معالم المنهج ومواطن التجديد في موقف الشيخ يوسف القرضاوي من الحضارة الغربية والبعث الإسلامي

يونس اعمر ملال

أستاذ مشارك بجامعة أم القرى مكة المكرمة (سابقًا)؛ ولاية أدرارالجزائر

younesnoun73@gmail.com

تاريخ الاستلام:16/10/2023                                تاريخ التحكيم: 02/03/2024                                تاريخ القبول: 0/05/2024

ملخص البحث

أهداف البحث: الشيخ القرضاوي رحمه الله شغلته قضيتا الموقف من الحضارة الغربية، ومنهجية إعادة البعث الحضاري عند المسلمين، وهذه الدراسة جاءت بهدف بيان المعالم المنهجية الكبرى، ومواطن التجديد الحضاري المرتبطة بموضوع العلاقة بين الإسلام والغرب في فكر الشيخ رحمه الله.

منهج الدراسة: انتهجت هذه الدراسة منهجا تحليليًا وصفيًا.

أصالة البحث: تظهر من خلال تمام الانسجام بين فكر الشيخ القرضاوي ومشروعه الحضاري، وبين متطلبات المرحلة القادمة للعالم الإسلامي، فيما يرتبط بالحضارة الغربية والنهضة الإسلامية المستقبلية المأمولة.

نتائج الدراسة: خلصت الدراسة إلى أن موقف الشيخ من الحضارة الغربية ليس مرادا لذاته، بل هو وليد اهتمامه بقضية البعث الحضاري الإسلامي الجديد، وأنه يتميز بالإنصاف والواقعية والإيجابية، من خلال الحوار والانفتاح المنضبط والمعاصرة والاقتباس والانتقاء المستبصر، وأن مشروع الشيخ الإصلاحي هو نسخة مطورة ناضجة من تيار الإصلاح يعتمد التجديد والاجتهاد والواقعية والمعاصرة، وينبذ الماضوية والجمود والتقليد.

الكلمات المفتاحية: الشيخ القرضاوي، الحضارة الغربية، البعث الحضاري، التجديد الحضاري، الإسلام والغرب

للاقتباس: ملال، يونس اعمر. «معالم المنهج ومواطن التجديد في موقف الشيخ يوسف القرضاوي من الحضارة الغربية والبعث الإسلامي»، مجلة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة قطر، المجلد 43، العدد 1 (2025)، عدد خاص بمؤتمر «قراءات في قضايا التجديد والترشيد في فكر الشيخ يوسف القرضاوي».

https://doi.org/10.29117/jcsis.2025.0406

 ©2025، ملال، يونس اعمر. مجلة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، دار نشر جامعة قطر. نّشرت هذه المقالة البحثية وفقًا لشروط Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0). تسمح هذه الرخصة بالاستخدام غير التجاري، وينبغي نسبة العمل إلى صاحبه، مع بيان أي تعديلات عليه. كما تتيح حرية نسخ، وتوزيع، ونقل العمل بأي شكل من الأشكال، أو بأية وسيلة، ومزجه وتحويله والبناء عليه، طالما يُنسب العمل الأصلي إلى المؤلف. https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0

 

 


Methodological Landmarks and Aspects of Renewal in Sheikh Yūsuf al-Qaraḍāwī’s Stance on Western Civilization and Islamic Revival

Younes Ammar Mellal

Former Associate Professor at Umm al-Qura University–Mecca; Adrar Province–Algeria
younesnoun73@gmail.com

Received: 16/10/2023                      Peer-reviewed: 02/03/2024                            Accepted: 06/05/2024

Abstract

Objectives: Sheikh al-Qaraḍāwī profoundly engaged with two key issues: the approach to Western civilisation and the pursuit of a civilisational revival among Muslims. This study seeks to identify the methodological principles and elements of renewal within al-Qaraḍāwī’s perspective on these topics.

Methodology: The study follows a descriptive and analytical approach.

Results: The study concludes that Sheikh al-Qaraḍāwī’s stance on Western civilisation is not an end in itself but reflects his commitment to the new Islamic civilisational revival. His approach is marked by fairness, realism, and positivity, embracing dialogue, disciplined openness, modern relevance, thoughtful borrowing, and discerning selection. His reformist vision represents a mature, evolved approach to reform, one that values innovation, diligent inquiry, realism, and contemporaneity while rejecting traditionalism, stagnation, and blind imitation.

Originality: This study's uniqueness lies in the alignment between Sheikh al-Qaraḍāwī’s thought and civilisational vision and the evolving needs of the Islamic world in relation to Western civilisation and the anticipated future Islamic renaissance.

Keywords: Sheikh al-Qaraḍāwī; Western civilization; Islamic revival; Civilisational renewal; Islam and the West

Cite this article as: Mellal, Y. A. “Methodological Landmarks and Aspects of Renewal in Sheikh Yūsuf al-Qaraḍāwī’s Stance on Western Civilization and Islamic Revival”, Journal of College of Sharia and Islamic Studies, Qatar University, Vol. 43, Issue 1 (2025), Special Issue on “Reflections on Renewal and Moderation in the Thought of Sheikh Yūsuf al-Qaraḍāwī”.

https://doi.org/10.29117/jcsis.2025.0406

© 2025, Mellal, Y. A. Published in Journal of College of Sharia and Islamic Studies. Published by QU Press. This article is published under the terms of the Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0), which permits non-commercial use of the material, appropriate credit, and indication if changes in the material were made. You can copy and redistribute the material in any medium or format as well as remix, trans.form, and build upon the material, provided the original work is properly cited. The full terms of this licence may be seen at: https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0

 

 

 

 

 


 

مقدمة

اهتم الشيخ القرضاوي رحمه الله بدراسة الحضارة الغربية وحدد موقفه منها في كتب ومقالات كثيرة، وهو الشخصية الإسلامية الموسوعية والعالمية، ذات الروح الإصلاحية القوية، فما سر اهتمامه بدراسة الغرب وحضارته؟ وما طبيعة هذا الموقف؟ وما المرتكزات العلمية والمنهجية التي قام عليها؟ وما موقع الأمة الإسلامية والبعث الحضاري الإسلامي من هذا الاهتمام وذاك الموقف؟

من أجل الإجابة عن هذه الأسئلة، تحاول هذه الدراسة الكشف عن المحددات المنهجية التي تمكننا من فهم طبيعة موقف الشيخ القرضاوي من الحضارة الغربية، والمعايير المنهجية التي وظفها في تعامله معها، لعل الدراسة تصل إلى الخيط الناظم الذي يربط موقف الشيخ من الحضارة الغربية بمشروعه في البعث الحضاري الإسلامي المأمول.

المبحث الأول: محددات منهجية في فهم الشيخ القرضاوي للحضارة الغربية وموقفه منها

المطلب الأول: الدورة الحضارية عند الشيخ القرضاوي

نتناول الدورة الحضارية عند الشيخ القرضاوي رحمه الله باعتبارها محددا منهجيا أساسيا في فهمه للحضارة الغربية، وتعامله معها من جهة، وكأداة منهجية تمكننا نحن من فهم وتحليل موقف الشيخ من الحضارة الغربية فهما وتحليلا سليمين.

ابتداءً، يقر الشيخ القرضاوي رحمه الله بالدورة الحضارية للأمم، فالحضارات عنده تزدهر وتذبل وتشرق وتغرب وتقبل وتدبر، وتنتقل من مكان لآخر عبر فترات مختلفة من التاريخ([1])، وهي الوجهة التي ذهب إليها كثير من فلاسفة التاريخ الأوروبيين، أمثال توينبي شفيتزر واشبنغلر وغيرهم، وكذا مؤرخو الحضارة المسلمون، من أمثال عبد الرحمن بن خلدون ومالك بن نبي وغيرهما، بل هو ما نطقت به الآيات الكريمات في مثل قول الله تعالى: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٞۖ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمۡ لَا يَسۡتَأۡخِرُونَ سَاعَةٗ وَلَا يَسۡتَقۡدِمُونَ [الأعراف: 34] وقوله تعالى: ﴿وَتِلۡكَ ٱلۡأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيۡنَ ٱلنَّاسِ[آل عمران: 140]، وقوله سبحانه: ﴿تِلۡكَ أُمَّةٞ قَدۡ خَلَتۡۖ لَهَا مَا كَسَبَتۡ وَلَكُم مَّا كَسَبۡتُمۡۖ وَلَا تُسۡ‍َٔلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ [البقرة: 134] تناولت هذه الآيات بالحديث: آجالا للأفراد وآجالا للأمم، وأعمالا للأفراد وأعمالا للأمم، وتلك سنة الله في الحضارات البشرية عبر التاريخ، وهو ما تحدث عنه الشيخ بوضوح في الفصول الأخيرة من كتابه «الإسلام حضارة الغد»؛ حيث قال: «ممّا نبّه عليه القرآن كذلك سنّة من سنن الله في هذا العالم، هي سنّة التداول بين الأمم، أو تبادل الأدوار في الحضارات»([2])، وقال: «وكما أنّ الفقير لا يبقى فقيرا للأبد والغني لا يبقى غنيا للأبد، فكم فقيرٍ يغتني وكم غني يفتقر، كذلك القوي والضعيف... فهكذا يقال في الأمم»([3]).

وقد اطّرد الحديث عند الشيخ عن الهلاك والسقوط وأسبابه، والبعث والقيام والوراثة والاستخلاف، ممّا يجعل «الدورة الحضارية للأمم» محددًا منهجيًا ثابتًا لفهم الشيخ للحضارات الإنسانية عمومًا، والحضارة الغربية بالخصوص، ومن ثمة اتخاذ الموقف المناسب حيالها.

وممّا يكمل رؤية الشيخ المنهجية للتداول الحضاري، إقراره بأن الأمم تنجو وتهلك وتقوم وتسقط، ودراسته لأسباب الهلاك، وأنها متوقفة على سنن لله ثابتة لا تتبدل، فالأمر معلل بأسبابه، وليس أبدا اتفاقا أو مصادفة([4])

وفي سياق تناول أسباب انهيار الحضارات، يتناول الشيخ أسباب انهيار الحضارات المادية خاصة، حتى ولو كانت في أوج تمدنها، ويستنبط من حديث القرآن الكريم عن الأمم الغابرة تسعة أسباب للهلاك، أي لانتهاء الدورة الحضارية للأمم، وهي: 1- معصية الرسل والجحود بآيات الله. 2- تولي الجبابرة والمفسدين في الأرض للأمور واتباع الناس لهم. 3- الغرور بالعلوم المادية والإعراض عن وحي الله. 4- الغرور بالقوة المادية والثروة المالية. 5- الظلم والبغي بغير الحق خاصة على الفقراء. 6- اقتراف الفواحش واتباع الشهوات. 7- شيوع الفساد والمعالنة بالمنكر وعدم التناهي عنه. 8- الكفر بأنعم الله واستعمالها في سخطه وعدم أداء شكرها. 9- الترف والبطر([5]).

