OPEN ACCESS
تقرير
جلسة حوارية لمركز ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية - جامعة قطر:
هل أخفقت العلوم الاجتماعية في إثبات جدواها؟
عقد الجلسة : الاثنين، 18 أبريل 2022
أفراح العتيبي
باحث مساعد، مركز ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة قطر
aalotaibi@qu.edu.qa
Report
A panel discussion by Ibn Khaldon Center f or Humanities and Social Sciences, Qatar University on:
Have Social Sciences Failed to Prove its Feasibility?
Monday April 18th, 2022
Afrah Al-Otaibi
Research Assistant, Ibn Khaldon Center for Humanities and Social Sciences, Qatar University
aalotaibi@qu.edu.qa
نظم مركز ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية حوارًا مفتوحًا لمناقشة جدوى العلوم الاجتماعية لدى صناع القرار وذلك يوم الاثنين (18 أبريل 2022) الموافق السابع عشر من شهر رمضان المبارك. استضاف المركز عِدّة أساتذة من جامعة قطر، ومعهد الدوحة للدراسات العُليا، ومؤسسة قطر من مختلف مجالات العلوم الاجتماعية؛ للإجابة عن عِدّة أسئلة طُرحت خلال الحوار. حيث جاء الحوار لمساءلة اتهام العلوم الاجتماعية بالإخفاق في إثبات جدواها والتأثير في إقناع صُنَّاع القرار، وإذا ما كان الإشكال في موضوعاتها أم مناهجها أم عدم مقدرة صناع القرار على امتلاك الوعي الكافي بأهمية هذه العلوم.
افتتح الحوار الدكتور نايف نهار الشمري مدير مركز ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية بالترحيب بالأساتذة المشاركين، وعلى وجه الخصوص الدكتور عمر الأنصاري نائب رئيس جامعة قطر للشؤون الأكاديمية، وبعميد كلية الآداب والعلوم الأستاذ الدكتور أحمد الزتحري. ثم بدأ بتقديم السؤال الرئيس للحوار حول إثبات العلوم الاجتماعية جدواها، وإذا ما كانت أخفقت في ذلك أم لا؟ كما طَرحَ تساؤلًا حول إشكاليات الإخفاق هل لأسباب داخلية؛ أي بسبب بنية العلوم الاجتماعية أم في أساتذة العلوم الاجتماعية؛ من حيث اقتصار دورهم على وصف الظاهر وتفسيرها أم في مناهج العلوم الاجتماعية ومقارباتها، أم لأسباب خارجية مثل نظرة المجتمع وصناع القرار للعلوم الاجتماعية؟ كما طرح الدكتور نايف بن نهار فكرة انسحاب الباحث الاجتماعي من دوره القيمي في توعية المجتمع، وبالتالي فإن المجتمع لا يستفيد من الباحث الاجتماعي في صناعة وعيه، وأما صانع القرار لا يهتم بالباحث الاجتماعي؛ لأنه لا يهدده فلا يخشى من التحولات التي تنشأ عن الأفكار التي تطرحها العلوم الاجتماعية. ثم طرح أخيرًا تساؤلًا حول ما إذا كان الإشكال في الطرف الآخر، وهو العلوم الطبيعية التي دائمًا ما تكون محسوسة، ويستطيع أن يرى صانع القرار مخرجاتها بشكل مباشر وواضح.
بدأ الأستاذ الدكتور حامد قويسي أستاذ العلوم السياسية أُولى المداخلات بالحديث عن كتاب كان قد طرح سؤالًا أكثر وضوحًا وصراحةً: وهو لماذا أُفشلت العلوم الاجتماعية في العالم العربي، وفي مقدمتها علم السياسة العربي، ومن الذي أفشلها؟، أوضح الباحث في هذا الكتاب مجموعتين من الأسباب كإجابة عن هذا السؤال: أما المجموعة الأولى فأرجعها إلى علماء العلوم الاجتماعية بتخصصاتهم المختلفة؛ حيث يرى أن معظم علماء العلوم الاجتماعية في الجامعات العربية مُقلّدون وليسوا أُصلاء في المجال، الأمر الثاني أنهم مبالغون في تناولهم للظواهر وصفًا وتفسيرًا وتنبؤًا وتحليلًا، الأمر الثالث أنهم لا يعيشون مشاكل مجتمعاتهم الحقيقية وينقلون مشاكل وحلول مجتمعات غيرهم، الأمر الرابع أنهم عبيد للسلطة يجرون وراءها ولا يقودونها، وليس المقصود هنا السلطة السياسية فقط بل السلطات المختلفة سواء كانت سلطات المناصب أو سلطات الأموال أو سلطات الإعلام أو غيرها من السلطات.
