OPEN ACCESS
تاريخ الاستلام: 10 أغسطس 2022
تاريخ القبـــــــــــول: 20 أغسطس 2022
مراجعة كتاب
المؤلف: خالد حويّر الشمس
مراجعة: عبد السلام حامد
أستاذ النحو واللغويات والعَروض، قسم اللغة العربية، كلية الآداب والعلوم، جامعة قطر
abdulsalamh@qu.edu.qa
Book Review
Interlinguistics, by Khaled Huwayyir Al Shams
Reviewed by: Abdul Salam Hamed
Professor of Syntax, Philology and Prosody, Department of Arabic Language, College of Arts and Sciences, Qatar University
abdulsalamh@qu.edu.qa
عنوان الكتاب: اللسانيات البينيّة
المؤلف: خالد حويّر الشمس
الناشر: مركز الكتاب الأكاديمي
مكان النشر: عمّان، الأردن
سنة النشر: 2022
عدد الصفحات: 256 صفحة
ردمك: 978995735514
للاقتباس: حامد، عبد السلام. "مراجعة كتاب: اللسانيات البينية، لخالد حويّر الشمس"، مجلة تجسير، المجلد الرابع، العدد 2 ، 2022
https://doi.org/10.29117/tis.2022.0106
© 2022، حامد، الجهة المرخص لها: دار نشر جامعة قطر. تم نشر هذه المقالة البحثية وفقًا لشروط Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0). تسمح هذه الرخصة بالاستخدام غير التجاري، وينبغي نسبة العمل إلى صاحبه، مع بيان أي تعديلات عليه. كما تتيح حرية نسخ، وتوزيع، ونقل العمل بأي شكل من الأشكال، أو بأية وسيلة، ومزجه وتحويله والبناء عليه، طالما يُنسب العمل الأصلي إلى المؤلف.
موضوع هذا الكتاب على قدر كبير من الأهمية؛ حيث يتناول قضية "البينية في اللسانيات"، وكلا طَرَفي موضوع الكتاب مهم وجليل، فالبينية – ونحن في عصر ثورة المعلومات والاتصال – صارت من لوازم العلم وركنًا أساسيًا من أساسيات المعرفة الحديثة وتطورها في جميع المجالات، و"اللسانيات" – بما هي موضوع أساسه دراسة تفاعل الذهن مع اللسان الناطق – صارت – في فلك العلوم الإنسانية والاجتماعية، بل في بعض العلوم التطبيقية – قُطبًا رئيسًا لا غنى عنه. وقد حاول مؤلف الكتاب أن يُبيِّن صور اجتماع هذين العنصرين معًا وفاعليتهما. ومهمة هذه السطور تقديم هذه المحاولة والتعليق عليها، من خلال نقاط محددة، هي: مضمون الكتاب، ومواضع القبول وموافقة المؤلف، ومواضع الخلاف معه.
