OPEN ACCESS
تاريخ الاستلام: 21 فبراير 2022 تاريخ القبـــــــــــول: 16 يونيو 2022
مقالة بحثية
معجم الأخلاق في مدونة طه عبد الرحمن: مدخل منهجي لدراسة المفهوم الأخلاقي
محمد هُمَام
أستاذ اللسانيات القانونية وتحليل الخطاب، جامعة ابن زهر، المملكة المغربية
m.houmam@uiz.ac.ma
ينطلق البحث من أنَّ (المفهوم الأخلاقي) هو المادة الأساسية التي اشتغل عليها طه عبد الرحمن في مشروعه العلمي الفلسفي، ويكاد يكون حجرًا أساسًا لمدونة قائمة الذات في مجال (فلسفة الدين)، وتقوم المدونة على مجمعات مفاهيمية واصطلاحية. وسعى البحث إلى الكشف عن أصولها النظرية، وعن مقتضياتها الفكرية واللسانية والمنطقية، فعرض البحث منهج طه عبد الرحمن في وضع المفاهيم الأخلاقية من خلال استثماره لإمكانات اللغة العربية، من حيث: التراكيب والاشتقاق، والصيغ الصرفية، ومن خلال المقابلة، وتماثل الصيغ، وتماثل مقاطع الكلمات، لعكس التقارب في المفاهيم الأخلاقية، وعرض البحث خصائص المعجمية الأخلاقية في مدونة طه عبد الرحمن، من خلال نقد مجهود ابن رشد في توظيف المفهوم الأخلاقي المنقول عن النص الفلسفي اليوناني عبر آليتي (التلخيص) و(الشرح)، ومن خلال تقويم طه لأعمال الترجمة العربية للمفهوم الأخلاقي اليوناني. وقد استثمر طه في تقويمه للترجمة العربية للمفهوم الأخلاقي نظرية اللسانيات التداولية، ونظرية التخاطب الحديثة، وهو تقويم يقوم على اعتبار اللسان الطبيعي نسقًا مترابط العناصر، وليس قاموسًا للمفردات المجزأة. كما تناول مجهود طه في توفير المستند الفكري للغة الفلسفية وللمفهوم الأخلاقي، من خلال: لغة علم الكلام، ولغة التصوف، ولغة علم الأصول، ولغة علم التفسير... وخلُص البحث إلى أنَّ المفهوم الأخلاقي في مدونة طه عبد الرحمن ينشأ داخل نسق متكامل من منظور تداولي وتخاطبي وتقريبي وترجمي واصطلاحي.
الكلمات المفتاحية: المجال التداولي، التقريب التداولي، العمل، النظر، الأخلاق
للاقتباس: همام، محمد. "معجم الأخلاق في مدونة طه عبد الرحمن: مدخل منهجي لدراسة المفهوم الأخلاقي"، مجلة تجسير،المجلد الرابع، العدد 2 ، 2022
https://doi.org/10.29117/tis.2022.0101
© 2022، همام، الجهة المرخص لها: دار نشر جامعة قطر. تم نشر هذه المقالة البحثية وفقًا لشروط Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0). تسمح هذه الرخصة بالاستخدام غير التجاري، وينبغي نسبة العمل إلى صاحبه، مع بيان أي تعديلات عليه. كما تتيح حرية نسخ، وتوزيع، ونقل العمل بأي شكل من الأشكال، أو بأية وسيلة، ومزجه وتحويله والبناء عليه، طالما يُنسب العمل الأصلي إلى المؤلف.
OPEN ACCESS
Submitted: 21 February 2022
Accepted: 16 June 2022
Research Article
The Lexicon of Ethics in ṬāhāʻAbd al-Raḥmān’s Blog: A Methodological Introduction to study the Ethical Conception
Mohamed Houmam
Professor of Legal Linguistics and Discourse Analysis, Ibn Zohr University, Morocco
m.houmam@uiz.ac.ma
This research starts from that the (ethical conception) is the main topic for ṬāhāʻAbd al-Raḥmān scientific and philosophic project. The (ethical conception) considered a corner stone of established blog in (religion philosophy). ṬāhāʻAbd al-Raḥmān’s Blog consist of conceptual and lexical terminology. The research sought to reveal the ethic’s theoretical origins, and its intellectual, linguistic and logical requirements. The research presented ṬāhāʻAbd al-Raḥmān’s approach in developing Ethical concepts through using the potential of the Arabic language, in terms of grammar, derivation, morphology, through contrasting, similarity of formulas and similarity of words syllables, to reflect the convergence in ethical concepts. The research presented the characteristics of lexicon ethics in ṬāhāʻAbd al-Raḥmān’s Blog, by criticizing Ibn Rushd’s effort in implementing the ethical concept that taken from the Greek philosophical content through summarization (al-Talkhīṣ) and explanation (al-Sharḥ), and through Ṭāhā’s evaluation of the works of the Arabic translation for the Greek ethical concept. While he is correcting the Arabic translation for the ethical concept, Ṭāhā has put into use the theory of pragmatics and the conversation theory, the correction done based on assuming that the natural language is a coherent system of elements and not a set of fragmented vocabulary. It also dealt with Ṭāhā’s effort in providing the intellectual reference for the philosophical language and the ethical concept, through the language of theology, mysticism, the science of principles, and the language of hermeneutics. The research concludes that the ethical concept for Ṭāhā ʻAbd al-Raḥmān constructs within an integrated system from a pragmatic, conversational, approximate, translational and idiomatic perspective.
Keyword: Deliberative field; Deliberative approximation; Action; Consideration; Ethics
Cite this article as: Houmam, M., "The Lexicon of Ethics in ṬāhāʻAbd al-Raḥmān’s Blog: A Methodological Introduction to study the Ethical Conception," Tajseer, Vol. 4, Issue 2, 2022
https://doi.org/10.29117/tis.2022.0101
© 2022, Houmam, licensee QU Press. This article is published under the terms of the Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0), which permits non-commercial use of the material, appropriate credit, and indication if changes in the material were made. You can copy and redistribute the material in any medium or format as well as remix, transform, and build upon the material, provided the original work is properly cited..
ترتبط المفاهيم الأخلاقية في مدونة طه عبد الرحمن ببقية الحقول العلمية المتعددة التي تشملها مدونته الفلسفية؛ وهي مدونة تحمل هم بناء مشترك فلسفي متوسلًا بالمعاني الإيمانية1. ويصعُب الإلمام بهذه المدونة من دون الإلمام بالمفاهيم؛ إذ هي المدخل الأول للإمساك بنظريته الأخلاقية ككل، وهي أم نظريات المدونة وضابط إيقاعاتها في المجالات الفلسفية والفكرية والسياسية. فطه لا يُخفي – وهو الفيلسوف المتدين – رغبته في تشييد صرح فلسفة دينية جديدة إدراكًا منه لما تتطلّبه اللحظة التاريخية الراهنة، بل يدرج مدونته العلمية في إطار مباحث "فلسفة الدين"، ولكنه يميزها عن "علم اللاهوت"؛ لأنها فلسفة تتوسل بالعقل، ولا تتفكر في ذات الله، وإنما في ذات الإنسان في علاقته بالله. كما يميز فلسفته الدينية عن "علم الكلام" وعن "علم أصول الدين"؛ إذ إنَّ فلسفة الدين التي يؤسسها لا تقصد الدفاع عن العقيدة ضد خصم معين، وإنما تجديد الفَهم لمكوناتها ومقتضياتها في سياق المستجدات الفكرية المعاصرة. كما تشتغل –عكس البحوث الكلامية المجردة – بالمسائل العملية المشخصة. واشتغل طه، في هذا السياق، على بناء معمار أخلاقي يغوص في أعماق الحياة وفي أعماق الإنسان. ووفر له مجمعات2 مفاهيمية واصطلاحية، وَفق رؤية نظرية ومقتضيات فكرية وتطبيقية صارمة، تنطلق من استثمار الإمكانات الفكرية، المنهجية والمعرفية، التي تتيحها اللغة العربية3. وهو ما سنعمل على رصده من خلال عرض رؤية طه ومنهجه في صناعة المفاهيم، والمفاهيم الأخلاقية على الخصوص، المنقول منها والمأصول، نقدًا، أو نقلًا، أو ترجمةً، أو إنشاءً، باعتماد منهج وصفي واستقصائي في متن طه عبد الرحمن.
أولًا: نقد تقريب القاموس الأخلاقي اليوناني
غلب تحديد جالينوس على تعريف الأخلاق في الممارسة المعرفية الإسلامية في التراث؛ أي الأخلاق بما هي حال للنفس داعية للإنسان أنْ يفعل أفعال النفس بلا روية ولا اختيار4. ويستند التعريف اليوناني للأخلاق على الاشتغال وَفق منهجية النظر ومنهجية التجريد؛ فمنهجية النظر تسمح بالحديث عن "الأخلاق النظرية" أو "الأخلاق الاستدلالية"، وهي "الأخلاق التي تتبع في استنباط أحكامها طرائق الانتقال من المقدمات إلى النتائج بمقتضى قواعد محددة"5. أما منهجية التجريد فهي انسلاخ عن العمل في تعدي فائدته إلى الغير وإلى الآجل.
وهذا البُعد النظري والتجريدي المتلبس بالأخلاق اليونانية، هو الذي سيخلق توترات في علاقة المنقول بالمجال التداولي الإسلامي العربي، ليس للقيم التسديدية والتأييدية التي يكتنز بها المجال، ولكن لأنَّ الحقيقة الخلقية، في أصلها، موصولة بالحقيقة الدينية وصل تداخل، حتى إنه لا فائدة ترجى من أي اعتبار لأحدهما لا يكون مقرونًا باعتبار الآخر. إلاَّ أن الأخلاق النظرية والتجريدية اليونانية نحت عكس ذلك، بل أفرغت مجموعة من المفاهيم الدينية من محتواها العقدي، وأسقطت الشعائر واحتفظت بمظاهر وجدانية ضيقة ومجردة، مثل ما فعل أفلاطون بالنسبة إلى مفهوم "التشبه بالله"، ومفهوم "التشوق" أو ما فعله أرسطو الذي أسقط الشعائر والوجدان معًا6.
والطابع النظري التجريدي للأخلاق اليونانية هو الذي استدعى من المفكرين المسلمين الدخول في عمليات تقريب وَفق المقتضيات العملية للأصول التداولية وهي: "الاستعمال اللغوي" و"الاشتغال العقدي" و"الإعمال المعرفي". وسيقتصر البحث لأسباب منهجية على مقومات التقريب اللغوي لمفهوم الأخلاق في مدونة طه عبد الرحمن.
ابتدأ طه بحثَه في آليات تقريب الأخلاق اليونانية، بصياغة دعوى التقريب التداولي للأخلاق، كالآتي: "إذا ظهر بطلان القول بأنَّ عناية علماء الإسلام ومفكريهم بعلم الأخلاق قلَّت عن عنايتهم بغيره من المعارف الفلسفية، ظهر كذلك أنَّ هذه العناية اتخذت صورة تقريب المنقول الأخلاقي بإخراجه عن وصفه التجريدي إلى وصف تسديدي يمدُّ جانبه اللغوي بالاستعمال وجانبه العقدي بالاشتغال وجانبه المعرفي بالإعمال"7.