أما المجموعة الثانية في إفشال العلوم الاجتماعية هي السلطات في حد ذاتها، سواء كانت حكومية أو إدارية، وبحكم طبيعة العلوم الاجتماعية في الأوطان العربية فهي تتناول ثلاثة محاور أساسية، وهي: محور المجتمع، ومحور الدولة، ومحور الدين، والعلاقات البينية فيما بينهم. فيقول: إنَّ السُلطات في العالم العربي تهيمن على منهجية التفكير في هذه القضايا، وتقصي أي منهجيات أُخرى بديلة، وهي التي تحدد من يحقّ له ومن لا يحق له الحديث فيها والتعبير عنها، بل إنها ترسم وتحدد النتائج والمخرجات الأساسية للعلوم الاجتماعية. وختم قويسي باعتقاده – بصريح العبارة – أن إفشال العلوم الاجتماعية في واقعنا العربي هو جزء من إفشال مشروع الدولة ومشروع المجتمع والمشروع الكلي للتحديث والتطور في العالم العربي والعالم الإسلامي، وليس إخفاقًا للعلوم الاجتماعية في إثبات جدواها.
ثم انتقل الحديث إلى الدكتور عزام أمين أستاذ علم النفس الذي افتتح مداخلته بسؤال مختلف عن سؤال الحوار حول إثبات العلوم الاجتماعية جدواها؛ حيث يتساءل أمين عما إذا كانت العلوم الاجتماعية قد وُضعت على المحك لكي نُقرّ أنها فشلت أم لم تفشل؟ كما تطرق أمين إلى المشاكل التي يعاني منها البحث العلمي في العالم العربي فأولًا: هناك عوامل اقتصادية، مثل: غياب التمويل الكافي، وثانيًا: هناك غياب الحريات في العالم العربي كأحد الأسباب التي تقع خلف عدم إثبات العلوم الاجتماعية جدواها، الحريات، مثل: الحريات السياسية والحريات المجتمعية، وثالثًا: هناك الباحثون أنفسهم؛ حيث ذكر أنَّ الباحث الأكاديمي تحول إلى موظف منعزل عن مجتمعه بعيدًا عن أن يكون "مثقفًا عضويًا" مشتبك مع الواقع ويدخل في معركة الوعي، فضلًا عن سياسة الترقيات فالأساتذة الأكاديميون يخضعون إلى معايير أمريكية في الترقية، وفي الوقت ذاته ينبغي منهم أن يشتبكوا مع المجتمع.
أما الأستاذ الدكتور أحمد أبو شوك أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر تحدث في مداخلته عن إشكالية أساسية وهي نقل العلوم الاجتماعية كما هي من البيئة الغربية، والتي أشار أنها نشأت في بيئة مختلفة بالتالي يلاحظ أننا نستند إلى مرجعية من بيئة مختلفة، وهذه المرجعية ولّدت مفاهيم ونظريات ومناهج وأدوات لمعالجة المشكلات المطروحة في المجتمعات الغربية. بالتالي لم ينقلها وتبيئتها بصورة موضوعية، ثم ذكر أبو شوك إشكاليات أخرى حول العلوم الاجتماعية، مثل: تصنيفها في الجامعات، ومثل: ماهيتها حيث ذكر أنَّ هناك علومًا اجتماعية ذات طابع مهني استطاعت أن تحقق نجاحات، ولكن العلوم الاجتماعية ذات الطابع النظري مثل: العلوم السياسية وعلم الاجتماع، والتي تواكب الإشكاليات في العالم العربي قد واجهت عدة معوقات؛ لتُطبق على أرض الواقع ويكون لديها تأثيرٌ كافٍ على المجتمع. وهذا يعود لعدة أسباب، كما ذكر، مثل: نظرة الدولة تجاه العلوم الاجتماعية؛ بل إنه وفي كثير من الأحيان بنية الدولة تريد أن توظف العلوم الاجتماعية لكي تكون أقرب إلى دراسة المناهج الوطنية، ولتكريس الوعي الوطني دون الدراسات النقدية. فضلًا عن الجامعات نفسها؛ حيث إن الذين وضعوا العلوم الاجتماعية قد درسوا في المدرسة الغربية، ونقلوا المفاهيم والنظريات أي ترجموها إلى العربية فحسب، ولم يضيفوا إليها بُعدًا آخر. وهناك إشكالية أخرى مرتبطة بواقع المجتمع نفسه، سواء أكان الدولة أو المجتمع؛ حيث إنَّ المجتمع لا يعطي الحرية للباحث أن يتطرق لبعض القضايا الجريئة. إذن، فالمعرفة السياسية أو المعرفة التاريخية لا تُوظف توظيفًا إيجابيًا في حل مثل هذه المشكلات المجتمعية. أخيرًا، إشكالية المقررات ذاتها، وعزوف الطلاب عن العلوم الاجتماعية، فمعظم الطلاب الذين يأتون إلى العلوم الاجتماعية والإنسانية عادةً لا تكون خيارهم الأول.
