالقانون الفرنسي يمسي الأكثر تفضيلًا لتنفيذ القرار التحكيمي الأجنبي، وبالتالي، فالقانون الفرنسي هو الذي يُطبَّق تبعًا لقاعدة تنازع القوانين المنصوص عليها في المادة السابعة من اتفاقية نيويورك لعام 1958.

مجمل القول، إن النتيجة واحدة وهي إمكانية الاعتراف بالقرار التحكيمي الملغى في بلد الإصدار، وهذا ما حصل مع مصر في قضية هضبة الأهرام لعام 1974 حيث أُعطي القرار التحكيمي الملغى في مصر صيغة التنفيذ في الولايات المتحدة الأمريكية وفي فرنسا[29]. وبالتالي أُلزمت مصر بدفع مبالغ وتعويضات ضخمة إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

يعكس هذا الوضع، دور السياسة في جوانب هذه الأحكام، فبعد قيام الرئيس السادات بسحب الموافقة على مشروع هضبة الأهرام، كانت هذه التفسيرات لاتفاقية نيويورك من أجل إلزام مصر بدفع هذه التعويضات[30].فالارتياب السياسي عكس نتائج عدة على الصعيد القانوني. فمن نتائجها، ظهور القوانين الدفاعية للدول النامية في مواجهة الدول الصناعية، وسيطرتها التكنولوجيا والقانونية على عقد نقل التكنولوجيا. على سبيل المثال، القانون الأرجنتيني رقم 21617 تاريخ 12 آب لعام 1977 الذي يستبعِد كل الشروط التقييدية على حقِّ استعمال التكنولوجيا دون الأخذ بعين الاعتبار حقيقة أهمية الاكتساب التكنولوجي للمُسْتَوْرِد واستقلاله تكنولوجيًّا عن المُوَرِّد[31].

ثانيًا: النتائج القانونية للتدخل السياسي في عقود نقل التكنولوجيا

إن كانت مفاوضات الدّول حول المشروع الدولي للتقنين في مواد نقل التكنولوجيا صحيةً، تبرُز مشكلة قانونية تبحث عن حل قانوني، وتدعو لصياغة نصٍّ قانونيٍّ عادلٍ ومناسبٍ لحل هذه المشكلة. كما أنّ ظهور القوانين الدفاعية في الدول النامية يعد تدخلًا صحيًّا؛ فهذه الدّول تحاول حل المشكلة القانونية عن طريق إيجاد حلٍّ قانوني لها، لكن المشاكل تبدأ بالظهور، عندما تلجأ السلطة الحاكمة لوضع القوانين التي تلبي مصالحها في الدعاية السياسية أمام شعبها، فتكون العواقب كوارث اقتصادية وخيمة. ليس المشكلة في الدعاية السياسية إطلاقًا؛ فلكل طبقة سياسية الحقّ في الدعاية لنفسها عند تحقيق إنجاز، ولكن الخلل التدخل في عمل المشرِّعين والقانونيين، والضغط عليهم لتصديق عقود نقل تكنولوجيا لا تعطي الاقتصاد أي قيمة حقيقية؛ بل على العكس، بدلًا من التطور الاقتصادي المرجوّ من هذه العقود تجني الدولة الخسارة الاقتصادية والتراجع في النمو. وهذا ما يصدق في مصر وسوريا على الأقل.

1. التجربة المصرية

في مصر، وبشكل ٍ عامٍ، القوانين الدفاعية لنقل التكنولوجيا قوانين ذات تطبيق مباشر، طالما أنَّ العقد يجري تنفيذه على أرض الدولة النامية. وهذا ما يعتبره البعض أنَّه يصطدم مع إرادة دولة المُوَرِّد الصناعية في فرض رقابتها على الدول النامية، من خلال تدويل العقد والتحكيم التجاري الدولي[32]. ففي هذه الحال، أصبحت مشكلة تنازع القوانين وتنازع الاختصاص القضائي مشكلة قانونية، وسياسية، واقتصادية في عقود نقل التكنولوجيا.

فمن طرف الدول النامية، يعدُّ التحكيم الدولي شرطًا تعسفيًّا في عقد نقل التكنولوجيا لمصلحة المُوَرِّد في العقد. على سبيل المثال، خسرت مصر ما قيمته حوالي 22 مليار دولارٍ أمريكي في ثلاث عشرة قضية في نزاعات التحكيم التجاري الدولي. ومنذ العام 2011، كانت مصر طرفًا في 26 نزاع تحكيمي، لم تحسم إلا بثلاثة نزاعات لصالح مصر[33]. إنَّ أسباب هذه الخسائر في التحكيم التجاري تعود إلى الفساد، وغياب الكوادر المؤهلة للتفاوض على عقود نقل التكنولوجيا، وعدم الانسجام بين القوانين المصرية، والاتفاقيات الدولية في مواد نقل التكنولوجيا. المقصود هنا، المادة 87 من قانون التجارة المصري التي تنص على أنَّ القانون المصري يطبق على كل عقد نقل تكنولوجيا داخليًا أم دوليًّا، طالما أنَّ العقد ينفَّذ في مصر، وأنَّ القضاء المصري هو القضاء المختص، مع إمكانية للتحكيم مشروطة بأن يكون مكان التحكيم في مصر[34].

في الواقع، المادة 87 من قانون التجارة المصري سلبت من الأطراف حرية الاختيار للقانون الواجب التطبيق، وهو ما يتعارض مع المادة الثالثة من اتفاقية روما لعام 1980 على الالتزامات العقدية[35]، التي مصر طرف فيها. وهذا مما قد يثير مسؤولية مصر الدولية في الوفاء بالتزاماتها، وما يترتب عنه من غرامات وتعويضات. ففي حالة المادة 87 من قانون التجارة المصري، نكون أمام تفسيرين لوجود هذه المادة؛ إما عدم فهم قانوني للمُشَرِّع المصري، وهذا مستبعَد، وإما ضغط وتدخل سياسي لوضع هذه المادة بهذا التعارض مع اتفاقية روما لعام 1980، وهذا ما ترجحه الورقة. فالتدخل السياسي أفسد اتساق المادة 87 وتوافقها مع الالتزامات القانونية الدولية لمصر. والغاية من هذا التدخل، الترويج والدعاية السياسية لسيادة القانون المصري على الأشخاص الأجنبية من القانون الخاص في مصر. والأمر على هذا النحو، لا يغني ولا يسمن من جوع في مواد نقل التكنولوجيا. فالغاية الحقّة من العقد هو جلب التطور الاقتصادي، وليس الدعاية السياسية للحكومة.

