OPEN ACCESS
تاريخ الاستلام: 16 يونيو 2022
تاريخ القبـــــــــــول: 19 يوليو 2022
مقالة بحثية (مترجمة)
هل يحتاجُ علم الاجتماع إلى تقويض بنية الاستعمار؟*1
تأليف: اليشيا أزهر الدين**2
ترجمة: هناء خليف غني31
أستاذ ومترجم، قسم الترجمة، كلية الآداب، الجامعة المستنصرية، العراق
h.horizons2013@uomustansiriyah.edu.iq
هذا المقالُ مراجعة لثلاثةِ كُتبٍ24بحثت الأهميةَ الفكريةَ التي دفعت إلى فكّ الارتباط بالنماذج المنوطة بالمركزية الأوروبية في علم الاجتماع؛ حيث يتبنّى كُلٌّ منها، أي الكتب، مقاربةً مختلفةً. إن كتاب "النظرية الاجتماعية خارج المعتمد" لأستاذ علم الاجتماع سيد فريد العطاس (Syed Farid Alatas) وأستاذة علم الاجتماع والأنثروبولوجيا ﭭينتا سنها (Vineeta Sinha)53، يوظّفُ الدراسة الغيَرية المقارنة للمنظرين الاجتماعيين غير الغربيين المشهورين والمغمورين نسبيًا. ويطوّرُ كتاب "علم الاجتماع التاريخي العالمي"، الذي اشترك في تحريره أستاذ علم الاجتماع والدراسات الآسيوية جوليان غو (Julian Go)، وأستاذ العلاقات الدولية وعلم الاجتماع التاريخي جورج لاوسن (George Lawson)64، نموذجًا إرشاديًا57، يبتعد عن الاختزال المنهجي الذي ينطلق من "القومية المنهجية"، الذي يعرف ويحدّد علم الاجتماع المعاصر والتخصصات المتعلقة به. أما الكتاب الثالث في هذه المراجعة، والموسومُ بــــ"البدائل السوسيولوجية للدين: نظرةٌ بعيون غير غربية" لأستاذ علم الاجتماع والأنثروبولوجيا جيمس ﭪ. سبيكارد (James V Spickard)68؛ فيقلب علم اجتماع الدين التقليدي رأسًا على عقب، وذلك عبر فحصه للمسيحية، والإسلام المعاصرين، باستخدام مفاهيم تطورت في الصين القديمة وتونس خلال القرن الرابع عشر. إن تلك الكتب الثلاثة لها غايةٌ متماثلة، هي: تسليط الضوء على حدود وهفوات علم الاجتماع المعني بالمركزية الأوروبية، الذي يُركز على الأمّة ذات السّيادة المستقرّة والفرد، لكنه يفشلُ في تقديم الاعتراف الضروري بالعلاقات المترابطة، والاتكال المتبادل الذي يدفع الهويَات الاجتماعية إلى التحرك عبر الزمان والمكان.
الكلمات المفتاحية: تقويض الاستعمار، المركزية الأوروبية، علم الاجتماع العالمي، تاريخ علم الاجتماع، علم اجتماع الدين
1* نُشِر هذا المقال في مجلة مراجعات علم الاجتماع الدولية، في 2019، المجلد 34، العدد 2، الصفحات 130-137، انظر:
"Does Sociology Needs Decolonizing," International Sociology Review, 2019, Vol. 34(2): 130-137.
وقد منحت المجلة الباحثة حق الترجمة إلى العربية.
2** اليشيا أزهر الدين، محاضرة أولى في دراسات الجندر/ النوع الاجتماعي في كلية الآداب والعلوم الاجتماعية بجامعة مالايا في ماليزيا، تغطي اهتماماتها العلمية موضوعات واسعة، تشمل النوع الاجتماعي، والجنسانية في المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة، والثقافة السينمائية، والأدب في أرخبيل الملايو. من مؤلفاتها كتاب "الجندر والإسلام في السينما الإندونيسية".
31 - هذه المقالة هي مراجعة نقدية لثلاثة كتبٍ أسهمت مجتمعةً في تنشيط الراكد في المعتمد الاجتماعي الغربي عن طريق تحديها لبعضٍ من قواعده ووجهات نظره الراسخة. وهذه الكتب هي: (النظرية الاجتماعية خارج المعتمد) لسيد فريد العطاس وﭭينتا سنها، و(علم الاجتماع التاريخي العالمي)، تحرير جوليان غو وجورج لاوسن، و(علوم اجتماع الدين البديلة: النظر بعيونٍ غير غربيةٍ) لجيمس ﭪ. سبيكارد. تأثر اختيار هذه المقالة للترجمة ببضعة عوامل منها، أولًا، تعاملها مع موضوعات لا تزال حاضرةً بحيويةٍ، وعلى صلة بسجال الشرق-الغرب، وبشكل ضمني، بالمنطقة التي نعيش فيها؛ أي الشرق الأوسط. تضم هذه الموضوعات: الحركة الاستعمارية، وإنهاء التبعية، والمركزية الأوروبية، وفك الارتباط بالمركز. وثانيًا، تسلط المقالة ضوءًا كثيفًا على الإسهامات التي قدمها لعلم الاجتماع المُهيمن علماء اجتماع ومفكرون مُهمشون في الغالب وغير غربيين. وبذلك، ساعدت المقالة في نقل بؤرة الاهتمام الاجتماعية من المركز إلى الهامش. ثالثًا، بينت المقالة أهمية المقاربات البينية في دراسة الظواهر الاجتماعية. إنَ ترجمة مقالة مثل هذه مفيدةٌ في أكثر من جانبٍ للباحثين والقُرَّاء العاديين على حدٍ سواء؛ إذ إنها تزودهم بمقاربات جديدةٍ للنظر في التحديات التي تواجه مجتمعاتهم، وتشجعهم على التنقيب عميقًا في إرثهم الاجتماعي المحلي من أجل إعادة تحديد موقعه في المشهد الاجتماعي العالمي، وهي، ختامًا، تلفت عنايتهم إلى محورية الدراسات البينية في الفكر الحديث (المترجمة).
42- الكتب موضوع المناقشة هي:
- Syed Farid Alatas and Veneeta Sinha, Sociological Theory Beyond the Canon, Palgrave Macmillan: London, 2017; 391 pp: ISBN 9781137411334.
- Julian Go and George Lawson (eds.), Global Historical Sociology, Cambridge University Press: Cambridge, 2017; 298 pp: ISBN 9781316617694.
- James V Spickard, Alternative Sociologies of Religion: Through Non-Western Eyes, New York University Press: New York, 2017, 315 pp: ISBN 9781479866311.
53 - يعمل العطاس وسنها في الجامعة الوطنية في سنغافورة.
64 - يعمل جوليان غو في جامعة بوسطن الأمريكية وجورج لاوسن في الجامعة الوطنية الأسترالية.
75 - تفيد مفردة "paradigm" عدة معانٍ، إلا أنها غالبًا ما تُستخدم مقرونةً بمفردة مكملة لها؛ لتُظْهر المعنى المراد منها مثل؛ النموذج الفكري أو النموذج الإدراكي أو الإطار النظري، إلا أنها تظل متصلة اتصالًا وثيقًا بنظرية المعرفة أو الأبستمولوجيا. وتترجم عمومًا أيضًا إلى القياس أو المثال أو النموذج. وفي ترجمته لكتاب توماس س. كُون عن "بنية الثورات العلمية" الصادر عن المنظمة العربية للترجمة سنة 2007، اختار حيدر حاج إسماعيل ترجمتها صوتيًا إلى "براديغم". وثمة ترجمة أخرى لها بـ"النموذجِ إرشادي"، التي أرى أنها الأنسب؛ لأن النماذج الإرشادية هي بالضرورة نماذج فكرية في أصلها. انظر: آلان برنارد، التاريخ والنظرية في الأنثروبولوجيا، ترجمة سيد فارس، ط1 (بيروت: المنظمة العربية للترجمة، 2017)، ص27-29.