وأثبت طه بطلان دعوى قلة اهتمام علماء الإسلام بمجال الأخلاق، من خلال إثبات صلة الشريعة الإسلامية بالأخلاق وإبراز الخصوصية الاستشكالية والاستدلالية للمسألة الأخلاقية، من خلال توضيح قضايا الكليات الأخلاقية الفطرية؛ فارتباط الشريعة بالأخلاق تجسده الوظيفة الكبرى لنبي الإسلام ﷺ، والتي يختزلها الحديث الشريف "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"8،الذي يشكل محور النظرية الأخلاقية التي تدور حولها المفاهيم الأخلاقية في مدونة طه عبد الرحمن العلمية.
وقد أُخذت الأخلاق الإسلامية – بنظر طه – بنمطٍ في الاستشكال الفلسفي مخالفٍ لنمط اليونان، وبنهج في الاستدلال مخالف لنهج اليونان؛ فترك النمط اليوناني مطلب ضروري ومدخل أساس لاكتشاف معالم الخصوصية والتميز في النظرية الأخلاقية الإسلامية وفي منظومة المفاهيم الأخلاقية، والتي تستمد مرتكزاتها، بنظر طه، من ثلاثة علوم محورية هي: "علم الفقه" و"علم الكلام" و"علم التصوف والسلوك". كما أنَّ اقتناع المسلمين بالصبغة الفطرية للدين جعلهم ينظرون إلى معانيه السلوكية التي يشترك فيها مع علم الأخلاق، بما فيها من معان فطرية بمثابة كليات أخلاقية مشتركة بين الناس جميعًا. وهذا ما يفسر تعدد المصادر الأخلاقية في الفلسفة الإسلامية بين الفيثاغورية والرواقية والأفلاطونية المحدثة، كما لا يخطئ الباحث ملاحظة الأفكار الأخلاقية لـ"أفلاطون" و"أرسطو" و"جالينوس". وهذه الكليات مبثوثة في الثقافات ولا تُنسب لثقافة دون أخرى. وتنقسم الكليات إلى قسمين: كليات عقلية، نالت اهتمام الباحثين وحظيت بدراساتهم، وكليات عملية ومنها الأخلاقية، كان تناولها محدودًا، وقد تتناول ضمن الكليات العقلية.
ويثبت هذا كله، بنظر طه، أنَّ الأخلاق جزءٌ لا يتجزأ من البنية الفكرية والفلسفية الإسلامية، كما أنَّ اهتمام المسلمين بها لا يقل عن اهتمام علماء الأمم الأخرى؛ وهو الأمر الذي ما فتئ طه يذكر به في مدونته؛ فقد وجد علماء الإسلام أنفسهم مضطرين للدخول في عمليات تقريب متعددة الأوجه والمستويات؛ لإدخال مفاهيم الأخلاق اليونانية وإدماجها في بنية المجال التداولي الإسلامي، هذه المفاهيم الأخلاقية التي وردت على هذا المجال متلبسة بطابعها النظري التجريدي.
وارتبط الطابع التجريدي للمفاهيم الأخلاقية اليونانية بمختلف أصول المجال التداولي الإسلامي، إنْ لغةً أو عقيدةً أو معرفةً. فكان التجريدُ لُغويًّا؛ لارتباط المفاهيم الأخلاقية اليونانية المنقولة بأصول لغتها، مما اقتضى، وَفقًا للتقريب اللغوي، تزويدها بقوة استعمالية في ارتباط وثيق باللغة العربية، وكان التجريدُ عَقديًّا؛ لارتباط أحكام المفاهيم الأخلاقية اليونانية بسياستهم المدنية ومقتضياتها، فعمل المقرِّب المسلم على تزويد هذه الأحكام، وَفقًا للتقريب العقدي، بقوة اشتغالية في ارتباط وثيق بالعقيدة الإسلامية، وكان التجريد معرفيًا؛ لتوسل المفاهيم والأحكام الأخلاقية اليونانية بالحكمة النظرية، فاقتضى التقريب المعرفي تزويد هذه المفاهيم والأحكام بقوة إعمالية في ارتباط وثيق بالمعرفة الإسلامية العربية.
لم يكن إذن تقريب المفاهيم الأخلاقية اليونانية إلى المجال التداولي الإسلامي سوى ممارسة عمليات تصحيح وَفق قواعد الأصول التداولية؛ فكان التصحيح تفضيليًا9، بصرف الأسباب اللغوية والعقدية والمعرفية المثبتة أفضلية المفاهيم الأخلاقية اليونانية؛ حتى تنفرد الأخلاق الإسلامية بذلك التفضيل، وكان التصحيح تأصيليًا10، بصرف أوصاف معاني وأحكام المفاهيم الأخلاقية اليونانية المنقولة، أو بعضها؛ حتى لا تتصادم مقتضيات التداول الأصلي، وكان التصحيح تكميليًا11، بالتصرف في معنى أو في حكم المفهوم الأخلاقي المنقول تصرفًا يجعله يتماهى مع حكم المفهوم الأخلاقي المأصول.
ولما كان اهتمام البحث منصبًا على البُعد المنهجي في دراسة المفهوم الأخلاقي، فسنرى كيف اشتغلت الآليات اللغوية لتقريب هذا المنقول/ المفهوم الأخلاقي اليوناني بكل حمولاته النظرية والتجريدية، وتسليمه بأفضلية اليونان على باقي الأمم؟
لقد ربط اليونان بين مفاهيمهم الاصطلاحية لألفاظ الأخلاق ومعانيها اللغوية؛ لإيمانهم بأنَّ اللغة اليونانية أشرف اللغات، وهي الْأَوْلَى بمدهم بأسباب الدلالة والاستدلال في إنشاء نصهم الفلسفي والأخلاقي الذي يعنينا الآن.
ووقف طه عند ثلاثة مصطلحات تُعبر عن مدى تشبُع النص الأخلاقي اليوناني بمقتضيات لغتهم، إثر التفاعل العميق بين المعنى الاصطلاحي والمعنى اللغوي وتأسيس الأول على الثاني، وهذه المصطلحات/ المفاهيم هي: "الخلُق"، و"الفضيلة" و "العدل" عند أفلاطون وأرسطو على الخصوص12. وهذا الارتباط بين المعنيين: الاصطلاحي واللغوي هو الذي يُحدث تفاوتًا في إدراكها لما ينقل المفهوم الأخلاقي إلى اللغة العربية؛ ذلك أنَّ الدقائق الدلالية والوجوه الاستعمالية التي تأسس وفقها المفهوم في لسان اليونان لا تكون مستحضرة عند عملية النقل، مما يُؤثر سلبًا على إدراك حقيقة أحكامها وإشكالاتها، وهذا ما يبرر القيام بعمل تقريبي لهذه المفاهيم الأخلاقية وَفق مبدأ الاستعمال اللغوي الخاص بمجال التداول العربي.
وهكذا اشتغل المقرِّب المسلم بآليات لغوية ذات طابع تبليغي وذات طابع تأديبي؛ فالأسباب اللغوية ذات الطابع التبليغي ترتبط بقاعدة الإنجاز التأصيلية، وتقوم على مراعاة شروط التواصل بين المتخاطبين والانتباه إلى معوقات ذلك، هذه الشروط التي حصرها طه في "فصاحة الألفاظ" و"صحة المعاني" و"شهادة الأصول"؛ ففصاحة الألفاظ تتحقق بـ"مطابقة اللفظ للمعنى"، و"مناسبة المعنى للفظ". وفي هذه الحالة إما أن يوافق الوصل العربي من خلال التقريب بين المعنيين اللغوي والاصطلاحي للمفهوم الأخلاقي، الوصل اليوناني، وإما أن يخالفه، ففي الأولى يكون هناك استثمار متشابه للمفهوم، بين المجالين، وفي الثانية يلجأ المقرِّب المسلم إلى توسيع المعنى الاصطلاحي، وقد يستغني عن المعنى اللغوي اليوناني ويضع مكانه معنى لغويًا عربيًا وتداوليًا. والموافقة في الاستثمار للمفهوم بين المجالين، يجسده مفهوم "الفضيلة"، مثلًا، في حين يجسد مفهوم "الشريعة" الاختلاف في الاستثمار مما يستدعي توسيع معنى المفهوم الاصطلاحي. أما التباعد الكبير بين الاستثمارين فيتجسد – بنظر طه – في مفهوم "الخلق" الذي يفرض على المقرب المسلم استبدال المعنى اللغوي العربي بالمعنى اليوناني مما يحدث انقلابًا في أدوار المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي، ويفتح آفاقًا لاستثمار المصطلح.
أما شرط "صحة المعاني" فيشتغل بناء على آلية المقابلة من جهة الموافقة، أي مقابلة المعنى بشبيهه، أو من جهة المخالفة، أي مقابلة الضد. وتتخذ آلية المقابلة في هذه الحالة صورًا معجمية وأُخرى تركيبية؛ فالمقابلة المعجمية تحصل بإيراد المقابل العربي للمصطلح اليوناني، وذِكر الألفاظ التي تنتمي لحقله الدلالي موافقة أو مخالفة. وبالتقابلات المعجمية يستطيع المفهوم الأخلاقي اليوناني الحركة داخل بنية الحقل الدلالي العربي، والتزود بما يعوِّض المعاني اللغوية اليونانية في حالة التخلي عنها عند التقريب.
أما الصورة التركيبية لآلية المقابلة فتكون بوضع ألفاظ من التداول الإسلامي إلى جانب المفهوم الأخلاقي اليوناني، وهي قريبة منه في العبارة الواحدة، سواء أكانت هذه الألفاظ التداولية أمثالًا أم أضدادًا، مثل "الشهوة والهوى" و"الشجاعة والحلم". فمصطلحات "الشهوة" و"الشجاعة" يونانيان، و"الهوى" و"الحلم" لفظان عربيان يحملان الدلالة نفسها، مع قيود تداولية خاصة.
وبفضل التقابل التركيبي تتوثق صلات المعاني اللغوية والاصطلاحية، وتلتحم معاني المفاهيم الأخلاقية المنقولة بالمعاني المأصولة في اللسان حتى يصعب التفريق بينهما.
وأما شرط "شهادة الأصول"، فيقوم على الاستشهاد بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تؤيد المعاني الأخلاقية المنقولة لتكون المفاهيم الأخلاقية المنقولة مشدودة بأسباب تداولية إلى هذه النصوص المرجعية مما يُضفي عليها مشروعية أكبر. كما يؤدي النظر في المصطلح المنقول من خلال الآيات القرآنية والأحاديث النبوية إلى حدوث تغيير في مضمون المصطلح المنقول من جهة دلالته اللغوية أو الاصطلاحية، ويكون التوسل في التغيير بآليات لغوية تقريبية ذات الطابع الصوري، والتي أشار إليها طه في أكثر من موضع، وهي: "آلية الحذف" و"آلية الإضافة" و"آلية القلب" و"آلية الإبدال"، فمن خلال هذه الآليات على التوالي يتم إسقاط بعض السمات الدلالية المقترنة بالمصطلح المنقول، والزيادة في سمات دلالية أُخرى، وتغيير رُتب سمات أخرى، وترك عنصر أو أكثر من سمات المفهوم الأخلاقي اللغوية والاصطلاحية، والإتيان بعنصر أو أكثر مكانه13.