تضرب الدعاية السياسية الاقتصاد بقوة في مواد نقل التكنولوجيا. فمنذ السبعينيات، تسعى الدول النامية إلى تسريع التطور الإنتاجي والاقتصادي[36]. ولذلك عقدت مع الدول الصناعية عقودَ نقل تكنولوجيا من نوع بناء مجمع صناعي؛ لأنَّها وجدت أنَّ الحق في استعمال التكنولوجيا غير كافٍ لتحقيق التطور، والسبب في ذلك هو أنَّ المُوَرِّد يلجأ إلى حماية جزء من التكنولوجيا بعدّهِ حقًّا من حقوق الملكية الفكرية، والجزء الآخر يتركه سريًّا عنده؛ حيث لا يمكن استغلال التكنولوجيا إلا بالجزأين معًا، وهذا ما يحصل عندما يباشر المُوَرِّد العمل بنفسه؛ لأنَّه يمتنع عن إعطاء الجزء السري للمُسْتَوْرِد[37].

غاية عقود بناء مجمع صناعي جعل الشركة الأجنبية مسؤولة عن تشغيل المشروع الصناعي، بالمقابل، موظفو الدولة النامية يتشاركون هذه المسؤولية مع الشركة الأجنبية. هذا النموذج عرف نجاحًا باهرًا عندما كانت أطراف العقد هما الدول الصناعية الأوربية الغربية مع الدول الأوربية الشرقية الاشتراكية. ولكنه لاقى فشلًا ذريعًا عندما كان الطرف الآخر الدول العربية. البعض يعلّل هذا الفشل إلى عدم امتلاك الدول العربية المستوى التقني الكافي لاستيعاب التكنولوجيا، وذلك على عكس دول أوروبا الشرقية التي تمتلك مستوى تقنيًّا كافيًا لاستيعاب التكنولوجيا، لذلك فشلت هذه العقود في الدول العربية.[38]، ولا يمكن إغفال وجود تأثير سياسي واضح في فشل هذه العقود مع الدول العربية، ونجاحها مع الدول الأوربية الشرقية. فلتسريع التطور، تعلن الحكومة عن أهداف ضخمة، وعند التنفيذ تجد أنَّ هذه الأهداف في التطور الاقتصادي أمامها عقبات عدة. بالرغم من ذلك تستمر في هذا الدرب؛ من أجل أن تُقنِع شعبها وتغرقه في وهم أنَّ التطور الاقتصادي في متناول اليد عمّا قريب.

من الناحية النظرية، الدولة المصرية تعلن دائمًا عن خطط طموحة لنقل التكنولوجيا والتطور الاقتصادي. ولكن عمليًّا، هذه العقود تبرم لغايات أخرى داخلية ودولية، وهو ما يولّد نزاعاتٍ عندما تتغير الظروف السياسية في مصر. فعلى سبيل المثال، دائمًا ما نجد الإعلام الحكومي المصريّ يتحدث عن الحاجة لبناء محطة فضائية مصرية، من أجل مراقبة وإدارة النشاطات الفضائية المصرية طبقًا للسياسة الوطنية. أيضًا، هذا الإعلام يضيف أنَّ هناك تعاونًا مع شركات ألمانية لتحقيق هذه الغاية[39].

في الواقع، إنَّ الإعلام الحكومي المصري يتحدّث عن هذا المشروع منذ أكثر من نصف قرن. النتيجة هي أنَّ أول قمر صناعي مصري سات1 تمَّ بناؤه بالتعاون مع شركة لوجونوي الأوكرانية، وتم إطلاقه في 17 نيسان للعام 2007، ولكن الاتصال بذلك القمر الصناعي فُقِد في 19 تموز 2010. القمر الصناعي المصري الثاني سات 2 تمَّ إطلاقه عام 2014 بعد تغير الظروف السياسية في مصر. وهناك تفكير في بإطلاق قمر صناعي ثالث[40]. لا يكفّ الإعلام الحكومي المصري التحدّث عن بناء مشاريع ضخمة للبنية التحتية في بلده، ولكن على أرض الواقع، الموارد المالية والإمكانيات التقنية غير كافية لتحقيق هذه المشاريع. فالإعلام الحكومي المصري نفسه يعترف أنَّ الدَّيْن المصريّ الخارجيّ قد تجاوز 111مليار دولارٍ أمريكيٍّ في عام 2020[41].

علاوة على ذلك، مشكلة الفساد في المؤسسات العامة المصرية تزيد من تعقيد الأمور. مثال هذا الفساد، عقود الغاز المصرية. فالاقتصاديّون المصريون يعتبرون أنّ الحقوق المصرية قد أُهدرت في عقود الغاز؛ بسبب الفساد وغياب الشفافية الذي حال دون تحقيق الهدف المرجوّ من هذه العقود في التطور الاقتصادي[42]. ابتداءً من العام 2000، اتجهت مصر إلى تحديث وتحسين مشاريع الغاز فيها، وذلك بالاعتماد على الشركات الأجنبية مالكة التكنولوجيا في هذا المجال. فعلى سبيل المثال، أبرمت الشركة العامة المصرية للغاز عقدًا مع شركة أجنبية من أجل استثمار واستكشاف حقل غرب دلتا النيل[43]. قيمة هذا العقد تتجاوز 12 مليار دولار أمريكي. كما أنَّ الإعلام المصري يتحدّث عن خطة طموحة من أجل الحصول على 25 بالمئة من الطاقة الكهربائية من الطاقة البديلة بحلول عام 2030[44].

والحال نفسه مع مشروع الطاقة النووية؛ فمصر لديها خطة طموحة من أجل الاستثمار السلمي للطاقة النووية تعود إلى حقبة الستينيات من القرن العشرين. كما أنَّها أسَّست الهيئة المصرية للطاقة النووية، وحتى اليوم لا أثر لمفاعل نووي للاستخدام العسكري أو السلمي.

خلاصة ما سبق، تهدر مصر مواردها الاقتصادية والبشرية دون أي استفادة تنعكس إيجابًا على النمو الاقتصادي والتطور التكنولوجي بسبب الترويج السياسي للحكومة المصرية. فعقد نقل التكنولوجيا لا يغدو سوى أداة إعلامية في نظر الحكومة المصرية. والأمر نفسه في الجمهورية السوريّة.