86 - يعمل سبيكارد في جامعة ردلاندز الأمريكية.
للاقتباس: غني، هناء خليف (مترجمة). "هل يحتاجُ علم الاجتماع إلى تقويض بنية الاستعمار؟، لاليشا أزهر دين"، مجلة تجسير، المجلد الرابع،
العدد 2 ، 2022
https://doi.org/10.29117/tis.2022.0105
© 2022، غني، الجهة المرخص لها: دار نشر جامعة قطر. تم نشر هذه المقالة البحثية وفقًا لشروط Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0). تسمح هذه الرخصة بالاستخدام غير التجاري، وينبغي نسبة العمل إلى صاحبه، مع بيان أي تعديلات عليه. كما تتيح حرية نسخ، وتوزيع، ونقل العمل بأي شكل من الأشكال، أو بأية وسيلة، ومزجه وتحويله والبناء عليه، طالما يُنسب العمل الأصلي إلى المؤلف.
OPEN ACCESS
Submitted: 16 June 2022
Accepted: 19 July 2022
Research Article (Translated)
Does sociology need decolonization?*1
Authored by: Alicia Izharuddin* 2
Translated by: Hana’ Khalief Ghani
Professor and translator, Department of Translation, College of Arts, Al-Mustansiriyah University, Iraq h.horizons2013@uomustansiriyah.edu.iq
This essay reviews three books that investigate the intellectual significance of decentering Eurocentric models in sociology. Each takes a different approach: Syed Farid Alatas and Vineeta Sinha’s Sociological Theory Beyond the Canon employs the comparative biographical study of ‘canonical’ and less well known non-Western social theorists. Julian Go and George Lawson’s edited volume, Global Historical Sociology, develops a robust paradigm that departs from the ‘methodological nationalism’ that defines and limits contemporary sociology and related disciplines. The third book in this review, James V Spickard’s Alternative Sociologies of Religion: Through Non-Western Eyes, turns traditional sociology of religion on its head by examining contemporary Christianity and Islam using concepts developed in ancient China and 14th-century Tunisia. The three books share a similar aim: to shed light on the limits and oversight of Eurocentric sociology that emphasizes the stable sovereign nation and the individual but fails to provide due recognition to the interrelationships and mutual dependence that propel social identities in motion across time and space.
Keywords: Decolonization; Eurocentrism; Global sociology; History of sociology; Sociology of religion
1* This article was published in International Sociology Reviews No. 2, 2019, Vol. 34, No. 2, pp. 130-137, See "Does Sociology Needs Decolonizing," International Sociology Review, 2019, Vol. 34(2): 130-137. The Journal granted the researcher the right to translate into Arabic.
2** Alicia Izharuddin is a senior lecturer in gender studies at the Faculty of Arts and Social Science, University of Malaya. Her research covers a range of interests from gender and sexuality in Muslim-majority societies, film culture and literature in the Malay Archipelago, and cosmopoli- tanism and transnationalism. She is the author of Gender and Islam in Indonesian Cinema (2017).
Cite this article as: Ghani, H.K.K. (Translator),"Does sociology need decolonization? by Alicia Izharuddin" Tajseer, Vol. 4, Issue 2, 2022
https://doi.org/10.29117/tis.2022.0105
© 2022, Ghani, licensee QU Press. This article is published under the terms of the Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0), which permits non-commercial use of the material, appropriate credit, and indication if changes in the material were made. You can copy and redistribute the material in any medium or format as well as remix, transform, and build upon the material, provided the original work is properly cited..
تشهدُ استراتيجيات تقويض بنية الاستعمار انتعاشًا ملحوظًا بين الحقول المعرفية الأكاديمية في القرن الحادي والعشرين، بما في ذلك علم الاجتماع، باعتباره الحقل المعرفي الذي استفادت منه الحركة الاستعمارية؛ إذ تتلاقى في الوقت الراهن، على الرغم من أنّ البعض قد يختار عبارة بديلة من قبيل "تتصارع مع"، الحقولُ المعرفية الحديثة، والتي تضع ضمن أولوياتها الدراسات النقدية للعرق، والنوع الاجتماعي/الجندر، والجنسانية، والطبقة، بالإضافة إلى النقاشات الجارية خارج الوسط الأكاديمي، كما أنها تُعيد إشعال جذوة نقد "التبَعِّيَة" الفكرية. لقد كان علمُ الاجتماع، الذي تعود نشأته إلى بواكير القرن التاسع عشر في فرنسا، نتاج عصر التنوير، وقد امتاز بالطموح العلمي؛ حيث كان مشروع هذا العلم دراسة سبب التغيير في المجتمع البشري وآلياته، ذلك التغيير الذي كان عالميًا وخطيًا يمتد بالموازاة مع مسارٍ واحدٍ هو "التقدم" والتحديث الغربيين. إن الكُتب الحديثة الثلاثة كشفت عن المركزية الأوروبية في علم الاجتماع – التي تؤلف محور المقال الحالي – والتفتت إلى المطالبات الملحّة بـ"تقويض استعمار" الوسط الأكاديمي؛ إذ تُقدم هذه الكتبُ فكرة مفادها أنّ المرء قد يحتاج إلى خرق الحدود الجغرافية والتاريخية الضابطة لهذا العلم بهدف تقويض استعماره. ولا يستلزم "تقويض بنية الاستعمار" هذا، بوصفه نتيجةً، إضافة المنظرين الاجتماعيين غير الغربيين فحسبُ، بل إرجاع بداية البحث الاجتماعي إلى قرابة أربعمئة سنة قبل عالم الاجتماع الفرنسي أوغست كونت (August Comte) أيضًا. إنّ هذه الكتب الثلاثة تطرح – بدلًا من ذلك – السؤال نفسه: ماذا لو؟ ماذا لو لم يتأسس علم الاجتماع على يد كونت؟ وماذا لو استند إلى مؤلفات عالم الاجتماع والناشط السياسي الأمريكي وليم إدوارد بيرغاردت دو بويز (W.E.B. Dubois) أو ابن خلدون أو المنظرة الاجتماعية الإنجليزية هارييت مارتينو (Harriet Martineau)؟ إلى أي مدى سيكون الحقل المعرفي مُختلفًا إذا كان هذا هو الحال؟ سيقول العطاس، وسنها، وسبيكارد، في معرض إجابتهم عن هذه الأسئلة: إننا سنحتاج إلى خلعِ مركزية الرجال البيض الذين ماتوا، وذلك بهدف إعادة تمثّل أهمية المفكرات والمفكرين الآسيويين غير المُعتمدين، وأيضًا تحديد مدى القدرة على تطبيق تصوراتهم وأفكارهم في علم الاجتماع المعاصر وغيره من نظريات المعرفة (الإبستمولوجيا) الغربية.
