محمد عبد الحليم بيشي
أستاذ العقيدة والأديان، كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة قطر–قطر
تاريخ الاستلام: 16/10/2023 تاريخ التحكيم: 27/02/2024 تاريخ القبول: 13/03/2024
أهداف البحث: يهدف البحث إلى الكشف عن صور الفقه الجماعي في التراث الإسلامي، وجديدها عند الإمام القرضاوي، وكذا الرصد لصور المصالح الحيوية في مختلف مكتوبات القرضاوي، ومحاولة جمعها وتبويبها. وأخيرا البحث عن العلائق المهمة بين تحصيل المصالح الحيوية الذاتية والخارجية وشروط الاستجابة الحضارية.
منهج الدراسة: انتهجت الدراسة منهجا تحليليا وصفيا، لا يخلو من النقد والمقارنة، معتمدة بالأساس على مكتوبات الإمام القرضاوي، وبعض الدراسات المنجزة حوله.
النتائج: ضرورة المسارعة بالكتابة تأصيلا وتنزيلا للفقه الجماعي، والاستعجال في حل المعضلة الحضارية الكبرى واستنفار المقدرات المعنوية والمادية لتجاوز حالات الاستعصاء التي تعيشها الأمة، واستثمار الأرصدة الدافعة لذلك، وبناء فقه المصالح الجماعية الحيوية الذاتية والخارجية؛ لأن التفريط فيها سيضر بالأمة جمعاء، بل ويهدد أمنها القومي، ويؤخر النهضة الحضارية المنشودة إلى حين.
أصالة البحث: تتجلى في الكشف عن الرؤية الاستدراكية والاستباقية للشيخ القرضاوي في الانتقال بالفقه الإسلامي إلى مساحات فقه المصالح الحيوية، وهي مصالح تتفاوت بين الضرورات والحاجيات، وأكثرها من القبيل الأول المندرج في واجب الوقت، ودوائره تتقاطع بين الفروض العينية والكفائية، وتحقيقها موجب لشدة الاستجابة الحضارية والوفاء الكامل للتحديات العاجلة للأمة الإسلامية حتى تتبوأ المكان الأنسب الذي يجعلها قادرة على الإسهام في خدمة البشرية جمعاء.
الكلمات المفتاحية: القرضاوي، الفقه الجماعي، المصالح الحيوية، الاستجابة الحضارية
للاقتباس: بيشي، محمد عبد الحليم. «المصالح الحيوية للأمة وشروط الاستجابة الحضارية عند الإمام القرضاوي»، مجلة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة قطر، المجلد 43، العدد 1 (2025)، عدد خاص بمؤتمر «قراءات في قضايا التجديد والترشيد في فكر الشيخ يوسف القرضاوي».
https://doi.org/10.29117/jcsis.2025.0405
©2025، بيشي، محمد عبد الحليم. مجلة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، دار نشر جامعة قطر. نّشرت هذه المقالة البحثية وفقًا لشروط Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0). تسمح هذه الرخصة بالاستخدام غير التجاري، وينبغي نسبة العمل إلى صاحبه، مع بيان أي تعديلات عليه. كما تتيح حرية نسخ، وتوزيع، ونقل العمل بأي شكل من الأشكال، أو بأية وسيلة، ومزجه وتحويله والبناء عليه، طالما يُنسب العمل الأصلي إلى المؤلف. https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0
Muhammad Abdel Halim Bichi
Professor
of
Islamic Creed and Religions, College of Sharia and
Islamic Studies, Qatar University–Qatar
halimbichi@gmail.com
Received: 16/10/2023 Peer-reviewed: 27/02/2024 Accepted: 13/03/2024
Objectives: This study aims to uncover instances of collective jurisprudence in the Islamic heritage and the innovations brought to it by Imam al-Qaraḍāwī. It also seeks to catalogue and organise instances of ‘vital interest’ (maṣlaḥa ḥayawiyya) across al-Qaraḍāwī’s writings and explore the major links between safeguarding internal and external vital interests and the conditions for a civilisational response.
Methodology: The study employs a descriptive-analytical method, incorporating elements of critique and comparison. It relies primarily on al-Qaraḍāwī’s writings and related studies.
Results: The findings emphasise an urgent need to systematically document and apply the principles of collective jurisprudence to address major civilisational dilemmas promptly and to mobilise both moral and material resources to overcome the obstacles facing Muslim society. This study further highlights the importance of providing the means for that purpose and developing a jurisprudence safeguarding essential collective interests, both internal and external, as neglecting them would harm the entire Muslim community, threaten its overall security, and delay a much-anticipated civilisational renaissance.
Originality: This study’s uniqueness lies in highlighting al-Qaraḍāwī’s forward-looking and adaptive vision, aiming to expand Islamic jurisprudence to encompass the realm of vital interests. These interests vary between necessities and needs, with the majority falling into the category of immediate obligations. They intersect with both individual and collective duties, and their realisation strengthens the civilisational response required to meet the pressing challenges facing the Islamic community, enabling it to assume an optimal role in contributing to the welfare of humanity.
Keywords: Al-Qaraḍāwī; Collective jurisprudence; Vital interests; Civilisational response
Cite this article as: Bichi, M. A. “The Vital Interests of the Ummah and the Conditions for Civilizational Response in the Thought of Imam al-Qaraḍāwī”, Journal of College of Sharia and Islamic Studies, Qatar University, Vol. 43, Issue 1 (2025), Special Issue on “Reflections on Renewal and Moderation in the Thought of Sheikh Yūsuf al-Qaraḍāwī”.
https://doi.org/10.29117/jcsis.2025.0405
© 2025, Bichi, M. A. Published in Journal of College of Sharia and Islamic Studies. Published by QU Press. This article is published under the terms of the Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0), which permits non-commercial use of the material, appropriate credit, and indication if changes in the material were made. You can copy and redistribute the material in any medium or format as well as remix, trans.form, and build upon the material, provided the original work is properly cited. The full terms of this licence may be seen at: https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0
ظل فقه الجماعة المسلمة وواقع الأمة أمرا مؤرقا لجملة المجددين والمصلحين الذين تبارت أقلامهم في تشخيص الأدواء والعودة إلى الريادة الحضارية مذ أطل قرن النهضة بعد حقب من التراجع والانكفاف عن أداء واجب الشهادة. فعلى فترة من تكلس الدرس العلمي، ووقوفه عند المخرجات التي سطرها المدرسيون المتأخرون، وتراجعه عن التشكيل المتوازن للشخصية الإسلامية، ومزاحمته من بعض التصورات المنحرفة من التصوف الفلكلوري والتعصب المذهبي، جاءت النهضة الإسلامية الحديثة لتعيد المراجعة والاستدراك لبناء الدرس الحضاري في المنهج والقصايا والمخرجات منذ جهود رجال الجامعة الإسلامية ومدرسة المنار، والتي كان من بركاتها بروز قلم القرضاوي الذي خط يراعه الكثير في عديد الحقول المعرفية، وخاصة الفقه الجماعي.
يعد القرضاوي من أبرز الأقلام التي حملت هم النهضة والريادة والعودة إلى الشهود الحضاري باستثمار الطاقات وشروط الإمكان، وقد تجلى ذلك في عديد مكتوباته التي حشر فيها عصارات فكره المنشد إلى الأصول والمرجعيات العليا، فكانت رؤيته استدراكية واستباقية في ذات الوقت، فانتقل بالفقه الإسلامي إلى مساحات جديدة، ومن تلك المساحات ما نسميه بفقه المصالح الحيوية، وهي كثيرة جدا، مثل مصلحة الوحدة، الريادة، الأفق العالمي، التصالح مع الذات، السلم والمصالحة، الحكم الراشد، العلائق الفاعلة، الاستنفار الدائم، وهي مصالح تتفاوت بين الضرورات والحاجيات، وأكثرها من القبيل الأول المندرج في واجب الوقت، ودوائره تتقاطع بين الفروض العينية والكفائية، وتحقيقها موجب لشدة الاستجابة الحضارية والوفاء الكامل للتحديات العاجلة للأمة الإسلامية حتى تتبوأ المكان الأنسب الذي يجعلها قادرة على الإسهام في خدمة البشرية جمعاء.
الإشكالية القائمة متعلقة بتشريح المصالح الجماعية الحيوية للأمة عند القرضاوي وموقعها من فكره، وكذا تأصيلها والبحث عن جذورها، والكشف عن علاقتها بالاستجابة الحضارية للأمة الإسلامية.
ستعتمد هذه الدراسة المنهج التحليلي والنقدي، الأول في رصد الأفكار واستقرائها ونظمها وتحليلها، والثاني في نقدها والاستدراك عليها، وذلك بالاعتماد الأساسي على مكتوبات الإمام وبعض الدراسات المنجزة حول فكره.
تهدف هذه الدراسة إلى ما يلي:
- الكشف عن صور الفقه الجماعي في التراث الإسلامي، وجديدها عند الإمام القرضاوي.
- البحث عن صور المصالح الحيوية في مختلف مكتوبات القرضاوي، ومحاولة جمعها وتبويبها.
- البحث عن العلائق المهمة بين تحصيل المصالح الحيوية وشروط الاستجابة الحضارية.
تتشكل هذه الدراسة في معالجة موضوعها من أربعة مباحث:
المبحث الأول: فقه مصالح الجماعة المسلمة عند القرضاوي.
المبحث الثاني: المصالح الحيوية الذاتية للأمة الإسلامية.
المبحث الثالث: المصالح الحيوية الخارجية للأمة الإسلامية.
المبحث الرابع: المصالح الحيوية وضرورات الاستجابة الحضارية.
تتنادى الدول المكينة دوما لحماية مصالحها الحيوية التي بها قوام وجودها ودوامها وتأثيرها، وهذه المصالح الحيوية توازي ما يسمى بالأمن القومي للدول، والتي هي حاجتها ورغباتها في الريادة والحماية، وخاصة ما تعلق بمجالها الخارجي، ولأجل ذلك تُنشئ مراكز الدراسات ووحدات البحوث، وتحشر لها العديد من الأدمغة والإطارات، وتستنفر لها المعلومات والإحصائيات، وبها تكتشف الواقع وتستشرف المستقبل.
يتعلق البحث أساسًا بالكلام عن المصالح الحيوية للأمة الإسلامية عند القرضاوي، من خلال التنقيب والتشريح لمقالاته في هذا المضمار، والتي تعد نذيرا للأمة الإسلامية للعودة الجادة للتاريخ صناعة وتأثيرا وتفاعلا، ورفدا للإنسانية بما يغنيها عن الشقاء والتناحر المهلك، فالكلام هنا عن المصالح الحيوية اللازمة، والتي لا غنى عنها لتحقيق الاستجابة الحضارية، يصير من آكد الواجبات.
