فقه التنزيل عند القرضاوي: قراءة تحليليّة للمنطلق والمنهج

أسماء النوري

باحثة بجامعة الزيتونة-تونس

nouriasma987@outlook.fr

تاريخ الاستلام: 16/10/2023            تاريخ التحكيم: 21/01/2024             تاريخ القبول: 06/05/2024

ملخص البحث

أهداف البحث: يهدف البحث إلى بيان حضور فقه التنزيل في معالجة قضيّة تطبيق الشّريعة، الّتي تمثّل إحدى القضايا المركزيّة في الدّراسات المعاصرة. وهو ما يستدعي طرح مسألة المنهج في تعامل المعاصرين مع مباحث الاجتهاد، ولعلّ أبرزهم القرضاوي الّذي يختصّ طرحه المعرفي والفقهي بمعالجة شاملة لمسألة المرجعيّة الإسلاميّة، وسبل تطبيق كليّاتها وجزئيّات أحكامها من خلال مسلكَي الترشيد والتجديد في مستوى التّعامل مع النّصوص فقها وتنزيلا.

وحيث يدلّ ذلك على فقه التنزيل تضمّنا، فإنّ محاور هذه الورقة البحثيّة تدور حول حضور هذا الضرب الاجتهادي في رؤية القرضاوي للاجتهاد المعاصر.

منهج الدراسة: يقوم البحث على المنهج الاستقرائي من حيث تتبّع النّصوص ذات الصّلة بالموضوع في الجانب النّظري والتطبيقي. إضافة إلى الاعتماد على المنهج التحليلي للوقوف على المضامين المعرفيّة للمسائل المدروسة.

النتائج: خلص البحث إلى التأكيد على أصالة فقه التنزيل وحضوره المركزي في صياغة القرضاوي لرؤيته للاجتهاد المعاصر. كما بيّن معالم التجديد والترشيد في تنزيل نصوص الأحكام، الّذي يقوم على الربط بين كلّيات الإسلام وجزئيّاته، مقاصده ومعانيه، مراتبه وأولويّاته.

أصالة البحث: تكمن أصالة البحث في تعلّقه المباشر بطرح القرضاوي الشّامل للمرجعيّة الإسلاميّة في الواقع المعاصر، وفي كونه أوّل بحث تناول المباحثة النظريّة والتطبيقيّة لمسائله مع الالتزام بأدوات البحث العلمي الرصين.

الكلمات المفتاحيّة: فقه التنزيل، القرضاوي، المنطلق، المنهج، التجديد

للاقتباس: النوري، أسماء. «فقه التنزيل عند القرضاوي: قراءة تحليليّة للمنطلق والمنهج»، مجلة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة قطر، المجلد 43، العدد 1 (2025)، عدد خاص بمؤتمر «قراءات في قضايا التجديد والترشيد في فكر الشيخ يوسف القرضاوي».

https://doi.org/10.29117/jcsis.2025.0403

 ©2025، النوري، أسماء. مجلة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، دار نشر جامعة قطر. نّشرت هذه المقالة البحثية وفقًا لشروط Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0). تسمح هذه الرخصة بالاستخدام غير التجاري، وينبغي نسبة العمل إلى صاحبه، مع بيان أي تعديلات عليه. كما تتيح حرية نسخ، وتوزيع، ونقل العمل بأي شكل من الأشكال، أو بأية وسيلة، ومزجه وتحويله والبناء عليه، طالما يُنسب العمل الأصلي إلى المؤلف. https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0


 

Applied Fiqh in al-Qaraḍāwī’s Thought: An Analytical Study of its Foundations and Methodology

Asma Nouri

Researcher at the University of Ez-Zitouna –Tunisia

nouriasma987@outlook.fr

Received: 16/10/2023                     Peer-reviewed: 21/01/2024                           Accepted: 06/05/2024

Abstract

Objective: This article aims to highlight the role of the method of applied fiqh (fiqh al-tanzīl) in addressing the issue of implementing Islamic law, which stands as one of the central issues in contemporary studies. This involves examining the methodology adopted by modern scholars when engaging with questions of ijtihād (independent legal reasoning), with a particular focus on al-Qaraḍāwī. His approach warrants examination due to his comprehensive perspective on Islamic referentiality in all areas of life and his methods for applying both the general and specific rulings of Islamic jurisprudence through guidance and renewal in the engagement with texts both as jurisprudence and in practical application. Since this demonstrates an implicit understanding of fiqh al-tanzil, this paper’s key themes revolve around the presence of this type of ijtihad in al-Qaraḍāwī’s view of contemporary juristic reasoning.

Methodology: The study employs an inductive approach, tracing texts related to the topic in their theoretical and practical aspects. Additionally, it relies on an analytical approach to uncover the knowledge content of the issues under investigation.

Results: The collected data establishes the originality and centrality of fiqh al-tanzil in shaping al-Qaraḍāwī’s vision of contemporary ijtihād. It also highlights the features of renewal and guidance in applying the legal texts based on linking the universals and particulars of Islam, its objectives and meanings, and its hierarchical priorities.

Originality: This study’s originality lies in its direct engagement with al-Qaraḍāwī’s comprehensive approach to Islamic referentiality in contemporary life. It is also the first study to address both the theoretical and practical discussions of these issues using rigorous academic research tools.

Keywords: Methods of Applied Fiqh; al-Qaraḍāwī; Foundations; Methodology; Renewal

 

Cite this article as: Nouri, A. “Applied Fiqh in al-Qaraḍāwī’s Thought: An Analytical Study of its Foundations and Methodology”, Journal of College of Sharia and Islamic Studies, Qatar University, Vol. 43, Issue 1 (2025), Special Issue on “Reflections on Renewal and Moderation in the Thought of Sheikh Yūsuf al-Qaraḍāwī”.

https://doi.org/10.29117/jcsis.2025.0403

© 2025, Nouri, A. Published in Journal of College of Sharia and Islamic Studies. Published by QU Press. This article is published under the terms of the Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0), which permits non-commercial use of the material, appropriate credit, and indication if changes in the material were made. You can copy and redistribute the material in any medium or format as well as remix, trans.form, and build upon the material, provided the original work is properly cited. The full terms of this licence may be seen at: https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0

 


 

مقدمة

يمثّل العمل الاجتهادي في الدراسات الإسلاميّة بوصلة الوصل بين النصّ في مستواه التجريديّ والواقع في مجاله العملي والتطبيقي.

وبين هذا وذاك تحضر مسألة التديّن بصفتها صياغة التفاعل الإنساني مع التعاليم الدّينيّة اعتقادا وسلوكا، وهو ما يستلزم فقها لعمليّة تصيير تلك النّصوص والأحكام واقعا عمليّا في المجال الحيّ، لعلّ واجهته فقه التنزيل.

يؤول بنا الدور الوظيفي الّذي يضطلع به فقه التنزيل في الواقع التشريعي إلى ضرورة البحث في الأسّ والمنهج لتحديد المقاربة الإسلاميّة في معالجة القضايا المعاصرة بما يمكّن المجتهد من تحقيق مقاصد الشرع.

وهو ما يتعضّد بالبحث في جهود المعاصرين لتجلية أبعاد هذا الضرب الاجتهادي في تحقيق قوامة النصّ على الواقع المتغيّر دون أن يؤول إلى خلاف مقصود الشّارع.

فلئن ساغ الحديث عن مدوّنة اجتهادية معاصرة، فإنّ لكتابات القرضاوي حضورا قويّا في تحديد معالم المقاربة المعرفيّة لقضايا العصر نظريّا وتطبيقيّا، حيث تمكن ملامسة أبعاد فقه التنزيل في طرحه الفقهي المعاصر.

وتتجلّى أهميّة الموضوع من خلال التأكيد على الحضور المنهجي لمسألة تطبيق الشّريعة في الرؤية الحضاريّة للإسلام في الواقع الإنساني بما يحيلنا إلى البحث عن فقه التنزيل، لا في حدود نتاج القرضاوي الفقهي فحسب، وإنّما في أغوار طرحه الإصلاحي ونزعته التجديدية للاجتهاد المعاصر.

إزاء هذا السّياق الفكري، نجد أنفسنا أمام طرح إشكاليّة مفادها: كيف يحضر فقه التنزيل في رؤية القرضاوي للاجتهاد المعاصر؟ وما هو منهجه في مسألة تنزيل نصوص الأحكام في ضوء دعوته للتجديد؟

حيث يرنو البحث إلى مقاربة علاجية تهدف إلى:

-     تسليط الضوء على حضور فقه التنزيل في الطرح المعاصر للاجتهاد من خلال كتابات القرضاوي.

-     بيان الأصول النظريّة الّتي تأسّست من خلالها مناولة قضيّة تطبيق نصوص الأحكام.

-     التنبيه على علاقة فقه التنزيل بمباحث الاجتهاد ضمن دعوة القرضاوي للتجديد.

وهو ما دعانا إلى اتباع المنهجين الاستقرائي والتحليلي قصد تتبّع النّصوص ذات الصّلة بالموضوع، مع تحليل مضامينها وبيان صلتها بالمبحوث تقعيدا وتطبيقا.

لذلك ارتأينا توزيع مادة البحث على ثلاثة مباحث، أوّلها فقه التنزيل: دراسة لأبعاد المصطلح، تليها المنطلقات التأسيسيّة لفقه التنزيل في ضوء المبادئ الكليّة للشريعة الإسلاميّة، والمبحث الثالث خصّصناه لجدليّة الأصالة والمعاصرة وأثرها في رسم المنهج الاجتهادي لفقه تنزيل نصوص الأحكام: قضايا ونماذج.

وفي الختام نخلص إلى ذكر أهمّ نتائج البحث مع تذييله بثبت للمصادر والمراجع.

المبحث الأول: فقه التنزيل دراسة لأبعاد المصطلح

كما هو مقرّر من أنّ الحكم على الشيء فرع عن تصوّره، فإنّ ذلك يستوجب في مستهل كلّ محاولة بحثيّة كشف الحمولة المعرفيّة للمصطلح من خلال بيان دلالته اللّغويّة والاصطلاحيّة.

وهو ما يدعونا إلى تناول مفردة البحث حال التركيب أوّلا، وحال اعتباره لقبا ثانيا، حتّى نتمكّن من استيضاح المفهوم وما يصدق عليه من أفراد المسائل.

المطلب الأول: فقه التنزيل حال التركيب

إنّ التركيب اللّفظي لفقه التنزيل يحيلنا إلى الحقل اللّغوي لجزأي «الفقه» و«التنزيل»، وبالنّظر للأوّل في رحاب اللّغة فإنّه يستعمل للدلالة على:

-      العلم بالشيء.

-      الفهم: «يقال أوتي فلانا فقها في الدّين أي فهما فيه»([1])، ومما يدلّ عليه دعاء النبيّr لعبد الله بن عبّاس بقوله: «اللهمّ فقهه في الدّين»([2]).

-      الفطنة([3]).

أمّا لفظ التنزيل فمعانيه اللّغويّة كثيرة على غرار دلالته على معنى:

-      الحلول([4]).

-      التمهّل ومنها «تنزّل نزل في مهلة»([5]).

-      التدريج([6]).

-      الترتيب([7]).

-      وقوع الشيء وهبوطه([8]).

