منهج الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي في الفتاوي الشرعية

حسين محمد إبراهيم

أستاذ مشارك، كلية العلوم الإسلامية، قسم الشريعة، جامعة السليمانيةالعراق

عضو مركز الزهاوي للدراسات الفكرية

hussein.ibrahim@univsul.edu.iq

تاريخ الاستلام: 16/10/2023                               تاريخ التحكيم: 20/01/2024                                تاريخ القبول: 06/05/2024

ملخص البحث

أهداف البحث: يهدف البحث إلى خدمة تراث الشيخ القرضاوي، لكي تكون هذه الخدمة ضمن مجموعة من البحوث المنهجية للاسترشاد والاستفادة من هذا التراث الثري بالعلوم.

منهج البحث: اتبعت المنهج الوصفي التحليلي باستنتاج معالمِ منهجية الشيخ القرضاوي في مجال الفتوى من خلال كتبه وبحوثه، وإبراز أهم ما كان يعتمد عليه في ذلك من القواعد الأصولية والفقهية والمقاصدية.

النتائج: قد توصلت إلى أن مدار منهجية الشيخ القرضاوي يدور حول «التيسير»، وهو الذي يبرز في أكثر فتاواه، لكنه أبدع في الاستدلال والتأصيل لهذه المنهجية، فلم يتهاون في الأخذ بالنصوص، ولم يتشدد في الاستدلال بها، وحاول قدر الإمكان إيجاد مخارج ميسرة للمسائل المستجدة بوسطية واعتدال. كما توصلت إلى أن الشيخ القرضاوي بنى لنفسه قواعد في الفتوى في غاية الدقة والوضوح، التزم بها في كتبه وفتاويه أشد التزام، وأخيرًا بعد التدقيق والتتبع رأيت أن أكثر الانتقادات على الشيخ القرضاوي غير دقيقة وناشئة عن تعصب مذهبي أو اتجاه سياسي، ومع ذلك فقد وقعت منه هنات وأخطاء في الاجتهادات والفتوى فله أجر المجتهد إن شاء الله.

أصالة البحث: تأتي أصالة البحث في كونه يتناول جانبا مهما من اهتمامات الشيخ القرضاوي ألا وهو «الفتاوي الشرعية»، ویلخص المنهجية والضوابط التي اتبعها الشيخ في ذلك.

الكلمات المفتاحية: القرضاوي، الفتوى، المنهجية، التيسير، أصول

للاقتباس: إبراهيم، حسين محمد. «منهج الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي في الفتاوي الشرعية»، مجلة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة قطر، المجلد 43، العدد 1 (2025)، عدد خاص بمؤتمر «قراءات في قضايا التجديد والترشيد في فكر الشيخ يوسف القرضاوي».

https://doi.org/10.29117/jcsis.2025.0402

 ©2025، إبراهيم، حسين محمد. مجلة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، دار نشر جامعة قطر. نّشرت هذه المقالة البحثية وفقًا لشروط Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0). تسمح هذه الرخصة بالاستخدام غير التجاري، وينبغي نسبة العمل إلى صاحبه، مع بيان أي تعديلات عليه. كما تتيح حرية نسخ، وتوزيع، ونقل العمل بأي شكل من الأشكال، أو بأية وسيلة، ومزجه وتحويله والبناء عليه، طالما يُنسب العمل الأصلي إلى المؤلف. https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0

 


The Methodology Followed by Sheikh Yūsuf al-Qaraḍāwī in his Fatwas

Hussein Mohamed Ibrahim

Associate Professor, College of Islamic Sciences, Sharia Department, University of Sulaimani–Iraq

Member of the Al-Zahawi Center for Intellectual Studies

hussein.ibrahim@univsul.edu.iq

Received: 16/10/2023                      Peer-reviewed: 20/01/2024                            Accepted: 06/05/2024

Abstract

Objective: This article seeks to honour Sheikh al-Qaraḍāwī's legacy by contributing to a collection of systematic studies that provide guidance and draw value from his rich scholarly heritage.

