الوجوه والنظائر في ألفاظ المدونة الفقهية الحنبلية:
(كشاف القناع) أنموذجًا – دراسة استقرائية تحليلية

عبد الرحمن بن خالد السعدي

أستاذ مساعد الفقه المقارن، قسم الدراسات الإسلامية والعربية، جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، الظهران – السعودية

aalsaadi@kfupm.edu.sa

تاريخ الاستلام: 07/09/2023                  تاريخ التحكيم: 23/05/2024                   تاريخ القبول: 13/11/2024

ملخص البحث

أهداف البحث: يهدف البحث إلى إفادة المدونة الفقهية الحنبلية من فكرة التصنيف في الوجوه والنظائر، وبيان وجوه الألفاظ التي جاءت فيها، وأسباب تعدّدها.

منهج البحث: سلك الباحث المنهج الاستقرائي؛ من خلال تتبّع وجوه الألفاظ التي جاءت في المدوّنة الفقهية الحنبلية من خلال (كشّاف القناع) للبهوتي – رحمه الله، والتحليلي من خلال عرض الوجوه المتعدّدة والمقارنة فيما بينها، والكشف عن أسباب تعدّدها.

النتائج: توصّل البحث إلى أهميّة التصنيف في الوجوه والنظائر للمدونات الفقهية؛ لما فيه من تيسيرٍ وتقريبٍ لها وخدمةٍ للمنتفعين بها، وبيان لمسرد الألفاظ ذات الوجوه التي ميّز أحد وجوهها البهوتيّ – رحمه الله – في (كشاف القناع)، ورجوع لأحد الأسباب الأربعة في تعدّد وجوه الألفاظ في المدونة الحنبلية.

أصالة البحث: يُعدّ البحث أوّل دراسة تُبرز وجوه الألفاظ في المدونة الفقهية الحنبلية، وتبحث في أسباب تعدّدها؛ قد تكون سببًا في مزيد الاهتمام بالألفاظ والمصطلحات الفقهية لما حوته المدونات الفقهية الأخرى.

الكلمات المفتاحية: الوجوه، النظائر، الحنابلة، البهوتي، كشاف القناع، المدونة الفقهية

 

للاقتباس: السعدي، عبد الرحمن بن خالد. «الوجوه والنظائر في ألفاظ المدونة الفقهية الحنبلية (كشاف القناع) أنموذجًا – دراسة استقرائية تحليلية»، مجلة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة قطر، المجلد 43، العدد 2 (2025).

https://doi.org/10.29117/jcsis.2025.0422

©2025، السعدي، عبدالرحمن بن خالد. مجلة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، دار نشر جامعة قطر. نّشرت هذه المقالة البحثية وفقًا لشروط Creative Commons Attribution-Non Commercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0). تسمح هذه الرخصة بالاستخدام غير التجاري، وينبغي نسبة العمل إلى صاحبه، مع بيان أي تعديلات عليه. كما تتيح حرية نسخ، وتوزيع، ونقل العمل بأي شكل من الأشكال، أو بأية وسيلة، ومزجه وتحويله والبناء عليه، طالما يُنسب العمل الأصلي إلى المؤلف. https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0

 


 

Polysemes and Synonyms (wujūh and naẓāᵓir) in Hanbali Legal Terminology: An Inductive Analysis of Kashshāf al-Qināᶜ

Abdulrahman Khalid Alsaadi

Assistant Professor of Comparative Jurisprudence, Department of Islamic and Arab Studies, King Fahd University of Petroleum and Minerals, Dhahran–KSA

aalsaadi@kfupm.edu.sa

Received: 07/09/2023                      Peer-reviewed: 23/05/2024                            Accepted: 13/11/2024

Abstract

Objectives: This research contributes to the Hanbali legal corpus an expert study of the methodology of “wujūh and naẓāir” (the lexical classification of polysemous and synonymous expressions). It identifies the various meanings of specific terms within this tradition and investigates the underlying reasons for their differences.

Methodology: The study pursues an inductive approach that traces the occurrences of polysemous statements in the Hanbali legal tradition, with a particular focus on al-Bahūtī’s book Kashshāf al-qināᶜ ᶜan matn al-iqnāᶜ. Additionally, it employs an analytical approach to present, compare, and critically examine the different meanings of these statements while explaining the reasons behind their variations.

Findings: The research highlights the significance of the wujūh and naẓāᵓir typology in legal texts, and its role in facilitating comprehension and enhancing accessibility for scholars and practitioners. It identifies and classifies statements with multiple meanings, including those uniquely engaged and clarified by al-Bahūtī and those whose meanings can only be discerned through contextual analysis within the same work. Also, this study attributes the variation in meaning to four principal factors.

Originality: This research represents the first dedicated study to systematically examine polysemous statements within the Hanbali legal tradition and explore the causes of their semantic multiplicity. It is expected to stimulate further scholarly engagement with legal terminology in other jurisprudential works.

Keywords: Wujūh; Naẓāᵓir; Polysemy; Synonymy; Hanbali School; Al-Bahūtī; Kashshāf al-qināᶜ; Legal terminology

 

Cite this article as: Al Saadi, A.K. "Polysemes and Synonyms (wujūh and naẓāᵓir) in Hanbali Legal Terminology: An Inductive Analysis of Kashshāf al-Qināᶜ", Journal of College of Sharia and Islamic Studies, Qatar University, Vol. 43, Issue 2 (2025).

https://doi.org/10.29117/jcsis.2025.0422

© 2025, Al Saadi, A.K. Published in Journal of College of Sharia and Islamic Studies. Published by QU Press. This article is published under the terms of the Creative Commons Attribution-Non-Commercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0), which permits non-commercial use of the material, appropriate credit, and indication if changes in the material were made. You can copy and redistribute the material in any medium or format as well as remix, transform, and build upon the material, provided the original work is properly cited. The full terms of this licence may be seen at: https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0

 


 

مقدمة

لقد كان لجهود العلماء في تدوين الفقه الإسلامي أثرٌ في تكوّن التراث الإسلاميّ الأصيل، ومصدرٌ للأجيال للنظر في النّتاج العلمي لتلكم العقول التي تتابعت لإظهار هذا المنتج الذي يُعدّ مَرْجعًا للفقهاء وللأمة للنّظر في اجتهادات علمائها في القضايا المختلفة.

ونظرًا لما حوتْه المدوّنات الفقهيّة – بمختلف مذاهبها ومناهجها – على كنْزٍ ثريٍّ، وعلْمٍ مُؤصّلٍ يمْتلئ نُورًا وحكمةً ارتوى مِنْه المسلمون – وبالأخصّ طلبة العلم منهم – لظمئهم العلميّ، وانتهلوا منه علمًا وفقهًا وفهمًا؛ فأصبحت المدوّنات الفقهيّة مأوى للفقيه المجتهد يبني فيه علْمه واجتهاده في المسائل الفقهيّة.

أهمية البحث وأهدافه

ولأنّ المدونات الفقهية مأرزٌ لاجتهادات الفقهاء؛ فقد كان بناؤها اللفظي يتزيّن بحُسْن الصّياغة والبناء اللّفظيّ؛ لتحقّق مقصودها، مع مراعاةٍ – في بعضها – لروعةٍ في البيان والفصاحة. وقد كسا العلماء مُدوناتهم حُلَل الصّنعة اللّفظيّة الدقيقة؛ مراعين في ذلك اختصاص اللفظة المستعملة لحقائقها الثلاثة – اللّغوية والعرفية والشّرعية-([1])، وامتياز بعض أبواب المدونة الفقهية لاصطلاحاتٍ خاصّةٍ فيه.

وبما أنّ العلوم الإنسانية تتأثّر ببعضها في الصّنعة، كانت العلوم الشرعية أولى في استفادة بعضها البعض في التصنيف، وكان منهج التحليل والمقارنة البحثي هو الوسيلة لتحقيق غاية تقريب العلم بالاستفادة من أدوات العلوم الشّرعية الأخرى. ويتأكد أثر هذا الصّنيع إذا كانت ثمرته تنفع العلم، وتقدّم له خدمة للمستفيدين منه؛ لذا كان هذا البحث مُقاربة لصنيع أهل علوم القرآن في الإبداع في التصنيف، ومُقارنة للمدونات الفقهية فيما حوته من ألفاظ جاء لها نظائر في المدونة الفقهية الواحدة على وجوهٍ مختلفةٍ في المعاني.

وفي هذا البحث الذي يُعنى بالمصطلحات خدمةٌ للمدونات الفقهية المذهبية التي تُمثّل مرجعًا لطلبة العلم المنتفعين من هذه المدونات، وتقريبٌ يُسهّل الاستفادة من كتب المذهب الفقهي. وقد تباينت المذاهب الفقهية في بناء مذاهبها، فبات لكلّ مذهبٍ فقهيٍّ مدوناته الخاصّة؛ أثرًا وتأثّرًا – أثرًا في التدوين والتصنيف، وتأثّرًا بما ابتُنِيَتْ منه، فاعتنى كلّ مذهبٍ بمذهبه وموروثاته؛ تعميقًا وتقريبًا. ومن ذلك ما صنعه بعض المالكية كشافًا يبحث في ألفاظ المدونات الفقهية المالكية؛ اهتمامًا بالمصطلحات – كما سيأتي بيانه، حتى تُفيد المدونة الفقهية الحنبلية من فكرة تصنيف الوجوه والنظائر، وتتبيّن من خلالها وجوه الألفاظ المتعدّدة وأسباب تعدّدها.

مشكلة البحث وخطته

فإنّ تعدّد الوجوه للفظ الواحد في المدونة الفقهية، يتطلب كشفًا عنها في سياقاتها، ويتأكّد ذلك فيما ينصّ عليه مؤلف المدونة الفقهية. وبناءً على ما سبق، فاخترت أن يكون البحث في بيان الوجوه والنّظائر لمصطلحات مدوّنات أحد المذاهب الفقهيّة؛ فجعلت المذهب الحنبليّ محلّ الدّراسة، واخترت سِفْرًا مُتأخّرًا بنى محتواه من كتب المذهب المتقدّمة؛ ليكون محلّ الاستقراء، بالإضافة إلى أنّ مُؤلّفه علمٌ من أعلام المذهب المتفنّنين في التأليف والتدريس، فوقع الاختيار على (كشّاف القناع عن متن الإقناع)، كنموذجٍ للمدوّنة الحنبليّة لمؤلّفه الشّيخ منصور بن يونس بن صلاح الدّين بن حسن بن إدريس البهوتيّ – رحمه الله – (ت: 1051هـ)؛ لمكانة أصله، وغزارة مسائل المتن – الإقناع لمؤلفه شرف الدين أبو النجا موسى بن أحمد الحجاوي (ت: 968هـ)، وكونه من أوعب المتون المتأخرة عند الحنابلة التي اهتُمّ بها في التحشية والشرح، وعدّ الكشّاف مرجعًا للفتيا والقضاء، ومنارةً علميّة مُعتبرةً في المذهب، وله حظوةٌ ومكانةٌ مرموقةٌ عند المهتمين بالفقه الحنبلي.

