فقه إحياء الأمة عند العلامة الشيخ القرضاوي: قراءة في معالم التجديد ومرتكزاته
مسعودة علواش
أستاذة الفقه وأصوله في جامعة الجزائر1 بن يوسف بن خدة – الجزائر
تاريخ الاستلام: 16/10/ 2023 تاريخ التحكيم: 18/01/2024 تاريخ القبول: 06/05/2024
أهداف البحث: إن أهم ما تسعى إليه هذه الدراسة هو إبراز إسهامات العلامة الشيخ يوسف القرضاوي (رحمه الله) في إحياء الأمة من خلال مشروعه الدعوي، وتقريب فكره ومنهجه للقارئ من خلال مسيرته العلمية والعملية.
منهج الدراسة: اقتضت طبيعة الموضوع تتبع المنهج الاستقرائي لبناء مفهوم فقه الإحياء بالتأسيس له في نصوص الكتاب والسنة لإثبات مقصديته، وتتبع تطبيقاته في فكر الشيخ العلامة القرضاوي باستخراج عباراته الخادمة لفقه الإحياء في عناوين كتبه ومنهجه في بنائها مع المنهج الوصفي الذي يقوم على تحليل النصوص ومضمونها، واستنباط المعاني بعرض الفكرة وأسس بنائها ومرتكزاتها.
النتائج: أبرز البحث الإسهامات التجديدية للعلامة القرضاوي؛ من خلال مشروعه الدعوي لإحياء الأمة وإثبات وجودها حقيقة بكل مقوماته، وذلك باستشعار قضاياها في العملية الاجتهادية ودعوته لفقه الإحياء والتجديد، مما يستدعي الاهتمام بثروته العلمية، التي جمع فيها بين فقه الوحي، وفقه الواقع لاستيعاب مستجدات العصر، والحرص على استمرار مشروعه في واقع الأمة المعاصر.
أصالة البحث: قدم البحث تصورات واضحة عن فقه إحياء الأمة، وهو مشروع بعث روح الأمة للنهوض بها؛ بإعادة بعث روح نصوص الشريعة وأحكامها في واقع الناس، وإزالة المسخ والتشويه الذي طال تنزيل أحكامها في واقعنا المعاصر من خلال الأهداف المعرفية المتعلقة بالجانب التأسيسي لفقه الإحياء والتأصيل له، مع ضبط درجته في السلم المقصدي، وكذا الأهداف العملية بإبراز فكر العلامة القرضاوي (رحمه الله) في فقه التجديد والترشيد، لتحرير الأمة من أغلال التقليد ومعالجة قضايا الأمة، والوعي بحقيقة مشكلاتها وتصحيح مسارها.
الكلمات المفتاحية: فقه الإحياء، معالم التجديد، مرتكزات فقه الإحياء
للاقتباس: علواش، مسعودة. «فقه إحياء الأمة عند العلامة الشيخ القرضاوي: قراءة في معالم التجديد ومرتكزاته»، مجلة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة قطر، المجلد 43، العدد 1 (2025)، عدد خاص بمؤتمر «قراءات في قضايا التجديد والترشيد في فكر الشيخ يوسف القرضاوي».
https://doi.org/10.29117/jcsis.2025.0404
©2025، علواش، مسعودة. مجلة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، دار نشر جامعة قطر. نّشرت هذه المقالة البحثية وفقًا لشروط Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0). تسمح هذه الرخصة بالاستخدام غير التجاري، وينبغي نسبة العمل إلى صاحبه، مع بيان أي تعديلات عليه. كما تتيح حرية نسخ، وتوزيع، ونقل العمل بأي شكل من الأشكال، أو بأية وسيلة، ومزجه وتحويله والبناء عليه، طالما يُنسب العمل الأصلي إلى المؤلف. https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0
Messaouda Alouache
Professor of jurisprudence and its origins, the University of Algiers (1) Ben Youssef Benkhedda–Algeria
Received: 16/10/2023 Peer-reviewed: 18/02/2024 Accepted: 06/05/2024
Abstract
Objective: The main objective of this paper is to examine Sheikh al-Qaraḍāwī’s thought as reflected in his daʿwa (missionary) project, which aimed to preserve and revitalise the Ummah (Muslim community) and develop a jurisprudence for its renewal throughout his scholarly journey.
Methodology: The nature of the topic required an inductive approach to extract the concept of the jurisprudence of revival (fiqh al-iḥyāʾ) and understand it in the thought of al-Qaraḍāwī, alongside a descriptive method drawing on the principles of analysis and deduction.
Results: The article underscores al-Qaraḍāwī’s contributions to the renewal of the Ummah through his daʿwa project, aimed at revitalising and affirming its authentic existence with all its foundational elements. He accomplished this by tackling the Ummah’s issues through ijtihād (independent reasoning) and advocating for a jurisprudence focused on revival and renewal. The article emphasises the significance of his scholarly legacy, which integrates the jurisprudence of revelation with that of contemporary realities, addressing modern developments and ensuring the ongoing relevance of his project within today’s Ummah.
Originality: By precisely outlining its knowledge goals, this article offers clear insights into the foundational principles of the jurisprudence of revival and its evolution. It further highlights al-Qaraḍāwī’s views on the jurisprudence of renewal and guidance, as well as his scholarly and missionary contributions to revitalising the Ummah.
Keywords: Jurisprudence of Revival; Features of Renewal; Pillars of the Jurisprudence of Revival
Cite this article as: Alouache, M. “The Jurisprudence of Reviving the Ummah According to Sheikh al-Qaraḍāwī: A Study of the Features and Pillars of Renewal”, Journal of College of Sharia and Islamic Studies, Qatar University, Vol. 43, Issue 1 (2025), Special Issue on “Reflections on Renewal and Moderation in the Thought of Sheikh Yūsuf al-Qaraḍāwī”.
https://doi.org/10.29117/jcsis.2025.0404
© 2025, Alouache, M. Published in Journal of College of Sharia and Islamic Studies. Published by QU Press. This article is published under the terms of the Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0), which permits non-commercial use of the material, appropriate credit, and indication if changes in the material were made. You can copy and redistribute the material in any medium or format as well as remix, trans.form, and build upon the material, provided the original work is properly cited. The full terms of this licence may be seen at: https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0
هذا البحث يُعنى بإبراز معالم التجديد في فقه إحياء الأمة عند العلامة الشيخ القرضاوي (رحمه الله). وقد انتظم بيانه في مقدمة تناولت أهداف البحث وإشكاليته، وبُسِط في مبحثين مع خاتمة تضمنت أهم النتائج مع بعض التوصيات الجديرة بالتثبيت.
أولًا: أهداف البحث وحدوده
إن أهم ما يسعى إليه هذا البحث هو تقديم فكر شيخنا الإمام العلامة القرضاوي، طيب الله ثراه، وجدد عليه الرحمات من خلال مشروعه الدعوي، في تحقيق مقصد حفظ الأمة المسلمة، وفقه إحيائها في مسيرته العلمية الحافلة، تأليفا وخطابة، تدريسا وعملا، ومن أهم الأهداف التي تتغياها ما يلي:
- أهداف معرفية: وذلك بالتأسيس والتأصيل لفقه إحياء الأمة من نصوص الكتاب والسنة، وإبراز أهمية استحضار هذا الفقه لتحقيق الشهود الحضاري.
- أهداف عملية: بتقريب فكر شيخنا العلامة القرضاوي (رحمه الله) في فقه التجديد والترشيد، وإسهاماته العملية في المجال الدعوي لتحقيق مقصد إحياء الأمة في الواقع المعاصر، وإكمال مسيرته كتلاميذ له.
ثانيًا: إشكالية الدراسة وتساؤلاتها
لقد كان للحركة الإصلاحية أثر كبير، في تشكيل الوعي العام، بفقه إحياء الأمة وقضاياها، عند الشيخ العلامة الدكتور يوسف القرضاوي، من خلال إدراكه التام للتحديات الكبرى، التي يواجهها المسلمون في واقعنا المعاصر؛ بتغييب مفهوم الأمة وتشويهه في تصور المسلمين، وتقزيمه في دائرة الطائفية والعرقية الممقوتة، وقد سعى العلامة القرضاوي (رحمه الله) لإحياء المفهوم الصحيح للأمة المسلمة، باستشعار قضاياها في العملية الاجتهادية، ودعوته لفقه الإحياء، والتجديد، والترشيد، وإثبات وجودها حقيقة، وتاريخًا بكل مقوماتها، التي ترجع للعقيدة الإسلامية الثابتة والراسخة في قلبه وعقله، كما ترجمته قصيدته النونية التي ما زالت ترن في أذني بصوته المجلجل في أرجاء جامعة الأمير عبد القادر في العقد الأخير من القرن الماضي في قوله([1]):
لن تستطيع حصار فكري ساعة أو نزع إيماني ونور يقيني!
فالنور في قلبي.. وقلبي في يدي ربي ..وربي ناصري ومعيني!
سأعيش معتصما بحبل عقيدتي وأموت مبتسما ليحيا ديني!
وبهذه العقيدة الراسخة التي امتزج بها منهج العلامة القرضاوي، الذي ترجم جهوده في الحركة الإصلاحية بعد امتطاء جوادها، حاملا معها مشروع التجديد والترشيد، بالسعي لفقه الإحياء في كل المجالات، بتحليله أسباب الـتأخر في العالم الإسلامي، ونقد فكر الجحود والجمود، والتطرف، وتقديم فقه الوسطية، ومن هنا تمكن صياغة الإشكالية التي تنبني عليها الفكرة في تساؤلات الدراسة وهي:
- ما مفهوم فقه إحياء الأمة؟
- وما تأصيله في القرآن والسنة؟
- وما درجته في السلم المقصدي؟
- وما مرتكزاته في مشروع العلامة الشيخ القرضاوي (رحمه الله)؟
هذا ما تسعى الدراسة – بحول الله – لبيانه، وذلك من خلال مبحثين:
المبحث الأول: مفهوم فقه إحياء الأمة وتأسيسه في نصوص الكتاب والسنة.
المبحث الثاني: مرتكزات فقه إحياء الأمة في فكر العلامة القرضاوي (رحمه الله).
ثالثًا: منهج البحث
اقتضت طبيعة الموضوع تتبع المنهج الاستقرائي لبناء مفهوم فقه الإحياء بالتأسيس له في نصوص الكتاب والسنة لإثبات مقصديته، وتتبع تطبيقاته في فكر الشيخ العلامة القرضاوي مع المنهج الوصفي الذي يقوم على التحليل والاستنباط بعرض الفكرة وأسس بنائها ومرتكزاتها.
رابعًا: منهجية الدراسة
تخضع منهجية كتابة هذه الدراسة لقواعد البحث العلمي، في التحقيق، والتوثيق، والتدقيق في النصوص ومراعاة قواعد اللغة في كتابتها.