Methodology: This study uses a descriptive-analytical approach to identify the defining elements of Sheikh al-Qaraḍāwī’s methodology in his fatwas, drawing insights from his books and studies and highlighting the major foundational, jurisprudential and maqāṣid (objectives-based) principles he relied upon in this regard. It will also seek to identify any anomalous fatwas that lack soundness and diverge from his usual fatwa methodology.

Results: The study found that Sheikh al-Qaraḍāwī’s methodology primarily revolves around “facilitation” (taysīr), which is evident in most of his fatwas. He excelled in his reasoning and in establishing a foundation for this methodology; he neither compromised in adhering to the texts nor was overly rigid in his interpretations. He sought, as much as possible, to find accessible solutions to new issues with balance and moderation. The study also revealed that Sheikh al-Qaraḍāwī established precise and clear principles for issuing fatwas, which he adhered to rigorously in his books and rulings. A thorough examination shows that most criticisms of Sheikh al-Qaraḍāwī’ are inaccurate and stem from sectarian bias or political motives. Nevertheless, he made some mistakes in his independent reasoning (ijtihād) and fatwas, for which he, God willing, will be rewarded as a jurist who did his utmost.

Originality: The study's originality lies in its focus on an essential aspect of Sheikh al-Qaraḍāwī’s contributions, namely his fatwas, summarising the methodology and principles he followed in this field.

Keywords: al-Qaraḍāwī; Fatwa; Methodology; Facilitation; Jurisprudential principles

 

Cite this article as: Ibrahim, H. M. “The Methodology Followed by Sheikh Yūsuf al-Qaraḍāwī in his Fatwas”, Journal of College of Sharia and Islamic Studies, Qatar University, Vol. 43, Issue 1 (2025), Special Issue on “Reflections on Renewal and Moderation in the Thought of Sheikh Yūsuf al-Qaraḍāwī”.

https://doi.org/10.29117/jcsis.2025.0402

© 2025, Ibrahim, H. M. Published in Journal of College of Sharia and Islamic Studies. Published by QU Press. This article is published under the terms of the Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0), which permits non-commercial use of the material, appropriate credit, and indication if changes in the material were made. You can copy and redistribute the material in any medium or format as well as remix, trans.form, and build upon the material, provided the original work is properly cited. The full terms of this licence may be seen at: https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0

 


مقدمة

لقد برز في الأمة الإسلامية في هذا العصر كثير من المفكرين والمبدعين، حملوا هموم الإسلام والبشرية، وأفنوا أعمارهم في سبيل النهوض بالمسلمين، ومن هؤلاء الأفذاذ الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي الذي كرّس حياته للفكر والعلوم وخدمة أهلها، وحمل هموم الأمة بكل جوانبها، وقد لاقى مرارة التهجير وغضاضة الغربة والتنكيل في سبيل التصريح بالحق والجهر بالنقد والوقوف في صفوف المظلومين، وقد كانت له نظرات تجديدية في شتى جوانب الفكر والثقافة والتربية والعلوم، فالقارئ لكتبه ومؤلفاته وبحوثه الوافرة يرى جليا همومه التجديدية ونظراته الإصلاحية لحال المسلمين وأفكارهم، وكذلك المثقف المسلم والداعية الرشيد والمتعلم والعالم المنصف يجدون في مؤلفات هذا العالم الربّاني ما ضلّ عنهم وما يشفي غليلهم في الفتاوى والاجتهادات الملائمة للواقع وأحوال المسلمين.

مؤلفات هذا العالم الجليل في مجال الفقه وأصوله ومقاصد الشريعة والفتوى في منتهى الدقة، وقد رسم لنفسه منهجية رصينة في بدايات عمره وأوائل مؤلفاته المتزنة بالتيسير والمرصّفة بالتأصيل والاستدلال، المزينة بالوضوح والاعتدال والقبول الفطري والواقعي، خاصة في مجال الفتوى، وهذه المنهجية أثرت على فكر كثير من الحركات الإسلامية ونظّرت لهم مسيرة أعمالهم الدعوية المعتدلة، كما استرشد بها كثير من العلماء في الأقطار الإسلامية وتبنّوها في مجال الفتوى والقضاء.