وسمّيتُ هذا البحث بالوجوه والنظائر في ألفاظ المدونة الفقهية الحنبلية (كشاف القناع) أنموذجًا، وكانت هذه الدراسة دراسةً استقرائيةً تحليليةً، مُجيبًا فيها عن أسئلة البحث التالية: ما الألفاظ التي تكرّر ذكرها في المدونة الفقهية الحنبلية – كشاف القناع أنموذجًا – واخْتَلَفَتْ بينها المعاني؟ وما العلاقة بين هذه المعاني المختلفة؟ وما أسباب تعدّد الوجوه في المدونة الفقهية؟

وجعلت البحث في ثلاثة مباحث؛ المبحث الأول: يُبيّن المراد من عنوان البحث في مطلبين: الأول في بيان معنى الوجوه والنظائر، والثاني في أهمية بحثها في المدوّنة الفقهيّة. والمبحث الثاني لمسرد النظائر ذات الوجوه في كشاف القناع، وذلك في مطلبين: الأول في نظائر الألفاظ التي نُصّ على تمييز أحد وجوهها، والثاني في نظائر الألفاظ التي كَشَف السّياق عن وجوهها. والمبحث الثالث في أسباب تعدّد وجوه الألفاظ في المدونة الحنبلية.

منهجية البحث

أذكر أدناه المنهج الذي سلكته في هذا البحث:

أولًا: سلكت منهج الاستقراء في تتبع الألفاظ – النظائر – التي ذُكرت في كشّاف القناع ولها معانٍ مختلفةٍ، ومنهج التحليل في العلاقة بين هذه المعاني – الوجوه، وبيان شيءٍ من أسباب تعدّدها وآثارها إن وجد.

ثانيًا: رتبت كلّ مسردٍ ترتيبًا ألفبائيًا، وأثبت الألفاظ بصيغتها التي استخدمها فقهاء الحنابلة إلا إذا تعدّدت الصّيغ المستخدمة فيها فأثبتها بالأكثر استعمالًا أو بالجذر اللغوي لها.

ثالثًا: حرصت على التعبير عن اللفظ ببيان وجوهه بحسب البعد أو القرب بين الوجوه في المعاني، فما كان واضحًا ذكرته مجملًا، وإلا أبرزت كلّ وجهٍ من الوجوه منفردًا.

رابعًا: اقتصرت في بيان الوجوه على إبراز الدلالة الاصطلاحية كما جاءت عند فقهاء الحنابلة، مجتهدًا في ذلك على تتبع استعمالاتها عندهم، وذاكرًا بيان صلتها بالدلالة اللغوية إذا لم تعرف إلا من السياق إذا كان ثمّة حاجةٌ لذلك.

خامسًا: التزمت المنهجية العلمية في الكتابة والتوثيق، واعتمدت ذكر التوثيقات في الحاشية، غير أني استثنيت توثيق ما نُقل من كشاف القناع؛ لأنّه محلّ الدراسة، ولكثرة النقل عنه، فوثّقت الجزء والصفحة قبل النقل، ومثاله: يقول البهوتيّ – رحمه الله – (بيان الجزء/بيان الصفحة): «...»، واعتمدت نسخة وزارة العدل السعودية؛ لمكانتها ولما لها من رواجٍ بين طلاب العلم([2]).

الدراسات السابقة

بعد التتبع والاستقصاء في المصادر المهتمّة في الفقه الحنبلي، لم أجد من اهتمّ بإبراز وجوه الألفاظ في مدونات الحنابلة الفقهية، رغم اهتمامهم في مجالاتٍ أُخرى في التصنيف في الألفاظ والمصطلحات الفقهيّة، ومن ذلك:

أولًا: الدّراسات ذات الاهتمام بلغة الفقه الحنبلي أو بلسان المذهب الحنبلي الذي عبّر بواسطته عما يريد من تقعيدٍ أو تفريعٍ، وهذه مؤلفاتٌ مُتعدّدةٌ كمصطلحات الفقه الحنبلي وطرق استفادة الأحكام من ألفاظه، للدكتور سالم علي الثقفي ونحوه.

ثانيًا: الدّراسات ذات الاهتمام بالمشترك اللفظي والتي تُعنى بالألفاظ التي استعملت للدّلالة على معنيين أو أكثر، واهتم بهذه الدراسات المتخصصون في أصول الفقه كدراسةٍ تأصيليةٍ تطبيقيةٍ لآثارها، ومن هذه الدّراسات بحثٌ محكّمٌ بعنوان: المشترك اللفظي عند الأصوليين وأثره في اختلاف الفقهاء في الفروع الفقهية للدكتور بابكر الخضر يعقوب تبيدي.

ثالثًا: الدّراسات ذات الاهتمام بالمصطلحات المشتركة بين العلوم، وهي من الدّراسات البينيّة التي اهتمّت بتقصّي مصطلحات أهل فنٍّ بغيرهم من أهل الفنون والعلوم الأخرى، ومن هذه الدّراسات رسالة دكتوراه بعنوان: المصطلحات المشتركة بين علم أصول الفقه والعلوم الأخرى للدكتور محمد الكلثم.

رابعًا: الدّراسات ذات الاهتمام بالمعاجم الفقهية والكشف عن ألفاظ الفقهاء أو مصطلحات المدوّنات الفقهية، دون تخصيصها بالألفاظ ذات الوجوه المتعددة التي ذكرت في مدونةٍ فقهيّةٍ مذهبيّةٍ مُحدّدةٍ.

وبناءً على ما سبق، فإنّ مما يميز هذا البحث – بحسب علمي – أنّه لم يُسبق لمثله بحثًا ودراسة؛ ففارق مجال الدّراسات السّابقة المذكورة من وجهٍ، وأضاف وجهًا آخر بكشف البحث عن فكرةٍ دقيقةٍ في الصّنعة الفقهية البديعة لمدونات الحنابلة، وذلك بإبراز الألفاظ التي ذُكرت في المدونة الفقهية الحنبلية، وتعدّدت وجوه استعمالاتها.

وقد كنت قبل البدء في كتابة هذا البحث مُعتقدًا سُهولته ويُسره، وقد أسهم في تكريس هذا الاعتقاد لديّ أنّ نطاق البحث محصورٌ في مدونةٍ فقهيةٍ واحدةٍ، غير أنّ هذا الاعتقاد بدأ بالتلاشي عند بداية العمل، وتأكّد خلافه مع مرور الوقت، وخاصّة في بيان منهج البحث الضّابط له والتزامي به، مع صعوبةٍ ظهرت في التتبع للألفاظ وفي فهم استعمالاتها، وفي التأكد من وجود الفرق بين معانيها المختلفة.

سائلًا مولاي المنعم أن يمدّني والقارئ الكريم بعونه وتوفيقه، إنّه جوادٌ كريمٌ.

المبحث الأول: بيان معنى الوجوه والنظائر وأهمية بحثها

المطلب الأول: معنى الوجوه والنظائر لغةً واصطلاحًا

في اللّغة: الوجوه جمع وجهٍ، وهذا الأصل الثلاثي دالٌّ على مقابلةٍ لشيءٍ، والوجه مُستقبل لكلّ شيء([3]). وتُستعمل الوجوه لغةً في التشابه بين الأشياء كما في الحديث: «... فتنٌ كقطع الليل المظلم يتبع بعضها بعضًا، تأتيكم مشتبهةً كوجوه البقر لا تدرون أيًّا من أيٍّ»([4])، ومعناها أنّ الفتن تُشبه بعضها بعضًا؛ لأنّ وجوه البقر تتشابه كثيرًا؛ أراد أنّها فتنٌ مُشتبِهةٌ لا يُدرى كيف يُؤتى لها([5]). وتستعمل الوجوه كذلك في الاحتمال على أكثر من مرادٍ للفظة، أي ترى أنّ لهذه اللفظة معاني يحتملها فتهاب الإقدام عليه([6])، وجاء هذا المعنى مؤكَّدًا في معاني كتاب الله تعالى استنادًا لبعض الآثار([7]). والنظائر: جمع نظيرةٍ، وتُطلق على المثل والشّبه في الأشكال، أي: الأخلاق والأفعال والأقوال([8]).

وفي الاصطلاح: جاء استعمالهما معًا في علوم القرآن، ومما جاء في دلالتهما أن ترد الكلمة الواحدة في القرآن في مواضع بذات اللفظ، وأُريد بكلّ مكانٍ معنًى غير الآخر، فالنظائر هي الألفاظ التي ذُكرت في أكثر من موضعٍ، والوجوه هي المعاني التي فُسّرت بها هذه الألفاظ بحيث يكون لكلّ كلمةٍ معنًى مختلف، وجاء هذا التقرير عند ابن الجوزي – رحمه الله-([9])، وهو الذي أمضيته في البحث مُعتمدًا في النّظائر على الأصل الاشتقاقي للألفاظ. والنّظائر جاءت مع الأشباه عند الفقهاء، ولا تخرج عن مدلولها اللغوي، ومحلّها المسائل المتشابهة فيقال هذا نظيرُ هذا([10]). وصلة ما ذُكر في الاصطلاح باللغة ظاهر – كما سبق، ومما يُبين ذلك قول ابن دريد – رحمه الله: «ووجه الكلام: السبيل التي تقصدها به»([11]).

المطلب الثاني: البحث في الوجوه والنظائر وأهميته في المدونة الفقهية

إنّ المتبادر في الأذهان أنّ الوجوه والنظائر متصلةٌ بعلوم القرآن لا بغيرها تصنيفًا وتأليفًا، فهو حينئذٍ من صنيع علماء هذا الفنّ، إلا أنّ هذا الأمر لا يمنع من نقل فكرة التصنيف هذه إلى فنون العلوم الإسلامية الأخرى؛ فالعلوم بطبيعتها متداخلة، وتتأثّر بغيرها وتُؤثّر به.

وللنظر في تاريخ التأليف في الفنّ الذي اهتم بالوجوه والنظائر تصنيفًا؛ فإنّه رُغم نيله مكانةً في تحرير مصنفاته وإبداعها، وحرص علمائه على تدوين النتاج العلمي المتصل به، إلا أنّه قد تأخر التدوين فيه مقارنةً بالعلوم الإسلامية وبالأخص علوم الحديث، بل إنّ متتبعي تاريخ التدوين في العلوم ينصّون على تأثّر علوم القرآن بعلوم الحديث في التدوين والتأليف. وأشار اليوسي – رحمه الله – إلى تأخر التأليف في علوم القرآن والتفسير عن نظائرها في العلوم الإسلامية الأخرى على ما تقتضيه صنعة التأليف([12]).

وكما ذُكر، قد استمدّ فنّ علوم القرآن جذوره من فنّ علوم الحديث الذي تطوّر واستوى على سوقه قبل علوم القرآن؛ فتأثّر به الباحثون والمؤلفون في علوم القرآن، في المصطلح والبناء. فوجد روّاد التأليف في علوم القرآن تجربةً ناجحةً ناضجةً أمامهم، حريّةً بالاقتداء والتأثر، في علمٍ يمت بصلاتٍ وثيقةٍ إلى علوم القرآن، هو علوم الحديث. على أنّ المؤلفين في علوم القرآن، لم ينقلوا مناهج علوم الحديث كما هي، وإنما حوروها لتتلاءم مع مُضَمَّن علوم القرآن. وليس فنّ علوم القرآن بدعًا من غيره من العلوم الإسلامية في هذه الناحية؛ فعلوم اللغة والتاريخ كلاهما أيضًا تأثّر المؤلفون فيه بعلوم الحديث مصطلحًا وبناءً([13]).