المطلب الثاني: فقه التنزيل باعتباره لقبًا

يحيلنا البحث عن فقه التنزيل في مدلوله اللّقبي من حيث التركيب الإجمالي للّفظ إلى النّظر في المدوّنة الفقهيّة والإسلاميّة عموما للوقوف على استعماله بإزاء معنى يكشف بنيته المفهوميّة والوظيفيّة في الحقل الدلالي.

وبالنّظر إلى جهود المتقدّمين، لا نكاد نجد تأصيلا مفاهيميّا لمصطلح فقه التنزيل؛ لكنّ ذلك لا يُلغي حضوره من حيث المضمون والممارسة التطبيقيّة. لعلّنا ندركه من خلال المنافذ المعرفيّة الّتي يفصح عن مداخلها التّراث الفقهي والعلمي للحضارة الإسلاميّة، فابن القيّم مثلا يؤصّل لأنواع الفهم المؤديّة للحقّ في العلم والفتوى من خلال ازدواجيّة الفهوم الرّابطة بين فهم الواقع في سياقاته، وفهم حكم الله فيه لذلك كان «العالم من يتوصل بمعرفة الواقع والتفقّه فيه إلى معرفة حكم الله ورسوله»([9]).

وبوصلة السّالك لهذا الضرب من الفهم هي فقه التنزيل لأنّه يصبو إلى تحقيق مناط الأحكام وإصابة التنزيل في المحلّ، فإنّ الاجتهاد كما هو في الاستنباط وفق الآليات المعتبرة، فإنّه كذلك اجتهاد في التنزيل وفق المسالك الإجرائيّة المساهمة في تحقيق مقاصد الشرع.

لذلك عدّ الشاطبيّ الاجتهاد المتعلق بتحقيق المناط، من قبيل الاجتهاد الّذي لا ينقطع إلّا بانقطاع أصل التكليف ومعناه «أن يثبت الحكم بمدركه الشرعي لكن يبقى النّظر في تعيين محلّه...»([10]).

تؤول بنا هذه الإشارات النظريّة إلى التأكيد على أصالة المفهوم في الطرح الأصولي والفقهي، لكنّها لا تنفي حقيقة عدم التواطؤ على معنى اصطلاحي لفقه التنزيل، وإن كان الاصطلاح لا يلغي الاستعمال والعمل؛ إذ لا تلازم بينهما.

إلاّ أن ذلك بدأ يتلاشى شيئا فشيئا مع الدّراسات المعاصرة في محاولات لإنضاج المصطلح وصياغة المفهوم على اختلاف المقاربات، فقد عرّفه عبد المجيد النجّار بأنّه: «صيرورة الحقيقة الدّينيّة الّتي وقع تمثّلها في مرحلة الفهم إلى نمط عملي تجري عليه حياة الإنسان في الواقع عقيدة موجهة لجميع مناشط الإنسان في وحدة وتناسق، وسلوكا فرديّا واجتماعيّا ينبثق من تلك العقيدة ليوجه حياة الإنسان في جميع شعبها وجهة تكون فيها جارية وفق حقيقة الدين وهدايته»([11]).

وركّز في موضع آخر على البعد الغائي من فقه التنزيل في محاولة للتعريف به ألا وهي «جعل المراد الإلهي الّذي حصلت صورته في الذهن قيّما على أفعال النّاس الواقعة بحيث تصبح جارية على مقتضاه في الأمر والنهي»([12]).

كما يحسن في هذا المقام ذكر بعض التعريفات، على غرار اعتبار فقه التنزيل «الفهم العميق لكيفيّة تطبيق الأحكام الشرعيّة بما يحقّق مقصود الشارع»([13]).

ويمكن ردّ اختلاف المعاصرين في صياغة المفهوم إلى التّغاير في جهة التعريف، على غرار التعريف بالثمرة السّالف ذكره، أو توخّي الإسهاب والتطويل، فلا يقف الباحث عند مقوّمات المفهوم. غاية الأمر الكشف عن بعض ملامحه إمّا بالتركيز على غاياته ووظيفته، أو التركيز عن خاصّته وهو ملمح الإجراء والتطبيق.

إذ لا يمكن أن نغفل عن ضرورة كنه المعرّف من خلاله مقوّماته المعرفيّة لأهميّتها ودورها في البيان والشرح والتمييز، خاصّة في ظلّ تداخل بعض المصطلحات باعتبار وحدة مرجع النّظر الفقهي والأصولي.

هذا من حيث الدّراسات المعاصرة الّتي عُنيت بدراسة ومباحثة مسائل فقه التنزيل، فهل يمكن أن نلمس بعض الملامح النّظريّة لهذا المصطلح في كتابات القرضاوي؟

قد تسعفنا في ذلك بعض الإشارات النّظريّة في مباحث الاجتهاد، وشروط المجتهد الّتي تقارب ما أسلفنا إيراده من التعريفات وذلك بقوله: «والمجتهد الحقّ هو الّذي ينظر إلى النّصوص بعين وينظر إلى الواقع والعصر بعين أخرى حتى يوائم بين الواجب والواقع ويعطي لكلّ واقعة حكمها المناسب لمكانها وزمانها وحالها»([14]).

حيث يعتبر حقيقة الاجتهاد في عمليّة التوأمة بين النصّ والواقع في سياقاته المتغيّرة، وهو في هذا المنحى يقرّر ما اعتبره ابن القيّم من فهم الواجب في الواقع، والّذي بدوره يؤسّس لحضور فقه التنزيل في العمل الاجتهادي.

لذلك نخلص إلى حقيقة فقه التنزيل، وهو العلم بالحكم حال التعيين ومنهج إيقاعه وفق مقاصد الشرع في الحال والمآل.

كما يمكن أن نقف من خلال هذا التعريف على حقيقة المعرّف من حيث جهة نظره الّتي تستوعب جميع الأحكام حال التعيين، أي بالنّظر في الإضافات والتّوابع، وهذا النّظر يقوم على خلفيّة علميّة منضبطة بقواعد الفهم والاستنباط.

ثمّ يؤول إلى منهج تطبيقيّ وفق مسالك إجرائيّة تقوم على تحقيق مقاصد الشّرع ومراعاة المآل، وبذلك يتمكّن الحكم من التصيير واقعا عمليّا في مجرى الحياة، وهو ما يختصّ به هذا الضرب الاجتهاديّ، لذلك يحيلنا معنى الإيقاع على الوقوع والحلول أصالة وعلى معنى الترتيب والتدريج تبعا.

المطلب الثالث: علاقته بالمصطلحات في بابه

إنّ أكثر ما يزيد المصطلح إيضاحا وبيانا إبراز علاقته بالمصطلحات المنتمية للمشترك المعرفي للمفردة.

وما يمكن أن يتبادر إلى لذهن أوّل وهلة فقه النصّ أو الاستنباط لعلاقة فقه التنزيل بقضايا تنزيل نصوص الأحكام على الواقع الّذي يوجّه نظرنا تبعا إلى ضرب من الفقه وهو فقه الواقع.

وحول حمى النصّ وضرورة فهم الواقع يخصّص العقل الفقهي ضروبًا من الاجتهاد تتمايز بينها من حيث متعلّقاتها من المسائل المنضوية تحتها.

فإن كان فقه الاستنباط هو «استخراج المعاني من النّصوص بفرط الذهن وقوّة القريحة»([15])، فإنّ مداره على استخراج الحكم من موارده بعد استصحاب الأدلّة والنّظر الفقهي لتتجلّى بذلك مناطات الأحكام.

أمّا فقه الواقع كما عرّفه القرضاوي فإنّه يُعنى بـ «معرفة الواقع معرفة صحيحة دقيقة معرفته على ما هو عليه»([16])، وبذلك تتجلّى مفارقته للأوّل في اختصاصه بدراسة محالّ الأحكام في الخارج على ماهي عليه في سياقاتها المختلفة.

لذلك كان لهذا التغاير مسوّغ لظهور ضروب أخرى في الحقل الفقهي على غرار فقه الأقليّات والنّوازل والتوقّع وغيرها ممّا يطول تفصيله في هذه الورقة.

من هذا المنطلق نؤثر التركيز على حضور فقه التنزيل في صياغة القرضاوي لـ «فقه جديد» منطلقه ملكة الاجتهاد، القائمة على شعب كثيرة من النّظر الفقهي على غرار فقه المقاصد وفقه المآلات وفقه الموازنات وفقه السنن وفقه الأولويات وفقه الاختلاف([17]).

أو ما اصطلح عليه بالفقه الحضاري([18]) الّذي يصبو إلى عمق الشّريعة وأسرارها، تتشعّب معالمه لفنون الاجتهاد في محاولة لصياغة مقاربة معرفيّة شاملة لنصوص الأحكام وروح الشريعة في انسجام مع منظور الإسلام للكون والحياة.

كيف يحضر فقه التنزيل في رؤية القرضاوي للفقه الحضاري الّذي تتداخل فيه صنوف الاجتهاد؟

هنا يتجلّى مضمون فقه التنزيل من حيث الحضور المنهجي والإجرائي لمخرجات الفقه الحضاري، بمعنى تداخل الأخير في مرحلة الفهم المراد تصييرها تبعا واقعا عمليّا، واستقلاله في الجانب الإجرائي لأحكام الدّين.

يمكن أن نخلص حينئذ إلى متانة العلاقة بين الأخيرين ودلالة أحدهما على الآخر إما بدلالة التضمّن أو الالتزام.

وعليه، يمكن أن نحدّد دائرة النّظر الفقهي من حيث مشمولاته وآلية العمل من خلال ملكة الاجتهاد والّتي بدورها تنعكس على مجالي المقاصد والمآلات. إذ اعتمد القرضاوي في مباحثه الاجتهاديّة على بيان معالم النّظر الفقهي الّذي يقوم على تحديد مفهوم الشريعة، وبالتالي مدار مقاصدها ثمّ مجال الاجتهاد المترتّب عن الأوّل مدادا وامتدادا.

فعلى الاختلاف في تعيين المراد من الشّريعة بين الدّين كلّه وما يتفرّع عنه من مجال الاعتقاد والعبادات والأخلاق والمعاملات أو الجانب التشريعي العملي، رجّح القرضاوي المعنى الأوّل على أن تُعنى مقاصد الشريعة بمقاصد الإسلام كلّها([19]).

وبهذا التصوّر يتّضح ضبط مجال الاجتهاد، أي المجتهد فيه بـ«كلّ مسألة شرعيّة ليس فيها دليل قطعي الثّبوت، سواء كانت من المسائل الأصليّة الاعتقاديّة، أم من المسائل الفرعيّة العمليّة»([20]).

المبحث الثاني: المنطلقات التأسيسيّة لفقه التنزيل في ضوء المبادئ الكليّة للشريعة الإسلاميّة

المطلب الأول: صلاحيّة الشّريعة لكلّ زمان ومكان

إنّ مقتضى ختم النبوّة وكمال الدّين وتتميم الشرائع بشريعة الإسلام الّذي نص عليه قوله تعالى: ﴿ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰمَ دِينٗاۚ [المائدة: 3]، صلاحيّتها للتشريع بمعنى قابليّة أحكامها لتقويم الانفعال الإنساني في جميع مجالات الحياة، فما يتّصف به الواقع من ملامح التغيّر والتعقيد أحيانا خاضع لقوامة النصّ على أن يتقوّم بحكمه ومقصده باعتباره حاضنا لمقتضيات الدّين.