لم يغب فقه المصالح الجماعية عن الدرس الفقهي، وإن كان حضوره أقل من الفقه الفردي، فقد وجدنا الكلام عن ذلك في ثنايا المدونات الفقهية في قضايا صلاة الجماعة والجمعة، والحج، والجهاد، والاحتساب، ولكن الـتأليف فيه أو الاهتمام به لم يعط العناية اللائقة تبعا لأيلولة الحياة الإسلامية التي جعلت الفقه يتراجع عن توجيه الحياة السياسية، والتي هي المظهر الأهم لتجليات الفقه الجماعي، ولذلك وجدنا الفقه يكتفي بتدبير الحياة اليومية للمسلم، وربما رفد الحياة العامة بشيء من الحض والتنظيم لبعض المؤسسات كالقضاء والأوقاف والتعليم، ولكنه في الأغلب الأعم لم ينتقل إلى الفرض المؤسسي الذي تخضع له كل شُعب الحياة.
وتلك معضلة تسبب فيها الانحراف السياسي عن هدي الخلافة الراشدة ونكوصه عن قيم الشورى، وارتكاسه في متابعة سنن الأمم السابقة في التقاليد الفارسية خاصة([1])، وهو ما لاحظه ابن العربي في تقييمه لداء الانفصام النكد بين الفقه والحكم، حيث قال: «فقد كان الأمراء قبل هذا اليوم وفي صدر الإسلام هم العلماء والرعية هم الجند، فاطرد النظام، وكان العوام القواد فريقا والأمراء آخر، ثم فصل الله الأمر بحكمته البالغة وقضائه السابق، فصار العلماء فريقا والأمراء آخر، وصارت الرعية صنفا، وصار الجند آخر، فتعارضت الأمور ولم ينتظم حال الجمهور»([2]). وهو ما نعاه من بعده القرضاوي في نقد العلمانية، ورفض مصطلحي رجال الدين، ورجال السياسة([3]). والانفصام العام المشين في الحياة الإسلامية بين مرجعيات متنافرة.
ولأجل ما سبق من وجوب استعادة العلماء لتوجيه وترشيد الحياة العلمية والسياسية، وبناء شبكات اجتماعية فاعلة تنحو نحو التغيير السلمي والرشيد للحياة، فيما يعرف حديثا بشبكات المجتمع المدني، كانت الدعوة جادة من مؤطري الحركات الإسلامية لتأصيل العمل الجماعي وفقه المصالح الجماعية، الذي كتبت فيه كتابات كثيرة تركزت على أسس محكمة من الوحي، ومن ذلك:
وهو فقه لائح من استقراء الخطاب القرآني الذي توجه في أغلبه الكاثر للجماعة المؤمنة بخطاب ﴿يأيها الذين آمنوا﴾، أو بالإخبار المراد به الإنشاء نحو: ﴿وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖۚ يَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓۚ أُوْلَٰٓئِكَ سَيَرۡحَمُهُمُ ٱللَّهُۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٞ﴾ [التوبة: 71]، أو قوله تعالى:﴿إنما المؤمنون﴾، أو ﴿إن الذين آمنوا﴾، فضلا عن عديد الآيات المنشئة والمخبرة والمفيدة لذلك الخطاب الجمعي الذي يتأتى منه التكليف الفردي والجماعي.
وجوهر الأمر أن التكليف الفردي يعسر ويضيق في حال غياب الجماعة المؤمنة الحاضة والحاضنة والحامية والراعية للفرد، ولأجل ذلك كان الإعذار لمن قعدت بهم الظروف ونزلت بهم الضرورات وأحاقت بهم الفتن، فلم يجدوا سبيلا لتمثل الأوامر الإلهية كحال المفتونين والمكرهين والمضطهدين من الذين أعوزهم النصير، ولأجل ذلك نفى القرآن الإيمان الكلي عمن قعد عن الهجرة ولم يلتحق بالجماعة التي تعضده وتحميه، كما هو النص في قوله تعالى: ﴿وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمۡ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلَٰيَتِهِم مِّن شَيۡءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْۚ وَإِنِ ٱسۡتَنصَرُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ فَعَلَيۡكُمُ ٱلنَّصۡرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوۡمِۢ بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَهُم مِّيثَٰقٞۗ وَٱللَّه بِمَاتَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ﴾ [الأنفال: 72].
وعلائم هذا الفقه بارزة في التوجيهات ولائحة في العمليات المستقرَأة من السيرة النبوية، ويكفي من العبادات فضل صلاة الجماعة ووجوب الجمعة، وكذا الجهاد وهو في الأغلب لا يكون إلا بجماعة وعصبة، هذا فضلا عن تدبير المعاملات والجنايات والتبرعات والأوقاف وهي لا تكون إلا بالمجموع العام.
فمن السنة الحاضّة على الجماعة والاجتماع ما ورد في فضل صلاة الجماعة: «صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة»([4]). ولزوم الجماعة المسلمة وعدم تشتيتها أو إيقاع الضرر بها بالخروج غير المشروع: «لا يحل دم امرئ مسلم، يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: ...، والمارق من الدين التارك الجماعة»([5]). وفي الصبر على بعض الخطأ أو العوج الذي يظهر في تسيير الدولة والجماعة: «من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر عليه، فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات، إلا مات ميتة جاهلية»([6]).
والأحاديث الداعية إلى التعاون والتآزر بين المجموع كثيرة متوافرة، كحديث: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا»([7])، ومن أشهر ما يمكن أن يمثل به لفقه المصالح الجماعية حديث السفينة المشهور([8]). والحديث ظاهر الإشارة إلى وجوب القيام بالمصالح الجماعية بالأمر والنهي، وإلا غرق المجموع في لجج الفساد. وهو ما دلت عليه أحاديث الأمر والنهي: «والذي نفسي بيده لتأمرنّ بالمعروف، ولتنهَوُنّ عن المنكر، أو ليوشكنّ الله أن يبعث عليكم عقابـًا منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم»([9]).
اهتم الفقهاء بموضوع فقه المصالح الجماعية، واعتنوا بها في شيء من أبواب الفقه، والمقاصد، والسياسة الشرعية، ومن ذلك ما قاله العز: «واتفق الحكماء على ذلك. وكذلك الشرائع على تحريم الدماء والأبضاع والأموال والأعراض، وعلى تحصيل الأفضل فالأفضل من الأقوال والأعمال»([10]).
وعلى كل فقد ظل موضوع تحصيل المصالح الجماعية الحيوية متناثرا في بعض كتب الفقه والمقاصد والحسبة والأحكام السلطانية، ولكنه لم يُولَ العناية اللائقة اللازمة إلا من الأقل، ومن هؤلاء المتأخرين رواد مدرسة المنار كمحمد عبده ورشيد رضا، وكذا ابن عاشور الذي طرح تقسيما جديدا للمصالح: «التقسيم الثاني للمصالح». وذلك باعتبار تعلقها بعموم الأمة أو جماعتها أو أفرادها. فتنقسم بهذا الاعتبار إلى كلية وجزئية. ويراد بالكلية في اصطلاحهم ما كان عائداً على عموم الأمة عوداً متماثلاً، وما كان عائداً على جماعة عظيمة من الأمة أو قطر، وبالجزئية ما عدا ذلك. فالمصلحة العامة لجميع الأمة قليلة الأمثلة، وهي مثل حماية البيضة، وحفظ الجماعة من التفرق، وحفظ الدين من الزوال([11]).
يعد القرضاوي من المرافعين البارزين عن فقه الجماعة الذي ضمر في مقابل فقه الأفراد، لأن كثيرًا من الخطاب القرآني موجه للجماعة، ومسؤوليتها التضامنية في إقامة شرع الله وتطبيق أحكامه في الأرض. وقد انتقد الفقهاء قبله في عدم الاهتمام الكبير بمصالح الجماعة والدولة والعلاقات الإنسانية([12]).
كتب القرضاوي عن المقاصد الجماعية في عديد المواضع، وأهمها ما تعلق بمقاصد الشريعة، ومن ذلك:
- جعل مقاصد القرآن الكريم سبعة وذكر منها: بناء الأمة الشهيدة على البشرية. والدعوة إلى عالم إنساني متعاون([13]).
- جعل المصالح من باب الكليات الفقهية التي تصدر عنها غيرها: «نؤكد أن كل حكم شرعي لا بد أن يكون وراءه تحقيق مصلحة ضرورية أو حاجيه أو تحسينية، وفق تقسيم الأصوليين لمراتب المصالح، وقد يكون تحقيق المصلحة في صورة سلبية بمعنى درء المفسدة»([14]).
يندب القرضاوي علماء الوقت إلى الاهتمام بالفقه الجماعي وإيلائه المكانة اللازمة في التفكير والمنهج الفقهي، فيقول: «من المهم واللازم للفقيه أن يهتم بالجماعة وضروراتها وحاجاتها المادية والمعنوية، الآنية والمستقبلية، وألا يغفل تأثير هذه الضرورات والحاجات في سير الجماعة وقوتها الاقتصادية وتماسكها الاجتماعي وسلوكها الأخلاقي وتقدمها العلمي والثقافي، وقبل ذلك هويتها الإيمانية»([15]).
وعطفا على ما سبق فتدبير وتجسيد المصالح الحيوية لا يقتصر على مجال الفقه وحده، بل هو نتيجة النظر الكلي الفقهي وغير الفقهي فهي ثمرة مشاركة الجميع في صياغتها والحض عليها، وهذه المشاركة تكون من علماء الشرع ومن غيرهم من السياسيين والاستراتيجيين وعلماء الاجتماع والنفس والإدارة، وكل من يستحق لقب «ولي الأمر»([16])، وهم في الأرجح نخبة الأمة وقادتها من أهل الذكر والفكر والتنفيذ السياسي أو العسكري. يقول: «ليس بالفقه وحده تحيا الجماعة المسلمة ... فهي في حاجة إلى عدد معين من أهل الفقه والفتوى، وإلى أضعافهم من الدعاة والمرشدين والمربين الذين يعلمون الجماعة الفقه الأكبر»([17]). ومعلوم أن الفتوى الرصينة لا تقتصر على رجال الفقه وحده، بل هي خبرة مستخلصة من ذوي الشأن والتدبير والنظر في واقع الأمور ومآلاتها.
يستند القرضاوي في دعوته إلى إحياء فقه المصالح الجماعية إلى النص القرآني في مختلف مدلولاته وإشاراته، وحتى منطوقاته في التوجه بالخطاب إلى الجماعة، ويكرر القرضاوي في مكتوباته مفردة «فقه الجماعة» ويدندن حولها كثيرًا، ومن ذلك اعتباره الجهاد من فقه الجماعة لا الأفراد، ولأجل ذلك عدّه من فقه المعاملات لا العبادات لاتصاله بالسياسة الشرعية([18]).