أهمية البحث

تأتي أهمية هذا البحث في كونه يركّز على أصول فتاوي الشيخ القرضاوي، التي قليلا ما تعرض لها الباحثون بالدراسة والنقد والبيان، كما أنه يستقرئ تراث الشيخ ببيان خلاصة ما استند إليه من مستندات أصولية ومقاصدية لصناعة الفتاوى الفقهية.

إشكالية البحث وأسئلته

تأتي إشكالية البحث في أن مستندات فتاوى الشيخ القرضاوي وإن أشار إلى بعضها بنفسه في بعض المكتوبات بقي بعضها الآخر متناثرا في ثنايا الاستدلالات، وتفاصيل العبارات والتطبيقات، وبما أن فتاويه قد لاقت كثيرا من القبول والرضى والرواج في كثير من الأوساط العلمية والمؤسسات الدعوية والإعلامية، فإنها لم تتعرض إلى نقد وملاحظة تذكر، وكيف يكون النقد على الشيخ مقبولا فالإنسان يجد نفسه مع هذا العالم الجليل كقول أبي تمام:

كريم متى أمدحه أمدحه والورى

 

معي، ومتى ما لمته لمته وحدي([1])

لكن عند الملاحظة والتدقيق حقيقة توجد بعض الهنات الخفية في فتاويه مما يحس به العالم ويروج له المبغض والحاسد، وإن كانت له إجابات وتأويلات.

خلقت هذه الإشكالية أسئلة وفرضيات جوهرية تتفرع منها أسئلة وفرضيات أخرى، منها: إلى أي مدى كان الشيخ موفّقا في فتاويه؟ ومن ثم إلى أي مدى التزم بمنهجه الذي رسمه لنفسه؟ وما حجم الأخطاء والهنات في فتاويه؟ وما حجم الرجوع عن فتاويه؟ هل صار ذلك ظاهرة عنده بحيث يشوش على الدارس منهجه أم لا؟

أهداف البحث

يهدف البحث حقيقة إلى خدمة التراث الجليل للشيخ القرضاوي خدمة بسيطة، وفاء لما تعلم الباحث من كتبه ومقالاته، واسترشد بمنهجه الوسطي المعتدل الذي تقبله القلوب وتوافقه الفِطَر السليمة، لكي تكون هذه الخدمة ضمن مجموعة من البحوث المنهجية للاسترشاد والاستفادة من كتبه وفتاويه.

منهجية البحث

أحاول في هذا البحث استنتاج معالمِ منهجية الشيخ القرضاوي في مجال الفتوى من خلال كتبه وبحوثه، وإبراز أهم ما كان يعتمد عليه من القواعد الأصولية والفقهية والمقاصدية بصورة علمية محايدة، مع تطبيقات وذكر أمثلة وشواهد من فتاويه، كما أحاول قدر الإمكان تلمُّس هنّات وأخطاء في فتاويه مما يخالف منهجه وإن كنت لست أهلا لذلك ولكن مراعاة للجانب العلمي التدقيقي الذي كثيرا ما يحثّ عليه الشيخ نفسه ويقف عنده.

خطة البحث

قسمت البحث بعد المقدمة إلى ثلاثة مباحث وخاتمة:

في المبحث الأول أركز على المحطات العلمية فقط من حياة الشيخ القرضاوي وأبرز العلماء الذين أثروا في منهجه الفقهي والفكري.

في المبحث الثاني أحاول استنتاج منهجية الشيخ في صناعة الفتوى الشرعية مستندا إلى أقواله وكتاباته أو مستنطقا ومستنبطا من بعض فتاويه.

في المبحث الثالث أذكر نماذج من الانتقادات الموجّهة للشيخ القرضاوي.

وأعرج في الخاتمة إلى أهم ما توصلت إليه مما قرأت وكتبت في هذا المشوار مع مؤلفات الشيخ وفتاويه، كما أكتب بعض التوصيات حول خدمة ذخيرة هذا العالم الرباني الفريد.