وأما استعمال المقرِّب للآليات اللغوية ذات الطابع التأديبي فهي ذات صبغة بلاغية، ترتبط بقاعدة الإيجاز التكميلية التي ينبغي فيها على المقرب مراعاة شروط التفاعل بين المتخاطبين؛ شروط حصرها طه في ثلاثة، هي: "بلاغة الحكمة" و"تأثير الموعظة" و"تعيين المثل". وتتحقق الشروط من خلال استعمال الأنماط الأدبية المختلفة؛ فالحكمة تؤدي مقتضى الإيجاز ما دامت قولًا جامعًا وقيمة عملية مما يجعل المنقول أقرب إلى البيان العربي وأوفى بخواصه، كما أنَّ بُعدها العملي يصرف طابعه النظري مما يرقيه إلى مرتبة الحُجَّة في السياق التداولي الجديد. أما تأثير الموعظة فيحقق نقل المعنى الأخلاقي المنقول من خطاب التنظيم والتعريف، كما عرف به في سياقه اليوناني، إلى خطاب التوجيه والتكليف في السياق الجديد ما دامت الموعظة أمرًا بمعروف ونهيًا عن منكر، ترغيبًا أو ترهيبًا.
كما يتم صرف البُعد التقنيني عن معنى المفهوم الأخلاقي اليوناني المنقول وتزويده ببُعد تربوي واقعي أكثر تغلغلًا في مجال التداول الإسلامي العربي. أما تعيين المثل فينفع في وصل معنى المفهوم الأخلاقي المنقول بواقع الناس، وبما اشتهر من كلامهم، ما دام المثل إخبارًا بواقعة معينة، وإشعارًا بمعيار سلوكي معين، مما يرقي هذا المعنى الأخلاقي المنقول إلى درجة الدليل في مجاله التداولي الجديد.
وأبطل طه دعوى اعتبار مسلك التأديب الذي سلكه المقرب المسلم للمفاهيم الأخلاقية اليونانية مما ولَّد لنا أخلاقيات منتحلة وخالية من الاستدلال كانت سببًا في انحلال المجتمع لعباراتها القِصار، فأثبت طه أنَّ خروج المنقول عن أوصافه فرضته ضرورات التمثل والتوجيه والتوليد، مما يجعله "تقريبًا" وليس "انتحالًا"، كما أنَّ الحِكم والأمثال والمواعظ، لا تقل انبناء على الاستدلال المنطقي من الأخلاقيات النظرية. وليس بالضرورة الاستدلال في الأخلاق العملية كالحِكم والأمثال والمواعظ استدلالًا صوريًا، بل استدلالًا حجاجيًا قد تُحذف عناصره، لكن المخاطب يدركها لقرائن مقامية معلومة. كما تتجلى قدرة هذا الاستدلال الحجاجي في كونه يحملنا على التصديق حملًا، كما أنَّ صورة الاستدلال لا تنفصل عن مضمونه عكس الاستدلالات الصورية أو النظرية. والمفاهيم الأخلاقية المنقولة التي أصبحت قريبة ومتصلة بالمجال التداولي الجديد، هي ثمرة عمل وتجريب ودليل توجيه وتأثير، وهي أفضل من المفاهيم الأخلاقية الفكرية المجردة التي برغم أنها دليل بناء وترتيب إلا أنها منقطعة عن المجال التداولي ومفصولة عنه، مما يجعل هذه المفاهيم الأخلاقية النظرية دون المفاهيم الأخلاقية الأدبية درجات، فتكون الأخيرة عنصر تجديد للفكر، ومحفزًا للإبداع لا للتقليد.
وبإبطال هذه الدعاوى، يصل طه إلى أنَّ التقريب اللُغوي للمفاهيم الأخلاقية اليونانية يساهم بما لا يدع مجالًا للشك في طي التفاوت بين المعنيين اللغوي والاصطلاحي في المفاهيم الأخلاقية المنقولة، فيتحقق التداخل والترابط بينهما. هذا التداخل الذي يتحرك وفق المقاصد الأصلية للخطاب الأخلاقي الإسلامي، وتكتسب مفاهيمه قوة الاستعمال، فتنتظم هذه الأخلاق المنقولة في عمق البنية العملية لمجال التداول الإسلامي العربي14.
إنَّ البحث في آليات الاشتغال اللغوي، التداولي والتقريبي، سيفتح المجال أمام طه للتدقيق في قضايا التداول والتقريب، من حيث تجديد النظر في البلاغة وإنجاز نظرية في الترجمة وصناعة المفاهيم بناء على خلفيات علمية صارمة، وهذا ما سنعرض له.
ثانيًا: منهج وضع المفاهيم الأخلاقية
لقد وضع طه جملة من الآليات والطرق التي يحتاجها المتفلسف العربي للاقتدار على إبداع المفاهيم والتحرر من تقليد الغير، انطلق فيها من تحليل نماذج للإبداع المفاهيمي عند الفلاسفة المجتهدين وعند علماء الأخلاق في الغرب بلغاتهم الخاصة: اليونانية واللاتينية والألمانية والفرنسية، كما قام بتقويم الممارسة الفلسفية العربية للمفاهيم. وفي المقابل صاغ جِهازًا مفهوميًا ضخمًا، من حيث الاصطلاح والاستثمار، وظف فيه آلية المقابلة، لأنها بنظره، الأنجع لجعل المفهوم الفلسفي مفهومًا متمكنًا تمكنًا استدلاليًا، هذا التمكن الذي يتجلى في اكتساب المفهوم عند طه لقوى ثلاث، هي: "قوة الإقناع" و"قوة الإبداع" و"قوة الاتساع"15.
ولقد استفاد طه بشكل ملفت للنظر مما تسمح به اللغة العربية في إبداع المفاهيم، من حيث تراكيبها واشتقاقاتها وصيغها الصرفية، من خلال المقابلة وتماثل الصيغ وتماثل مقاطع الكلمات لعكس التقارب بين المفاهيم، كما تتجلى قدرته الفائقة في كونه لم يقتبس ألفاظًا مألوفة ليضعها بإزاء معان فلسفية مخصوصة، بل عمد إلى التصرف في صيغها بما يبرز بعض أجزائها على خلاف المعهود فيها، أو يعمد إلى اشتقاق الجديد من الألفاظ قياسًا على غيرها، أو مقابلة لها، أو تركيبًا بينها، أو إضافة لزوائد إليها، إن في صدرها أو في عجزها، مستثمرًا أقصى إمكانيات التوسع الصرفي في اللغة العربية، ومستثمرًا خصائصها في التعبير والتبليغ، والعمل بالفروق التي تختص بها الدلالات في هذه اللغة16.
ويميز طه في جهازه المفاهيمي بين نوعين من المفاهيم: نوع اجتهد في وضعه، ونوع من وضع الغير عمل على توظيفه بعد تزويد مدلولاته العبارية بجانب إشاري على قدر طاقة ذلك المفهوم المنقول17. ولا يخطئ المتتبع لهذا الجهاز المفاهيمي ملاحظة ولع طه بالكلمات الجديدة مما لم يجر على الألسنة، ويُرجِع طه ذلك إلى عَلاقته الخاصة باللغة واشتغاله بتأمل عجائبها إلى درجة الاكتواء بحروفها18. يُضاف إلى هذا، رغبة طه في تحرير القول الفلسفي العربي من تعسفات الأسلوب الترجمي، فكان من هموم مدونته العلمية، توسيع اللغة العربية وتحرير منطقها الداخلي، وبعث حركيتها الذاتية من جديد، في انفصال عن ضغط اللغات الأجنبية، كما أحيا طه في مدونته صيغًا تعبيرية واستدلالية من التراث وأبرز قدراتها الإجرائية المنطقية في أداء المعاني الفلسفية والأخلاقية والفكرية19.
وتشتغل الآليات المفهومية لطه على مستوى الأركان الأساسية التي تنبني عليها الفلسفة وهي: "الترجمة" و"التعبير" و"التفكير" و"السلوك"20.فقد قدَّم طه أعمال الترجمة للنص الفلسفي بِناءً على خصائص اللغة ومقتضيات البلاغة والبيان؛ ذلك أنَّ حاجة الترجمة إلى التزام الخصائص التعبيرية والمقتضيات التبليغية في تحديد أوصافها ربما تضاعف حاجة اللغة والبيان إلى ذلك، لأنَّا لا نبحث في الترجمة عن الأمانة كمعنى قيمي، ولكن نبحث عن "التبيين" كمعطى إجرائي دقيق، فنحن لا نقول ترجمة أمينة أو صادقة ولكن سليمة أو ركيكة، واضحة أو غامضة، بيِّنة أو مستغلقة، مثل ما نقول في اللغة والبيان21.
ويُضاف إلى ما تقدم، أن الترجمة العربية للنص الفلسفي، وهو الحاضن للمفاهيم الأخلاقية الكثيرة، تكونت تحت تأثير نص غير أصلي ولا نموذجي في المجال التداولي الإسلامي العربي، ولا أدلَّ على ذلك مما اكتنف المقولات الأرسطية المنقولة من أعراض اللغة اليونانية وارتباطها بـ "صور الإخبار" في اللسان اليوناني، ولكنها تُرجمت على أساس أنها محمولات كلية تقوم مقتضياتها بجميع الألسن على اختلاف أشكالها وأطوارها22. هذا ما جعل طه يعتمد في وضع آليات اشتغال مفاهيمي بناء على تصور راسخ وهو اختصاص كل أمة بمذاهب في الاصطلاح والتركيب والبيان، فكشف عن العلاقات الموجودة بين المفاهيم الفلسفية والأخلاقية وألفاظها المستعملة، ويذهب طه إلى درجة الاقتناع باستحالة التفلسف من غير أن نكون في اللغة ونسكن مجالًا خاصًا بها؛ لذا لا مناص – بنظره – من الاستناد في تبليغ المفاهيم الأخلاقية والفلسفات الصناعية والأفكار إلى جملة من المضامين التي تحملها الأقوال الطبيعية؛ حتى يسهل على المتلقي وصل المعارف الصناعية المنقولة إليه بالمعارف الطبيعية التي يدّخرها في ذهنه23. وسننشغل بالوقوف على الكيفية التي اشتغلت بها آليات طه في التصحيح والإبداع الترجميين في التعامل مع المفاهيم الفلسفية والأخلاقية، وفي الصناعة والإبداع الاصطلاحيين، لعَلاقته الوطيدة بالبحث.
ثالثًا: خصائص المعجمية الأخلاقية في مدونة طه عبد الرحمن
لقد تجدد الاهتمام بالترجمة عند الفلاسفة المعاصرين كما تجدد الاهتمام بالمسألة الفلسفية عند المترجمين المعاصرين على اختلاف طرقهم وتضارب نزعاتهم. ويرجع طه هذا إلى أن الفلسفة والترجمة، وبرغم ما يظهر من تمايز بينهما نظريًا ومنهجيًا، فقد ظلتا تجتمعان في الحال وتلتقيان في المآل، كأن الترجمة وسيلة للفلسفة والفلسفة غاية للترجمة، إضافة إلى أن وضع الترجمة في الخطاب الفلسفي يختلف عن غيره من الخطابات الإنسانية الأخرى24.