خامسًا: الخاتمة
خاتمة فيها بيان لأهم النتائج المتوصل إليها، مع التوصيات المقترحة، بما يخدم مشروع الأمة، وفقه الإحياء والتجديد في المسار الدعوي للعلامة القرضاوي (رحمه الله).
يعرض هذا المبحث مفهوم فقه إحياء الأمة، وتأسيسه في نصوص الكتاب والسنة، وذلك من خلال المطلبين التاليين:
إن الوقوف على معنى هذا المركب الإضافي يقتضي الوقوف على معنى كل لفظ على حدة، وذلك على النحو التالي:
أ. مفهوم الفقه: إن المعنى العام للفقه في اللغة هو مطلق الفهم، ويعبر عنه بمعان متقاربة تخدم دائرة العلم بمستوياتها المعرفية؛ كما جاء في لسان العرب أنه «العلم بالشيء والفهم له... والفطنة»([2]).
فالفهم هو نوع من الإدراك والوعي بالشيء الذي يحتاج لفطنة، وبمعناه الخاص يطلق على «العلم بأحكام الشريعة»([3]) أو «الأحكام الشرعية الفرعية العملية من حيث استنباطها من الأدلة التفصيلية»([4])، والمعنى العام هو المراد الذي يقوم عليه هذا الموضوع.
ب. مفهوم الإحياء: من الحياة؛ وهو مشتق من حيي (يحيا) فهو حي. والحي ضد الميت وجمعه أحياء، وأحياه: جعله حيا، ويرد بمعان عديدة تخدم فكرة البعث من جديد، وبث روح الحياة فيها، ومن هذه المعاني([5]):
- معنى الاستبقاء والإثبات في الوجود، فيقال: استحياه: استبقاه، ومنه الحي من أحياء العرب، أو بطن من بطون العرب أي القبيلة، التي تعني الحضور والوجود.
- معنى البيان والإيضاح والإظهار، فيقال طريق حي؛ أي بين واضح، وحيي استبان.
- معنى الخصب والمطر، الذي فيه تجديد الزرع والحياة، لأن الخصب سبب الحياة، فتحيا به الأرض والناس، كما يعني اسم المرأة، وهي ترمز لاستمرار الحياة؛ لأنها موضع النسل والتكاثر.
- ومن معانيه أيضًا الحيوان وهو كل جنس حي وكل ذي روح ناطق أو غير ناطق.
- كما يدل على معنى الملك والبقاء والاستمرار والظهور والدوام ومنه قوله تعالى: ﴿وَمَا هَٰذِهِ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَآ إِلَّا لَهۡوٞ وَلَعِبٞۚ وَإِنَّ ٱلدَّارَ ٱلۡأٓخِرَةَ لَهِيَ ٱلۡحَيَوَانُۚ لَوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ﴾ [العنكبوت: 64]، والحيوان مبالغة في الحياة، قيل هي الحياة التي لا يعقبها موت، أي الحياة الدائمة.
وخلاصة القول أن الإحياء كما يقول ابن عاشور: «هو تكوين الحياة في الجسد، وهي قوة يكون بها الإدراك والتحرك للاختيار، ويستعار الإحياء تبعًا لاستعارة الحياة للصفة أو القوة التي بها كمال موصوفها فيما يراد منه مثل حياة الأرض بالإنبات وحياة العقل بالعلم وسداد الرأي، وضدها الموت في المعاني الحقيقية والمجازية: ﴿أَمۡوَٰتٌ غَيۡرُ أَحۡيَآءٖۖ وَمَا يَشۡعُرُونَ أَيَّانَ يُبۡعَثُونَ﴾ [النحل: 21]، ﴿أَوَ مَن كَانَ مَيۡتٗا فَأَحۡيَيۡنَٰهُ وَجَعَلۡنَا لَهُۥ نُورٗا يَمۡشِي بِهِۦ فِي ٱلنَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُۥ فِي ٱلظُّلُمَٰتِ لَيۡسَ بِخَارِجٖ مِّنۡهَاۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلۡكَٰفِرِينَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ﴾ [الأنعام: 122]»([6]).
ج. مفهوم الأمة: أصله من أم (بالشد) وهو الأم: أي القصد المستقيم، وهو التوجه نحو مقصود، كما في قوله تعالى: ﴿وَلَآ ءَآمِّينَ ٱلۡبَيۡتَ ٱلۡحَرَامَ﴾ [ المائدة: 2]، وتراد بها عدة معان: وهي الدين، والأصل، والجماعة، والمرجع، والمعنى الجامع لها هو الغرض المقصود([7]).
والملاحظ أن كل هذه المعاني يجمعها معنى واحد، وهو الاجتماع، والانضمام، وقد أشار الراغب الأصفهاني في عبارة نسبها للخليل بن أحمد الفراهيدي «أن كل شيء فيه انضمام واجتماع سمي أما، وبناء عليه يمكن القول بأن الأمة كل جماعة يجمعها أمر واحد، أو دين واحد، أو زمان واحد، أو مكان واحد، سواء كان ذلك الأمر الجامع تسخيرًا أو اختيارًا»([8]).
بعد الوقوف على معنى كل مفردة على حدة؛ يستجلي البحث مفهوم فقه إحياء الأمة باعتباره مركبا إضافيا، وبناء على الدلالة اللغوية لكل مفردة، يمكن القول إن مفهوم فقه إحياء الأمة: «هو مشروع بعث روح الأمة، والنهوض بها؛ لتحقيق الشهود الحضاري. فوظيفة الإحياء ضرورة شرعيّة، وحتمية للنهوض بالأمّة؛ من أجل انطلاقة حضاريّة، فهو مشروع بنائي، يهدف إلى استعادة مكانتها في الريادة»([9]).
من المعاني القريبة التي تعبر عن مدلول فقه الإحياء ما يلي:
التجديد: من جَدَّ الشيء يجِدُّ، بالكسر جِدَّةً، صيره جديدًا فتجَدَّد فهو جديد، وهو خلاف القديم، واستجده أي استحدثه([10]).
والفرق بين الإحياء والتجديد: أن التجديد مصطلح متداول في منظومات فكرية متنوعة، أعطت له أبعادا كثيرة وفق أيديولوجياتها، وعليه فالتجديد هنا ليس مقصودًا به المعنى العلماني والحداثي الذي يراد به القطيعة مع التراث، إنما التجديد بمعناه الحقيقي يقارب الإحياء وإن وجدت بينهما بعض الفروق من حيث المباني إلا أنهما يشتركان في دائرة كبيرة من حيث الوظيفة والأثر.
والإحياء هو إعادة بعث روح نصوص الشريعة وأحكامها في واقع الناس، وإزالة المسخ والتشويه الذي طال أحكامها عند التنزيل على الواقع.
عبر الشيخ القرضاوي (رحمه الله) بعدة معان قريبة من فقه الإحياء وتخدم غرضه العام في دائرة التجديد منها تعبيره بفقه الحياة، وفقه التغيير وفقه الإصلاح، والفقه الحضاري وهذا بعض التفصيل لها بعباراته:
1. مصطلح فقه الحياة: عبر الشيخ القرضاوي بـ«فقه الحياة» معتبرا إياه من معالم الفقه الحضاري فقال: «ومن معالم الفقه الحضاري: فقه الحياة»، وحدده بقوله: «وبعبارة أخرى المعرفة بقيمة الحياة»([11])، ثم أضاف مبينًا معناها: «ونعني بها المعرفة الراسخة التي تنتهي بصاحبها إلى اليقين»([12]).
ومعنى ذلك أن الإسلام يعتبر الحياة نعمة يجب أن تشكر، وأمانة يجب أن ترعى، ورسالة يجب أن تغتنم ولهذا امتن الله بها على عباده في قوله تعالى: ﴿وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجٗا وَجَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَزۡوَٰجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةٗ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِۚ أَفَبِٱلۡبَٰطِلِ يُؤۡمِنُونَ وَبِنِعۡمَتِ ٱللَّهِ هُمۡ يَكۡفُرُونَ﴾ [النحل: 72]([13])، والملاحظ أن هذه المعرفة الراسخة تجمع بين القيمة ووسيلتها، وهو ما يقابلها من وسائل المحافظة عليها لاستمرارها ودوامها.
2. مصطلح الفقه الحضاري: وقد عرفه بقوله: «ونعني به الفقه الذي يعنى بنقل الإنسان من فهم سطحي بدائي إلى فهم أعمق للكون والحياة، فمن عقل راكد إلى عقل متحرك، ومن عقل مقلد إلى عقل متبحر ومستقل، ومن عقل خرافي يتبع الأوهام إلى عقل (علمي) يتبع البرهان، ومن عقل متعصب إلى عقل متسامح، ومن عقل مدع إلى عقل متواضع يعرف حده ويقف عنده...»([14])، وقد توسع في وصف معالم هذا الفقه الحضاري، ومجالاته التي يستوعبها.
3. مصطلح فقه التغيير: هذا المصطلح ربطه بالأمة بقوله: «وسيلة لإصلاح الأمة والرقي بها»([15])، ثم ذكر قواعد فقه التغيير بقوله: «في فقه التغيير: نحتاج إلى فقه رشيد، يتجسد في فقه الأولويات، وفقه المقاصد وفقه الواقع، حتى نحسن سياسة التغيير لأوضاعنا وأنظمتنا الحالية إلى أوضاع وأنظمة إسلامية، فكثير من هذه الأوضاع لم نصنعه نحن بل صنعه الاستعمار الغالب وفرضه علينا، أيام تحكمه فينا، فكيف نغير هذه الأوضاع؟»([16]).
والملاحظ أن تعبير الشيخ القرضاوي بمصطلح فقه الحياة، والفقه الحضاري، وفقه التغيير يلتقي في الدائرة العامة لمعنى الإحياء، وهي شحذ همة الأمة للنهوض بها لتحقيق شهودها الحضاري.
إن الإحياء معنى مؤسس في نصوص القرآن والسنة، فقد ورد كمقصد من مقاصد النبوة في الدعوة بتقبل رسالة الإسلام، المتمثلة ابتداء في إحياء النفوس، بالاستجابة لدعوة الخير، والكمال والشكر على نعمة الهداية، والتحرر من براثن الشرك، كما جاء في قوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱسۡتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمۡ لِمَا يُحۡيِيكُمۡۖ﴾ [الأنفال: 24].