طرح الدكتور نايف بعد ذلك سؤالًا حول مدى استفادة المجتمع من جهود أساتذة العلوم الاجتماعية في الجامعة، وبدأ بعد ذلك الحديث مع الأستاذ عبد العزيز الخاطر – باحث في علم الاجتماع – وفي مداخلته تحدث عن إشكالية دراسته علم الاجتماع في جامعة قطر تحديدًا؛ حيث ذكر أن البرنامج كان مزيجًا ما بين الخدمة الاجتماعية وعلم الاجتماع، كما تطرق إلى إشكالية الحريات العلمية وكون أن الباحث الاجتماعي عادةً ما يسلك المسلك الذي يوافق عليه السلطة والمجتمع.
ثم أتت مشاركة من أحد صانعي القرار؛ الدكتور مصطفى عثمان، وزير الخارجية السوداني سابقًا، الذي ذكر أنه عندما دخل السلك السياسي شعر فورًا أنه في حاجة لدراسة العلوم الاجتماعية؛ حيث إنه كان يأتي من خلفية طبية فقام بدراسة العلوم السياسية تحديدًا ثم تدريسها، وبالتالي فهو يُقرّ أن هناك علاقةً ما بين صانع القرار وبين العلوم الاجتماعية؛ بل استشعر أهمية العلوم الاجتماعية في صناعة القرار عندما ذهب لدراسة العلوم الاجتماعية بعد دراسته للطب. كما تحدث عن بعض الإشكالات التي تحيط بالعلوم الاجتماعية في المجتمعات العربية، ويبدأ ذلك من أن معظم المختصين في العلوم الاجتماعية قد درسوا في الغرب، ويرى الدكتور مصطفى أن الغرب يتعاملون مع العلوم الاجتماعية بازدواجية معايير؛ ففي مجتمعاتهم هم يدعمون دورها في معالجة القضايا، في حين أنه على سبيل المثال في مستعمراتهم يحرصون على نقل ثقافاتهم، واستعمال أدوات علومهم الاجتماعية في هذه المجتمعات. ثم ذكر أنَّ تصنيفات العلوم الاجتماعية في مجتمعاتنا تعاني قصورًا؛ حيث إنه من المرحلة الثانوية يوجد توجه بأن يذهب الطلبة المتميزين إلى العلوم التطبيقية، أما الطلبة الأقل تقديرًا يذهبون إلى العلوم الاجتماعية، وذلك مبني على نسب القبول والدرجات الأعلى التي تعطى للعلوم الطبيعية. كما أن خريجي العلوم الاجتماعية نادرًا ما يكون لهم امتيازات في المناصب أو الرواتب وغيرها على عكس خريجي العلوم التطبيقية. أخيرًا نوّه إلى أنَّ صانع القرار في مجتمعاتنا العربية يستخدم العلوم الاجتماعية لتثبيت السلطات وتمرير السياسات التي تريدها هذه السلطات.