ونجد هذا الاهتمام بتحصيل المصالح الجماعية في باب الترجيحات بين المصالح ذاتها، وبينها وبين المفاسد، وهو الفقه اللائح من مكتوبات القرضاوي، فما كانت مصلحته أغلب وأعم وأكثر أثرًا قدم على غيره، فمصلحة المجموع مقدمة على مصلحة الفرد كما في أمثلة:
- الاهتمام بفروض الكفايات، وتأثيم الأمة بتركها أو التهوين منها، كما قال القرافي في الفروق([19])، وهو ما عضده القرضاوي حينما عدّ تغطية كل الفروض الكفائية المطلوبة التي لا يقوم للأمة كيان، ولا تتحقق لها سيادة إلا بها، مثل العلوم التي يحتاج لها المسلمون من الواجبات اللازمة([20]).
- الدعوة إلى النفير العام دفاعا عن الأوطان: «فتنفر الجماعة كلها للمقاومة فيخرج الابن بغير إذن أبويه، وتخرج المرأة بغير إذن زوجها، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولا حق لفرد أمام حرمات الأمة»([21]).
- الصبر على النظام، فالمسلم يتحتم عليه الالتزام والبيعة للإمام الشرعي وإلا مات ميتة جاهلية([22])، وأن يعيش هموم الأمة بحكم الأخوة، ويحض على الخير والأمر والنهي بما يحفظ الجماعة. وهو ما ذكره ابن عاشور: «أن المقصد العام من التشريع فيها هو حفظ نظام الأمة، واستدامة صلاحه بصلاح المهيمن عليه وهو نوع الإنسان. ويشمل صلاحه وصلاحَ عقله وصلاحَ عمله وصلاحَ ما بين يديه من موجودات العالم الذي يعيش فيه»([23]).
وعلى كل فمقاصد حفظ المصالح الجماعية شأنها شـأن مقاصد حفظ المصالح الفردية، بل هي مقدمة عليها، لأن تحصيل الثانية لا يتم غالبا بالأولى، وكل الفتاوى والتخريجات محكومة بقاعدة «كل تصرف تقاعد عن تحصيل مقصوده فهو باطل»([24])، وهو ما يعطي الموضوع أهميته البالغة في الدرس الفقهي المعاصر.
وهذه المصالح كثيرة، والعديد منها في باب الضروريات التي لا يحسن تأخير تنزيلها ولا تفويتها، ولا التهاون بها، ويتوجب حشد القوى والإمكانات لها، ولكن معضلتها ما يقع من التهوين منها، أو وضع العوائق في طريقها حتى تبقى الأمة في العطالة الحضارية مراوحة مكانها، أو مرتكسة في تأخرها، ومن هذه المصالح الذاتية:
جرى القلم القرضاوي بسيل من المكتوبات حول ضرورة الوحدة الإسلامية، الشعورية والمعنوية، ولم لا التنظيمية الإدارية ما كان إلى ذلك سبيل، وإذا استحالت استعادة الوضع التاريخي للخلافة الواحدة، فإنه بالإمكان الاستفادة من التجارب الأخرى المعاصرة كأنموذج السوق الأوربية المشتركة التي تطورت إلى الاتحاد الأوربي، والأمة العربية والإسلامية أولى بكل هذا من غيرها نظرا للتاريخ والقواسم المشتركة الكثيرة.
كما كان القرضاوي واقعيا في أطروحاته استعادة الحكم الإسلامي الواحد بعد ضياع الخلافة المركزية، فقد رأى أن من مصلحة الأمة الحفاظ على الموجود، فهو يرى أن كل رئيس دولة إقليمية بمثابة الإمام فيما يخصه من أحكام بالنسبة للبلد الذي يسوسه ويحكمه([25]). ولكن هذا لا يمنع من الذهاب إلى وحدة معنوية أو حقيقة لجامعة إسلامية كما تصورها الرواد مثل الأفغاني أو محمد عبده، أو كما نظر لها السنهوري([26])، فيمكن التنزل من الوحدة السياسية الكاملة التي يعسر تحقيقها اليوم إلى أشكال أخرى تحقق التعاون والتناصر مثل: الكونفدرالية، الكومنولث الفيدرالية، ويمكن التدرج فيها لغاية تحقيق المطلوب([27]).
ولا يمكن تفعيل هذه الأنماط من الوحدة التنظيمية أو الإدارية إلا بتعميق الوحدة الشعورية النابعة من الهوية الدينية الداعية للجماعة والاتحاد، والنائية على الفرقة والاختصام، وسبيل ذلك رفع العقيرة الدائم بالأخوة الإسلامية القاصمة لظهر كل ساع بالفتنة والتحريش بين لمسلمين. وطرائق ذلك تتدرج بالآتي:
- استيعاب المجموع العام صالحيه وطالحيه ضمن الأمة، وقطع دعوات التفريق والتمييز بين أصناف الأمة المرحومة، ومن هذا الاستيعاب تتخرج فتواه ومؤازرته للرأي القائل بجواز إعطاء الزكاة للعصاة تأليفا مالم يستعملوها في معصية الله([28]). وينضاف لهذا تفعيل فقه الدعوة من أجل اندراج الكل تحت ظل الشريعة.
- التعاون بين أصناف وهيئات الأمة الدعوية كلها، وكم رافع القرضاوي حول قاعدة المنار الشهيرة، قائلا: «لا مانع أن نتعاون مع بعض المبتدعين فيما نتفق عليه من أصول الدين ومصالح الدنيا ضد من هم أغلظ منهم في الابتداع وفقا لقاعدة ارتكاب أخف الضررين»([29]). وكم أشاد بكل الجماعات العاملة الراشدة مثل الجماعة الإسلامية بالهند، والدعوة والتبليغ، وحزب التحرير، وجماعة النور، والهيئات الأهلية والجامعات الشرعية، والمراكز الفكرية كالمعهد العالمي للفكر الإسلامي، وعديد الرجال الذين كان لهم الأثر اللائح في بعث الصحوة الإسلامية المعاصرة([30]).
- رفض دعوات التكفير بين المسلمين، تجسيدا للوحدة المعنوية التي تتجلى في التراحم والقبول والاعتضاد بالعقيدة، ولأجل ذلك قلت دعاوى التكفير وضمرت مقارنة بالديانات السابقة، وخاصة النصرانية، لأن النصوص متواترة في التحذير من التأثيم والتفسيق بله التكفير، لأن كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه، ويقول في هذا «وعرض الإنسان هو ما نعبر عنه في عصرنا بالسمعة والكرامة والحرمة، وأي إساءة للإنسان في هذا الجانب أو نقل أي خبر عنه، أو أي قصة تنال من حرمته أو تلوث سمعته أو تجرح من كرامته، فقد أوذي صاحبها إيذاء عظيما»([31]). ولأجل ذلك يستدعي القرضاوي نصين مشهورين لإمامين جليلين يؤيدان هذه الدعوى، وهما الأشعري وابن تيمية، فقد نقل عن الأشعري: «إني لا أكفر أحدا من أهل القبلة؛ لأن الكل يشيرون إلى معبود واحد، وإنما هذا كله اختلاف عبارات»، وابن تيمية القائل: «أنا لا أكفر أحدا من الأمة، لأن النبي يقول: «لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن»، فمن لازم الصلوات بوضوء فهو مسلم»([32]).
وعلى ذلك سرى القول بالتشوف للوحدة والاقتصاد في التكفير، وتجلى ذلك في وحدة المسلمين في مساجدهم ومقابرهم، وكان العذر والتسامح هو الأصل، ونقائضه من التكفير والتدابر هي الاستثناء في تاريخنا([33]).
وأغلب ما كان من تقاتل أو فتن مركوبة في تاريخ الإسلام، هي من الاختلاف في تدبير الشأن السياسي، وقد لاحظ القرضاوي أن تشتيت الوحدة الإسلامية إنما كان بمعاول الفكر العلماني الوطني الضيق، والذي آزره في ذلك المؤامرات الاستعمارية([34]).
وقد ينغص ما ذكرناه سلفا الموقف المتأخر للإمام القرضاوي من الشيعة الإمامية([35])، بعدما سبقت له جولات وأعمال في التقريب المذهبي([36])، وهو موقف يقرأ في سياق رفض مبادرات التشييع في بلاد السنة التي ركبتها بعض أجنحة النظام الإيراني لمآرب سياسية، وهو ما رفضه الإمام القرضاوي، وموقفه هذا ليس ضد الشيعة كمذهب معتبر، وإنما ضد الاستعمال السياسي الذي يزيد الأمة فرقة واحترابًا، وهو ما كان من توالي الفتن الطائفية في العراق الجريح، والتي أججتها الدعوات الطائفية الضيقة([37]).
رافع القرضاوي من أجل الوحدة الوطنية، وبقاء الدول، والمباعدة عن انهيارها أو فشلها، وصونها من التشرذم والتفتت، باعتبار الوحدة الوطنية من ضرورات الأمن الوطني والقومي، ودعوته للمحافظة على الدول ككيانات، وليس على السلط الزمنية المتغيرة.
ففي معالجته لمشاكل الأقليات الدينية والعرقية داخل البلد الواحد دعا إلى الوحدة الوطنية، على الرغم من حساسية القضية في الوعي الإسلامي الذي يعلي من الانتماء الديني: «إن الاشتراك في الوطن يفرض نوعا من الترابط بين المواطنين بعضهم وبعض، يمكن أن نسميه الأخوة الوطنية، وهذه الأخوة توجب له من حقوق المعاونة والمناصرة والتكافل ما يستلزمه معنى الأخوة، أي الانتماء إلى أسرة واحدة»([38]).
ولكن القرضاوي يعطف بنقد شديد على الوطنيات الضيقة التي تهدم الانتماء الكلي للأمة، وتجعل الأقطار جزرا متناكفة متحاربة متدابرة، ويرفض العصبيات القطرية التي تهدم كيانها. ويحمل الأنظمة الثورية العسكرية القائمة إفشال هذه الوحدة قائلا: «العالم يتقارب والعرب يتباعدون»، والسبب هو تلك الأنظمة القومية التي جعلت الاشتراكية مضمونا لها، أو اليمين العربي الغبي العاجز بتعبيره، أو الملكيات المطلقة المحنطة من العهود الغابرة في التاريخ([39]).
يشدد القرضاوي على أن الأمة الإسلامية لم تنتقص أقطارها، ولم تستعمر تباعا وولاء إلا عندما نجحت المؤامرات والهزائم النفسية والتوجيه المريض من إعلاء شأن القوميات على الدين مثل القومية العربية أو الفارسية أو التركية أو البربرية، وهو ما نجد له سندا في الموقف المتشدد لأبي الأعلى المودودي منها، واعتبارها نزعة غربية تدمر دار الإسلام([40]).
وفي المضمار نفسه يشيد القرضاوي بالدعوات الرائدة لرجال الإصلاح كالأفغاني ومحمد عبده في الإيمان بدار الإسلام، والجامعة الإسلامية، وبما خطه الكواكبي في مؤتمره المتخيل «أم القرى»([41]) في البحث عن الحلول الناجعة لتلك الخلافة المفقودة. مع إيمانهم بوحدة الأوطان، قائلا: «إن الإسلامي الحق وطني مخلص، وقومي مناضل، وعالمي أصيل، وأبطال الوطنية الأوائل في بلادنا كانوا إسلاميين مثل الأمير عبد القادر في الجزائر، وأحمد عرابي ومصطفى كامل ومحمد فريد في مصر، وعمر المختار في ليبيا، وعبد الكريم الخطابي في المغرب، وأمين الحسيني في فلسطين، ومحمد ناصر في إندونيسيا، وأبو الكلام آزاد في الهند، وغيرهم»([42]).