فأما مضمون الكتاب، فيتكون من عشرة فصول، إضافة إلى المقدمة والخاتمة. الفصل الأول، عنوانه: "مفهوم البينية"، والفصل الثاني (تحديد اللسانيات البينية) يتضمن تعريف هذه اللسانيات وبيان تاريخها وعرضًا لها على أنها جسر تواصل بين اللسانيات والعلوم الأخرى، ثم الرد على الدعوى التي ترى عدم جدوى هذا المجال، والفصل الثالث (فضاءات البينية في اللسانيات القبل بينية) الغرض منه بيان أن البينية جاءت لدراسة ما لم يُدرس من قبل، والإشارة إلى أنَّ بعض فروع اللسانيات كانت بمنزلة البذور للسانيات البينية، وهذا يصدق على اللسانيات البنيوية والوظيفية ولسانيات النص وتحليل الخطاب ولسانيات الحجاج والأسلوبية، والفصل الرابع (اللسانيات الاجتماعية دراسة في المعطى البيني) يتكلم عن التداخل البيني بين علم الاجتماع واللسانيات المتمثل في نقاط عديدة، والفصل الخامس (اللسانيات الحاسوبية دراسة في المُعطى البيني) فيه بيان لأهم الدراسات العربية في هذا المجال، والرؤية العامة للسانيات الحاسوبية، ونقاط البينية بين الآلة واللغة، والفصل السادس يناقش (اللسانيات الإدراكية والمعطى البيني فيها) من خلال التأصيل الاصطلاحي والتاريخي لهذا الفرع وبيان مفاهيمه – كالاستعارة المفهومية والخِطاطة والجسدنة – وأهم نظرياته الثلاث: نظرية القيد المعرفي (الإدراك البشري وربطه بالسلوك وتضافر الحواس)، ونظرية دلالة الأُطُر، ونظرية الفضاءات الذهنية. والفصل السابع (اللسانيات الإعلامية دراسة في المعطى البيني) يتبنى فيه الباحث هذا المصطلح ويجتهد في التعريف به، بوصفه يدرس حضور اللغة وواقعها في الإعلام بمستوياتها اللسانية المختلفة مفردة وتركيبًا وخطابًا، مع ذكر بعض خصائص لغة الإعلام قُربًا أو بُعدًا من الصحة والخطأ. وقد أشار الكاتب إلى أنَّ البينية تختلف في جانب الإعلام اختلافًا واضحًا عنها في اللسانيات الأخرى؛ لأن اللغة تكون هي نفسها مجال الاقتباس والدراسة والأداة التي يُعتمد عليها، وأما الفصل الثامن الخاص بالحديث عن ـ(اللسانيات النفسية ومعطاها البيني)، فقد بيّن فيه المؤلف أهم مجالات اللسانيات النفسية وأهدافها المتمثلة في: دراسة المنطوق اللغوي بنيويًا، وإنتاج الكلام واستعماله، وفهم اللغة، واكتسابها لغة أولى أو ثانية، وبعضهم أضاف جوانب أخرى كأمراض الكلام ونظريات القراءة والمهارات اللغوية. وهذه اللسانيات متداخلة مع اللسانيات البنيوية والعصبية بصورة واضحة.
وأما الفصل التاسع، فقد اختصّ بـالحديث عن (اللسانيات الشعبية)، ومعطاها البيني بعد المقارنة بين نوعين من الخطاب: خطاب النخبة وخطاب العامة الدارج الشعبي، وهذا النوع من اللسانيات في نظر المؤلف لا هو من اللسانيات النظرية ولا هو من اللسانيات التطبيقية، بل هو نوع ثالث يميل إلى الاستقلال ويتصل أحيانًا بالمحظورات، ومن الجوانب البينية في هذا النوع من اللسانيات اتصاله بالبلاغة الشعبية وعلم اللغة الاجتماعي، وأما الفصل العاشر الأخير (اللسانيات التعليمية1دراسة في المعطى البيني) فمن مسائله المهمة أنَّ مصطلحه الأساسي متداخل مع اللسانيات التطبيقية، وأنه مجال يرتبط بعدة اختصاصات كعلم النفس وعلم الاجتماع وتحليل الخطاب، وأنه ذو اتجاهات ثلاثة: اتجاه يفيد من البنيوية، واتجاه تواصلي يعتمد على نموذج جاكوبسون، واتجاه توليفي بنيوي تواصلي.
ونحن نتفق مع المؤلف في مجمل ما ورد في الفصول الثلاثة الأولى التمهيدية: مفهوم البينية (مع تحفُّظ سيأتي لاحقًا)، وتحديد اللسانيات البينية، وفضاءات البينية في اللسانيات قبل البينية، ومن الخلاصات في ذلك: أنَّ ما سماه المؤلف باللسانيات البينية خرج من رحم التخلُّص من سلطة البنيوية القائمة على أن اللغة تُدرس في ذاتها ومن أجل ذاتها، وأن التعلل بالاختصاص الدقيق ضيّق على الباحثين حرية الحركة المعرفية الضرورية لدراسة الظواهر ببصيرة نافذة، وأن من أسباب ميلاد اللسانيات البينية: التطور المعرفي والعلمي وضرورة التجديد، وانتقال مسار العلم من الفكر الأحادي إلى الموسوعية والتداخل، وأهمية الأخذ بالمسار التداولي، وتطور طبيعة تكوين النصوص، وتعدد مناهج اللسانيات البينية بتعدد المجالات2. ونتفق معه أيضًا في أنه في بقية الفصول الأخرى – على وجه العموم – أشار إلى جوانب البينية في أنماط اللسانيات السبعة (الاجتماعية والحاسوبية والإدراكية والإعلامية والنفسية والشعبية والتعليمية) ودلّ عليها وحفز الهمم للعناية بها.