فعلى القول بجدليّة النصّ والواقع فإنّ مسألة الصلاحيّة تطرح في إطار استشكالي مفاده التأصيل المعرفي لسؤال

المرجعيّة، وهو سؤال جوهري خاض فيه القرضاوي في نتاجه الفقهي بل والفكري في مخاض دقيق مع كنه عوالم الواقع وأساسا عالم الأفكار.

وإذا عُنينا بالمنطلق التأسيسي لفقه التنزيل، فإنّ مبدأ الصّلاحيّة يشرّع لحضوره المعرفي والمنهجي في قضايا تنزيل النصوص، بل ويُعنى بما يجب ومالا يجب أن يكون عليه المسار التطبيقي للدّين.

لذلك قامت المقاربة على ضبط مرحلتين أساسيتين هما مرحلة الفهم ومرحلة التطبيق([21])، لأنّ عمليّة التقنين للفعل الإنساني تمرّ بهما وأي إخلال يضرّ بالنتاج العملي، وعليه كيف السبيل لاستثمار هذه الخصوصيّة في التصيير الواقعي لحقائق الدّين في ظلّ مدوّنة علميّة وقواعد كليّة قادرة على استيعاب الحضور الإنساني وشواهد تاريخيّة تفنّد عدم نجاح التطبيق الواقعي للنظام الإسلامي؟([22]).

قد نظفر بمعالجة شافية عند تحديد أطر التعامل مع النصّ وما يدور حول حمى النصّ ثمّ بيان الموقف من الواقع، في إطار العقليّة الإسلاميّة الّتي تخوض مخاض تطبيق الشّريعة في معناها الشمولي للدّين كلّه([23]).

ومقدّمة ذلك تهيئة القدرة النظريّة للواقع المعاصر من خلال ملكة الاجتهاد، الّذي يكفل استيعاب الشريعة لجميع متطلبّات النوع الإنساني في سياق واقعي سريع التطوّر والتغيير، على ذلك يُطرح فقه التنزيل في مسار العمل الاجتهادي ليجيب ويعالج بل ويفعّل تلك المنظومة النظريّة في مجرى الحياة لنؤسّس الواقع من خصوصيّتنا الذاتيّة وهويّتنا الحضاريّة في إطار مرجعية الإسلام.

وهنا يجانب المنهج الاختزالي في طرح فقه التنزيل، فلا الإسلام يُختزل في الحدود ولا هو عبادات دون معاملات، ولا دين فرد دون جماعة.

فالإسلام شريعة تخاطب الفرد «المكلّف» ومجتمع «المكلّفين»([24])، لتقنّن الاجتماع البشري على منظومة مستوعبة لثنائية الحقوق والواجبات والعقيدة والعمل والعبادات والمعاملات...

لذلك كان تطبيق الشّريعة أحوج إلى «فقهاء يغوصون في أسرارها ويجتهدون في استنباط الأحكام من نصوصها وقواعدها»([25]).

من هذا المنطلق يتأسس فقه التنزيل ليحقّق للشّريعة ديمومتها ونفاذها في الواقع، عبر منظومة نظريّة وقواعد كليّة ومقاصد مرعيّة وكذاك مسالك إجرائيّة تمكّن ذاك النّتاج الفقهي من الإجراء والتفعيل.

وهي في مجموعها حاضرة في الرؤية الفقهيّة للقرضاوي، ولكنّها تتميّز بمزيّة الترشيد والتجديد في مستوى طرح مسألة الاجتهاد، الموقف من الواقع، والتعامل مع النصّ، أي النص والواقع والعقل.

هذه الثلاثيّة تؤصّل للمدّونة النظريّة المخاطبة بالتطبيق، وتؤول حال الانحراف عنها إلى إعاقة التنزيل وذلك بالارتهان للجمود وتعطيل الاجتهاد.

وإنّ السبيل القويم للتأكيد على قابليّة الشريعة للتطبيق وصلاحيتها للتشريع، تحقيق أحكامها الجزئيّة ومقاصدها الكليّة في الواقع المعاصر، بشكل يكون تابعا للشرع خاضعا له متقوّما بهديه متّبعا لنهجه بالغا أفقه لا العكس.

المطلب الثاني: مبدأ الوسطيّة

قد يبدو الحديث عن الوسطيّة من قبيل الشعارات الرّنانة عند التعرّض لخصائص الشّريعة الإسلاميّة، ولكنّها من حيث مضمونها مدار أسّ الاجتهاد وحول حماها يتمخّض نتاج المنهج المعرفي والسّلوكي لحقائق الإسلام.

وهو ما يفسّر حقيقة تبنّي القرضاوي للوسطيّة بصفتها بوابة الولوج للفقه الإسلامي فكرا وسلوكا وعليها ينبني منهج الفهم والتنزيل.

لكن ما الّذي يسعفنا عند تقرير مبدأ الوسطيّة ضمن المنهج التأسيسي لتطبيق حقائق الدّين؟، يمكن أن نقف على ذلك؛ بل ونقاربه عند تحديد المفهوم، وإن شئت قل الصياغة العلميّة للمفهوم، بحيث تتجلّى حقيقته وتتحدّد معالمه وتتعيّن شرائطه، حتّى إذا قلنا الوسطيّة تصوّر الذهن تلك الحقيقة على ماهي عليه بمجموع جهازها المعرفي، حتّى لا نتخبّط خبط عشواء في ضبابيّة المفاهيم، وإنّما نخوض غمار التنزيل بمقوّمات الوسطيّة وما ينشأ عنها من خصائص.

ومما يُحسب للقرضاوي ضبطه للمفاهيم الّتي يتبناها في منهجه الفقهي، لذلك كان من الموضوعيّة ردّ تلك المفاهيم إلى ما وضع لها من معنى منعا للالتباس أو التشويه بين دعاة الإفراط والتفريط.

فالوسطيّة كما عرّفها هي «التوسّط أو التعادل بين طرفين متقابلين أو متضادين، بحيث لا ينفرد أحدهما بالتأثير ويطرد الطرف المقابل، وبحيث لا يأخذ أحد الطرفين أكثر من حقّه ويطغى على مقابله ويحيف عليه»([26]).

ومثال الأطراف المتضادّة الربّانيّة والإنسانيّة، الروحيّة والماديّة، المثاليّة والواقعيّة، الفرديّة والجماعيّة([27]) وغيرها من المتقابلات على نحو لا يطغى طرف على طرف وإنّما لكلّ منهما وزنه بالقسط في الميزان الإسلامي.

وهو ما عدّه التعبير الأمثل عن حقيقة الإسلام لتحقّق الأمّة شهودها الحضاري والإنساني مصداقا لقوله تعالى: ﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَٰكُمۡ أُمَّةٗ وَسَطٗا لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيۡكُمۡ شَهِيدًا﴾ [البقرة: 143]؛ إذ القول بالوسطيّة ليس من الابتداع في شيء بالرجوع إلى المدوّنة الإسلاميّة والتطبيق النّبوي لنصوص الوحي واجتهاد الصّحابة والتّابعين ومن خلفهم من العلماء المهتدين([28])، فقد وافق الخلف السّلف في اتباع منهج التوسّط في الدّين اتّباعا للمنهج النبويّ القويم.

لذلك فإنّ الوسطيّة من خصائص الإسلام في منظومة العقائد والتشريع، في جانبي التعبّد والسّلوك([29])، وهي من مقاصده الكليّة الّتي ينبني عليها الفقه والتنزيل.

ولئن استسيغ القول بأصالة هذا المبدأ في تأصيل العمل الاجتهادي في جميع ضروبه، فإنّه المقوّم الأوّل للفكر الإسلامي بين فئة عبيد الجديد أو مخالفي التجديد، فلا الوسطيّة تساهل في الدّين ولا تبرير للواقع ولا ليٌّ لأعناق النّصوص([30]) ولا هي استغناء بالكليّ عن الجزئي ولا الجزئيّ عن الكليّ.

ويبقى المهم كما أشار القرضاوي: «أن نبقى على حسن فهم الوسطيّة، وأن نعمل على تطبيقها على أرض الواقع، حتّى يتلاقى العلم والعمل والفكر والسّلوك»([31]).

هذه الملاقاة هي البعد الغائي لفقه التنزيل، الّذي يروم التطبيق العملي لتلك الحقائق في حياة النّاس، والمرتهن لحسن الفهم وسلامة المنهج وإصابة التنزيل.

المطلب الثالث: مبدأ التيسير

 ينشأ عن الوسطيّة مبدأ التيسير، فلا معنى للتوسّط بين طرفي الإفراط والتفريط باتّباع الشدّة والمشّقّة، بل الأصول الكلّية للتشريع الإسلامي تقرّ أصالة منهج التيسير في تطبيق الدّين، والآيات القرآنيّة والأحاديث النبويّة كثيرة في تكريس هذا المعطى في تمثّل الإسلام وتعاليمه، من ذلك حديث أنس t أنّ النبيr قال: «يَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا، وَبَشِّرُوا، وَلاَ تُنَفِّرُوا»([32]).

وعلى هذا المسلك قرّر العلماء قواعد كليّة يرجع لها في الفهم والاستنباط، على غرار: المشقّة تجلب التيسير، وأنّ عموم البلوى من موجبات التخفيف وغيرها...

يحيلنا هذا المبدأ كغيره من المرتكزات التأسيسيّة لفقه التنزيل إلى ضرورة تجلية المفهوم سعيا لأن يصدق على أفراد المسائل دون تحريف وتبديل أو حمل المفهوم أكثر ممّا يحتمل، وهو ما يميّز الرؤية النظريّة للفقه عند القرضاوي.

لذلك أخرج المفهوم من ضبابيّة التصوّر ودفع عنه سوء التنزيل، حتّى لا يكون التيسير مظنّة للانفلات من الدّين ومطيّة لتحليل الحرام، أو ردّ المحكم متشابها والثابت متغيّرا، فأراد بالتيسير: «الّذي لا يصادم نصّا ثابتا محكما، ولا قاعدة شرعيّة قاطعة، بل يسير في ضوء النّصوص والقواعد والرّوح العامّة للإسلام»([33]).

ولئن كانت الفتوى من مناصب التنزيل، فقد سلك القرضاوي في منهجه الإفتاء بالأيسر اتّباعا للمنهج النبويّ الّذي ما خُيّر بين أمرين إلاّ اختار أيسرهما ما لم يكن إثما([34])

ومن خصوصية هذا المنهج الموازنة بين الأيسر والأحوط، إذ لا يعني ذلك إغفال الأحوط وإنّما يلتفت إلى مراتب النّاس مع الأعمال، فما يناسب أهل العزائم([35]) لا يناسب عموم النّاس خاصّة في سياق من العصرنة آل النّاس فيه إلى لين في الّدين، ونقص في اليقين وعموم البلوى بالمنكرات([36])..