المبحث الأول: المحطات العلمية لحياة الشيخ القرضاوي وأبرز العلماء الذين أثروا في منهجه

المطلب الأول: المحطات العلمية للشيخ القرضاوي

لقد فصّل الشيخ القرضاوي رحمه الله مسيرة حياته الشخصية والعلمية والدعوية في كتابه المفصل «ابن القرية والكتّاب»([2])، وعرج على كثير من تفاصيل حياته الشخصية والعلمية والمؤثرات التي أثرت على شخصيته وتكوينه الذهني والعاطفي والعلمي، وأحاول أن ألخص ما يمكنني تلخيصه خاصة المتعلق بمحطات حياته العلمية مما يفيدنا في الفقرات الآتية من بحثنا:

أ‌.     نشأته وتحصيله العلمي قبل الجامعة:

إن الشيخ من مواليد (1926م)، وقد ولد في قرية «صفت تراب» من أعمال المحافظة الغربية في مصر، وكان يتيما يعيش في كنف عمه، وأول ما بدأ به القرآن الكريم وحفظه قبل سن العاشرة في كتاتيب قريته وكان الناس في القرية يقدمونه للإمامة مع كونه صغيرا ويثنون عليه وعلى أخلاقه وأدبه، والتحق بمعاهد الأزهر الشريف، فأتم فيها دراسته الابتدائية والثانوية، وكان دائما في الطليعة، وكان ترتيبه في الشهادة الثانوية: الثاني على مستوى مصر رغم مشاكل الفقر والاعتقال، وكان في هذه الفترة محل إعجاب أصدقائه وشيوخه([3]).

ب‌. التحصيل الجامعي:

حصل الشيخ القرضاوي على شهادات جامعية مما وسع ذهنيته العلمية والثقافية، وهي:

-      الشهادة العالمية في كلية أصول الدين بجامعة الأزهر، حصل عليها سنة 1953م، وكان ترتيبه الأول بين زملائه وعددهم مائة وثمانون.

-      ثم حصل على العالمية مع إجازة التدريس من كلية اللغة العربية سنة 1954م وكان ترتيبه الأول بين زملائه من خريجي الكليات الثلاث بالأزهر، وعددهم خمسمائة.

-      وفي سنة 1958حصل على دبلوم معهد الدراسات العربية العالية في اللغة والأدب.

-      وفي سنة 1960م حصل على الدراسة التمهيدية العليا المعادلة للماجستير في شعبة علوم القرآن والسنة من كلية أصول الدين.

-      وفي سنة 1973م حصل على (الدكتوراه) بامتياز مع مرتبة الشرف الأولى من نفس الكلية، عن: «الزكاة وأثرها في حل المشاكل الاجتماعية»، وكان سبب تأخيره في الحصول على درجة الدكتوراه الظروف السياسية التي مرّت بها مصر آنذاك.

-      في سنة 1961م أعير الشيخ إلى دولة قطر ليتولى إدارة معهدها الديني، ثم ساهم في تأسيس كليتي التربية للبنين والتربية للبنات، وعين مدرسا فيهما.

-      عين عميدا لكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بعد تأسيسها في سنة: 1974، وهو الذي كُلف بوضع المنهج الدراسي لها([4]).

المطلب الثاني: أهم العلماء الذين أثروا في الشيخ وفي منهجه

تأثر الشيخ القرضاوي بشخصيات منذ الصغر كان لها التأثير القوي على تكوين منهجه في كافة المجالات العلمية والفكرية والثقافية والسياسية.

ففي المجالات العلمية تأثر بالإمام الغزالي(ت505هـ) وشيخ الإسلام ابن تيمية (ت728هـ)، وتلميذه ابن القيم (ت751هـ) رحمهم الله من القدماء.

ومن أبرز من تأثر بهم في عصر تحصيله الشيخ محمد الخضر حسين (ت1293هـ)، والشيخ محمد عبد الله دراز (ت1377هـ)، والشيخ محمود شلتوت (ت1383هـ)، والشيخ محمد البهي (ت1402) وغيرهم... رحمهم الله جميعًا.