لقد اختار العطاس وسنها مقاربة موضوعهما باستعمال السيرة الغيرية المقارنة؛ حيث تحدثا عن حيوات كارل ماركس، وإميل دوركايم، وماكس فيبر، وأعمالهم جنبًا إلى جنب مع حيوات هارييت مارتينو، والكاتب والناشط الفلبيني خوسيه ريزال (Jose Riza)، والمُصلحة الاجتماعية الهندية ﭙانديتا راماباي (Pandita Ramabai)، وأستاذ علم الاجتماع الهندي بينوي كومار ساركار (Benoy Kumar Sarkar)، والمُصلحة الاجتماعية الإنجليزية ورائدة التمريض فلورنس نايتنغيل (Florence Nightingale). وساق المؤلفان حُججًا ساندا بها تقليص الهوّةِ بين النظرية الاجتماعية والفكر الاجتماعي، وذلك عن طريق تأكيد تكافلهما واعتمادهما المتبادل. بيد أنهما لم يُرتبا فصول الكتاب ترتيبًا كرونولوجيًّا على الرغم من أنّ ابن خلدون، وهو أول فيلسوف في السلسلة، يسبق زمنيًا المفكرين الآخرين الذين ينتمون جميعًا إلى القرن التاسع عشر. كما أنَّ الحوار الضمني بين المفكرين الاجتماعيين "الكلاسيكيين" والمفكرين الاجتماعيين المعتمدين، مع أنه ليس حوارًا مباشرًا أو صريحًا على الدوام، يُقدم قيمة عُظمى لقُرَّاء هذا الكتاب؛ إذ كشف خوسيه ريزال – على سبيل المثال – في نقده للبناء الاستعماري للفلبينيين الكسالى، عن زيف نقاش ماكس فيبر للرؤية الاستشراقية بشأن غياب الصناعة في المجتمعات غير الغربية. ويتخلل كشفه هذا توكيد هارييت مارتينو، على خلاف ماركس، على أنّ العمال، والرأسماليين لا يشتركون في الرغبة في الثروة فحسب، بل تجمعهم أيضًا مصالح مماثلة في تكديس الرأسمال.
لقد كتبت نساء بارزات، كُنّ يبسطن القول عن المجتمع عبر الطيف الثقافي the cultural spectrum في القرن التاسع عشر، بإسهاب عن تحسين أوضاع النساء عن طريق التعليم. كانت مارتينو، وﭙانديتا راماباي، خِلافًا لعادة النساء في زمانهما، رحالتين طافتا العالم في رحلةٍ روحيةٍ وفكريةٍ، وأسهمتا – بعملهما – في تسليط الضوء على التقسيم الخاطئ بين الفكر الاجتماعي "النظري" و"التطبيقي"، وقد ظهر عليهما (بمعنى تفوق) كلٌّ من دوركايم وفيبر من حيث الحضور في المحافل الأكاديمية والمعرفية؛ لأنهما لم يحظيا بالاعتراف بوصفهما من المُسهمين في تطوير الأُطر والمفاهيم النّظرية في علم الاجتماع. وفي الواقع، مازال تمثيل المفكّرات في القرن التاسع عشر يجنحُ – حتّى يومنا هذا – إلى التّركيز على ما قمن به في حيواتهن على حساب أفكارهن. لقد كانت المُصلحة الاجتماعية و"المرأة الفاعلة" فلورنس نايتنغيل خبيرةً إحصائيةً، كما قطعت أشواطًا كبيرةً في مجال الصحة العامة. إنّ نقدها لوسائل الإنتاج يُعيد إلى أذهاننا نقد ماركس، بيد أنها بخلافه، طبقت نقدها في السّياق الاستعماري الهندي بهدف التّخلص من أغلال النفاق الاستعماري، والمعايير المزدوجة العرقية، وذلك من خلال وضع سياسةٍ عامةٍ فاعلةٍ ومؤثرةٍ. إنّ تضمين فلورنس نايتنغيل، بوصفها أحد أعلام النظرية الاجتماعية، يخدم هدف إعادة تقييم "مغزى" علم الاجتماع، وتقدير "تأثيره" كذلك. وبطبيعة الحال، سيكون فعلًا غادرًا أن تقرر العلوم الإنسانية والاجتماعية، قرارًا قاطعًا لا رجعة فيه، أنّ النظرية "التطبيقية" هي الأفضل لضمان قدرٍ أكبر من التأثير. يُبينُ الجزء الأكبر من الإسهام الفكري المنسي لهذه المُصالحة الاجتماعية أنّ هنالك عوامل أخرى مؤثرة، غير التحيز المبني على الجنس في الوسط الأكاديمي، الاعتباطية الخانقة على سبيل المثال، وإقصاء تعاريف تتعلق بمفردات كثيرة منها: "فكري" و"تأثيري".
ويُعد الفصلُ الأخير الذي كرسه العطاس وسنها للحديث عن حياة بينوي كومار ساركار خاتمةً ملائمة لكتابهما النظرية الاجتماعية خارج المعتمد. فعالم الاجتماع الهنديّ، "ما بعد الاستشراقي" والرائد، معروفٌ بتقديمه لـ"أوروبا-أمريكا" بوصفهما موضوعًا لافتًا يستحق العناية في الاشتغال البحثي الآسيوي، رغم أنّ إطار التحليل الذي اعتمده لا يكشف عن وجهة نظر محلية متفوقة، ولا عن نظرةٍ تتعلق بالغرب بوصفه آخرًا، بل إنه وجد، في تقييمه التاريخي، أنّ الحضارتين الهندية والأوروبية قبل القرن الثامن عشر، تشتركان في الكثير من أوجه التشابه في مجال التطورات العلمية، والمادية، والتكنولوجية. وقد أضحى هذا القول الأساس لتقويض البناء الاستشراقي للمجتمع الهندي وغيره من المجتمعات الآسيوية، بوصفها مجتمعات صوفية – بالدرجة الأولى – واستبدادية، وغير مبالية بالميادين العلمانية؛ لكن ساركار يعتبر رجل المفارقات الذي اكتنف الغموض إرثه في علم الاجتماع بسبب تصوره التراتبي للعلاقات البشرية. لقد كان مدافعًا يحاول تسويغ حقيقة الظلم الاجتماعي القاسية؛ إذ يقول: "كلّما أسرعنا في تقبل هذه المظالم والفوارق: [الجسدية، والفكرية، والأخلاقية، والاقتصادية، والاجتماعية] بوصفها فرضيات مُسلَّم بها أولى، كان ذلك أفضل للرخاء والرفاهية البشريين"1. وإضافةً إلى ذلك، فإنّ تأييده لبرنامج هتلر القومي في عام 1934 ربما يُعد من بين أهم العوامل التي ألحقت الضرر بإرثه.
كان الفكر الاجتماعي لكل من ريزال، وراماباي، وساركار مُشبعًا بالحركة الاستعمارية. لكن عكسَ ذلك هو ما نلاحظه في أعمال نظرائهم الغربيين؛ إذ يرى كل من ماركس، وفيبر، ودوركايم، أنّ الحضارات العظيمة للهند والصين والشرق الأوسط كانت راكدةً ومُعتلّةً، مقارنةً بالمجتمعات الصناعية الرأسمالية الحركية في أوروبا. وتبعًا لذلك، لا تُوجد، حسب علماء الاجتماع الغربيين هؤلاء، قيمة فكرية كبيرة يُمكنهم أن يجنوها من هذه الحضارات بهدف تطوير تصوراتهم وأساليب تفكيرهم. وقد عمِل هذا المنطق الإمبريالي الذكوري نفسُه، والخاص بالإنتاج المعرفي، على إقصاء المفكرات والمصلحات الاجتماعيات البريطانيات البيض البارزات من ركائز علم الاجتماع التأسيسية. وعلى الرغم من احتمال تعذر استخلاص أعمال هؤلاء المفكرات والمُصلحات في نظرية مُحددة "خالصة"، إلا أنّ إنتاجهن الاجتماعي (التطبيقي) "يُقدم تصورًا مفاهيميًا عن الطرق البديلة لوجودهن بوصفهنّ نساءً يعرضن حيواتهن الشخصية، في العادة، بوصفها مثالًا عمليًا دالًا على الحاجة إلى تقرير المصير والاستقلال"2. وليس من التوافق في شيءٍ أن تكون بؤرة اهتمام المفكرين الاجتماعيين، من أمثال ريزال، وراماباي، ومارتينو، ونايتنغيل، وموضوعهم الرئيس هو التحرر من القيود الاجتماعية-القانونية المفروضة على أفرادٍ أمثالهم، بِخلاف دوركايم، وفيبر اللذين لم يكترثا سوى بالتغريب و"القفص الحديدي"3 في التقدم الاجتماعي. إن هؤلاء السوسيولوجيين، ريزال وراماباي، ومارتينو، ونايتنغيل، يُنذرون بالعداوات التي طغت على النقاشات المعاصرة بشأن "سياسات الهويَة" بين الجماعات المُهمشة وأفراد الطبقة الوسطى من البِيض.