2. التجربة السورية

من أجل نقل تكنولوجيا حقيقي يساهم في التطور الاقتصادي، لا بد أن من سيطرة تكنولوجية من قبل المُسْتَوْرِد على التكنولوجيا محلّ العقد بنهاية عقد نقل التكنولوجيا. هذا الذي يفترض قدرة المُسْتَوْرِد على استعمال واستثمار التكنولوجيا في المرحلة الأولى. أي أنَّ المُسْتَوْرِد تصبح له القدرة على الوصول إلى النتائج التكنولوجيّة نفسها التي توصَّل إليها المُوَرِّد في عملية الإنتاج، كما يفترض قدرة المستورد على إمكانية إجراء البحوث، وإضافة تحديثات على التكنولوجيا المنقولة له في المرحلة الثانية.

في حالة سوريا، تتجاهل السلطة التنفيذية هذه الحقيقة، وتعتبر نقل التكنولوجيا يحدث عن طريق الاستثمار المباشر[45]. القانون السوري عرّف الاستثمار المباشر بأنَّه الاستثمار الذي يكون محلّه عمليات إنشاء أو توسعة المشروع أو تطوير بعض القطاعات الاقتصادية[46]. في معظم الأحوال، إنَّ الاستثمار الأجنبي في سوريا يأخذ شكل عقود الإنتاج المشتركة. وهو يستهدف غالبًا القطاع النفطي والغازي؛ حيث قُدِّر الاستثمار المباشر في هذا القطاع حوالي 1539 مليون دولار أمريكي في عام 2010[47].

إنَّ دراسة عقود الاستثمار المباشر الأجنبي في سوريا تكشف بأنَّ التكنولوجيا عنصر من عناصر الاستثمار الأجنبي، وهي عنصر رئيس في عملية نقل التكنولوجيا، بالرغم من ذلك، فإنَّ هذا المنهج فَشل في سوريا على الأقل خلال أربعين عامًا.

إنَّ أمثلة الترابط بين التكنولوجيا والاستثمار المباشر من وجهة نظر سوريا كثيرة جدًا. على سبيل المثال، العقد بين سوريا وشركة كندية في عام 2007؛ حيث نصَّت الأسباب الموجبة للقانون الذي صادق على العقد، أنَّه بهدف توسيع وتطوير المشاريع النفطية عن طريق الطرق التقنية الحديثة، فإنَّ العقد تمّ إبرامه بين الأطراف[48]. إنَّ هذه العبارة نجدها مكررة في جميع القوانين التي تصادق على عقود الاستثمار المباشر في سوريا. على سبيل المثال أيضًا، العقد بين سوريا وشركة موريل آند بروم في عام 2007[49].

فسوريا افترضت وجود رابطٍ لا يمكن فصله بين التكنولوجيا والاستثمار المباشر. فالسوريّون يعدّون الاستثمار الأجنبي المباشر يتضمن أيضًا نقلًا تكنولوجيًّا؛ صناعيًّا وتجاريًّا. ففي العقود النفطية نجد دائمًا العبارات نفسها، والأسباب الموجبة التي تنص على أنَّ هدف تطوير وتوسيع المشاريع النفطية يكون بوسيلة الطرق التقنية الحديثة المتبعة عند الشركات متعددة الجنسيات التي أُبْرِم العقد معها. هذه الصياغة تكرَّر فالطرف الأجنبي يتحمّل وحده العبء التمويلي للمشروع في حالة أنَّ الإنتاج غير كافٍ لتحقيق ربح مالي. أما إذا كان الإنتاج مجديًا اقتصاديًّا، فإنَّ المستثمر الأجنبي يأخذ حصته من الأرباح طبقًا للعقد. كما أنَّ هذه العقود تنص على حق الدولة السورية بالتأميم الجزئي أو الكلي للمشروع[50]. إنَّ هذه الصياغة تشير إلى أنَّ الأولوية في سوريا هي البحث عن مصدرٍ تمويليٍّ للمشروع ثم تأتي مسألة نقل التكنولوجيا بالدرجة الثانية؛ لأنَّ الشركات الأجنبية تنظر بعين الريبة للتأميم، ولن تسمح بنقل تكنولوجيا تخسرها عند نجاح المشروع.

وأضحى جليًّا، أنَّ السياسة تلغي دور الدولة في التطوّر؛ فسلوك السلطات السورية يُفسَّر على أنَّه تخلٍ من الدولة عن دورها في تمويل المشاريع، من أجل الوصول إلى التطور الاقتصادي عن طريق نقل التكنولوجيا. بهذا التخلي أمست الدولة السورية تتصرف كأيِّ تاجرٍ يبحث عن الربح، إن تحقق، ويهرب من الخسارة قدر المستطاع. هذا السلوك سلوكٌ سياسي بحت، يَنُمُّ عن عدم مبالاةٍ بالتطور الاقتصادي للدولة أو الاستفادة من مقدراتها؛ لكسب تكنولوجيا حديثة تساهم في التنمية. إنَّ هذا الفشل يكون مزدوجًا عندما تتدخل السياسة الدعائية من أجل تعطيل الاستثمارات الأجنبية، وهو ما وقع بالفعل في العقد النفطي مع شركة مارثون الأمريكية أبرم عام 1979.

فالعقد مع شركة مارثون لعام 1979 يحتوي على الصياغة ذاتها فيما يتعلق باستخدام الوسائل التقنية الحديثة، وفيما يتعلق بالتمويل والتأميم. عند البدء بالأعمال وجدت الشركة الأمريكية أنَّ الإنتاج مجدٍ اقتصاديًّا. لكن ظهر خلاف بين الأطراف أدّى إلى تعديل العقد في عام 1988. ومن جديد عاد الخلاف، لتقوم الشركة الأمريكية بوضع النزاع أمام التحكيم الدولي في جنيف في 23 كانون الأول 1998. وبالمقابل لجأ الطرف السوري إلى القضاء الإداري السوري. ثم دخل الأطراف في مفاوضات انقضت بالتخلي عن اللجوء إلى التحكيم الدولي، وعن القضاء السوري، وتعديل العقد للمرة الثالثة في عام 2006[51].

فخلال 38 سنة، لا يوجد أيُّ نقل للتكنولوجيا، ولا تنفيذ أي بند من بنود العقد. في الرأي الشخصي، لا مبرر لهذا التصرف إلا وجود إرادة للدعاية السياسية؛ بأنَّ هناك تصديًّا للهيمنة الأمريكية في المنطقة. وليس من المعقول القول بشبهة الفساد، من جهة نظر شخصية؛ لأنّه من غير المعقول أن يبقى موظف حكومي في مكانه؛ ليبتزَّ شركة أجنبية لمدة 38 عام دون أن يردعه أحد.