وهذا التشابك بين الترجمة والفلسفة هو الذي جعل طه يعتبر معالجة مقتضيات الترجمة مدخلًا أساسيًا للإبداع الفلسفي، فانتقد أطروحة العلاقة بين الترجمة والفلسفة، كما راجع مفهوم الفلسفة في أركانها الأربعة: "العقلانية" و"الشمولية" و"المعنوية" و"التبعية"، وقدم نموذجًا نظريًا في ترجمة النص الفلسفي وطبَّقه في ترجمة "الكوجيطو" الديكارتي إلى العربية.
وليس غرض البحث هو العرض المسهب لنظرية طه في الترجمة بتفاصيلها، وإنما بسط العناصر التي لها عَلاقة مباشرة بمجاله، وهي آليات الاشتغال اللغوي في منهجية التعامل مع المفاهيم الأخلاقية، إنَّ تقويمًا للنص المترجم في الفلسفة العربية أو لبعض الأفكار عن الترجمة في الفلسفة الغربية، أو إبداعًا لنموذج نظري في الترجمة كما قدَّمه طه في الجانب الذي يبرز آلياته الاشتغالية.
1. نقد آليات الاشتغال الترجمي العربي في توظيف المفهوم الفلسفي والأخلاقي: ابن رشد نموذجًا
يصطدم الباحث في مشروع طه بأحكامه القاسية على ابن رشد؛ إذ يعتبره واضع أصول التقليد في الفلسفة، وأبرز مشرِّع لـه، وهو الذي أمدَّ المحدثين بمشروعية هذا التقليد وسهَّل عليهم طريق ممارسته. وقد برز تقليده، عند طه، حتى في كتبه التي تصنف عادة ضمن تآليفه الإبداعية، مثل: "تهافت الفلاسفة" و"الكشف عن مناهج الأدلة" و"فصل المقال"25. وفلسفته، بنظر طه، غير مأصولة؛ لعدم انبنائها على المعارف الإسلامية، ولا هي فلسفة مفتوحة تداخلت مع هذه المعارف، وإنما هي فلسفة مفصولة؛ أي منقولة غير متداخلة مع المعارف الإسلامية، ولكنها مستأنفة لفكر أرسطو ومجرِّدة إياه من كل التأثيرات الإسلامية26. ويُسمِي طه هذا النوع من التداخل، بـ"التداخل المنفصل"، وتكون فيه عبارة المؤلف التي يواصل بها عبارة المنقول الفلسفي طريقًا إلى فصل العبارة الأخيرة عن مجال التداول الإسلامي العربي، بحيث يصوغ المؤلف عبارته على الوجه الذي يجعلها تدور وكأنها بنت المجال التداولي للعبارة المنقولة27.
وإذا كان نقد طه لابن رشد قد يبدو قاسيًا من الوجهة الفكرية، وربما غير مستساغ عند الرشديين، فإننا نعتقد أن نقد طه لابن رشد من جهة آليات الاشتغال الترجمي قد اتسم بالموضوعية اللازمة المفضية إلى الصرامة العلمية، مما يدفع عن هذا النقد احتمالات التحيز أو التحامل.
يرى طه أنَّ تقويم أعمال الترجمة العربية يتطلب – بالإضافة إلى معرفة اللسان والفلسفة وعلم الأخلاق – الانتباه إلى أنَّ النقَلة الأوائل من السُرْيَان كانوا في غالبيتهم مسيحيين، وقليل منهم صابئة، وليس فيهم مسلم واحد، وهذا ما ترتب عليه تركهم الاحتكاك بالنص القرآني، الاحتكاك الذي كان بإمكانه تكوين "اللغات الاصطلاحية" العربية، أو ما يسميه طه بـ"اللُّغيات" التقنية العربية، وتسديد أساليبها وَفق المقتضيات البيانية للتعبير العربي السليم28. ويُسمِي طه هذا الطور من الترجمة بالطور الابتدائي، وهو الطور الذي خرج فيه المترجم على مقتضيات الاشتغال البياني والبلاغي العربي فلحقه تعثُّر كثير، من جهة غموض المعنى، وعُسر اللفظ، واضطراب التركيب، وتهلهل الأسلوب، مما انعكس سلبًا على ممارسة العربي للنظر والتفلسف، وحصل بمقتضى ذلك تباين شاسع بين الفكر الفلسفي والأخلاقي اليوناني والفكر الفلسفي والأخلاقي العربي الإسلامي، وعرض المنقول اليوناني لهجوم أهل المأصول خاصة من المحدثين، والفقهاء، والصوفية، وعلماء الأخلاق، والنُّظار، واللغويين، والأدباء29.
فلم يكن بإمكان النص المترجم أن يجد لذاته موقعًا في المجال التداولي العربي الإسلامي، وهو الذي تكبله قيود "الترجمة الحرفية"، وتظهر فيه علامات نقص المترجمين في امتلاك ناصية العربية؛ بل يبرز حتى ضعف تكوينهم الفلسفي، كما يظهر لكل محتك بهذا النص توهج المعتقد الأجنبي غير الإسلامي، فأدَّى هذا إلى إنشاء نص ترجمي بوضع لُغوي مُعقَّد، ليس أقله القلق الصرفي واستعمال بعض الصيغ العادية بغير ما تدل عليه عند الجمهور.
وقد تصدَّى ابن رشد لرفع هذا القلق والركاكة والاستغلاق، وعمد إلى معالجة النص المترجم من خلال آليتي "التلخيص" و"الشرح"؛ فمن خلال التلخيص سعى ابن رشد إلى رفع قلق المصطلح من النص المترجم، ثم رفع قلق الجملة منه. فآلية التلخيص إذن اعتمدها ابن رشد، بنظر طه، كمنهج لتقويم اعوجاج النص من الناحية الصرفية والنحوية، وتقريب عبارته من العربية السليمة، مازجًا بين كلامه وكلام أرسطو؛ كما قوَّم الجمل السقيمة بأنْ استبدل ببعض أجزائها أجزاء أخرى، أو غير ترتيبها أو أظهر المحذوف منها أو حوَّر التعابير التي تصل الجمل بعضها ببعض، كما استبدل بأسماء الأعلام اليونانية أسماء عربية، وقرَّب مضامين بعضها، وكان ابن رشد يقارن بين العادتين اليونانية والعربية في الاستعمال30.
أما آلية الشرح، فاشتغلت عند ابن رشد على مستوى توضيح غموض أغراض النص المترجم. وميَّز طه في شرح ابن رشد بين وجهين: وجه استئصالي ووجه تأصيلي، تجمعهما علاقة تعارض وتكامل في الآن نفسه؛ فالوجه الاستئصالي عمل من خلاله ابن رشد على هدم البناء الفلسفي الذي شيده الفارابي وابن سينا والغزالي، والذين حرصوا فيه على ملاءمة الفلسفة اليونانية لمقتضيات التداول الإسلامي. أما الوجه التأصيلي، فعمل من خلاله على استنطاق النصوص الأرسطية بغرض الكشف عن حقيقة التفكير الأرسطي وأصالته، فمحا كل آثار التصرف التي أحدثها فلاسفة الإسلام والمتكلمون فيه.
وعمل طه على تقويم آليات الاشتغال الترجمي عند ابن رشد، من وجهة لغوية، وبالاستفادة من نظرية اللسانيات التداولية ونظرية التخاطب الحديثة، وعناصر العتاد المنهجي الذي استخدمه طه في مدونته؛ فوفق النظريات التداولية والتخاطبية يصبح اللسان الطبيعي نسقًا مترابط العناصر، وليس قاموسًا للمفردات المجزأة، ومتى تغير عنصر في ذلك النسق، من حيث الوضع أو الوظيفة إلاَّ وأثر ذلك على العلاقات كلها وكذا العناصر. فتصبح الترجمة – بنظر طه – بناء على التصور التداولي والتخاطبي نظرًا في المعنى وفي مقتضى الحال، لا تقيُّد لها بالصورة اللفظية أو التركيب النحوي إلَّا وَفق المقتضيات الدلالية والتداولية. وعليه فإنَّ ناقل النص يقوم بعمليات تحويلية من خلال تكييف المعاني المنقولة مع أحوال اللسان الناقل، ويُحدِث تغييرًا في المعنى المنقول بحسب الوضع اللساني الجديد، صرفيًا وتركيبيًا ودلاليًا وتداوليًا، وفي هذه الحالة يتحقق ما يسميه طه بـ"التداخل المتصل"؛ إذ تكون عبارة المؤلف التي يُتمم بها عبارة المنقول الفلسفي سبيلًا إلى ربط العبارة المنقولة بمجال التداول الإسلامي العربي، حتى تبدو وكأنها صادرة عنه وليست واردة عليه31.
ويذهب طه إلى أنَّ اللغة الفلسفية العربية هي لغة فكرية أو لغة اصطلاحية، لم تستفد في بناء ذاتها مما استفادت منه اللغات الفكرية الأخرى، من معايير في وضع مفاهيمها32؛ كاللغة الكلامية، واللغة الصوفية، واللغة الأصولية، واللغة التفسيرية، فجاءت اللغة الفلسفية متنافرة الأوزان والمعاني، بل لا تخضع مفاهيمها لأي وزن معلوم. إلَّا أنَّ الخطاب الفلسفي العربي تتفاوت درجة إخلاله بالمقتضيات التعبيرية في وضع مصطلحاته وبحسب استمداده من النص القرآني النموذجي. وبهذا يفسر طه تفاوت مستويات اللغة الفكرية في خطاب ابن رشد؛ إذ يكون أقدر على التبليغ العربي عند مناقشة المتكلمين أو الموازنة بين الفلسفة والشريعة منه عند عرض المسائل الميتافيزيقية الأرسطية تلخيصًا أو شرحًا.
فقد تعثر تلخيصه بنظر طه لانبنائه على مبادئ ثلاثة خاطئة، وهي: أفضلية المصطلح اليوناني، وشمولية مصطلحات الفلسفة الأرسطية، وضرورة نقل المصطلحات اليونانية إلى اللسان العربي. وخطأ هذه المبادئ يظهر من خلال تصور ابن رشد للجانب الصَّرفي من لغة المقولات، هذه المقولات التي ليست إلا تجريدًا فلسفيًا لمقولات الصرف والنحو اليونانيين33. فالأصل اللغوي هو الذي أحدث تفاوتًا صارخًا بين معاني المقولات والأمثلة العربية التي وضع المترجمون مقابلات لها؛ فوقع اضطراب شديد في تصنيفها وتحديدها، ولو تم احترام مقتضيات التبليغ العربي، لكان أولى بالمترجم أن يهجر ذلك المسرد الغريب لعشرة مفاهيم غريبة كمقابلات للمقولات الأرسطية، ووضع المقابلات الحقيقية وهي الأوزان الصرفية العربية مثل "الفعل" و"الانفعال" و"التفعُّل" ...؛ ذلك أنها تنطوي على إمكانات استدلالية غنية مما يساعد على الاستشكال الفلسفي وتقرير حقائق هامة وإضافية بصدد المقولات مما لم يقرره فلاسفة يونان، مثل وجود نوعين من الفعل هما: "التفعُّل" وهو فعل في الذات، و"التفعيل" وهو فعل في الغير، ووجود العلاقة بين الفعل والانفعال وهي "التفاعل"، وغيرها34.