وبناءً على ما سبق؛ فإنّنا نجد التداخل بين العلوم في التصنيف والتأليف أثرًا وتأثّرًا، فكما أنّ التصنيف في علوم القرآن استمدّ جذوره من غيره فتأثّر به، فكذلك الحال في فنون التصنيف غيره – كالفقه الإسلامي مثلًا – يمكن أن يُؤثّر التأليف في علوم القرآن به، فكانت هذه الفكرة البحثية لكتابة الوجوه والنظائر للمدونة الفقهية المذهبية تأثرًا بصنيع أهل علوم القرآن.

وهذا التأثر والتأثير بين العلوم أثرى كلّ فنٍّ وتصانيفه، وجوّد البحث ووسّع غاياته؛ وألفاظ القرآن ليست كأيّ ألفاظ مصنفٍ آخر؛ لكنّ مدرج التصنيف الفقهي داخل كلّ مذهب يُعدّ منارة لدى المنتسبين له، فكانت الدراسات المعينة على التعامل مع كتب المذهب وتقريبها ذات أهمية وجدوى وأثر من الناحيتين العلمية والعملية.

وتُعدّ دراسات الوجوه والنظائر من دراسات الألفاظ والمصطلحات، وقد اهتم علماء الفقه في دراسة المصطلحات الفقهية، وما تضمنته مدوناتهم الفقهية من استعمالات للألفاظ، ومن هذا الصنيع ما عُمل بشأن المدونة المالكية بمؤلّفٍ سُمّي بـ: كشف المصطلحات الفقهية من خلال مختصر خليل بن إسحاق المالكي لمحمد المصلح، إلا أنّه لم يقتصر على الألفاظ ذات الوجوه، بل كَشَف عن كل المصطلحات الواردة في المختصر.

وتبرز أهمية بحث الوجوه والنظائر في المدونة الفقهية الحنبلية في خدمة المذهب الفقهي الحنبلي، وتقريبه للمنتفعين من مدوناته، وتيسير كشف ألفاظه؛ فالمدونات الفقهية الكبرى – ككشاف القناع مثلًا – تمثّل مرجعًا رئيسًا لطلبة العلم المتقدمين الباحثين عن الفروع الفقهية الحنبلية.

ويجد المطلع على المدونات الفقهية الكبرى الموسعة أنّ كثيرًا من الفروع الفقهية المذكورة فيها قد ذُكرت في غير مظانّها؛ لمناسبات معتبرة عند العلماء المصنفين لها اقتضت ذلك، وكثيرًا من المصطلحات الفقهية والألفاظ تتبع هذا التصرف؛ فلا يهتدي إليها الباحث إلا بعد جهد، أو معاناة والتباس في بعضها، ولتسهيل هذا الأمر لدى المهتمين بهذه المدونات، كان للبحث في نطاق المصطلحات والألفاظ أهمية ظاهرة، وهو آكد أهمية عندما يكون البحث في الوجوه والنظائر لمدونةٍ فقهيةٍ مُعينةٍ؛ لما تحتويه من التقريب الذي يُسهّل للمستفيد الباحث الإفادة منها.

المبحث الثاني: مسرد الوجوه والنظائر في كشاف القناع

فإنّ من وجوه الألفاظ التي تم استقراؤها ما ميزها المؤلّف في مدونته بحيث ذكر أنّها في هذا الباب تُغاير ما ذُكر في غيره – مثلًا – أو أنّه يُراد لها معنًى مخصوص في هذا الاستعمال المخصوص، والأخرى لا تُعرف إلا من السّياق – من غير تنصيص على أحد وجوهها. ولذا فجُعل المبحث في مطلبين:

المطلب الأول: مسرد نظائر الألفاظ التي جاء في كشّاف القناع تخصيص أحد وجوهها

1.      الأجنبي: هو غير المتعلّق بالشّيء الخارج عنه، وهو في كلّ بابٍ بحسبِه؛ كالكلام الأجنبيّ في الصّلاة، أو غير المحرم في النّكاح، ويرد كذلك في البيع والصّلح، وذكر البهوتيّ – رحمه الله – وجهًا مخصوصًا في الجنايات بقوله (13/434): «والمراد هنا بالأجنبي: غير الجاني والمجني عليه، ووليه، والطبيب بأمره...».

2.      الأصول: جمع أصلٍ، وهو في اللغة أساس الشيء([14])، ولا تخرج الوجوه المذكورة عن هذه الدلالة اللغوية، وكانت هذه الوجوه أربعة وجوه عند البهوتيّ – رحمه الله، وهي:

الوجه الأول: ما كان دليلًا للشيء أو قاعدته، ومن ذلك قوله – رحمه الله – (2/455): «قاعدة: وهذا هو الأصل المعتمد عليه في سائر الواجبات لسقوطها بالسهو، وانجبارها بالسجود، كواجبات الحج»، وما كان مرجعًا لغويًا للفظة كقوله – رحمه الله – (3/6): «(وهو) أي التطوع في الأصل: فعل الطاعة. و(شرعًا)، وعرفًا..»، ومنه المقاس عليه في القياس الأصولي – كما سيأتي الحديث عنه في الفرع-.

الوجه الثاني: ما كان في سياق الدلالة على استصحاب الحال وعدم ورود الطارئ الناقل عن هذا المستصحَب؛ فيجيء ذكرهم لها من أنّ الأصل في الأشياء الإباحة إلا لدليل، والأصل السلامة من العوارض المزيلة له، ونحوهما. فهو يأتي في مقابل الطارئ، أو العارض أو الرخصة أو التبع أو البدل، ومن ذلك قول البهوتيّ-رحمه الله – (1/268): «تغليبًا للإقامة لأنّها الأصل... لأنّ الأصل الغسل، والمسح رخصة»، وقوله – رحمه الله – (2/343): «لأنّ الجبهة هي الأصل في السجود، وغيرها تبعٌ لها».

الوجه الثالث: وهو ما يتولّد منه الشيء، أو ما كان له تابعٌ، سواءً كان كائنًا حيًا أو لم يكن. حيث جاء بابٌ في كتاب البيع سُمي بباب الأصول والثمار، ويقصدون بالأصل: الشجر؛ كقوله – رحمه الله – (8/72): «(أو يبيع الثمرة لمالك الأصل: أي الشّجرة..»، وكذلك جاء في تعريف الباب التنصيص على الخصوصية بقوله – رحمه الله – (8/57): «(الأصول) جمع أصل؛ وهو ما يتفرع عنه غيره، والمراد به (هنا أرض، ودور، وبساتين، ونحوها) كمعاصر، وطواحين». ويقصدون به الأب وإن علا في مواطن متعددة منها كالمواريث، ولهم في باب الشهادة استعمال خاص عند دراسة مسائل شهادة الأصل وشهادة الفرع عنه، وهي كنايةٌ عن المتولّد عنه.

الوجه الرابع: وهو المال الذي نتج عنه ربحٌ في التجارة؛ كقوله في التعليل على مسألةٍ في زكاة مال التجارة (4/330): «...فإن حوله) أي: ما ذكر من الربح والنتاج (حول أصله)»، وبين الوجوه الثلاثة الأخيرة صلةٌ وتداخلٌ.

3.      البوادي: يُقال: أهل البوادي، وهم من يسكن البادية، ومفردها البادي، فجاء الوجه الأول في كتاب الأطعمة عن الطعام المستخبث – مثلًا – حيث يقول البهوتيّ – رحمه الله – (14/286): «... (ولا عبرة بأهل البوادي)». لكنّ الوجه المخصوص جاء في قول البهوتيّ – رحمه الله – (7/378): «...أحدها: (أن يحضر البادي، وهو) المقيم في البادية، والمراد هنا (من يدخل البلد من غير أهلها، ولو غير بدوي) ...».

4.      4- البيع والشراء: جاء البيع والشراء مخصوصَيْن في الأرض الخراجية في كتاب الجهاد، حيث يقول البهوتيّ – رحمه الله – عن البيع (7/179): «(ومعنى البيع هنا: بذلها بما عليها من خراج إن منعنا بيعها الحقيقي) كما هو المذهب؛ لما تقدم من أنّ عمر وقفها، وأقرّها بأيدي أربابها بالخراج، والوقف لا يُباع إلا إذا تعطّلت مصالحه». وقال – رحمه الله – عن الشراء كذلك (7/180): «(ويجوز شراء أرض الخراج استنقاذا، كاستنقاذ الأسير، ومعنى الشراء: أن تنتقل الأرض) إليه (بما عليها من خراجها) لامتناع الشراء الحقيقي»؛ هذا هو الوجه الخاص الذي نصّ عليه البهوتيّ – رحمه الله، والوجه الآخر معناه ظاهر في المبادلة بين شيئين على شروطٍ وأوصاف ينصّون عليها ليكون البيع شرعيًّا، وهو الذي منه كتاب البيع.

5.      التدليس: حيث جاء في كشاف القناع وجهان للتدليس؛ يقول عنهما البهوتيّ – رحمه الله – في خيار التدليس (7/438): «(وهو) أي:‌‌ التدليس (ضربان: أحدهما: كتمان العيب. والثاني: فعل يزيد به الثمن) وهو المراد هنا (وإن لم يكن عيبًا...».

6.      التسوية: إذا أُطلقت التسوية، فيقصد منها المعادلة، كقولهم: هذان متساويان، أي: متعادلان متماثلان. وجاء الوجه الخاص منصوصًا في التسوية بين الأولاد، يقول البهوتيّ – رحمه الله – (10/146): «(والتسوية هنا) بين الأولاد، والإخوة لغير أم ونحوهم (القسمة، للذكر مثل حظ الأنثيين) وتقدم ذلك في قوله: بقدر إرثهم». ومرجع كلا الوجهين إلى العدل؛ لأنّ القسمة الشرعية عدلٌ.

7.      التولية: جاء استعمال الوجه الأول على الحقيقة اللغوية؛ وذلك بمعنى جعله واليًا على الشيء، أي: مقلّدًا بعمل الإمارة أو القضاء وغيرهما، والمعنى المخصوص للحقيقة الشرعية مضافًا إلى البيع، يقول البهوتيّ-رحمه الله – مبينًا ذلك (7/469): «.. فالتولية) لغة: تقليد العمل، والمراد بها هنا: (البيع برأس المال) فقط».

8.      الجزم: يجيء الجزم في المدونة الفقهية الحنبلية ويُقصد باستعماله المضيّ في الأمر وتأكيده، كما جاء اشتراط الجزم بالنيّة – مثلًا، وجاء الوجه الخاصّ على معنًى آخر كما قال البهوتيّ – رحمه الله – (2/378): «(ويُستحب جزمه، و) هو (عدم إعرابه، فيقف على كل تسليمةٍ)؛ لأنّ المراد بالجزم هنا معناه اللغوي...».

9.      الحمل: هو ما يكون في بطن كلّ حبلى، وله وجهٌ خاصٌّ في باب ميراث الحمل؛ يقول البهوتيّ – رحمه الله – (10/452): «والمراد به هنا: ما في بطن الآدمية من ولد»، والمعنى الأول جاء في كتاب الزكاة – مثلًا-.

10.   الرّحم: وله وجهان في استعمال فقهاء الحنابلة؛ فالأوّل: كلّ قرابةٍ فهو رحمٌ، والثّاني: جاء مخصوصًا في الفرائض، يقول البهوتيّ – رحمه الله – (10/436): « (وهم) أي: ذوو الأرحام اصطلاحًا في الفرائض: (كلّ قرابة ليس بذي فرضٍ ولا عصبةٍ)».