وهو القضية المحورية والهم الكبير الذي زبر فيه الإمام عديد المكتوبات، فقد كان من أعمدة مدرسة التغيير السلمي والمنافحة عن الأمة وحقها في تنصيب الحاكم ومراقبته ومساءلته، وعزله إن وجب الأمر، بل وتشريع الخروج عليه بمختلف الوسائل الممكنة ما أمن الضرر، وحُفظ كيان الجماعة والدولة.
يعدّ القرضاوي الانحراف السياسي الذي هيمن على أجزاء من تاريخنا وواقعنا من أسباب هزيمتنا الحضارية، ولأجل ذلك رافع بشدة من أجل ترسيخ وجوب الشورى، منتصرًا للفقهاء القائلين بلزومها أمثال ابن عطية القائل بوجوب عزل المستبد، وابن خويز منداد، والقرطبي، ورجح كونها ملزمة، فإذا كان الاختلاف في الرأي ترجح الأمر بالأكثرية([43]).
كما يؤكد القرضاوي على رفض كل أشكال الحكومة الدينية المستندة للحق الإلهي، والتي لم يعرفها تاريخنا، ويؤكد على قيمة الرضا بالحاكم، فالإسلام كره من أمّ الناس وهم له كارهون في الصلاة، فكيف بالحكم([44]).
وقيام الحكم الراشد في نظر القرضاوي يمكن أن يتحقق بتفعيل العمل الجماعي السياسي عن طريق الأحزاب والجمعيات وغيرها من القنوات المتاحة، فهو فريضة أوجبها الدين، كما أنه ضرورة يحتمها الواقع([45]).
ولا يتم تحقيق الحكم الراشد إلا بضميمة الحريات، فغيابها من الحياة بمثابة خنق وقتل له، وخاصة حريات القول والنقد والمراجعة الداخلة في باب النصيحة الواجبة([46]).
ولتجسيد ما سبق لا يستنكف القرضاوي عن الاستفادة من التجربة الغربية في تحصيل الحكم الراشد، التي «أعطت الإنسان الحوافز.. وهيأت له الإرادة الحسنة التي تساعده على إتقان عمله، فتكافئ المحسن وتعاقب المقصر والمنحرف.. وقد استطاع الإنسان في ظل هذه الحضارة أن يحصل على دساتير، تحدد حقوق كل من الحاكم والمحكوم وواجباته، وتلزم به أهل الحكم.. عن طريق الديموقراطية»([47]).
وفي هذا المجال عدّ القرضاوي الاهتمام بالشأن السياسي من صميم الإسلام، فالإسلام لا يكون إلا سياسيا، وإذا جرد منه كان كاليهودية والنصرانية([48]). في نقض واضح لمقالات العلمانيين العرب المنبهرين بالمنتج الغربي، ولبعض القاصرين من الإسلاميين الذين جعلوا الإسلام عضين، فسوغوا الانحراف السياسي القائم.
ويبقى تدريب الأمة على رفض الظلم من المصالح العاجلة، فهو مسؤولية الجماعة، التي تقرأ في القرآن الكريم بأن الطغيان هو العلو، وأن الأمم تنمحي كرامتها، وتذوي قوتها إذا استمرأت الظلم وركنت إلى الظالمين. ولأجل ذلك كانت مواقفه الرافضة للطغيان، أو التسويغ للانتخابات التي يعدو فيها حصان واحد، وهو ما كان جاريا في أغلب الأنظمة العربية([49]).
وتلك لازمة القيام بالشريعة، فمن مقاصد القرآن تزكية النفس وتقويم الأخلاق، وأخلقة الحياة لا تتم في ظلال الحرية، وبغير ذلك فالانحراف والنفاق هو القائد للهاوية([50])، وهذه الأخلقة مرتبطة تماما بمبدأ الوسطية التي يكرّ الشيخ عليها كثيرا، والتي تعني العدل والاستقامة والخيرية والأمان والقوة والوحدة([51])، والتي تظهر في العبادات والشعائر والأخلاق، والتوازن بين الروحية والمادية وبين الفردية والجماعية. وشاهد ذلك أن الانتصار والازدهار في التاريخ الإسلامي تابع للتمسك بالشريعة: «إن المتتبع للمد والجزر والامتداد والانكماش والنصر والهزيمة في تاريخ الإسلام يتضح له بيقين أن فلاح هذه الأمة وقوتها مرتبطان بمدى تمسكها بشريعتها، فإذا أعرضت عنه أصابتها الويلات من كل جانب جزاء وفاقا»([52]).
يشكل التدبير الواعي للحياة ركنا، وهو تدبير متعلق بتنزيل المصالح الحيوية، واستثمار فقه الموازنات والمآلات والمناسبات والسنن الاجتماعية والتاريخية في تحقيق المصالح الجماعية، ومن ذلك ترجيحه وإشادته وتقريره لرأي الخليفة عمر في عدم تقسيم الأرض على الفاتحين خوف مآلات تركز الثروة، وما تجره من العتو، والفساد المتوقع([53]).
ولترسيخ العملية في الحياة الإسلامية والبعد عن الجدل والمراء الذي قتل قواها، يذكّر القرضاوي بما امتازت به الأمة الإسلامية من كونها جمعت الشطرين: الإيمان بالغيب الحق، والسعي للعمل الصالح، في عمارة الأرض وارتفاقها، ولذا قل عندها الجدل المضني على العكس من النصرانية، فالنصوص متواردة في ذم الجدل والتكلف، وكفاية الوحي للقضايا الغيبية التي يريد البعض أن يتسوّرها أمر مفروغ منه، فالعملية والانطلاق في العمارة والبناء أمر لصيق بتجسيد المصالح، ولهذا تراه يشيد في عمله الإفتائي بمنهج مالك في الاشتغال بما يقع، ورفض التفريعات والتخيلات والأغاليط والألغاز والمراء والجدل الباهت، وغيرها([54]).
إن عديد الأمم قعدت في حافة الحضارة لاشتغال أفرادها بالتأملات المرهقة للعقل، فلم تدخل في دائرة التاريخ وبقيت مرتهنة لبخور كهنتها، بسبب غياب العملية والأخلقة عن حياتها، هذه الأخيرة التي تنقص الحضارة الحديثة، وبسببها تعيش البشرية كثيرا من المآسي، وينقل عن محمد أسد: «إن هياكل هذه الديانة – أي معابدها وكنائسها – إنما هي المصانع العظيمة، ودور السينما، والمختبرات الكيماوية، وباحات الرقص، وأماكن توليد الكهرباء، وأما كهنة هذه الديانة فهم الصيارفة والمهندسون وكواكب السينما، وقادة الصناعات وأبطال الطيران، والنتيجة التي لا مفر منها.. هي الكدح لبلوغ القوة واللذة، وذلك يخلق جماعات متخاصمة مدججة بالسلاح مصممة على أن يُفني بعضها بعضا، حينما تتصادم مصالحها المتقابلة»([55]).
فعلى الأمة الإسلامية الاستدراك بالانطلاق في الحلول العملية المرتبطة بهدايات السماء، والاستدراك على الآخرين بتعميق الجوانب الأخلاقية التي أقفرت منها الحضارة المعاصرة المعادية لحقيقة الإنسان وروحه.
وهي مصالح عديدة، وكثيرا ما يقع التغافل عنها أو التفريط فيها تبعا للرؤى الضيقة، أو الانشغال بالماجريات المحلية، فضلا عن ضمورها في الوعي العام بسبب التخلف الحضاري الذي ران على الأمة، ومنها:
المهمة المنوطة بالأمة الإسلامية المخرجة للناس بنص القرآن، وهذا الإخراج الهادي يوجب عليها أن تقود الحياة ببصيرة بالاعتماد على هدايات السماء: «على أن تختار الأمة الاتجاه الصحيح، الذي يصلح لها، وتصلح له، من بين اتجاهات عدة تنتسب للأسف إلى الإسلام، مثل الاتجاه الاجتراري، والانتحاري، والاعتذاري، والافتخاري، والاحتضاري، والاشتجاري. أما الاتجاه الذي يجب أن تتبناه الأمة، فهو ما سميناه الاتجاه الحضاري، وهو الذي يقدم الإسلام على أنه رسالة حضارية عالمية متميزة، لها مقوماتها وخصائصها من الشمول والوضوح والتوازن والتكامل والعمق، وهذا الاتجاه هو الذي يدعو إليه شعار الوسطية الإسلامية»([56]).
ومن أعجل الأمور التي يجب على الأمة أن تنافح عنها وتكون رائدة لها القضايا الحقوقية للمسلمين وغير المسلمين، ولا يتم ذلك إلا بتفعيل مكامن القوة في الإسلام، وأهمها القوى الأخلاقية الإيمانية: «إن بقاء الأمم الكبيرة لا يدوم بقوة السلاح وحدها، فلا بد من قوة معنوية وراء القوة المادية، والقوة المعنوية لا تعني الدين وحده، كما يتصور الكثيرون، الدين والإيمان في المقدمة، ولكن القوة المعنوية تشمل الأخلاق والفكر والمعرفة والمعاني الإنسانية، وهذه كلها ضرورية للبقاء والتفوق، مع ضرورة القوة العسكرية، والقوة الاقتصادية»([57]).
كيف تتم الريادة البصيرة في هذا العالم الموار بعديد الاتجاهات والفلسفات المتشاكسة؟، وبعضها معاد للأديان محمل إياها بعض الشقاء الساري، وهنا تبرز فرادة القرضاوي في حشد جمهور المتدينين لاستعادة الريادة من العلمانيين والمحادين للأديان، وذلك بالآتي:
- تقديم النظريات الرائدة للإسلام في حقوق الإنسان وحريته في التفكير والاعتقاد، ونظرية الشورى، وتقييد سلطة الحاكم ومسؤوليته عن عدوانه وأخطائه، وحق الأمة في عزله([58]). وهي نظريات سابقة للمنتج الغربي المعاصر القاصر في عديد التطبيقات.
- التعاون والحوار مع الأديان الأخرى والتركيز على القواسم المشتركة، والتآزر لمواجهة الإلحاد والإباحية وأنصار المادية ودعاة العري والتحلل الجنسي والإجهاض والشذوذ([59]).
- تجديد الخطاب الديني، ومساوقته للحاجات المعاصرة، فهو خطاب يؤمن بالله ولا يكفر بالإنسان، ويؤمن بالوحي ولا يغيب العقل، ويدعو إلى الروحانية ولا يهمل المادية.