كذلك من المناسب الإشارة إلى أنَّ السلوك السياسي في سوريا عندما يتعلق الأمر بدول حليفة للحكومة السورية كإيران مختلف. ففي عام 2005 أبرم عقد لإنتاج السيارات في سوريا بالاعتماد على نقل تكنولوجيا من إيران. العقد ينص على أنَّ الطرفين اتفقا على إنشاء مشروع مشترك بينهما لإنتاج السيارات ونقل التكنولوجيا المتعلقة به إلى سوريا. ولكن بعد 12 عام وتحديدًا في 10 نيسان 2017 لم يُنْتِجْ تنفيذ هذا العقد إلا 72 سيارة فحسب، والمعمل عاجز عن الإنتاج[52]. والحل المقترح من وزير الصناعة السوري استيراد السيارات مباشرة من إيران[53]. فهل يوجد نقل تكنولوجيا بالاستيراد من إيران؟! فعوضًا من الترويج للصناعة السورية الناتجة عن التكنولوجيا المنقولة، يروّج الوزير السوري للصناعة الإيرانية.

إنَّ الوضع السياسي في سوريا يفرض نفسه على عمليات نقل التكنولوجيا. فقبل الثورة السورية عام 2011 عكفت الدعاية السياسية تتحدث عن عصر التقدم والازدهار القادم بمساعدة الدول الصديقة. لكن الدعاية السياسية لا يهمها إلا الترويج السياسي للحكومة، حتى ولو كان على حساب تعطيل عقدٍ يمكن أن يسهم في التطور الاقتصادي، مثل العقد السالف الذكر مع الشركة الأمريكية ماثرون، التي تُصنَّف على أنَها دولة معادية من قبل الدعاية الحكومية في سوريا. على الضدِّ، إنَّ عدم الإنتاج في مصنعٍ كلَّف الشعب السوري من ميزانيته الكثير صار إنجازًا، طالما أنَّه يمكن الاستيراد من دولة تعتبر صديقة من قبل الحكومة السورية.

خاتمة

إنَّ عقد نقل التكنولوجيا مثله مثل أي عقد لا بدّ أن تُراعى فيه مصالح الطرفين. فهناك طرف يتعيَّن أن يتلقى مقابلًا عادلًا لقاء التكنولوجيا المنقولة. بالمقابل، الطرف الثاني لا بدّ أن يستفيد من هذه التكنولوجيا بما يلبي مصالحه. للوصول لهذه المعادلة والاستفادة المتبادلة، لا بدَّ من التوافق السياسي بين بلد المُوَرِّد وبلد المُسْتَوْرِد. لكن يجب أن تكون هناك مؤسساتٍ قانونيةً قويةً تمتنع عن تصديق العقد الذي يكون مجرد أداة سياسية للترويج السياسي. فالتدخل السياسي في هذه العقود يُكلِّف الدول ثمنًا غاليًا ويجعلها تغوص في سداد ديون لانهاية لها. فهناك كثيرٌ من الدول أصبحت تقترض من أجل الوفاء بفوائد ديونها السابقة، وليس أصل الدين! وعند البحث في أغلب هذه الديون، يرجع أصلها لعقود نقل تكنولوجيا، وإن اختلفت التسميات بين عقود أو استثمارات. فالمهمّ في هذا الصدد، الهدف من العقد من الناحية القانونية هو نقل التكنولوجيا والوصول إلى التطور الاقتصادي.

أما استخدام هذه العقود كنوع من الدعاية السياسية، فسيؤدي إلى نشوة آنيّة لدى الجماهير التي سرعان ما تكتشف، بعد فوات الأوان، أنَّها أصبحت مُكَبَّلة بديونٍ خارجيةٍ لا معنى لها. فتصبح الديون تعويضاتٍ عن عدم التنفيذ أو فسخ العقد من جانب واحدٍ عند تَغيّر المصالح السياسية أو عند تَغيّر الطبقة السياسية في الدول النامية. والحالة الراهنة في مصر وسوريا تغني عن الشرح حول الوضع المعيشي لشعبي البلدين.

لحل هذا المأزق، يجب إخراج عقود نقل التكنولوجيا من إطار الترويج والدعاية السياسية، والعودة بها إلى سياقها الطبيعيّ القانونيّ؛ للحد من الخسائر، وعدم الوقوع أكثر في دوّامة الخسائر والاقتراض. فمعرفة الخلل، والبدء بتعديل السلوك أفضل من التمادي فيه. فوظيفة القانون هو حلّ المشاكل، ومنها الاقتصادية، وليس التسبب فيها، كما هو واقع التجربتين؛ سوريا ومصر.

لذا، من أجل وضع عقد نقل التكنولوجيا في السياق الذي يخدم مصالح الطرفين، لا بدّ من أن يوضِّح العقد تعريف التكنولوجيا بشقيها؛ مالٌ معنويٌّ بالنسبة إلى المُورِّد، ووسيلة للتطور الاقتصادي بالنسبة إلى المُستوْرِد. مع المحاولة قدر الإمكان لإبرام العقد مع دولة مُورِّدة تعتبر حيادية سياسيًّا بالنسبة إلى الدولة المُسْتَوْرِدة من الشرق الأوسط، مثل: سويسرا أو كوريا الجنوبية أو الهند... إلخ.

كما يجب البدء بحصر العقود التي لا جدوى اقتصادية منها، والتفاوض مع الشركات الأجنبية المُوَرِّدة على تعديلها أو فسخها؛ من أجل تجنب مزيدٍ من النزاعات أمام محاكم التحكيم الدولية مستقبلًا، مع ما يترافق من خسائر ومصاريف ضخمة.


 

المراجع

أولًا: العربية

إدارة الدراسات في وزارة الصناعة السورية. "واقع الاستثمار الأجنبي المباشر في سوريا". المجلة السورية للاستثمار، ع8 (2014).

الأكيابي، يوسف. النظام القانوني لعقود نقل التكنولوجيا في القانون الدولي الخاص. القاهرة: دار النهضة العربية، 1998.

"تحديث الصناعة السورية"، موقع الصناعي،31/10/2025، تاريخ الزيارة: 25/01/2023، على الرابط: https://alsenaee.com/2015/10/31/modernization-syrian-industry

جمال الدين، صلاح الدين. عقود نقل التكنولوجيا: تنازع القوانين وحل النزاعات. القاهرة: دار النهضة العربية، 1989.