11.   الرّشد: هو يأتي كشرطٍ في بعض التصرفات؛ فالتصرّفات الماليّة يُقصد منها الصّلاح في المال، كما جاء هذا الوجه في قول البهوتيّ – رحمه الله – في باب الحجر (8/379). وجاء تخصيص الاستعمال للوجه الثاني في كتاب النكاح حيث قال البهوتيّ – رحمه الله – (11/277): «(وهو) أي: الرّشد هنا (معرفة الكُفؤ، ومصالح النّكاح، وليس هو حفظ المال، فإن رُشْدَ كلِّ مقامٍ بحسبه..»، وجماع هذا كلّه أنّ الرّشد جاء على ضد السّفه وسوء التدبير.

12.   الرّكبان: وهم من يركب المركب – بعيرًا كان أو سفينة ونحوهما، حيث جاء استعمال هذا الوجه، وجاء الوجه الخاص لمعنى في كتاب البيع في تلقّي الرّكبان حيث يقول البهوتيّ – رحمه الله – (7/433): «...والمراد بهم هنا: (القادمون عن السفر بجلوبة – وهي ما يجلب للبيع – وإن كانوا مشاة) ...».

13.   الشّرط: جاء التنصيص عند البهوتيّ – رحمه الله – على وجهين خاصّين كمّا هو مُقرّرٌ في أصول الفقه وذهب إليه الجمهور؛ حيث اشترطوا في الشّرط أن يكون خارجًا عن الماهية وفرّقوا بذلك بينه وبين الركن([15]). يقول البهوتيّ – رحمه الله – لهذا الوجه (2/81): «(وهي) أي: شروط الصلاة (ما يجب لها قبلها) بأن تتقدّم على الصّلاة وتسبقها... (ويستمرّ حكمه إلى انقضائها) أي: الصّلاة، وبهذا المعنى فارقت الأركان». وجاء للشّرط وجهان خاصّان آخران نصّ عليهما البهوتيّ – رحمه الله-:

الوجه الأول: عند ذكر شروط خطبة الجمعة، حيث قال – رحمه الله – (3/345): «والمراد بالشّرط هنا: ما تتوقف عليه الصّحة، أعمّ من أن يكون داخلًا أو خارجًا».

الوجه الثاني: ما يأتي في باب الشّروط في البيع، حيث قال – رحمه الله – (7/389): «والمراد به (هنا: إلزام أحد المتبايعين) البائع (الآخر بسبب العقد) متعلّق بإلزام (ما) أي: شيئًا (له) أي: للملزم (فيه منفعةٌ) أي: غرضٌ صحيحٌ».

14.   العام: يأتي استعماله في مقابل الخاصّ على الدلالة الأصولية، ويأتي وجهٌ آخر في مسائل الزكاة – مثلًا – والحجّ وتغريب الزاني غير المحصن، وهذا الوجه بمعنى السَّنة وهي اثنا عشر شهرًا، ووجه ثالثٌ صفةً للنّاظر، فيقال: الناظر العام ويُقصد به الحاكم.

وذكر البهوتيّ – نقلًا عن ابن مفلح في المبدع – وجهًا رابعًا نصّ على تخصيص معناه في زكاة الخارج من الأرض حيث قال – رحمه الله – (4/404): «ليس المراد بالعام هنا اثني عشر شهرًا، بل وقت استغلال المغل من العام عرفًا، وأكثره ستة أشهرٍ بقدر فصلين»؛ فيكون للعام – حينئذٍ – أربعة أوجهٍ.

15.   العِشرة والمعاشرة: جاء الوجه الخاص في باب عِشرة النساء، وهو معنًى مخصوصٌ بين الزوجين. يقول البهوتيّ – رحمه الله – (12/66): «...والمراد هنا: (ما يكون بين الزوجين من الألفة والانضمام) أي: الاجتماع»، ولهذا الوجه خصوصيّته؛ لخصوصيّة العلاقة بينهما. ويرد استعمال لفظة العِشرة أو المعاشرة على الوجه الأصل، في أبوابٍ أخرى مُتعدّدةٍ.

16.   العهدة: تأتي بمعنى وعاء الالتزامات والمسؤوليات والتحمّلات التكليفيّة؛ فيُقال: عُهدة الأمر وعُهدة الواجب؛ فيُعلّل الفقهاء كثيرًا بقولهم (1/82): ليخرج من العهدة بيقين، فهو تكليفٌ انشغلت به الذّمة، ولا يسقط إلا بفعل المكلف. وجاء عند البهوتيّ – رحمه الله – التنصيص على وجه معنى عهدة المبيع بقوله (9/396-397): «(والمراد بالعهدة هنا: رجوع من انتقل الملك إليه) من شفيعٍ، أو مشترٍ (على من انتقل عنه) الملك من بائعٍ أو مُشترٍ (بالثّمن، أو الأرش عند استحقاق الشّقص أو عيبه)».

17.   العورة: هي سَوءة الإنسان، وما يستره لقبح ظهوره أو استحياءً من رؤية الآخرين له. وجاء ذكر الوجهين – عورة الصلاة والعورة خارجها – في نصٍّ واحدٍ للبهوتي – رحمه الله – (2/122): «(والعورة سوأة الإنسان) أي: قبله ودبره. قال تعالى: ﴿فَبَدَتۡ لَهُمَا سَوۡءَٰتُهُمَا﴾ [طه: 21]، (وكل ما يستحى منه) على ما يأتي تفصيله، سميت عورة، لقبح ظهورها، ثم إنها تطلق على ما يجب ستره في الصلاة، وهو المراد هنا، وعلى ما يحرم النظر إليه، ويأتي في النكاح (فمعنى ستر العورة: تغطية ما يقبح ظهوره ويستحى منه) من ذكر وأنثى أو خنثى، حرًّا وغيره».

18.   المجلس: هو مكان الجلوس، حيث جاء استعمال هذا الوجه عندهم. وجاء الوجه الخاص منصوصًا في مجلس العقد، يقول البهوتيّ – رحمه الله – (7/410) في خيار المجلس: «...والمراد هنا: مكان التبايع على أيّ حالٍ كانا (فيثبت) خيار المجلس...».

19.   المحصن: وهذا المصطلح من أوضح ما ظهر فيه الفرق في استعمالات فقهاء الحنابلة، ففي كشاف القناع ما نصّه في باب القذف (14/73): «(والمحصن هنا) أي في القذف غير المحصن في باب الزنا»؛ فكان لهذين النظيرين وجهان.

فالمحصن في باب الزنا من تحقّق وطؤه لقُبل امرأته في نكاح صحيح حيث يلزم تغييبه للحشفة أو قدرها في القبل، وكانا بالغين عاقلين حرّين ملتزمين، فلو اختلّ أحد الشّروط ولو في أحدهما فليسا بمحصنين([16]).

والمحصن في باب القذف من كان حرّا مسلمًا عاقلًا وهو قادرٌ على أن يُجامع مثله، وكان عفيفًا عن الزّنا في الظاهر([17]).

20.   المعدوم: ضدّ الموجود، ويأتي هذا الاستعمال كقول البهوتيّ – رحمه الله – (10/137): «...لأنّ المعدوم ليس بشيءٍ». وجاء له وجهٌ خاصٌّ في باب السّلم، حيث قال البهوتيّ – رحمه الله – (8/86): «والمراد بالمعدوم هنا: الموصوف في الذمة، وإن كان جنسه موجودًا».

21.   المفقود: غير الموجود في الأصل، وجاء هذا المعنى كثيرًا في كشاف القناع، وللمفقود وجهٌ خاصٌّ في باب ميراث المفقود؛ يقول البهوتيّ – رحمه الله – (10/460): «... والمراد به هنا: من لا تُعلم له حياةٌ ولا موتٌ؛ لانقطاع خبره».

22.   الموالاة: يأتي استعمالها فيما يلزم فيه التتابع في الفعل أو القول من عدمه، وقد نصّ البهوتيّ – رحمه الله – على المراد به في باب الوضوء (1/242): « والمراد هنا: (أن لا يُؤخّر غسل عضوٍ حتى ينشف) العضو (الذي قبله...». ويأتي الوجه الآخر في كتاب الفرائض وباب العاقلة في الدّيات ويُقصد منه المؤاخاة والمعاهدة والمناصرة، وكذلك بمعنى المحبة كتعليلهم عدم جواز غسل المسلم للكافر الميّت؛ للنّهي عن موالاة الكافر([18])؛ فالوجه الأول: التتابع، والوجه الثاني: ضد المعاداة.

23.   الموسر: هو ما يُقابل الفقير المعسر، ويأتي هذا الوجه في أصل استعمال الفقهاء له، إلا أنّ الحنابلة ينصّون على تخصيص أحد الوجوه بمعنى خاصٍّ في كتاب العتق حيث يقول البهوتيّ – رحمه الله – (11/19): «(والموسر هنا: القادر حالة العِتق على قيمته) أي: قيمة ما عتق عليه بالسّراية (وأن يكون ذلك) الذي هو قيمته (كفطرة) أي: فاضلًا عن حاجته، وحاجة من يمونه يوم العتق وليلته»، ومثله في زكاة الفطر.

24.   النّجم: يُستعمل للجرم السّماوي المضيء في السّماء، وجاء التنصيص على خصوصية وجهٍ له عند قول البهوتيّ – رحمه الله – (11/65): «(يعلم قسط كلّ نجمٍ ومدّته) ... والمراد بالنّجم هنا: الوقت؛ لأنّ العرب كانت لا تعرف الحساب، وإنما تعرف الأوقات بطلوع النّجوم».

25.   النّهار: ما يُقابل الليل، وإذا ذُكر تارةً يُقصد به من طلوع الشمس، وحينًا من طلوع الفجر، فالأول جاء في الفرق بين نافلتي النّهار والليل؛ فالثانية يُستحب فيها الجهر دون الأولى. والثاني جاء في مواقيت الصلاة، وسُميت صلاة الفجر بصلاة النّهار. يقول البهوتيّ – رحمه الله – عن الأول (2/321-322): «والأظهر أنّ المراد هنا بالنّهار من طلوع الشّمس، لا من طلوع الفجر..»، ويكون حينئذٍ لليل وجهان كذلك في مقابل وجهي النهار.

26.   اليد: تطلق اليد ويُراد منها: الكف والذراع والعضد([19])، فتطلق اليد إلى المنكب كما في أحكام دية اليدين؛ يقول البهوتيّ – رحمه الله – (13/410-411): «(وفى اليدين الدية... قطعهما من الكوع، أو المنكب، أو مما بينهما) لأنّ اليد اسمٌ للجميع»، وقد يقتصر على الكف والذراع فتطلق إلى المرفق كما في الوضوء، والوجه الثالث جاء مخصوصًا باقتصارها على الكف فقط كما في سجود الصلاة؛ يقول البهوتيّ – رحمه الله – (2/340): «والمراد باليدين هنا الكفّان»، ومثله في باب القطع في السّرقة.

ولليد في اصطلاح الفقهاء وجهٌ رابعٌ لا يُقصد منه ما جاء في الوجوه الثّلاثة السّابقة، وإنما يأتي بمعنى الحِيازة أو الملك، ومن ذلك قول البهوتيّ – رحمه الله – (8/174) حال اختلاف الراهن والمرتهن في القبض: «... (فقول صاحب اليد) فإن كان بيد الراهن فقوله؛ لأنّ الأصل عدم القبض، وإن كان بيد المرتهن فقوله؛ لأنّ الظّاهر قبضه بحقّ»، ومنه ما ينصّ عليه الفقهاء في يد الأمان ويد الضّمان على الأعيان.