- تصحيح مسار الثقافة الحديثة، بالاستفادة والاستدراك على مكاسب المدنية الغربية، وتهيئة الأمة للمشاركة الفاعلة والإيجابية لهذا التصحيح، خاصة وأن مشكلات الحضارة الغربية غزت العالم كله بحكم عولمة ثقافاتها وهيمنة إنتاجها، والمسلمون بما لديهم من قيم قادرون على حلها، بشرط الاستعداد الحضاري لهذا.
ركز القرضاوي على عالمية الحل الإسلامي، ودعا إلى الحضور الفاعل للمسلم مواطنا أو سائحا أو مهاجرا أو مقيما أو متجنسا. وكونه ممثلا للإسلام في أي بقعة أو صقع من الأرض، فالمسلم نافع مرشد حيثما حل أو ارتحل، وفي هذا كانت دعواته للجراءة والجسارة على مقارعة الثقافة العولمية: «من شأن العولمة أن تزيل الحواجز وتقرب المسافات وتذيب الفوارق.. وهذا يعني انفتاحا بلا حدود ولا ضوابط.. ويتخوف آخرون من هذا الانفتاح المطلق في الاقتصاد والسياسة والثقافة الذي ينتصر فيه عادة القوي ويسحق الضعيف.. فيدفعهم الخوف على ذاتهم وثقافتهم المتميزة إلى التقوقع على النفس وإغلاق الأبواب أمام الغازي الجديد»([60]).
ولأجل تجسيد هذا الأفق العالمي للإسلام والخروج الواعي على الآخر خرجت عديد الفتاوى القرضاوية، ومنها:
- تجديد الخطاب الإسلامي الذي يتغير حسب العصر والحاجات والجمهور المتلقي حسب التدين والحضارة والعمر والمستوى([61])، مستشهدا بحديث معاذ في وصية رسول الله عليه الصلاة والسلام لأهل اليمن([62])، ومستدلا بسياقات القرآن المكي الذي كانت له اهتمامات مغايرة لخطاب القرآن المدني.
- احترام قوانين وأنظمة البلدان التي يهاجر إليها المسلمون، من أجل تنصيع الصورة الإسلامية المشوهة([63])، وهو ما صعّد البعض إلى تولي مسؤوليات فيها، ولو استمر الأمر لانقلبت الديمغرافيا لصالح المسلمين بعد حين.
- جواز إقامة المسلم في بلد غير مسلم بما يضمن المحافظة على دينه، وحتى في البلدان الأصلية للمسلم التي تغير نظامها إلى محادة الدين: «فمن كان من أهل البلاد من المسلمين، فعليه أن يصبر ويصابر ويرابط، ولا يفرط في دينه بكل ما يملك من قوة ومن طاقة، ويعمل بأحكام الضرورة فيما لا طاقة له به، معتبرًا نفسه في حال إكراه واضطرار»([64]). وهو ما ثبتت نجاعته في بقاء عديد البلدان ضمن الإسلام، مثل الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى، التي عادت إلى الحضن الإسلامي بعد تكسر أغلال الحكم الشيوعي السوفياتي المعادي للدين.
- تشجيع الانتشار الإسلامي بأسباب طلب العلم والرزق والأمن، بل وعدّ ذلك من علائم عالمية الرسالة الإسلامية، وأنه من قناطر تبليغ دعوة الإسلام وتغيير الصور النمطية عنه، قائلا: «المطلوب من المسلمين أن تكون لهم في كل أنحاء العالم ألسنة صدق تدعو إلى دينهم بلسان الأقوام المدعوة، فهذا يعدّ من فروض الكفاية الواجبة على مجموع الأمة بالتضامن»([65]).
- المنافحة عن الوجود الإسلامي في الغرب لمزاحمة النفوذ اليهودي، باعتبار أن الغرب هو الفاعل الأول في صناعة التاريخ المعاصر: «يجب أن يكون للمسلمين بوصفهم أمة ذات رسالة عالمية وجود إسلامي ذو أثر في بلاد الغرب، باعتبار أن الغرب هو الذي أصبح يقود العالم ويوجه سياسته واقتصاده وثقافته، وهذه حقيقة لا نملك أن ننكرها»([66]). بل إنه دعا إلى وجوب الانتشار والاندماج البصير مذكرا بأن «المجلس الأوربي للإفتاء منذ نشأته إلى اليوم يصدر في كل دورة من دوراته بيانا ينادي فيه المسلمين بوجوب التفاعل مع الأوطان التي يعيشون فيها، والاندماج في شعوبها، وعدم العزلة عنها، وضرورة المشاركة الإيجابية في كل ما يرقى بالوطن ويعمل على ازدهاره... في معادلة يظنها البعض صعبة، وهي استقامة بلا انغلاق، واندماج بلا ذوبان»([67]).
ولأجل ذلك ظل القرضاوي يتعهد الأقليات والمركز بعديد مناشطه، وله فتاوى رائدة رفع بها الحرج عن المسلمين هناك كفتوى بقاء المسلمة في عصمة زوجها الكافر، وتهنئة النصارى والبر بهم، وميراث المسلم من الكافر، وشراء البيوت بالعقود الباطلة وغيرها، مثبتا بذلك جدارة الفقيه الذي ينزّل القواعد الفقهية المتفق عليها، ولا يتهيبها ويتركها مسطورة في الكتب مزبوة في الدواوين، دون أن تجد للتجسيد وتحقيق المناط سبيلا.
يعدّ القرضاوي من الرواد الذين افتتحوا درس العلاقات مع الآخر بنفَس تجديدي واضح راعى مآلات وتطورات المجتمعات الإسلامية الحديثة بعد انفجار ظاهرة القوميات، وبروز موجات الحقوق الإثنية والثقافية للأقليات المختلفة، ويتجلى ذلك في دسترة العلاقة مع غير المسلمين([68]) بنصوص لا لبس فيها ولا ليّ ولا تحريف، وكلها تؤول إلى أن العلاقة بين أبناء المجتمع المسلم من مسلمين أو غيرهم قائمة على أسس وطيدة من التسامح والعدل والبر والرحمة([69])، وتنزيل تلك الأسس وتجسيدها وتسويرها بحقوق الحماية والتأمين وحرية المعتقد وممارسة الشعائر، وهو ما يضمن تماسك المجتمع المسلم ويحميه من غوائل التدخلات الأجنبية التي كانت تركب حقوق الأقليات المسيحية وتتسرب منها كما حصل في المشرق العربي في نهايات الدولة العثمانية.
ولأجل ترسيخ هذه المصالح الحيوية رافع القرضاوي كثيرا حول سماحة الإسلام مع غير أتباعه، وغلظته على محاديه ومحاربيه([70])، ولقراءة فاعلية العلائق الفاعلة في ترسيخ المصالح الحيوية للأمة التي تحميها من التدخلات الخارجية، والتي أخذ بعضها طابعا أمميا، بأشكال التدخل العسكري، أو التصنيف الإرهابي، أو الوصاية الدولية، أو الإدراج في قوائم الدول المنتهكة للحقوق الدينية، يمكن أن نقرأ الفتاوى والتوجيهات الآتية:
- الانتقاد المتوالي للتوجهات العنيفة لجماعات الرفض والعنف والتكفير، التي أضرت بصورة الإسلام، وصعدت من موجات كراهيته والتحذير منه، كما هو واقع الأمر في «الإسلاموفوبيا».
- التنديد بالعنف ضد إخوان الوطن من الأقباط، أي في الأخوة القومية والوطنية والمصالح المشتركة([71]).
- تغيير بعض المصطلحات، فلأجل ما تحدثه كلمة الجزية وما تحمله من خلفية نفسية موهمة بالنقص، قال بسقوطها عنهم ما اشتركوا في واجبات حماية الدولة، ومن هنا كان رأيه في جواز تغيير اسم الجزية ومقدارها باسم الزكاة أو الضريبة([72])، وهو ما صارت إليه أكثر الدول في إلزامية خدمة العلم أو الخدمة الوطنية.
- حذف كلمات ومصطلحات تاريخية من قاموس التعامل المعاصر، مثل كلمة الكفار واستبدالها بغير المسلمين، وكلمة مواطنين بدلا من «أهل الذمة»، التي لم يعد يقبلها غير المسلمين، فلم يتعبدنا الله بهذه الكلمات، وقد حذف عمر ... كلمة «جزية»، حين طلب منه ذلك نصارى بني تغلب([73]).
- العطف على بعض الفتاوى التاريخية: فلتجسير عرى اللحمة الوطنية وإنشاء البنيان الوطني عطف القرضاوي على بعض الفتاوى التي شاعت وقت المفاصلة مع أهل الذمة أيام الحروب الصليبية التي كان لبعضهم دور مشين فيها، ومثال ذلك كتاب ابن القيم في أحكام أهل الذمة-([74])، فجاءت فتاويه مراعية للتطورات الاجتماعية المعاصرة داخل البلدان الإسلامية وبلدان المهجر، فكانت فتاواه بأن التهنئة في أعيادهم من البر، وهي لا تتضمن إقرارا على كفرهم، وإنما هي مجاملات مخالفًا رأي ابن تيمية([75]).
- الدعوة إلى تثمين واحترام الاتفاقات الدولية الخادمة للسلم والتعايش والإنسان([76])، فقد دعا إلى الانخراط في الدفاع عن المظلومين: «بإنقاذ المستضعفين في الأرض من خلق الله، وإن لم يكونوا مسلمين، لأن رفع الظلم والأذى عن جميع الناس مطلوب من المسلم إذا كان قادرا عليه، ما لم يكونوا محاربين للمسلمين»([77]).
- الدفاع عن البيئة والأرض وما فيها من عجماوات، لأن المسلم سلم كله، وهو مستخلف في الأرض، مأمور بعمارتها، وعدم السعي فيها بالإفساد([78])، ولأجل ذلك كان رأيه الفذ في تحريم استخدام الأسلحة البيولوجية والكيمائية، مع توصيته بامتلاكها من باب الردع والتخويف للعدو([79]). وهي كلها مصالح حيوية تزين وجه الأمة الإسلامية وتقوي عضدها في العالم أجمع.
عاصر الإمام الاستعمار الغربي في طوره الأخير، وشاهد في مقتبل عمره النكبة العربية في احتلال فلسطين، وامتد به العمر فشاهد احتلال العراق وأفغانستان، وعقابيل النظام الدولي الجديد وأحداث الحادي عشر من سبتمبر، والكماشة التي خنقت الدول الإسلامية، ولأجل ذلك أولى هذه المصلحة مزيد عناية عن غيرها.
حدد الإمام وظيفة الأمة في مضمار سنة التدافع بأن الأصل في العلاقة مع الغير هو السلم، وأن الفرض هو إعداد القوة المستطاعة لإرهاب أعداء الله والأمة، واستبقاء روح القوة والبذل والتضحية، وتربية أبناء الأمة على ذلك، مع الدعوة إلى السلام والتسامح.