تلت هذه المداخلة مشاركة الدكتور عمرو عثمان أستاذ التاريخ الإسلامي الذي ركّز في حديثه على الاتفاق على الوجهة التي يراد أن يسير عليها المجتمع، وكيف يمكن للعلوم الاجتماعية أن تخدم هذه الوجهة، وأشار في حديثه إلى هدف العلوم الاجتماعية – الذي يجب أن نتفق عليه أيضًا – وهو تفسير وتحليل المجتمع ثم إصلاحه. وطرح أمثلة على نجاح العلوم الاجتماعية في الدول الغربية، مثل: الدول الإسكندنافية وكندا وأسباب هذا النجاح، فذكر أن الدول الإسكندنافية دائمًا ما تأتي في الصدارة فيما يَخُص مؤشر السعادة؛ لأنها استطاعت أن تستفيد من العلوم الاجتماعية في توجيه المجتمع إلى الوِجهة الناجحة والمطلوبة. وختم حديثه بضرورة الاتفاق حتى على شكل المجتمع الذي نريد من العلوم الاجتماعية أنه تخدمه، فهل نريد للعلوم الاجتماعية أن تنجح في أن تجعل المجتمعات العربية شبيهة بالمجتمعات الغربية؟
وتناول الحديث الدكتور محجوب الزويري، أستاذ التاريخ الإيراني والشرق الأوسط المعاصر ومدير مركز دراسات الخليج بالجامعة، الذي ذكر في مداخلته أنَّ العلوم الاجتماعية في العالم العربي لم تخفق، بل السياقات هي من جعلتها تخفق؛ السياقات الاجتماعية والاقتصادية وغيرها من السياقات، بالإضافة إلى زيادة نطاق المُحرّمات في المجتمع على حساب نطاق المساحات المتاحة للباحث الاجتماعي. وطرح أمثلة على قدرة العلوم الاجتماعية على تحقيق النجاح في انتزاع الحريات الأكاديمية والإصرار على أن تكون فاعلة في المجتمع، مثل: المجتمع الإسرائيلي، والمجتمع الصيني، والمجتمع الإيراني، ونوّه إلى أن الجامعات هي مصانع التغيير بعكس المجتمع الذي قد لا يكون لديه تلك المساحة الكافية، ولا يمكن أن تتقدم العلوم الاجتماعية في العالم العربي إلا عندما تقرر الجامعات ذلك، فتقبل المتميزين وذوي النسب العالية في العلوم الاجتماعية.
بعد ذلك شاركت الدكتورة سهاد الناشف أستاذة علم الإنسان برأيها، وتطرقت في مداخلتها إلى أساتذة العلوم الاجتماعية العرب أنفسهم، فهم ليس لديهم الجرأة للخروج من قوقعتهم؛ حيث يبقون يبحثون في نفس النظريات ونفس المراجع، وذلك ما أسمته الناشف بـ "تحديد الذات". كما أضافت فكرة أن العلوم الهندسية أو الطبية وغيرها في حاجة إلى العلوم الاجتماعية فلِمَ لا تكون هناك مساقات لهذه العلوم في كليات الطب والهندسة وغيرها؟
من جانبه، تحدث الدكتور حمود عليمات أستاذ الخدمة الاجتماعية في مداخلته قائلًا: ليست العلوم الاجتماعية وحدها من أخفقت، بل إن هناك ادعاءات أنَّ العلوم بأكملها قد نالها هذا الإخفاق. وأتبع كلامه حديثًا عن الإشكاليات التي طالت هذه العلوم سواء التطبيقية أو الاجتماعية في المناهج والأدوات وإمكانية الحصول على نتائج ملموسة.
شارك بعد ذلك الدكتور محمد اللخن، أستاذ العلاقات الدولية الذي ذكر أربع نقاط أكد على أهميتها عند الحديث عن جدوى العلوم الاجتماعية، وأولها: هو ألا يتم مقارنة العلوم الاجتماعية بالعلوم الطبيعية، فظروف وجودها تختلف اختلاف كلي عن العلوم الطبيعية، ثانيًا: عند سؤالنا عن جدوى العلوم الاجتماعية ومدى إخفاقها يجب أن نحدد أين ومتى؟ وأشار هُنا إلى أن اختلاف المكان والجمهور سيكون عاملًا رئيسًا في تشكيل الإجابة، ثالثًا: جدواها لمن؟ أي مَن الذي ينتظر جدوى العلوم الاجتماعية؟ هل هو صانع القرار أم المجتمع؟ رابعًا، مَن يحدد هذه الجدوى، وكيف يحددها؟
انتقد الدكتور محمد مصطفى سليم أستاذ النقد الأدبي الحديث إضافات الجامعات العربية في مجال العلوم الاجتماعية؛ حيث إن هذه الإضافات تُعتبر محدودة جدًا، ذلك أن هناك عددًا من الأساتذة قدّسوا النظرية الغربية، وقدّموا إسهاماتهم فيها. وبالتالي فإن الإخفاق في العلوم الاجتماعية يأتي من الأساتذة والجامعات وليس من صناع القرار.