وأما مواضع الخلاف مع المؤلف، فتشمل ثلاث مسائل: الأولى: العنوان، والثانية: عدم العناية بالتطبيق، والثالثة: طريقة العرض والصياغة والمصادر.
فأما المسألة الأولى وهي العنوان – ففيها ملحظان: الأول خاص بمفهوم اللسانيات البينية، والثاني متعلق بإطلاق العنوان.
فالملحظ الخاص بمفهوم اللسانيات البينية مرجعه إلى أن "البينية في اللسانيات" لا جدال فيها، شأنها شأن العلوم والمعارف الأخرى ذات العلاقات البينية، أما مصطلح "اللسانيات البينة" فهو – في رأيي – غير دقيق وغير مناسب؛ وأساس ذلك ضرورة التفريق بين مستويين في دراسة اللغة: الأول: دراسة اللغة في مستوى علوم البنية الداخلي (الصوتيات والصرف والنحو والمعجم والدلالة)، والمستوى الثاني: دراسة اللغة فيما يخرج عن دائرة المستوى الأول، كاللسانيات النفسية والاجتماعية والتداولية والقانونية والإعلامية ولسانيات النص وتحليل الخطاب وغيرها، والانتقال من دراسة المستوى الأول إلى المستوى الثاني يتم عن طريق الدلاليات، والتداخل أو الاتصال في الدراسة بين فرع وآخر في المستوى الأول الداخلي (مستوى علوم البنية) يُوصَف بأنه دراسة لسانية بينية، والمصطلح المناسب المقترح لهذا في الإنجليزية هو (intralinguistics)، ومن أمثلة ذلك "البينيةُ" بين علم الأصوات والصرف في دراسة الاشتقاق أو الإعلال والإبدال، وكذلك البينيةُ بين الفتحة والضمة والكسرة بوصفها مورفيمات إعراب صرفيًا وعلاقتها بالنحو، وأما الاتصال بين علم من علوم البنية اللغوية والحقول المعرفية الخارجية الأخرى التي تقع في المستوى الثاني، فهذا الأولى فيه أن يُسمّى باللسانيات الموسّعة (Extended Linguistics) أو المتعالقة، وبناء على هذا يُقابَل مصطلح (intralinguistics) في المستوى الأول بمصطلح (interlinguistics) في المستوى الثاني هنا، بحيث يمكن أن يكون مرادفًا أو بديلًا عن اللسانيات الموسعة (Extended Linguistics) الذي هو الأنسب لوضوحه وبعده عن اللبس3. وبناءً على هذا كله، كان الأولى في عنوان الكتاب أن يُقال: اللسانيات الموسّعة أو البينية في اللسانيات، مع توسيع مفهوم "البينية".