من هذا المنطلق كان التيسير ألصق بفقه التنزيل لعلاقة الأخير بالمنهج التطبيقي لمقتضيات الدّين وهو ما يجعل النّاظر فيه يتّخذ التيسير معطى في الفهم ومسلكا للتفعيل، فبدونه يتخبّط المخاطب بالتشريع في الشدّة والحرج الّذين جاءت الشريعة لدفعهما ورفعهما وإقامة الوجود الإنساني على ما يصلح دينه ودنياه.

المطلب الرابع: المرونة في التشريع

إنّ النّاظر في دائرة الأحكام يلحظ بناءها على ثنائي الثّابت والمتغيّر، ولكلّ منهما خصوصيّته في إحكام النسيج التشريعي.

ومراعاة الشّريعة للمتغيّر دليل على صلاحيتها وديمومتها في تقويم الانفعال الإنساني، ومرونتها في ضبط دائرة التكليف بل وردّ التضادّ بين الدّين والدنيا لاختلافهما بالطبع.

فالدّين بمنظومته الشرعيّة ومقاصده الكليّة جاء ليراعي مصالح الإنسان في معاشه ومعاده، وعليه فإنّ لأصوله النّظريّة قابليّة للنّظر في المتغيّر باختلاف موجبه.

وهو ما تقرّر في المنهج الأصولي والفقهي عندما ضبط العلماء قاعدة تغيّر الفتوى بتغيّر المكان والزمان والحال والعرف([37]).

 والنّظر في المعطى الزّماني والمكاني والحالي والعرفي مهم باعتبار أثره في تغيّر الأفعال المتفرّعة عن الجنس الواحد، فهي من حيث الأصل متّفقة ولكن تغايرت بتأثير تلك الموجبات حال التعيين ممّا أوجب على الفقيه النّظر لها في ذاك المساق وهو في عرف الأصوليّين والفقهاء «تحقيق المناط».

لذلك عدّ تحقيق المناط أساس فقه التنزيل لملحظ التشخّص والتعيين في السّياقات المؤثّرة على المناط في الخارج، وهي مرحلة دقيقة لتهيئة الحكم للإيقاع والتطبيق لأنّ أيّ إخلال بها يؤول إلى خلاف المقصود.

وقد اعتبر القرضاوي قاعدة تغيّر الفتوى بتغيّر الأزمنة والأمكنة والأحوال والأعراف من عوامل السّعة والمرونة في الشّريعة الإسلاميّة([38])، الّتي يفسّرها المنهج النّبوي واجتهاد الصحابة والتّابعين في تطبيق الأحكام.

ثمّ عند التأمّل في موجبات التغيير، ارتأى القرضاوي إضافة موجبات ستّة إلى الأربعة المقرّرة وهي تغيّر المعلومات وتغيّر حاجات النّاس، تغيّر قدرات النّاس وإمكاناتهم، عموم البلوى، تغيّر الأوضاع الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسّياسيّة، تغير الرأي والفكر([39]).

ونظنّ أن ذلك توسّع منه في تقرير تلك الإضافة، لأنّ وجه الاختلاف عن الأربعة الأولى غير واضح خاصّة إذا كان تعيين أحدها مردّه استقلاله عن الآخر بوجه المغايرة.

ولمزيد الإيضاح، فإنّ تغيّر المعلومات وتغيّر حاجات النّاس، تغيّر قدرات النّاس وإمكاناتهم، عموم البلوى، تغيّر الأوضاع الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسّياسيّة مفرّع عن الأزمنة والأمكنة إذا رمنا بذلك مثلا تأثير سيكولوجيّة الزمن؛ أي دراسته دراسة علميّة شاملة تُعنى بتغيّر السلوك والذات الإنسانيّة في الحيّز الزمني الحاضن لها مع مختلف شبكاتها التفاعليّة في الخارج.

المبحث الثالث: جدليّة الأصالة والمعاصرة وأثرها في رسم المنهج الاجتهادي لفقه تنزيل النصوص قضايا ونماذج

المطلب الأول: كيفيّة التعامل مع نصوص السنّة وحضورها في صياغة المعرفة والحضارة

إن ما يدعونا إلى طرح مسألة التّعامل مع نصوص السنّة في إطار المنهج الاجتهادي لتطبيق نصوص الوحي اعتباران اثنان؛ الأوّل: طبيعة السنّة من حيث بيانها التفصيلي لأحكام القرآن وواقعها التطبيقي للدّين، والثّاني: من حيث ارتباطها بواقع المسلم المعاصر الّذي يشهد «أزمة فكر» نتاج مزالق الفقه ومآلاته في التمثّل، والّتي يمكن ردّ أغلبها لسوء فهم السنّة وتنزيلها، وبالتّالي فإنّ سؤال المنهج لصيق بملامح المقاربة المعرفيّة لكيفيّة التّعامل مع السنّة في ظلّ أصالة المرجعيّة وراهنية التطبيق.

لذلك ارتأينا الاهتمام بثلاث مسائل تكشف خصوصية رؤية القرضاوي للاجتهاد المعاصر من خلال مدوّنة السنّة.

أولًا: الدلالة، السّياق والمقصد

يمثّل طرح ثلاثيّة الدلالة والسّياق والمقصد تقنينا لمنهج فهم السنّة وسلامة الاستنباط منها وذلك لإحاطته بدراسة النصّ من خلال الحمولة اللّغويّة والمقاميّة من خلال سياقات وروده في إطار المقاصد الكليّة للتشريع.

فالتعرّض للدلالة اللغويّة مهمّ في بيان المقصود الشرعي وضبط الوصف الّذي علّق عليه الشارع الحكم، لذلك اعتبر ابن عاشور من مناحي فقه المجتهد بالشريعة: «فهم أقوالها واستفادة مدلولات تلك الأقوال بحسب الاستعمال اللّغوي وبحسب النّقل الشّرعي بالقواعد اللّفظيّة الّتي بها العمل الاستدلاليّ الفقهيّ وقد تكفّل بمعظمه علم أصول الفقه»([40]).

غاية ما يمكن التنبيه عليه في الحقل الدّلالي مسألة العرف الحادث في ضبط دلالة العرف أو المصطلح المتأخّر([41])، على غرار لفظ التصوير مثلا، فهل يمكن إلحاق التصوير الفوتوغرافي بالوصف الوارد في الحديث النبويّ الّذي توعّد المصوّرين بأشدّ العذاب، وبالتّالي هل يمكن أن يُنزّل منزلتهم فيحكم على هذا الفعل بالحرمة والوعيد؟

إذا تأملنا المقصود باللّفظ زمن التشريع وما علّق عليه الشّارع الحكم من الأوصاف بانت لنا المغايرة في المدلول، وهو ما يجب أن يلتفت إليه في الألفاظ المستحدثة حتى يسلم التكييف والتنزيل.

وفي المقابل كذلك فإنّ التوافق على مصطلح حادث يطابق الوضع الشرعيّ في المدلول لا يخرجه عن الحكم الشرعي، وهنا يكمن دور الفقيه في النّظر للأشباه والنّظائر.

أمّا النّظر للسّياق فالمقصود به الالتفات إلى ما يدور حول حمى النصّ من سياقات مؤثّرة في ضبط دلالة الحديث، فالارتهان للجهة اللّغويّة يعزل الخطاب عن بيئته الحاضنة لمعانيه ومقاصده.

وعليه كان تركيز القرضاوي على ضوابط فهم السنّة بارزا في صياغة منهج التّعامل مع نصوصها حيث يحضر السّياق

ضمن الأدوات المنهجيّة المعينة على سلامة الفهم، ابتداء من السياق الموضوعي الّذي يُقصد منه جمع الأحاديث الواردة في الموضوع الواحد([42])، وسياق الورود المفسّر للسبب والملابسات المقترنة بالحديث.

 غاية ما يحسن التنبيه عليه في مسألة السّياق، المعطى المقامي في تفسير التصرّفات النبويّة، بل وفي ضبط السنّة التشريعيّة وغير التشريعيّة، وخطورة هذا المنحى بين دعاة الإفراط والتفريط.

إذ لا يمكن إهمال مقامات التصرّف النّبوي في فهم نصوص السنّة، على أنّ مما يحسب للقرضاوي التركيز على مدار الاتّفاق ومآلات التطبيق.

فقد بيّن أنّ المتّفق عليه في أنّ غالب السنّة ممّا هو من قبيل التشريع، لأنّ الغالب عليه صفة التبليغ وأنّ من السنّة كذلك ما ليس للتشريع ولا يجب فيه اتّباع.

وإنّما أثر الخلاف في التطبيق وضبط كلا الدائرتين، خاصّة وأنّ من السنّة التشريعيّة ما ليست له صفة العموم والدوام ومظانها مقام الإمامة والقضاء([43])، وإن كان الخلاف في التطبيق على الجزئيّات يطلب مزيد تحقيق وتمحيص بين فريق قد يلزم من الدّين ما ليس بملزم أو يجعل الوقتيّ دائما ويتسنّن فيما لا تسنّن فيه، وبين فريق يريد أن يخلع عن السنّة رداء التشريع والإلزام.

ويحسن تتميم هذا المنهج في الفهم باعتبار جهة المقصد، على أن يتمّ ربط الجزئيّ بالكليّ من خلال فهم النصّ الجزئي ضمن مقاصد الشرع ومعانيه الكليّة، من ذلك مسألة سفر المرأة، فقد ورد النهي عن السفر دون محرم في حديث ابن عمر أنّ النبيّ r قال: «لاَ تُسَافِرِ المَرْأَةُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ»([44]).

فعلّة النّهي، مخافة الضرر الحاصل من سفر المرأة وحدها في زمن تندر فيه أسباب الأمن ومظاهر العمران، فلمّا تغيّر الواقع وسهل السفر وتيسّرت طرقه ووسائله وأمن الطريق، فهل يمكن أن يتغيّر الحكم من النهي إلى الإباحة لتحقّق مقصود النصّ، خاصّة وقد ورد في سياق المدح حديث مرفوع أن النبيّ r قال: «فَإِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ، لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الحِيرَةِ، حَتَّى تَطُوفَ بِالكَعْبَةِ لاَ تَخَافُ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ»([45]).

قد يسعفنا في ذلك ما جوّز به العلماء على اختلاف بينهم السفر دون محرم شريطة الرفقة المأمونة أو أمن الطريق كما ذهب إلى ذلك القرضاوي([46]) ليتحقّق بذلك مقصد النصّ في صيانة المرأة، ويسلم تنزيل الحكم على المحلّ وفق سياقاته المختلفة بما يحققّ له قوامته على الواقع المتغيّر، غاية الأمر ألاّ يستقلّ الجزئيّ عن الكليّ وألاّ يستغنى بالكلّيّ عن الجزئيّ.

وهو ملحظ دقيق في فقه النصّ وتطبيقه وردّ دعوى إهمال النصّ بضبط المنهج وإصابة التنزيل وفق المسالك الإجرائيّة

المعتبرة في الاجتهاد التنزيلي.

ثانيًا: المدرسة الوسطيّة وسؤال المنهج

سبق وأن وضحنا حضور مبدأ الوسطيّة ضمن المنطلقات التأسيسيّة لفقه التنزيل، وأثره في المنهج التطبيقي لتعاليم الدّين.

وقد أكّد القرضاوي في جلّ كتاباته تبنّيه للمنهج الوسطي بل وتأثيثه معرفيّا والمنافحة عن خصائصه والدّفاع عنه باعتباره المسلك الأوحد المعبّر عن حقيقة الإسلام.