وبتحليل هذه الأسباب نجد أنها في جلها ترجع إلى الثقافة والفكر، والإرادة والإيمان، وطغيان الإنسان، فإن مكر الله سبحانه وتقديره وتدبيره أسرع فالأمر منه وإليه: ﴿إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَيَطۡغَىٰٓ أَن رَّءَاهُ ٱسۡتَغۡنَىٰ [العلق: 6-7]، وفعلا حين ندرس أسباب سقوط الحضارات في التاريخ البشري القديم والحديث، نلاحظ أن السقوط هو لسببين لا ثالث لهما: 1- إما خلل على مستوى الفكرة. 2- أو خلل على مستوى الإرادة([6]).

فالحضارات التي تنطلق من الفكر المادي وتحتكم إليه التي تناولها الشيخ رحمه الله بتفصيل تحمل بذور فنائها في نفسها، فهي تصادم فطرة الله، وتجهل طبيعة الإنسان وحاجاتهغير الحاجات الماديةوكلما ازدادت المدنية فيها تقدما كلما ازداد الإنسان إيحاشا وتوحشا، ويأسا وتعاسة، ورغبة في التملك والفساد والتدمير، وذلك هو الطغيان الذي يقضي على تلك الحضارة.

أما حضارات الأمم التي تزدهر بفضل الوحي وقيادة الرسل والصالحين، فإنها تسعد بأنعم الله أجلا مسمى، إلى أن تغير وتبدل، فيضعف إيمانها، وتنهار إرادتها أمام مغريات الحياة الدنيا، فتحل الحرام وتحرم الحلال، وتسقط القيم وتستسلم للشهوات، وتعجز عن التجديد والرجوع لعوامل قوتها الأولى، وذلك سبب انهيار الحضارات الدينية لا سيما السماوية ومنها الحضارة الإسلامية، فتراجعها ليس بسبب الإسلام الذي بعثها من موات، بل بسبب تحول الإنسان المسلم من مرحلة الروح الإيمانية العالية والإرادة القوية؛ حيث كان إنسانا طليعيا في التاريخ، إلى المرحلة الغريزية التي سدت عليه الآفاق وتغلبت عليه فيها زخارف الحياة الدنيا، بتعبير الأستاذ مالك بن نبي في تحليله للدورة الحضارية الإسلامية([7]).

والشيخ القرضاوي استنبط أسباب هلاك الأمم في سياق دراسته للحضارة الغربية، ولذلك خلص إلى القول بأن «كل سبب من الأسباب السابقة حري أن يعجّل بعقاب الله وبأسه الذي لا يرد عن القوم المجرمين، فكيف إذا اجتمع عدد منها في أمة من الأمم؟ والناظر في الحضارة التي تسود عالمنا اليوم، يجدها قد أخذت بنصيب، يكثر أو يقل من حضارات الهالكين، وانحرافاتهم العقدية والفكرية والسلوكية»([8]).

ومع أن الشيخ رحمه الله يرى أن الحضارة المعاصرة قد أخذت بنصيب من أسباب الهلاك، غير أنه لا يبشر بسقوطها أو يتحمس لذلك كما يفعل اتجاه إسلامي عريض وذلك لسببين في رأينا:

1.   بسبب ما يرى فيها من الخير ومن الإيجابيات التي عم نفعها الإنسانية جميعا، والتي لا ينكر الشيخ وجودها، إلى جانب السلبيات الضخمة التي تنبئ بدمار البشرية إن لم يصحح مسارها.

2.   بسبب اكتسابها صفة العالمية، فخيرها يعم كثير منه أقطار العالم، وشرها في حال استمرارها يصيب العالم كله أيضا، وهو أشد في حال هلاكها.

لذا فالشيخ لا يقف موقف المترصّد لسقوط الحضارة الغربية، بل يسلك مسلكا حكيما جامعا، يقصد استبقاء الخير ومحو الشر والفساد، والاستعداد المطلوب لوراثة الحضارة بالتمهيد للبديل الإسلامي وتقويته لدى المسلمين، فإن فقدهم للخير الذي في دينهم، يجعلهم عاجزين عن إنقاذ أنفسهم بله أن ينقذوا البشرية مما وحلت فيه.

وسوف نرى في المحدد المنهجي التالي كيف يفرق الشيخ بين مدنية عامة فيها خير للناس، وإن كان الغرب هو المهيمن عليها اليوم. وثقافة غربية خاصة تحتاج إلى نقد وإصلاح بما يبين أكثر عن مشروعه الإصلاحي وموقفه حيال الحضارة الغربية.

المطلب الثاني: الحضارة الغربية بين المدنية والثقافة

هذا هو «المحدد المنهجي الثاني» في تعامل الشيخ القرضاوي رحمه الله مع الحضارة الغربية، حيث يرى الشيخ فيه أن «الحضارة جسم وروح، فجسم الحضارة يتمثل في منجزاتها المادية من العمران والمصانع والآلات، وكل ما يحقق للإنسان الرفاهية الدنيوية، وروحها العقائد والمفاهيم والقيم والآداب التي تضبط سلوك الأفراد وأسلوب حياة المجتمعات»([9]). وهذا قريب من اعتبار الحضارة مفهوما شاملا يستوعب المدنية التي هي الشق المادي من الحضارة، والثقافة التي هي جوهر الحضارة ولبُّها الفكري والعاطفي، فخلف كل منجز حضاري تكمن الثقافة التي توجه الحضارة وتصبغها بالصبغة التي تعطيها صورتها النهائية، سواء كانت حضارة مادية أو روحية أو ثنائية، متوازنة أو جانحة.

أتاح هذا التفريق المنهجي بين المدنية الغربية، والثقافة الغربية، للشيخ اعتبار المدنية إرثا بشريا صالحا، بلغت فيه الحضارة الغربية اليوم مبلغا لم يشهد العالم مثله، فقد اتسع نطاقها حتى أثرت في أقطار الأرض كلها، واكتسبت صفة العالمية، وإن كان الغرب صانعها، وأوصلت الناس إلى مستوى من الرفاهية لم يبلغه حتى الملوك في العصور السابقة([10])، حتى بدا أن الأرض أخذت زخرفها وتزينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها([11])، وهو تطور مستمر نتيجة اقتباس الحضارة الغربية من الحضارات قبلها لا سيما الحضارة الإسلامية.

ويسم الشيخ القرضاوي رحمه الله الحضارة الغربية في جانب المدنية بـ «حضارة الوسائل»، سواء الوسائل المادية للمدنية الغربية التي استطاع الغرب بها تطويع الطبيعة، وتفجير الذرة واكتشاف المجرة، حتى استطاع الإنسان في عصرنا أن يطوي المسافات، ويحلق في الهواء كالطير ويغوص في البحر كالسمك وينطلق في الأرض كالمارد، وينتقل من ثورة علمية تقنية إلى أخرى، فمن الثورة الصناعية إلى الثورة البيولوجية إلى الثورة الإلكترونية إلى المعلوماتية والذرية([12])... وما نتج عن ذلك من وسائل مذهلة كاختراع الجوالات والحواسيب وغيرها، أو الوسائل المعنوية للمدنية الغربية، وهي وسائل متكاملة مع الوسائل المادية، فلا يمكن أن يصل مجتمع ما إلى مستوى راق جدا من المنجزات المادية دون أن يبرع في التنظيم والإدارة، أو يتميز بالاستقرار، وهذا ما لم يهمل الشيخ ملاحظته، حيث يقر بحسن الإدارة وروعة التنظيم، وإحكام الرقابة والتوجيه في الحضارة الغربية، ويعتبر أن من إيجابيات الحضارة الغربية ضمن ما أسميناه بالوسائل المعنوية للمدنية الغربية احترام حرية الإنسان وإطلاق حوافزه وطاقاته، فالحضارة المعاصرة «أعطت الإنسان الحوافز التي تدفعه للابتكار والإنتاج وصنعت له المناخ العقلي والنفسي الذي يشجعه على المضي، وهيأت له الإرادة الحسنة التي تساعده على إتقان عمله، فتكافئ المحسن وتعاقب المقصر والمنحرف... وقد استطاع الإنسان في ظل هذه الحضارة أن يحصل على دساتير، تحدد حقوق كل من الحاكم والمحكوم وواجباته، وأن يلزم بها أهل الحكم... عن طريق الديموقراطية»([13]).

وهكذا فالمدنية أو الجانب العمراني والإجرائي من المعرفة الغربية، أو جانب الوسائل والأدوات المادي والفكري، لا إشكال في الاستفادة منه في نظر الشيخ القرضاوي، وهو يحصر الآثار الإيجابية للحضارة الغربية في هذا الجانب بالذات حيث يقول: «هذه الجوانب الطيبة أو الحسنة في الحضارة الغربية، كلها تتعلق بالوسائل والأدوات والآليات التي يستخدمها الإنسان وهي سلاح ذو حدين، يمكن أن تستعمل في الخير، وأن تستعمل في الشر»([14])، وهي مكسب إنساني عام، ولذا فلا إشكال أيضا فيما تأسست عليه من فكر علمي إجرائي صرف، يقول: «الفكر العلمي القائم على المنهج الاستقرائي، لا اعتراض لنا عليه، بل الواقع أن أصله مقتبس من الحضارة العربية الإسلامية التي ارتكزت عليه وتفوقت في استخدامه في شتى المجالات، واعتبره العلماء المسلمون منهجا قرآنيا، وشهد المنصفون منهم من علماء الغرب ومؤرخي العلم والحضارة فيهم بأصالة المسلمين في ذلك، وأخذ الغربيين عنهم»([15]). إذن أين المشكلة مع الحضارة الغربية؟

يجيب الشيخ القرضاوي بأن الإشكالية الكبرى مع الحضارة الغربية، هي في «الفكر الغربي النظري، وهو فكر خاص له سماته وخصائصه التي ينفرد بها عن فكر الشرق عامة، والشرق العربي الإسلامي خاصة، وهي خصائص عميقة الجذور لازمته منذ نشأته في بلاد الإغريق، وانتقاله منها إلى الرومان، حتى انتقل إلى أوروبا المعاصرة»([16]).

وما يسميه الشيخ «الفكر النظري الغربي»، ويعني به الدين والفلسفة والإيديولوجيات أو المذاهب الفكرية كما عرفها الغرب، لا يعني عند التتبع إلا «الثقافة الغربية» الخاصة الكامنة خلف هذه الحضارة المعاصرة الضّخمة، وهي التي تهيمن على وسائل المدنية وتُوَجهها نحو غايات ومسارات تعد شرا مستطيرا محيقا بالبشرية، ويراد تعميمها وعولمتها. وأصول هذا الفكر الغربي النظري المعاصر تمتد إلى الجذور الإغريقية، الرومانية، المسيحية. والنظر إلى الحضارة الغربية في جانبها المدني والإجرائي دون جانبها الفكري والفلسفي الموجه للحياة الفردية والاجتماعية هو نظر سطحي كما ينبه على ذلك الشيخ القرضاوي.