يُسهم كتاب العطاس وسنها إسهامًا بارزًا في إنهاء تبعية الإسطوغرافيا historiography لعلم الاجتماع. ومع ذلك، ثمة إحساس بالعجلة والتعجل في الكتاب برمته من حيث مراعاته لنوعية تحرير المضمون وتحليله. وسيكون مُثمرًا ومُجزيًا أن نرى المزيد من النقاش التآزري المُحفز للتفكير بين فطاحل الفكر الاجتماعي، ويُمكن أن نضرب مثالًا مناسبًا على ذلك بالموازنة بين وجهتيَ نظر ابن خلدون، ودوركايم في التغير الاجتماعي. ففي حين أن ابن خلدون رأى وتنبأ بقيام المجتمعات وسقوطها الدوري، قال دوركايم: إنّ المجتمعات تتقدم على طول مسار واحدٍ نحو التحديث؛ إذ ينتظرها الاغتراب والاستلاب. إضافةً إلى ذلك، لم يكشف الكتاب، الذي يعرضُ لنطاق طموحٍ من الأفكار الاجتماعية، ولم يفصّلْ القول، على نحو مقنعٍ ومرضٍ، في ثنائية المركزية الأوروبية-الذكورية في الفكر في مقابل النظرية، سيكون رائعًا أن نكشف عن الطرائق التي تأثر بوساطتها عمل المفكرين الاجتماعيين في هذا الكتاب ببعضهم بعضًا، وأيضًا أنْ نتعرف على توجهاتهم ورؤاهم الثقافية الخاصة غير الاستشراق، وفكّ الارتباط والإقصاء، مع أنّ ذلك قد لا يصدق – بالضرورة – على جميع من ورد ذكرهم في كتاب النظرية الاجتماعية خارج المعتمد.
وفي "علم الاجتماع الديني البديل: نظرة بعيونٍ غير غربية"، انتقد سبيكارد المركزية الأوروبية ومفهوم "الدين" المبني على الرؤية المسيحية، فتحدث مُبينًا ضيق أفق بدايات علم الاجتماع في القرن التاسع عشر، وانشغالاته المعاصرة، وذلك عن طريق مراجعته لمفاهيم وأنشطة محددة تشغل موقعًا جوهريًا في الممارسات الدينية غير المسيحية وغير الغربية. لقد كان علم الاجتماع، الذي ولِدَ من رحم الصراع الأيديولوجي بين الأصولية الكاثوليكية والعلم، يهدف إلى إيجاد موطئ قدمٍ فكري له بين العلوم، فطور مقاربات لفهم حياةٍ دينيةٍ أبعدت عن مضمارها كلّ ما هو غيبي و"غير علمي". وعلى هذا الأساس، ما هو الجانب الذي أغفله علم اجتماع الدين التقليدي نتيجةً لذلك؟ إنّ الانشغال الاجتماعي بالفرد، والمؤسسات، والنموذج الغربي للتقدم الحديث تمخض عن رؤيةٍ نَفَقِيَّةٍ tunnel vision ضيقةٍ، تحصر فهم التجربة والهويَة الدينية بالعقيدة، والإيمان بالرب، والالتزام بزيارة الكنيسة (أو غيرها من الشعائر المماثلة). ولهذا السبب، حاول سبيكارد تقديم حجج مقنعةٍ تتعلق باعتماد منهجيات بديلة لدراسة الحياة الدينية المعاصرة، مع أنّ استخدام مفردة "بديلة" يبدو، على نحوٍ قابلٍ للمناقشة والجدل، إقصائيًّا نسبيًا. إنّ هذا يشير إلى الاعتراف بالعلائق الاجتماعية المُتشكلة في المجتمعات الدينية المحلية المترابطة فيما بينها بمعانٍ طقوسية أو شبه طقوسية، وهذه الصلات والعلاقات تتشكل زمنيًا ومكانيًا من دون الركون إلى هويَات جامدة وبدائية ظاهريًا.
وقد كرس سبيكارد الفصل الذي وظَّف فيه المفهومين الكونفوشيوسييْن المعروفين بـ (lî)، بمعنى الطقوس وآداب السلوك، و(dé)، بمعنى الفضيلة والقوة الأخلاقية الداخلية في السياق المسيحي الأمريكي؛ لتسليط الضوء على الموقع المحوريّ الذي تشغله أعمال النساء بوصفهن مجهزات طعامٍ في روابط التجمعات الدينية؛ إذ تقع الذات، وَفق المنظور الكونفوشيوسي، داخل شبكةٍ من العلاقات بدلًا من وجودها بوصفها ذاتًا مستقلةً. وبعبارة أخرى، بدلًا مما "أنا" وما "أفعله" التي تُقصي الآخرين، يجري تصور الذات الكونفوشيوسية في علاقتها مع الأفراد في داخل محيطها العائلي المباشر، مثل: الزوج، والأطفال، والأصدقاء، والزملاء، والجيران، والمواطنين الآخرين، ومن ثمّ تُحافظ الذات على هذه الروابط الاجتماعية عبر ممارسة الطقوس وآداب السلوك (lî) التي تنبثق من الإحساس بالفضيلة (dé). ومع أنّ الأخلاقيات الكونفوشيوسية ليست مكافئة لأفكار الدين والألوهية المستندة إلى الرؤية المسيحية، إلّا أنّ معانيها الرمزية مثلما تأسست عبر الممارسات الطقوسية والقداسة، تنفعُ في توضيح جوانب التعبد المسيحية التي يتجاهلها علم الاجتماعي الديني. تُعدُ النساء في المجتمعات المحلية المسيحية الأمريكية، في هذه الحالة، الممارسات الأساسيات للطقوس المنبثقة من الإحساس بالفضيلة. ومع أنّ عددهن في القيادة الدينية ما برح يتضاءل، إلّا أنهن يؤلفن أكثرية الأتباع الدينيين، مما يجعلهن أكثر "تدينًا" من الرجال. وهكذا، تُعد الوسائل التي تضمنُ النساء من خلالها بقاء المجتمعات المحلية الدينية من الموضوعات الجوهرية بالنسبة لعلم الاجتماع الديني. وعلاوة على ذلك، تُؤلف النساء المقصيات عن الكثير من الأدوار القيادية، المُحرِّكَ لمجتمعات مثل هذه، مع ملاحظة وجود هذا المحرك في الهامش، بمعنى اقتصار مشاركتهن على تنظيم المناسبات الكنسية، وإعداد الطعام في المآتم، وغيرها من الخدمات، إنّ التزامهن بالطقوس وآداب السلوك (lî) يُنتج الفضيلة والقوة الأخلاقية الداخلية التي تجعل الحياة الجماعية ممكنةً. ومع ذلك، وحسب ما لاحظه سبيكارد، وربما بقليلٍ من خيبة الأمل أيضًا، فإنّ عدد النساء اللائي يُحركن ويدفعن الحياة الاجتماعية-السياسية للمسيحيين الأمريكيين، ما انفك في تناقصٍ مستمرٍ مع ارتفاع معدل عمل المرأة خارج المنزل. لقد اكتسبت "خدمة تقديم الطعام الدينية"4 قدرًا أكبر من المهنية والاحتراف نتيجة لتناقص عدد النساء الراغبات في هذا العمل غير مدفوع الأجر.