وجه الدلالة: في قوله تعالى: ﴿إِذَا دَعَاكُمۡ لِمَا يُحۡيِيكُمۡۖ﴾، ذكر الرازي في كتابه مفاتيح الغيب من وجوه تفسيره لهذه الآية([17]): «قول السدي: بأن ما يحيي هو: الإيمان والإسلام، وفيه الحياة؛ لأن الإيمان حياة القلب والكفر موته، وقول قتادة: إنه يعني القرآن، أي أجيبوه إلى ما في القرآن، ففيه الحياة والنجاة والعصمة، ثم بين أنما سمي القرآن بالحياة، لأن القرآن سبب العلم، والعلم حياة، فجاز أن يسمى سبب الحياة بالحياة».
وذكر ابن عاشور محمد الطاهر أن ذلك «فيه تنبيه على أن دعاءه إياهم، لا يكون إلا إلى ما فيه خير لهم وإحياء لأنفسهم؛ لأن (اللام) في قوله:﴿ لِما يُحْيِيكُم ﴾ هي لام التعليل؛ أي دعاكم لأجل ما هو سبب حياتكم الروحية»([18]).
كما ذكر أن الإحياء استعير هنا لما يشبه إحياء الميت، وهو إعطاء الإنسان ما به كمال الإنسان، وبذلك فهو يعم كل ما به ذلك الكمال، من إنارة العقول، بالاعتقاد الصحيح، والخلق الكريم، والدلالة على الأعمال الصالحة، وإصلاح الفرد والمجتمع وكذا ما يتقوم به من الخلال الشريفة العظيمة، فالشجاعة هي حياة للنفس، والاستقلال حياة، والحرية حياة، واستقامة أحوال العيش حياة أيضًا([19]).
ومنه إحياء العقول وإنارتها من خلال الجانب المعرفي التعليمي الذي يعد من مقاصد النبوة أيضا، كما جاء في قوله تعالى: ﴿كَمَآ أَرۡسَلۡنَا فِيكُمۡ رَسُولٗا مِّنكُمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِنَا وَيُزَكِّيكُمۡ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمۡ تَكُونُواْ تَعۡلَمُونَ﴾ [البقرة: 151].
فجاءت ﴿وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ﴾ أيضًا في سورة البقرة آية 129، وآل عمران آية 164، والجمعة آية 2 ثلاث مرات في مواضع مختلفة([20]).
ومنه معنى تحقيق نهوض الأمة وقوتها كما جاء في قوله تعالى: ﴿إِذۡ أَنتُم بِٱلۡعُدۡوَةِ ٱلدُّنۡيَا وَهُم بِٱلۡعُدۡوَةِ ٱلۡقُصۡوَىٰ وَٱلرَّكۡبُ أَسۡفَلَ مِنكُمۡۚ وَلَوۡ تَوَاعَدتُّمۡ لَٱخۡتَلَفۡتُمۡ فِي ٱلۡمِيعَٰدِ وَلَٰكِن لِّيَقۡضِيَ ٱللَّهُ أَمۡرٗا كَانَ مَفۡعُولٗا لِّيَهۡلِكَ مَنۡ هَلَكَ عَنۢ بَيِّنَةٖ وَيَحۡيَىٰ مَنۡ حَيَّ عَنۢ بَيِّنَةٖۗ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [الأنفال: 42]
وجه الدلالة، كما قال ابن عاشور مفسرًا معنى الهلاك بالموت والاضمحلال، «ولذلك قوبل بالحياة. والهلاك والحياة مستعاران لمعنى ذهاب الشوكة، ولمعنى نهوض الأمة وقوتها لأن حقيقة الهلاك الموت، وهو أشد الضر فلذلك يشبه بالهلاك كل ما كان ضرا شديدا»([21]).
ومن ذلك قوله تعالى: ﴿يُهۡلِكُونَ أَنفُسَهُمۡ﴾ [التوبة: 42] وبضده الحياة هي أنفع شيء في طبع الإنسان فلذلك يشبه بها ما كان مرغوبا. قال تعالى: ﴿لِّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيّٗا وَيَحِقَّ ٱلۡقَوۡلُ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ﴾ [ يس: 70] وقد جمع التشبيهين قوله تعالى: ﴿أَوَ مَن كَانَ مَيۡتٗا فَأَحۡيَيۡنَٰهُ وَجَعَلۡنَا لَهُۥ نُورٗا يَمۡشِي بِهِۦ فِي ٱلنَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُۥ فِي ٱلظُّلُمَٰتِ لَيۡسَ بِخَارِجٖ مِّنۡهَاۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلۡكَٰفِرِينَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ﴾ [الأنعام: 122].
«والكلام جارٍ على طريقة تمثيل حال من أسلم وتخلص من الشرك بحال من كان ميتا فأحيي، وتمثيل حال من هو باق في الشرك بحال ميت باق في قبره»([22]).
جاء في مفاتيح الغيب: «قال أهل المعاني: قد وصف الكفار بأنهم أموات في قوله تعالى: ﴿أَمۡوَٰتٌ غَيۡرُ أَحۡيَآءٖۖ وَمَا يَشۡعُرُونَ أَيَّانَ يُبۡعَثُونَ﴾ [النحل:21]، وأيضًا في قوله تعالى: ﴿لِّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيّٗا وَيَحِقَّ ٱلۡقَوۡلُ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ﴾ [يس: 70] وفي قوله تعالى: ﴿إِنَّكَ لَا تُسۡمِعُ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَلَا تُسۡمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا وَلَّوۡاْ مُدۡبِرِينَ﴾ [النمل: 80]، وفي قوله تعالى: ﴿وَمَا يَسۡتَوِي ٱلۡأَعۡمَىٰ وَٱلۡبَصِيرُ﴾ [فاطر: 19] ﴿وَمَا يَسۡتَوِي ٱلۡأَحۡيَآءُ وَلَا ٱلۡأَمۡوَٰتُۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُسۡمِعُ مَن يَشَآءُۖ وَمَآ أَنتَ بِمُسۡمِعٖ مَّن فِي ٱلۡقُبُورِ﴾ [فاطر: 22]، فلما جعل الكفر موتًا والكافر ميتًا، جعل الهدى حياة والمهتدي حيا، وإنما جعل الكفر موتا لأنه جهل، والجهل يوجب الحيرة والوقفة، فهو كالموت الذي يوجب السكون، وأيضا الميت لا يهتدي إلى شيء، والجاهل كذلك، والهدى علم وبصر والعلم والبصر سبب لحصول الرشد والفوز بالنجاة، وقوله: ﴿وَجَعَلۡنَا لَهُۥ نُورٗا يَمۡشِي بِهِۦ فِي ٱلنَّاسِ﴾ عطف على قوله ﴿فَأَحۡيَيۡنَٰهُ﴾ فوجب أن يكون هذا النور مغايرًا لتلك الحياة»([23]).
وردت نصوص كثيرة في السنة النبوية القولية والفعلية تؤسس لفقه الإحياء، كمقصد عام معتبر، في كل جوانب حياة المسلمين، وفي كل تصرفاتهم وسلوكهم الاجتماعي منها: نصوص السنة النبوية في فقه الإحياء لبناء شبكة علاقات اجتماعية متينة لأنها أساس قيام الأمة وتماسكها:
ومن ذلك، ما جاء في فضل صلة الرحم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَأَنْ يُنْسَأ لَهُ فِي أَثرهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ»([24]).
ومن ذلك ما جاء في فضل النفقة، على الأرملة والمسكين، إحياء للنفوس وحماية لها من الضياع فعن أبي هُريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله ﷺ: «السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالِمسْكِينِ، كَالمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوِ القَائِمِ اللَّيْلِ الصَّائِمِ النَّهَار»([25]).
ومن ذلك أيضا ما ورد من النهي عن إيذاء الجار، لما فيه من هدم العلاقات الاجتماعية، وفك الترابط بين أفراد الأمة، كما ثبت عن شريح: أن رسول الله ﷺ قال: «واللهِ لاَ يُؤمِنُ، واللهِ لاَ يُؤمِنُ، والله لَا يُؤمِنُ قِيلَ: مَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: الّذِي لاَ يَأْمَنُ جَاره بَوَائِقهُ...»([26]).
ومن ذلك نصوص من السنة في فقه الإحياء في مجال حفظ النبات والغرس لما فيها من معاني الحياة والعمران؛ منها قوله ﷺ: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَة فَهِيَ لَهُ»([27]).
وقد جعل الإمام مالك الإحياء معيارًا لجواز الفعل، ولا يحتاج في ذلك لإذن الإمام إذا كان بعيدًا عن العمران، بل وسع جواز الإحياء ما كان بعيدًا عن العمران حرصًا على إحياء العلاقات الاجتماعية وتفاديًا للنزاع الذي يؤدي إلى الفتنة([28]).
ومن ذلك الأحاديث الواردة في باب النهي عن منع فضل الماء منها أن أبا هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله ﷺ: «لاَ يَمنَعُ فَضْلَ المَاء لِيَمْنَع بِه فَضْلَ الكَلَأ»([29])، وهذا لإحياء الزرع والكلأ.
ومن ذلك، ما جاء في رحمة الناس بالبهائم وجزاء سقياها لإحيائها، عن أبي هريرة - رضي الله عنه- أن رسول الله ﷺ قال: «بَينَمَا رَجُل يَمْشِي بِطَرِيقٍ اشتَدَّ بِه العَطَش، فَوَجَدَ بِئْرا فَنَزلَ فِيهَا، فشرِب ثمَّ خَرَج، فَإذَا كلْب يَلْهَث، يَأكُلُ الثَّرَى مِنَ العَطَشِ، فَقَالَ الرَّجُل: لَقَد بَلغَ هَذَا الكَلْب مِنَ العَطَشِ مِثْل اَّلذِي كَان بَلَغَنِي، فَنَزلَ البِئْرَ فمَلأَ خفّهُ ثمَّ أمْسَكهُ بِفِيه فَسَقَى الكَلْب فَشَكَر اللهَ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ. قالوا: يا رسول الله وإن لنا في البهائم أجرا؟ قال: في كلِّ كبِد رَطبَةٍ أجر»([30]).
ومن ذلك أيضًا ما ثبت في الصحيح «ما من مسلم يغرس غرسا، أو يزرع زرعا، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة؛ إلا كان له به صدقة»([31]). ففي هذا الحديث بيان فضل الغرس والزرع، وأن أجر فاعله دائم مادام الغرس إلى يوم القيامة([32]) لما فيه من الإحياء لكل الأحياء من الإنس، والطير، والبهيمة.
إن إحياء الأمة معنى مرعي ومعتبر، في نصوص الكتاب والسنة، فهو يرتقي لأن يكون مقصدا عاما ضروريًا وقطعيًا.
فهو مقصد عام؛ لأنه يراعي كل التصرفات في جميع أبواب التشريع؛ بما يحصل المصالح العامة للأمة على تنوعها، مع ما تميزت به أحكام الشريعة من خصائص، وأوصاف عامة استأثرت بها.