المطلب الثاني: مسرد نظائر الألفاظ التي لا تُعرف وجوهها إلا من سياقها

لذا تعدَّدت الوجوه للفظ الواحد الذي يعود إلى معنى لغويٍّ واحدٍ؛ لأنّه لا اعتبار لأصل اللّفظ ولا لاستعمال العرب في تحديد الوجوه إلا إذا كان هو المعنى المراد في السّياق([20])، ومن هذه النّظائر ذات الوجوه:

1.      التسليم: يأتي ذكره في كتاب الصّلاة؛ كما جاء في الحديث: «وتحليلها التسليم»([21])؛ فإذا قال المصلي السّلام عليكم ورحمة الله خرج من صلاته. ويأتي التسليم كذلك في كتاب البيع وغيره (5/98)، فيُقال تسليم المبيع وهو إعطاء المثمن للمشتري. وفي اللغة له مثل هذين الوجهين؛ حيث جاء عند قولهم إذا تسلّم منّي شيءٌ، أيّ: قبضه، وأخذه، فالتسليم: بذل الرّضا والحكم، وكذلك: السّلام([22])؛ فيكون للتسليم وجهان.

2.      التسمية: تأتي التسمية على وجهين: الأول: قول بسم الله ويأتي في أبواب العبادات كالطّهارة والذّبح، والثّاني: تمييز الشّيء عن غيره بما اصطُلح عليه، ومنه: التعريف بالشّيء سواء كان مالًا كالمهر أو الجُعل أو ربح المضاربة ونحوهم أو شخصًا كتعريف المستأذنة بالزوج الراغب بالنكاح، كما جاء عند البهوتيّ – رحمه الله – (11/256) من أنّ إخبار المستأذنة بنسب الزوج الراغب بالنكاح ومنصبه ونحوه مما يُعتبر في الاستئذان، وسمّاه تسمية الزوج على وجهٍ تقع فيه معرفتها. فيكون من الوجه الثاني: إطلاق اسمٍ على الشّيء للتعريف به، وللاستدلال به عليه، ومن ذلك ما جاء في استحباب تسمية المولود في اليوم السابع.

3.      التفويض: وله وجهان في المدونة الفقهية الحنبلية؛ الأول (8/412): ردّ الأمر إلى غيره، وهذا في تصرفات الوكيل عن غيره – مثلًا، والثاني (11/503): في النكاح، يُقال: في المرأة التي لم يُسمّ مهرها مفوّضة.

4.      التكفير: جاء استعمال الحنابلة للفظة التكفير في مدوّناتهم على ثلاثة أوجهٍ لا تخرج عن مدلولها اللغوي الدّال على السّتر والتغطية([23])، وهذه الأوجه هي:

الوجه الأول: بمعنى إلحاق حكم الكفر لمن كان مؤمنًا؛ لفعله مُكفّرًا ينتقض معه الإيمان.

الوجه الثاني: بمعنى فعل الكفارة الشّرعية عند القيام بمحظورٍ، ككفّارة اليمين، ويُقصد منها: فعل ما يجب بالحنث فيها.

الوجه الثالث: بمعنى محو الذّنوب؛ كتكفير صيام عرفة لسنتين.

5.      الخيار: إذا أُطلق الخيار في النكاح فيُقصد به خيار العيب لا خيار المجلس ولا خيار الشّرط، وإذا جاء الخيار في البيع فأنواعه ليست حصرًا على خيار العيب؛ لأنّ العوض في النكاح ليس ركنًا فيه، ولا مقصودًا منه، فهو ليس ببيع ولا في معنى البيع، على ما قرّره البهوتيّ – رحمه الله – (11/243).

6.      الصّرف: يأتي الصّرف في المدونة الحنبلية على مقتضى الدّلالة اللغوية في أبوابٍ متعددةٍ، ويُقصد به: بذل الشّيء وإنفاقه، فيُقال – مثلًا-: صرف الزّكاة، والصّرف في اللّغة: ردّ الشّيء عن وجهه، يُقال: صرفت المال أنفقته، وصرفت الذّهب بالدّراهم بعته([24]).

والوجه الآخر للصّرف ما يأتي في كتاب البيع، فجعلوا له بابًا بهذا الاسم كما في تسمية البهوتيّ – رحمه الله – بابًا بباب الربا والصّرف وتحريم الحيل، فالمصارفة في الرّبا لها أحكام خاصّةٌ في بابها، وهي بيع النقدين – الذهب والفضّة – بالآخر، وفي سبب تسميته بالصّرف قولان([25]).

7.      الصّناعة: لها وجهان في المدوّنة الحنبلية؛ الأول (11/309-310): في البيوع، ويقصدون به ذات الصنعة المؤثّرة في الذهب والفضة ونحوها، ويأتي كذلك في الزكاة. والثاني (8/177): في العتق، ويقصدون به الصفة أو المهنة والحرفة للعبد.

8.      الضّرورة: ولها وجهان في استعمال فقهاء الحنابلة؛ فالأوّل: ما يُفرّق فيه بينها وبين الحاجة – كصنيع الأصوليين، والثاني: أن تُستعمل الضّرورة بمعناها الأوّل مع اشتمالها للحاجة، فتطلق الضرورة على الحاجة. وجُعل أصل الحاجة في اللغة بمعنى الاضطرار إلى الشّيء، فلم يخرج الاستعمالان عن اللّغة حينئذٍ([26]).

9.      الظّن: وله وجهان في استعمال فقهاء الحنابلة؛ فالأول: ما قابل اليقين فهو ظنٌّ سواء تساوى فيه الاحتمالان أو الرّاجح من الاحتمالين، والثّاني: فرّقوا فيه بين الظنّ والشّكّ – كصنيع الأصوليين، ومما يُوضّح ذلك قول البهوتيّ – رحمه الله – (1/307): «(ومن تيقّن الطّهارة وشكّ في الحدث، أو تيقّن الحدث وشكّ في الطّهارة بنى على اليقين) ... (ولو عارضه ظنّ)؛ لأنّ غلبة الظن إذا لم يكن لها ضابطٌ في الشّرع، لم يُلتفت إليها، كظنّ صدق أحد المتداعيين، بخلاف القبلة، والوقت، هذا اصطلاح الفقهاء. وعند الأصوليين: إن تساوى الاحتمالان فهو شكٌّ. وإلا فالرّاجح ظنٌّ، والمرجوح وهمٌ. والأول موافقٌ للغة».

10.   العزل: يدلّ على التنحية والإمالة، فإذا نّحى الإنسان الشيء عن جانبه سُمّي عزلًا، والرّجل يعزل عن المرأة، إذا لم يرد ولدها([27]). وجاء استعمال الحنابلة للعزل في وجهين؛ في عزل صاحب الولاية والمسؤولية؛ كعزل الإمام والقاضي والوكيل ونحوهم، وعزل الزوج لزوجته حال الجماع حتى لا تحمل، بحيث لا يُريق الرجل ماءه في فرج المرأة([28]).

11.   الفرض: في اللغة يدلّ على تأثيرٍ في شيءٍ من حزٍّ أو غيره وأصله القطع([29])، ومنه الفريضة، وجمعها فرائض، وهي حدود الله التي أمر بها ونهى عنها، وكل الاستعمالات لمصطلح الفرض في المدوّنة الفقهية الحنبلية لا تخرج عن هذه الدّلالة اللغوية؛ ففيها الحزّ بالشّيء الموجب الذي جُعل له معلمًا وحدًّا. وهذه الاستعمالات جعلت للفرض ثلاثة وجوهٍ:

الوجه الأول: ما كان واجبًا من المأمورات؛ «لأنّ الفرض والواجب مُترادفان على الصّحيح»([30])، ويأتي غالب هذا الوجه في العبادات، جاء بيان هذا المعنى عن فرض زكاة الفطر بقولهم: «... لأنّ الفرض إمّا بمعنى الواجب، وهي واجبةٌ، أو المتأكّد وهي مُتأكّدة»([31])، وهذا كلّه لا يخرج عن مدلول اللّغة؛ يقول ابن فارس – رحمه الله-: «ومن الباب اشتقاق الفرض الذي أوجبه الله تعالى، وسُمّي بذلك؛ لأنّ له معالمَ وحدودًا»([32]).

الوجه الثاني: النّصيب المقدّر، والفروض المقدّرة في المواريث ستةٌ: النّصف والثّلثان والثّلث والرّبع والسّدس والثّمن، ويُقابل الفرض التعصيب، وبه سُمّي كتاب الفرائض بهذا الاسم. وكذا جاء استعمالهم للفرض بهذا المعنى في مواطن أخرى.

الوجه الثالث: يأتي في النّكاح كقولهم باستقرار مهر المثل بالدّخول إذا دخل بالمفوّضة قبل الفرض؛ أي: الصّداق، وهذه تسميةٌ شرعيةٌ أُخذت مما جاء في قوله تعالى: ﴿أَوۡ تَفۡرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةٗۚ﴾ [البقرة: 236].

12.   الفروع: جمع فرعٍ، ويأتي في مقابل الأصل، وللفرع وجوه في المدوّنة الفقهيّة الحنبليّة؛ منها:

الوجه الأول: ما تولّد من الشّيء، يُسمى المتولِّد أصلًا في الغالب، وما تولّد منه فرعًا، ولو كان التولّد كنايةً كما في شهادة الفرع عندهم في الشّهادات. ومنه ما جاء في الرّبا بقول البهوتيّ – رحمه الله – (3/255): «(وفروع الأجناس أجناسٌ، كأدقةٍ وأخبازٍ وأدهانٍ وخلولٍ)؛ لأنّ الفرع يتبع أصله، فلما كانت أصول هذه أجناسًا، وجب أن تكون هذه أجناسًا؛ إلحاقًا للفروع بأصولها»، ومنه كذلك ما يأتي في القياس الأصولي؛ فيُطلق الفرع على المقيس، في مقابل الأصل المقاس عليه، ومنه كذلك الفرع الوارث في كتاب الفرائض، وهم الأبناء وأبناء الأبناء، وإن نزلوا.

الوجه الثاني: ما ذكره البهوتيّ – رحمه الله – بقوله (15/296): «(فأما من أتى شيئًا من الفروع المختلَفِ فيها) بين الأئمة اختلافًا شائعًا».

13.   الفيء: أصله فاء، والفاء والهمزة مع معتلٍ بينهما، كلماتٌ تدلّ على الرجوع، ومنها الفيء([33])، وللفيء وجهان في المدوّنة الحنبليّة:

الوجه الأول: في أوقات الصلاة (2/86)، ويُقصد به رجوع الظلّ إلى المشرق بعد الزوال.

الوجه الثاني: بابٌ من أبواب كتاب الجهاد باسم باب الفيء، وهو المال المأخوذ من كافرٍ بحقّ الكفر بلا قتالٍ، وهو ما جاء تقريره عند البهوتيّ – رحمه الله – (7/182).