ثمّ إنّ الحديث عن مدرسة وسطيّة يُخرج المفهوم من حدود التصوّر إلى مجال التفعيل، بل والتأسيس العلمي والعملي من خلال بيان المرتكزات والضوابط بشكل يوضح المسار الواقعي للحضور الإسلامي المعاصر.

غاية ما يمكن الالتفات إليه وجاهة التأسيس في مقابل مدرستي الإفراط والتفريط في سياق معاصر

متخبط بين المدرسة الحرفيّة أو الظاهريّة الجدد، والمدرسة التغريبيّة أو المعطّلة الجدد وموقف كلا المدرستين([47]) من السنّة النبويّة خاصّة وأنّها أكثر ما يقع فيه سوء الفهم والتنزيل.

وبالنّظر للمرتكزات الّتي بنى عليها القرضاوي معالم المدرسة الوسطيّة نلحظ تجانس المعطى الفقهي الاجتهادي والمعطى الفكري في صياغة فاعليّة الإسلام في الواقع المعاصر.

بمعنى أن ضبط منهج فقه السنّة الّذي يقوم على ربط الجزئيّات بالكليّات والنّظر في المقاصد والسّياقات، وتحقيق المصالح الّتي راعتها الشريعة في المعاش والمعاد، ووصل النّصوص بواقع الحياة([48])، بحيث لا ينعزل عن السّياق الفكري العام لمرجعيّة الإسلام في الواقع المعاصر.

وهو قوام الترشيد والتجديد في الرؤية الفقهيّة للقرضاوي الّذي يصل الاجتهاد بالفكر عبر شموليّة الإسلام، لذلك تأسّست المدرسة الوسطيّة من خلال «إيمانها بضرورة التجديد في الدّين والاجتهاد في الفقه والانفتاح في الفكر والإبداع في الحضارة والشموليّة في التنمية»([49]).

ثالثًا: مرجعيّة السنّة في صياغة الفقه الحضاري

إذا كانت غاية فقه التنزيل تصيير الحقائق الدّينيّة واقعا عمليّا، فإنّه بإزاء مقاصد الشرع وروح الإسلام يترجم الرّسالة الحضاريّة للدّين، وقيمه السّامية للإنسانية.

فعبر تلك المنافذ ينطلق القرضاوي في تأسيس معالم الفقه الحضاري في فهم دقيق للكون والحياة([50]) غاية الأمر أن تعود الأمّة لفاعليتها وتصنع واقعها من الدّاخل الإسلامي.

قد يبدو في بلورة القرضاوي للفقه الحضاري تداخل شعب الفقه والاجتهاد على غرار فقه السنن والآيات، وفقه المعرفة وفقه الواقع والمقاصد وغيرها، إلا أنّ ما يجمعها الثّمرة المرجوّة من نتاجها العلمي الرّامي لفقه عميق للإسلام من خلال القرآن الكريم والسنّة النبويّة.

إلاّ أنّ السنّة النبويّة بملمح التفصيل والبيان تعدو قبلة لتفريع مسائل الفقه الحضاري في جانبي التشريع والمعرفة، والعمل والسّلوك بناء على ألاّ خير في علم لم يثمر عملا.

فإن كان الفقه الحضاري يسمو بالعقل في مراتب المعرفة، فإنّ السّلوك الحضاري([51]) يرقى بالإنسان في كمالات القيم والأخلاق الّتي جسّدها التطبيق النبويّ في أكمل صفة وأتمّ مرتبة للتديّن الإنساني فكان ترجمانا عمليّا للقرآن.

هذه الأدوار المختلفة للسنّة النبويّة في جانبها التشريعي والمعرفي والمقاصدي تضبط المنهج التطبيقي لأحكام الدّين في مختلف نواحي الحياة، وتجيب عن مقولات العصر لا في منحى دفاعي وإنّما تأسيسي للفرد والمجتمع والإنسانيّة جمعاء لترقى بالجنس البشري من أدران الماديّة البحتة إلى الموازنة بين الماديّة والرّوحيّة والدنيويّة والأخرويّة والفرديّة والجماعية.

وبذلك تتجلّى أهميّة مدوّنة السنّة في معالجة قضايا تنزيل نصوص الأحكام من خلال بيان المنهج العملي والقيمي وفق المسالك السليمة للفقه والتنزيل.

المطلب الثاني: الموقف من التمذهب والتراث

يعتبر التمذهب والتّراث إحدى القضايا المركزيّة في صياغة الاجتهاد المعاصر في إطار جدليّة الأصالة والمعاصرة على نحو تتّضح فيه ملامح العلاقة بين الدعوة للتجديد والتراث الفقهي والإسلامي.

هذه الجدليّة على اختلاف منطلقاتها، لا يمكن فصلها عن الموروث الفقهي الهائل الممتدّ عبر قرون من الحضارة الإسلاميّة، ولكن تؤول إلى تحديد طبيعة العلاقة بالتّراث ومسوّغات التمذهب.

 والقرضاوي في تحديد مقاربته للاجتهاد لم يغفل عن هذا المعطى في سياق فكري دقيق في التّاريخ المعاصر، بل يمكن القول إنّ القارئ لكتاباته لا يمكن أن يعزلها عن مقولات الخطاب الإسلامي المعاصر لرواد النهضة والإصلاح.

لذلك كان الأنسب لفهم طرح القرضاوي لمسألة التّمذهب والتّراث تقسيمه وفق مرحليّة ما، تتميّز في كل قسم منها بخصوصيّة المعطى لكنّها تتكامل بينها في الصياغة العلميّة للمسألة بحيث لا يمكن عزل أحدها عن الآخر، ويمكن ردّها إلى:

أولًا: مرحلة التأصيل

نقصد بالتأصيل تحديد الموقف، وتكمن أهميّة هذه المرحلة في ضبط دائرة النّظر والعمل بين مختلف التيارات الفكريّة، الّتي لخّصها القرضاوي بين دعاة الإفراط والتفريط في التعامل مع التراث والتمذهب، بين من يضفي على التراث صفة القدسيّة فيجعله فوق النقد وبين من يهدم ويلغي المخزون التراثي الإسلامي، بين من ينكر فتح باب الاجتهاد ويوجب التقليد وبين من يدعو إلى اللامذهبيّة وينكر المذاهب المتّبعة، كيف يمكن أن ننظر للتّراث وبالتّالي كيف نتعامل معه؟ وما هو الموقف من المذاهب المتّبعة وطبيعة علاقتها بالاجتهاد المعاصر؟

يجيب القرضاوي عن جلّ الإشكالات عبر دعوته للوسطيّة حيث يصل التراث بالمعاصرة عبر المسلك الوسطي في الفهم والتنزيل، وذلك من خلال التفريق بين الوحي الإلهي والمجهود البشري([52])، وعبر تثمين جهود السّابقين من خلال الدعوة إلى الانتفاع الواعي بالتراث «لأنّ الوعي هو الّذي يميّز بين ما يصلح ومالا يصلح»([53]).

لذلك يؤصّل الموقف من التمذهب على القول بوجاهة تسويغه، وفي ذلك ردّ على القول بوجوب اتّباع واحد من المذاهب الأربعة أو الإنكار على من يخالف المذهب في مسألة وإن ظهر ضعف الدليل.

ثمّ التفريق بين العاميّ ومن شابهه ومن يملك شروط النّظر وأدوات الاجتهاد وإن كان القرضاوي يرجّح أنّ العامي لا مذهب له بناء على أنّ مذهبه مذهب من يفتيه([54]).

ثانيًا: مرحلة التحقيق

تتميّز هذه المرحلة بمشروعيّة نقد التراث، أي تقويم التراث ووزنه بميزان الإسلام ومحكمات الوحي.

وهذا الميزان هو القنطرة للتمييز بين ما يصلح وما لا يصلح، لا على جهة التقليل من جهودهم وإنّما وعي بأنّ ما صلح لزمانهم قد لا يصلح لزماننا، وهم الّذين قرّروا مثلا أنّ التمسّك بالفتوى المبنيّة على العرف المتجدّد مفسدة في الدّين، لذلك كان الجمود على تراث السلف اغترابا في الزمان([55]).

وإنّما قيمة التّراث في إحياء المنهج دون الاستغراق في السّياق، واستكمال الدور الوظيفي للاجتهاد في توجيه الإنسان نحو المراد الإلهي.

ولا مناص حينئذ من فتح باب الاجتهاد بمختلف أنواعه، واستنهاض النّفوس لتحصيل أدواته وطرقه لئلاّ يكون تسويغ التمذهب لما فيه من مصالح، مطيّة لغلق باب الاجتهاد، أو التفريق ورفض الاختلاف.

لذلك دعا القرضاوي إلى «فقه الاختلاف»، حتى لا يكون الخلاف في الفروع سببا للتفريق في الدّين ولا ينبني على القول بضرورة وقوعه ترك التحقيق العلمي في محالّ النزاع للترجيح واختيار أصوب الآراء وأقربها للحقّ([56]).

ولئن كان البحث في التّراث والتمذهب والاختلاف مشتركا معرفيّا بين جميع ضروب الاجتهاد فإنّه في فقه التنزيل أظهر لمردّ الأخير للمجال العملي التطبيقي، ويحسن تتميم هذه اللمحات النظريّة بالتنبيه على أنّ القرضاوي من حيث عرض هذه الأصول الثلاثة متّبع لحسن البنّا في تقريره للأصول العشرين. غاية ما يمكن أن يلتفت إليه هو شرحه لمضمونها شرح الفقيه المنفتح على مكوّنات المشهد الإسلامي في ميدان الفكر والفقه، المحيي للتّراث بالترجيح والتنقيح والتصحيح.

ثالثًا: مرحلة التقنين

إذا اتضح الموقف من الموروث الفقهي والمدوّنة التراثيّة وعلاقتها بالسّياق المعاصر للعمل الاجتهادي، فكيف يمكن أن نضمن فاعليّة الرؤية وأثرها النّفعي على حياة المسلم اليوم؟

قد يظهر ذلك جليّا باستكمال المرحلة الثّالثة الموسومة بالتقنين، الذي يراد منه: «أن يصاغ الفقه في صورة مواد قانونيّة مرتّبة على غرار القوانين الحديثة، من مدنيّة وجزائيّة وإداريّة إلخ، وذلك لتكون مرجعا سهلا محدّدا، يمكن بيسر أن يتقيّد به القضاة ويرجع إليه المحامون، ويعامل على أساسه المواطنون»([57]).

وعلى هذا الأساس يمكن ضبط الحضور الفقهي في مناصب التنزيل، إضافة إلى ترشيد الاختلاف الفقهي وسدّ منافذ النّزاع المذهبي أو الاجتهادات الفرديّة غير المنضبطة.

وما يميّز هذه المرحلة في طرح القرضاوي قابليّتها للتعديل والتغيير وفق مجريات التطبيق العملي([58]) موافقة لمنهج الصّحابة والأئمّة في تغيير الفتوى وفق مسلك التعديل والتغيير والإيقاف أحيانا.