وبرغم المجهود الذي بذله ابن رشد لتصحيح تراكيب الترجمة فقد ساقه الاستغراق في النظر في النصوص المترجمة إلى اقتباس تعابيرها المخالفة لقواعد المنطق السليم وفق مقتضيات التعبير العربي، مثل ما نجده في تركيب عناصر الجملة واستعمال الأدوات والظروف، وهذا يثبت أن ابن رشد لم ينتبه إلى الصِّلة المتينة بين كثير من المعاني الفلسفية، خاصة في مجال المقولات الأرسطية، وبين أصولها في اللغة اليونانية35.
لقد تعثرت عملية الشرح التي قام بها ابن رشد – بنظر طه – وبقي الغموض التعبيري خصوصًا في التعامل مع مقولة "له" مثلًا، كما بقي الغموض الدلالي حين ذكر بعض الأمثلة، وكذا الغموض المصطلحي لعدم تجريد الألفاظ اليونانية واستخلاص معانيها المقولية الفلسفية كما فعل الفارابي36.
إنَّ ابن رشد قد واجه نصًا مترجمًا لا ينطق، ورغم استخدامه لآليات التقويم التلخيصي أو التقريب الشرحي فقد تعثر في مهمته لقصور تصوره للمضمون الفلسفي والأخلاقي واللغة الفلسفية، هذا التصور الذي يماثل بين نقل المعاني الفلسفية ونقل الحقائق العلمية الموضوعية، مع إغفال البُعد التداولي ومتطلبات التخاطب. وإضافةً إلى هذا، فإنَّ مجهود ابن رشد – بنظر طه – لم يستطع التقليل من تبعية الإنتاج الفلسفي العربي لأعمال الترجمة؛ إذ ظل غارقًا في أشكالها وآخذًا بوظائفها قرونًا طويلة37. وكيف يحقق هذا المجهود الدور العظيم، وهو تحرير الفلسفة العربية، وهو أقرب إلى النقل الأبكم منه إلى التقريب الأنفع والذي تندفع فيه اللغة، ألفاظًا ومضامينَ، اندفاعًا تلقائيًا وحيًا؟
أ. نقد الآليات التصورية لأطروحة الترجمة الغربية
تناول طه البُعد الديني في الترجمة لإثبات صفة الفكرانية القائمة بالترجمة؛ ذلك أنَّ التأثير الديني في الترجمة يرجع إلى قصة برج بابل في التوراة وإلى ترجمة الإنجيل؛ فمن خلال القصة الأولى تصبح الترجمة ضرورية لإجلاء المعنى الخفي، وتحقيق التفاهُم البعيد؛ إذ تفرقت الحقيقة بين اللغات كما انقسمت الأمة الواحدة إلى شعوب مختلفة. فالترجمة إذن ستتولى تهذيب الفروق في مباني اللغات المتعددة وتذليل الخفاء في معانيها، أما ترجمة الإنجيل فكانت دليلًا على منطق الاشتغال الترجمي الأول لنقل الأناجيل الأربعة إلى اللغات الأوروبية، ثم إلى اللغات الإفريقية واللغات الآسيوية. وعليه أصبحت الترجمة الإنجيلية النموذج الأمثل الذي احتذاه عموم النقلة في مختلف دوائر المعرفة الإنسانية، وكان المترجمون المسيحيون أول مَن عمل على تأسيس "علم الترجمة" وَفق ذلك النموذج38. وعليه اصطبغ العمل الترجمي بأداء وظيفتين: الدعوة ونشر التعاليم المسيحية، ووظيفة الوسيط الذي ينقل ويبلغ من غير تبديل ولا تحريف؛ لأنَّ النص الديني المقدس نص يشعر بضرورة حفظه لإلهية مصدره39.
وانتقلت وظيفتا الدعوة والتوسط إلى أشكال النقول الأخرى غير المسيحية، وأصبحت من ثوابت الاشتغال الترجمي، يُضاف إليها وظيفتا إزالة الخفاء المعنوي، وتحقيق التفاهم البعيد. الوظائف التي تحولت إلى مبادئ رسخت البُعد الفكراني في الترجمة، البُعْد الذي يمتنع معه اجتماع الترجمة والفلسفة. ذلك أنَّ الفلسفة عادةً ما تُدعي العمل بمقتضيات العقلانية، فكيف تأخذ بأسباب الفكرانية المتغلغلة في الترجمة؟
يرى مجموعة من المترجمين واللسانيين أنَّ ممارسة الترجمة مجال لانكشاف المعاني والحقائق الشاملة المخفية في الألسنة المختلفة؛ بل يمكن – بنظرهم – الظفر من خلال الترجمة بلغة تشمل الإنسانية جمعاء، تتخذ صورة "لغة خالصة"40 أو "لغة جامعة".
فمن خلال مقولة "اللغة الخالصة" رفض المنظر الألماني الشهير للترجمة فالتر بنيامين W.BENJAMINE فكرة مراعاة المترجم لحالات المخاطب، في مقالته La tâche du traducteur، (مهمة المترجم)41. ودعا إلى اعتبار الترجمة صورة أو شكلًا أو بنية يتحدد قانونها في النص الأصلي. فالترجمة إذن، تكون وَفق هذا التصور جزءًا من ماهية الأصل. واعترض طه على مفهوم "اللغة الخالصة"، باعتبارها خروجًا عن مقتضيات الترجمة والدخول في عملية التفلسف، أو هي نوع من "فلسفة الترجمة" ولا علاقة لها بـ"علم الترجمة". كما أنَّ هذا التصور للغة الخالصة مثقل بالخلفيات الدينية اليهودية والمسيحية القائمة على أنه في البِدء كانت الكلمة، وبالتالي تفتقد "اللغة الخالصة" شموليتها اللازمة بدمج المعتقدات الدينية المخصوصة في مدلولها.
أما دعوى "اللغة الجامعة"، فقد نادى بها البنيويون والتوليديون بافتراض بنية مشتركة بين اللغات تكشف الترجمة معالمها الأساسية، وهي التي تُسمى عند البنيويين بـ"الكليات اللسانية" سواء كانت صرفية أو تركيبية أو دلالية. وأما التوليديون فقد ميزوا بين بنيتين اثنتين في العبارة، الأولى هي "البنية السطحية"، والأخرى هي "البنية العميقة"، والأولى تتفرع عن الثانية عبر عمليات مخصوصة يسمونها "التحويلات".
وانتقد طه دعوى "اللغة الجامعة"؛ ذلك أن ادعاء بعض اللسانيين اشتراك الألسن في كليات لغوية أو بنى عميقة لا يكفي لإضفاء الطابع الشمولي على الترجمة؛ إذ الادعاء يعترض عليه لسانيون آخرون يقرون بالخصوصية اللسانية، ويعتبرون مقولات "الكليات اللغوية" و"البنى العميقة" مجرد حقائق مبتذلة، لا تأثير لها في مجال الوصف اللساني. ويُضاف إلى ذلك أنَّ الاصطلاحات الخاصة بالكليات اللسانية، هي أدخل في باب الفلسفة منها في باب البحث اللساني الصرف. وبالتالي فالشمولية المتحدَّث عنها ليست إلا صفة فلسفية؛ لتبقى الترجمة في خصوصيتها.
وليست "اللغة الخالصة" أو "اللغة الجامعة" التي يتوصل إليها من خلال الاشتغال الترجمي – بنظر طه – إلا تفلسفًا ممزوجًا بالخلفيات الدينية، أو تجريدًا وتعميمًا أقرب إلى الأصول الفلسفية منها إلى المبادئ اللسانية، مما يجعل المفاهيم الأخلاقية تلتبس بحاضنتها الفلسفية والفكرانية.
تميز التفكير الفلسفي عمومًا باهتمامه بالمعنى من مُنطلَق تعلُّقه بالفكر الذي هو جملة من المعاني المرتبطة فيما بينها ارتباطًا استدلاليًا. ويتجسد الاهتمام الفلسفي بالمعنى في العمل على تجريد الفكر، وكذا الحقيقة من أي ارتباط بالصيغ اللفظية. وقد بلغ هذا التجريد حد التطرف بإهمال الخاصية الخطابية للفلسفة، وتجاوز الخطاب بما هو فعالية نصية منشئة للمضامين وصانعة لأشكالها ومغيرة لأحوالها42.
أما في الترجمة فكان الأمر على العكس من ذلك، ذلك أن المترجم سواء كانت ترجمته حرفية أمينة أو حرة مبينة، كان ينظر في اللفظ نظره في المعنى، فاهتم بضروب "البِنَى اللفظية" سواء كانت معجمية أو نحوية أو نصية. فقد اهتم المترجم بتأثير اللفظ في الفكر هذا التأثير الذي جعله من مقتضيات ترجمة النص الفلسفي. وعليه يصبح الاشتغال الترجمي اشتغالًا تأويليًا مرتهنًا إلى القراءة الخاصة للمترجم للنص الأصلي، وهذا الاشتغال يظل مرتبطًا بألفاظ الأصول المنقولة للبحث عن دورها في صوغ المعاني.
يذهب طه إلى أنَّ العلاقة بين الفلسفة والترجمة في المجالين العربي والغربي اتجهت فيهما اتجاهًا معاكسًا؛ إذ اعتبرت الفلسفة في المجال العربي فرعًا والترجمة أصلًا، بينما الفلسفة الأصل في المجال الغربي والترجمة الفرع.
ويُرجِح طه تبعية الفلسفة للترجمة في المجال العربي إلى الأطوار التي مرت بها عمليات نقل التراث الفلسفي اليوناني؛ وهي الطور الابتدائي، وفيه برز المترجمون السريان بكل حمولاتهم التداولية مما باعد بين المجالين العربي واليوناني، إضافة إلى أنَّ هذا الطور جسَّد اللقاء الأول بين المجال التداولي العربي والفكر المُسمَّى "فلسفة" بطرق لا تمكن فيها وخارج المقتضيات التداولية، مما عمَّق الفروق بين المنقول والمأصول. فلم يكن متاحًا للمتلقي العربي معرفة هذا الفكر المنقول إلاَّ من خلال ترجمات تداولية يتخلَّلها تعثُّر كثير.