وهذه اللسانيات الموسّعة التي نطرح مفهومها ونقدّم مصطلحها ونفضله، تشمل في داخلها ما يُسمّى باللسانيات التطبيقية. ولعل هذا يحل لنا إشكال التناقض الذي وقع فيه المؤلف بين مفهومي البينية والتطبيق اللساني 4، حيث خلط بين مفهومي "اللسانيات البينية" – بفهمه – و"اللسانيات التطبيقية". وقد أحس هو بأن هذه المسألة تمثل ملحظًا مهمًا وإشكالًا حاول أن يحله بقوله في المقدمة: "هنالك سؤال مهم أودّ ذكره في هذا السياق وأحسبه سؤالًا مهمًا للغاية: ما الفرق بين اللسانيات البينية واللسانيات التطبيقية؟ أمتساويان؟ أم مختلفان؟ وقد يكون الجواب صعبًا؛ إذ أرى أن التمثلات اللسانية البينية تتشابه مع اللسانيات التطبيقية، لكنَّ الفرق يكمن في طريقة التوظيف والمعالجة، فالجهد النظري والتوصيف اللساني يكون وَفق البينية، بينما إذا تمت الإفادة من الجَنَبَة اللسانية في الحياة أو الوجود، يكون التوجه اللساني تطبيقًا، مثلًا الإفادة من اللغة وقوانينها وطبيعتها في معالجة أمراض الكلام، نحو الحُبْسة واللُّثغة وتأخر النطق، ينسحب الأمر على التطبيق، بينما (هكذا) وصفه وبيان طبيعة تلك المعالجة أسمّيه البينية؛ لأنها أفادت من العلوم البيولوجية والنفسية واللغوية في تحقيق النطق"5. وهذا الرد تمحل وتكلف؛ إذ كيف يكون المبدأ الواحد تطبيقًا باعتبار، وبينيًا باعتبار آخر؟
والشائع والمقبول في هذا أنَّ "البينية" تطلق إطلاقًا عامًا ثم تخصص بحسب المجال، فيُقال مثلًا: البينية في الطب أو الموسيقى أو في علوم اللسانيات وهكذا، والذي هو معروف أيضًا وأكثر قبولًا في اللسانيات أنَّ من أشهر تقاسيمها أنها تقسم إلى: لسانيات نظرية، ولسانيات تطبيقية يدخل فيها المعجمية الوظيفية ولسانيات المصطلح والترجمة واكتساب اللغة (مجال التعلم والتعليم) واللسانيات القانونية واللسانيات الحاسوبية وغير ذلك6. ومن شواهد هذا الفهم قول روبير مارتان: "اللسانيات هي أحيانًا وصفية، وأحيانًا نظرية، وأحيانًا عامة، فلسفية أو تاريخية، ويمكن أن تكون اختصاصًا تطبيقيًا، بل إن تطبيقاتها كثيرة التنوع جدًا. سنتناول باختصار تعليمية الألسن، وعلاجية الاضطرابات اللغوية، وما يُسمّى "بالتهيئة اللغوية" (التخطيط اللغوي)، و"بخاصة الصناعات اللغوية"، أي بصفة إجمالية التطبيقات الآلية"7، وقد أوقع هذا اللبس وذلك الاضطراب في التعامل مع المصطلحين (اللسانيات البينية – على حسب مراده - واللسانيات التطبيقية) المؤلفَ في عدة مزالق منها: إطلاق المصطلح في العنوان، ولجوؤه في عنوان كل فصل من الفصول السبعة التي جعلها مواطن للبينية في اللسانيات – إلى إلحاق عنوان جانبي (دراسة في المعطى البيني) بالعنوان الأصلي مثل: "اللسانيات الاجتماعية أو الحاسوبية دراسة في المعطى البيني"، وهكذا، ومنها فوات الإشارة إلى فروع مهمة من اللسانيات الموسّعة أو التطبيقية لم يُشر إليها من قريب أو بعيد ولو إشارة مقتضبة، كالترجمة واللسانيات القانونية والمعجم التاريخي والسياسة اللغوية أو التخطيط اللغوي.
وأما ملحظ "إطلاق العنوان" فمردّه إلى أن المؤلف جعل عنوان كتابه على هذا النحو: "اللسانيات البينية"، مُطْلقًا دون أي قيد أو عنوان جانبي، وهذا الإطلاق – حتى لو أبقينا المصطلح بفهمه وكما أراد – لا يمكن ولا يتأتى في عنوان بمثل هذا الاتساع والضخامة، وهو – من وجهة نظري – يدل أولًا على عدم الدقة، ويدل ثانيًا على أن رؤية الموضوع غير واضحة لدى المؤلف. وقد ترتب على هذا أنه أصبح مُلزَمًا بما لا يلزمه، وما لا يمكن أن يكون إلا في عمل موسوعي ضخم، يجب أن تُعدّ له العُدَّة وينهض به أولو العزم والرسوخ من العلماء والباحثين!