انتقل الحديث بعد ذلك إلى مجالٍ آخر، وهو العلوم الأمنية، حيث تحدث الدكتور عمر عاشور أستاذ الدراسات الأمنية والاستراتيجية الذي بيّن أن العلوم الأمنية جديدة في العالم العربي، ولكن متوقع أن يكون لها تأثير في المستقبل. أشار عاشور إلى أن التوصيات أو الخلاصات في دراسات العلوم الاجتماعية هي ما تهم صانع القرار بالدرجة الأولى، وليس المجتمع نفسه؛ باعتبار أن العلوم الاجتماعية تهم المجتمع وأيضًا صانع القرار.
ومن مجال ثالث، وهو مجال دراسات النزاع تحدث الدكتور سلطان بركات موضحًا أن أحد التحديات التي تواجه العلوم الاجتماعية هو مساحة الإبداع فيها، يقول: إنه في الغرب هناك مجال أوسع للابتكار، وبالأخص من ناحية تداخل التخصصات، وهناك مساحة أكبر للإبداع في اختيار مواضيع خاصة والتعمق فيها. أما في العالم العربي فما زلنا كلاسيكيين، نأخذ العلوم الاجتماعية ونرجعها للأصول، كما أننا في الوطن العربي لا زلنا نبحث في أولويات الغرب.
بعد ذلك أتت مشاركة الدكتورة لارا الحديد أستاذة علم الاجتماع لتكوِّن رأيًا معاكسًا لما تم مناقشته؛ حيث ذكرت الحديد أن العلوم الاجتماعية لم تخفق في إثبات جدواها؛ بدليل أن الأيديولوجيات والفكر هي ما تحكم العالم في الوقت الحالي، وهذه الأيديولوجيات إنما مناطها هو العلوم الاجتماعية. ثم أضافت: إن المعضلة تكمن في أن المتخصصين في العلوم الاجتماعية لا يُمنَحون الحصانة المجتمعية والحصانة السياسية.
الأستاذ الدكتور التيجاني عبد القادر أستاذ الفكر السياسي تناول ثلاث قضايا، أولها: الثقافة السائدة في المجتمع العربي ثم عن ماذا يفعل علماء الاجتماع ثم عن النماذج التنموية السائدة في المجتمعات العربية والإسلامية. ذكر أن هناك إشكالية كبيرة تتمحور حول نظرة المجتمعات العربية للعلوم الاجتماعية، وتطرق لتجربته مع دراسة الفلسفة وانتقاله للعلوم السياسية لأغراض سوق العمل. ثم تحدث عن الباحث في العلوم الاجتماعية وما هي طبيعة الأشياء التي ينتجها، فهو يتعامل مع مفاهيم ومصطلحات ونظريات، وهو إن كان له إنتاج فهو يتمثل في حفظ أدوات التفكير؛ لكي يتمكن من التحكم في وصف الظاهر، والتنبؤ بما ستُحدثه الظاهرة. أخيرًا تطرق إلى نموذج التنمية السائد في مجتمعاتنا العربية، وهو تقريبًا نموذج رأسمالي سوقي، فالسوق هو الذي يحقق نماذج التنمية. وختم بأن الحل قد يأتي من الذين مارسوا نموذج التنمية الرأسمالي حتى وصلوا به إلى نهايته وعادوا مرةً أخرى؛ لإعادة النظر في العنصر الإنساني والعنصر الاجتماعي، فبما أننا نحن أصلًا مقلدون، كنا نقلدهم في النموذج الأول، وسوف نقلدهم في النموذج المعدل، والآن الأمر عاد إلى مسألة الإنسانيات، وأنهى مداخلته بأنه يتنبأ بأننا في ظرف سنوات قليلة سوف نرى صيحةً في اتجاه العلوم الاجتماعية والعلوم الإنسانية.
ثم شارك الدكتور أبوبكر إبراهيم أستاذ الدراسات الإسلامية والمناهج التربوية برأيه عن المجتمع العلمي في الوطن العربي والإسلامي، الذي يجب أن يكون واعيًا بنفسه ومتميزًا عن المجتمعات الأخرى، ومن طرفه أوضح الدكتور سامي هرمس أستاذ الأنثروبولوجيا أنَّ مشكلة علم الإنسان على سبيل المثال تعود لنظام سياسي اقتصادي في العالم بأكمله، وليس في الوطن العربي فقط؛ حيث إن كليات الأنثروبولوجيا والعلوم الاجتماعية في الولايات المتحدة الأمريكية في تراجع، ولكنه ضرب مثالًا بالمدينة التعليمية بمؤسسة قطر؛ حيث تشمل سبع جامعات بمختلف التخصصات، ولكنهم وجدوا أنفسهم لا يمكن أن يقدموا تعليمًا من دون أن يكون هناك برنامج لعلم أو مساقات لعلم الاجتماع أو الأنثروبولوجيا.