ومن أهل الفكر والعلم والدعوة كان شديد التأثر بالشيخ حسن البنا (ت1368هـ) وهذا التأثير يظهر من مؤلفاته وكتبه؛ حتى خصص بعض كتبه لشرح مقالات البنّا وكتبه، وكذلك كان متأثرا بالشيخ محمد الغزالي (ت1416هـ)، والشيخ بهي الخولي (ت1397هـ)، والشيخ سيد سابق (ت1420هـ)، وعبد القادر عودة (ت1373هـ)، وغيرهم...([5]).

وكان معجبًا بمفكري وعلماء مدرسة الإصلاح مثل الشيخ جمال الدين الأفغاني (ت1315هـ)، ومحمد عبده (ت1323هـ)، والشيخ رشيد رضا (ت1354هـ) وغيرهم، وكان كثير الدفاع عنهم في كتبه وأدبياته.

ولكن الشيخ رغم تأثره بهؤلاء العلماء والمفكرين؛ لم يكن مقلدا لأحد، ولم يكن يتبع أحدَ هؤلاء في جميع ما يذهب إليه، بل انتقد بعضهم بشدة في بعض فتاويهم واجتهاداتهم([6])، وبعد أن أثبت رصانته العلمية اتبع بنفسه منهجا مستقلا، رضيه لنفسه واختاره في كتبه وأدبياته، وكان التأثر بهؤلاء في بدايات عمره سببا في اختياره وإنشائه لهذا المنهج الوسطي المعتدل السهل، خاصة في مجال الفقه والفتوى، وفي هذا الصدد يقول: «من فضل الله علي أن إعجابي بشخص لم يجعلني أحاول تقليده أو أتقمص شخصيته فأنا والحمد لله لست نسخة من أحد سبقني، بل تكون لي مآخذ فكرية أو سلوكية على بعض الشخصيات التي أحببتها أو أُعجبت بها، ولم يحُل هذا بيني وبين الانتفاع بها»([7]).

المبحث الثاني: منهجية الشيخ القرضاوي في صناعة الفتوى الشرعية

المطلب الأول: منهج الشيخ القرضاوي التأصيلي في الفتاوى

استند الشيخ القرضاوي في صناعة الفتاوى على العلوم والمصادر التشريعية التي استند عليها غالب الفقهاء، وإن كانت له تحفظات وشروط وزيادات في كيفية الاستناد على بعض هذه العلوم والأدلة والمصادر في الفتوي، وكثيرا ما يستند في توجهاته الفقهية وفتاويه الشرعية على ثلاثة علوم: علم أصول الفقه، وعلم مقاصد الشريعة، وعلم القواعد الفقهية، وكانت من الضروري هنا وقفة مع هذه العلوم الثلاثة في تراث الشيخ القرضاوي خاصة في استدلالاته بها في مجال الفتاوى، حتى يظهر لنا من خلالها جزء من منهجه في الفقه والفتوى:

أولًا: علم أصول الفقه

كان الشيخ القرضاوي ملما بعلم أصول الفقه أشد إلمام، ولا تكاد تجد فتوى من فتاواه إلا كان مستدلا بقاعدة أصولية أو مستند أصولي يقوي به فتواه، وكان يتحامل على من لا يعرف أصول الفقه ويقحم نفسه في مجال الاجتهاد والفتوى([8])، وقد كانت له نظرات وتعقيبات على بعض القواعد الأصولية.

نذكر هنا نماذج من كيفية استدلاله ببعض القواعد الأصولية مع جزء من اعتماداته حسب بعض الأبواب الرئيسة لأصول الفقه مما كان له أثر في بنية منهجه في الفتاوى الشرعية:

‌أ.     أدلة الأحكام:

كان الشيخ القرضاوي كعامة الفقهاء والأصوليين يعتمد على الأدلة الرئيسة من أدلة الأحكام: القرآن الكريم والسنة النبوية والإجماع والقياس.

ولكونه حافظًا ضابطًا للقرآن الكريم فإنه كثير الاستدلال بالقرآن الكريم لحضوره عنده، وقد أكد كونه مع السنة المرجعية العليا في الإسلام، وأن لهما العصمة فقط، بخلاف العقل الإسلامي في تفسير القرآن وشرح الحديث واستنباط الأحكام والاجتهاد به؛ فلا عصمة له في مفرداته وجزئياته مع ضرورته لفتح المغاليق وتبيين الطريق وترشيد الفهم وتسديد الاستنباط والاجتهاد...([9]).