وبيان ذلك أنَّ هذا الإطلاق معناه المطالبة باستيفاء الحديث عن هذه اللسانيات – وهي كثيرة – من جميع جوانبها: النشأة والتاريخ والمصطلحات والمفاهيم والنظريات والعلوم ذات الصلة والاتجاهات في الشرق والغرب، مع ذكر أمثلة تطبيقية، ولا يعفي المؤلف من تبعات هذا الإطلاق إلا أن يكون عمله على نمط المداخل أو المقدمات العامة، فيحتاط لهذا بذكر عنوان جانبي من قبيل: مدخل تعريفي عام أو ما شابه هذا، ولكنه لم يفعل، والمؤلف نفسه أشار في المقدمة إلى وعورة هذا المسلك وترامي أطرافه وحاجته إلى الاطلاع العميق على الدراسات الغربية والافتقار إلى هذا فكان متناقضًا مع نفسه، قال: "فأردتُ في هذا البحث بيان معنى الدراسات البينة، ثم مفهوم اللسانيات البينية، ونشأتها، وأبرز مقولاتها اللسانية، مع علاقتها بالنظريات اللسانية الأخرى، وتمثلاتها في العلوم اللغوية من أمثال النقد، والبلاغة العامة، وتحليل الخطاب، واللسانيات الحاسوبية، واللسانيات الاجتماعية، واللسانيات الحجاجية، واللسانيات الإدراكية، وغير ذلك منها، وهذا مما يصعب على الباحث؛ إذ الإلمام بها يحتاج إلى اطلاع على عمق الدراسات الغربية التي نفتقر إليها، ولا سيما إذا ما نوهت إلى أن الدراسات العربية في هذا الوقت ركّزت على التقديم للدراسات البينية إلى حين استقرار هذا المفهوم البيني في الذاكرة العربية، التي ما زالت في طور الاستيعاب لهذا المستورد الجديد، فلم تسوّقه في مناصته§ اللسانية بعد!"8. أرأيتَ إلى هذا التناقض العجيب بين مطالب تحقيق أهداف الدراسة الفسيحة والاعتراف بقلة الزاد المعرفي وفقر الاطلاع، ومع هذا ندب الباحث نفسه ليقوم بهذه المهمة الكبيرة!
وأما المسألة الثانية – وهي عدم العناية بالتطبيق – فإيضاحها هنا أن البينية – كما مرّ إذن – مجال تطبيقي واسع تتنوع صوره بتنوع فروع المعرفة والعلم، ومما فات المؤلف بناءً على هذا – وهو من المفارقات – أنه عُني بسرد الجوانب النظرية على حساب ذكر الأمثلة التطبيقية التي كانت من الندرة بمكان، مع أنه كان من الواجب الإشارة إلى بعض الأمثلة الجزئية أو الكلية، حتى لو كانت بالنقل من الدراسات الأخرى التي عُنيت بهذا على سبيل الاستشهاد.