في ختام الحوار، أتت مشاركات من أساتذة يمثلون صُناع قرار في جامعة قطر: الأستاذ الدكتور أحمد الزتحري أستاذ الكيمياء الطبية وعميد كلية الآداب والعلوم بجامعة قطر، وقد بدأ حديثه عن بعض الفروق بين العلوم التطبيقية والعلوم الاجتماعية، ثم أوضح أن الجامعة ليس كل خريجيها مفكرين، ولكن هناك طلاب ترى الجامعة أنه يجب أن يكون لهم مُخرجات معرفية محددة ومن المفترض أن يكون لها علاقة بالوعي وببناء الشخصية والقدرة على حل ومواجهة المشاكل ومواكبة التطور الذي يحدث، ثم ختم بأنَّ علماء الاجتماع في الغرب قد يكونوا نجحوا، لأنهم استطاعوا أن يستقطبوا العلماء التطبيقيين.
أخيرًا، الدكتور عمر الأنصاري نائب رئيس جامعة قطر للشؤون الأكاديمية وأستاذ الهندسة المدنية عبّر عن إعجابه بالحوار الثري بين الأساتذة في هذا اللقاء؛ إذ ذكر بأنَّ هناك عدم اتفاق على سؤال الجلسة الحوارية، وهذا أمر وارد وجيّد في إثراء الجامعات، ثم تحدث عن الفرق بين العلوم التطبيقية والعلوم الاجتماعية؛ حيث يجد أن المنطقة الرمادية التي لا يمكن أن نلمسها في العلوم التطبيقية هي موجودة بشكل أكبر في العلوم الاجتماعية. كما بيّن أن الجامعات في الوطن العربي – وحتى المجتمعات ذاتها – قد ظلمت نفسها بالتركيز على العلوم التطبيقية، فالمجتمع لا يمكن أن يكون ناجحًا ومتقدمًا من دون أن يكون قادرًا على فهم نفسه، وضرب مثالًا في دولة قطر؛ حيث أوضح أن هناك ظواهر اجتماعية في المجتمع القطري تأتي وتذهب لا نعرف كيف جاءت؟ وكيف ذهبت؟ ولم يفسر أحد سبب حدوثها، وما هو تأثير حدوثها على المجتمع. ثم ختم بأن الاهتمام بالعلوم الاجتماعية أمرٌ ضروري ولا يُعد ترفًا؛ حيث إننا نلتمس مشاكل وقضايا حقيقة، وهذا لا يغفلنا عن حقيقة أن النظام المتواجد نظام غير محفز، ولكن مع ذلك يجب عدم التوقف ويجب العمل على إيجاد الحلول لتطوير العلوم الإنسانية والاجتماعية.
ختم الدكتور نايف بن نهار الجلسة الحوارية بالمرور على الإشكاليات التي تحدث عنها الأساتذة المشاركين كإشكاليات الحريات، وإشكاليات التمويل، وإشكاليات النشأة، وإشكاليات الربط بالقيم، والربط بالتوطين، وغيرها من القضايا، والتي أُثيرت للإجابة على سؤال الجلسة عن مدى إخفاق العلوم الاجتماعية في إثبات جدواها.
للاقتباس: العتيبي، أفراح. "تقرير: جلسة حوارية لمركز ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية - جامعة قطر"، مجلة تجسير، المجلد الرابع،العدد 2 ، 2022
https://doi.org/10.29117/tis.2022.0108
© 2022، العتيبي، الجهة المرخص لها: دار نشر جامعة قطر. تم نشر هذه المقالة البحثية وفقًا لشروط Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0). تسمح هذه الرخصة بالاستخدام غير التجاري، وينبغي نسبة العمل إلى صاحبه، مع بيان أي تعديلات عليه. كما تتيح حرية نسخ، وتوزيع، ونقل العمل بأي شكل من الأشكال، أو بأية وسيلة، ومزجه وتحويله والبناء عليه، طالما يُنسب العمل الأصلي إلى المؤلف.