أما في الطور الاستصلاحي للنقل، فقد عمل المترجمون العرب على إصلاح النقول وملاءمتها لمحددات ومقومات المجال التداولي الإسلامي العربي اللغوية والعقدية والمعرفية، وقد سبق الحديث عن مجهود ابن رشد في العمل الإصلاحي وتقييم طه له. وقد اتخذ هذا الإصلاح صور تلاخيص كما نجد في الجوامع والمختصرات أو صور شروح، كما نجد في نصوص الشروح أو في شروح الشروح أو في الحواشي، أو في صور تفاسير، كما نجد على اختلاف أحجامها، صغرى ووسطى وكبرى... إلَّا أنَّ هذا الطور الاستصلاحي. وبرغم التوسل بالطرق الموسعة في الترجمة، فإنه لم يقلل من تبعية الفلسفة للترجمة، كما لم يحرّر القول الفلسفي العربي من سطوة نظيره اليوناني. وأما الطور الأخير فهو طور استئنافي للنقل، ابتدأ مع مطلع القرن العشرين، ورواده من العرب العارفين بمجالهم التداولي برتب متفاوتة، وقد اتخذوا ديكارت معلمًا أولًا، كما ورثوا مصطلحات وتراكيب ونسجوا على منوالها وحاكوا أساليبها في اختراع غيرها، الشيء الذي لم يكن متوافرًا في الطورين السابقين، كما أنَّ مترجمي الطور الاستئنافي اقتنعوا بصلة الفلسفة الوثيقة بالأدب، واستثمروا لغة فلسفية مكتملة، إلَّا أنَّ ذلك لم يخرجهم من معاناة فقدان الإبداع الفلسفي العربي إلى طموح الإنتاج والتجاوز، فسقطوا أكثر في يد المنقول، ولم يروا إمكانية التفلسف إلَّا داخله.
وأسهم أيضًا في تَبَعِيَّة الفلسفة للترجمة في المجال العربي توسُّط لغات عدة في نقل الفلسفة اليونانية، سواء كان توسطًا ظاهريًا مثل اللغة السريانية واللغة الفارسية، أو توسطًا خفيًا43. وبرغم تنبه النَّقَلة العرب لهذا التوسط اللغوي في الترجمة، إلا أنهم لم يستوعبوا آثاره على الفكر الفلسفي والأخلاقي، وتشكلت لغة نقل هجينة خارجة عن قواعد اللسانيين العربي واليوناني في التعبير، مما جمد المعرفة الفلسفية وأضعف ملكات التفلسف بسبب هذه الترجمات بأنواعها، الترجمات التي كانت مستقلة الأطوار والطرق والوسائط. وهذا ما يثبت – بنظر طه – التعارُض بين الفلسفة والترجمة، عكس ما ذهب إليه مفكرون غربيون في إثبات التقارب بينهما، مما عمل طه على نقضه.
ب. نقد أُطروحة التقارب الماهوي بين الفلسفة والترجمة في صناعة المفاهيم
تعرض طه بالنقد لأطروحة هذا التقارب كما وردت عن كبار الفلاسفة والمترجمين الغربيين خاصة الفيلسوفين الألمانيين: "مارتن هيدغر" و"هانس جورج غادامير"، والفيلسوف الفرنسي "جاك دريدا"، والمتفلسف الأمريكي "أندريو بنجامين"، والمترجم الألماني "فالتر بنيامين"، والمترجم الفرنسي "أنطوان برمان".
فبنيامين رفض في مقالته "مهمة المترجم" التصورات الترجمية السائدة التي انبنت على نظريات التلقي والتبليغ والتصوير كوظائف أساسية للترجمة، واعتمد في بسط نظريته على مفهومي "البقاء" و"اللغة الخالصة". فالبقاء – بنظر بنيامين – يتأسس على أنَّ الترجمة ما هي إلا صورة أو شكل أو نسخة مضبوطة بواسطة قانون موجود في الأصل. وبناءً عليه، تصبح الترجمة حقيقة جوهرية نابعة من النص الأصلي، وهذا ما يحقق الارتباط الوثيق بين الأصل والترجمة، أما مفهوم اللغة الخالصة، فيستند إلى المفهوم الأول أي البقاء وأسبابه الثاوية في النص الأصلي، ليقول بنيامين باشتراك اللغات في ما يُسمى بـ "الوجود اللغوي" – بتعبير طه – أو ما يسميه بنيامين بـ "اللغة الخالصة"، ومهمة المترجم هي الكشف عن اللغة الخالصة بما هي حقيقة لغوية لا تُوجد باستقلال عن الألسن الخاصة، وإنما تُوجد في أُفُق تكامل طرقها في الاستعمال وتضافر وجوهها في القصد44.
أما هيدغر، فقد قام طه باستقراء تصوره للترجمة في كتبه المشهورة45، فوقف على نظرته إلى اللغة الإنسانية، ونظرته إلى المصطلحات الفلسفية. فنظرة هيدغر إلى اللغة كانت من جهتين؛ الأولى: باعتبارها مكوَّنة من ألفاظ اصطناعية يضعها الإنسان ويستعملها توجيهًا لها وتصرفًا فيها، وهذا ما وقع الاهتمام به في التصور الغربي. والثانية: باعتبارها حقيقة مستقلة بنفسها تستعمل نفسها، أي مأوى للموجود. أما نظرته للمصطلحات الفلسفية، فكانت من خلال تمييزه بين المعنى الأصلي للمصطلح الفلسفي وبين معاني مقابلاته غير اليونانية.
وعلى هذا الأساس، من حيث النظرة إلى اللغة وإلى المصطلحات الفلسفية، ميّز هيدغر بين "الترجمة التحريفية" و"الترجمة التحقيقية"؛ فالأولى تقطعنا عن المدلولات الأصلية التي تحملها الألفاظ، والثانية تصلنا بهذه المعاني العتيقة التي حملتها الألفاظ في أصولها اللغوية؛ أي أنَّ الأولى تفصلنا عن الوجود، والثانية تصلنا به، ما يعني أنَّ الترجمة التحقيقية هي التي تحقق الوصل مع الفلسفة عكس الترجمة التحريفية.
أما غادامير، فقد وردت أفكاره الأساسية عن الترجمة في كتابه الشهير "الحقيقية والطريقة" Vérité et Méthodeمتجاوزًا النظرية التأويلية التي وضع أسسها "شليماخر" و"دلتاي"، واضعًا نظرية جديدة في الفهم. تقوم على أن كل فهم تأويل، والتأويل إنشاء خاص يتجسد به معنى النص، كما أنه ذو طبيعة لغوية. ومفهوم اللغة عند غادامير يتجاوز الطابع الأداتي التواصلي إلى اعتبارها حقيقة حوارية يتواجه فيها عالمان لغويان مختلفان، يحصل بينهما تداخل تدريجي، وتنبثق عن التداخل لغة متجددة تحمل معاني جديدة. ولهذا يربط غادامير بين الفلسفة والترجمة من حيث إنهما فهمان مترابطان، أحدهما تأويلي والآخر حواري.
وقدم دريدا نظرية تفكيكية في الترجمة تقوم على مفهومين أساسيين، هما: "الاختلاف" كما حدده هيدغر، و"البقاء" كما أورده بنيامين، وقد حوَّر مفهوم الاختلاف عن معناه الأصلي؛ حتى لا يفيد إبطال المعنى الجوهري والبنية العميقة التي يحتاج المترجم إلى حفظها ونقلها، وبذلك جعل الألفاظ دالة على معانٍ تلازمها الفروق والأعراض والآثار مما يتوجب على المترجم كشفه وتعقبه. ورأى دريدا في مفهوم "البقاء" صفة ذاتية للترجمة متجاوزًا تصور بنيامين الذي حصره في مواصلة حياة النص الأصلي، وعليه تكون الترجمة – مع دريدا – الأصل الذي ينبني عليه فهم الحياة؛ فالنص الأصلي ينمو بالترجمة، وتكثر دلالاته اللغوية وتتسع عن طريقه اللغات، فتنشأ في الأصل معانٍ جديدة وتنمحي أخرى قديمة، في توالٍ بين النشأة والانمحاء، فلا يتقيَّد النص بتأويل ثابت. كما أن التواصل بين اللغتين، المترجم منها والمترجم إليها، يحقق نموًا فيهما من خلال إضافات وتكميلات مستمرة.
أما الفيلسوف الأمريكي أندري بنجامين، فقد وضع نظريته في الترجمة في كتابه "الترجمة وطبيعة الفلسفة"، واستند إلى أفكار الألماني بنيامين، كما تأثر بالمذهب التفكيكي لمعاصره دريدا، وقام بتجديد النظر في مفهومي "الكلمة" و"الاستعمال"؛ فقد أدرج بنجامين تحت الكلمة كل ضروب القول لفظًا كان أو جملة أو نصًا، ومن صفات هذا القول تعدد الاختلاف والتنازع الدلالي؛ أي أنَّ الكلمة لا تدل بالضرورة على معناها الإحالي بشكل مُطلَق، بل تتنازعها معانٍ كثيرة غير مستندة إلى أصل. أما مفهوم الاستعمال، فهو اللحظة التي يتم فيها تحصيل معنى مخصوص، والمعنى المخصوص هو المعنى المتحقق من المعاني الممكنة أو المتنازعة التي تحتلمها "الكلمة"، لكن من غير أنْ يعني ذلك أنَّ إقصاء المعاني المتنازعة، نهائيًا، بل تبقى ممكنة فيتصف الاستعمال ذاته بالتنازع.
واستخلص بنجامين من مفهومي "الكلمة" و"الاستعمال" صفة التعدد والاختلاف كميزتين أساسيتين في الترجمة، مما يقرنها بالفلسفة ذات التعدد الدلالي والتأويلي، وجعل الجامع بينهما كذلك الاختلاف.
وقدم المترجم الفرنسي أنطوان برمان أفكاره عن الترجمة في كتابه "التعرف على الغريب" وفي مقالات أخرى46. ويقوم تصوره على اعتبار الترجمة "تجربة" و"تأمُّلًا". ورفض مقولة "علم الترجمة". وأكَّد على الصفة الفلسفية لمفهومي "الترجمة" و"التأمل"، إضافة إلى الجانب الأخلاقي والميتافيزيقي للترجمة، فيحصل إذن التماهي بين الترجمة والفلسفة من خلال تلك المفاهيم الأخلاقية، والصفات، والتي تربط المترجم بالتطلع إلى الغيب اللغوي.
وانتقد طه هذه التصورات الغربية عن الترجمة، واعتبرها أقرب إلى التخيل الأدبي، منها إلى التعمق الفلسفي47. كما أن التصورات، وبرغم طابعها النقدي للأفكار السائدة في الاشتغال الترجمي، إلا أنها هي ذاتها استندت إلى مقتضيات فكرانية، مع تغييب الحاجة إلى مراجعة الفلسفة ذاتها، وليس مراجعة الترجمة وحدها، وَفق معايير فلسفية. والأدهى من ذلك أنهم لم يعرفوا الصفات الفكرانية التي لازمت الترجمة من أصلها الديني؛ فبنيامين مزج بين مقولة "المخلص" في التصوف اليهودي، ومقولة "الخلوص اللغوي" عن طريق اللغة الخالصة، والذي تقوم به الترجمة بنظره. أما برمان، فيقرّ بالدور الديني للترجمة في التاريخ. أما هيدغر، فأثر اللاهوتيات المسيحية في معالجته للمفاهيم المتعلقة بالترجمة أمر بارز، خاصة المفاهيم الصوفية مثل "الفهم" و"التأويل" و"الانكشاف" و"التجلي" و"الغفلة" و"الحضور" و"الورود"... وغيرها من المفاهيم المتغلغلة في الروحيات. أما غادامير، فقد عالج مفهوم التأويل، وعلاقته باللغة من داخل المبحث الديني المسيحي الذي دار على مسألة التجسيد الإلهي، ومسألة الكلام. أما فكرانية دريدا، فكانت بارزة من خلال تعمقه في دراسة مدلول "بابل" من حيث صيغته الاشتقاقية ومعناه اللغوي، وربط ذلك المدلول بالأب والإله مما عمَّق البنية الفكرانية للترجمة. أما بنجامين، فقد استند في تصوره الترجمي على معنى فكراني، وهو معنى "البدء" كما ورد في مطلع التوراة، كما استثمر معنى "الاختلاط" ذي الأصل الديني الذي أصبح "تنازعًا"؛ ليصبح مستنده الديني مستويًا كالآتي: "الكلمة هي محل التنازع"، و"في البدء كان التنازع".