إذن الفكر النظري الغربي، أو الثقافة الغربية، ذات السمات الخاصة بالإنسان الغربي، والتي تتناقض بشكل شبه كلي مع الثقافة الإسلامية وخصائصها، هي محل نقد الشيخ رحمه الله . فهو يراها ثقافة تتصف بكونها:

1.   لا تعرف الله معرفة صحيحة، ولا تحسن التعامل مع فطرته التي فطر الناس عليها ولا تفقه شيئا عما علمه الله لأنبيائه وأتباعهم من منهج، يعلم الإنسان من أين جاء وما وظيفته في الحياة وإلى أين هو صائر، إن غاية ما تعرفه عن الله، هو أساطير يونانية توهمها أرسطو في إلهه المحرك الذي لا يتحرك، والذي لا وظيفة له في الوجود غير التأمل في ذاته، أو توهمها أفلاطون في عالم مثله، حيث حَرَمَ العلة الأولى حتى من التأمل في ذاتها! لذا وصفه المؤرخ الأمريكي ولديورانت بأنه إله مسكين لا يفعل شيئا، يشبه ملك البريطانيين الذي يملك ولا يحكم([17])، فالثقافة الغربية إما ثقافة ملحدة لا تقر بوجود الله أصلا، أو ثقافة تتجاهل وجود الله بوصفه ليس موضوعا للعلم، إذ العلم عندهم هو العلم المادي المحسوس فحسب، والله ليس من هذا القبيل.

2.   مادية تنكر الغيبيات: الدين وعالم الغيب في الغرب ثانوي في الحياة، وكل مبنى الثقافة الغربية على المحسوسات العلمية والاجتماعية والمصالح الاقتصادية والسياسية، ومرد النزعة المادية في الثقافة الغربية كما يرى الشيخ إلى المدنية الرومانية ذات الاتجاه المادي المحض، وإلى الثورة الطبيعية الإنسانية في صراعها مع الكبت المسيحي الذي انتهى إلى عزل الدين عن الحياة واستبدال معابد النصارى بمعابد المادية الحديثة، التي يصفها محمد أسد وصفا دقيقا ينقله الشيخ ويقره، يقول محمد أسد: «إن هياكل هذه الديانة أي معابدها وكنائسها إنما هي المصانع العظيمة، ودور السينما، والمختبرات الكيماوية، وباحات الرقص، وأماكن توليد الكهرباء، وأما كهنة هذه الديانة فهم الصيارفة والمهندسون وكواكب السينما، وقادة الصناعات وأبطال الطيران، والنتيجة التي لا مفر منها.. هي الكدح لبلوغ القوة واللذة، وذلك يخلق جماعات متخاصمة مدججة بالسلاح مصممة على أن يفني بعضها بعضا، حينما تتصادم مصالحها المتقابلة»([18]).

3.   علمانية وضعية مُعْرِضَة عن شرائع السماء: تلك نتيجة طبيعية لكونها تحيّد الله عن التصرف في الكون، وتلتمس المصلحة المادية العاجلة، من الطبعي إذن أن تحصر الدين في التجربة الفردية والعلاقة الشخصية مع الله، وتحصر نفسها في الزمني دون المطلق، والواقعي دون المثالي، والشهادة دون الغيب، وقد غذى هذا الاتجاه صراع الغرب مع الكنيسة واستبدادها الكهنوتي الذي أراد أن يفرض الخرافة على الناس فرضا ويجعلها لهم دينا، ويقتل فيهم كل روح للتفكير والتحرر، فانتهى الصراع نهاية عصر النهضة الأوروبية إلى رفض الدين جملة. لذا عندما انفتح الغرب على العالم الإسلامي رفض الإسلام باعتباره دينا، فلم يكن الغرب مستعدا ليعيد التجربة الدينية، مهما بدت مختلفة، وكان قد بنى أصوله الثقافية على المادية، ومن ثم تبنى العلمانية وتجذرت فيه، وهي التي تقوم فيها شؤون العباد على العقل والمصلحة وحدهما والقسمة بين الله والعبد، فسلطة الله في السماء وسلطة العبد في الأرض، ما لله لله وما لقيصر لقيصر، الدين لله والوطن للجميع، وغير ذلك من الشعارات العلمانية.

4.   ثقافة صراع: لا تعرف التكامل والانسجام في الكون، بل الصراع المتنوع الأشكال والمتعدد المجالات، عند الإغريق صراع الآلهة والبشر، وعند الرومان صراع السادة والعبيد، وفي عصر النهضة صراع الإنسان مع الطبيعة، وأشكال أخرى كصراع الرجل مع المرأة، والصراع في الانتخاب الطبيعي والبقاء للأقوى.. الخ وذلك متأصل في الثقافة الغربية.

5.   ثقافة استعلاء على الغير: فهم يعتقدون أنهم أفضل جنس وأصفى عرق، وأذكى قوم، وأجدر بالسيادة والريادة والناس في ذلك تبع لهم، فالعلم منهم وإليهم والحضارة كذلك، وما هتلر وموسوليني عن عصرنا ببعيد([19]).

هذه سمات الثقافة الغربية كما يصورها الشيخ القرضاوي، وطبيعي أن ينتقدها ولا يتفق معها، إذ هي سمات تتصادم مع الثقافة الإسلامية المجردة من العنصرية والاستعلاء والتكذيب بالله.

وجدير بالملاحظة أن إقرار الثقافة الإسلامية بالحق في الاختلاف، ليس إقرارا للباطل، بل تقريرا للواقع، حتى ولو كان هذا الاختلاف في الدين، ناهيك عن الثقافة والفكر. فإقصائية الثقافة الغربية واستعلاؤها، يقابلهما اعتراف الإسلام بالاختلاف سنة إلهية غالبة، وضرورة واقعية نافذة، مع إقرار استحالة اجتماع الناس كلهم على كلمة واحدة ودين واحد، وإلا لبطل الابتلاء، وانمحى الجهاد، وغابت الدعوة الحق، ولما امتاز الصادقون عن المنافقين، فالاختلاف عريق وهو باق إلى يوم الدين([20]) هذا ما يقر به الإسلام وثقافته التي تؤمن بالله تعالى القيّوم على ملكه، وبوجوب الانصياع إلى حكمه وشرعه، واليقين في حكمته وعدله، والإيمان بتساوي العباد في خلقتهم وتفاضلهم واختلافهم في أعمالهم وأخلاقهم، فقد قضت الإرادة الإلهية الغالبة على الخلق باختلاف مؤهلاتهم وقدراتهم ومواهبهم، وافتراقهم أمما وشعوبا وقبائل([21]) . كما هو طبيعي أن يرصد ثم يرفض الآثار المدمرة لهذه الثقافة، من انحلال في الأخلاق، وانهيار في الأسرة، وقلق في النفوس، واضطراب في التفكير، وتفش للجريمة والخوف الدائم من المستقبل([22]).

المطلب الثالث: موقف الشيخ القرضاوي من الحضارة الغربية

يمكننا بعد عرض هذين المعلمين استنتاج موقف الشيخ من الحضارة الغربية على النحو الآتي:

يقسم الشيخ القرضاوي الحضارة المعاصرة إلى:

1.   مدنية: هي بمثابة الوسائل والأدوات مما لا إشكال في استبقائه والإفادة منه، وهي إما أدوات مدنية مادية: تتمثل في التطبيقات التكنولوجية وما تأسست عليه من فكر إجرائي، أو أدوات مدنية فكرية إجرائية: تتعلق بالإدارة والتنظيم والرقابة في الجانب الاجتماعي والاقتصادي، أو تتعلق بالجانب الحقوقي والسياسي كالدساتير والتداول السلمي للسلطة ووسائل الاقتراع، والتمثيل النيابي، ووسائل الرقابة للحاكم وغيرها...

2.   وفكر نظري = (ثقافة): تمثل الإفلاس الغائي والقيمي في الحضارة الغربية، والانحراف الإنساني الفكري والسلوكي الذي تجب مراجعته ونقده، وتصحيح مسار اتجاهاته المادية الذي يهدد كل جميل في هذه الحضارة ومدنيتها.

وبتوظيف هذين المحددين المنهجيين، محدد «المدنية العامة والثقافة الخاصة»، ومحدد «حتمية الدورة الحضارية»، يرسم الشيخ موقفه من الحضارة الغربية، فالسؤال عنده ليس هو: هل تسقط الحضارة الغربية أم لا؟ إذ سقوطها وتراجعها هو سنة إلهية خالدة، وليس السؤال: متى تسقط؟ لأن سقوطها في ظل عدم وجود البديل الأفضل هو شر من بقائها، لا سيما والشيخ لا يرى في مدنيتها ضررًا بل يرى فيها خيرًا كبيرًا، وتطورًا مذهلا، يُعَدُّ مكسبا للبشرية كافة، تمسك اليوم بناصيته الحضارة الغربية، وغدا يكون للأقدر من الأمم على حمل الوراثة الحضارية، فخلل الحضارة الغربية مبعثه ثقافتها لا مدنيتها.

وعليه، فبدلا من التبشير المتكرر بسقوط الحضارة الغربية وانهيارها، الذي يوهم كثيرا من المسلمين أن صعودهم الحضاري سيكون تلقائيا بعد سقوطها وهو وهم محض يعمد الشيخ القرضاوي إلى سبيل حكيم ومنطقي ومثمر، هو الإسهام في تصحيح مسار الثقافة الحديثة من وجهة نظر إسلامية، مما يحافظ في نظره على مكاسب المدنية الغربية، ويهيئ العالم الإسلامي للنهوض بواسطة المشاركة العالمية الإيجابية في تصحيح المسار، ويمهد السبل للبديل الإسلامي لقيادة العالم، لا سيما إذا تمكن المسلمون من إقناع العالم المعاصر بجدارة الإسلام وأحقيته، لا سيما وأن مشكلات الحضارة الغربية بحكم العولمة قد تحولت إلى مشكلات للعالم كله، إن لم ينخرط المسلمون في دراستها والمشاركة في تقديم الحلول لها، اجتاحتهم بموجتها الكاسحة المؤثرة في أمم الدنيا جميعا.

لأجل ذلك يحدد الشيخ موقفه من الحضارة الغربية بقوة ووضوح فيقول: «عيب هذه الحضارة أنها استغنت عن الله... وتصرفت كأنها صاحبة الخلق والأمر في هذا العالم.. فلا عجب إن ضمرت روحها وإن كبر جسمها.. وهذا حكم على الغالب فقد توجد بذور خير ومصابيح هداية هنا وهناك.. وهذا هو ما أقلق أهل العلم والفكر والأدب والسياسة: أن يصيب هذه الحضارة ما أصاب ما سبقها من الحضارات ويجري عليها القانون الإلهي الذي لا يحابي ولا يحيف. ونحن المسلمين نخاف على هذه الحضارة ما يخافه النقاد المخلصون من أهلها، لأن ما فيها من خير ينتفع به الجميع وما فيها من شر خطر على الجميع، ويهمنا أن نستبقي خيرها ونتفادى شرها، ولن يكون ذلك إلا من خلال الرسالة الحضارية التي يحملها المسلمون للعالم.. إننا لا نريد أن نهدم الحضارة المعاصرة لأنها ستنهدم على رؤوس الجميع، وإنما نريد أن نحميها من نفسها، وأن نقدم لها طوق النجاة من غرق يهددها ويهدد البشرية معها»([23]).