لم يخْفَ على الإمام أن الصراع هو المهيمن على مسار التاريخ، بل أن مشكلة الحضارة الغربية أنها حضارة صراع: «لحمتها وسداها الصراع، لا تعرف السلام ولا الطمأنينة ولا الحب»([80])، صراع مع الإنسان ومع الله، ومع الطبيعة، وصراع الطبقات والمجتمعات، والرغبة في الهيمنة والاستعمار.
وما دامت نزعة الاستعلاء ثاوية في النفسية الغربية منذ أيام الرومان، وما تلاها من الحروب الصليبية والاستعمار الحديث، فلا بد من بقاء الاستنفار قائما عند كل الشرائح، ولأجل ذلك كان يحض على الإعداد الدائم للأمة بامتلاك أسباب القوة، وتهيئة الأسباب من المال والتدريب والتخطيط، والاستنفار، وشن الحرب النفسية، وتأمين الجبهة الداخلية، واتخاذ التحالفات الممكنة، وعدم الاعتداء أو الاستعداء، قائلا: «يكفي أن يكون عندنا من العدة والقوة العسكرية المادية والبشرية المدربة والمجهزة ما نرهب به عدو الله وعدونا، وأن تكون جاهزة حاضرة على كل المستويات برا وبحرا وجوا، وأن يقوم عليها الأقوياء الأمناء الذين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم، وهذا ما تحرص عليه كل الدول القوية والأمم العزيزة، ولا تلام دولة ولا أمة تسعى إلى أن تمتلك من أسباب القوة ومقوماتها ما يحفظ عليها سيادتها، ويحميها من أطماع الطامعين، وتطلعات المتربصين»([81]).
وهو في هذا يتابع الجديد في مقاصد ابن عاشور الذي عدّ قوة الأمة مقصدا ركينا: «مقصد الشريعة من نظام الأمة أن تكون قوية، مرهوبة الجانب، مطمئنة البال، لم يبق للشك مجال يخالج به نفسَ الناظر في أن أهم مقصد للشريعة من التشريع انتظامُ أمر الأمة، وجلبُ الصالح إليها، ودفعُ الضر والفساد عنها»([82]).
وفي هذا المضمار تبرز فتاويه القوية في رفض الغزو الإسرائيلي لفلسطين، معتبرًا العلاقة بالكيان الصهيوني علاقة حرب: «لا مودة بيننا وبين القتلة السفاحين»([83]). وفي هذا تتخرج فتاواه بشرعية العمليات الاستشهادية في فلسطين([84]). ودعواته وحشده لمقاومة الاحتلال الأمريكي في أفغانستان والعراق، ولأجل ذلك ظل اسمه مدرجا على قوائم الإرهاب ومعاداة السامية على الرغم من كونه داعية الوسطية.
لا شك أن تحقيق المصالح الحيوية للأمة الإسلامية، وتنزيلها وتمثلها من الشروط الضرورية للعودة إلى التاريخ، والتي يؤدي غيابها إلى غياب الثمار المرتجاة من الاستجابة الحضارية للتحديات القائمة، والمعلقة منذ عقود، والتي لا ينبغي الضرب عنها صفحا، وإلا استمر الغياب الحضاري للأمة، ومن هذه الضرورات:
يعدّ قلم القرضاوي من الأقلام الفاعلة في ضرورة مصالحة الأمة مع مرجعيتها العليا، فمنذ السبعينيات وصوته عال بنقد التيار الماركسي وردائفه، وكذا التيار العلماني والليبرالي والقومي ممن أمسكوا بزمام السلط الزمنية في دولنا، ولم يحققوا لها أي تقدم مدني أو أخلاقي. ففي المنافحة عن المرجعية الشرعية ضد جماعات العلمانيين، وهي ضدية مقصودة مستبطنة وظاهرة، يقول في مقدمة شرح الأصل الخامس من الأصول العشرين لحسن البنا: «أرجو ألا يزعج عنوان السياسة الشرعية جماعات الماركسيين والعلمانيين والمتغربين عامة الذين يقلقهم أي ربط للدين أو للشرع بالسياسة، ويثيرون الحملات باستمرار حول ما سموه بالإسلام السياسي أو تسيس الدين، والحق أنهم يرفضون الدين موجها للحياة سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية، أو أخلاقية، يريدون أن يعزلوا الله عن خلقه، فلا يأمرهم ولا ينهاهم»([85]). ومبنى كل هذا هو علوية المرجعية الإسلامية وكونها وحيا خاتما مقدسا محفوظا لم يعتره تغير أو تبديل أو تحريف أو ليٌّ.
ولأجل ما سبق زبر القرضاوي عديد المكتوبات حول سعة الشريعة وصلاحيتها للتطبيق والتنزيل لكل الأزمان والبيئات، مستشهدا بسلامة التجربة التاريخية: «حكمت الشريعة شعوب الأمة الإسلامية ثلاثة عشر قرنًا دخلت فيها بلادا شتى، ... وواجهت أنظمة مختلفة مالية وإدارية وسياسية واجتماعية، كما واجهت أحداثًا غريبة ومشكلات جديدة لم يكن لها نظير في العهد النبوي، ولا في أرض الحجاز، فلم يضق أفق هذه الشريعة عن إيجاد حلول ملائمة لكل تلك المشكلات والوقائع مستمدة من نصوصها وأصولها، مقتبسة من روحها ومبادئها العامة، استنبطها الأئمة المجتهدون.. والذين أجمعوا على أن لكل حدث وكل فعل من أفعال المكلفين حكما في الشريعة أصابه من أصابه، وأخطأه من أخطأه وأن هذه الشريعة العامة الخالدة يستحيل أن تضيق نصوصها وقواعدها عن تصرف من التصرفات فلا تصدر فيه حكما»([86]).
ولأجل ذلك فإن المصالحة مع المرجعية تقتضي العودة الكلية للشريعة: «تطبيق الشريعة بحذافيرها، وأخذها كلا لا يتجزأ ضرورة لازمة لا يحل التفريط أو التساهل فيها، وأعني بالشريعة هنا الإسلام كله عقائده وتصوراته، وشعائره وعباداته، وأفكاره ومشاعره، وأخلاقه وقيمه، وآدابه وتقاليده، وقوانينه وتشريعاته»([87]). ولا يتم ذلك إلا بالتحرر من الهزيمة الحضارية والتبعية للغرب: «من الشروط النفسية الضرورية التحرر من التبعية للحضارة الغربية، فليست أوروبا هي أم الدنيا، وليس تاريخ أوروبا هو تاريخ العالم، وليس الرجل الأبيض هو سيد هذه الأرض، وليست الحضارة الغربية هي المثل الأعلى للحضارات، وليس الفكر الغربي هو مصدر الإلهام للعالمين»([88]).
ومما يسهل تجسيد المصالح الحيوية هو قابلية الشريعة لمبدأ الجمع بين التطور والثبات ومراعاة الأحوال، الثبات في أركان الإيمان ومباني الإسلام، وأصول الأخلاق، والتطور والمرونة فيما عداها من جزئيات الأحكام وتدابير السياسة الشرعية([89]).
كر القرضاوي كثيرا على الجانب الإنساني في الإسلام الذي هو دين الإنسان، وانتقد شيوع الدعاوى الإنسانية في المواثيق والمعاهدات الدولية نظريا، وهي دعاوى وفية للفلسفة الغربية المجافية لبقية الثقافات والديانات.
يركز القرضاوي على السبق الإسلامي في مفردة الإنسانية، وأن الوحي هو العليم بمصالح الإنسان، فالشريعة ذات صبغة إنسانية، ليست فوق القدرات، ولا ذات طبيعة ملائكية متعالية يعسر تمثلها أو تجسيدها، «فالإسلام يمتاز بنزعته الإنسانية الواضحة في معتقداته وعباداته وتشريعاته وتوجيهاته، إنه دين الإنسان»([90]).
ولأجل ذلك كان القرضاوي من الدعاة المفردين لبناء حضارة إنسانية جديدة، وإبداع حضارة إسلامية لا تتغنى بالأمجاد وتستفيد من الحضارة المعاصرة، وتؤمن بالتفاعل بين الثقافات والتعارف بين الأمم([91])، بدلا من مقولات الصراع والهيمنة التي انتهت إليها مقولات صراع الحضارات وإغلاق التاريخ في النمط الليبرالي فقط.
وهو مطلب راجح داخل الأمة الإسلامية وخارجها، فالقيمة العليا في الإسلام هي الرحمة والعدل، وغيابهما مؤذن بالتخالف والتدابر، وما تعيشه الأمة اليوم من تدهور الحقوق والحريات وغياب العدل والحكم الرشيد من الأسباب المهمة في التخلف الحضاري. ولأجل ذلك فلا بد من معالجة قضايا مهمة منها:
- القضية الاجتماعية: وخاصة التكافل الاجتماعي الذي جدت فيه الحركات اليسارية، وهو ركن أصيل في الإسلام، فبغيره ستبقى الفوارق قائمة، فحق الكفاية التامة مما يجب أن يتوفر لكل إنسان من الزكاة أو من غيرها، ودائرة هذا التكافل ليست مغلقة على المسلمين وحدهم، بل تشمل كل من يعيش في ظل دولة الإسلام من أهل الذمة([92]). وبغير هذا فالصراع سيبقى قائما داخل الدول وبين القوى المحتكرة للثروة.
- القضية السياسية: للقرضاوي حساسية مفرطة من الظلم وذويه من الجبارين والطغاة، وقد ذاق حره عندما هاجر من بلده مصر، وتوالت إلى أسماعه قرارات المحاكم الجائرة ضده، ولذلك لم يكن يستنكف عن مناصرة قضايا المظلومين مسلمين وغير مسلمين، ودعا في محافل عديدة نظراءه من رجال الدين في الديانات الأخرى للتكاتف ضد الظلم و«الوقوف معا لنصرة قضايا العدل، وتأييد المستضعفين والمظلومين في كل العالم، مثل قضية فلسطين والبوسنة والهرسك، وكوسوفا وكشمير، واضطهاد السود والملونين في أمريكا وغيرها، ومساندة الشعوب المقهورة ضد الظالمين والمستكبرين في الأرض بغير الحق.. فالإسلام يقاوم الظلم ويناصر المظلومين، من أي شعب، ومن أي جنس، ومن أي دين»([93]).
- القضايا الإنسانية: وخاصة دعوات التفريق العرقي والتراتب البشري، والتي سببت عديد الحروب والصراعات: «ولهذا لم يعرف المجتمع الإسلامي التمييز العنصري أو اللوني أو الطبقي الذي عرف في مجتمعات أخرى شرقية وغربية»([94]). وجل الصراعات القائمة اليوم مرجعها العمى عن هذه الحقيقة.
ومع أن القرن الماضي للغرب كان قرن الحريات وحقوق الإنسان، لكن ذلك كان مثلومًا بعديد الثلمات مثل الازدواجية في تطبيقها، وإقامة الكيان الغاصب في فلسطين، والانفلات في الحريات الشخصية التي جارت على الدين والقيم([95]). وعلاج ذلك كله في الرسالة الإسلامية؛ لأنها: «رسالة جاءت لتقاوم الضعف في النفوس، والزيغ في العقول، والانحراف في السلوك، والبغي في الجماعات، والطغيان في الحكومات، والتظالم بين الأمم والشعوب»([96]).