14.   القبض: يدلّ على شيءٍ مأخوذٍ، وتجمّعٍ في شيء. وجاءت وجوه القبض في المدوّنة الحنبليّة في أربعة أوجهٍ:

الوجه الأول: على ذات الدّلالة اللّغوية، فجاء القبض في كتاب الصّلاة مُتعلّقًا بأعضاء الجسد، كقولهم في وضع اليد حال الوقوف أن يقبض اليمين على كوع الشمال. ومنها: قبض الزكاة، وقبض الرّهن، وقبض رأس المال، وهو لا يخرج عن دلالة القبض اللّغوية.

الوجه الثاني: قبض العين والمال في المعاملات، والقبض مختلفٌ عن الملك، ويَحْكُم العرفُ القبضَ كما جاء مُقّرّرًا في قول البهوتيّ – رحمه الله – (2/425).

الوجه الثالث: قبض اللّحية في الطّهارة في مسألة الأخذ من اللّحية، وحدّها عند الحنابلة – كما جاء عند البهوتيّ – رحمه الله – (1/175) – بالقبضة.

الوجه الرابع: الموت، وذلك بقبض ملك الموت للرّوح.

15.   القضاء: جاء القضاء في مدوّنات الحنابلة على ثلاثة أوجهٍ:

الوجه الأول: يُقصد به إتيان المأمور بالأمر بعد خروج وقته المحدّد له شرعًا، خلافًا للأداء الذي هو فعل المأمور به في وقته الشّرعيّ.

الوجه الثاني: يُقصد به مجرّد الأداء والوفاء، كقولهم في قضاء الدّين، أي: أداؤه.

الوجه الثالث: يُقصد به الحكم والإلزام، ومنه كتاب القضاء الذي فيه إلزامٌ بالحكم الشرعي وفيه فصلٌ في الخصومات، وبهذا عرّف البهوتيّ – رحمه الله – (15/7) القضاء.

16.   اللّحن: وهو في اللغة: إمالة شيءٍ من جهته([34])، وجاء اللّحن في المدونة الحنبلية في الأذان وقراءة القرآن – الفاتحة بالأخص – على وجهين نصّ عليهما البهوتيّ – رحمه الله – (2/73) في الأذان، وهما:

الوجه الأول: ويُقصد به طيب اللحن بالترنّم، يُقال: أذانٌ مُلحّن، أي: فيه تطريبٌ. وهو داخلٌ في المعنى اللغوي؛ لأنّه القراءة بالألحان تُزيل الشّيء عن جهته الصّحيحة بالزّيادة والنّقصان بسبب الترنّم([35]).

الوجه الثاني: ويُقصد به إمالة ألفاظ الأذان عن وجهها الصحيح، يُقال: أذانٌ ملحون، وهو صحيحٌ عندهم إن لم يحل لحنه المعنى كرفع لفظة الصلاة فيه أو نصبها. ودخوله في المعنى اللغوي ظاهرٌ.

17.   المتعة: وهي دالّة على المنفعة والامتداد مدة في خيرٍ([36])، وتأتي المتعة عند الحنابلة في مدوّناتهم على ثلاثة أوجهٍ:

الوجه الأول: ما يُعطيه الزّوج لمطلّقته قبل الدّخول (11/506)، وهذه المتعة واجبةٌ للمطلقة قبل الدخول إذا لم يكن لها مهرٌ محدّدٌ عند العقد، لقوله تعالى: ﴿وَمَتعُوهُنَّ عَلَى ٱلۡمُوسِعِ قَدَرُهُۥ وَعَلَى ٱلۡمُقۡتِرِ قَدَرُهُۥ مَتَٰعَۢا بِٱلۡمَعۡرُوفِۖ﴾ [البقرة: 236]. ويُستحب له كذلك إعطائها المتعة إذا طلّقها بعد الدخول مع المهر؛ جبرًا لخاطرها المنكسر بألم الفراق، فيُسمى كذلك ما يُعطيه الزوج لمن طلّقها زيادة على الصّداق متعة، قال الله تعالى: ﴿وَلِلۡمُطَلَّقَٰتِ مَتَٰعُۢ بِٱلۡمَعۡرُوفِۖ حَقًّا عَلَى ٱلۡمُتقِينَ﴾ [البقرة: 241].

الوجه الثاني: من الشّروط الفاسدة في النّكاح والتي يبطل بها النّكاح: نكاح المتعة (11/377)، وهو أن يتزوّج الرجل المرأة إلى مدّةٍ كشهرٍ أو سنةٍ.

الوجه الثالث: حجّ التمتع يُسمى المتعة، فإذا أطلقت المتعة في كتاب الحج فهي أحد أنواع النّسك الثّلاثة، ونُقلت هذه التسمية عن إمام المذهب – رحمه الله – بقوله: «والمتعة آخر الأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم»([37]).

18.   الملامسة: تدلّ على تطلّب شيءٍ. فيطلق التلمّس بالشيء إذا تطلّبته بيدك([38])، ولها ثلاثة أوجهٍ:

الوجه الأول: مطابقٌ للحقيقة اللغوية للملامسة، وجاء في نواقض الوضوء عند مسّ البشرة بشهوة.

الوجه الثاني: الجماع؛ وذلك في أنّ التيمّم يكون للحدثين الأصغر والأكبر كما في آية التيمّم.

الوجه الثالث: مطابقٌ للحقيقة الشّرعية للملامسة، وجاء في البيع الذي سميّ في السّنة النّبوية ببيع الملامسة([39])، كما عرّفه البهوتيّ – رحمه الله – (7/343) بأنه قول البائع للمشتري: أيّ ثوب لمسته فهو بكذا.

19.   النّفل: دالٌّ على العطاء والإعطاء، ومنه الزّيادة على الشّيء([40]). وجاء في المدوّنة الحنبليّة وجهان للنفل بناءً على هذا الأصل:

الوجه الأول: ما زاد على الفرض يُسمى نفلًا – وجاء استعماله خاصًّا في الصّلاة إذا أُطلقت النّوافل.

الوجه الثاني: زيادة المجاهد على سهمه لمصلحةٍ كما نصّ على ذلك البهوتيّ – رحمه الله – (7/149)، وجاء النّفل مخصوصًا بهذا المعنى وإن كانت الأنفال – جمع نفل – بمعنى الغنائم كما في التسمية القرآنية لسورة الأنفال.

المبحث الثالث: أسباب تعدّد وجوه الألفاظ في المدونة الفقهية الحنبلية

يُمكن جعل تعدّد وجوه الألفاظ في المدونة الفقهية الحنبلية عائدًا لأسبابٍ منها:

أولًا: أثر الحقائق الثلاثة للألفاظ على استعمالات الفقهاء لها

الأصل أن تُجرى الألفاظ على حقيقتها اللغوية، والحقيقة اللغوية ليست على وجهٍ واحدٍ للفظة، بل تتعدّد وجوه الاستعمالات فيها، وهذا السّبب ظهر – مثلًا – في وجوه لفظة اللحن، ووجوه لفظة القبض.

وكذلك فالحقيقة الشّرعية مُؤثرةٌ على أيّ مدوّنةٍ فقهيةٍ، ويتأكّد تأثّرها بالنّصوص الشّرعية من الكتاب والسّنة التي بنت هذه الحقيقة الشّرعية، وهذا السّبب ظاهرٌ في ألفاظٍ عدّةٍ كالمحصن – مثلًا – الذي جاء وجها استعماله في آيةٍ واحدةٍ، يقول الله تعالى: ﴿وَمَن لَّمۡ يَسۡتَطِعۡ مِنكُمۡ طَوۡلًا أَن يَنكِحَ ٱلۡمُحۡصَنَٰتِ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ فَمِن مَّا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُم مِّن فَتَيَٰتِكُمُ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِۚ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِإِيمَٰنِكُمۚ بَعۡضُكُم مِّنۢ بَعۡضٖۚ فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذۡنِ أَهۡلِهِنَّ وَءَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِ مُحۡصَنَٰتٍ غَيۡرَ مُسَٰفِحَٰتٖ وَلَا مُتخِذَٰتِ أَخۡدَانٖۚ فَإِذَآ أُحۡصِنَّ فَإِنۡ أَتَيۡنَ بِفَٰحِشَةٖ فَعَلَيۡهِنَّ نِصۡفُ مَا عَلَى ٱلۡمُحۡصَنَٰتِ مِنَ ٱلۡعَذَابِۚ ذَٰلِكَ لِمَنۡ خَشِيَ ٱلۡعَنَتَ مِنكُمۡۚ وَأَن تَصۡبِرُواْ خَيۡرٞ لَّكُمۡۗ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ٢٥﴾ [النساء: 25]، وكذلك الملامسة بتأثير الآية القرآنية والحديث النبوي على وجوهها، وتأثير الأحاديث النبوية على ألفاظ الركبان والتولية، وتأثّر وجوه الفيء والفرض والمتعة بالنصوص الشرعية كذلك.

والحقيقة العرفية – ثالث حقائق الألفاظ-؛ فإنّ عُرْفَ كلّ أهل فنٍّ معتبرٌ في استعمالاتهم؛ فاصطلاحات الفقهاء مؤثرةٌ بكلّ تأكيدٍ على مدوّنةٍ فقهيّةٍ؛ فتعدّد وجوه ألفاظ الفرض والقبض والنّفل – مثلًا – بسبب أنّ أحد الوجوه مصطلحٌ فقهيٌّ له حقيقةٌ عُرفيّةٌ عند الفقهاء.

ولذلك فإنّ المدوّنة الفقهيّة تأثّرت ألفاظها بالحقيقة العُرفية لأهل الفنون الأخرى مما له صلةٌ بالفقه؛ كاصطلاحات الأصوليين – مثلًا، فتعدّدت وجوه ألفاظ المدوّنة الفقهيّة في ألفاظ الشّرط والعام والأصل والفرع والقضاء والضّرورة لما لها من حقيقةٍ عُرفيةٍ عند الأصوليين. وكذلك لفظة الجزم؛ تأثّرًا باصطلاحات النحويين.

وأعراف النّاس بذاتها مؤثّرةٌ على معنى اللفظ، فكما جاء في استغلال المغلّ؛ حيث نصّ البهوتيّ – رحمه الله – أنّ العام هنا أكثره ستة أشهرٍ، وقيّد هذا الوجه بالعُرف، وعليه فالحقيقة العُرفية لواقع الشّيء مؤثّرةٌ في تعدّد وجوه الألفاظ كذلك.

ثانيًا: تأثير إمام المذهب وعلمائه في استعمالاتهم للألفاظ

إنّ طبيعة المدوّنات الفقهيّة المذهبيّة تتأثّر بمن سبقها وتُؤثّر على من يأتي بعدها؛ لذا كان لعلماء المذهب المتقدمين في استعمالات بعض الألفاظ والمصطلحات تأثيرٌ على من دوّن بعدهم، ويعظم تأثير إمام المذهب – رحمه الله – في الألفاظ التي استعملها كما جاء في لفظة المتعة عنه – رحمه الله-.

ثالثًا: اجتهاد علماء المذهب في توجيه بعض الألفاظ

يبذل علماء المذهب جهدهم في إبراز رأي المذهب في الفروع الفقهية وفق أصوله، ويُعدّ توجيه بعض الألفاظ من هذه الجهود حتى يستقيم الفرع الفقهي مع رأي المذهب، ومن أمثلة هذا السبب ما ذكره علماء المذهب من معنى لفظة التسوية الواردة في العطية بين الأولاد؛ فالمقصد الشرعي في العطية بين الأولاد هو تحقيق العدل، ونصّوا في مدوناتهم على التسوية في العطية، فجاء شرّاح المذهب مبيّنين أن معنى التسوية هنا ليس معناها اللغوي، بل إنّ التسوية – كما يراها المذهب – هي القسمة الشرعية في الميراث كما في قوله تعالى: ﴿لِلذَّكَرِ مِثۡلُ حَظِّ ٱلۡأُنثَيَيۡنِۚ﴾[النساء: 11]، فتكون التسوية على هذا الوجه لا الوجه اللغوي([41]).