هكذا يلخص موقفه من الحضارة الغربية، ورؤيته للواجب والمتاح للمسلمين أمام التدهور الثقافي الغربي، وإشراف الدورة الحضارية الغربية على نهايتها.

المبحث الثاني: معايير منهجية في تعامل الشيخ القرضاوي مع الحضارة الغربية والبعث الإسلامي

وهكذا نجد الفكر الإيجابي والوسطي الجامع للشيخ القرضاوي يلقي بظلاله أيضا على فكره الحضاري، فالعصر ليس ظلاما كله حتى ندير له الظهر، والأصالة لا تعني العيش في أغوار الماضي السحيق، وليس من مصلحة الأمة ولا في مقدورها أن تنزوي على نفسها وتغلق الأبواب، فالحضارة المعاصرة اليوم قد دخلت كل بيت بلا استئذان، سواء انفتحنا عليها أو انغلقنا، وليس من منهج الشيخ الأخذ بحلو الحضارة ومرها، وخيرها وشرها، فهي ليست قدرا محتوما كما يزعم الحداثيون، فهناك من مخرجات هذه الحضارة ما يفتح له الباب، وهناك ما ينبغي أن نجعل بينه وبيننا سدا مانعا منيعا، ولعل الحرفية في الفهم، والجمود في الفكر، هي ما تجعل الأمة أحيانا تعيش هائمة في الأحلام والنظريات متقوقعة في التاريخ، بعيدة عن فهم حيثيات الواقع المعاصر ومتطلباته، فتتعثر في كل خطوة، وتُسقِط النصوص على الوقائع التي تجهلها كخبط عشواء، فتسيء الفهم والحكم. وقريب من ذلك ما يدعو إليه بعض المفكرين من القطيعة مع التراث للتواصل مع قيم الحضارة الحديثة، فلا هم عرفوا ما يقاطعون، ولا هم عرفوا ما يواصلون.

من هنا وجب إلقاء شعاع من نور الفكر والتحليل على هذه السمات الجامعة في فكر الشيخ القرضاوي، التي تعبر عن الوسطية الإسلامية كما يراها الشيخ. لكننا سنقرأها مقتصرين على سياق واحد هو سياق: موقف الشيخ القرضاوي من الحضارة الغربية المعاصرة ورؤيته للبعث الحضاري الجديد.

المطلب الأول: أثر الأصالة والمعاصرة في موقف الشيخ من الحضارة الغربية والبعث الإسلامي

في كتابه «الثقافة العربية بين الأصالة والمعاصرة»، الذي أفرده الشيخ لهذه الثنائية، يسجل منذ البداية دخول الحضارة الغربية على الخط الفكري، وإسهامها في بلورة هذه الثنائية من خلال تأثيرها على حياة النخبة ثم العوام، في ظل أزمة النهضة العربية الإسلامية المتعثرة، فالحضارة الغربية، أو بالأحرى الموقفُ منها، هو السبب الرئيس في وجود مثل هذه الثنائية، التي أخذت أشكالا مختلفة من التعبير، مثل: «القديم والجديد، التقليد والتجديد، المحافظة والتحديث، الجمود والتحرر، الرجعية والتقدمية»([24])، وغالبا ما يعبر عنها في المغرب الإسلامي بـ: التراث والحداثة، وقد مرت هذه الثنائية بمراحل من الصراع بين تيار الأصالة، وتيار المعاصرة الذي يدافع عنه خريجوا المدارس والكليات الأجنبية في الداخل، وخريجوا الجامعات الغربية والوافدون من الخارج ومن تتلمذ عليهم وحطب في حبلهم([25]).

ويسجل الشيخ وجود التطرف في الاتجاهين: الاتجاه الذي يريد أن ينسلخ من جلده ويقصي أصالته من أجل المعاصرة، والاتجاه الذي يجمد على كل قديم، ممن يريدون أن يوقفوا حركة الفلك وسير التاريخ([26]). وذلك صراع حدي ضاعت فيه الوسطية الجامعة، وغابت الحقيقة البالغة، وبدت الأمة منقسمة بين القديم والجديد، فنسيت القديم ولم تتعلم الجديد([27]).

ومنهجية الشيخ في تناول ثنائية الأصالة والمعاصرة تأسست على ثلاثة مرتكزات، يتوخى فيها الشيخ الحكمة والعمق والهدوء في التحليل، أولها: تفحص معنى الأصالة الحقة ومقوماتها، وثانيها: تفحص المعاصرة الحقة ومقتضياتها، وثالثها: النظر في العلاقة بينهما من حيث التوافق أو التضاد.

فهو يرى أن من أسباب سوء التعامل معها، والاختيار الحدي فيها، التسرع في الحكم قبل البحث، كما حصل للفيلسوف الأديب زكي نجيب محمود الذي رأى المعاصرة محصورة في الحضارة الغربية والأصالة جزءا من ماض مهمل أو يجب أن يهمل قبل أن يراجع ويتراجع عن ذلك([28]).

من هنا يرى الشيخ القرضاوي رحمه الله أن الإشكالية في فهم مسألة الأصالة والمعاصرة، واعتبار إحداهما مضادة للأخرى هو: إما سوء فهم للأصالة، أو سوء فهم للمعاصرة.

ويفصل الشيخ إجابته عن سؤال الأصالة في ثلاثة عناصر أساسية: 1- معنى عام ينبغي أن يدرك. 2- سوء فهم ينبغي أن يزاح. 3- مقومات ينبغي أن تتحقق.

كما يؤكد رحمه الله أن الأصالة سمة أساسية من سمات الثقافة الإسلامية، وليست مجرد دعوى بلا دليل، وحقيقتها التي ينبغي أن تدرك هي العودة إلى الأصول الجامعة من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، ومنهج السلف في كلياته، والاعتزاز بالإسلام وأمته وحضارته، والانتقاء المتبصر من تراثه الضخم، وإعمال النقد، وإيثار التجديد على التقليد([29]).

ويدخل سوء فهم الأصالة في رأيه على من يظن أن التراث مقدس كله، صحيح كله، في كلياته وتفاصيله، فتصير الأصالة جمودا وتحجرا وماضوية، أو من يظن أن التجديد هدم للتراث وتبديد للجهود وانطلاقة صفرية، فيؤدي ذلك إلى الانسلاخ من الأصالة.

ويفصل الشيخ هذه الحقائق في مقومات أو ركائز تبنى عليها الأصالة على النحو الآتي:

1.   العلم بثقافة الأمة والمعرفة بتراثها من مصادرها الأصلية: إذ المثقف «الأصيل» حقا هو من وفق لمعرفة هذه الثقافة من مصادرها الحقة، واستقاها من ينابيعها الصافية، أما من جهل هذه الثقافة وحرم السياحة في رحابها... فموقفه موقف الجاهل مما يجهله، ومن جهل شيئا عاداه([30]).

فلا يعد مثقفا أصيلا من يترك الصحاح ويتمسك بالواهيات، وباعه في الثقافة الإسلامية من كتب كأمثال كتاب الأغاني وألف ليلة وليلة، ولا من يرى الثقافة الإسلامية بعين المستشرقين المليئة بالتهافت والتناقض والخطل المبين([31]).

2.   الاعتزاز بالإسلام والتخلص من عقدة النقص تجاه الحضارة الغربية: مما لا تكون الأصالة أصالة حقة إلا به: الفخر والاعتزاز بالأصل، فكيف إذا كان هذا الأصل هو نعمة الإسلام؟ الذي يكسب المسلم الطمأنينة والأمان، ويحدد الأهداف ويرسم المناهج، إنه لمن الفخر أن ينتمي المسلم لأمة هي خير أمة أخرجت للناس، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتؤمن بالله.([32])

وعقدة النقص مصيبة حضارية وثقافية كبرى، تريك ما عندك قبيحا وما عند غيرك حسنا، ولو كانت الحقيقة هي العكس، وتقتل في الناس الإبداع فيستعبدهم التقليد، ولا يمكن لإنسان يشعر بالنقص والدونية تجاه أصالته أن يكون طليعيا في التاريخ، صالحا لوراثة الأرض، ولذا فقد أحسن الشيخ إذ جعل الاعتزاز بالانتماء من ركائز الأصالة، لكن هل الاعتزاز وحده يكفي؟ أفلا يخشى أن يتحول إلى افتخار كاذب بأمجاد تليدة تعمي وتصم عن إصلاح قبائح اليوم؟ هذا ما لم يغفل الشيخ رحمه الله تناوله.

3.   العودة إلى الأصول: وهي جوهر الأصالة، ويقصد الشيخ بها، أن يكون النظر والعمل والوجدان لدى المسلمين نابعا من الإسلام حقا وصدقا، وألا يكون الاعتزاز بالإسلام مجرد دعوى لا حقيقة لها، لأنه حينئذ يتحول إلى ظاهرة مرضية في الثقافة الإسلامية، الأمر الذي يلتقي فيه الشيخ تماما مع الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله الذي عد من ركائز الثقافة: المنطق العملي، الذي بدونه تتحول الثقافة إلى ثرثرة، والعلم إلى ترف،([33]) وانتقد ما أسماه بنزعة المديح لدى تيار استشراقي يلقى الإعجاب لدى مثقفين عرب يمدحون الماضي للهروب من مشكلات الحاضر([34]) وعبر مالك بن نبي عن الاعتزاز الفارغ بالقول: قد يقال إن المسلم يعمل وفق القرآن الكريم، والصحيح أنه يتكلم وفق القرآن ولا يعمل وفقه([35]).

نجد الفكرة ذاتها عند الشيخ القرضاوي، حيث يتساءل، ماذا يغنينا أن نتحدث عن يقين أبي بكر، وعدالة عمر، وحياء عثمان، وشجاعة علي، وفضائل الصحابة الكرام، ثم لا نتخلق بأخلاقهم ولا نقتفي أثرهم؟([36])

ومثل ذلك الافتخار بمنجزات الحضارة الإسلامية، ومنهجها العلمي الاستقرائي، وأن الأوروبيين أخذوه عنا واقتبسوه منا، ثم لا ننجز مثلما أنجزوا لا في كثير ولا قليل؟ فتلك هي المشكلة: نكثر الكلام ونقلل العمل، ونكثر الحز ولا نقطع، ونسمع الناس جعجعة بلا طحين!([37]).

ولا تكون الأصالة بخير أبدا حيث ينفصل العلم عن العمل، والحفظ عن التدبر والفهم، ومن هنا فالأصالة لا تكون حقيقية إلا إذا كانت انطلاقة فعلية من أصول الإسلام فهما وعملا، فتحديات الحضارة الغربية، والبعث الحضاري المأمول للمسلمين، لا تنجزهما كثرة الكلام، ولا يتجاوزهما بريق الكلمات، بل المطلوب هو تشمير عن سواعد الجد، وتحرير للطاقات، ورفع للهمم والإرادات، وقيام بالواجبات، وهذا ما يتطلبه البعث الإسلامي الحضاري الأصيل.