ثمة لحظات مضيئة حقًا في كتاب سبيكارد عندما يشرح، بجودةٍ واحترافية عالية، أهمية مفهوم "العصبية" لابن خلدون في تفسير الدوافع المُحيرة والمتضاربة التي أفضت إلى العنف المجتمعي الداخلي الذي اندلع بين البوسنيين والكروات أثناء سقوط يوغسلافيا، وأيضًا ظهور الدولة الإسلامية في العراق وسوريا (ISIS)؛ إذ يؤمن ابن خلدون، مُشاكلًا دوركايم، أنّ نسيج العلاقات الذي يربط المجتمعات معًا يتغير بعد أن تُصبح هذه المجتمعات أكثر استقرارًا وثراءً، فالناس في الجماعات البدوية "الأكثر بساطةً"، وضعفًا أمام العناصر الخارجية يكونون قُساةً متعنتين، ومتكاتفين فيما بينهم، لكنّهم بمجرّد ترسيخ وجودهم في القرى التي تتطور لتصبح مدنًا، فإنّ الأمن والدعة يُعزز الانفرادية فيهم، ويُضعف التضامن بينهم. ويخدم الدين، في تنظير ابن خلدون، هدف تقوية الرابطة بين الناس، مع ملاحظة الاختلاف في المصالح الذي يُعرّف المجتمعات المُعقدة. لقد أسهم وصول قوة متماسكة ومُلتحمة مثل الإسلام في تجاوز الانتماء العرقي والارتباط القبلي. وقد شرح سبيكارد، في سياقٍ متصلٍ، الوظيفة التي أدّاها الظهور الخارق للطبيعة لمريم العذراء في البوسنة والهرسك، في ثمانينيات القرن العشرين، في تعزيز الشعور الجمعي العارم بين الكروات الكاثوليك المسحوقين اقتصاديًا، واضعًا بذلك إسفينًا بينهم ومسلمي البوسنة؛ ولا يتعلق الأمر هنا بأنّ الكروات كانوا، تاريخيًا، كاثوليك مُلتزمين، ولا بأنّ المسلمين كانوا ورعين للغاية. إنهما – في الواقع – متماثلان في عِدَّة جوانب مهمة: فهما يتحدثان اللغة نفسها، ولا يُظهران الكثير من المَعلَمات العرقية الفارقة، ويشتركان في الموقف المُتساهل ذاته حيال الدين. ونتيجة لذلك، لم تكن الهويَات العرقية والدينية الأصلية، بل انهيار يوغسلافيا، والأزمة الاقتصادية الخانقة، والفرص السياسية والمادية في السياحة الكاثوليكية في البوسنة والهرسك من بين العناصر المخرِّبة والمدمِّرة أثناء تشكيل "العصبية" الكرواتية.
وقد تحدث سبيكارد أيضًا، في فصول الكتاب الأخيرة، عن أوجه شبه واضحةٍ بين طقس علاج نافاجوي Navajo 5 الذي يؤديه مُنشد مُتدرب يُسمى هاتالي (Hatałii) باللغة المحلية، والتجربة الروحانية التي خاضها مجتمع محلي كاثوليكي في إدارته لمطبخ حساءٍ في شرق مدينة لوس أنجلوس. إنّ الغرض من أداء الطقس والتجربة كليهما هو استعادة النظام، بينما يستحضر المؤدّون فيهما الكينونةَ الكونية (الكوزمولوجيا)، ويتضرعون إليها. ومع ذلك، كانت غاية سبيكارد من شرح أوجه التشابه بينهما هي تقديم فكرة لافتة عن مجريات الطقس ذاته؛ وهو جانبٌ أغفله علم الاجتماع الديني؛ إذ يُجادل قائلًا: إنّ الفرد يُجرّب الطّقس بوصفه فعلًا أدائيًا متعلقًا بالزمن، ويتكشف له معناه عند تأمله بعد أن ينتهي، فالطّقسُ ههنا مشابه للاستماع إلى الموسيقى، الذي يُمثل فعلًا تجريبيًا يتطلب حالةً من انصراف الانتباه الكلي الشبيه بالغيبوبة غالبًا، بل إنّ الاستغراق الكلي والحقيقي يتطلب حالةً من الفيض في بعض الأحيان؛ حيث يواصل المصلّون الكاثوليك، بعد انتهاء القدّاس الإلهي، أداء الطقس في الأنحاء الأكثر فقرًا في شرق المدينة، وتُبارك وجبة العشاء المُقدمة في هذه الأنحاء، ويحتفل عابروا السبيل، والمشرّدون، والمشتغلون في تقديم الخدمات بـ"القداس" في الشوارع. ويمنحُ سبيكارد نفسه هنا حريات تفسيرية أكبر بشأن دراسة تجربة المتطوعين الكاثوليك الطقسية إلى حدٍ ما. فمع أنّ تقديم الطعام، والمشاركة في الأعمال الخيرية، هما من الأفعال المُجددة والداعمة، إلا أنه من الصعب تصوّر أنّ المشاركين المتطوعين كانوا جميعًا في حالةٍ ذهنيةٍ تُمكنهم من الانغماس الكُلي في الحدث و"البراعة في أداء فقراته".
قدم سبيكارد في "علوم الاجتماع الديني البديل" حُججًا قويةً ومقنعةً لإعادة النظر في المنهجيات المعتمدة في علم الاجتماع الديني. إنّ تقديمه دعوى مفادها أنّ علم الاجتماع التقليدي يتجاهل جوانب مختلفة من الحياة الدينية يعتبر وسيلة؛ ليقول أيضًا إنّ هذا العلم يُسيء فهم المجتمعات في كل مكانٍ، وإنّ استعماله لتعبير "إساءة الفهم" تمثيلٌ لنظرية معرفة غربية تدّعي أنها تُغطي في انشغالاتها كل جوانب الحياة الدينية وتمفصلاتها الدقيقة، وأنه ثمّة مساعٍ لتقديم فهمٍ متكاملٍ في المواضع التي قرر علم الاجتماع تجاهلها. والسؤال الذي يطرح نفسه ههنا كالآتي: هل يُمارس سبيكارد فعل "استحواذ ثقافي"6، أو فعل تبنٍّ مُثمرٍ للممارسات "الغرائبية" دونَ الإسناد الواجب إلى ممارسيها وتاريخها، وذلك من خلال تطبيقه تقاليد فلسفية "بديلة" غير غربية في سياقات مسيحية معاصرة يروم منه، أي من التطبيق، أن يكتسب صفة الرائد والمُبتكِر؟ وفي هذا الصدد، خصص سبيكارد فصلًا ختاميًا للردّ على هذه الاتهامات المحتملة. إنه حريصٌ ومتمهلٌ في قول "لا" مشفوعةً بتوضيحات؛ إذ يرى أنّ الاستلاب الثقافي متاخمٌ للتمييز العرقي وأعمال السلب والنهب الإمبريالية؛ حيث يُعاد تقديم الأفكار، والممارسات، والجماليات إلى رأس المال الثقافي في المجتمعات الغربية.