ومن أسباب تعدّد الوجوه هو الانتصار لرأي المذهب الفقهي، وذلك بجعل اللفظة محمولة على معنى يستقيم فيه الفرع الفقهي مع أصول المذهب واجتهادات علمائه، ومثال ذلك ما ذُكر في تعدّد وجوه البيع والشراء في مسألة الأرض الخراجية؛ لقول البهوتيّ – رحمه الله – عن البيع (7/180): «...والوقف لا يُباع إلا إذا تعطّلت مصالحه». وقال – رحمه الله – عن الشراء كذلك (7/180): «...لامتناع الشراء الحقيقي».

ومن الأسباب كذلك صنيع المتأخرين في التقييد والتقسيم؛ فلفظة العورة – مثلًا – في المتون الفقهية الحنبلية المتقدمة لا تُذكر إلا في شروط الصلاة، ولا يأتي ذكرٌ لعورة النظر عندهم كما ينصّ عليها من جاء بعدهم في كتاب النكاح؛ لذا تجد البهوتيّ – رحمه الله – يؤكّد على التفريق بين العورة في كتاب الصلاة والعورة في كتاب النكاح بقوله (2/122): «... ثم إنها تطلق على ما يجب ستره في الصلاة، وهو المراد هنا، وعلى ما يحرم النظر إليه، ويأتي في النكاح».

رابعًا: اختلاف المتعلّق باللفظة

إذا اختلف المتعلّق باللفظة من مسألة أو باب فإنّ وجوه الألفاظ قد تتعدّد، والكاشف عن الوجه هو السياق الذي جاءت فيه اللفظة. ومن ذلك: لو أنّ لفظة مطلقة، ولفظة تأتي غالبًا مضافة أو مضافًا إليها، لكنها تذكر في بابها من غير أيّ إضافة، كعِشرة النساء – مثلًا – في المضاف، وكبيع التولية – مثلًا – في المضاف إليه، فيكون للعِشرة وللتولية أكثر من وجهٍ إذا ذكرت مطلقة، ولا يكشفها إلا الباب أو المسألة التي ذكرت فيها.

ومن أمثلة ذلك كذلك: لفظة الخيار، بحيث يُتيح الشرع الخيار في عقودٍ منوعةٍ – في المعاملات والأسرة مثلًا، لكن الخيار لا يكون في النكاح إلا خيار العيب بخلاف الخيار في البيع، فإذا ذُكر الخيار في البيع فله أنواع متعدّدة.

ومن ذلك: لفظة الرشد فهي بحسب الباب كذلك؛ فالصلاح المراد على أموال اليتامى ليس هو الصلاح في ولاية النكاح – مثلًا.

خاتمة

بعد رحلة الاستقراء لمدونة كشاف القناع – كمدونة من مدونات الفقه الحنبلي – ظهر أنّ ثمة وجوهًا متعدّدةً لبعض الألفاظ المذكورة بناءً على التعريف المختار للوجوه والنظائر، وجمعت في ذلك مسردين للوجوه والنظائر التي جاءت في كشاف القناع، فالمسرد الأول في نظائر الألفاظ التي نصّ البهوتيّ – رحمه الله – على تخصيص أحد وجوهها وكان تعداد المسرد ستًا وعشرين. والمسرد الثاني في نظائر الألفاظ التي لا تُعرف وجوهها إلا من سياقها بلغ تسعة عشر لفظةً، ظهر من خلالهما تعدّد الوجوه لكثير من الألفاظ والمصطلحات الفقهية.

وكانت نتيجة تحليل أسباب تعدّد وجوه الألفاظ في المسردين إلى أسبابٍ أربعة: أثر الحقائق الثلاثة للألفاظ على استعمالات الفقهاء لها، وتأثير إمام المذهب وعلمائه في استعمالاتهم للألفاظ، اجتهاد علماء المذهب في توجيه بعض الألفاظ، اختلاف المتعلّق باللفظة.

وأوصي نفسي والباحثين بمزيد الاهتمام بدراسات ألفاظ المدونات الفقهية، وأثرها على الاجتهاد الفقهي – وخاصّة النوازل منها، فليس ثمّة استقراءٌ يدّعي التمام إلا ويصيبه من النقص والخلل ما يُصيبه، فعلى سبيل المثال لو انبرى بعض الباحثين لدراسة الوجوه والنظائر في مذاهب أو مدونات فقهية أخرى، أو اجتهدوا في تقصي تاريخ بعض المصطلحات الفقيهة المذهبية، وتتبّع أثرها على اجتهادات علماء المذهب لكان في ذلك خدمةٌ ثريّةٌ لمختلف المذاهب الفقهية، وهذه الأفكار البحثية غير قاصرة على البحوث الفقهية؛ فإنّ الأبحاث المعنية بالمصطلحات هي أبحاث تُعين على ضبط الألفاظ، وترفع الإشكالات حولها؛ «إذ من الأهمية بمكان أن تتصف الدلالة اللفظية بالوضوح»([42])، وهذا يحتاجه علم الفقه – في مدوناته الفقهية مثلًا، وغيره من العلوم الأخرى.

المصادر والمراجع

أولًا: العربية

ابن الأثير، المبارك. النهاية في غريب الحديث والأثر. تحقيق طاهر الزاوي ومحمود الطناحي. بيروت: المكتبة العلمية، ط1، 1399هـ/1979م.

باخلف، بشرى غالب. «تحرير مصطلح الإسرائيليات». مجلة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة قطر، مج39، ع1 (2021). https://doi.org/10.29117/jcsis.2021.0285

البعلي، محمد. المطلع في ألفاظ المقنع. تحقيق محمود الأرناؤوط وياسين محمود الخطيب. جدة: مكتبة السوادي للتوزيع، ط1، 1423هـ/2003م.

البهوتيّ، منصور. شرح منتهى الإرادات. بيروت: عالم الكتب، ط1، 1414هـ/1993م.

–––. كشاف القناع عن الإقناع. تحقيق لجنة متخصصة في وزارة العدل. الرياض: وزارة العدل السعودية، 1421هـ/2000م.

ابن الجوزي، عبد الرحمن بن محمد. نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر. تحقيق محمد الراضي. بيروت: مؤسسة الرسالة، ط1، 1404هـ/1984م.

الحجاوي، موسى. الإقناع في فقه الإمام أحمد. بيروت: دار المعرفة، ط1، [د.ت].

ابن دريد، محمد. جمهرة اللغة. تحقيق: رمزي بعلبكي. بيروت: دار العلم للملايين، ط1، 1987م.

الزحيلي، محمد مصطفى. الوجيز في أصول الفقه الإسلامي. دمشق: دار الخير للطباعة والنشر والتوزيع، ط2، 1427هـ/2006م.

الزركشي، محمد. البرهان في علوم القرآن. تحقيق محمد أبو الفضل. القاهرة، دار إحياء الكتب العربية، ط1، 1376هـ/1957م.

السالكي، أحمد. «ملخص البحث التأليف في علوم القرآن: الجذور والتطور والبناء ضمن الندوة العلمية الدولية: علوم القرآن الكريم: إشكالية المفهوم والمنهج والوظيفة»، استرجع بتاريخ: 25/4/2019م. https://edhh.org/index.php/resume-de-la-recherche-scientifique-dans-les-sciences-du-coran-racines-developpement-et-construction

السجستاني، أبو داود سليمان. مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود السجستاني. تحقيق: طارق عوض الله. مصر: مكتبة ابن تيمية، ط1، 1420هـ/1999م.

الشيرازي، أبو اسحاق إبراهيم. اللمع في أصول الفقه. بيروت: دار الكتب العلمية، ط2، 1424هـ/2003م.

ابن عبد البر، يوسف. جامع بيان العلم وفضله. تحقيق: أبو الأشبال الزهيري. الدمام: دار ابن الجوزي، ط1، 1414هـ/1994م.

عميم، محمد عميم. التعريفات الفقهية. بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1424هـ/2003م

ابن فارس، أحمد. معجم مقاييس اللغة. تحقيق عبد السلام هارون. دمشق: دار الفكر، ط1، 1399هـ/1979م.

الفاسي، ميارة. الروض المبهج بشرح بستان فكر المهج في تكميل المنهج. تحقيق: حمد حسن إسماعيل. بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 2010.

الفيومي، أحمد الفيومي. المصباح المنير في غريب الشرح الكبير. بيروت، المكتبة العلمية، [د.ت].

ابن قدامة المقدسي. عبد الله بن أحمد بن قدامة. المقنع والشرح الكبير. تحقيق: عبد الله التركي. الرياض، عالم الكتب، ط3، 1417هـ/1997م.

الكلوذاني، محفوظ بن أحمد أبو الخطاب الكلوذاني. التمهيد في أصول الفقه. تحقيق: مفيد أبو عمشة. مكة: مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي-جامعة أم القرى، دار المدني للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، 1406هـ/1985م.

اليوسي، الحسن. القانون في أحكام العلم واحكام العالم وأحكام المتعلم. تحقيق: حميد حماني. الرباط: مطبعة شالة، ط1، 1419هـ/1998م.

ثانيًا:

References

Al-Baʻlī, Muḥammad. Al-Muṭliʻ fī alfāẓ al-Muqniʻ (in Arabic), Ed. Maḥmūd al-Arnāʼūṭ and Yāsīn Maḥmūd al-Khaṭīb. Jeddah: Maktabat al-Sawādī, 2003.

Al-Buhūtī, Manṣūr. Kashshāf al-qināʻ ʻan al-iqnāʻ (in Arabic), Riyadh: Wizārat al-ʻAdl al-Saʻūdīyah, 2000.

–––. Sharḥ muntahā al-irādāt (in Arabic), Beirut: ʻĀlam al-Kutub, 1993.

Al-Fāsī, Mayyārah. Al-Rawḍ al-mubhij bi-sharḥ Bustān fikr al-muhaj fī takmīl al-manhaj (in Arabic), Ed. Ḥamad Ḥasan Ismāʻīl. Beirut, Dār al-Kutub al-ʻIlmīyah, 2010.

Al-Fayyūmī, Aḥmad. Al-Miṣbāḥ al-munīr fī gharīb al-sharḥ al-kabīr (in Arabic), Beirut: al-Maktabah al-ʻIlmīyah.

Al-Ḥijjāwī, Mūsā. Al-Iqnāʻ fī fiqh al-Imām Aḥmad (in Arabic), Beirut: Dār al-Maʻrifah.

Al-Kalwadhānī, Maḥfūẓ b. Aḥmad Abū al-khiṭāb. Al-Tamhīd fī uṣūl al-fiqh (in Arabic), Ed. Mufīd Abū ʻAmshah. Mecca: Dār al-madanī, 1985.