أما السنة فقد كان من المحافظين عليها في الاستنباط، وقد كتب في السنة ومنهجية التعامل معها دراية كتبا عدة([10])، وقد أبدع في كتبه في بيان منهجية متوازنة في التعامل مع الأحاديث عامة والأحاديث المشكلة خاصة بإبراز مبادئ وضوابط أساسية في التعامل معها وكيفية حسن فهمها([11]).

وكان الشيخ القرضاوي شديد التمسك بالإجماع ويقيم لمسائله وزنًا ثقيلا، وهو يتجاوز الإجماع الأصولي ويوسع دائرته؛ حيث يقول: «... إني لا أريد بالإجماع هنا الإجماع الأصولي فحسب الذي قد ينازع فيه المنازعون.. إنما أريد ما هو أعمق من ذلك أريد ما يمثل اتجاه الأمة العقلي والنفسي والاعتقادي والسلوكي الذي توارثته خلال قرون وتلقاه الخلف عن السلف والأبناء عن الآباء حتى أصبح جزءا من كيان الأمة الفكري والشعوري، لا يجوز أن تنفصل عنه أو ينفصل عنها. والقضايا التي أجمعت عليها الأمة بيقين، قد لا تكون كبيرة في الكم، كثيرة في العدد، ولكنها بلا ريب كبيرة في الكيف ثقيلة في الوزن خطيرة في الأثر»([12]).

ويقول: «ولقد رأيت بعض العلماء والباحثين المحدثين أو المعاصرين يقللون شأن الإجماع ويشككون في قيمته، حتى دعا بعضهم في جرأة عجيبة إلى حذفه من علم أصول الفقه.. وأود أن أقول هنا: إن الإجماع مهم بل مهم جدا حتى مع ثبوت الحكم بالنص؛ لأن الإجماع هنا قد أفادنا فائدة كبيرة وهي وحدة الفهم للنص. وانتقاله من ظنية الدلالة إلى قطعيتها، ودخول النص حينئذ في المنطقة المغلقة التي لا تقبل التطور ولا تغيّر الاجتهاد.. وأن قيمته ما ذكرناه من إفادة قطعية الدلالة وحماية النص من التلاعب...»([13]).

والظاهر أن الشيخ القرضاوي من المضيقين لدائرة الإجماع الأصولي، ويُقرأ من أقواله إنه يميل إلى إمكان الإجماع في عصر الصحابة وفي العصور الأخرى، لكنه قليل جدا ومع ذلك مهم جدا لا يمكن عدم اعتباره([14]).

أما القياس فله محله الخاص عنده في الفتاوى والأحكام، وقد تحامل على الظاهرية ومن معهم في إنكار القياس والخروج عن قول جماهير العلماء([15]). وفي الاستدلال لفتاواه نراه كثيرا ما يستدل بالقياس الأصولي. ويؤكد أن القياس «إذا اتضحت علته الجامعة بين الأصل والفرع ولم يكن بينهما فارق ظاهر أو خفي، ولم يوجد معارض معتبر وجب الأخذ به باعتباره دليلا شرعيا لا مطعن فيه»([16]).

أما بالنسبة إلى الأدلة الأخرى فأكثر ما يستدل به منها: «المصلحة المرسلة» فهو يعتبر الأخذ بها كدليل شرعي من ضروريات العصر، ونقل في كتابه «السياسة الشرعية» قائمة طويلة من العلماء المعاصرين ممن يعتد بهم في الفتوى والقضاء والعلم الشرعي واعتبروا المصالح المرسلة حجة، وأن «مما دعا هؤلاء العلماء إلى القول بحجيتها ما لمسوه من حاجة الناس في عصرنا إلى اعتبار المصالح من التشريع في الفتوى وفي القضاء»([17]).

ويركّز القرضاوي أيضا على الاستحسان، ويعتبره من أوسع أبواب الاجتهاد، يرفع الحرج ويحقق السعة واليسر، ويحقق المصلحة ومقاصد الشرع([18])، مستشهدا في ذلك بما ذهب إليه الإمام مالك رحمه الله فيما يُروى عنه أنه كان يقول: «الاستحسان تسعة أعشار العلم»([19]).