ولعل هذا يدعونا إلى أنْ نتوقف عند عَلَم من الأعلام المعاصرين في اللسانيات الموسّعة والدراسات البينية والتطبيقية، بل هو رائدها في مجال اللسانيات والنقد، أعني الدكتور سعد مصلوح، خاصة أنه ورد ذكره عند المؤلف في سياق حديثه عن عَلاقة اللسانيات بالنقد الأدبي، عندما أشار إلى جهده في الأسلوبية الإحصائية بوصفها أحد وجوه البينية بين اللسانيات والنقد الأدبي، ولنا ملحوظة هُنا تتمثل في أنَّ المؤلف كان مروره على هذه المسألة عابرًا ولم يرجع إلى مصدر واحد للدكتور سعد مصلوح، مع أنه كان جديرًا به أن يفعل، وهو المشغول بالنقل وملء المتن والحواشي بأسماء المصادر والإحالات. هذه واحدة، والأخرى أنه عقِبَ هذا، ختم كلامه في اشتباك البينية في اللسانيات بالنقد الأدبي والأسلوبية بقوله إنَّ القائمين على المناهج النقدية والأسلوبية تحرّكهم محركات إبستمولوجية بينية دون أن يشعروا. وهذا نص كلامه: "فكانت تلك المناهج في العلمية بينية بِلا (هكذا) أن يشعر القائمون عليها، وبلا أن ينضج العلم البيني، بل مورس بصورة جزئية، يتناغم مفهومها مع ما قامت به اللسانيات البينية من مفهوم"9. وهذا في الحقيقة تعميم واتهام ودعوى مطلقة دون دليل. وآية هذا ذلك المثال البيني الواعي للسانيات الموسعة (اللسانيات البينية بفهم المؤلف) عند الدكتور سعد مصلوح الذي تتجسد خلاصته في البينية المبدعة المنفتحة، وارتياد آفاق النقدَيْنِ اللساني والأدبي من منظور لساني فسيح، بالتنظير أولًا ثم بالتطبيق ثانيًا، مع العناية بالتطبيق لأنه هو الأهم والفيصل والمعوّل عليه، وقد تمثل هذا فيما قدمه وطبّقه تحت ثلاثة عناوين كبرى: العنوان الأول: "الأسلوبية الإحصائية"، والثاني: "البلاغة العربية والأسلوبيات اللسانية"، وأما العنوان الثالث فهو: "ثابت الإيقاع متنوع الوقْع: رسالة في بلاغة التشكيل الصوتي للتفعيلة العروضية"، وكل ذلك مع ضرورة مراعاة مبدأ في غاية الأهمية، وهو أن تمازج الاختصاص لا يعني إهدار الاختصاص10.
وأخيرًا إذا نظرنا إلى طريقة العرض والصياغة والمصادر في الكتاب، فسنجد أنها جوانب شكلية ما كان ينبغي الوقوف عندها في هذا المقام، لولا ما وقع فيها مما يجب التنبيه عليه. فلقد اعتمد المؤلف في طريقة عرض مادته ومباحثه – غالبًا – على طريقة الفصل المفتوح والاسترسال المنتقل من جزئية إلى أخرى، دون تقسيم كل فصل إلى مباحث واضحة، تأتي استجابة لتحقيق مطالب وأفكار يُنص عليها وتُحدد في أوله. وقد أوقعه هذا في الاستطراد والحشو والتكرار أحيانًا والعناية بذكر تفاصيل لا أهمية لها، إضافة إلى تشويش بنية الكلام وافتقاد الإحكام والتنظيم، وكثرة النقول والإسراف في الإحالات، حتى وصل الأمر أحيانًا إلى وجود إحالة كل ثلاثة أسطر تقريبًا. ومن مظاهر عدم الإحكام العناية بالرجوع إلى مصادر وسيطة كثيرة من الأبحاث وغيرها، كان الأَوْلى استبدال الأصول بها، وسرد المصادر والمراجع دون تنظيم وتمييز لكل نوع على حِدة من حيث كونه كتابًا أو بحثًا منشورًا في مجلة أو أطروحة علمية أو غير ذلك.
وأما الصياغة فيشوبها الكثير من الضعف والاضطراب واجتناب صحة السبك، وهذا هيّن في مقابل ما وقع فيه المؤلف من تجاوز صواب النحو، مما لا يجوز أن يقع في كتاب منشور أيًا كان مجاله، حتى لو كان ذلك بأثر العجَلة.
والغاية في النهاية وصف ما كان وما يكون، واتخاذُ حالة وتأملها على أنها مثال لغيرها من صور التأليف التي تستوجب إبداء الرأي فيها على قدر الاجتهاد والوُسع، ومحاولة تصحيح المسار والتقويم. والله أعلم.
أولًا: العربية
استيتية، سمير. اللسانيات: المجال والوظيفة والمنهج، ط2. عمّان: عالم الكتاب الحديث، 2004.
الشمس، خالد حوير. اللسانيات البينية، ط1. الأردن: مركز الكتاب الأكاديمي،2022.