4.   إحياء السلفية المجددة: يرى الشيخ ضرورة بعث السلفية المجددة للبعث الحضاري الأصيل، ولا يرى تعارضا بين السلفية والتجديد، لكنها سلفية إصلاحية بالمعنى الذي يضبطه، سلفية ابن تيمية في تجديده، ورشيد رضا في مناره وإصلاحه، إذ السلفية عند الشيخ القرضاوي هي منهج السلف الكلي، وطريقتهم الكلية في فهم الدين والعمل به وله، والتي تتلخص في بعد النظر والاستقراء في: النظر إلى جوهر الدين لا إلى شكله، وإلى مقاصد الشريعة لا إلى حرفيّتها، وإلى روح العمل لا إلى مادته، وتغليب اليسر على العسر، والتخفيف على الإعنات، كما يبدوا من مسلك الخلفاء الراشدين، وليس أقوالهم الجزئية، التي تتأثر بظروف الزمان والمكان والعوائد والأحوال.([38]) سلفية العلم بسنن الله تعالى، والسير والنظر في فجاج الأرض واكتشاف أسرار الله في خلق الكون وفطرة الناس، وإذا التزمنا في الأصالة فهم الشيخ للسلفية، فلن تكون إلا سلفية إصلاحية مجددة، تدعو للاجتهاد وتنبذ التقليد، وتقود التغيير وتتطلع للمستقبل، ولا تتنكر للعصر.

5.   الانتفاع الواعي بالتراث: التراث كلمة عامة، تشمل كل الإرث الفكري والديني والأدبي والفني لأمة من الأمم، وأمتنا الإسلامية أقامت حضارة امتدت من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، وعمرت زهاء عشرة قرون من الزمان، ولعلها أضخم الحضارات تراثا، من حيث الكم ومن حيث التنوع، شارك فيه العرب والفرس والروم والترك والهنود والأفارقة وكل شعوب الدنيا تقريبا. ولا شك أن في التراث الغث والسمين والحق والباطل والجيد والرديء، ولا مناص حينئذ لأية أمة تريد النهوض منتفعة بتراثها، أن تتخير منه ما هو صالح لها، والشيخ القرضاوي يتفق مع هذا التوجه، ويرفض أن يقدس التراث كله، أو تسحب عليه العصمة، ولا يعد الكتاب والسنة من التراث.

ونجد الشيخ يميز فيما يسميه الانتفاع الواعي بالتراث، بين انتقاء مستبصر، يجعل من الوحي والعقل عمادا له كما قال: «ونحن نقف على أرض صلبة، ومعنا هاديان من الله تعالى: هاد من خارجنا وهو الوحي، وهاد من داخلنا وهو العقل»([39])، وانتقاء متحيز يمازجه الهوى، ولا يتحرى لا الأصول ولا الحقائق، بل هو انتقاء مدرسي يتخندق في اتجاه ما أو مذهب أو مدرسة، أو ينزوي على شخصية يجعل منها حكما على التراث كله، أو الانتقاء المؤدلج، الذي يقرأ تراث الإسلام بعين المناهج الغربية([40]) وهذا تخير متحيز مرفوض، إذ التعصب والأدلجة لا يبعثان أمة ولا يقيمان حضارة بل يشغلان الأمم بالجدل العقيم.

والمعاصرة في فكر الشيخ هي: عيش الإنسان في عصره وزمانه، في أفكاره وقيمه وسلوكياته، وفيما يخوض من معارك، ويناقش من قضايا، ويعيش من أحداث... فجوهر المعاصرة هو العيش مع الأحياء لا الأموات، والواقع الماثل لا الماضي الزائل([41]).

ومن مقوماتها: ضرورة معرفة العصر([42]): معرفة دقيقة صادقة غير مجتزأة ولا مغلوطة، فإن جهل المفكرين بالمعاصرة، كجهل الطبيب بالمرض الذي يريد علاجه، ومن العجيب أن كثيرا من دعاة التغريب والتحديث الذين يرفعون المعاصرة شعارا يجهلون العصر وقضاياه، فهم يتحدثون عن ماضي الغرب، من حيث يظنون أنهم يصفون حاضره، فيعرضون أفكار القرن الثامن عشر وقد تخلى عنها أصحابها، كما أن من المحسوبين على تيار الأصالة من هو أكثر جهلا بالعصر، يعيش في صومعة التراث وقد غلّق على نفسه الأبواب، ولا شك أن الإسلام يرفض هذه المسالك وينعى على أولئك الذين يعرضون عن الحق الجديد بدعوى اتباع الآباء والأجداد، أو أولئك الذين يبكون على أطلال الأمجاد التي عجزوا عن حمايتها، أو يتحسرون على فوات فرص قديمة بدل اقتناص الفرص الجديدة. فالمطلوب من المؤمن أن يعرف حاضره ويتعامل معه على بصيرة، منطلقا إلى مستقبله([43]).

ومن مقومات المعاصرة، معرفة الزمان وأحوال الناس، وهي ضرورة للدعاة والمصلحين والمفكرين والمربين، فكيف يصلحُ العصرَ من يجهله، وبأي أسلوب أو لغة يخاطب الناس وهو لا يعرف أحوالهم؟ وقد رأينا عمر رضي الله عنه يقضي قضاء ثم يغيره، ويقول: «تلك على ما قضينا يومئذ وهذه على ما قضينا»، وكلما كانت المعرفة بالواقع صادقة منصفة، كانت المعاصرة تامة صحيحة، فهناك اتجاهات تنظر إلى الواقع نظرة تبريرية، أو تلفيقيه، أو سطحية، وهناك اتجاهات تنظر للواقع نظرة تشاؤمية، أو إطرائية مدّاحة، أو تآمرية، وهذه كلها انزلاقات وتحكّمات تحرف المعاصرة عن حقيقتها.

ومن مقومات المعاصرة، حسن الاقتباس، أي أن نعرف إيجابيات عصرنا وسلبياته، فالعصر كالتراث فيه ما يقبل وفيه ما يرفض وفيه ما يضبط ويعدل. ومن إيجابيات العصر ومنجزاته: العلم والتكنولوجيا، والحريات العامة وحقوق الإنسان، ووسائل القوة والسرعة والتطور الهائل، والتكتلات والتوحد في كيانات كبيرة، والتنظيم والتخطيط والإحصاء، واستشراف المستقبل([44]). ومن سلبيات العصر وتعثراته: غلبة المادية والنفعية، والإكثار من الاستهلاك والشهوات، والحرص على الوسائل والأدوات مع تضييع المقاصد والغايات، والتمزقات الاجتماعية والقلق والأمراض النفسية والأوبئة الفتاكة.

وإذا كان العصر مزيجا من الخير والشر والصواب والخطأ، فنحن لسنا مجبورين أن ننقاد لكل ذلك، بل لنا الخيار فيما نأخذ وما ندع كما يرى الشيخ مهما كانت سطوة الزمان والمكان على الإنسان كبيرة، فلا نعرض عن العصر بكل ما فيه خوفا من شره، ولا نذوب في العصر بكل شروره طمعا في خيره، بل نوطن أنفسنا، فنأخذ وندع، ونقبل ونعرض، ونتخير ما ينفعنا، ونقاوم ما يضرنا. وتلك هي المعاصرة المطلوبة، التي تمكن العالم الإسلامي من بعثه الحضاري ونهضته الإسلامية التي يؤصل الشيخ لها، لذا يرى أنه لا حرج أن نقتبس من الغرب ما ينفعنا، ويتلاءم مع قيمنا وثقافتنا، ويؤكد مبادئ ديننا([45]).

على أن الشيخ ينبه أن العصر ليس هو الغرب حتى وإن كان الغرب أكثر العوالم تأثيرا في العصر، ففي العالم أمم أخرى لها تراث ضخم وثقافات متنوعة، كما ينبه على أن الغرب ليس شرا كله. فيمكن الانتفاع بمدنيته.

وما ليس من المعاصرة في نظر الشيخ هو الذوبان في الحضارة الغربية، والأخذ بكل ما فيها من خير وشر، بدعوى أن الحضارة كل لا يتجزأ، أو بدعوى أنها أصبحت ثقافة عالمية فلمن لا يريدها أن يختار عالما آخر يأوي إليه! ويعتبر الشيخ القرضاوي هاتين المقولتين من قبيل الشبهات.

وهنا نجد الشيخ للرد على «شبهة عالمية الحضارة الغربية» يستدعي الآلية المنهجية التي شرحناها في المبحث الأول، فيفرق في الحضارة الغربية بين المدنية العامة التي لا إشكال في الاستفادة منها، والثقافة الغربية الخاصة: من فكر نظري ومعارف ذهنية، مرتبطة بالإنسان الغربي وبيئته وتاريخه وتوجهاته... والغرب نفسه مختلف في ذلك بين اللبرالية والماركسية والبراغماتية وغيرها... وهذه خاصة وليست عالمية وكل الضرر في اقتباسها.

أما «شبهة أن الحضارة كل لا يتجزأ تؤخذ كلها أو تترك كلها» فالشيخ يرى أن هذا غير صحيح، فالاقتباس من الحضارات ممكن عقلا واقع تاريخا، فالحضارة الإسلامية استفادت من حضارات الشعوب الأخرى كالفرس والهند واليونان، والحضارة الغربية استفادة في منهج العلوم التجريبية من الحضارة الإسلامية([46]).

والنتيجة التي خلص إليها الشيخ رحمه الله صحيحة في نظري، غير أن المقدمة فيها نظر، فالحضارات الإنسانية فعلا كل لا يتجزأ من حيث هي، فالإنسان الذي برع في الطب وصناعة الأدوية، والإنتاج وصناعة الحاسوب، في عصرنا هو نفسه الإنسان المادي الشيوعي الوجودي اللبرالي... إلخ، والعناصر الثقافية الخاصة تتفاعل مع العناصر المدنية العامة لتخرج الصورة النهائية للحضارة، ولكن السؤال هو: هل يمنع هذا أن تنتقل العناصر الإيجابية أو العناصر السلبية أو كلاهما من حضارة إلى أخرى؟ والجواب: لا، لكن هذا لا يعني أيضا أنك تستطيع أن تبني حضارة بالتكديس الذي تكون مادته إيجابيات الحضارة الغربية، والبعد عن سلبياتها، فالغرب نفسه يريد أن يفعل هذا لكنه لا يستطيع لأن هذه هي طبيعته!

وهنا مسألة دقيقة وهي، أن الحضارة بناء داخلي أولا وقبل كل شيء، وليست تكديسا من الخارج([47])، فإن بذلت الأمة الجهد المطلوب لبناء نهضتها الحضارية، فلا مانع شرعا ولا عقلا ولا تاريخا أن تقتبس وتستفيد، ثم إن ما ينقل إلى الجسم الحضاري للأمة يتفاعل مع عناصرها الثقافية ويأخذ ضمن هذا التفاعل صورته النهائية التي تعبر عن حضارتها هي، وهذا قانون مطّرد وسنة ثابتة مشاهدة في كل الحضارات، فالعلم التجريبي مثلا، كان في جسم الأمة الإسلامية دالا على عظمة الله ودقة جريان الكون وفق سنن الله، وكان جزءا من حضارة المسلمين التي تعظم الله ودينه مصبوغا بصبغتها، لكنه صار في الحضارة الغربية سلاحا بيد العلماء الغربيين في معركتهم مع رجال الدين، يدعمون به «أدلتهم» على الإلحاد والتكذيب بالدين، وكذلك كان العلم ولا يزال عند أكثرهم، كلما تعلم الإنسان الغربي شيئا جديدا من العلم تمرد به على الله!.