وهو مقصد ضروري؛ لأنه لا بد منه؛ لتحقيق الشهود الحضاري للأمة، فإذا اختل اختلت أحوال الأمة كما أكده ابن عاشور في تقسيمه للمقاصد باعتبار آثارها في قوام أمر الأمة حيث اعتبرها ضرورية معرفا إياها بقوله: «هي التي تكون الأمة بمجموعها، وآحادها في ضرورة إلى تحصيلها، بحيث لا يستقيم النظام باختلالها، بحيث إذا انخرمت تؤول حالة الأمة إلى فساد وتلاش»([33])، أو «تصير أحوال الأمة شبيهة بأحوال الأنعام بحيث لا تكون على الحالة التي أرادها الشارع منها،وقد يفضي بعض ذلك الاختلال إلى الاضمحلال الآجل بتفاني بعضها ببعض أو بتسلط العدو عليها إذا كانت بمرصد من الأمم المعادية لها أو الطامعة في استيلائها عليها»([34]).
وهو مقصد قطعي لتضافر الأدلة، من نصوص الكتاب والسنة، وعمل الصحابة، على قيام معنى الإحياء لارتباطه، برسالة الإسلام وديمومته في الحياة الدنيا، وارتباط الجزاء به، في الآخرة كما مر تأسيس معناه في نصوص الكتاب والسنة.
إن أول مسلك يمكن أن تثبت به مقصدية إحياء الأمة عند الشيخ القرضاوي هو استقراء أعماله في تحقيق كون هذا المعنى مقصدا، يقول العز بن عبد السلام في استقلال الباب التشريعي عن غيره «إن الله تعالى شرع في كل تصرف من التصرفات ما يحصل مقاصده ويوفر مصالحه فشرع في كل باب ما يحصل مصالحه العامة والخاصة فإن عمت المصلحة جميع التصرفات شرعت المصلحة في كل تصرف، وإن اقتضت بعض التصرفات شرعت فيما اقتضت له دون ما لم تختص به»([35]).
وهو ما نجده محققا في مشروع الشيخ القرضاوي الإصلاحي، الذي يقوم على إحياء الأمة، في كل جوانب حياتها، وقد بدا ذلك جليا من خلال اهتمامه بفقه المقاصد، وفقه الوسائل في مؤلفاته التي حرصت على إبراز المقصد منها لا بمجرد الوقوف عند حكمها الشرعي خاليا من مراعاة المقصد.
وخير دليل على ذلك ما ذكره في أسس السياسة الشرعية وما يتعلق بها من ثوابت ومتغيرات حيث ربطها بالأمة كما جاء في قوله: «إنما هي مجموعة من المفاهيم الشرعية في تدبير أمر الأمة العام في ضوء الشريعة السمحة»([36])، وتدبير أمر الأمة وفق مبادئ الشريعة السمحة هو عين الإحياء لها؛ لأن الشريعة هي الحياة.
ثم تجده يميز بين الثوابت والمتغيرات مستحضرا مفهوم الأمة وإحيائها معيارا للتميز كما جاء في قوله عن الثوابت هي «في غاية الأهمية من ناحية (الكيف)؛ لأنها هي التي تجسد وحدة الأمة وتميزها وقدرتها على الصمود محتفظة بمقوماتها وخصائصها... مثل قيام نظامها الفكري والتربوي والتشريعي على أساس العقيدة... واعتبار الأمة المسلمة مكلفة بالدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في العالم كله، والوقوف في وجه الإلحاد والإباحية، والظلم والاستعباد، وأن هذه الأمة أمة واحدة في عقيدتها ووجهتها وفي قبلتها ومرجعيتها، وأن قوتها في وحدتها، وضعفها في تفرقها»([37]).
ثم ذكر لها أمثلة كثيرة في قوله: «ومن هذه الثوابت... المحافظة على حياة الناس وصحتهم البدنية والعقلية، وعلى أعراضهم وأموالهم، وعلى أنسابهم وذرياتهم، وعلى أمنهم وحرماتهم وخصوصياتهم، وحرياتهم الدينية والمدنية والسياسية»([38]).
ثم يميز بين الثوابت والمتغيرات محددا العلاقة بينهما في قوله: «تلك هي أهم الثوابت التي لا خلاف عليها وإنما الخلاف يتركز حول المتغيرات، وإن كان عصرنا قد ابتلي بأناس يريدون تحويل الثوابت إلى متغيرات، والقطعيات إلى محتملات، لئلا يبقى للأمة شيء تحتكم إليه وتعول عليه»([39]).
ثم يصرح بالفقه الذي يتبناه بأنه الفقه «الذي يربط المتغيرات بالثوابت، ويرد المتشابهات إلى المحكمات والجزئيات إلى الكليات، والفروع إلى الأصول، وهو الفقه الذي كان عليه الصحابة والخلفاء الراشدون، ومن سار على دربهم من التابعين لهم بإحسان»([40]).
فقد تحلت أغلب كتبه بلفظ (فقه) الذي يعني الوقوف على الفهم الدقيق الموصل للحكمة وهو ما سيأتي تفصيله في المبحث الثاني.
يعرض هذا المبحث مرتكزات فقه الإحياء في فكر الشيخ القرضاوي من خلال المطلبين التاليين:
تحت عنوان «نحو فقه جديد» صرح الشيخ القرضاوي برؤيته ومنهجه في فقه الإحياء والتجديد مبينا مرتكزاته في قوله: «ومنذ بزوغ شمس الصحوة الإسلامية في الربع الأخير من القرن الماضي (القرن العشرين)، واهتمامي بترشيد مسيرتها، وتسديد خطاها على المنهج الإسلامي القويم، منهج الوسطية والاعتدال، ناديت بإقامة بنيان هذه الصحوة، وتثبيت دعائمها على (فقه جديد) يوضح لها الغاية وينير لها الطريق، ويجلي لها الرؤية حتى لا يشوش عليها غبش ولا لبس، ولا يعتريها قصور أو تقصير في فقه دينها أو فهم دنياها»([41])، ثم ذكر مفصلا أسس هذا (الفقه الجديد) ومرتكزاته بقوله([42]): «قد ذكرت أن هذا الفقه يقوم على جملة شعب:
أ. فقه السنن (سنن الله في الكون والمجتمع).
ب. فقه المقاصد (أعني مقاصد الشريعة وأهدافها من أحكامها الجزئية).
ج. فقه المآلات (وهو الآثار والنتائج التي تترتب على الأحكام الجزئية).
د. فقه الموازنات (الموازنة بين الحسنات والسيئات، أو بين المصالح والمفاسد: بين المصالح بعضها وبعض، وبين المفاسد بعضها وبعض، وبين المصالح والمفاسد إذا تعارضت).
ه. فقه الأولويات: (وأعني به: وضع كل تكليف شرعي في موضعه ومنزلته...).
و. فقه الاختلاف: بحيث تتعدد الآراء وتختلف الاجتهادات، ولا تضيق الصدور؛ وهناك قواعد علمية وضوابط أخلاقية ضابطة لهذا الاختلاف تجب رعايتها».
وفي مصنف السياسة الشرعية يصفه بـ «الفقه المنشود» الذي ينبثق أساسه من العقيدة، ويتحدد مساره بأصول الشريعة، ويتعضد منهجه وغاياته بالقيم والأخلاق([43]) .
ثم أشار إلى المرتكز الأصلي لهذا الفقه الجديد وما يتبعه من مرتكزات ضمنية مصرحاً برأيه في قوله: «وفي رأيي: أن فقه المقاصد هو أبو كل هذه الألوان من الفقه، لأن المعني بفقه المقاصد، هو الغوص على المعاني والأسرار والحكم التي يتضمنها النص، وليس الجمود على ظاهره ولفظه، وإغفال ما وراء ذلك وإذا عمقنا هذا المعنى ووسعنا آفاقه: تضمن كل ما أشرنا إليه من أنواع الفقه المنشود»([44]).
فالفقه الجديد المنشود هو فقه المقاصد «الفقه الحي الذي يدخل القلوب بغير استئذان»([45])، كما سماه ابن القيم في سفره الإعلام الذي يعد من الروافد التي ساهمت في تشكل العقل المقاصدي للشيخ القرضاوي كما صرح به([46]).
وقد بدا اهتمام الشيخ بالفقه المقاصدي واسعًا؛ فلا تكاد تجد له مصنفًا إلا وقد تحلى به تأسيسًا أو تخريجًا أو تمثيلًا، فتجد المقاصد بشكل تطبيقي روحًا تسري في كتبه.
ولا تكاد تجد له عنوانًا إلا وقد صبغ بالمقاصد إما بتحليته بكلمة فقه، وما أكثر ذلك مثل فقه الزكاة وفقه الطهارة، وفقه الصيام، وفقه الأقليات وفقه الأولويات وغيرها كثير، وإما بحرصه الشديد على ذكر محاسن الشريعة وأوصافها وخصائص الإسلام العامة التي تندرج ضمن المقاصد العامة التي تشمل كل أبواب الشريعة أو معظمها، ([47]) وربطها بالأمة في كل مجالاتها الحيوية مع ما أثبته من مرونة أحكام الشريعة وقيمها على مراعاة المصالح في العاجل والآجل؛ ما يجعلها خالدة وصالحة لكل زمان ومكان وقد عرف بفقيه الوسطية.
ولا تنقضي تعليلاته الجزئية وربطها بالمقاصد الكلية، وكذا حرصه على تقديم المرجعية العليا للقرآن والسنة واضعا الضوابط والمحاذير التي يجب أن تراعى عند الفهم والتفسير، حيث وضع المقاصد معيارا لبيان كيفية التعامل مع النصوص؛ وقد بدت في مصنفه «كيف نتعامل مع القرآن العظيم» موجهة وراسمة، وضابطة لمنهج التعامل والفهم كما أكده في قوله: «إن لهذا القرآن مقاصد وأهدافا يسعى إليها ويحرص عليها في تصحيح العقائد والتصورات عن الألوهية والنبوة والجزاء، وتصحح التصور عن الإنسان وكرامته ورعايته حقوقه...»([48]).
جعل الشيخ القرضاوي المقاصد معالم هادية وضوابط لتصحيح الفهم وتوجيه الاجتهاد؛ لتأسيس فقه الإحياء بحسن التعامل مع كتاب الله فهما وتدبرا؛ من أجل رسالة العمران والاستخلاف لتحقيق الشهود الحضاري للأمة؛ فأكد أن من مقاصد القرآن معرفة مراد الله حيث قال: «ومن حق هذا القرآن أن نحسن التعامل معه حفظا واستظهارا، وتلاوة واستماعا، وتدبرا وتأملا، ونحسن التعامل معه فهما وتفسيرا، فليس هناك أفضل من أن نفهم عن الله مراده منا، وما نزل كتابه إلا لنتدبره ونفقه أسراره، ونستخرج لآلئه»([49]). وفهم مراد الله وفق القواعد والضوابط هو تحقيق لفقه الإحياء.