يُعتبر المُجلد المعنون بـ"علم الاجتماع التاريخي العالمي" الذي حرره جوليان غو وجورج لاوسن، إنجازًا مُتقنا في تطوير منهجية رائدة جامعة للتخصصات؛ حيث سخر المُحرران البعد التاريخي والعالمي التأسيسي المتضمن في السيرورات الاجتماعية في إعادة تقديمهم لهذا العلم. ومن المهم أن نناقش هنا السبب في أهمية هذا الجانب؛ إذ انتقد المحرران، في مقدمتهما، التفكير "الإسنادي" attributional المُطبق على وحدات التحليل والمتغيرات في علم الاجتماع التاريخي، حيث "يتألف الاجتماعي من كيانات ثابتة [تُعرف بوحدات تحليل] تتصف بخصائص معينة [تُسمى المتغيرات]"7. إن "علم الاجتماع التاريخي العالمي" معنيٌ، من حيث أنه يُمثّل منهجيةً، بـ"بالزمانية والتاريخانية، وهو يختلف عن المشاريع [الأخرى] في تركيزه الواضح على العلاقات الاجتماعية، والأنماط والبنيات المُهيمنة، والأشكال الاجتماعية والآليات السببية"8. وجدير بالملاحظة بروز "العلائقية"9 بوصفها الفكرة الرئيسة في المجلد. وزيادة على ذلك، يقف المحرران موقفًا مناهضًا للمقاربة الجوهرية لعلم الاجتماع التي تُعامل "الدول" و"المجتمع" بوصفهما شيئين مُنفصلين؛ إذ تنبها إلى أن القوانين في الماضي والحاضر، وعدد كبير من المنح الدراسية في علم الاجتماع والعلاقات الدولية تتبنى – في الواقع – هذه المقاربة مع ما يترتب على ذلك من نتائج لافتةٍ؛ إذ تتجاهل هذه المقاربة دينامية المجتمع والدول بوصفهما "كيانات متحركة" من جهةٍ، وتغلق – من جهةٍ أخرى – الحدود بوجه الأجسام المتحركة غير البيض على وجه الخصوص، عندما يجري تصور الدول بوصفها أشياءً لها حدود واضحة. يولي "علم الاجتماع التاريخي العالمي"، بوصفه منهجيةً، أيضًا عنايةً دقيقةً بمعايير المقايسة بين المحلي والعالمي، والقومي والدولي، مع أنّ هدفه على الدوام هو تجاوز هذه الثنائيات.
ويُشكَّل "احتذاءً بأفعال الرجال: العرق، العلاقات العالمية والدولية"، وهو الفصل الذي أسهمَت به أستاذة علم الاجتماع والدراسات الأفريقية زين ماغوبان (Zine Magubane)، في المجلد، أحد أفضل الأمثلة على المشروع الاجتماعي التاريخي العالمي؛ إذ تُقدم ماغوبان فيه، وليم إدوارد بيرغاردت دو بويز بوصفه من بين الرواد المؤسسين لعلم الاجتماع، إن لم يكن من أكثرهم أهمية، مبرهنةً بذلك على أنّ أوغست كونت قد استند في تأسيسه للحقل المعرفي وتعريفاته لـ "المجتمع" و"الأمة" إلى إقصاء السود من الشعب الأمريكي. كان كونت، على شاكلة العديد من مُجايليه من المفكرين الاجتماعيين، يحظى بحفاوةٍ وإعجابٍ منقطعيْ النظير في الولايات المتحدة، موطن ولادة "الديمقراطية الحديثة"، التي سعت إلى تطوير مشروعه الفكري. مع ذلك، لم يكن بقدرة الفيلسوف الفرنسي أن يتخيل الأمريكيين الأفارقة، سواء كانوا أحرارًا أم عبيدًا، بوصفهم جزءًا من الدولة-القومية والمجتمع الأمريكييْن مع أنّ المراقبين من أمثاله سيكونون قد رصدوا جذور الاستثنائية الأمريكية في تجارة الرقيق العالمية. لقد أسست الولايات المتحدة سيادتها، التي تعتبر سببا في وجودها، على تحدي قانون الأمم الدولي الذي نص على أنّ الاسترقاق هو قرصنة وجريمة عالمية الأبعاد. إنّ محاولة أمريكا أن تضمن مكانتها بوصفها كيانًا مستقلًا ذا سيادة كانت تتصدّى للمطالبات والمساعي الرامية إلى القضاء على تجارة الرقيق عبر الأطلسي، ومنح السّود حقّ المواطنة الأمريكية، حيثُ كان تحرير العبيد خطوةً متقدمةً للغاية في رأي العديد من السياسيين، والتجار، وعلماء الاجتماع الأمريكان الذين كانوا يخشون مما قد تحدثه وحدة الأمريكيين البيض والسود من شدة تأثير في تعريف الأمة والمجتمع الأمريكيين، إذ سيجعل حقّ المواطنة والحصول على الجنسية والحقوق مُتاحين للشعوب الحرة غير البيضاء في خارج أمريكا وفي داخلها.
وقدم أستاذ العلاقات الدولية روبي شيليام (Robbie Shilliam) فكرةً مماثلةً للسرديات الإمبريالية كما عرفها الاستعمار التأسيسي في الخارج في الفصل الذي أسهم به في "علم الاجتماع التاريخي العالمي" بعنوان: "أزمة أوروبا وفقدان الذاكرة الاستعمارية: النضال من أجل الحرية في البيئة الحيوية للمحيط الأطلسي". ويهدفُ الفصل إلى تقديم تعريف دقيق للصلات بين التاريخ التأسيسي للاتحاد الأوروبي والشبكة عبر القومية المناهضة للاستعمار التي امتدت عبر العواصم الأوروبية الكبرى، والمستعمرات في جزر الأنتيل والمستعمرات الأفريقية. ويتعقب شيليام كذلك الصلات الجمالية والفلسفية الجامعة لـ "البيئة الحيوية الأطلسية" عن طريق التركيز على تأثير الحركة السريالية الزنجية عند الكاتبين الفرنسيين أندريه بريتون وجان بول سارتر. إن البيئة الحيوية الأطلسية تنطلق، بحسب شيليام، من رفض الفاشية والاستعمار في أوساط التحالف الناطق بالفرنسية (الفرانكوفوني) المؤلف من الطبيب النفسي والفيلسوف الاجتماعي فرانز فانون، والشاعر الفرنسي من المارتينيك إيمي سيزير، وبريتون، وسارتر، الذي أسفر عن مؤتمرٍ عُقد في فرنسا في 1956 للاحتفاء بثراء الثقافات السّوداء والأفريقية، والتهيؤ للأزمات الثقافية في أعقاب التحرر الوشيك. مع ذلك، انهار سريعًا مشروع البيئة الحيوية الأطلسية، مثلما ذكر شيليام، وطواه النسيان. ويحتوي الفصل الذي تقدمت به أستاذة علم الاجتماع والدراسات النسوية ﭭروشالي ﭙاتل (Vrushali Patil)، بعنوان "الجنس، والنوع الاجتماعي، والجنسانية في التحديث الاستعماري: نحو علم اجتماع الوشائج في العالم الافتراضي"، على ما يذكرنا بادعاءات شيليام من أنّ البنى الخطابية من "الهامش" الاستعماري تُخلف وراءها إرثًا مميزًا في "المركز" الإمبريالي. تنتقد ياتل البناء اللاتاريخي لعوامل النوع الاجتماعي، والجنس، والجنسانية في الدراسات النسوية وحقل دراسات الشواذ التي تتجاهل العَلاقات الاستعمارية التي تُشكل الأساس لهذه العوامل. والمقاييس الزمنية التي تُشكل بنيات هائلة مثل هذه: فهناك المواجهات بين البعثات الاستعمارية الأوروبية والكاثوليكية في "العالم الجديد" وما ظنوا أنه جنسانية مُفرطة عند النساء الأمريكيات من أصول هندية في القرنين السادس عشر والسابع عشر؛ وهناك أيضًا الحكايات التي حملها معهم أفراد هذه البعثات عند عودتهم إلى أوروبا والتي أثّرت كثيرًا في السرديات الاستعمارية للاسترقاق الأفريقي في القرن الثامن عشر. وفي سياقٍ متصلٍ، أدّت الحاجة إلى الحفاظ على العَلاقة الجنسية الغيرية عند الذكور البريطانيين من التهديدات الحسية المتربصة في الهند، في وقت لاحقٍ، إلى تشريع قانونٍ مناهضٍ للمثلية في قانون العقوبات الهندي في عام 1860. وانتقل تشريع القانون ذاته إلى المستعمرات البريطانية الأخرى؛ ليعود بعد ذلك إلى مركز الإمبراطورية. بناءً على ذلك، فإنّ النوع الاجتماعي، والجنس، والجنسانية في المجتمعات "الغربية" لم تتطور بشكلٍ ذاتي من القرن السادس عشر، بل تأثرت باستمرار في تشكلها وصوغها بتداول السرديات الاستعمارية. لكنّ ذلك لا يعني أنّ المواجهة الإمبريالية أنتجت مجموعة من ثنائيات النوع الاجتماعي، والجنس، والجنسانية المُهيمنة؛ بل، على الأصح، إنّ تعدّد سُبل المقاومة، والتواطؤ والتفاوض قد أنتج "ثنائيات ومعايير مغايرة متعددة لتحقيق الأغراض المتنوعة للمشاريع الحضرية، والاستعمارية، وأيضًا المناهضة للاستعمار"10.