بل في الحقيقة أن القرضاوي يعتبر كل الأدلة التي ذكرها الأصوليون من أدلة الأحكام المتفق عليها والمختلف فيها ، ويرى أنه لابد أن يستدل بكل منها في موضعه وفي مقامه مادام ييسّر على المسلم في عصره وزمانه ومكانه، فيقول: «والتيسير المنشود للفقه يقتضي أن نأخذ بكل المصادر والأدلة التابعة للأدلة الأصلية والتي اختلف فيها الفقهاء ما بين ناف ومثبت ومضيق وموسع، وكلها تعطي ثراء وسعة للفقيه، فيمكنه أن يستنبط ويخرّج، ويوسع على خلق الله من خلال الشريعة وأدلتها الخصبة»([20]).

‌ب. قواعد دلالة الألفاظ:

الشيخ القرضاوي من أصحاب اللغة ومحبيها ويعدّ أديبا أيضا، وهو يوافق عموم الأصوليين في مسائل دلالة الألفاظ، ولا يحسب على أي من المدرستين لا مدرسة الجمهور المتكلمين ولا مدرسة الحنفية في المسائل الأصولية، بل يمكن أن نقول هو قريب من المدارس المتأخرة الأصولية التي تجمع بين آراء المدرستين وتنتقي من توجهاتهم.

وقد اعتمد كثيرا على القواعد اللغوية الأصولية في الاستدلال لفتاواه، ففي العام والخاص يوافق الحنفية في أنه يوجد من العموميات ما لم يخصّص أي يعمل بعمومه، كأخذه بعموم آيات وجوب الزكاة في جميع الأموال، وأنه يصح التخصيص بالسنة الثابتة المتواترة والمشهورة، فيقول: «أما عموميات القرآن فيجب أن يؤخذ بها ويعمل بدلالتها ولا يجوز أن يخصص عمومها إلا بسنة ثابتة محكمة ونعني بالثابتة أن تكون صحيحة السند، سليمة المتن، فلا انقطاع ولا ضعف في روايتها، ولا شذوذ ولا علة في سندها أو متنها. كما نعني بالمحكمة أن تكون قطعية الدلالة على التخصيص أو راجحة الدلالة عليه رجحانا غالبا»([21]).

وفي دلالة الأمر والنهي يذهب إلى أن الأصل في الأمر الوجوب وفي النهي التحريم في كتاب الله تعالى، بخلاف السنة؛ فالأصل في الأمر الندب وفي النهي الكراهة هذا كله في غير الأوامر والنواهي التي وافقت فيها السنة القرآن أو بيّنت مجملا قرآنيًا([22])، وهذا الرأي لم يأت به الشيخ من نفسه، فهو رأي جماعة من الأصوليين، فقد ذكره الزركشي في معرض بيان دلالة الأمر([23]).

وعمومًا في مسائل دلالة الألفاظ يوافق جمهور الأصوليين وكثيرا ما يستدل بقواعدهم في الفقه والفتوى.

‌ج.   فقه مقاصد الشريعة:

يعتبَر القرضاوي أبرز من تكلم في فقه مقاصد الشريعة خلال العصر الحالي، ويُعتبر المنظّر له والمفكّر فيه، والقارئ لكتب القرضاوي يرى أن الفكر المقاصدي يتضح في كل ما يكتب، خاصة في الأمور الفقهية والفتاوى، ذلك أنه يعتمد على هذا النوع من الفقه في مجال تعليله للأحكام، معتمدًا على المقاصد بالترجيح والوصول إلى الأحكام الشرعية، ثم إن القرضاوي يعتبر وجود فقه المقاصد «الشرط الأساسي، لا بدَّ من توافره كي يبلغ الفقيه درجة الاجتهاد»([24]).