ولا أرى أن الشيخ القرضاوي كان مهتما برفض هذه المقولة جملة، بقدر ما كان مهتما برفض لازمها الذي لا يلزم، لذا نقول: حتى وإن كانت الحضارة «كلا لا يتجزأ»، فقضيتنا ليست أن نكون جزءا من الغرب، بل القضية هي دعم البعث الحضاري لنهضتنا، الخاصة بنا، الأصيلة فينا، القائمة على أصول ثقافتنا، بعناصر من حضارة أخرى تذوب في جسم الحضارة الإسلامية الناشئة، وتتفاعل مع عناصرها الثقافية الفذة، لتخرج خلقا آخر ونشأة أخرى. إننا نسعى ليصبح علم الغرب ومدنية الغرب جزءا من الماضي، يبتلعه مستقبل الحضارة الإسلامية القادمة.

لذا نقول مع الشيخ إنه لا مانع من الاقتباس حين تكون الذات الثقافية والحضارية مكتملة النضوج، أما قبل النضج وفي مراحل الضعف أو التأسيس، فالأمر فيه من الخطورة ما يجعله يتحول إلى افتتان واستلاب وانبهار كما هو ظاهر عند الحداثيين. ويؤكد ما ذهبنا إليه قول الشيخ في سياق آخر متحدثا عن خرافة شراء التكنولوجيا، وأن التكنولوجيا المطلوبة ينبغي أن «تستنبت في أرضنا وتنمو بنمونا، وتتفاعل مع واقعنا، وتمدها عقول أبنائنا، وتحملها سواعدهم، ونحن لها أهل إذا استبانت الوجهة، واتضح السبيل، والدين أعظم ما يعيننا على ذلك إذا أحسنا فقهه، وعملنا بتوجيهه»([48])، وكما قال فيلسوف الحضارة الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله، ليست الحضارة شيئا يأتي به سائح في حقيبته لبلد متخلف كما يأتي بائع الملبوسات..([49])

الخلاصة التي تنسجم مع فكر الشيخ ووسطيته الجامعة هي أن الصراع بين الأصالة والمعاصرة في واقعنا الفكري والثقافي صراع مفتعل، بين أصالة كاذبة ومعاصرة كاذبة، فواقعنا لا يمثل لا أصالة ولا معاصرة بل هو التيه والضياع([50])، إنه يمثل ضعفا وعجزا وتراجعا حضاريا عظيما، يهرب منه فريق ليحتمي بالتراث والأصالة، ويتبرأ منه فريق آخر مرتميا في أحضان الحضارة الغربية مستسلما لها ويسمي ذلك معاصرة.

فأية أصالة هذه؟ التي تجعل أهم ما في الإنسان ذاكرته، فتتقوقع على الماضي والناس يعيشون حاضرهم ومستقبلهم، وتقدس التراث كله بلا نقد ولا تمحيص، وتسرف في رد كل جديد حتى لكأن لها عداوة مع المستقبل([51]). وأية معاصرة تلك؟ التي تجعل أهم ما في الإنسان مخيلته، فتريد بناء المستقبل دون أن يكون لها لا حاضر ولا تاريخ، وتثق في حياة لا تشارك في صناعتها، وترضى باستهلاك النتاج الفكري والمادي للغير، وترى أن المستقبل كله خير من الماضي([52])!

الأصالة الحقة والمعاصرة الحقة في فكر الشيخ القرضاوي، لا خصومة بينهما، يعرفهما تيار الوسطية الإسلامية الجامعة، الذي سلم من التفريط والإفراط، فلا يستسلم لظروف الحاضر، ويتطلع إلى بناء المستقبل، يفرق بين الإسلام الحق الذي هو روح الأمة وماضيها وحاضرها ومستقبلها، وبين التراث الذي ينخله فيأخذ منه ويرد، ينكر على الماضويين جمودهم على القديم، وعلى الحداثيين قبولهم لكل جديد، الموقف المطلوب شرعا وعقلا، وأصالة ومعاصرة، هو القصد إلى اجتناب الشر والخطأ والفساد، وتحري الوصول إلى الخير والصواب والصلاح، قديما كان أو حديثا([53]).

وبالنتيجة لا سبيل إلى البعث والنهضة الحضارية إلا بتخطي هذه الثنائية المفتعلة البئيسة بين الأصالة والمعاصرة، التي انتهت بالأصالة إلى الجمود، وبالمعاصرة إلى الفناء في الغرب واتباع سننه شبرا بشبر وذراعا بذراع([54]).

المطلب الثاني: أثر الانفتاح والانغلاق في موقف الشيخ من الحضارة الغربية والبعث الإسلامي

كتب الشيخ القرضاوي دراسة مستقلة في ثنائية «الانغلاق والانفتاح» تحت عنوان: «ثقافتنا بين الانغلاق والانفتاح»، وسنبين أثر هذا المعيار المنهجي في موقف الشيخ من الحضارة الغربية وتصوره للبعث الحضاري الإسلامي.

أولا: الثقافة الإسلامية منفتحة بانضباط

يسجل الشيخ في بداية كتابه حضور الحضارة الغربية تحت تأثير «العولمة»، ودورها في بلورة هذه الثنائية، يقول رحمه الله: «في هذا العصر الذي يسمونه عصر العولمة يتحدث الناس كثيرا عما يسمونه الانفتاح والانغلاق، فمن شأن العولمة أن تزيل الحواجز وتقرب المسافات وتذيب الفوارق.. وهذا يعني انفتاحا بلا حدود ولا ضوابط... ويتخوف آخرون من هذا الانفتاح المطلق في الاقتصاد والسياسة والثقافة الذي ينتصر فيه عادة القوي ويسحق الضعيف.. فيدفعهم الخوف على ذاتهم وثقافتهم المتميزة إلى التقوقع على النفس وإغلاق الأبواب أمام الغازي الجديد»([55]).

ويرفض الشيخ تيار الانفتاح المطلق، وتيار الانغلاق على الذات، ويلقى الضوء على المنهج الوسطي القويم، ومن أجل ذلك يلقي الشيخ الضوء على مفهوم الثقافة الإسلامية الرحبة الغنية، ويشرح موقعها المتميز بين الثقافات في العالم([56])، ثم يعدد خصائص الثقافة الإسلامية، فيذكر منها: الربانية والعالمية والتسامح والتنوع والوسطية والتكامل والاعتزاز بالثقافة الإسلامية، وكلها خصائص تنبئ بأنها ثقافة سامية أصيلة قوية مقبلة على العالم، منفتحة عليه.([57]) إلا ما كان من خاصية الاعتزاز التي قد يتوهم معها أنه يؤدي إلى الانغلاق على الذات، لكن الشيخ ينفي ذلك ويقول: «إن اعتزازنا بثقافتنا المعبرة عن هويتنا، ومقاومة العولمة والتطبيع والتغريب.. لا يعني الانغلاق عن ثقافات الآخرين، وإقفال الأبواب دون الاستفادة مما عندهم من نفع وحق»([58])، والمسلم كما يعبر الشيخ: «مع اعتزازه بثقافته منفتح على الثقافات الأخرى يأخذ منها ويدع وفق معايير راسخة عنده»([59]).

ثانيا: محاذير الانفتاح في ثقافتنا الإسلامية

لكن انفتاح الثقافة الإسلامية لا يعني أنها كلأ مباح لكل ناعق، بل هو انفتاح منضبط يراعي جملة من المحاذير، ومنها: الانفتاح قبل النضج، وقبل التأسيس، والثقافة الأصيلة لا تتأسس على ما عند الغير، بل تستفيد مما لدى الأمم بما يدخل في النسيج الثقافي والحضاري للأمة. وقد رأينا في تراثنا الإسلامي، كيف نخل علماء الملل والنحل المسلمين كتب اليهود والنصارى نخلا، فعرضوا مقولاتهم، وناقشوها وفندوا أباطيلها، وذلك انفتاح نفع المسلمين ولم يضرهم،([60]) والانفتاح المتساهل في الاقتباس،([61]) يضرب له الشيخ مثلا بالإسرائيليات التي كانت ضيقة فاتسعت، ودخلت نطاق تفسير كلام الله، رغم ما فيها من تحريف، ويشيد الشيخ بموقف ابن عباس في قوله: «يا معشر المسلمين كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتابكم الذي أنزل على نبيكم أحدث أخبار الله، تقرأونه محضا لم يشب! وقد حدثكم الله أن أهل الكتاب قد بدلوا كتاب الله وغيروه، وكتبوا بأيديهم الكتاب وقالوا هو من عند الله...».

وهذا الذي حصل من انفتاح متساهل مع الإسرائيليات في التراث، حصل مع الحضارة الحديثة ما هو أنكى، فجاء من يدعوا المسلمين إلى الأخذ بالثقافة الغربية، خيرها وشرها وحلوها ومرها وتفسير علومهم بمناهجها...([62]).

والانفتاح المبهور بثقافة الغير، هو انفتاح المعجب لا موقف الناقد البصير، ويكون شعوره تجاه تراث غيره وثقافة غيره شعورا بالدونية والنقص، فيعظمه ويضخمه، ولا يدري ما يضره أو ينفعه فيما انفتح عليه، ويرى الشيخ أن ذلك حصل مرتين في الواقع الإسلامي، مرة حين ترجمت فلسفة الإغريق، ومرة مع الحضارة الحديثة، بيد أن تأثير الفلسفة كان مقتصرًا على النخبة، بينما عم تأثير الثقافة الغربية نخبة الأمة وجماهيرها، بسبب ما تهيّأ للحضارة الحديثة من وسائل التأثير، وبسبب تخلف المسلمين وضعفهم، أي قابليتهم للاستعمار([63]) التي مكنت للغزو الثقافي، والاستلاب الحضاري([64]).

المطلب الثالث: الخيط الناظم للحضارة الغربية والبعث الإسلامي في فكر الشيخ

أولا: سر اهتمام الشيخ القرضاوي بدراسة الحضارة الغربية

يعد هذا المطلب من قبيل النتيجة للمقدمة والخلاصة للبحث، إذ لا يمكن فهم سر اشتغال الشيخ القرضاوي رحمه الله بالحضارة الغربية، واهتمامه بالأصالة والمعاصرة، والانغلاق والانفتاح، والنص والواقع، والقطيعة والتواصل، ما لم نفهم روحه الإصلاحية الناهضة، ومشروعه الإصلاحي الكلي.