وكذا قوله في ذكر مقصد الشهود الحضاري للأمة: «ومن ذلك إنشاء الأمة الصالحة التي حملها أمانة الشهادة على البشرية والتي أخرجها لنفع الناس وهداية الناس»([50]).
ثم يقرر حقيقة مؤكدة أن «لا سبيل إلى إنقاذ الأمة من ضياعها وتخلفها وتمزقها إلا بالرجوع إلى هذا القرآن»([51]).
فلا يكاد القارئ يستجمع نظرية الشيخ القرضاوي في المقاصد ويستوعبها إلا بالاطلاع على معظم مؤلفاته وأعماله وفتاواه إن لم تكن كلها، ويجانب الصواب من يحصر إسهاماته في النظر المقاصدي في كتابه «دراسة في فقه مقاصد الشريعة»([52])، الذي كان تنزيلا وتوظيفًا لنظرية المقاصد بأبعادها في الاتجاهات المعاصرة، بين إفراط الباطنية والحداثيين وتفريط الغلاة أصحاب الظاهر، مع إبراز مرتكزات كل مدرسة، والتأصيل لمنهج المدرسة الوسطية التي تقوم على اعتبار المقاصد في الفهم والتنزيل، بوصل النصوص بواقع الحياة وواقع العصر بما يعالج مشكلات الأمة ويحفظ مستقبلها بتحقيق الشهود الحضاري لها([53]).
وهو المجال الذي رسمه الشاطبي في توظيف المقاصد ومدى اعتبارها من خلال الاتجاهات الثلاثة عند كلامه في مسألة طرق الكشف عن المقاصد([54])، وقد أبدع الشيخ القرضاوي في تقريب المعنى وتنزيله على اتجاهات الواقع المعاصر مع بيان سماته ومرتكزاته.
قد يتبادر إلى الذهن سؤال عن سبب تقسيم المرتكزات الخاصة بفقه الإحياء إلى مرتكزات أصلية ومرتكزات تبعية، وذلك لبيان أهمية المقصد من الوسيلة، وأهمية مرتكز فقه المقاصد من بقية المرتكزات؛ لأن الأخيرة خادمة له ووسيلة إليه، بل هي متضمنة فيه كما صرح الشيخ القرضاوي فهي: «داخلة في دلالته إن لم يكن بالمطابقة، فبدلالة التضمن والالتزام»([55]). وهذا تفصيل لها حسب الطّرح التالي:
1. مرتكز فقه السنن:
وتعني مراعاة السنن الكونية في الأنفس والاجتماع الخاصة بالتحولات الحضارية الكبرى. باعتبار الأسباب والغايات والأهداف التي تضبط إرادة الإنسان وسلوكه.
وقد وضع القرآن الكريم والسنة النبوية منهجا قويما لفهم هذه السنن الكونية وتفسير تحولات الأمم والمجتمع، بل حرصا على توجيه العقل المسلم لإدراك هذه السنن الكونية في الأنفس والاجتماع الضابطة لحركة الحياة والإنسان.
2. علاقة فقه إحياء الأمة بفقه السنن:
إن اعتبار فقه السنن باستيعاب القوانين الضابطة لحركات المجتمع في الرقي والتحضر، على غاية من الأهمية في تشكيل العقل المسلم، وإعادة بنائه وتفعيل حراكه الاجتماعي، هو عين إحياء الأمة وذلك بتأصيل الفكر الاستراتيجي الذي يهتم بالتخطيط والفكر قبل الفعل، وفحص المقدمات بدقة، قبل وضعها في الفعل ودراسة النتائج والتداعيات المترتبة على الفعل، كما يمكن العقل من امتلاك القدرة والمرونة الكاملة على متابعة العمل ومراجعة النتائج لاكتشاف مواطن الخلل، وعلاج مواطن القصور، وذلك بتدريب العقل المسلم على «إدراك الكليات الإسلامية وتمييز الثوابت عن المتغيرات وإدراك المقاصد وتحديد الغايات»([56]).
ففقه السنن يصحح مسار الأمة بالوعي بحقيقة مشكلاتها، وينقل العقل المسلم إلى الحركية الفاعلة لتحقيق الشهود الحضاري.
وقد عرض الشيخ القرضاوي فقه السنن في مجال التغيير وسماه «فقه التغيير»([57])، باعتباره أحد مرتكزات السياسة الشرعية الذي يستوعب الحياة الإنسانية كلها، وهو مجال رحب لتطبيق الفقه المقاصدي فيعتبر بذلك مجالا لفقه الإحياء، وفي هذا المعنى يقول الشيخ القرضاوي: «فقه السياسة الشرعية هو أحد جوانب فقهنا الإسلامي الرحب الذي يستوعب الحياة الإنسانية كلها، فهو يشمل علاقة الإنسان بربه فيما نسميه (فقه العبادات)، ويشمل علاقة الإنسان بحياته الخاصة، فيما يضمه (فقه الحلال والحرام) ويشمل علاقة الفرد بأسرته من الزواج والطلاق، والوصايا والمواريث ونحوها مما يطلق عليه علماء القانون اسم (الأحوال الشخصية)، ويشمل علاقة الفرد في معاملاته ومبادلاته المختلفة فيما ينظمه في عصرنا (القانون المدني) و(التجاري)، ويشمل كذلك علاقة الفرد بالدولة... وهو ما ينظمه في عصرنا (الفقه الدستوري)»([58]).
ثم ذكر الأسس والمرتكزات التي يقوم عليها فقه السياسة الشرعية وهي: فقه المقاصد... وفقه الواقع...، وفقه الموازنات... وفقه الأولويات... وفقه التغيير([59]).
ويعني بفقه التغيير هنا فقه الإصلاح بقواعده السُننية التي يجب أن تراعي في تغيير الأنفس؛ بتغيير المعتقدات والمفاهيم والأفكار الأساسية، عن الإنسان والحياة والمجتمع وفق سنة التدرج([60]).
1. مرتكز فقه الأولويات:
عنون الشيخ القرضاوي أول فصل من كتابه «فقه الأولويات» الذي خصصه لمعالجة الخلل الوارد في اضطراب الموازين وتقدير الأمور، بعنوان ربطه بالأمة في قوله: «حاجة أمتنا إلى فقه الأولويات»([61]).
وقدم له بقوله: «فهذه الدراسة التي أقدمها اليوم تتحدث عن موضوع أعتبره غاية في الأهمية»، معللا وجه الأهمية بإبراز مضمونه في معالجة قضية اختلال النسب واضطراب موازين التقدير، وقد سماه من قبل بـ«فقه مراتب الأعمال»([62]) ثم عدل عن تلك التسمية إلى التسمية الجديدة بعد نضج الفكرة في ذهنه إذ بدت له أوسع من «فقه مراتب الأعمال»، فقال: «واخترت له اليوم ومنذ سنوات مصطلح فقه الأولويات لأنه أشمل وأوسع وأدل على المقصود»([63]) وجعل معيار التمييز والتقدير والتقديم والتأخير ما جاء به الشرع وما قامت عليه الأدلة([64])، وكان الغرض من تصنيفه لهذا الفقه وتأصيله لهذا النوع من فقه الأولويات هو: «تقويم الفكر وتسديد المنهج... حتى يهتدي به العاملون في الساحة الإسلامية والمنظرون لهم...»([65])، وهذا كله للحد من الغلو، وما يقابله من الإفراط لتقريب وجهات النظر للعاملين في الحقل الإسلامي، وقد حرص على ربط هذا النوع من الفقه بالأمة([66]) ثم سار مؤسسا لهذا الفقه ومؤصلا له في نصوص الكتاب والسنة وعمل الصحابة الكرام، ومشخصا حال الأمة في عنوان «اختلال ميزان الأولويات في الأمة في جميع جوانب الحياة» في قوله: «من نظر إلى حياتنا في جوانبها المختلفة – مادية كانت أو معنوية، فكرية أو اجتماعية اقتصادية أو سياسية أو غيرها – وجد ميزان الأولويات مختلا فيها كل الاختلال»([67]).
ثم مضى يقدم الأمثلة من واقع الأمة لتقريب المفهوم للأذهان والإقناع بخلاصة العلاج وهذه إحدى خصائص منهج الشيخ العلامة القرضاوي في تشخيص الأزمة وعلاجها بالانطلاق من واقع الأمة لتغيير الإدراك وتقويم السلوك مع تبسيط المفاهيم الإسلامية مما يسهل للأمة التعامل مع نصوص القرآن بلغة العصر وواقعها، مشيرًا إلى بعض صور الاختلال منها:
- الاختلال في التوسع في العبادات الفردية وترك العبادات الجماعية في قوله: «واهتموا بالعبادات الفردية كالصلاة والذكر، أكثر من اهتمامهم بالعبادات الجماعية التي يتعدى نفعها، كالجهاد والفقه والإصلاح بين الناس، والتعاون على البر والتقوى والتواصي بالصبر والمرحمة والدعوة إلى العدل والشورى، ورعاية حقوق الإنسان عامة والإنسان الضعيف خاصة»([68]).
- الاختلال الواقع في الاستغراق في الاهتمام بالفروع والجزئيات وترك الأصول والكليات، والتوسع في الخلافيات وترك «القضايا المصيرية الكبيرة التي تتعلق بوجود الأمة ومصيرها وبقائها على الخريطة»([69])، مثل «ضياع الشورى، والعدالة الاجتماعية وغياب الحرية وحقوق الشعوب وكرامة الإنسان»([70]) وغيرها.
قال: «هذا الخلل الكبير الذي أصاب أمتنا اليوم في معايير أولوياتها حتى أصبحت تصغر الكبير وتكبر الصغير وتعظم الهين وتهون الخطير وتؤخر الأول وتقدم الأخير، وتهمل الفرض، وتحرص على النفل، وتكترث للصغائر وتستهين بالكبائر، وتعترك من أجل المختلف فيه وتصمت عن تضييع المتفق عليه، كل هذا يجعل الأمة اليوم في أمس الحاجة بل في أشد الضرورة إلى فقه الأولويات»([71]).
2. علاقة فقه الإحياء بفقه الأولويات:
تتحدد علاقة فقه الإحياء بفقه الأولويات من خلال أمرين:
الأمر الأول: علاقة فقه الأولويات بأنواع الفقه الأخرى
وقد حدد الشيخ العلامة القرضاوي علاقة فقه الأولويات بفقه الموازنات الذي يقوم على: الموازنات بين المصالح بعضها مع بعض – والموازنة بين المفاسد بعضها مع بعض – والموازنة بين المصالح والمفاسد عند تعارضها مع بعض، فيقدم الأولى فالأولى، في كل نوع من أنواع الموازنات مع اعتبار معاييرها الأصلية والثانوية[72]، ففقه الأولويات هو ثمرة لفقه الموازنات.