جهاز مشروعات الخدمة المدنية. تاريخ الزيارة: 24/10/2022، على الرابط: http://www.nspo.com.eg

عادلي، عمرو. الفساد في عقود الغاز في فترة مبارك، تحليل قانوني اقتصادي. القاهرة: وحدة العدالة الاقتصادية والاجتماعية، ط1، 2013.

عاشور، صفاء. "تسويات قضايا التحكيم ضد مصر: خسائر وامتيازات ومساءلة غائبة". السفير العربي، تاريخ الزيارة: 08/01/2023، على الرابط: https://n9.cl/x24st

عاشور، مرتضى جمعة. عقد الاستثمار التكنولوجي. بيروت: منشورات الحلبي الحقوقية، 2010.

عبد المعطي، وائل حامد. "دور الغاز الطبيعي في تحقيق التنمية المستدامة في البلاد العربية". مجلة البترول والتعاون العربي، ع155 (2015).

فخري، نورا. "البرلمان يطلق الضوء الأخضر لإنشاء أول وكالة فضائية مصرية". اليوم السابع، 23/12/2017، تاريخ الزيارة: 23/10/2022، على الرابط: https://n9.cl/lbn1p

قادم، إبراهيم. الشروط المقيدة في عقود نقل التكنولوجيا ودورها في تكريس التبعية الاقتصادية على المستوى الدولي، رسالة دكتوراه، القاهرة: جامعة عين شمس، 2002.

"القانون 27 لعام 2007 تصديق عقد اللاذقية بين سورية وشركة لون انرجي إنك الكندية". موقع مجلس الشعب السوري، 19/11/2007، تاريخ الزيارة: 24/01/2023، على الرابط: http://www.parliament.gov.sy/arabic/index.php?node=201&nid=4868&ref=tree

"القانون 57 لعام 2006 تصديق العقد للتنقيب عن البترول وتنميته وإنتاجه في القطاع 15 بين سورية وشركة شل سورية لتنمية النفط ب. ف الهولندية"، موقع مجلس الشعب السوري، 24/12/2006، تاريخ الزيارة: 24/01/2023، على الرابط: http://www.parliament.gov.sy/arabic/index.php?node=201&nid=4974&ref=tree

"قانون التجارة رقم 17، تاريخ إصداره 17/05/1999”، موقع منشورات قانونية، تاريخ الزيارة: 25/01/2023، على الرابط: https://manshurat.org/node/27015

"القانون رقم 10 على الاستثمار في سوريا لعام 1991"، موقع مجلس الشعب السوري، تاريخ الزيارة: 25/01/2023، على الرابط: http://www.parliament.gov.sy/arabic/index.php?node=5554&cat=16371

"المرسوم التشريعي 33 لعام 2006 تصديق العقد لتنمية البترول وإنتاجه في منطقتي الشريفة والشاعر في حمص بين سورية وشركة ماراثون سورية للنفط ب. ف الهولندي"، موقع مجلس الشعب السوري، 26/7/2006، تاريخ الزيارة: 24/01/2023، على الرابط: http://www.parliament.gov.sy/arabic/index.php?node=201&nid=5013&ref=tree

محمد، سهير صلاح الدين. "الخصخصة وآثارها التوزيعية: تحليل اجتماعي مع تحليل حالة خصخصة قطاع الإسمنت في مصر"، المجلة العلمية لقطاع كليات التجارة، ع11 (2014)

"المرسوم التشريعي 4 لعام 2007 تصديق العقد الموقع بين سورية وشركة موريل وبروم الفرنسية وبتروكويست العالمية المحدودة الألمانية للتنقيب عن البترول وتنميته وإنتاجه"، موقع مجلس الشعب السوري، 15/1/2007، تاريخ الزيارة: 24/01/2023، على الرابط: http://www.parliament.gov.sy/arabic/index.php?node=201&nid=4956&ref=tree

"المرسوم التشريعي رقم 8 لعام 2007 قانون الاستثمار"، موقع مجلس الشعب السوري، 27/1/2007، تاريخ الزيارة: 25/01/2023، على الرابط: http://www.parliament.gov.sy/arabic/index.php?node=201&nid=4949&ref=tree

ناصيف، إلياس. العقود الدولية: عقد المفتاح في اليد. بيروت: منشورات الحلبي الحقوقية، 2008.

وزارة الدفاع السورية. "انقلاب حسني الزعيم في 30 مارس عام 1949". موقع وزارة الدفاع السورية، تاريخ الزيارة: 26/11/2022، على الرابط: http://www.mod.gov.sy/index.php?node=554&cat=952

وزارة الصناعة السورية. "المؤسسات العامة في الصناعات الهندسية". مجلة الاستثمار السورية، ع7 (2013).

يعقوب، أحمد. "رغم أزمة كورونا مصر تخفض نسبة الدين الخارجي المصري للناتج المحلي"، اليوم السابع، 10/10/2020، تاريخ الزيارة: 25/01/2023، على الرابط: https://n9.cl/vcb5p

ثانيًا: الأجنبية

References:

ʻAbd al-Muʻṭī, Wāʼil Ḥāmid. "Dawr al-ghāz al-ṭabīʻī fī taḥqīq al-tanmiyah al-mustadāmah fī al-bilād al-ʻArabīyah" (in Arabic), Majallat al-batrūl wa-al-taʻāwun al-ʻArabī, No 155, (2015).

ʻĀdilī, ʻAmr. Al-fasād fī ʻUqūd al-ghāz fī fatrat Mubārak, taḥlīl qānūnī iqtiṣādī (in Arabic), Al-Qāhirah: Waḥdat al-ʻadālah al-iqtiṣādīyah wa-al-Ijtimāʻīyah, 1st ed, 2013.

Alʼkyāby, Yūsuf. Al-niẓām al-qānūnī li-ʻuqūd naql al-tiknūlūjiyā fī al-qānūn al-dawlī al-khāṣṣ (in Arabic), Al-Qāhirah: Dār al-Nahḍah al-ʻArabīyah, 1998.