إن استثمار المصالح الحيوية، والتعجيل بأكل ثمارها، لن يتم إلا بتجاوز المعوقات المكبلة عن الإقلاع الحضاري، وهي عوائق مُورَّثة من عصور التراجع والانحطاط، وزاد أوارها التخريب الاستعماري، ومنها:
1. الانحراف السياسي، والحياد عن أمر الله تعالى في سياسة الحكم والمال. ولأجل ذلك ظل القرضاوي رافعا عمود الدفاع عن الحريات، معتبرًا إياها شرطا ضروريًا ومرجحا لتقويم الاستبداد الذي هيمن بكلكله على البلدان العربية، مدافعا عن الإنسان المقهور والمأسور للأنظمة العسكرية والملكية المطلقة([97]).
2. الجمود الفقهي وتكلس الاجتهاد، وتراجع الكفايات عن التصدي بقوة وجرأة لمشكلات الحياة الإسلامية، «فأسوأ ما يصاب به نظام قانوني أو اجتماعي أن يبتلى من القائمين عليه بسوء التطبيق، أو بسوء الفهم، فكيف إذا ابتلي بهما معا»([98]). ومن ذلك أيضا الجمود الفكري عند بعض السلفيين أو من يسميهم الظاهرية الجدد، وأسوأ منهم الجاميون المبدعون لكل مخالف لهم، وتقابلهم في هذا جماعة الأحباش([99]).
3. تأليه الغرب، والانبهار بحلوله وفلسفته([100])، فكم انتقد بالإحصاءات سوءات الأنظمة العسكرية الثورية التي استوردت حلولا من خارج الهوية الحضارية، ومن ثم فشلها في تحقيق العدل والحرية وكفاية العيش لأنهم يقودون أمة لا يعرفونها([101]). ومنتقدا بالذات دعاة الأخذ الكلي للحضارة الغربية كأحمد خان في الهند وطه حسين في مصر وضياء كوك ألب في تركيا([102])، وما انجر عن ذلك من تمكين الزحف الغربي والعولمة الأمريكية من رقاب العالم.
4. الانفصام بين الدين والحياة، وشيوع الازدواجية بين التعليم المدني والشرعي، ونحوه القضاء، وبين الأمة والسلطة([103])، وهو انفصام له ثماره النكدة، بل هو شجرة الزقوم التي لا تزال الأمة ترضع منها، ولن يتم الفصال منها إلا بالمصالحة الجادة والعاجلة مع المرجعية العليا للأمة في كل تفاصيل الحياة وشعبها.
5. التخلف عن ركب السبق العلمي والتقدم المادي([104])، الذي يغري بالانصراف إلى الآخر المستعلي والمتمكن، الذي يضع العراقيل أمام التنمية الاجتماعية والعلمية داخل بلداننا حتى تبقي في الذيل محتاجة له. وفي النقص المؤسسي نعا القرضاوي البقاء رهن القوى العظمى، واستنكر عدم وجود مؤسسات تنظيمية رادعة للمعتدي أو للظالم، بل إن منظمات الجامعة العربية أو التعاون الإسلامي لم تؤد واجبها([105])، بل كانت رهينة لإرادات القوى التي رهنت مقدراتنا، بل وغيرت مناهج تعليمنا بالترهيب والترغيب المشهود.
6. خفوت التنظيم والتخطيط، وعلاجه يكون بمنابذة الفوضى والارتجال، وهو ما برع فيه القرضاوي بإنشاء الجمعيات والروابط والمنتديات، معتبرًا أن هذا العصر وما فيه من روح الحريات والحقوق فتح أبوابا مشرعة للدعوة الإسلامية داخل ديار الإسلام وخارجها في إمكانية الدخول على الناس بوسائل الدعوة والبرامج السيارة والدورات المتنقلة، وتكوين الأحزاب والنقابات بما يمكن أن يحقق فريضة الأمر والنهي والتناصح والتواصي بالحق والصبر([106]).
7. مراجعة الإخفاقات المتكررة في ضياع الخلافة الناظمة، مسيرة التقدم والتنمية، التحرر من التبعية للغرب، توحيد الأمة، تحقيق العدالة الاجتماعية، قضايا المرأة، التربية الأخلاقية للأمة([107])، وعلاجها يكون باستجماع الإمكانات الحضارية للأمة، والانتقال من التنظير إلى البرامج العملية الفاعلة.
ليس من مكرور القول براعة القرضاوي في العناية بالفقه الجماعي، والمصالح الحيوية للأمة الإسلامية جمعاء، ولأجل ذلك كان من المبدعين المجددين الذين أمدوا المكتبة الإسلامية بسيل وافر من المكتوبات المختلفة التي عالجت مشاكل الأمة ومعضلتها المعضلة الحضارية، وهي معضلة يتشابك فيها الفكري مع الاجتماعي، والنظري مع العملي، ولكنه أبرأ الذمة في مرافعاته العديدة للعودة إلى الشريعة الهادية منطلقا لكل الحلول بعدما فشلت كل الحلول المستوردة من خارج ديارها وهويتها. ولأجل ذلك ظلت عقيرته مرتفعة بالانعطاف الواعي إلى التراث الإسلامي، وظلت دعواته قائمة إلى العمل التنظيمي والاجتهاد الجماعي، وحشد طاقات الأمة كلها للخروج من الوهدة، وهو ما بدأت ثماره تلوح في بعض التجارب الجزئية الناجحة، ومنها ما رعته يده كالجامعات، والأعمال الخيرية، والصيرفة الإسلامية وغيرها.
وفي هذا برزت مكتوباته في بناء فقه المصالح الجماعية الحيوية، والتي سيؤدي التساهل في الوفاء بها إلى الإضرار بالأمة عاجلا وآجلا، لأن التفريط في المصالح الجماعية سيضر بالأمة، بل ويهدد أمنها القومي، ويؤخر النهضة الحضارية المنشودة، وإن كان من قصور فيما ذكره الشيخ من المصالح الحيوية، فهو في الجانب العملي وتحويل هذه التصورات إلى برامج فاعلة تقتل الأدواء وتجلب الدواء، وهي مهمة منوطة بالجميع. وعليه فإن البحث يوصي بالآتي:
- الانعطاف الواعي إلى التراث الإسلامي، واستثمار الخبرة الفقهية في بناء الدولة والأمة.
- العض والحشد الدائم للعمل التنظيمي والاجتهاد الجماعي، وتثمين التجارب الجزئية الناجحة.
- إنشاء مراكز استراتيجية دراسية وإحصائية راصدة للمصالح الحيوية.
- تعميق المنطق العملي في إحياء المصالح الحيوية، وتحويل التصورات إلى برامج فاعلة.
أولًا: العربية
ابن الأزرق، أبو عبد الله. بدائع السُّلك في طبائع المُلك. تحقيق علي سامي النشار. بغداد: وزارة الإعلام، ط1، 1977.
ابن العربي، المالكي. أحكام القرآن. بيروت: دار الكتب العلمية، ط3، 2003.
ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم. اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم. بيروت: عالم الكتب، ط7، 1999.
ابن عاشور، محمد الطاهر. مقاصد الشريعة الإسلامية. قطر: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، 2004.
بيشي، محمد عبد الحليم. «الأصلي والاستثنائي في التسامح المذهبي الإسلامي». المجلة الأردنية في الدراسات الإسلامية، جامعة آل البيت، الأردن، مج17، ع3 (1443هـ/2021م). https://qspace.qu.edu.qa/handle/10576/25356
–––. «الأقليات غير المسلمة في العهد المدني النبوي». مجلة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة قطر، مج40، ع2 (2022). https://doi.org/10.29117/jcsis.2022.0334
أسد، محمد. الإسلام على مفترق الطرق. ترجمة عمر فروخ. بيروت: دار العلم للملايين، 2008.
الذهبي، شمس الدين. سير أعلام النبلاء. بيروت: مؤسسة الرسالة، ط3، 1985.
السنهوري، عبد الرزاق. فقه الخلافة وتطورها لتصبح عصبة أمم شرقية. بيروت: دار الرسالة، ط4، 2000.
السيد، رضوان. الأمة والجماعة والسلطة: دراسات في الفكر السياسي العربي الإسلامي. بيروت: دار اقرأ، ط1، 1984.
العز، بن عبد السلام، قواعد الأحكام في مصالح الأنام. القاهرة: مكتبة الكليات الأزهرية، 1991.
فريق الأزمات العربي. «الأزمة الطائفية في العالم العربي إلى أين؟». مجلة دراسات شرق أوسطية، مج21، ع81 (2017): ص65-78. http://www.mesj.com/new/ArticleDetails.aspx?id=784
القرافي، شهاب الدين. الفروق. بيروت: عالم الكتب، [د.ت].
القرضاوي، يوسف. الإسلام حضارة الغد. القاهرة: مكتبة وهبة، ط3، 2006.
–––. الإسلام والعلمانية وجها لوجه. القاهرة: مكتبة وهبة، ط7، 1997.
–––. الأمة الإسلامية حقيقة لا وهم. القاهرة: مكتبة وهبة، ط1، 2001.
–––. الحلول المستوردة وكيف جنت على أمتنا. القاهرة: مكتبة وهبة، ط5، 1993.
–––. الخصائص العامة للإسلام. بيروت: مؤسسة الرسالة، ط3، 1997.
–––. السياسة الشرعية في ضوء نصوص الشريعة ومقاصدها. بيروت: مؤسسة الرسالة، ط1، 2000.
–––. الوطن والمواطنة في ضوء النصوص العقدية والمقاصد الشرعية. القاهرة: دار الشروق، ط1، 2010.
–––. أمتنا بين قرنين. القاهرة: دار الشروق، ط1، 2000.
–––. ثقافتنا بين الانفتاح والانغلاق. القاهرة: دار الشروق، ط1، 2000.
–––. خطابنا الإسلامي في عصر العولمة. القاهرة: دار الشروق، ط3، 2004.
–––. دراسة في فقه مقاصد الشريعة. القاهرة: دار الشروق، ط3، 2008.
–––. رعاية البيئة في شريعة الإسلام. القاهرة: دار الشروق، ط1، 2000.
–––. شريعة الإسلام خلودها وصلاحها للتطبيق في كل زمان ومكان. بيروت: المكتب الإسلامي، ط3، 1983.
–––. شمول الإسلام في ضوء شرح علمي مفصل للأصول العشرين. بيروت: مؤسسة الرسالة، ط3، 1997.
–––. غير المسلمين في المجتمع الإسلامي. بيروت: مؤسسة الرسالة، ط2، 1985.
–––. فتاوى معاصرة. الكويت: دار القلم، ط9، 2002.