ثم حدد علاقة فقه الأولويات بفقه المقاصد: الذي يقوم على أساس تعليل أحكام الشريعة بمراعاتها لمصالح العباد في العاجل والآجل، معتبرا إدراك مقصود الشرع من التكليف من حسن الفقه الذي يجب تحقيقه، وتفادي ما لا يتوافق مع مقاصد الشريعة وأهدافها من التشديد، وكذا التفريق بين المقاصد الثابتة والوسائل المتغيرة([73])، تحقيقا لفقه الإحياء.
أما علاقته بفقه النصوص فتظهر في علاقة النصوص الجزئية بالنصوص الكلية، حيث ترد الجزئيات إلى كلياتها، والفروع إلى أصولها([74]).
ومن هذه العلاقة ينشأ التمييز بين القطعي والظني من النصوص، وبين المحكم والمتشابه، ومن ذلك أيضا أولوية الكيف على الكم، فالعبرة بالنوعية والكيف، لا بالكثرة والضخامة([75]).
الأمر الثاني: مجالات تفعيل فقه الأولويات
وتظهر علاقة فقه الأولويات بفقه الإحياء، من خلال المجالات التي يستوعبها ويضبطها بقواعده، ومن أهمها([76]):
فقه الأولويات في مجال الفكر والعلم: وأهم ما في هذا المجال أولوية الاجتهاد على التقليد وما يقتضي من أولوية العلم على العمل، لأن العلم دليل العمل ومرشده، وأولوية الفهم على مجرد الحفظ، وأولوية المقاصد على الظواهر وما يقتضي من تطبيق قواعد الموازنة في الفهم والتطبيق العملي بين الآراء الفقهية، وتقديم القطعي على الظني، والمحكم على المتشابه، فالاجتهاد باب التجديد والإحياء.
فقه الأولويات في مجال الفتوى والدعوة: الذي يقوم على أولوية التخفيف والتيسير على التشديد، ومراعاة الضرورات الطارئة وتقدير المصلحة فيها، وما يقتضي أيضا تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان والأشخاص، واعتبار واقع الناس المتغير وتطور أحوالهم وظروفهم، مما يجعل الفقه حيا لاستيعاب كل المستجدات.
ومن ذلك اعتبار الأولويات في العمل فيقدم العمل الدائم على المنقطع، بتطبيق معايير الموازنة من الدوام والاستمرار، كما يقدم اعتبار الفعل واستيعابه وطول أثره وسعة ثمرته، فيختلف المقدار باختلاف الزمان والمكان والحال.
ومن ذلك أيضًا، الأولويات في مجال المأمورات والمنهيات، فتقدم فيه الأصول على الفروع، والفرائض على السنن، وفروض العين على فروض الكفاية، وأولوية حق العباد على حق الله المجرد والجماعة على الفرد، وأولوية الولاء للأمة والجماعة على القبيلة والفرد.
فقه الأولويات في مجال الإصلاح: وذلك بالعناية ببناء الفرد، قبل بناء المجتمع، والاهتمام بتغيير الأنفس قبل تغيير الأنظمة والمؤسسات ([77]).
حرص الشيخ القرضاوي على السعي لإحياء الأمة من جديد والسير بها قدما لإثباتها في الواقع المعاصر من خلال طرائق الاجتهاد ووسائل التجديد ويمكن حصرها في المجالات التالية([78]):
- المجال الأول: مجال تثبيت العقيدة والإيمان، وذلك بغرس العقيدة الصحيحة في قلب المسلم، لتصحيح نظرته إلى العالم والحياة حتى يدرك رسالته نحو أمته، وكان بناء العقيدة في نفوس المسلمين الركيزة الأساسية التي يقوم عليها مقصد إحياء الأمة لأنها الأصل الذي ينطلق منه أي إصلاح.
- المجال الثاني: مجال حفظ كيان الأمة بإقامة سياستها ومراعاة ما يتوافق مع وسائل الواقع المعاصر.
- المجال الثالث: مجال حفظ عقل الأمة بالدعوة للاجتهاد والتجديد وحفظ الطاقات الشبابية.
- المجال الرابع: الاهتمام بمجال الأموال وسعيه للإجابة عن وسائل تحقيق الأمن الاقتصادي للأمة، فقد أقام الدلائل على توجيه المعاملات المالية ومن أهم مصنفاته فقه الزكاة الذي كان له فيه اجتهاد واضح في مجال الاستثمار والتنمية.
اعتنى الإمام القرضاوي بهذا الجانب وأولاه اهتمامًا بالغًا، في مسيرته العلمية والعملية والدعوية، خطابا وممارسة في الواقع؛ حيث سعى بكل الوسائل المشروعة والداعية لإقامة ذلك المعنى إلى علاج مشكلات الأمة بعد تشخيصها في تساؤلاته المعرفية «أين الخلل؟» الذي غيب مفهوم الأمة في تصورات المسلمين وفي واقعهم، وقد اكتسبت أعماله المقدمة في تشخيص أسباب الغياب للإجابة عن موطن الخلل ذيوعا وانتشارا واسعين في زمن الصحوة المباركة، واستمرت إلى أن وافاه الأجل وهو يحمل هم الإحياء والتجديد. ومن الوسائل التي اعتمدها في مشروعه الإحيائي ما يلي([79]):
· سعة مساحة مرجعية نصوص القرآن والسنة في الاجتهادات وتأسيسه لأعماله فيها، ويتمثل في فقه النصوص، لذلك لم يبق فقهه فكرة منحصرة في جزئي المسائل وفرعيها، وإنما كان فقهه فقها مؤسسا من خلال المرجعية العليا في نصوص القرآن والسنة، والبحث عن حل مستجدات الواقع المعاصر في دعوته للاجتهاد والتجديد بوضع الضوابط الشرعية فيها وربط اجتهاده بفقه الواقع وتنزيل الأحكام على واقعها كما في كتابه الاجتهاد المعاصر، الذي ضمنه نظرته للاجتهاد في واقعنا الحاضر ومدى ضرورته لإحياء الأمة، وكذا أنواعه وصوره، ليقرر أن المنهج الاجتهادي الذي يؤمن به هو المنهج الوسط للأمة الوسط، بكل أنواعه، ودرجاته كليا وجزئيا متى صدر من أهله وفي محله مع الضوابط الشرعية المعتبرة دون إفراط أو تفريط([80])، أو غلو أو تطرف، محذرا من مغبة التطرف في التعامل مع أحكام الشريعة، وتأثيره السيء على المسار الحضاري للأمة لما فيه «من تعطيل مسيرة المجتمع في التعمير، بل قد تصيب الآثار الدين نفسه، وذلك حينما تُرى هذه التصرفات مجترحة باسم الدين، فيقع في كثير من النفوس أن دينا هذه حقيقته ليس جديرا بأن يكون دينا يُتبع، فيَتشكك فيه المتشككون، ويرفضه الرافضون وتنكفئ الدعوة إليه في انتكاس عظيم»([81])، ومنعًا لانتكاسة الأمة في مسيرتها الدعوية قدم قراءة علاجية لأسباب التطرف في كتابه «الصحوة الإسلامية بين الجحود والتطرف».
فاتسعت دائرة فقهه لتشمل مجالات الحياة من سياسة شرعية وقضايا التجديد في واقع المسلمين، فتجد أغلب مصنفاته واجتهاداته صدرت بلفظ الفقه على ما في معناه من معاني الإدراك والوعي والمعرفة والفهم وقد يؤصل لفقه الإحياء في واقع الأمة من خلال كتابات الشيخ كما ورد في عناوين كتبه وخلاصاتها:
· التجديد ورفض الجمود والتقليد.
· الوسطية.
· الوعي بالسنن الكونية.
· مراعاة مبادئ السياسة الشرعية للأمة (مبدأ الشورى) وقيام الأمة على مراعاة المبادئ الإسلامية في نظام الحكم.
وفي ختام هذه الدراسة التي حاولت الإجابة عن الإشكالية يمكن تثبيت النتائج التالية، وفق نسق التساؤلات المطروحة وتقسيمها إلى نوعين من النتائج: نتائج عامة، ونتائج خاصة، مع بعض التوصيات التي يراها البحث جديرة بالذكر والاهتمام.
أولًا: نتائج عامة، تتعلق ببناء مفهوم فقه الإحياء وتأسيسه، وضبط درجته في السلم المقصدي وعرضها على النحو التالي:
· إن فقه الإحياء هو مشروع بعث روح الأمة، والنهوض بها؛ لتحقيق الشهود الحضاري؛ بإعادة بعث روح نصوص الشريعة وأحكامها في واقع الناس، وإزالة المسخ والتشويه الذي طال تنزيل أحكامها في ذلك الواقع.
· فقه الإحياء معنى مؤسس، في نصوص القرآن والسنة، فهو من مقاصد النبوة في الدعوة إلى تقبل رسالة الإسلام، المتمثلة ابتداء في إحياء النفوس، بالاستجابة لدعوة الخير، والكمال والشكر على نعمة الهداية والتحرر من براثن الشرك.
· فقه الإحياء معنى مرعي ومعتبر في الشريعة فهو يرتقي إلى أن يكون مقصدًا عامًا ضروريًا وقطعيًا.
- فهو مقصد عام؛ لأنه يراعي كل التصرفات في جميع أبواب التشريع؛ بما يحصل المصالح العامة للأمة على تنوعها، مع ما تميزت به أحكام الشريعة من خصائص، وأوصاف عامة استأثرت بها.
- وهو مقصد ضروري؛ لأنه لا بد منه؛ لتحقيق الشهود الحضاري للأمة، فإذا اختل اختلت أحوالها.
- وهو مقصد قطعي لتضافر الأدلة، من نصوص الكتاب والسنة وعمل الصحابة على قيام معناه لارتباطه برسالة الإسلام وديمومته في الحياة الدنيا، وارتباط جزاء الآخرة به.
ثانيًا: نتائج خاصة، تتعلق بإسهام الشيخ القرضاوي في فقه الإحياء ومرتكزاته، وبيانها فيما يلي:
· توسع الشيخ القرضاوي في وصف معالم فقه الإحياء، ومجالاته التي يستوعبها بشحذ همة الأمة للنهوض بها وتحقيق شهودها الحضاري، وقد اهتم بهذا المقصد اهتماما بالغا في مسيرته العلمية والعملية والدعوية خطابا وممارسة في الواقع.