عمل "علم الاجتماع التاريخي العالمي"، بوصفه نظامًا معرفيًا ومنهجيًا، على زعزعة السرد المعياري للتحديث والتقدم. إذ قوّض ثبات الفئات وأصل منشئها، وخلخل الحدود الفاصلة بين النظرية والتاريخ. ويعتبر فعل الخلخلة ذاكَ تدخلًا في النفور التقليدي من النظرية في البحث التاريخي. إنه يرمي إلى البرهنة على أهمية التأريخ للنظرية وأيضًا التنظير للتاريخ في المشروع المعني بتقويض بنية الاستعمار. وزيادة على ذلك، يدعم "علم الاجتماع التاريخي العالمي"، ويتبنى فكرة علوم اجتماع وتواريخ متصلة ومترابطة بدلًا من أن يكتفي – بسهولةٍ ويسرٍ – باقتراح "بديل"، وبالتالي "آخر" يحلّ محلّ التخصص الرئيس لعلم الاجتماع، مثلما تقول بذلك الكتب الأخرى التي أسلفنا مناقشتها، وسوف يعني ذلك التخلص من بناء التواريخ المنفصلة الذي يُلمح إلى أنّ المجتمعات قبل أنشطة الحركة الاستعمارية، والاسترقاق، والتحرير كانت توجد في حالة "سابقة عن التواصل" وبدائية ونقية. إن الغاية النسقية لهذا العلم الخاصة بتخطي الحدود القومية لا تتلخص، ببساطةٍ، في إثبات أنّ المنطق والسيرورات الاجتماعية كانت عبر قومية على الدوام، بل إنها تتلخص في إظهار الاستعمالات الإقصائية للقوة التي تُعرف الحدود النهائية للدول والأمم، وأيضًا تفكيكها - مثلما تأمُل.
تتحدث الكتب الثلاث في هذه المراجعة النقدية حول فكرة الإمبريالية والمساعي لمحوها في الجزء الأكبر من علم الاجتماع المعاصر، مثلما يظهرُ جليًا في افتراضاته وادعاءاته بشأن التحديث. إنّ علم الاجتماع الذي يُنظر إليه بوصفه مُنبثقًا ذاتيًا من "الغرب" الصناعي، ثم صُدِرَ تدريجيًا إلى أرجاء العالم "الباقية"، لا يُرحب بفكرة أنّ التحديث ربما كان سابقًا في حدوثه على الغرب، وأنّ الحداثة كانت متعايشة على الدوام بفضل التأثير المتقاطع والمتواصل إلى ما لا نهاية، والتأسيس على نحوٍ متبادل لرأس المال، والأفكار عبر الحدود. ولو راعى علم الاجتماع الكثير من العجائب العلمية والتكنولوجية العسكرية التي أُنتِجت وتطورت في الصين القديمة والعصر الإسلامي الذهبي، وتعامل معها بوصفها نماذج مُبكرة لـ "التحديث"، لكان هذا العلم نظامًا معرفيًا مختلفًا تمام الاختلاف اليوم. لكنّ الحكم بشأن سؤال: هل يتطلب هذا الأمر إعادة تشغيل زر الضبط؟! لا يزال مُعلقًا. يخضع ما هو "اجتماعي" للمساءلة في هذه النصوص الثلاثة ربما على نحو متوقعٍ إلى حدٍ ما. ويستدعي تعريف دوركايم لهذا "الاجتماعي"، بسبب تشوقه العلمي إلى فهمه، تماهيًا جماعيًا، ووعيًا متجردًا من الصلات الثقافية واحتمالات العلائقية الحركية (الدينامية). إنّ تكرار تقديم "الاجتماعي" يكتسب أهميةً متناميةً حاليًا لدوره في التأكيد على العلاقات القائمة خارج حدود الأمة والدولة؛ إذ إنه، أي الاجتماعي، يسترد ما هو إنساني فضلًا عن استرداده مُثل الجماعات المحرومة من الانتماء إلى الأمة ومن حق المواطنة. في هذا الجانب، لاحظ بينوي كومار ساركار أنه: "قد تأتي الدولة وقد تذهب، لكنّ الشعوب تستمر إلى الأبد، وقد تستمر في تأسيس شراكات، أو دول جديدة وفق الاحتياجات الراهنة"11.
ومع أنّ تقويض بنية الاستعمار هو موضوعٌ رائجٌ في الحقل الأكاديمي في هذه الأيام، يُفضل توخي الحذر، أيضًا، من الاستحواذ عليه؛ إذ تقع عملية إنتاج النصوص التي ترمي إلى تفكيك نظرية المعرفة المستندة إلى المركزية الأوروبية ضمن أنظمة إدامة الأسواق التنافسية لبحوث "القيمة" المُضافة12. يُمكن لتقويض بنية الاستعمار، بوصفه مجالًا بحثيًا مناسبًا ورائجًا، أن يُساعد في الحصول على وظيفةٍ أكاديميةٍ، أو فرصٍ للترقية، أو الانتقال إلى جامعات أخرى. لكنه قد يُبقي على البنى الرأسمالية للمكانة الاجتماعية، والامتياز الأبيض، والإقصاء المبني على العرق في الجامعات كما هي من دون تغيير؛ ولذا، اقترح أستاذ التاريخ اندرو زمرمان (Andrew Zimmerman) في الفصل الأخير من "علم الاجتماع التاريخي العالمي" إطارًا منهجيًا بوصفه مسارًا للمقاومة النسبية في ظل الظروف الراهنة. يُخاطب الفصل، ظاهريًا، الحقل الأكاديمي الغربي؛ إذ "يجب علينا أن نُصغي إلى التقاليد الثورية الناشئة في أفريقيا ومجتمعات الشتات، والتقاليد الأكاديمية التي برزت خارج أوروبا والولايات المتحدة". واستشهد زمرمان بسياسة التحالف للفيلسوفة والناشطة النسوية ماريا لوغونز (Maria Lugones) بوصفها ممارسةً منهجيةً، مع لحظ احتمال تأثرها بمفهوم "الائتلاف" الذي قدمته المنظرة النسوية السوداء بيرنيس جونسن ريغن (Bernice Johnson Reagon) التي ترى أنّ الممارسات المساواتية في إنتاج المعرفة تبدأ من معالجة الاختلافات عبر الثقافية بوصفها ائتلافًا يعمل من نقاط انطلاق متعددة نحو نضال مشترك. وتستحق الكتب الثلاثة في هذه المراجعة، كُلٌّ منها بطريقته الخاصة، الثناء والتقدير لفعلها هذا وتجديدها الحوار بشأن التفكير الحدودي13 وعلم الاجتماع عبر الثقافي الماضي في رحلةٍ طويلةٍ نحو تنوعٍ فكري أكبر في البيئة الأكاديمية العالمية.