–––. فقه الجهاد. القاهرة: مكتبة وهبة، ط3، 2010.
–––. في فقه الأقليات المسلمة. القاهرة: دار الشروق، ط3، 2001.
–––. كيف نتعامل مع التراث والتمذهب والاختلاف. القاهرة: مكتبة وهبة، ط1، 2001.
–––. كيف نتعامل مع القرآن. القاهرة: مكتبة وهبة، ط1، 2001.
–––. من فقه الدولة في الإسلام. القاهرة: دار الشروق، ط1، 1997.
الكواكبي، عبد الرحمن. أم القرى. بيروت: دار الرائد العربي، ط2، 1982.
المودودي، أبو الأعلى. بين الدعوة القومية والرابطة الإسلامية. بيروت: دار العربية، ط1، 1967.
ثانيًا:
References:
Al-Dhahabī, Shams al-Dīn Muḥammad ibn Aḥmad ibn ʻUthmān. Siyar Aʻlām al-nubalāʼ. (in Arabic). Beirut: Muʼassasat al-Risālah, 3rd ed., 1985.
Al-ʻIzz ibn ʻAbd al-Salām, Abū Muḥammad ʻIzz al-Dīn ʻAbd al-ʻAzīz ibn ʻAbd al-Salām. Qawāʻid al-aḥkām fī maṣāliḥ al-anām. (in Arabic). Cairo: Maktabat al-Kullīyāt al-Azharīyah, 1991.
Al-Kawākibī, ʻAbd al-Raḥmān. Umm al-Qurá. (in Arabic). Beirut: Dār al-Rāʼid al-ʻArabī, 2nd ed., 1982.
Al-Mawdūdī, Sayyid Abū al-Aʻlá. Bayna al-Daʻwah al-Qawmīyah wa-al-Rābiṭah al-Islāmīyah. (in Arabic). Beirut: Dār al-ʻArabīyah, 1st ed., 1967.
Al-Qaraḍāwī, Yūsuf. Al-Ḥulūl al-mustawradah wa-kayfa janat ʻalá Ummatunā. (in Arabic). Cairo: Maktabat Wahbah, 5th ed., 1993.
–––. Al-Islām Ḥaḍārat al-Ghad. (in Arabic). Cairo: Maktabat Wahbah, 3rd ed., 2006.
–––. Al-Islām wa-al-ʻalmānīyah wajhan li-wajh. (in Arabic). Cairo: Maktabat Wahbah, 7th ed., 1997.
–––. Al-Khaṣāʼiṣ al-ʻĀmmah lil-Islām. (in Arabic). Beirut: Muʼassasat al-Risālah, 3rd ed., 1997.
–––. Al-Siyāsah al-sharʻīyah fī ḍawʼ nuṣūṣ al-sharīʻah wa-maqāṣidihā. (in Arabic). Beirut: Muʼassasat al-Risālah, 1st ed., 2000.
–––. Al-Ummah al-Islāmīyah Ḥaqīqat lā Wahm. (in Arabic). Cairo: Maktabat Wahbah, 1st ed., 2001.
–––. Al-Waṭan wa-al-muwāṭanah fī ḍawʼ al-nuṣūṣ al-ʻaqadīyah wa-al-maqāṣid al-sharʻīyah. (in Arabic). Cairo: Dār al-Shurūq, 1st ed., 2010.
–––. Dirāsah fī fiqh Maqāṣid al-sharīʻah. (in Arabic). Cairo: Dār al-Shurūq, 3rd ed., 2008.
–––. Fatāwá muʻāṣirah. (in Arabic). Al-Kuwayt: Dār al-Qalam, 9th ed., 2002.
–––. Fī fiqh al-aqallīyāt al-Muslimah. (in Arabic). Cairo: Dār al-Shurūq, 3rd ed., 2001.
–––. Fiqh al-jihād. (in Arabic). Cairo: Maktabat Wahbah, 3rd ed., 2010.
–––. Ghayr al-Muslimīn fī al-mujtamaʻ al-Islāmī. (in Arabic). Beirut: Muʼassasat al-Risālah, 2nd ed., 1985.
–––. Kayfa nataʻāmalu maʻa al-Qurʼān. (in Arabic). Cairo: Maktabat Wahbah, 1st ed., 2001.
–––. Kayfa nataʻāmalu maʻa al-Turāth wa-al-tamadhhub wa-al-ikhtilāf. (in Arabic). Cairo: Maktabat Wahbah, 1st ed., 2001.
–––. Khiṭābunā al-Islāmī fī ʻaṣr al-ʻawlamah. (in Arabic). Cairo: Dār al-Shurūq, 3rd ed., 2004.
–––. Min fiqh al-dawlah fī al-Islām. (in Arabic). Cairo: Dār al-Shurūq, 1st ed., 1997.
–––. Riʻāyat al-bīʼah fī sharīʻat al-Islām. (in Arabic). Cairo: Dār al-Shurūq, 1st ed., 2000.
–––. Sharīʻat al-Islām khlwdhā wṣlāḥhā lil-taṭbīq fī kull Zamān wa-makān. (in Arabic). Beirut: al-Maktab al-Islāmī, 3rd ed., 1983.
–––. Shumūl al-Islām fī ḍawʼ sharḥ ʻAlamī mufaṣṣal lil-uṣūl al-ʻishrīn. (in Arabic). Beirut: Muʼassasat al-Risālah, 3rd ed., 1997.
–––. Thaqāfatunā bayna al-infitāḥ wa-al-inghilāq. (in Arabic). Cairo: Dār al-Shurūq, 1st ed., 2000.
–––. Ummatunā bayna qarnayn. (in Arabic). Cairo: Dār al-Shurūq, 1st ed., 2000.
Al-Qarāfī, Shihāb al-Dīn Aḥmad ibn Idrīs. Al-Furūq. (in Arabic). Beirut: ʻĀlam al-Kutub, [n.d].
Al-Sanhūrī, ʻAbd al-Razzāq. Fiqh al-khilāfah wa-taṭawwuruhā li-tuṣbiḥa ʻUṣbat umam sharqīyah. (in Arabic). Beirut: Dār al-Risālah, 4th ed., 2000.
Al-Sayyid, Raḍwān. Al-ummah wa-al-jamāʻah wa-al-sulṭah: Dirāsāt fī al-Fikr al-siyāsī al-ʻArabī al-Islāmī. (in Arabic). Beirut: Dār Iqraʼ, 1st ed., 1984
Asad, Muḥammad. Al-Islām ʻalá muftaraq al-ṭuruq. (in Arabic). Tarjamat: ʻUmar Farrūkh. Beirut: Dār al-ʻIlm lil-Malāyīn, 2008.
Bichi, Mohammed Abdelhalim. “Non-Muslim Minorities in the Madani Era of the Prophet.” (in Arabic). Journal of College of Sharia and Islamic Studies, Qatar University, Vol. 40, No., 2 (2022). https://doi.org/10.29117/jcsis.2022.0334
–––. "The Scope of Sectarian Tolerance in Islam." (in Arabic). Journal of Islamic Studies, Jordan, Vol. 17, No.. 3 (2021). Available at: https://qspace.qu.edu.qa/handle/10576/25356
Farīq al-azamāt al-ʻArabī. "Sectarian crisis in Arab world to where?" (in Arabic). Middle Eastern Studies Journal, Vol. 21, No.. 81 (2017): 65-78. http://www.mesj.com/new/ArticleDetails.aspx?id=784
Ibn al-ʻArabī al-Mālikī, Muḥammad ibn ʻAbd Allāh. Aḥkām al-Qurʼān. (in Arabic). Beirut: Dār al-Kutub al-ʻIlmīyah, 3rd ed., 2003.
Ibn al-Azraq, Abū ʻAbd Allāh Muḥammad ibn ʻAlī. Badāʼiʻ alssulk fī Ṭabāʼiʻ almulk. (in Arabic). Taḥqīq: ʻAlī Sāmī al-Nashshār. Bagdad: Wizārat al-Iʻlām, 1st ed., 1977.
Ibn ʻĀshūr, Muḥammad al-Ṭāhir. Maqāṣid al-sharīʻah al-Islāmīyah. (in Arabic). Qatar: Wizārat al-Awqāf wa-al-Shuʼūn al-Islāmīyah, 2004.
Ibn Taymīyah, Aḥmad ibn ʻAbd al-Ḥalīm. Iqtiḍāʼ al-Ṣirāṭ al-mustaqīm li-mukhālafat aṣḥāb al-jaḥīm. (in Arabic). Beirut: ʻĀlam al-Kutub, 7th ed., 1999.
([3]) يوسف القرضاوي، الحلول المستوردة وكيف جنت على أمتنا (القاهرة: مكتبة وهبة، ط5، 1993)، ص53.
([10]) العز بن عبد السلام، قواعد الأحكام في مصالح الأنام (القاهرة: مكتبة الكليات الأزهرية، 1991)، ج1، ص5.
([11]) محمد الطاهر ابن عاشور، مقاصد الشريعة الإسلامية (قطر: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، 2004)، ج3، ص253.
([14]) يوسف القرضاوي، السياسة الشرعية في ضوء نصوص الشريعة ومقاصدها (بيروت: مؤسسة الرسالة، ط1، 2000)، ص216.
([26]) عبد الرزاق السنهوري، فقه الخلافة وتطورها لتصبح عصبة أمم شرقية (بيروت: دار الرسالة، ط4، 2000)، ص337.
([31]) يوسف القرضاوي، كيف نتعامل مع التراث والتمذهب والاختلاف (القاهرة: مكتبة وهبة، ط1، 2001)، ص233.
([33]) محمد عبد الحليم بيشي، «الأصلي والاستثنائي في التسامح المذهبي الإسلامي»، المجلة الأردنية للدراسات الإسلامية، جامعة آل البيت، مج17، ع 3 (1443هـ/2021م)، ص37-58.
([35]) موقفه الأول: الدعوة للوحدة والتقريب والإشادة بباقر الصدر وعلي شريعتي، وبالثورة الإسلامية التي قادها الخميني، انظر: أمتنا بين قرنين، ص103، 127، 235.
([37]) انظر: فريق الأزمات العربي، «الأزمة الطائفية في العالم العربي إلى أين؟»، مجلة دراسات شرق أوسطية، مج 21 ع 81 (2017)، ص65.
([40]) أبو الأعلى المودودي، بين الدعوة القومية والرابطة الإسلامية (بيروت: دار العربية، ط1، 1967)، ص18.
([47]) يوسف القرضاوي، الإسلام حضارة الغد (القاهرة: مكتبة وهبة، ط3، 2006)، ص28-29.
([69]) انظر: محمد عبد الحليم بيشي، «الأقليات غير المسلمة في العهد المدني النبوي»، مجلة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة قطر، مج 40، ع 2، (2022)، ص100.
([75]) القرضاوي، فتاوى معاصرة، ج3، ص672؛ أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية، اقتضاء الصراط المستقيم (بيروت: عالم الكتب، ط7، 1999)، ج1، ص487.