كما يمكن أن تعبّر عن غاية المنهج التنزيلي لنصوص الأحكام في ردّ الواقع إلى هداية الوحي، وتمكين الشّريعة من النّفاذ في واقع الحياة على اختلاف شعبها وهو ما يتطلّب ترشيد الاجتهاد في الواقع المعاصر.

المطلب الثالث: البناء المنهجي للاجتهاد المعاصر

إنّ دعوة القرضاوي للتجديد لا تنفكّ عن مسائل الاجتهاد والقضايا الفقهيّة، باعتبار التّلازم بين التجديد والمرجعيّة الإسلاميّة، واستيعاب التجديد المطلق لمناحي العلم والعمل جميعا([59]).

لذلك كان من المناسب توضيح مفهوم التجديد وعلاقته بالبناء المنهجي للاجتهاد المعاصر.

أولًا: ما المقصود بالتجديد

التجديد كما يعرّفه القرضاوي «لا يعني تغيير طبيعة القديم، أو الاستعاضة عنه بشيء آخر مستحدث مبتكر»([60])، وإنّما العودة به إلى يوم نشأ وظهر، لذلك كان تجديد الدّين «العودة به إلى يوم ظهر حيث كان في عهد الرّسول r وصحابته ومن تبعهم بإحسان»([61]).

ولمّا كان مفتاح التجديد الفقه بمعناه الشامل للفهم القرآني والنبوي لحقائق الدّين، فإنّ توضيح المنهج والأدوات والآليات من الضرورة بمكان حتّى يقارب المأمول الموجود.

لذلك اقترن التجديد بالفقه بناء على المعنى الشمولي للإسلام الرّابط بين كلّياته وجزئيّاته، مقاصده ومعانيه، مراتبه وأولويّاته وقد رتّب القرضاوي في فقه الأولويّات أولويّة الاجتهاد على التقليد([62]).

وهو تجديد مبنيّ على الفهم السّليم لنصوص الوحي، موافق للمنهج النبويّ واجتهاد الصّحابة والأئمّة في تطبيق الشريعة مع استيعاب المتغيّر والاستجابة لحاجات العصر من الداخل الإسلامي، دون الارتهان للإجابات المستوردة عن متطلّبات المسلم المعاصر، وبذلك نضمن للاجتهاد حيويّته وقدرته على استيعاب الواقع ليُقوّمه ويرشده ويهديه وفق أحكام الإسلام.

ثانيًا: دور الاجتهاد في الواقع المعاصر

إذا تقرّر حكم الاجتهاد في القضايا المعاصرة، على أنّه من قبيل فروض الكفاية الّتي تلزم الأمّة فإنّ أهمّ ما قد يطرح هو نوعيّة الاجتهاد المطلوب في خضمّ متطلبات الواقع، وهو ما قد يفصح عن دوره وأدائه الوظيفي في الإجابة والمعالجة لمشكلات العصر اليوم من داخل المرجعيّة الإسلاميّة.

ويمكن القول إنّ القرضاوي في تركيزه على مجالات الاجتهاد اليوم قد أجاب عن جدليّة الأصالة والمعاصرة لا في حدود المرجعيّة فقط وإنّما في المجال التطبيقي العملي من خلال ضبط مجال الاستفادة والنظر عند الحديث عن أيّ نوع من الاجتهاد ننشده اليوم؟

فقد أرجع الجواب عن ذلك إلى نوعين من الاجتهاد هما الانتقائي والإنشائي([63])، والمقصود بالاجتهاد الانتقائي اختيار أحد الآراء المنقولة في التراث الفقهي والترجيح بينها وتقديم أقواها دليلا وفق وجوه الترجيح.

وأمّا الاجتهاد الإنشائي فقد عرّفه القرضاوي بـ «استنباط حكم جديد في مسألة من المسائل، لم يقل به أحد من السّابقين سواء كانت المسـألة قديمة أو جديدة»([64]).

ويمكن القول إنّ القرضاوي مارس النّوعين من النظر الاجتهادي وهو ما تفصح عنه ممارسته الفقهيّة على غرار الأخذ بمذهب أحمد في صرف الزكاة في شراء السّلاح والكراع ونحوها باعتبارها «في سبيل الله» دون قصرها على الغزاة المتطوّعين، و بمذهب الشّافعي في جواز إعطاء الفقير والمسكين ما يغنيهما طول عمرهما، وبمذهب مالك في بقاء سهم المؤلّفة قلوبهم، وليس هذا الصنيع من قبيل التلفيق إذا كان الأخير يصدق على ترقيع بعض الأقوال ببعض دون دليل([65])، وإنما مستند الانتقاء من المذاهب هو اتباع أقواها دليلا وأقربها للمصلحة والمقصد الشّرعي، لذلك وسّع القرضاوي دائرة النّظر إلى خارج المذاهب الأربعة من أقوال التّابعين على غرار ما رجحّه في مسألة الرّضاع، حيث أخذ برأي الليث بن سعد وداوود بن علي في اعتبار الرّضاع ما كان عن طريق التقام الثدي وامتصاص اللبن منه دون الوجور أو السعوط ونحوهما([66]).

ومن صنيعه في الاجتهاد الإنشائي ترجيحه أن يكون للزكاة في النقود نصاب واحد لا نصابان وهو نصاب الذهب فقط لاختلال التقارب بين النصابين عن العهد النبويّ([67])، والتفاوت الكبير بينهما في القيمة في الواقع المعاصر بحيث لا يعبّر النصاب في الفضّة عن الغنى.

وهو ما يؤول على الفتوى بالتغيير والتبديل لأهميّة المؤثّرات الواقعيّة والتغيّرات السياقيّة في ضبط النظر الاجتهادي وتحقيق مقصود الشّارع، والاهتمام بما توجهّت له الشرّيعة جلبا لمصلحة أو درءا لمفسدة.

لذلك كان لا بدّ للمجتهد ألاّ يغفل عن مختلف هذه الاعتبارات في صياغة الفتوى الممهّدة للتنزيل، لأثرها في تصوّر المسألة تصوّرا سليما في ظلّ ما يفرزه الواقع والعلوم الخادمة لعوالمه من معلومات مؤثّرة على فهمها كليّا أو جزئيّا([68]) فلا بدّ حينئذ من القيام بواجب الاجتهاد بناء على المتغيّرات والمستجدّات خصوصا في المجال الطبّي والمالي ونحوه، لذلك يمكن اعتبار اهتمام القرضاوي بصور الاجتهاد في الواقع المعاصر في المنحى الانتقائي أو الإنشائي أو ما اشتمل عليهما معا، هو اهتمام المجتهد التنزيلي الّذي لا يقف عند حدود الاستنباط وإنّما يروم بصناعته الافتائيّة أن تحقّق ثمارها في المجال التطبيقي في مجالات الحياة.

ثالثًا: القول بتجزؤ الاجتهاد

المقصود بالاجتهاد الجزئي هو الاجتهاد في بعض أبواب الفقه دون بعض وهو الّذي سوّغه الأكثرون بناء على القول بتجزؤ الاجتهاد.

فقد جوّز القرضاوي ذلك لمن توفرت فيه الأهليّة العامّة للفهم والاستنباط، إضافة إلى استيعاب المسألة المدروسة استيعابا شاملا لجميع جوانبها، وهو ما قد يدرج ضمن المجال التخصصي في الدراسات الأكاديميّة([69]).

حيث عكف البعض على فقه الأسرة أو فقه المعاملات أو المعاملات الماليّة أو الفقه الجنائيّ وغاصوا في أغواره وجمعوا شتات مسائله، وبعضهم استوعب الجانب القانوني والفقهي ودرس المذاهب دراسة مقارنة في مجاله، فهو إلى الاجتهاد الجزئيّ أقرب، وأيسر سبيلا للترجيح إذا توفرّت فيه الأهليّة العلميّة.

ويمكن ردّ ذلك إلى حرص القرضاوي على فتح باب الاجتهاد في جميع صوره سواء كان انتقائيّا أو إنشائيّا وجميع أنواعه سواء كان جزئيّا أو مطلقا، فرديّا أو جماعيّا، غاية ما يمكن التنبيه عليه في مسألة تجويز الاجتهاد الجزئي هو استثمار جهود علماء المسلمين ممّن توفرت فيهم الأهليّة العلميّة للبحث والاجتهاد لأنّه بوابة التجديد ومفتاح عودة الشريعة لواقع الحياة لتصلح واقع المسلمين من الداخل الإسلامي وتقوّم حياتهم بأنوار التشريع.

لذلك لا يمكن فهم المنهج التنزيلي لنصوص الوحي دون استيعاب الرؤية التجديديّة للاجتهاد المعاصر، الّذي يمثل فقه التنزيل واجهته العمليّة لإنفاذ الأحكام في الواقع.

خاتمة

بعد المدارسة لمختلف محاور البحث نخلص إلى تقرير الآتي:

1.    يتأكّد البحث في فقه التنزيل من خلال دوره الوظيفي الرّابط بين أحكام النّصوص والواقع من خلال تصييرها عمليّا مع مراعاة المقصد والمآل.

2.    لا يمكن أن يغفل الفقه المعاصر معالم فقه التنزيل نظريّا أو تطبيقيّا لحاجته للأخير في معالجة المتغيّر والإجابة عن حاجات المسلم المعاصر بما يحقّق للشريعة ديمومتها وصلاحيتها لكلّ مكان وزمان.

3.    تفصح كتابات القرضاوي عن أصالة فقه التنزيل وإن لم يستعمل المصطلح، فإنّ مضمونه حاضر بقوّة في صياغة القرضاوي لرؤيته للاجتهاد المعاصر.

4.    من خلال مبدأ التيسير والوسطيّة يشرّع القرضاوي لمنهج تنزيل أحكام النصوص نظريّا وتطبيقيّا.

5.    يرتبط فقه التنزيل في مسالكه الإجرائيّة بدور الاجتهاد المعاصر الّذي يروم القرضاوي من خلاله تأسيس الفقه الحضاري المحقّق للشريعة حيويّتها عبر آلية الاجتهاد.

6.    يمكن القول إنّ طرح القرضاوي لمسائل الاجتهاد لا ينعزل عن طرح رواد النهضة، غاية الأمر أنّه يقدّم رؤية الفقيه الّذي يتخذ من الاجتهاد والفقه منطلقا لمعالجة سؤال المرجعيّة والمنهج.

7.    إزاء طرح القرضاوي لأيّ نوع من الاجتهاد نريده لعصرنا، يقرّر فتح باب الاجتهاد الإنشائي أو الانتقائي مع تدعيم ذلك بمعالجة أهمّ القضايا المرتبطة بالفهم والتنزيل وهي مسألة التعامل مع النصوص وخاصّة نصوص السنّة والموقف من التراث والتمذهب ليخلص إلى بناء منهجيّ متين للاجتهاد المعاصر.

8.    بين جدليّة الأصالة والمعاصرة، يجيب القرضاوي عن سؤال المنهج في مسالك الفهم وطرق التنزيل ويعالج قضيّة تنزيل نصوص الوحي، لذلك يمكن اعتبار القرضاوي مجتهدا تنزيليا أجاب عن حاجات المسلم في سياق معاصر شديد التعقيد.