· إن أول مسلك يمكن أن تثبت به مقصد إحياء الأمة عند الشيخ القرضاوي هو استقراء أعماله في تحقيق هذا المعنى في مشروعه الإصلاحي، حيث وضع المقاصد كمعالم هادية وضوابط؛ لتصحيح الفهم وتوجيه الاجتهاد، بحسن التعامل مع كتاب الله فهما وتدبرا؛ لتحقيق رسالة العمران، والدعوة للتجديد والوعي بالسنن الكونية ورفض الجمود والتقليد.
· اعتمد الشيخ القرضاوي على مجموعة من المرتكزات التي يقوم عليها فقه إحياء الأمة، من خلال اعتنائه بفقه المقاصد، وفقه الوسائل الاجتهادية، لمعالجة قضايا الأمة بتصحيح مسارها، والوعي بحقيقة مشكلاتها، ونقل العقل المسلم إلى الحركية الفاعلة، والسير بها قدما لإثباتها في الواقع المعاصر من خلال طرائق الاجتهاد ووسائل التجديد ويمكن حصرها في المجالات التالية:
- المجال الأول: مجال تثبيت اعقيدة الإيمان: وكانت هذه الركيزة الأساسية التي يقوم عليها مقصد إحياء الأمة.
- المجال الثاني: مجال حفظ كيان الأمة بإقامة سياستها ومراعاة ما يتوافق مع وسائل الواقع المعاصر
- المجال الثالث: مجال حفظ عقل الأمة بالدعوة للاجتهاد والتجديد وحفظ الطاقات الشبابية.
- المجال الرابع: الاهتمام بمجال الأموال وسعيه للإجابة على وسائل تحقيق الأمن الاقتصادي.
ثالثًا: توصيات الدراسة
بعد أن أبرزت هذه الدراسة المكانة العلمية للشيخ القرضاوي (رحمه الله) من خلال إسهاماته التجديدية في مشروعه الدعوي لإحياء المفهوم الصحيح للأمة المسلمة باستشعار قضاياها في العملية الاجتهادية ودعوته لفقه الإحياء والتجديد والترشيد، وإثبات وجودها حقيقة وتاريخا بكل مقوماتها مما يستدعي الاهتمام الواسع بثروته العلمية التي جمع فيها بين الأصالة والمعاصرة، والحرص على إتمام مشروعه وجني ثماره العملية في واقع الأمة المعاصر؛ فهذه بعض التوصيات التي يرى البحث أنها جديرة بالتثبيت وهي على النحو التالي:
- إحياء فكر الشيخ القرضاوي بدراسته في ندوات أو مؤتمرات علمية متخصصة ودورية بنظرة فاحصة في كتب الشيخ وفق وحدة موضوعية ونقدية.
- إعادة قراءة تراثه الفكري، لاستخلاص أفكار عملية قابلة للتطبيق للنهوض بالأمة في واقعنا المعاصر.
- الاهتمام بتدريس شخصية الشيخ القرضاوي باعتباره من دعاة العصر وأئمة التجديد لمفهوم الدين عقيدة وشريعة وأخلاقًا.
أولًا: العربية
ابن الحجاج، مسلم. صحيح مسلم. اعتناء محمد عبد العظيم. دار التقوى للتوزيع والنشر، [د.ت].
ابن عاشور، محمد الطاهر. التحرير والتنوير التحرير – تحرير المعنى السديد، وتنوير العقل الجديد، من تفسير الكتاب المجيد. تونس: الدار التونسية للنشر، الجزائر: المؤسسة الوطنية للكتاب، 1984م
ابن عبد السلام، عز الدين. قواعد الأحكام في مصالح الأنام. تحقيق: طه سعد. القاهرة: مكتبة الكليات 24 الأزهرية، 1414هـ/1991م.
ابن قيم الجوزية، أبو عبد الله محمد. إعلام الموقعين عن رب العالمين. تحقيق: مجموعة من الأساتذة. بيروت: دار ابن حزم، ط2، 1440هـ/2019م.
ابن منظور، جمال الدين. لسان العرب. بيروت: دار صادر، ط1، [د.ت].
الأصفهاني، الراغب. مفردات غريب القرآن الكريم. تحقيق: مركز الدراسات والبحوث. مكة المكرمة: مكتبة مصطفى الباز، [د.ت].
البخاري، محمد بن إسماعيل. صحيح البخاري. المنصورة: دار ابن رجب، ط1، 1425هـ/2004م.
حسنة، عمر عبيد. مقالات في التفكير المقصدي: رؤية في إطار معرفة الوحي. بيروت: المكتب الإسلامي، ط1، 1420هـ/ 1999م.
الرازي، فخر الدين. التفسير الكبير مفاتيح الغيب، بيروت: ط.1، 1401هـ/1981م.
الريسوني، أحمد. نظرية التقريب والتغليب. المنصورة: دار الكلمة للنشر والتوزيع، ط1، 2010م/1431هـ.
الشوكاني، محمد علي. نيل الأوطار من أسرار منتقى الأخبار. تحقيق: مجموعة من الأساتذة. بيروت: دار الكلم الطيب، ط1، 1430هـ/2009م.
طاش، كبرى زادة أحمد بن مصطفى. مفتاح السعادة ومصباح السيادة في موضوعات العلوم. بيروت: دار ابن حزم، ط1، 1431هـ/2001م.
الفيروز آبادي، مجد الدين محمد بن يعقوب. القاموس المحيط. اعتناء خليل مأمون شيحا. بيروت: دار المعرفة، ط5، 1432هـ/2011م.
الفيومي، أحمد. المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، تحقيق: عبد العظيم الشناوي. القاهرة: دار المعارف، ط2، [د.ت].
القرضاوي، يوسف. الاجتهاد المعاصر بين الانضباط والانفراط. بيروت: المكتب الإسلامي، ط2، 1418هـ/1998م.
–––. الخصائص العامة للإسلام. بيروت: مؤسسة الرسالة، 1404هـ/1983م.
–––. السنة مصدرا للحضارة للمعرفة والحضارة. القاهرة: دار الشروق، ط3، 1423هـ/2002م.
–––. السياسة الشرعية في ضوء نصوص الشريعة ومقاصدها. القاهرة: مكتبة وهبة، ط1، 1419هـ.
–––. المرجعية العليا في الإسلام للقرآن والسنة. القاهرة: مكتبة وهبة، ط2، 1422هـ/2001م.
–––. دراسة في فقه مقاصد الشريعة بين المقاصد الكلية والنصوص الجزئية. القاهرة: دار الشروق، ط1، 1421هـ/2000م.
–––. في فقه الأولويات – دراسة جديدة في ضوء القرآن والسنة. بيروت: مؤسسة الرسالة، ط1، 1421هـ/2000م.
–––. كيف نتعامل مع السنة معالم وضوابط. فرجينبا: المعهد العالمي للفكر الإسلامي والمنصورة: دار الوفاء للطباعة والنشر، ط5، 1423هـ/1992م.
–––. كيف نتعامل مع القرآن العظيم. القاهرة: دار الشروق، 1421هـ/2000م.
–––. نفحات ولفحات. القاهرة: دار التوزيع والنشر الإسلامية، ط1، 1422هـ/2001م.
قوفي، حميد. «الضوابط الشرعية في فقه إحياء السنة النبوية – قراءة منهجية». مجلة الذخيرة للبحوث والدراسات الإسلامية، جامعة غرداية، مج4، ع2 (ديسمبر 2020).
النجار، عبد المجيد.«دور التربية الفكرية في مواجهة التطرف الديني». مجلة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة قطر، مج37، ع1، (1444هـ/2019م).
النووي، محي الدين يحي. شرح صحيح مسلم. اعتناء محمد عبد العظيم. دار التقوى للتوزيع والنشر، [د.ت].
ثانيًا:
References:
Al Nadjar, abdulmajid. "The Role of Ideological Pedagogy in Counteracting Religious Extremism". (in Arabic). Journal of college of Sharia and Islamic Studies, Qatar University, Vol. 37, issue 1 (2019).
Al Raysūnī, Aḥmad. Naẓarīyat al-Taqrīb wa-al-taghlīb. (in Arabic). Al-Manṣūrah: Dār al-Kalimah lil-Nashr wa-al-Tawzi’, 1st ed., 2010.
Al-Aṣfahānī, Alrāghib., mufradāt Gharīb al-Qurʼān al-Karīm. (in Arabic). Mecca: Markaz al-Dirāsāt wa-Al-Buḥūth., Maktabat Muṣṭafá al-Bāz:, [d.ṭ].
Al-Bukhārī, Muḥammad ibn Ismāʻīl., Ṣaḥīḥ al-Bukhārī. (in Arabic). Al-Manṣūrah: Dār Ibn Rajab, 1st ed., 2004.
Al-Fayrūz, Ābādī Majd al-Dīn Muḥammad ibn Yaʻqūb. Muʻjam al-Qāmūs al-muḥīt. (in Arabic). ed. Khalīl Maʼmūn Shīḥa. Beirut: Dār al-Maʻrifah, 5th ed., 2011.
Al-Fayyūmī, Aḥmad. al-Miṣbāḥ al-munīr fī Gharīb al-sharḥ al-kabīr. (in Arabic). ed. ʻAbd al-ʻAẓīm al-Shinnāwi. Cairo: Dār al-Maʻārif, 2nd ed., [d.t].
Al-Nawawī, Muḥyī al-Dīn Yaḥya. sharḥ Ṣaḥīḥ Muslim. (in Arabic). ed. Muḥammad ʻAbd al-ʻAẓīm. Dār al-Taqwá lil-Tawzīʻ wa-al-Nashr, [n.d].
Al-Qaraḍāwī, Yūsuf. al-Ijtihād al-muʻāṣir bayna alʼnḍbāṭ wa alʼnfrāṭ. (in Arabic). Beirut: al-Maktab al-Islāmi, 2nd ed., 1998.
–––. al-Khaṣāʼiṣ al-ʻĀmmah lil-Islām. (in Arabic). Beirut: Muʼassasat al-Risālah,1983
–––. al-marjiʻīyah al-ʻUlyā fī al-Islām lil-Qurʼān wa-al-sunnah. (in Arabic). Cairo: Maktabat Wahbah, 2nd ed., 2001.
–––. al-siyāsah al-sharʻīyah fī ḍawʼ nuṣūṣ al-sharīʻah wa-maqāṣidihā. (in Arabic). Cairo: Maktabat Wahbah,1419H.
–––. al-Sunnah maṣdaran lil-ḥaḍārah lil-maʻrifah wa-al-ḥaḍārah. (in Arabic). Cairo: Dār al-Shurūq, 3rd ed., 2002.
–––. dirāsah fī fiqh Maqāṣid al-sharīʻah bayna al-maqāṣid al-Kullīyah wa-al-nuṣūṣ al-juzʼīyah. (in Arabic). Cairo: Dār al-Shurūq, 1st ed., 2000.