"al-marsūm al-tashrīʻī 33 li-ʻām 2006 tṣdyq al-ʻIqd li-Tanmiyat al-batrūl wa-intājuhu fī minṭaqatay al-sharīfah wa-al-shāʻir fī Ḥimṣ bayna Sūrīyah wa-Sharikat Mārāthūn Sūrīyah lil-Nafṭ b. F al-Hūlandī" (in Arabic), Majlis al-Shaʻb al-Sūrī website, 26/7 /2006, accessed 24/01/2023 at http://www.parliament.gov.sy/arabic/index.php?node=201&nid=5013&ref=tree

"al-marsūm al-tashrīʻī 4 li-ʻām 2007 tṣdyq al-ʻIqd al-mawqiʻ bayna Sūrīyah wa-Sharikat Mūrīl wbrwm al-Faransīyah wbtrwkwyst al-ʻĀlamīyah al-Maḥdūdah al-Almānīyah lil-tanqīb ʻan al-batrūl wtnmyth wa-intājuhu" (in Arabic), Majlis al-Shaʻb al-Sūrī website, 15/1 /2007, accessed 24/01/2023, at http://www.parliament.gov.sy/arabic/index.php?node=201&nid=4956&ref=tree&

"al-marsūm al-tashrīʻī raqm 8 li-ʻām 2007 Qānūn al-istithmār" (in Arabic), Majlis al-Shaʻb al-Sūrī website, 27/1 /2007, accessed 25/01/2023, at http://www.parliament.gov.sy/arabic/index.php?node=201&nid=4949&ref=tree

"al-qānūn 27 li-ʻām 2007 tṣdyq ʻaqd al-Lādhiqīyah bayna Sūrīyah wa-Sharikat lawn anrjy innaka al-Kanadīyah" (in Arabic), Majlis al-Shaʻb al-Sūrī website, 19/11/2007, accessed 24/01/2023, at http://www.parliament.gov.sy/arabic/index.php?node=201&nid=4868&ref=tree

"al-qānūn 57 li-ʻām 2006 tṣdyq al-ʻIqd lil-tanqīb ʻan al-batrūl wtnmyth wa-intājuhu fī al-qiṭāʻ 15 bayna Sūrīyah wa-Sharikat shl Sūrīyah li-Tanmiyat al-nafṭ b. F al-Hūlandīyah" (in Arabic), Majlis al-Shaʻb al-Sūrī website, 24/12/2006, accessed 24/01/2023 at http://www.parliament.gov.sy/arabic/index.php?node=201&nid=4974&ref=tree

"al-qānūn raqm 10 ʻalá al-istithmār fī Sūriyā li-ʻām 1991" (in Arabic), Majlis al-Shaʻb al-Sūrī website, accessed 25/01/2023 at http://www.parliament.gov.sy/arabic/index.php?node=5554&cat=16371

ʻĀshūr, Murtaḍá Jumʻah. ʻaqd al-istithmār al-tiknūlūjī (in Arabic), Bayrūt: Manshūrāt al-Ḥalabī al-Ḥuqūqīyah, 2010.

ʻĀshūr, Ṣafāʼ. "Tswyāt Qaḍāyā al-taḥkīm ḍidda Miṣr: khasāʼir wāmtyāzāt wa-musāʼalat ghāʼibah" (in Arabic), on al-Safīr al-ʻArabī, accessed 08/01/2023, https://n9.cl/x24st

"Cour de cassation. Crim. 20/11/2000, n° 99-84.522: Bull. crim. 2000, n°338," Legifrance, accessed on 25/3/2023 at https://www.legifrance.gouv.fr/juri/id/JURITEXT000007070782?dateDecision=&init=true&page=1&query=99-84.522&searchField=ALL&tab_selection=juri

Blanc, Gérard. Le contrat international d’équipement industriel. Université d’Aix- Marseille: Thèse de doctorat en droit commercial, 1980.

CNUCED. "Le projet de Code international de conduite pour les transferts de technologie", 05/06/1985, accessed on 25/01/2023 at: http://biblio.cerist.dz/hrbdonf5214/ouvrages/000000000619508000001_2.pdf

Dewette, Dominique. "La Russie envisage de nationaliser les bénéfices de sociétés privées," Express Live, 13/08/2018, accessed on 23/10/2022, at: https://fr.businessam.be/la-russie-envisage-de-nationaliser-les-benefices-de-societes-privees

Fakhrī, Nūrā. "al-barlamān yṭlq al-ḍawʼ al-Akhḍar li-Inshāʼ awwal Wakālat fḍāʼyh Miṣrīyah" (in Arabic), al-yawm al-sābiʻ, 23/12/2017 accessed 23/10/2022, at: https://n9.cl/lbn1p

Idārat al-Dirāsāt fī Wizārat al-ṣināʻah al-Sūrīyah, "wāqiʻ al-istithmār al-ajnabī al-mubāshir fī Sūriyā” (in Arabic), al-Majallah al-Sūrīyah lil-Istithmār, No8 (2014).

Jamāl al-Dīn, Ṣalāḥ al-Dīn. ʻUqūd naql al-tiknūlūjiyā: Tanāzuʻ al-qawānīn wa-ḥall al-nizāʻāt. (in Arabic), Al-Qāhirah: Dār al-Nahḍah al-ʻArabīyah, 1989.

Jehl, Joseph. Le commerce international de la technologie: approche juridique. Paris: Librairies techniques, 1985.

Jihāz Mashrūʻāt al-khidmah al-madanīyah (in Arabic), accessed 24/10/2022, at http://www.nspo.com.eg

Kassis, Antoine. L’autonomie de l’arbitrage commercial international. Paris: L’Harmattan, 2005.

Kuhn, Céline." Licence d'exploitation et article 2279 du Code civil," Recueil Dalloz, n°42 (2006).

League of Nations, "Le mandant français en Syrie et au Liban," Diplomate Governement, 25 avril 1920, accessed on 24/10/2022, at: https://www.diplomatie.gouv.fr/IMG/pdf/egf_sl_2022_web_cle0b4b13.pdf

La Convention de Rome sur les obligations contractuelles de 1980, Entree en vigueur le 01/06/1980, Accessed 17/05/2023 at:  https://eur-lex.europa.eu/legal-content/FR/TXT/PDF/?uri=CELEX:41998A0126(02)&from=FR

Le Conseil Constitutionnel. "décision n°90-283 DC, 08 janv. 1991," Journal Officiel Français, (10 janvier 1991).

Magnon, Pierre. "Quel est le poids de l’armée égyptienne dans la vie économique de l’État," France info, 31/05/2017, accessed on 24/10/2022, at: https://www.francetvinfo.fr/monde/afrique/egyte/le-poids-economique-de-l-armee-a-t-il-pese-dans-le-coup-d-etat-en-egypte_3071085.html

Muḥammad, Suhayr Ṣalāḥ al-Dīn. "al-khaṣkhaṣah wa-āthāruhā altwzyʻyh: taḥlīl ijtimāʻī maʻa taḥlīl ḥālat Khaṣkhaṣat Qiṭāʻ alʼsmnt fī Miṣr" (in Arabic), al-Majallah al-ʻIlmīyah li-qiṭāʻ Kullīyāt al-Tijārah, No11, (2014).