Al-Sālikī, Aḥmad. “Al-Taʼlīf fī ʻulūm al-Qurʼān: al-judhūr wal-taṭawwur wal-bināʼ ḍimn al-nadwah al-ʻilmīyah al-dawlīyah, ʻUlūm al-Qurʼān al-karīm: Ishkālīyat al-mafhūm wa-al-manhaj wa-al-waẓīfah” (in Arabic), https://edhh.org/index.php/resume-de-la-recherche-scientifique-dans-les-sciences-du-coran-racines-developpement-et-construction, 24-25/4 /2019.

Al-Shīrāzī, Abū Isḥāq Ibrāhīm. Al-Lumaʻ fī uṣūl al-fiqh (in Arabic), Beirut: Dār al-Kutub al-ʻIlmīyah, 2003.

Al-Sijistānī, Abū Dāwūd Sulaymān. Masāʼil al-Imām Aḥmad riwāyah Abī Dāwūd al-Sijistānī. Ed. Ṭāriq ʻAwaḍ Allāh (in Arabic), Egypt: Maktabat Ibn Taymīyah, 1999.

Al-Yūsī, al-Ḥasan. Al-Qānūn fī aḥkām al-ʻIlm wa-aḥkām al-ʻālam wa-aḥkām al-mutaʻallim (in Arabic), Ed. Ḥamīd Ḥamānī. Rabat: Maṭbaʻat Ṣhāllah, 1998.

Al-Zarkashī, Muḥammad. Al-Burhān fī ʻulūm al-Qurʼān (in Arabic), Ed. Muḥammad Abū al-Faḍl. Cairo, Dār Iḥyāʼ al-Kutub al-ʻArabiyya, 1957.

Al-Zuḥaylī, Muḥammad Muṣṭafā. Al-Wajīz fī uṣūl al-fiqh al-Islāmī (in Arabic), Damascus: Dār al-Khayr, 2006.

Bākhalaf, Bushrā Ghālib. “Taḥrīr muṣṭalaḥ al-Isrāʼīliyyāt” (in Arabic), Journal of College of Sharia and Islamic Studies 39-1 (2021): 19-41. https://doi.org/10.29117/jcsis.2021.0285

Ibn al-Athīr, al-Mubārak. Al-Nihāyah fī gharīb al-Ḥadīth wal-athar (in Arabic), Ed. Ṭāhir al-Zāwīy-mḥmwd al-Ṭanāḥī. Beirut: al-Maktabah al-ʻIlmiyyah, 1979.

Ibn al-Jawzī, Abd-al-Raḥmān b. Muḥammad. Nuzhat al-aᶜyun al-nawāẓir fī ʻilm al-wujūh wal-naẓāᵓir (in Arabic), Ed. Muḥammad al-Rāḍī. Beirut: Muʼassasat al-Risālah, 1984.

Ibn ᶜAbd al-Barr, Yūsuf. Jāmiʻ bayān al-ʻIlm wa-faḍlihi (in Arabic), Ed. Abū al-Ashbāl al-Zuhayrī. Dammam: Dār Ibn al-Jawzī, 1994.

Ibn Durayd, Muḥammad. Jamharat al-lughah (in Arabic), Ed. Ramzī Baʻlabakkī. Beirut: Dār al-ʻIlm lil-Malāyīn, 1987.

Ibn Fāris, Aḥmad. Muʻjam Maqāyīs al-lughah (in Arabic), Ed. ʻAbdussalām Hārūn. Damascus: Dār al-Fikr, 1979.

Ibn Qudāmah, ᶜAbd Allah b. Aḥmad. al-Muqniʻ wa-al-sharḥ al-kabīr (in Arabic), Ed. Allāh al-Turkī Riyadh: ʻĀlam al-Kutub, 1997.

ʻUmaym, Muḥammad. Al-Taʻrīfāt al-fiqhiyyah (in Arabic), Beirut, Dār al-Kutub al-ʻIlmīyah, 2003.

 



([1]) يُنظر: محفوظ بن أحمد أبو الخطاب الكلوذاني، التمهيد في أصول الفقه، تحقيق: مفيد أبو عمشة (مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي-جامعة أم القرى، دار المدني للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، 1406هـ/1985م)، ج2، ص239.

([2]) منصور البهوتيّ، كشاف القناع عن الإقناع، تحقيق: لجنة متخصصة في وزارة العدل (الرياض: وزارة العدل السعودية، 1421هـ/2000م).

([3]) أحمد بن فارس، معجم مقاييس اللغة، تحقيق: عبد السلام هارون (دمشق: دار الفكر، ط1، 1399هـ/1979م)، ج6، ص89.

([4]) أحمد بن حنبل، مسند الإمام أحمد، مسند ‌‌أحاديث رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ج38، ص353، حديث رقم: 23328. وضعّفه الأرنؤوط، يُنظر: أحمد بن حنبل، مسند الإمام أحمد، تحقيق: شعيب الأرنؤوط -عادل مرشد وآخرون (بيروت: دار الرسالة، ط1، 2001م)، ج38، ص353.

([5]) محمد بن منظور، لسان العرب (بيروت، دار صادر، ط3، 1414هـ)، ج13، ص555.

([6]) يُنظر: المبارك بن الأثير، النهاية في غريب الحديث والأثر، تحقيق: طاهر الزاوي ومحمود الطناحي (بيروت: المكتبة العلمية، ط1، 1399هـ/1979م)، ج5، ص159؛ ابن منظور، لسان العرب، ج13، ص556.

([7]) يُنظر: يوسف بن عبد البر، جامع بيان العلم وفضله، تحقيق: أبو الأشبال الزهيري (الدمام: دار ابن الجوزي، ط1، 1414هـ/1994م)، ج2، ص813.

([8]) يُنظر: ابن منظور، لسان العرب، ج5، ص219.

([9]) يُنظر: عبد الرحمن بن محمد الجوزي، نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر، تحقيق: محمد الراضي (بيروت: مؤسسة الرسالة، ط1، 1404هـ/1984م)، ص83. وثمة اتجاهٌ آخر في تعريف النظائر ذكره الزركشي ومن مضى معه فيه، يُنظر: محمد الزركشي، البرهان في علوم القرآن، تحقيق: محمد أبو الفضل (القاهرة: دار إحياء الكتب العربية، ط1، 1376هـ/1957م)، ج1، ص102.

([10]) محمد عميم، التعريفات الفقهية (بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1424هـ/2003م)، ص229.

([11]) محمد بن دريد، جمهرة اللغة، تحقيق: رمزي بعلبكي (بيروت: دار العلم للملايين، ط1، 1987م)، ج1، ص498.

([12]) يُنظر: الحسن اليوسي، القانون في أحكام العلم واحكام العالم وأحكام المتعلم، تحقيق: حميد حماني (الرباط: مطبعة شالة، ط1، 1419هـ/1998م)، ص206.

([13]) يُنظر: أحمد السالكي، «ملخص البحث التأليف في علوم القرآن: الجذور والتطور والبناء ضمن الندوة العلمية الدولية: علوم القرآن الكريم: إشكالية المفهوم والمنهج والوظيفة»، استرجع بتاريخ: 25/4/2019 https://edhh.org/index.php/resume-de-la-recherche-scientifique-dans-les-sciences-du-coran-racines-developpement-et-construction.

([14]) يُنظر: ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، ج1، ص109.

([15]) يُنظر: محمد مصطفى الزحيلي، الوجيز في أصول الفقه الإسلامي (دمشق: دار الخير للطباعة والنشر والتوزيع، ط2، 1427هـ/2006م)، ج1، ص404-405. وفي هذا المعنى المقرر قول ميارة الفاسي - رحمه الله - في منظومته: الشرط عن ماهية قد خرجا والركن جزؤها بها قد ولجا. يُنظر: ميارة الفاسي، الروض المبهج بشرح بستان فكر المهج في تكميل المنهج، تحقيق: حمد حسن إسماعيل (بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 2010م)، ص16.

([16]) يُنظر: موسى الحجاوي، الإقناع في فقه الإمام أحمد (بيروت: دار المعرفة، ط1، [د.ت])، ج4، ص250.

([17]) المرجع نفسه، ص260.

([18]) يُنظر: منصور البهوتيّ، شرح منتهى الإرادات (بيروت: عالم الكتب، ط1، 1414هـ/1993م)، ج1، ص347.

([19]) جاء في المطلع: «واليد حقيقة في اليد إلى المنكب، ثم تستعمل في غير ذلك بقرينة»، وبيان الأوجه الأخرى المذكورة تم الاقتصار فيها على ما دون المنكب بدليل كما في الوضوء -مثلًا-. يُنظر: محمد البعلي، المطلع في ألفاظ المقنع، تحقيق: محمود الأرناؤوط وياسين محمود الخطيب (جدة: مكتبة السوادي للتوزيع، 1423هـ/2003م)، ط1، ص18.

([20]) ولذلك فأبرزت – غالبًا – في هذا المطلب صلة الوجوه بالمعنى اللغوي، بخلاف المطلب الأول.

([21]) أحمد بن حنبل، مسند الإمام أحمد، مسند ‌‌أحاديث علي بن أبي طالب، ج2، ص292، حديث رقم: 1006، وصحّحه الأرنؤوط، يُنظر: أحمد بن حنبل، مسند الإمام أحمد، ج2، ص292.

([22]) يُنظر: ابن منظور، لسان العرب، ج12، ص295.

([23]) يُنظر: ابن منظور، لسان العرب، ج5، ص144.

([24]) ابن منظور، لسان العرب، ج12، ص295، أحمد الفيومي، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير (بيرت: المكتبة العلمية)، ج1، ص338.

([25])البعلي، المطلع في ألفاظ المقنع، ص286.

([26])ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، ج2، ص114.

([27]) المرجع نفسه، ج4، ص307.

([28]) يُنظر: البعلي، المطلع في ألفاظ المقنع، ص401.

([29]) يُنظر: ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، ج4، ص488؛ ابن منظور، لسان العرب، ج7، ص203.

([30]) البهوتيّ، كشاف القناع، ج1، ص220. وهذا قول جمهور الأصوليين وخالفهم الحنفية الذين جعلوا الفرض آكد من الواجب. يُنظر: أبو اسحاق إبراهيم الشيرازي، اللمع في أصول الفقه (بيروت، دار الكتب العلمية، ط2، 1424هـ/2003م)، ص23.

([31]) البهوتيّ، شرح منتهى الإرادات، ج1، ص438.

([32]) ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، ج4، ص489.

([33]) يُنظر: ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، ج4، ص435.

([34]) المرجع نفسه، ج5، ص239،

([35]) يُنظر: المرجع نفسه.

([36]) يُنظر: المرجع نفسه، ج5، ص293،

([37]) أبو داود سليمان السجستاني، مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود السجستاني، تحقيق: طارق عوض الله (مصر: مكتبة ابن تيمية، 1420هـ/1999م)، ط1، ص143.

([38]) يُنظر: ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، ج5، ص210.

([39]) يُنظر: محمد بن إسماعيل البخاري، صحيح البخاري، كتاب البيوع، باب بيع الملامسة، ج3، ص70.

([40]) يُنظر: ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، ج5، ص455، ابن منظور، لسان العرب، ج11، ص671.

([41]) عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي، المقنع والشرح الكبير، تحقيق: عبد الله التركي (الرياض، عالم الكتب، ط3، 1417هـ/1997م)، ج8، ص206.

([42]) بشرى غالب باخلف، تحرير مصطلح الإسرائيليات، مجلة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، 2021، المجلد 39، ع 1، جامعة قطر، ص35.