9.    يدعو القرضاوي للتجديد الّذي يقصد به العودة بالدّين إلى حين ظهر في عهد الرسول والصحابة ومن تبعهم بإحسان، ولا سبيل لتحقيق ذلك إلاّ من خلال الفقه الرّابط بين كلّيات الإسلام وجزئيّاته، مقاصده ومعانيه، مراتبه وأولويّاته، وخاصّة في منحاه التنزيلي العملي.

وفي الختام نخلص إلى تقديم بعض التوصيات أهمّها:

1.    استقراء فتاوى القرضاوي ومحاولة ضبط منهجه في تنزيل أحكام النّصوص وتتبع المسالك الإجرائيّة في التطبيق.

2.    تبويب المعالجة الاجتهاديّة للقرضاوي وفق أبواب الفقه كفقه الأسرة أو المعاملات وغيرها حتّى يسهل فهم المنهج التنزيلي لتلك الأحكام في ضوء المتغيّرات المعاصرة الّتي تتطلب من الفقه النظر في المقصد والمآل والأولويّات.


 

المصادر والمراجع

أولًا: العربية

ابن عاشور، محمد الطاهر. مقاصد الشريعة الإسلاميّة. تونس: دار سحنون للنشر والتوزيع، ط9، 1441هـ/2020م.

ابن فارس. معجم مقاييس اللغة. تحقيق عبد السّلام محمد هارون. دمشق: دار الفكر، 1399هـ/1979م.

ابن قيم الجوزية، محمد. إعلام الموقعين عن رب العالمين. تحقيق محمد عبد السلام إبراهيم. بيروت: دار الكتب العلميّة، ط1، 1411هـ/1991م.

ابن منظور. لسان العرب. بيروت: دار صادر، ط3، 1413هـ/1992م.

البخاري، محمد بن إسماعيل. صحيح البخاري. تحقيق محمد بن الناصر. بيروت: دار طوق النجاة، ط1، 1422هـ/ 2001م.

الجرجاني، محمد. التعريفات. تحقيق جماعة من العلماء بإشراف الناشر. بيروت: دار الكتب العلميّة، ط1، 1403هـ/1993م.

خلفي، وسيلة. فقه التنزيل حقيقته وضوابطه. الجزائر: دار الوعي، ط1، 1430هـ/2009م.

الزبيدي، محمّد. تاج العروس. تحقيق مجموعة من المحقّقين، الكويت: دار الهداية، [د.ت].

الزنكي، صالح قادر كريم. «قراءة نقدية للفتاوى الفضائية». مجلة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة قطر، مج35، ع2 (2018). https://doi.org/10.29117/jcsis.2018.0188

الشاطبي، أبو إسحاق. الموافقات. تحقيق مشهور بن حسن آل سلمان. القاهرة: دار ابن عفّان، ط1، 1417هـ/1997م.

الفيروز آبادي، مجد الدّين. القاموس المحيط. تحقيق مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرّسالة. بيروت: مؤسسة الرّسالة، ط8، 1426هـ/2005م.

القرافي، شهاب الدّين. الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرّفات القاضي والإمام. بيروت: دار البشائر، ط2، 1416هـ/1995م.

القرضاوي، يوسف. الاجتهاد في الشريعة الإسلاميّة مع نظرات تحليليّة في الاجتهاد المعاصر. الكويت: دار القلم، ط1، 1417هـ/1996م.

–––. الثقافة العربية الإسلاميّة بين الأصالة والمعاصرة. القاهرة: مكتبة وهبة، ط3، 1430هـ/2009م.

–––. «الجانب التشريعي في السنّة». مجلة مركز بحوث السنّة والسيرة، ع3 (1408هـ/1988م).

–––. السنّة مصدرًا للمعرفة والحضارة. القاهرة: دار الشروق، ط3، 1423هـ/2002م.

–––. الصحوة الإسلاميّة بين الجحود والتطرّف. قطر: كتاب الأمّة، ط3، 1402هـ/1992م.

–––. الفتوى بين الانضباط والتسيّب. القاهرة: دار الصحوة، ط1، 1408هـ/1988م.

–––. دراسة في فقه مقاصد الشريعة بين المقاصد الكليّة والنصوص الجزئيّة. القاهرة: دار الشروق، ط3، 1429هـ/2008م.

–––. شريعة الإسلام صالحة للتطبيق في كلّ زمان ومكان. القاهرة: دار الصحوة، ط2، 1414هـ/1993م.

–––. عوامل السعة والمرونة في الشريعة الإسلاميّة. القاهرة: دار الصحوة، ط2، 1413هـ/1992م.

–––. فتاوى معاصرة. الكويت: دار القلم، ط1، 1408هـ/1988م.

–––. فقه الوسطيّة الإسلاميّة والتجديد. القاهرة: دار الشروق، [د.ت].

–––. في فقه الأولويات دراسة جديدة في ضوء القرآن والسنة. القاهرة: مكتبة وهبة، ط2، 1416هـ/1996م.

–––. كلمات في الوسطيّة الإسلاميّة ومعالمها. القاهرة: دار الشروق، ط3، 1431هـ/2011م.

–––. كيف نتعامل مع التراث والتمذهب والاختلاف. القاهرة: مكتبة وهبة، ط3، 1432هـ/2011م.

–––. كيف نتعامل مع السنّة النبويّة. القاهرة: دار الوفاء، ط5، 1413هـ/1992م.

–––. من أجل صحوة راشدة تجدّد الدين وتنهض بالدنيا. القاهرة: دار الشروق، ط1، 1421هـ/2001م.

–––. موجبات تغيير الفتوى في عصرنا. قطر: لجنة التأليف والترجمة في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ط1، 1428هـ/2007م.

القزويني، أحمد. معجم مقاييس اللغة. تحقيق عبد السّلام محمد هارون. دمشق: دار الفكر، 1399هـ/1979م.

النّجار، عبد المجيد. خلافة الإنسان بين الوحي والعقل. تونس: دار الغرب الإسلامي، [د.ت].

–––. فقه التدين فهما وتنزيلًا. تونس: الزيتونة للنشر والتوزيع، ط2، 1416هـ/1995م.

ثانيًا:

References

al-Bukhārī, Muḥammad ibn Ismāʻīl. Ṣaḥīḥ al-Bukhārī. (in Arabic). Ed. Muḥammad b. al-Nāṣir. Beirut: Dār Ṭawq al-Najāh,1ˢͭ ed, 2001.

al-Fayrūz Ābādī, Majd al-Ddīn. Al-Qāmūs al-Muḥīṭ. (in Arabic). Ed. Maktab Taḥqīq al-Turāth Fī Muʼassasat al-Rrіsāla. Beirut: Muʼassasat al-Rrisāla, 8ͭ ͪ ed, 2005.

al-Jurjānī, Muḥammad. al-Taʻrῑfāt. (in Arabic). Ed. Jamāʻa Min al-ʻUlamāʼ bi-Ishrāf al-Nāshir. Beirut: Dār al-Kutub al-ʻIlmiyya, 1ˢͭ ed, 1993.

al-Najār, ʻAbd al-Majīd. Fiqh al-Tadayyun Fahman wa-Tanzīlā. (in Arabic). Tunis: al-Zaytūna lil-Nashr Wa al-Tawzīʻ, 2ⁿͩ ed,1995.

–––. khilāfat al-Insān Bayna al-Waḥy wa-al-ʻAql. (in Arabic). Tunis: Dār al-Gharb al-Islāmī.

al-Qaraḍāwī, Yūsuf, ʻAwāmil al-Siʻa wa-al-Murūna Fī al-Sharīʻa al-Islāmiyya, (in Arabic), Cairo: Dār al-Ṣaḥwa, 2ⁿͩ ed., 1992.

–––. al-Fatwa Bayna al-Inḍibāṭ wa-al-Tasayyub. (in Arabic). Cairo: Dār al-Ṣaḥwa,1ˢͭ ed, 1988.

–––. Al-Ijtihād Fī al-Sharīʻa al-Islāmiyya Maʻa Naẓarāt Taḥlīliyya Fī al-Ijtihād al-Muʻāṣir. (in Arabic). Kuwait: Dār al-Qalam, 1ˢͭ ed, 1996.

–––. "al-Jānib al-Tashrīʻī Fī al-Sunna". (in Arabic). Majallat Markaz Buḥūth al-Sunna wa- al-Sīra, no.3, 1988.

–––. al-Ṣaḥwa al-Islāmiyya Bayna al-Juḥūd wa-al-Taṭarruf. (in Arabic). Doha: Kitāb al-Umma, 3ͬ ͩ ed, 1992.

–––. al-Sunna Maṣdaran lil-Maʻrifa wa- al-Haḍāra. (in Arabic). Cairo: Dār al-Shurūq, 3ͬ ͩ ed, 2002.

–––. al-Thaqāfa al-ʻArabīya al-Islāmiyya Bayna al-Aṣāla Wa- al-Muʻāṣara. (in Arabic). Cairo: Maktabat Wahba, 3ͬ ͩ ed, 2009.

–––. Dirāsa fī Fiqh Maqāṣid al-Sharīʻa Bayna al-Maqāṣid al-kuliyya Wa-al-Nuṣūṣ al-Juzʼiyya. (in Arabic). Cairo: Dār al-Shurūq, 3ͬ ͩ ed, 2008.

–––. Fatāwa Muʻāṣira. (in Arabic). Kuwait: Dār al-Qalam, 1ˢͭed, 1988.

–––. Fiqh al-Awlawiyāt Dirāsa Jadīda fī Dawʼ al-Qurʼān wa-al-Sunna. (in Arabic). Cairo: Maktabat Wahba, 2ⁿͩ ed, 1996.

–––. Fiqh al-Wasaṭiyya al-Islāmiyya wa-al-Tajdīd. (in Arabic). Cairo: Dār al-Shurūq.

–––. Kalimāt Fī al-Wasaṭiyya al-Islāmiyya wa- Maʻālimihā. (in Arabic). Cairo: Dār al-Shurūq, 3ͬ ͩ ed, 2011.

–––. Kayfa Nataʻāmal Maʻa al-Sunna al-Nabawiyya. (in Arabic). Cairo: Dār al-Wafāʼ, 5ͭ ͪ ed, 1992.

–––. Kayfa Nataʻāmal Maʻa al-Turāth wa-al-Tamadhhub Wa al-Ikhtilāf. (in Arabic). Cairo: Maktabat Wahba, 3ͬ ͩ ed, 2011.

–––. Min Ajl Ṣaḥwa Rāshida Tujaddid al-Ddīn wa- Tanhaḍ Bi- al-Dunyā. (in Arabic). Cairo: Dār al-Shurūq, 1ˢͭ ed, 2001.

–––. Mūjibāt Taghyīr al-Fatwa fī ʻAṣrinā. (in Arabic). Doha: Lajnat al-Taʼlīf Wa al-Tarjama Fī al-Ittiḥād al-ʻĀlamī li-ʻulamāʼ al-Muslimīn, 1ˢͭ ed, 2007.