Nāṣīf, Ilyās. Al-ʻuqūd al-Dawlīyah: ʻaqd al-Miftāḥ fī al-yad (in Arabic), Bayrūt: Manshūrāt al-Ḥalabī al-Ḥuqūqīyah, 2008.

Nations Unies. Convention pour la reconnaissance et l'exécution des sentences arbitrales étrangères (New York), 10 juin 1958, entrée en vigueur le 7 juin 1959, accessed on: 25/1/2023 at https://uncitral.un.org/sites/uncitral.un.org/files/media‑documents/uncitral/fr/enforcing_arbitration_awards_f_0.pdf

Pollaud-Dulian, Frederic."Droit de distribution. Epuisement du droit. Directive CE n° 2001/29, article 4. Principe de proportionnalité. Droits fondamentaux," RTD com, n°1(2007).

–––. La propriété industrielle. Paris: Economica, 2010.

Qādim, Ibrāhīm. Al-shurūṭ al-muqayyadah fī ʻUqūd naql al-tiknūlūjiyā wa-dawruhā fī Takrīs al-tabaʻīyah al-iqtiṣādīyah ʻalá al-mustawá al-dawlī (in Arabic), Risālat duktūrāh, Al-Qāhirah: Jāmiʻat ʻAyn Shams, 2002.

"Qānūn al-Tijārah raqm 17, Tārīkh iṣdārh 17/05/1999" (in Arabic), Manshūrāt qānūnīyah, accessed 25/01/2023, at https://manshurat.org/node/27015

Revet, Thierry." Notion de bien: le numéro d'une carte bancaire est susceptible de détournement," RTD civ. n°4 (2000).

Seragilini, Christophe. “L’exécution des sentences arbitrales en France après le décret du 13 janvier 2011, Cahier d’arbitrage, n°2 (2011).

"Taḥdīth al-ṣināʻah al-Sūrīyah" (in Arabic), al-ṣināʻī web site, 31/10/2025 accessed 25/01/2023, at https://alsenaee.com/2015/10/31/modernization-syrian-industry/

Wizārat al-Difāʻ al-Sūrīyah, "inqilāb Ḥusnī al-Zaʻīm fī 30 Mārs ʻām 1949" (in Arabic), Wizārat al-Difāʻ al-Sūrīyah, accessed 26/11/2022, at http://www.mod.gov.sy/index.php?node=554&cat=952

Wizārat al-ṣināʻah al-Sūrīyah, "al-muʼassasāt al-ʻĀmmah fī al-Ṣināʻāt al-Handasīyah" (in Arabic), Majallat al-istithmār al-Sūrīyah, No7, (2013).

Yaʻqūb, Aḥmad. "raghma Azmat kwrwnā Miṣr tkhfḍ nisbat al-Dīn al-khārijī al-Miṣrī llnātj al-maḥallī" (in Arabic), al-yawm al-sābiʻ, 10/10/2020, accessed 25/01/2023, at: https://n9.cl/vcb5p

 



[1] Dominique Dewette, La Russie envisage de nationaliser les bénéfices de sociétés privées," Express Live, 13/08/2018, accessed on 23/10/2022, at: https://fr.businessam.be/la-russie-envisage-de-nationaliser-les-benefices-de-societes-privees

[2] League of Nations, "Le mandant français en Syrie et au Liban," Diplomate Governement, 25 avril 1920, accessed on 24/10/2022, at: https://www.diplomatie.gouv.fr/IMG/pdf/egf_sl_2022_web_cle0b4b13.pdf

[3] وزارة الدفاع السورية، "انقلاب حسني الزعيم في 30 مارس عام 1949 موقع وزارة الدفاع السورية، تاريخ الزيارة: 26/11/2022: http://www.mod.gov.sy/index.php?node=554&cat=952

[4] إبراهيم قادم، الشروط المقيدة في عقود نقل التكنولوجيا ودورها في تكريس التبعية الاقتصادية على المستوى الدولي، رسالة دكتوراه، القاهرة: جامعة عين شمس، 2002، ص3.

[5] سهير صلاح الدين محمد، "الخصخصة وآثارها التوزيعية: تحليل اجتماعي مع تحليل حالة خصخصة قطاع الإسمنت في مصر"، المجلة العلمية لقطاع كليات التجارة، العدد الحادي عشر (2014)، ص60.

[6] ابراهيم قادم، مرجع سابق، ص9 وما بعدها.

[7] القانون رقم 10 على الاستثمار في سوريا لعام 1991، موقع مجلس الشعب السوري، تاريخ الزيارة 25/01/2023: http://www.parliament.gov.sy/arabic/index.php?node=5554&cat=16371

[8] "قانون التجارة رقم 17، تاريخ إصداره 17/05/1999"، موقع منشورات قانونية، تاريخ الزيارة: 25/01/2023، على الرابط: https://manshurat.org/node/27015

[9] جهاز مشروعات الخدمة المدنية، تاريخ الزيارة: 24/10/2022: http://www.nspo.com.eg

[10] Pierre Magnon, "Quel est le poids de l’armée égyptienne dans la vie économique de l’État," France info, 31/05/2017, accessed on 24/10/2022, at: https://www.francetvinfo.fr/monde/afrique/egypte/le-poids-economique-de-l-armee-a-t-il-pese-dans-le-coup-d-etat-en-egypte_3071085.html

[11] Joseph Jehl, Le commerce international de la technologie: approche juridique (Paris: Librairies techniques, 1985), p. 324 et 325.

[12] Ibid. p. 325.

[13] Gérard Blanc, Le contrat international d’équipement industriel, (Université d’Aix- Marseille: Thèse de doctorat en droit commercial, 1980), pp. 22 et s

[14] Ibid.

[15] "Cour de cassation. Crim. 20/11/2000, n° 99-84.522: Bull. crim. 2000، n°338," Legifrance, accessed on 25/1/2023 https://www.legifrance.gouv.fr/juri/id/JURITEXT000007070782?dateDecision=&init=true&page=1&query=99-84.522&searchField=ALL&tab_selection=juri

[16] Thierry Revet, Notion de bien: le numéro d'une carte bancaire est susceptible de détournement," RTD civ. n°4 (2000), p. 912.

[17] Frederic Pollaud-Dulian, La propriété industrielle, (Paris: Economica), 2010, p. 16.

[18] Frederic Pollaud-Dulian, Droit de distribution. Epuisement du droit. Directive CE n° 2001/29, article 4. Principe de proportionnalité. Droits fondamentaux," RTD com, n°1 (2007), p. 80.