–––. fī fiqh al-awlawīyāt -dirāsah jadīdah fī ḍawʼ al-Qurʼān wa-al-sunnah. (in Arabic). Beirut: Muʼassasat al-Risālah, 1st ed., 2000.
–––. Kayfa nataʻāmalu maʻa al-Qurʼān al-ʻAẓīm. (in Arabic). Cairo: Dār a Shurūq, 2000.
–––. Kayfa nataʻāmalu maʻa al-Sunnah Maʻālim wa-ḍawābiṭ. (in Arabic). Virginia: Al-Maʻhad al-ʻĀlamī lil-Fikr al-Islāmī, āl-Manṣoura: Dār al-Wafāʼ lil-Ṭibāʻah wa-al-Nashr, 5th ed., 1992.
–––. Nafaḥāt wa lfḥāt, (in Arabic). Cairo, Miṣr: Dār al-Tawzīʻ wa al-Nashr al-Islāmīyah, 1st ed., 1422h / 2001.
Al-Rāzī, Fakhr al-Dīn. al-tafsīr al-kabīr Mafātīḥ al-ghayb. (in Arabic). Beirut: 1st ed., 1981.College
Al-Shawkānī, Muḥammad ʻAli. Nayl al-awṭār min Asrār Muntaqá al-akhbār. (in Arabic). tahqiq: Majmo’ah min al-asātidhah. Beirut: Dār al-Kalim al-Ṭayyib, 1st ed., 2009.
Ḥasanah, ʻUmar ʻUbayd, maqālāt fī al-tafkīr almqṣdy ruʼyah fī iṭār maʻrifat al-waḥy. (in Arabic). Beirut: al-Maktab al-Islāmi, 1st ed., 1999.
Ibn ʻAbd al-Salām, ʻIzz al-Dīn. Qawāʻid al-aḥkām fī maṣāliḥ al-anām. (in Arabic). Trans. Ṭāhā Saʻd. Cairo: Maktabat al-Kullīyāt alʼz hryh,1991.
Ibn al-Ḥajjāj, Muslim, Ṣaḥīḥ Muslim. (in Arabic). ed. ʼMuḥammad ʻAbd al-ʻAẓīm.Dār al-Taqwá lltzwyʻ wa-l-Nashr, [n.d].
Ibn ʻĀshūr, Muḥammad al-Ṭāhir. al-Taḥrīr wa-al-tanwīr- al-Taḥrīr-tḥryr al-maʻná al-sadīd, wa-tanwīr al-ʻaql al-jadīd, min tafsīr al-Kitāb almjyd. (in Arabic). Tunis: al-Dār al-Tūnisīyah lil-Nashr, Algeira: al-muʼassasah al-Waṭanīyah lil-Kitāb, 1984.
Ibn manẓūr, Jamāl al-Dīn. Lisān al-ʻArab. (in Arabic). Beirut: Dār Ṣādir, [n.d].
Ibn Qayyim, al-Jawzīyah Abū ʻAbd Allāh Muḥammad. Iʻlām al-muwaqqiʻīn ʻan Rabb al-ʻālamīn. (in Arabic). ed. Majmūʻah min al-asātidhah. Beirut: Dār Ibn Ḥazm, 2019.
Qūfy, Ḥamīd. "al-ḍawābiṭ al-sharʻīyah fī fiqh Iḥyāʼ al-Sunnah al-Nabawīyah – qirāʼah manhajīyah". (in Arabic). Majallat al-Dhakhīrah lil-Buḥūth wa-al-Dirāsāt al-Islāmīyah, Jāmiʻat Ghardāyah, Vol. 4, No. 2 (December 2020).
Ṭāsh, kubrá Zādah Aḥmad ibn Muṣṭafa. Miftāḥ al-Saʻādah wa-miṣbāḥ al-siyādah. (in Arabic). Beirut: 1st ed., 2001.
([1]) يوسف، القرضاوي. نفحات ولفحات (القاهرة: دار التوزيع والنشر الإسلامية، ، ط1، 1422هـ/2001م)، ص65.
([3]) الراغب الأصفهاني، مفردات غريب القرآن الكريم، تحقيق مركز الدراسات والبحوث (مكة المكرمة: مكتبة نزار مصطفى الباز، [د ت])، ج1، ص496.
([4]) ينظر: أحمد بن مصطفى طاش كبرى زادة، مفتاح السعادة ومصباح السيادة في موضوعات العلوم (بيروت: دار ابن حزم، ط1، 1431هـ/2001م)، ص415.
([5]) ينظر: مجد الدين محمد الفيروز آبادي، القاموس المحيط، اعتناء خليل مأمون شيحا (بيروت: دار المعرفة، ط5، 1432هـ/2011م)، ص1007؛ أحمد الفيومي، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، تحقيق عبد العظيم الشناوي (القاهرة: دار المعارف، ط2، [د. ت ])، ص160-161.
([6]) محمد الطاهر ابن عاشور، التحرير والتنوير - تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد (تونس: الدار التونسية للنشر، والجزائر: المؤسسة الوطنية للكتاب، 1984م)، ج8، ص45-46.
([9]) حميد قوفي، «الضوابط الشرعية في فقه إحياء السنة النبوية - قراءة منهجية»، مجلة الذخيرة للبحوث والدراسات الإسلامية، جامعة غرداية، مج4، ع2 (2020)، ص2.
([15]) القرضاوي، السياسة الشرعية في ضوء نصوص الشريعة ومقاصدها (القاهرة: مكتبة وهبة، ط1، 1419هـ/1998)، ص320.
([17]) انظر: فخر الدين الرازي، التفسير الكبير مفاتيح الغيب (بيروت: ط1، 1401هـ/1981م)، ج15، ص151-152.
([24]) أخرجه البخاري، صحيح البخاري (المنصورة: دار ابن رجب، ط1، 1425هـ/2004م)، كتاب الأدب، باب من بسط له الرزق بصلة الرحم، ص1235، رقم: 5985.
([26]) محيي الدين يحيي النووي، شرح صحيح مسلم، اعتناء محمد عبد العظيم (دار التقوى للتوزيع والنشر، [د.ت])، ج10، ص1912.
([27]) أخرجه الترمذي. محمد بن عيسى، سنن الترمذي، تحقيق: بشار عواد معروف (دار الغرب الإسلامي، ط1، 1996)، باب ما ذكر في إحياء أرض الموات، ج3، ص55، رقم: 1379.
([28]) قال الشوكاني: «وظاهر الأحاديث المذكورة أنه يجوز الإحياء سواء كان بإذن الإمام، أو بغير إذنه، وقال أبو حنيفة، لا بد من إذن الإمام، وعن مالك يحتاج إلى إذن الإمام فيما قرب مما لأهل القرية إليه حاجة من مرعى ونحوه». محمد علي الشوكاني، نيل الأوطار من أسرار منتقى الأخبار، تحقيق: مجموعة من الأساتذة (بيروت: دار الكلم الطيب، ط1، 1430هـ/2009م)، ج3، ص754.
([31]) أخرجه مسلم، صحيح مسلم بشرح النووي، كتاب المساقاة، باب فضل الغرس والزرع، ج10، ص1911، رقم: 1553.
([33]) محمد الطاهر بن عاشور، مقاصد الشريعة الإسلامية (القاهرة: دار السلام، وتونس: دار سحنون، ط2، 1428هـ/2007م)، ص76-77.
([35]) عز الدين بن عبد السلام، قواعد الأحكام في مصالح الأنام، تعليق طه سعد (القاهرة: مكتبة الكليات الأزهرية، 1414هـ/1991م)، ج2، ص143.
([41]) يوسف القرضاوي، دراسة في فقه مقاصد الشريعة بين المقاصد الكلية والنصوص الجزئية (القاهرة: دار الشروق، ط1، 1427هـ/ 2006م)، ص14.
([45]) أبو عبد الله محمد ابن قيم الجوزية، إعلام الموقعين عن رب العالمين، تحقيق مجموعة من الأساتذة (بيروت: دار ابن حزم، ط2، 1440هـ/2019م)، ج3، ص59.
([47]) كما عرفها ابن عاشور بقوله: «مقاصد التشريع العامة: هي المعاني والحكم الملحوظة للشارع في جميع أحوال التشريع، أو معظمها... فتدخل في هذا أوصاف الشريعة وغاياتها العامة والمعاني التي لا يخلو التشريع من ملاحظتها». مقاصد الشريعة الإسلامية، ص49.
([52]) وعنوانه الكامل: دراسة في فقه مقاصد الشريعة بين المقاصد الكلية والنصوص الجزئية (القاهرة: دار الشروق، ط1، 1427هـ/2006م).
([54]) أبو إسحاق الشاطبي، الموافقات، تحقيق: عبد الله دراز (بيروت: دار الكتب العلمية، ط3، 1442هـ/2003م)، ص296-297.
([60]) والملاحظة التي يجب تثبيتها هنا أن الشيخ القرضاوي تكلم عن فقه التغيير كمرتكز من مرتكزات فقه السياسة الشرعية وذكر من قواعد فقه التغيير بقوله: «في فقه التغيير نحتاج إلى فقه رشيد، يتجسد في فقه الموازنات، وفقه الأولويات، وفقه المقاصد وفقه الواقع، حتى نحسن سياسة التغيير لأوضاعنا وأنظمتنا الحالية إلى أوضاع وأنظمة إسلامية»، انظر كتابه: السياسة الشرعية في ضوء نصوص الشريعة ومقاصدها، ص324، ثم بعدها ذكر القواعد التي يجب أن تراعى عند التغيير وهي قاعدة الضرورات، وقاعدة ارتكاب أخف الضررين، ومراعاة سنة التدرج، انظر: ص324-328، والذي يبدو لي والله أعلم أن فقه السنن (سنن الأنفس والمجتمع) هو فقه التغيير نفسه كما ذكره في كتابه فقه المقاصد، وتوضيحا لذلك ختامه للكلام حول سنة التدرج التي قال عنها: «ونعني بها (تحديد الأهداف) بدقة وبصيرة، و(تحديد الوسائل) الموصلة إليها بعلم وتخطيط دقيق، وتحديد المراحل اللازمة للوصول إلى الأهداف، بوعي وصدق، بحيث تلم كل مرحلة إلى ما بعدها بالتخطيط والتنظيم والتصميم، حتى تصل المسيرة إلى المرحلة المنشودة والأخيرة التي فيها قيام الإسلام...كل الإسلام». انظر: السياسة الشرعية في ضوء نصوص الشريعة ومقاصدها، ص328.
([61]) القرضاوي، في فقه الأولويات - دراسة جديدة في ضوء القرآن والسنة (بيروت: مؤسسة الرسالة، 2000م)، ص7
([72]) انظر: الريسوني أحمد، نظرية التقريب والتغليب (المنصورة: دار الكلمة للنشر والتوزيع، ط1، 2010م/)، ص356.