فالشيخ في واقع الحال تشغله قضية واحدة، هي كيف يحقق المسلمون وثبتهم الحضارية في الزمن المعاصر؟ وكيف يتحول الإسلام على أيدي المسلمين إلى حضارة الغد([65])؟ وهو سؤال التيار الإصلاحي الذي صاغه شكيب أرسلان قبل قرنين من الزمن في سؤال: لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟([66]) على ما في صيغة السؤال من روح تحمل بقايا الصدمة من تخلف المسلمين المهول عن ركب الحضارة الإنسانية، وحاول الأستاذ مالك بن نبي أن يجيب عن السؤال إجابة منطقية واقعية اجتماعية، في دراساته التي ضمت مشكلات الحضارة([67])بعد تعديل في السؤال بشكل يوجهه نحو التفكير في المستقبل: كيف نبني نهضتنا الحضارية الجديدة؟ فكتب: شروط النهضة، وحديث في البناء الجديد، وغيرها.

ويمكن القول إن النسخة الشرعية والأدبية للإجابة عن سؤال النهضة والتي لا تخلو من البعد العقلي والواقعي، قد تجسدت في أبهى صورها، في الشيخ يوسف القرضاوي رحمه الله.

وكل من تشغله قضية البعث الحضاري للمسلمين، سيلاحظ أن الأمة الإسلامية تملك التاريخ والتراث، والنصوص والقيم، وقد تفلّت منها العصر والواقع الذي يهيمن الغرب على ناصيته، من أجل ذلك عكف التقليديون على التراث والتاريخ يحلمون بزوال الواقع الجديد، ودوران عجلة التاريخ إلى الخلف وهيهات، وارتد الحداثيون إلى واقع تملكه الحضارة المعاصرة مغيرين جلدهم، متنكرين لأصلهم.

وبقي تيار الإصلاح والوسطية الإسلامية الجامعة يقاوم تحديات الحضارة المعاصرة، محاولا استيعابها وتجاوزها من أجل بعث حضاري ممكن ومأمول، ويمثله بامتياز الشيخ القرضاوي.

ويعد مشروع الشيخ القرضاوي في البعث الحضاري الإسلامي من أتم المشاريع وأنضجها، إذ يجمع بين التصورات النظرية، والكيفيات العملية، ولا يكتفي بالعموميات وإنما يغوص في التفاصيل والجزئيات، ويجمع بين بُعد التأصيل الشرعي، والبُعدين: العقلي المنطقي، والعملي الإجرائي، مستفيدا من التراث الإصلاحي الذي تراكم قبله، من رواد مدرسة المنار، إلى الشيخ محمد الغزالي رحمهم الله جميعا.

ويأتي موقف الشيخ القرضاوي من الحضارة الغربية، متماهيا مع هذا السياق، إذ يرى الحضارة الغربية تحديا وفرصة.

ثانيًا: الحضارة الغربية والبعث الإسلامي: التحدي والاستجابة في فكر الشيخ

تعتبر الحضارة الغربية أكبر تحد للنهضة الإسلامية المعاصرة بما فيها من ثقافة مادية نفعية إلحادية لا أخلاقية، تمتلك من وسائل القوة والتأثير ما هي قادرة به على تخريب العالم، وليس للمسلمين من وسائل القوة والتأثير المادي، ولا لهم من قوة الوعي والفكر المعنوي، ما يستطيعون به مجابهة هذه الحضارة الضخمة، ما لم يعدّوا أنفسهم للمستقبل بكل العدة المعرفية والعملية الممنهجة التي يتطلبها.

والحضارة الغربية في الآن نفسه أكبر فرصة أتيحت للمسلمين والبشرية كافة، بما هيأت من وسائل المدنية، وما توصلت إليه من علوم ومعارف كونية، لو امتلك المسلمون ناصيتها، ووظفوها لخدمة قيم الإيمان بالله واليوم الآخر، لأصبحت الأرض غير الأرض، ولشهدت الإنسانية من خير الاستخلاف والعمارة وعبادة الله ما ينقلها إلى حياة على منهاج النبوة.

واعتبار الحضارة الغربية تحديا، يجب أن يعرف ما فيها من شر فتتوقاه الأمة الإسلامية وتتجاوزه، وباعتبارها فرصة، لا بد أن يعرف ما فيها من الخير الذي يعزز نهضة المسلمين ويمهد لهم القيادة والريادة، وهذا يعني الانخراط في الواقع والإسهام في بناء المستقبل، وعدم عزل الذات الإسلامية عن الواقع العالمي، فلا يمكن للمسلمين أن يرثوا الحضارة وهم منعزلون عن القضايا العالمية جاهلون بها أو كارهون أو رافضون أو متفرجون، كما لا يمكن لهم أن يرثوا الحضارة وهم ذائبون فيها مستسلمون لها ليست لهم فيها بصمة خاصة. ومن هنا يرى الشيخ القرضاوي أهمية تيار الإصلاح والبعث الحضاري وعدم جدوى الاتجاه الذي لا يرى في الحضارة الغربية إلا التحديات المظلمة، والآخر الذي لا يرى فيها إلا الفرص المشرقة.

خاتمة

خلصت هذه الدراسة في ختامها إلى نتائج وتوصيات مهمة على النحو الآتي:

نتائج الدراسة:

أولا: موقف الشيخ القرضاوي من الحضارة الغربية ليس مرادا لذاته، بل هو وليد اهتمامه رحمه الله بقضية البعث الحضاري الإسلامي الجديد.

ثانيًا: يتميز موقف الشيخ من الحضارة الغربية بالإنصاف، حيث لا يراها شرا محضا وجاهلية خالصة، ولا يراها فردوس الحياة الدنيا.

ثالثًا: يتميز موقف الشيخ من الحضارة الغربية بالإيجابية، حيث يؤمن بضرورة الحوار، والمعاصرة والانفتاح والاقتباس لكل ما هو صالح في الحضارة الغربية.

رابعًا: يوظف الشيخ في موقفه من الحضارة الغربية، أدوات منهجية تجعل مشروعه النهضوي منسجما، وتحليله واقعيا، منها: تقسيمه الحضارة الغربية إلى مدنية عامة، وثقافة خاصة، ومنها جمعه بين الأصالة والمعاصرة، والانفتاح والانغلاق.

خامسًا: ينظر الشيخ للحضارة الغربية، حيال قضية البعث الحضاري الإسلامي على أنها، تحد تنبغي الاستجابة له ومقاومة شروره بالعلم والعمل الجادين، وفرصة ينبغي التعلم منها، واستثمارها واستيعابها، ثم تجاوز المسلمين لكل ذلك إلى بعثهم الحضاري الذي هو أفضل لهم وللإنسانية في العالم.

سادسًا: يمثل المشروع الإصلاحي للشيخ القرضاوي نسخة مطورة وناضجة من تيار الإصلاح الذي بدأ مع الأفغاني ثم عبده ثم رشيد رضا... يظهر ذلك في اعتماده المصادر الأصلية والاجتهاد والتجديد، ورفضه للسلفية الماضوية والتقليد والجمود، كما يظهر في موقفه الإيجابي حيال الحضارة الغربية.

توصيات الدراسة:

توصي هذه الدراسة وتهيب بالمهتمين بقضايا الثقافة الإسلامية المعاصرة أن ينشئوا مرصدا دائما أو على الأقل أن ينظموا مؤتمرًا عالميًا دوريًا، يكون خاصًا بمشروع البعث الحضاري الإسلامي الجديد في فكر الشيخ القرضاوي، ما معالمه وكلياته؟ وما حيثياته وتفصيلاته، في ضوء التحديات المعاصرة؟ ولا بأس أن يتضمن مقارنات مفيدة بين مشروعه رحمه الله، والمشاريع الحضارية الرائدة في العالم الإسلامي كمشروع مالك بن نبي رحمه الله.


 

المصادر والمراجع

أولًا: العربية

أرسلان، شكيب. لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم. بيروت: منشورات دار مكتبة الحياة، ط2، [د. ت]

أسد، محمد. الإسلام على مفترق الطرق. ترجمة: عمر فروخ. بيروت: دار العلم للملايين، 2008م.

بن نبي، مالك. إنتاج المستشرقين وأثره في الفكر الإسلامي الحديث. بيروت: دار الإرشاد للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، 1969م.

–––. شروط النهضة. دمشق: دار الفكر، 1406هـ/1986م.

–––. مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي. دمشق: دار الفكر، ط1، 1988م.

–––. مشكلة الثقافة. دمشق، دار الفكر، ط4، 1984م.

–––. وجهة العالم الإسلامي. بيروت: دار الفكر المعاصر، ط1، 1986م.

بيشي، محمد عبد الحليم. «الأقليات غير المسلمة في العهد المدني الإسلامي». مجلة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة قطر، مج40، ع2 (2022م). https://doi.org/10.29117/jcsis.2022.0334

ديورانت ول. مباهج الفلسفة. ترجمة: أحمد فؤاد الأهواني. القاهرة: المركز القومي للترجمة، ط2، 2016م.

القرضاوي، يوسف عبد الله. الإسلام حضارة الغد. القاهرة: مكتبة وهبة للطباعة والنشر، ط3، 2006م.

–––. «تجديد الدين في ضوء السنة». مجلة مركز بحوث السنة والسيرة، ع2 (1407هـ/1987م).

–––. الثقافة العربية الإسلامية بين الأصالة والمعاصرة. بيروت: مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر، 2001م.

–––. «الحل الإسلامي بين الجمود والتطور». مجلة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة قطر، ع4 (1405هـ/1985م).

–––. الحلول المستوردة وكيف جنت على أمتنا. القاهرة: مكتبة وهبة، ط5، 1413هـ/1993م.

–––. السنة مصدرا للمعرفة والحضارة. القاهرة: دار الشروق، ط3، 1423هـ/2002م.

–––. الفقه الإسلامي بين الأصالة والتجديد. القاهرة: مكتبة وهبة، ط2، 1419هـ/1999م.

–––. بينات الحل الإسلامي وشبهات العلمانيين والمتغربين. القاهرة: مكتبة وهبة للطباعة والنشر، 2013م.

–––. ثقافتنا بين الانفتاح والانغلاق. القاهرة: دار الشروق، ط1، 1421هـ/2000م.

–––. ملامح المجتمع المسلم الذي ننشده. القاهرة: مكتبة وهبة، ط5، 1433/2012م.

ملال، يونس اعمر. السنن الإلهية في نهوض الحضارة ونكوصها في ضوء خطاب القرآن وفلسفة التاريخ. الجزائر: دار صبحي للطباعة والنشر، ط1، 2017.

نجيب، محمود زكي. تجديد الفكر العربي. القاهرة: دار الشروق، ط9، 1993م.

ثانيًا:

References

al-Qaraḍāwī, Yūsuf ʻAbd Allā., "al-ḥall al-Islāmī bayna al-jumūd wa-al-taṭawwur" (in Arabic). Ḥawlīyat Kullīyat al-sharīʻah wa-al-Dirāsāt al-Islāmīyah, No. 4 (1405AH/1985AD).

–––. al-fiqh al-Islāmī bayna al-aṣālah wa-al-tajdīd. (in Arabic). Cairo: Maktabat Wahbah, 2nd ed., 1419AH/1999AD.