Abbott, A. Time Matters: On Theory and Method. Chicago: University of Chicago Press, 2001.
Alatas, Syed Farid & Sinha, Veneeta. Sociological Theory Beyond the Canon. London: Palgrave Macmillan, 2017.
Ghoshal, K.S. Sarkarism: The Ideas and Ideals of Benoy Sarkar on Man and his Conquests. Calcutta: Chuckervertty Chatterjee, 1939.
Go, Julian & Lawson, George. Global Historical Sociology. Cambridge: Cambridge University Press, 2017.
Izharuddin, Alicia. "Does sociology need decolonizing?," International Sociology Reviews, Vol. 34, Issue 2, 2019.
Sarkar, B.K. Villages and Towns as Social Patterns. Calcutta: Chuckervertty Chatterjee, 1941.
Spickard, James V. Alternative Sociologies of Religion: Through Non-Western Eyes. New York: New York University Press, 2017.
1 - Sarkar BK, Villages and Towns as Social Patterns (Calcutta: Chuckervertty Chatterjee, 1941), p. 573.
2 - Syed Farid Alatas and Veneeta Sinha, p. 282.
3 - مفهوم قدمه ماكس فيبر في كتابه الأخلاق البروتستانية وروح الرأسمالية، لكنه لم يستخدم هذه العبارة بنفسه، بل صاغها عالم الاجتماع الأمريكي تالكوت بارسونز في ترجمته للكتاب الذي نُشِرَ في 1930. يدلُ "القفص الحديدي" على ارتفاع نسبة العقلنة في الحياة الاجتماعية الحديثة لا سيما في المجتمعات الرأسمالية الغربية حيث يقع الأفراد في قبضة النٌّظُم المبنية على الكفاية الغائية والحسابات العقلانية الصارمة (المترجم).
4 - العبارة في الأصل هي "Kitchen Ministry"، ولها تسمية أخرى هي "Culinary Ministry"، ويُمكن ترجمتها إلى "خدمة الطبخ أو الطهي". لكني فضلت ترجمتها إلى "خدمة تقديم الطعام الدينية" بعد قراءة ما تيسر من معلومات عنها. يعتمد هذا النوع من الخدمات على العمل التطوعي، وغايته تقديم الطعام والشراب للمحتاجين من مرتادي الكنائس والمؤسسات الدينية وأيضًا الغرباء إضافة إلى العمل على تلبية احتياجاتهم الأخرى. والمطبخ، تقليديًا، هو الموقع الرئيس لهذا العمل المبني على دوافع دينية. تعمل النساء في طهو الطعام والحفاظ على نظافة المطبخ وتأمين التجهيزات اللازمة له.
5 - النافاجو أو النافاهو؛ قبيلة من الهنود الأمريكيين كانوا يقطنون ولايات أريزونا ونيومكسيكو ويوتا. اشتهروا بالبراعة في صناعة النسيج وصياغة الحلي الفضية، وتعرضوا لحروبٍ غير متكافئة شنها عليهم المستوطنون (الأوروبيون) الذين أبادوا مواشيهم، وأحرقوا محاصيلهم. لكنهم استعادوا قوتهم، ويعيشون حاليًا في مناطق الجنوب الغربي من الولايات المتحدة. انظر: شاكر مصطفى سليم، قاموس الأنثروبولوجيا، ط1، الكويت، جامعة الكويت، 1981، ص667-668.
6 - "الاستحواذ الثقافي" أو "الاستيلاء الثقافي" هو تبني أفراد ثقافة معينة لممارسات ثقافة أخرى وقيمها وأفكارها. يبدو فعل الاستحواذ أو الاستيلاء جليًا في شيوع الأزياء والموسيقى واللغة والرموز الخاصة بثقافةٍ مُهيمنةٍ بين أفراد ثقافةٍ أضعف منها، وهو يختلف عن التثاقف أو الاستيعاب الثقافي أو التبادل الثقافي، من حيث إن الاستيلاء أو الاستحواذ هو أحد أشكال الاستعمار حيث تفقد العناصر الثقافية معناها الأصلي وتتعرض للتشويه في الثقافة الحاضنة (المترجم).
7 - Abbott A, Time Matters: On Theory and Method (Chicago, University of Chicago Press, 2001), p. 39.
8 - Julian Go and George Lawson, p. 5.
9 - علم الاجتماع العلائقي هو مجموعة من النظريات الاجتماعية المستندة إلى أعمال هاريسون وايت وتشارلي تلي في الولايات المتحدة وبايرباولو دوناتي ونك كروسلي في أوروبا. يستثمر هذا العلم في علم الوجود الاجتماعي الذي يدعوه تلي ودوناتي بـ"الواقعية العلائقية" أو العقيدة التي تُفيد أن: "التعاملات والتفاعلات والصلات الاجتماعية والحوارات تؤلف العناصر الرئيسة للحياة الاجتماعية" (المترجم).
10 - Julian Go and George Lawson, p. 152.
11 - Ghoshal Sk, Sarkarism: The Idea and Ideals of Benoy Sarkar an Man and his conquests (Calcutta: Chuckervertty Chatterjee, 1939), p. 31.
12 - القيمة المضافة (Value Added): هي القيمة التي تُضاف إلى المنتج خلال كل مرحلة من مراحل الإنتاج والتوزيع بعد العمليات التحويلية والتشغيلية التي تجري عليه؛ أي أنها الإضافة التي تقدمها الشركة للمنتج من خلال معالجتها للمواد الأولية التي يتألف منها (المترجم).
13- هو التفكير من الخارج باستخدام تقاليد معرفية بديلة ولغات تعبير بديلة. وهذا النوع من التفكير مُستمدٌ من نظرية إنهاء التبعية. والمنظرة النسوية الأمريكية غلوريا إيفانجيلينا انزوالدوا هي أول من عَرَف به في كتابها المناطق الحدودية/ لافرونتيرا: الهجين الجديد، ثم تطور على يد مجموعة من المفكرين المعنيين بإنهاء التبعية. هذا التفكير مبني على فكرة جوهرية مفادها أن على الجانبين التنظيري والابستيمي-المعرفي أن يشتملا على بُعدٍ معاشٍ، وأنّ النظريات تُوجد سلفًا عند حدود مصفوفة القوة الاستعمارية (إذا لم تكن خارجها). والمقصود بـ"المعاشة" هنا هي تجارب الأفراد والجماعات التي أقصاها التحديث عن عملية إنتاج المعرفة (المترجم).