مارتان، روبير. مدخل لفهم اللسانيات، ترجمة عبد القادر المهيري، ط1. بيروت: المنظمة العربية للترجمة، 2007.
مصلوح، سعد. في اللسانيات والنقد: أوراق بينية، ط1. القاهرة: عالم الكتب،2017.
_______. "لسانيات التراث وعلوم العصر: الصوت من البينية إلى التعالق المعرفي"،27/05/2022، استرجع بتاريخ: 9/8/2022، على الرابط: https://www.youtube.com/watch?v=eAXQjj2cc6s
ثانيًا: الأجنبية
Al-Shams, Khālid ḥwyr. Al-lisānīyāt al-baynīyah (in Arabic), 1st ed., Jordan: Markaz al-Kitāb al-Akādīmī, 2022.
Istaytīyah, Samīr. Al-lisānīyāt: al-majāl wa-al-waẓīfah wa-al-manhaj (in Arabic), 2nd ed., Amman: ʻĀlam al-Kitāb al-ḥadīth, 2004.
Martin, Robert. Madkhal li-fahm al-lisānīyāt, (in Arabic), Trans: ʻAbd al-Qādir al-Mahīrī, 1st ed., Beirut: al-Munaẓẓamah al-ʻArabīyah lil-Tarjamah, 2007.
Maṣlūḥ, Saʻd. fī al-lisānīyāt wa-al-naqd: Awrāq bynyh (in Arabic), 1st ed., Cairo: ʻĀlam al-Kutub, 2017.
_____."Lisānīyāt al-Turāth wa-ʻulūm al-ʻaṣr: al-Ṣawt min al-baynīyah ilá al-Taʻāluq al-maʻrifī" (in Arabic). 27/05/2022, accessed 25/2/2022, https://www.youtube.com/watch?v=eAXQjj2cc6s
1 - لم يستقر المؤلف في "اللسانيات التعليمية" على مصطلح واحد، ففي عنوان الفصل العاشر وأغلب متنه أخذ بهذا المصطلح، وفي المقدمة وفهرس المحتوى تبنى مصطلح "اللسانيات التربوية"!
2 - خالد حوير الشمس، اللسانيات البينية، ط1 (الأردن: المركز الأكاديمي، 2022)، ص30-36.
3 - حوار خاص مع الدكتور سعد مصلوح، الثلاثاء 9/8/2022، ومحاضرة مسجلة له بعنوان: "لسانيات التراث وعلوم العصر: الصوت من البينية إلى التعالق المعرفي، على الرابط: https://www.youtube.com/watch?v=eAXQjj2cc6s
4 - يبدو أن المؤلف قد تأثر كثيرًا بدراسة صالح بن الهادي رمضان، المعنونة: "التفكير البيني: أسسه النظرية وأثره في دراسة اللغة العربية وآدابها"، (جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، مركز دراسات اللغة العربية وآدابها)، من ناحية الغرض والإنجاز وما تحقق فيها؛ فهذه الدراسة – وهي جادة ويؤخذ منها ويُرد – كان تركيزها وجهدها مُكثّفين لبيان "البينية" في الأدب بشكل ملحوظ، رغم خداع العنوان. وقد نتج عن ذلك فراغٌ في جانب اللغة واللسانيات، حاول الدكتور خالد حوير الشمس أن يملأه بدراسة موازية؛ فتفرقت به السبل، ولم يحالفه التوفيق في أغلب عمله، كما سيتبين.
5 - الشمس، ص8.
6 - سمير استيتية، اللسانيات: المجال والوظيفة والمنهج، ط2 (عمّان: عالم الكتاب الحديث، 2004)، ص6، 7.
7 - روبير مارتان، مدخل لفهم اللسانيات، ترجمة عبد القادر المهيري، ط1 (بيروت: المنظمة العربية للترجمة، 2007)، ص165.
8 - الشمس، ص7، 8.
9 - الشمس، ص63.
10 - سعد مصلوح، في اللسانيات والنقد: أوراق بينية، ط1 (القاهرة: عالم الكتب،2017)، ص220.