–––. Sharīʻat al-Islām Ṣāliḥa Lil-Taṭbīq fī Kulli Zamān wa Makān. (in Arabic). Cairo: Dār al-Ṣaḥwa, 2ⁿͩ ed, 1993.

al-Qarāfī, Shihāb al-Ddīn. Al-Iḥkām Fī Tamyīz al-Fatāwā ʻAn al-Aḥkām wa- Taṣarrufāt al-Qāḍī wa-al-Imām. (in Arabic). Beirut: Dār al-Bashāʼir, 1995), 2ⁿͩ ed.

al-Qazwīnī, Aḥmad. Muʻjam Maqāyīs al-Lugha. (in Arabic). Ed. ʻAbd al-Salām Muḥamad Hārūn. Damascus: Dār al-Fikr, 1979.

al-Shāṭibī, Abū Isḥāq. al-Muwāfaqāt. (in Arabic). Ed. Mashhūr b. Ḥasan Āl Salmān. Cairo: Dār Ibn ʻAffān, 1ˢͭ ed, 1997.

Al-Zanki, Salih K. Karim. “A Critical Reading of Fatwas on Satellite Channels”. Journal of College of Sharia and Islamic Studies, Qatar University, vol. 35, no. 2, (2018). https://doi.org/10.29117/jcsis.2018.0188

al-Zubaydī, Muḥammad. Tāj al-ʻArūs. (in Arabic). Ed. Majmūʻa Min al-Muḥaqqiqīn. Kuwait: Dār al-Hidāya.

Ibn ʻāshūr, Muḥammad al-Ṭāhir. Maqāṣid al-Sharīʻa al-Islāmiyya. (in Arabic). Tunis: Dār Saḥnūn lil-Nashr wa-al-Tawzīʻ, 9 ͭ ͪ ed, 2020.

Ibn Fāris. Muʻjam Maqāyīs al-llugha. (in Arabic). Ed. ʻAbd al-Sslām Muḥammad Hārūn. Damascus: Dār al-Fikr, 1979.

Ibn Manẓūr. Lisān al-ʻArab. (in Arabic). Beirut: Dār Ṣādir, 3ͬ ͩ ed, 1992.

Ibn Qayyim al-Jawzīya, Muḥammad. Iʻlām al-Muwaqiʻīn. (in Arabic). Ed. ʻAbd al-Salām Ibrāhīm. Beirut: Dār al-Kutub al-ʻIlmiyya, 1ˢͭ ed, 1991.

Khalfī, Wasīla. Fiqh al-Tanzīl Haqīqatuhu wa-Dawābiṭuhu. (in Arabic). Algeria: Dār al-Waʻy; 1ˢͭ ed, 2009.



([1]) ابن منظور، لسان العرب (بيروت: دار صادر، ط3، 1413هـ/1992م)، ج13، ص522.

([2]) متفق عليه. البخاري، صحيح البخاري، كتاب الوضوء، باب وضع الماء عند الخلاء، ج1، ص41، حديث رقم: 143.

([3]) الزبيدي، تاج العروس، تحقيق مجموعة من المحقّقين (الكويت: دار الهداية، [د.ت])، ج36، ص456.

([4]) الفيروز آبادي، القاموس المحيط، تحقيق مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرّسالة (بيروت: مؤسسة الرّسالة، ط8، 1426هـ/2005م)، ص1062.

([5]) المرجع نفسه.

([6]) الزبيدي، تاج العروس، ج30، ص473.

([7]) ابن منظور، لسان العرب، ج11، ص657.

([8]) ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، تحقيق عبد السّلام محمد هارون (دمشق: دار الفكر، 1399هـ/1979م)، ج5، ص417.

([9]) ابن القيم، إعلام الموقعين عن رب العالمين، تحقيق محمد عبد السلام إبراهيم (بيروت: دار الكتب العلميّة، ط1، 1411هـ/1991م)، ج1، ص69.

([10]) الشاطبي، الموافقات، تحقيق مشهور بن حسن آل سلمان (القاهرة: دار ابن عفّان، ط1، 1417هـ/1997م)، ج5، ص12.

([11]) عبد المجيد النّجار، فقه التدين فهما وتنزيلا (تونس: الزيتونة للنشر والتوزيع، ط2، 1416هـ/1995م)، ص128129.

([12]) عبد المجيد النّجار، خلافة الإنسان بين الوحي والعقل (تونس: دار الغرب الإسلامي، [د.ت])، ص115.

([13]) وسيلة خلفي، فقه التنزيل حقيقته وضوابطه (الجزائر: دار الوعي، ط1، 1430هـ/2009م)، ص102.

([14]) يوسف القرضاوي، من أجل صحوة راشدة تجدّد الدين وتنهض بالدنيا (القاهرة: دار الشروق، ط1، 1421هـ/2001م)، ص46.

([15]) الجرجاني، التعريفات، تحقيق جماعة من العلماء بإشراف الناشر (بيروت: دار الكتب العلميّة، ط1، 1403هـ/1993م)، ص22.

([16]) يوسف القرضاوي، السنّة مصدرًا للمعرفة والحضارة (القاهرة: دار الشروق، ط3، 1423هـ/2002م)، ص228.

([17]) ينظر: يوسف القرضاوي، دراسة في فقه مقاصد الشريعة بين المقاصد الكليّة والنصوص الجزئيّة (القاهرة: دار الشروق، ط3، 1429هـ/2008م)، ص14و15.

([18]) ينظر: القرضاوي، السنّة مصدرًا للمعرفة والحضارة، ص205.

([19]) ينظر: يوسف القرضاوي، دراسة في فقه مقاصد الشريعة، ص20.

([20]) يوسف القرضاوي، الاجتهاد في الشريعة الإسلاميّة مع نظرات تحليليّة في الاجتهاد المعاصر (الكويت: دار القلم، ط1، 1417هـ/1996م)، ص65.

([21]) ينظر: يوسف القرضاوي، شريعة الإسلام صالحة للتطبيق في كلّ زمان ومكان (القاهرة: دار الصحوة، ط2، 1414هـ/1993م)، ص43.

([22]) المرجع السابق، ص15.

([23]) المرجع نفسه، ص140.

([24]) المرجع نفسه، ص18.

([25]) المرجع نفسه.

([26]) يوسف القرضاوي، كلمات في الوسطيّة الإسلاميّة ومعالمها (القاهرة: دار الشروق، ط3، 1431هـ/2011م)، ص13.

([27]) المرجع نفسه.

([28]) ينظر: يوسف القرضاوي، فقه الوسطيّة الإسلاميّة والتجديد (القاهرة: دار الشروق، [د.ت])، ص87.

([29]) ينظر: يوسف القرضاوي، الصحوة الإسلاميّة بين الجحود والتطرّف (الدوحة: كتاب الأمّة، ط3، 1402هـ/1992م)، ص24.

([30]) ينظر: القرضاوي، فقه الوسطيّة الإسلاميّة والتجديد، ص87.

([31]) القرضاوي، كلمات في الوسطيّة الإسلاميّة ومعالمها، ص38.

([32])متفق عليه. البخاري، صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب ما كان النبيّr يتخوّنهم بالموعظة والعلم كي لا ينفروا، ج1، ص25، حديث رقم: 69.

([33]) يوسف القرضاوي، الفتوى بين الانضباط والتسيّب (القاهرة: دار الصحوة، ط1، 1408هـ/1988م)، ص113.

([34]) متفق عليه. البخاري، صحيح البخاري، كتاب المناقب، باب صفة النبيr، ج3، ص1306، رقم: 3367.

([35]) ينظر: القرضاوي، فتاوى معاصرة (الكويت: دار القلم، ط1، 1408هـ/1988م)، ج1، ص14.

([36]) ينظر: القرضاوي، الصحوة الإسلاميّة بين الجحود والتطرّف، ص212.

([37]) ينظر: القرافي، الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرّفات القاضي والإمام (بيروت: دار البشائر، ط2، 1416هـ/1995م)، ص218؛ ابن القيم، إعلام الموقعين عن رب العالمين، ص11.

([38]) ينظر: يوسف القرضاوي، عوامل السعة والمرونة في الشريعة الإسلاميّة (القاهرة: دار الصحوة، ط2، 1413هـ/1992م)، ص75.

([39]) لمزيد التفصيل والإيضاح يراجع: يوسف القرضاوي، موجبات تغيير الفتوى في عصرنا (الدوحة: لجنة التأليف والترجمة في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ط1، 1428هـ/2007م)، ص41-106.

([40]) محمد الطاهر ابن عاشور، مقاصد الشريعة الإسلاميّة (تونس: دار سحنون للنشر والتوزيع، ط9، 1441هـ/2020م)، ص15.

([41]) ينظر: يوسف القرضاوي، كيف نتعامل مع السنّة النبويّة (القاهرة: دار الوفاء، ط5، 1413هـ/1992م)، ص180.

([42]) المرجع نفسه، ص103.

([43]) ينظر: يوسف القرضاوي، «الجانب التشريعي في السنّة»، مجلة مركز بحوث السنّة والسيرة، ع3 (1408هـ/1988م)، ص62.

([44]) متفق عليه. البخاري، صحيح البخاري، أبواب تقصير الصلاة، باب في كم يقصر الصلاة، ج2، ص43، رقم: 1086.

([45]) البخاري، صحيح البخاري، كتاب المناقب، باب علامات النبوّة في الإسلام، ج4، ص197، رقم: 3595.

([46]) ينظر: يوسف القرضاوي، دراسة في فقه مقاصد الشريعة، ص166.

([47]) المرجع نفسه، ص137.

([48]) المرجع نفسه، ص145.

([49]) المرجع نفسه، ص152.

([50]) ينظر: القرضاوي، السنّة مصدرا للمعرفة والحضارة، ص205.

([51]) ينظر: المرجع نفسه، ص257.

([52]) ينظر: يوسف القرضاوي، كيف نتعامل مع التراث والتمذهب والاختلاف (القاهرة: مكتبة وهبة، ط3، 1432هـ/2011م)، ص49.

([53]) يوسف القرضاوي، الثقافة العربية الإسلاميّة بين الأصالة والمعاصرة (القاهرة: مكتبة وهبة، ط3، 1430هـ/2009م)، ص59.

([54]) ينظر: القرضاوي، كيف نتعامل مع التراث والتمذهب والاختلاف، ص95.

([55]) المرجع نفسه، ص6.

([56]) المرجع نفسه، ص159.

([57]) القرضاوي، الثقافة الإسلاميّة بين الأصالة والتجديد، ص37.

([58]) المرجع نفسه، ص51.

([59]) القرضاوي، من أجل صحوة راشدة، ص30.

([60]) المرجع نفسه.

([61]) المرجع نفسه.

([62]) ينظر: يوسف القرضاوي، في فقه الأولويات دراسة جديدة في ضوء القرآن والسنة (القاهرة: مكتبة وهبة، ط2، 1416هـ/1996م)، ص71.

([63]) القرضاوي، الاجتهاد في الشريعة الإسلاميّة، ص111.

([64]) المرجع نفسه، ص126.

([65]) المرجع نفسه، ص117.

([66]) المرجع نفسه، ص118.

([67]) ينظر: القرضاوي، فتاوى معاصرة، ج1، ص278.

([68]) ينظر: صالح قادر كريم الزنكي، «قراءة نقديّة للفتاوى الفضائيّة»، مجلة كليّة الشريعة والدّراسات الإسلاميّة، جامعة قطر، مج35، ع2 (2018)، ص183. https://doi.org/10.29117/jcsis.2018.0188

([69]) ينظر: القرضاوي، الاجتهاد في الشريعة الإسلاميّة، ص62.