فإضافة إلى طغيان المنزع الفكراني في هذه الأطروحات الترجمية، فإنها كما ذكر طه أغفلت مراجعة مفهوم الفلسفة، بل بقيت سطوة الفلسفة ممتدة على الترجمة، خاصة الفلسفة الترجمية سواء على الموضوعات أو على مستوى المنهج أو على مستوى المفاهيم؛ فموضوعات الترجمة لم تخرج عن مسائل الفلسفة التقليدية كاللغة، والتأويل، والكتابة، والكلمة، وخاصة مقاربة الفلسفة التحليلية لها. أما منهجها، فسار على نقيض المنهج الذي سلكه أهل الفلسفة التحليلية، من حيث جعل زمام المتكلم في يد اللغة، وتقرير صحة اللفظ بثبوت معناه الداخلي للأذن السامعة، وجعل اللغة أصل الوجود، وأنَّ التجربة هي ماهية اللغة، والكتابة صفة أولية لطبيعة اللغة، والتأويل صفة أساسية لوظيفتها48. فبرغم أنَّ أهل الفلسفة الترجمية قد سلكوا مسلكًا مناقضًا لأهل الفلسفة التحليلية في مقاربة القضايا اللغوية، خُصوصًا على مستوى المنهج، فإنَّ الانعطاف المنهجي يُرجع فضله إلى الفلاسفة التحليليين. بينما تظل الفلسفة أحوج إلى النقد والمراجعة قبل الترجمة حتى يتم رفع تعارض هذه الأخيرة مع الأولى رفعًا علميًا حقيقيًا.
لقد أخضع طه النص التراثي الحامل للمفاهيم الأخلاقية، سواء كان شرعيًا أو فلسفيًّا أو كلامًيا، لدراسة علمية وتقنية. ونظر إليه كظاهرة خطابية تمارس بمختلف آلياتها ومضامينها، كما مارس النقد على المتن الأخلاقي والفلسفي الغربي، قديمًا وحديثًا. وانتقد آليات التوفيق التي التجأ إليها بعض الفلاسفة المسلمين كابن رشد؛ انتقدها، كما بسط البحث ذلك، وفق منهجية آلية غير مضمونية، وعملية غير تجريدية، واعتراضية غير عرضية. وألزم طه نفسه بأقسى القيود المنهجية، مقصدًا ومنطلقًا ومسلكًا، في دراسة المفهوم الأخلاقي، والذي نعتبره المفهوم/المفتاح في مشروعه العلمي والفكري.
وتظهر السمة الأخلاقية لمدونة طه، ليس في المضامين فقط، بل حتى في الآليات؛ من مثل القيود التي وضعها على مجموعة من المفاهيم الأخلاقية، من منظور تداولي وتخاطبي وتقريبي وترجمي واصطلاحي.
وقد سعى البحث إلى بسط منهج صناعة المفاهيم والمصطلحات الذي تتأطر داخله المفاهيم الأخلاقية كثيرة الانتشار في مدونة طه، من خلال نقد تقريب القاموس الأخلاقي اليوناني إلى المجال التداولي المعرفي الإسلامي، ومن خلال بسط وضع نظرية المفاهيم الأخلاقية، ورصد خصائص المعجمية الأخلاقية في مدونة طه عبد الرحمن، وضبط خصائص المصطلح عامةً، والمفهوم الأخلاقي خاصةً، في المدونة تداولًا ومعايير وآليات.
أولًا: العربية
ارحيلة، عباس. بين الائتمانية والدهرانية: بين طه عبد الرحمن وعبد الله العروي. بيروت: المؤسسة العربية للفكر والإبداع، 2016.
______. فيلسوف في المواجهة: قراءة في فكر طه عبد الرحمن. الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 2013.
أرسطو طاليس. علم الأخلاق إلى نيقوماخوس. ترجمة أحمد لطفي السيد. القاهرة: مطبعة دار الكتب المصرية، 1343/1924.
حمائز، حسن. التنظير المعجمي والتنمية المعجمية. الأردن: إربد، عالم الكتب الحديثة، 2012.
عبد الرحمن، طه. بؤس الدهرانية: النقد الائتماني لفصل الأخلاق عن الدين. بيروت: الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2014.
______. تجديد المنهج في تقويم التراث. ط2، الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 1994.
______. ثغور المرابطة، مقاربة ائتمانية لصراعات الأمة الحالية. الرباط: مركز مغارب للدراسات في الاجتماع الإنساني، 2018.
______. الحق العربي في الاختلاف الفلسفي. ط1، الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 2002.
______. حوارات من أجل المستقبل. سلسلة كتاب الجيب، الكتاب رقم 13. الرباط: منشورات جريدة الزمن، أبريل2000.
______. سؤال الأخلاق، مساهمة في النقد الأخلاقي للحداثة الغربية. ط1، الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 1999.
______. سؤال المنهج، في أفق التأسيس لأنموذج فكري جديد. بيروت: المؤسسة العربية للفكر والإبداع، 2015.
______. . فقه الفلسفة 1. الفلسفة والترجمة. ط1، الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 1995.
______. فقه الفلسفة 2ـ القول الفلسفي: كتاب المفهوم والتأثيل. ط1، الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 1999.
______. "كيف يكون الإبداع الفلسفي إبداعًا لغويًا؟"، مجلة المناهل، الرباط، س 25، ع. 62-63، (صفر 1422هـ/ ماي 2001م)
______. اللسان والميزان أو التكوثر العقلي. ط1، الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 1998.
______. المفاهيم الأخلاقية بين الائتمانية والعلمانية. جزآن. الرباط: دار الأمان، 2021.
العروي، عبد الله. خواطر الصباح، حجرة في العمق: يوميات (1982-1999). الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 2005.
______. مفهوم العقل، مقالة في المفارقات. الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 2001.
العسقلاني، ابن حجر. فتح الباري. بيروت: دار المعرفة، 1407ه.
مشروح، إبراهيم. طه عبد الرحمن: قراءة في مشروعه الفكري. بيروت: مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، 2009.
ثانيًا: الأجنبية
ʻAbd al-Raḥmān, Ṭāhā. al-Ḥaqq al-ʻArabī fī al-Ikhtilāf al-falsafī (in Arabic), 1st ed., Casablanca: al-Markaz al-Thaqāfī al-ʻArabī, 2002.
______. al-lisān wa-al-mīzān aw al-Takawthur al-ʻaqlī (in Arabic), 1st ed., Casablanca: al-Markaz al-Thaqāfī al-ʻArabī, 1998.
______. al-mafāhīm al-akhlāqīyah bayna al-iʼtimānīyah wa-al-ʻalmānīyah. (in Arabic). Al-Rabāṭ: Dār al-Amān, 2021.
______. Buʼs aldhrānyh: al-naqd alāʼtmāny li-faṣl al-akhlāq ʻan al-Dīn. (in Arabic). Beirut: al-Shabakah al-ʻArabīyah lil-Abḥāth wa-al-Nashr, 2014.
______. fiqh al-falsafah 2 al-Qawl al-falsafī: Kitāb al-mafhūm wāltʼthyl (in Arabic) 1st ed., Casablanca: al-Markaz al-Thaqāfī al-ʻArabī, 1999.
______. fiqh alflsft1. Al-falsafah wa-al-Tarjamah (in Arabic), 1st ed., Casablanca: al-Markaz al-Thaqāfī al-ʻArabī, 1995.
______. ḥiwārāt min ajl al-mustaqbal (in Arabic), Silsilat Kitāb al-jayb, al-Kitāb No13. Al-Rabāṭ: Manshūrāt Jarīdat al-zaman, April 2000.
______. "Kayfa yakūn al-ibdāʻ al-falsafī ibdāʻā lughawīyan?"(in Arabic), Majallat al-Manāhil, al-Rabāṭ, Y 25, No 62-63, (Ṣafar 1422h / May 2001).
______. suʼāl al-akhlāq, musāhamah fī al-naqd al-akhlāqī lil-ḥadāthah al-Gharbīyah (in Arabic), 1st ed., Casablanca: al-Markaz al-Thaqāfī al-ʻArabī, 1999.
______. suʼāl al-manhaj, fī ufuq al-taʼsīs lʼnmwdhj Fikrī jadīd (in Arabic). Beirut: al-Muʼassasah al-ʻArabīyah lil-Fikr wa-al-ibdāʻ, 2015.
______. Tajdīd al-manhaj fī Taqwīm al-Turāth (in Arabic). 2nd ed., Casablanca: al-Markaz al-Thaqāfī al-ʻArabī, 1994.
______. thghwr al-murābaṭah, muqārabah aʼtmānyh lṣrāʻāt al-ummah al-ḥālīyah) in Arabic). Al-Rabāṭ: Markaz mghārb lil-Dirāsāt fī al-ijtimāʻ al-insānī, 2018.
Al-ʻArawī, ʻAbd Allāh. khawāṭir al-Ṣabāḥ, ḥajarah fī al-ʻumq: Yawmīyāt (1982-1999) (in Arabic). Casablanca: al-Markaz al-Thaqāfī al-ʻArabī, 2005.
______. Mafhūm al-ʻaql, maqālah fī al-mufāraqāt (in Arabic). Casablanca: al-Markaz al-Thaqāfī al-ʻArabī, 2001.
Al-ʻAsqalānī, Ibn Ḥajar. Fatḥ al-Bārī. (in Arabic). Beirut: Dār al-Maʻrifah, 1407h.
Arisṭū ṭālys. ʻilm al-akhlāq ilá Nīqūmākhūs (in Arabic), Trans Aḥmad Luṭfī al-Sayyid, Cairo: Maṭbaʻat Dār al-Kutub al-Miṣrīyah, 1343/1924.
Benjamin, W. "La tâche du traducteur" in Mythes et violence I, traduction de De Gandillac, M, édit, Denoël, Paris, 1971.
Ḥmāʼz, Ḥasan. Al-tanẓīr al-muʻjamī wa-al-tanmiyah al-muʻjamīyah (in Arabic). Jordon: Irbid, ʻĀlam al-Kutub al-ḥadīthah, 2012.
Irḥīlah, ʻAbbās. faylasūf fī al-muwājahah: qirāʼah fī fikr Ṭāhā ʻAbd al-Raḥmān (in Arabic). Casablanca: al-Markaz al-Thaqāfī al-ʻArabī, 2013.