–––. al-ḥulūl al-mustawradah wa-kayfa janat ʻalá Ummatunā. (in Arabic). Cairo: Maktabat Wahbah, 5th ed., 1413AH/1993AD.

–––. al-Islām Ḥaḍārat al-Ghad. (in Arabic). Cairo: Maktabat Wahbah lil-Ṭibāʻah wa-al-Nashr, 3rd ed., 2006.

–––. al-Sunnah maṣdaran lil-maʻrifah wa-al-ḥaḍārah. (in Arabic). Cairo: Dār al-Shurūq, 3rd ed., 1423AH/2002AD.

–––. al-Thaqāfah al-ʻArabīyah al-Islāmīyah bayna al-aṣālah wa-al-muʻāṣarah. (in Arabic). Beirut: Muʼassasat al-Risālah lil-Ṭibāʻah wa-al-Nashr, 2001AD.

–––. Malāmiḥ al-mujtamaʻ al-Muslim alladhī nanshudu. (in Arabic). Cairo: Maktabat Wahbah, 5th ed., 1433AH/2012AD.

–––. "Tajdīd al-Dīn fī ḍawʼ al-Sunnah". (in Arabic). Majallat Markaz Buḥūth al-Sunnah wa-al-sīrah. No. 2 (1407AH/1987AD).

–––. Thaqāfatunā bayna al-infitāḥ wa-al-inghilāq. (in Arabic). Cairo: Dār al-Shurūq, 1st ed.,1421AH/2000AD.

–––. Bayyināt al-ḥall al-Islāmī wa-shubuhāt al-ʻilmānīyīn wālmtghrbyn. (in Arabic). Cairo: Maktabat Wahbah lil-Ṭibāʻah wa-al-Nashr, 2013.

Arslān, Shakīb. Li-mādhā taʼakhkhara al-Muslimūn wa-taqaddum ghayruhum. (in Arabic). Beirut: Manshūrāt Dār Maktabat al-ḥayāh, 2nd ed., [n.d].

Asad, Muḥammad., al-Islām ʻalá muftaraq al-ṭuruq. (in Arabic). Trans. ʻUmar Farrūkh. Beirut: Dār al-ʻIlm lil-Malāyīn, 2008AD.

Bichi, Mohammed Abdelhalim. 2022. “Non-Muslim Minorities in the Madani Era of the Prophet”. (in Arabic). of College of Sharia and Islamic Studies, vol., No. 40 (2022). https://doi.org/10.29117/jcsis.2022.0334

Durant, D. Mabāhij al-falsafah. (in Arabic). Trans. Aḥmad Fuʼād al-Ahwānī. Cairo: al-Markaz al-Qawmī lil-Tarjamah, 2nd ed., 2016.

Ibn Nabī, Mālik. Wijhat al-ʻālam al-Islāmī. (in Arabic). Beirut: Dār al-Fikr al-muʻāṣir, 1st ed.,1986.

–––. Mushkilat al-afkār fī al-ʻālam al-Islāmī. (in Arabic). Damascus: Dār al-Fikr, 1st ed.,1988.

–––. Mushkilat al-Thaqāfah. (in Arabic). Damascus: Dār al-Fikr, 4th ed.,1984.

–––. shurūṭ al-Nahḍah. (in Arabic). Damascus: Dār al-Fikr, 1406AH/1986AD.

–––. Intāj al-mustashriqīn wa-atharuhu fī al-Fikr al-Islāmī al-ḥadīth., (in Arabic). Beirut: Dār al-Irshād lil-Ṭibāʻah wa-al-Nashr wa-al-Tawzī, 1st ed.,1969.

Mullāl, Yūnus Aʼma., al-sunan al-ilāhīyah fī nuhūḍ al-Ḥaḍārah wnkwṣhā fī ḍawʼ Khaṭṭāb al-Qurʼān wa-falsafat al-tārīk. (in Arabic). Algeria: Dār Ṣubḥī lil-Ṭibāʻah wa-al-Nashr, 1st ed., 2017.

Najīb, Maḥmūd Zakī. Tajdīd al-Fikr al-ʻArabī. (in Arabic). Cairo: Dār al-Shurūq, 9th ed., 1993AD.



([1]) يوسف القرضاوي، الإسلام حضارة الغد (القاهرة: مكتبة وهبة للطباعة والنشر، ط3، 2006م)، ص1.

([2]) المرجع نفسه، ص130.

([3]) المرجع نفسه.

([4]) المرجع نفسه، ص128.

([5]) المرجع نفسه، ص129.

([6]) يونس ا عمر ملال، السنن الإلهية في نهوض الحضارة ونكوصها في ضوء خطاب القرآن وفلسفة التاريخ (الجزائر: دار صبحي للطباعة والنشر، ط1، 2017م)، ص336.

([7]) مالك بن نبي، مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي (دمشق: دار الفكر، ط1، 1988م)، ينظر: فصل الحضارة والأفكار، أطوار الحضارة، مرحلة الروح، مرحلة العقل، مرحلة الغريزة، ص41 وما بعدها؛ وينظر: مالك بن نبي، شروط النهضة (دمشق: دار الفكر، 1406هـ/1986م)، فصل: الدورة الخالدة، ص48 وما بعدها؛ يونس ملال، السنن الإلهية في نهوض الحضارة ونكوصها، فصل السنن المرتبطة بالأفكار والتي تحكم الحضارات من داخلها، ص285 301.

([8]) القرضاوي، الإسلام حضارة الغد، ص129-130.

([9]) المرجع نفسه، ص7.

([10]) المرجع نفسه، ص8.

([11]) المرجع نفسه، ص2.

([12]) المرجع نفسه، ص7.

([13]) المرجع نفسه، ص28-29.

([14]) المرجع نفسه، ص29.

([15]) يوسف القرضاوي، بينات الحل الإسلامي وشبهات العلمانيين والمتغربين (القاهرة: مكتبة وهبة للطباعة والنشر، 2013م)، ص15؛ وكذا انظر: يوسف القرضاوي، الإسلام حضارة الغد، ص9.

([16]) المرجع نفسه.

([17]) يوسف القرضاوي، الإسلام حضارة الغد، ص11؛ وينظر: ول ديورانت، مباهج الفلسفة، ترجمة أحمد فؤاد الأهواني (القاهرة: المركز القومي للترجمة، ط2، 2016م)، ج1، ص161-162.

([18]) محمد أسد، الإسلام على مفترق الطرق، ترجمة: عمر فروخ (بيروت: دار العلم للملايين، 2008م)، ص41؛ وينظر: يوسف القرضاوي، الإسلام حضارة الغد، ص16.

([19]) ينظر: يوسف القرضاوي، الإسلام حضارة الغد، ص10- 23.

([20]) محمد عبد الحليم بيشي، «الأقليات غير المسلمة في العهد المدني الإسلامي»، مجلة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، مج40، ع2 (2022م)، ص93. https://doi.org/10.29117/jcsis.2022.0334

([21]) المرجع نفسه، ص92.

([22]) ينظر: يوسف القرضاوي، الإسلام حضارة الغد، ص31- 93.

([23]) القرضاوي، الإسلام حضارة الغد، ص1-3.

([24]) يوسف القرضاوي، الثقافة العربية الإسلامية بين الأصالة والمعاصرة (بيروت: مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر، 2001م)، ص5.

([25]) المرجع نفسه، ص4.

([26]) المرجع نفسه، ص30.

([27]) المرجع نفسه، ص4.

([28])زكي نجيب محمود، تجديد الفكر العربي (القاهرة: دار الشروق، ط9، 1993م)، ص12؛ وينظر: يوسف القرضاوي، الثقافة العربية الإسلامية، ص32.

([29]) القرضاوي، الثقافة العربية الإسلامية، ص35-65.

([30]) المرجع نفسه، ص39.

([31]) المرجع نفسه.

([32]) المرجع نفسه، ص45.

([33]) مالك بن نبي، مشكلة الثقافة (دمشق، دار الفكر، ط4، 1984م)، ص66-67.

([34]) مالك بن نبي، إنتاج المستشرقين وأثره في الفكر الإسلامي الحديث (بيروت: دار الإرشاد للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، 1969م)، ص15-25.

([35]) مالك بن نبي، وجهة العالم الإسلامي (بيروت: دار الفكر المعاصر، ط1، 1986م)، ص60.

([36]) القرضاوي، الثقافة العربية الإسلامية، ص48.

([37]) المرجع السابق، ص49.

([38]) المرجع السابق نفسه، ص53.

([39]) القرضاوي، الثقافة العربية الإسلامية، ص61.

([40]) المرجع السابق، ص65، 66، 67؛ باختصار وتصرف يسير.

([41]) المرجع نفسه، ص70.

([42]) المرجع نفسه.

([43]) المرجع نفسه، ص73.

([44]) المرجع السابق، ص70-110، باختصار وتصرف.

([45]) المرجع نفسه، ص74-85، باختصار وتصرف.

([46]) المرجع نفسه، ص76-90.

([47]) مالك بن نبي، شروط النهضة، ص40 وما بعدها.

([48]) القرضاوي، الثقافة العربية الإسلامية، ص101.

([49]) مالك بن نبي، شروط النهضة، ص55.

([50]) القرضاوي، الثقافة العربية الإسلامية، ص112.

([51]) المرجع نفسه، ص124- 127.

([52]) المرجع نفسه، ص127- 129.

([53]) المرجع نفسه، ص129-134.

([54]) المرجع نفسه، ص186.

([55]) يوسف القرضاوي، ثقافتنا بين الانفتاح والانغلاق (القاهرة: دار الشروق، ط1، 1421هـ/2000م)، ص11.

([56]) المرجع نفسه، ص14-22.

([57]) المرجع نفسه، ص23-31.

([58]) المرجع نفسه، ص35.

([59]) المرجع نفسه، ص35.

([60]) المرجع نفسه، ص72- 73.

([61]) المرجع نفسه، ص73-75.

([62]) القرضاوي، ثقافتنا بين الانفتاح والانغلاق، ص76؛ وينظر: يوسف القرضاوي أيضا: الحلول المستوردة وكيف جنت على أمتنا (القاهرة: مكتبة وهبة، ط5، 1413هـ/1993م)، ص129-139.

([63]) مالك بن نبي، شروط النهضة، ص152-155.

([64]) القرضاوي، ثقافتنا بين الانفتاح والانغلاق، ص76-77.

([65]) يوسف القرضاوي، الإسلام حضارة الغد: عنوان ذو دلالة عميقة، يترجم نظرة الشيخ إلى الإسلام باعتباره المستقبل وباعتبار الأمة الإسلامية وارثة الحضارة الإنسانية.

([66]) شكيب أرسلان، لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم (بيروت: منشورات دار مكتبة الحياة، ط2، [د. ت]). رسالة ألفها أمير البيان شكيب أرسلان في الإجابة عن سؤال النهضة الإسلامية.

([67]) من مثل: شروط النهضة، مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي، وجهة العالم الإسلامي، القضايا الكبرى وغيرها.