[19] Le Conseil Constitutionnel, "décision n°90-283 DC, 08 janv. 1991," Journal Officiel Français, (10 janvier 1991), p. 524.

[20] Céline Kuhn, "Licence d'exploitation et article 2279 du Code civil," Recueil Dalloz, n°42 (2006), p. 2897.

[21] Jehl, p. 129.

[22] يوسف الأكيابي، النظام القانوني لعقود نقل التكنولوجيا في القانون الدولي الخاص (القاهرة: دار النهضة العربية،1998)، ص36.

[23] المرجع السابق، ص34.

[24] القادم، ص3.

[25] CNUCED, "Le projet de Code international de conduite pour les transferts de technologie," 05/06/1985, accessed on 25/01/2023 at: http://biblio.cerist.dz/hrbdonf5214/ouvrages/000000000619508000001_2.pdf

[26] Ibid.

[27] Nations Unies, Convention pour la reconnaissance et l'exécution des sentences arbitrales étrangères (New York), 10 juin 1958, entrée en vigueur le 7 juin 1959, accessed on 25/1/2023 https://uncitral.un.org/sites/uncitral.un.org/files/media-documents/uncitral/fr/enforcing_arbitration_awards_f_0.pdf

[28] Christophe Seragilini, "L’exécution des sentences arbitrales en France après le décret du 13 janvier 2011," Cahier d’arbitrage, n°2 (2011), p. 397.

[29] Antoine Kassis, L’autonomie de l’arbitrage commercial international (Paris: Le Harmattan, 2005), p. 467.

[30] صلاح الدين جمال الدين، عقود نقل التكنولوجيا: تنازع القوانين وحل النزاعات (القاهرة: دار النهضة العربية، 1989)، ص12.

[31] الأكيابي، ص12.

[32] السابق نفسه.

[33] صفاء عاشور، "تسويات قضايا التحكيم ضد مصر: خسائر وامتيازات ومساءلة غائبة"، السفير العربي، تاريخ الزيارة: 08/01/2023، على الرابط: https://n9.cl/x24st

[34] قانون التجارة رقم 17 في مصر.

[35] La Convention de Rome sur les obligations contractuelles de 1980, Entree en vigueur le 01/06/1980, Accessed 17/05/2023 at: https://eur-lex.europa.eu/legal-content/FR/TXT/PDF/?uri=CELEX:41998A0126(02)&from=FR

[36] مرتضى جمعة عاشور، عقد الاستثمار التكنولوجي (بيروت: منشورات الحلبي الحقوقية، 2010)، ص52.

[37] Blanc, p. 225.

[38] إلياس ناصيف، العقود الدولية: عقد المفتاح في اليد (بيروت: منشورات الحلبي الحقوقية، 2008)، ص208.

[39] نورا فخري، "البرلمان يطلق الضوء الأخضر لإنشاء أول وكالة فضائية مصرية"، اليوم السابع، 23/12/2017، تاريخ الزيارة: 23/10/2022، https://n9.cl/lbn1p

[40] المرجع السابق.

[41] أحمد يعقوب، "رغم أزمة كورونا مصر تخفض نسبة الدين الخارجي المصري للناتج المحلي"، اليوم السابع، 10/10/2020، تاريخ الزيارة: 25/01/2023، https://n9.cl/vcb5p

[42] المرجع السابق.

[43] عمرو عادلي، الفساد في عقود الغاز في فترة مبارك، تحليل قانوني اقتصادي (القاهرة: وحدة العدالة الاقتصادية والاجتماعية، ط1، 2013)، ص12.

[44] وائل حامد عبد المعطي، "دور الغاز الطبيعي في تحقيق التنمية المستدامة في البلاد العربية"، مجلة البترول والتعاون العربي، ع155 (2015)، ص 90 وما بعدها.

[45] "تحديث الصناعة السورية"، موقع الصناعي، 31/10/2025، تاريخ الزيارة: 25/01/2023:https://alsenaee.com/2015/10/31/modernization-syrian-industry/

[46] "المرسوم التشريعي رقم 8 لعام 2007 قانون الاستثمار"، موقع مجلس الشعب السوري، 27/1/2007، تاريخ الزيارة: 25/01/2023، على الرابط: http://www.parliament.gov.sy/arabic/index.php?node=201&nid=4949&ref=tree.

[47] إدارة الدراسات في وزارة الصناعة السورية، "واقع الاستثمار الأجنبي المباشر في سوريا"، المجلة السورية للاستثمار، ع8 (2014)، ص28.

[48] "القانون 27 لعام 2007 تصديق عقد اللاذقية بين سورية وشركة لون انرجي إنك الكندية"، موقع مجلس الشعب السوري، 19/11/2007، تاريخ الزيارة: 24/01/2023، على الرابط: http://www.parliament.gov.sy/arabic/index.php?node=201&nid=4868&ref=tree

[49] "المرسوم التشريعي 4 لعام 2007 تصديق العقد الموقع بين سورية وشركة موريل وبروم الفرنسية وبتروكويست العالمية المحدودة الألمانية للتنقيب عن البترول وتنميته وإنتاجه"، موقع مجلس الشعب السوري، 15/1/2007 تاريخ الزيارة: 24/01/2023، على الرابط: http://www.parliament.gov.sy/arabic/index.php?node=201&nid=4956&ref=tree

[50] على سبيل المثال لا الحصر: "القانون 57 لعام 2006 تصديق العقد للتنقيب عن البترول وتنميته وإنتاجه في القطاع 15 بين سورية وشركة شل سورية لتنمية النفط ب. ف الهولندية"، موقع مجلس الشعب السوري، 24/12/2006، تاريخ الزيارة في 24/01/2023 على الرابط::http://www.parliament.gov.sy/arabic/index.php?node=201&nid=4974&ref=tree

[51] "المرسوم التشريعي 33 لعام 2006 تصديق العقد لتنمية البترول وإنتاجه في منطقتي الشريفة والشاعر في حمص بين سورية وشركة ماراثون سورية للنفط ب. ف الهولندي"، موقع مجلس الشعب السوري، 26/7/2006، تاريخ الزيارة: 24/01/2023، على الرابط: http://www.parliament.gov.sy/arabic/index.php?node=201&nid=5013&ref=tree

[52] وزارة الصناعة السورية، "المؤسسات العامة في الصناعات الهندسية"، مجلة الاستثمار السورية، ع7 (2013)، ص29.

[53] المرجع السابق، ص30.