______. bayna alʼʼtmānyh wāldhrānyh: bayna Ṭāhā ʻAbd al-Raḥmān wa-ʻAbd Allāh al-ʻArawī (in Arabic). Beirut: al-Muʼassasah al-ʻArabīyah lil-Fikr wa-al-ibdāʻ, 2016.
Mishrūḥ, Ibrāhīm. Ṭāhā ʻAbd al-Raḥmān: qirāʼah fī mashrūʻihi al-fikrī (in Arabic).Beirut: Markaz al-Ḥaḍārah li-Tanmiyat al-Fikr al-Islāmī, 2009.
1 - شرح طه عبدالرحمن هذا الهدف بتفصيل في كتابه: المفاهيم الأخلاقية بين الائتمانية والعلمانية (الرباط: دار الأمان، 2021). في جزأين؛ الجزء الأول خاص بالمفاهيم الائتمانية، والجزء الثاني خاص بالمفاهيم العلمانية، ويُنظر على الخصوص: مقدمة الجزء الأول، والفصل الأول والخاتمة، وتمهيد والفصل الأول من الجزء الثاني.
2 - نقصد بـ(المعجم) و(المعجمية) في البحث، مجموع الاختيارات المنهجية ذات الطبيعة اللغوية التي يعتمدها طه عبد الرحمن في مشروعه العلمي/الفلسفي. ويركز البحث على ما يتعلق بـ(المفهوم الأخلاقي)، نقدًا، أو نقلًا، أو ترجمة، أو إنشاء؛ فالمعجمية، إذن، تتعلق بعلم المفردات، وبدراسة الألفاظ، والمصطلحات، والاشتقاق، والأبنية، والدلالات المعنوية، وطرق النمو اللفظي: استعارةً، ومجازًا، وظواهر أخرى، يُنظر: حسن حمائز، التنظير المعجمي والتنمية المعجمية (الأردن: إربد، عالم الكتب الحديثة، 2012)، ص92.
3 - طه عبد الرحمن، سؤال المنهج، في أفق التأسيس لأنموذج فكري جديد (بيروت: المؤسسة العربية للفكر والإبداع، 2015)، ص108 وما بعدها.
4 - طه عبد الرحمن، تجديد المنهج في تقويم التراث، ط2 (الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 1994)، ص 381.
5 - عبد الرحمن، تجديد المنهج، ص382.
6 - عبد الرحمن، تجديد المنهج، ص384.
7 - عبد الرحمن، تجديد المنهج، ص384-385.
8 - ابن حجر العسقلاني، فتح الباري (بيروت: دار المعرفة، 1407ه)، ج6، ص575.
9 - يرتبط التصحيح التفضيلي بالقواعد الأولى من كل أصل تداولي، وهي: قاعدة الإعجاز اللغوية وقاعدة الاختيار العقدية وقاعدة الاتساع المعرفية. عبد الرحمن، تجديد المنهج، ص389.
10 - يرتبط التصحيح التأصيلي بالقواعد الثواني من كل أصل تداولي، وهي: قاعدة الإنجاز اللغوية، وقاعدة الائتمار العقدية، وقاعدة الانتفاع المعرفية. عبد الرحمن، تجديد المنهج، ص389.
11 - يرتبط التصحيح التكميلي بالقواعد الثوالث من كل أصل تداولي، وهي: قاعدة الإيجاز اللغوية، وقاعدة الاعتبار العقدية، وقاعدة الاتباع المعرفية. عبد الرحمن، تجديد المنهج، ص389.
12 - ينظر مثلًا دراسة أرسطو لخلق الفضيلة الإنسانية (المحضة)، في: علم الأخلاق إلى نيقوماخوس، ترجمة أحمد لطفي السيد، ج1 (القاهرة: مطبعة دار الكتب المصرية، 1343/1924)، ص220 وما بعدها.
13 - تُنظر أمثلة التقريب في: طه عبد الرحمن، تجديد المنهج، ص396-397.
14 - عبد الرحمن، تجديد المنهج، ص401.
15 - طه عبد الرحمن، فقه الفلسفة 2ـ القول الفلسفي: كتاب المفهوم والتأثيل (الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 1999)، ص247.
16 - ينظر، مثلًا، دلالات "الإمكان" و"التمكن" في: طه عبد الرحمن، سؤال الأخلاق، مساهمة في النقد الأخلاقي للحداثة الغربية. (الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 1999)، ص115.
17 - عبد الرحمن، فقه الفلسفة 2، ص64.
18 - طه عبد الرحمن، حوارات من أجل المستقبل، سلسلة كتاب الجيب، الكتاب رقم 13 (الرباط: منشورات جريدة الزمن، أبريل2000)، ص45.
19 - وللوقوف على الأصول الفكرية والمنهجية لهذا (المنعطف اللغوي المنطقي) وعَلاقته بالفكر في المشروع العلمي لطه عبد الرحمن، يُنظر: إبراهيم مشروح، طه عبد الرحمن: قراءة في مشروعه الفكري (بيروت: مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، 2009)، ص59-72. وانتقد مجموعة من الباحثين هذا المنعطف في مشروع طه، أبرزهم عبد الله العروي، في كتابه: مفهوم العقل، مقالة في المفارقات (الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 2001)، ص9-10، 106، 107. وانتقد العروي المنعطف اللغوي المنطقي لطه في كتابه: خواطر الصباح، حجرة في العمق: يوميات (1982-1999) (الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 2005)، ص222-225. وقد رد طه على العروي، بشكل غير مباشر، في أكثر من كتاب؛ أبرزها: فقه الفلسفة 2، وكتاب: بؤس الدهرانية: النقد الائتماني لفصل الأخلاق عن الدين (بيروت: الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2014). وكتاب: ثغور المرابطة، مقاربة ائتمانية لصراعات الأمة الحالية (الرباط: مركز مغارب للدراسات في الاجتماع الإنساني، 2018)، ص193-234. وللرجوع إلى المواجهة الفكرية بين طه عبد الرحمن وعبد الله العروي يُنظر في كتابي عباس ارحيلة، فيلسوف في المواجهة: قراءة في فكر طه عبد الرحمن (الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 2013)، وبين الائتمانية والدهرانية: بين طه عبد الرحمن وعبد الله العروي (بيروت: المؤسسة العربية للفكر والإبداع، 2016).
20 - ننبه إلى أن الأجزاء المتعلقة بـ"التفكير" و"السلوك"، من مشروع فقه الفلسفة، لم تصدر بعد، وإن كنا لا نعدم أفكارها في كتب أخرى لطه وبعض دراساته، وخاصة كتاب: الحق العربي في الاختلاف الفلسفي، ط1 (الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 2002)، وطه عبد الرحمن، فقه الفلسفة 1. الفلسفة والترجمة، ط1 (الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 1995)، ص168، 200.
21 - عبد الرحمن، فقه الفلسفة 1، ص372.
22 - طه عبد الرحمن، اللسان والميزان أو التكوثر العقلي، ط1 (الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 1998)، ص339.
23 - طه عبد الرحمن، "كيف يكون الإبداع الفلسفي إبداعًا لُغويًا؟"، مجلة المناهل، الرباط، س 25، ع 62-63 (صفر 1422هـ/ ماي 2001م)، ص20.
24 - عبد الرحمن، فقه الفلسفة 1، ص59.
25 - عبد الرحمن، حوارات من أجل المستقبل، ص90-91.
26 - عبد الرحمن، اللسان والميزان، ص328.
27 - عبد الرحمن، فقه الفلسفة 1، ص99.
28 - عبد الرحمن، اللسان والميزان، ص328.
29 - عبد الرحمن، فقه الفلسفة 1، ص85.
30 - عبد الرحمن، اللسان والميزان، ص332-333.
31 - عبد الرحمن، فقه الفلسفة 1، ص98-99.
32 - ذكر طه من المعايير: معيار اتحاد الوزن مع اختلاف المعنى، ومعيار اتحاد الوزن مع تشابه المعنى، ومعيار اتحاد المادة مع اختلاف المعنى، ومعيار اتحاد المادة مع تشابه المعنى، إضافة إلى معايير التقابل بين الأدوات، والمناسبة الدلالية بين المعنى الاصطلاحي للفظ ومعناه اللغوي، عبد الرحمن، اللسان والميزان، ص336-337.
33 - عبد الرحمن، اللسان والميزان، ص338-339.
34 - عبد الرحمن، فقه الفلسفة 2، ص263.
35 - وسبب هذا أن بعض المترجمين ينقلون عن السريانية من غير معرفة بلغة الأصول الفلسفية التي هي اليونانية، عبد الرحمن، فقه الفلسفة 1، ص94.
36 - عبد الرحمن، اللسان والميزان، ص342.
37 - عبد الرحمن، فقه الفلسفة 1، ص89. كما بقي هاجس تقديس النص الفلسفي المنقول مهيمنًا على النقلة والمترجمين، وبثُّوه في الناس من خلال أعمالهم، عبد الرحمن، فقه الفلسفة 1، ص100.
38 - عبد الرحمن، فقه الفلسفة 1، ص63. ويُنظر عبد الرحمن، الحق العربي في الاختلاف الفلسفي، ص117-118.
39 - عبد الرحمن، "كيف يكون الإبداع الفلسفي إبداعا لغويا؟"، ص13.
40 - اللغة الخالصة عبارة عن الحال التي تتآلف فيها جميع وجوه القصد المميزة للغات الخاصة. عبد الرحمن، فقه الفلسفة 1، ص68.
41- Benjamin, W, " La tâche du traducteur " in Mythes et violence I, traduction de De Gandillac, M, édit, Denoël, Paris, 1971.
42 - عبد الرحمن، فقه الفلسفة 1، ص74.
43 - التوسط الخفي هو النقل الذي يتم انطلاقًا من الأصل مع حصول الاستعانة بنموذج نقلي لا يكون هو ذاته نقلا لهذا الأصل نفسه. عبد الرحمن، فقه الفلسفة 1، ص93.
44 - عبد الرحمن، فقه الفلسفة 1، ص106.
45 - هي: "الوجود والزمان"، و"المدخل إلى الميتافيزيقا"، و"ما المقصود بالتفكير؟"، و"فجر الفكر اليوناني"، و"الأسئلة". عبد الرحمن، فقه الفلسفة 1، ص107-108.
46 - مثل: "الترجمة والحرف" و"الترجمة وخطاباتها"، عبد الرحمن، فقه الفلسفة 1، ص117.
47 - من نماذج التخيلات قول بنيامين: "إن اللغة الحق غيب دفين يحمله كل لسان طبيعي"، وقول هيدغر: "إن اللغة تنطق فينا، ولا ننطق بها"، وقول غادامير: "إنَّ الحوار الحق يسيِّرنا ولا نسيِّره"، وقول دريدا: "إن النص يقبل الترجمة ولا يقبلها"، وقول بنجامين: "إن للاختلاف اختلافا"، وقول برلمان: "إن الترجمة هي كشف كشفٍ"، عبد الرحمن، فقه الفلسفة 1، ص120.
48 - عبد الرحمن، فقه الفلسفة 1، ص129-130.