وقد اتخذ القرضاوي من التيسير في الفتوى منهجًا له، لأنه يرى ذلك من مقاصد الشريعة العامة والكلية والقطعية، وتوسّع القرضاوي في فقه المقاصد على اعتبار أنه أبو كل ألوان الفقه كما يقول: «وفي رأيي أن فقه المقاصد هو أبو كل هذه الألوان من الفقه؛ لأن المعنيّ بفقه المقاصد هو: الغوص في المعاني والأسرار والحكم التي يتضمنها النص، وليس الجمود عند ظاهره ولفظه، وإغفال ما وراء ذلك»([25]).

ومن مؤلفات الشيخ التي يُظهِر فيها اهتمامه بالمقاصد: «المدخل لدراسة الشريعة»، و«كيف نتعامل مع القرآن العظيم»، و«كيف نتعامل مع السنّة النبوية»، و«السياسة الشرعية»، و«شريعة الإسلام»، و«مدخل لمعرفة الإسلام»، و«فقه الأولويات»، و«فقه الأقليات»، و«فقه الدولة في الإسلام»، وأخيرًا صدر له كتاب عن دار الشروق بعنوان: «دراسة في فقه مقاصد الشريعة بين المقاصد الكلية والنصوص الجزئية»([26]).

وقد تبنى المنهج الوسطي الذي اختاره ورضي به في التعامل مع علم المقاصد، وحدد لهذا المنهج مرتكزات، سماها «مرتكزات المدرسة الوسطية في علم المقاصد»، وهذه المرتكزات خمسة فصّل فيها القرضاوي تفصيلا مبدعا واستشهد لها بأمثلة واستدلالات في غاية الدقة لا متسع لسرد تفاصيلها، وهي باختصار([27]):

  1. البحث عن المقصد بطرقه المعروفة قبل إصدار الحكم.
  2. فهم النص في ضوء أسبابه وملابساته.
  3. التمييز بين المقاصد الثابتة والوسائل المتغيرة.
  4. الملاءمة بين الثوابت والمتغيرات.
  5. التمييز في الالتفات إلى المعاني بين العبادات والمعاملات.

ثانيًا: القواعد الفقهية

الذي يتتبّع منهج الشيخ القرضاوي في الاستدلال بالقواعد الفقهية يجد أنه سار على منهج واضح في التعامل معها والاستدلال بها، خاصة أن بلوغ الشيخ درجة عالية من النضج الفقهي جعله يعتمد على القواعد الفقهية في كثير من الاجتهادات والفتاوى الفقهية، ويقدم الحلول الفقهية لكثير من المستجدات والقضايا المعاصرة مستندا على قواعد فقهية وأصولية، فَهْمًا لمواقع التنزيل واجتهادًا فيه، ونظرا في مآلاته ونتائجه.

والقرضاوي يتبنى الرجوع والاستناد على القواعد الفقهية التي أصلها الفقهاء استمدادا من القرآن والسنة والاستدلال منها والبناء عليها، وهي كثيرة ولها تطبيقاتها المتعددة في الجزئيات والفروعيات العملية.

ويظهر منهجه في الاستدلال بالقواعد الفقهية من الناحية النظرية والتأصيلية؛ حيث يعمد إلى ذكر مجموعة من القواعد الفقهية وفروعها، كما يأتي على ذكر مستثنياتها، ثم يؤصل لها موضحًا سندها وذكر دليلها الشرعي من الكتاب أو السنة أو من بقية المصادر الشرعية الأخرى.

ومن منهجه الاهتمام بجانب التطبيق والتخريج على تلك القواعد الفقهية، سواء كان على القاعدة الفقهية نفسها، أم على مستثنياتها؛ إذ نجده يبدأ بذكر القاعدة الفقهية أو مجموعة القواعد، كما يظهر في كتابه (القواعد الحاكمة لفقه المعاملات)، ثم يشرحها ويضيف إليها تعليقات، ثم يفرّع عليها ما يتصل بها في مجالها. أي أن القرضاوي يمتاز بالإلحاق والإخراج على القاعدة الفقهية، فبعد ذكره للقاعدة الفقهية يؤصل لها ويربطها بالدليل، ويفرع عليها ما يناسبها من قواعد جديدة، وبعد ذلك يطبقها على المسألة المراد النظر فيها مثل قاعدة: (لا ضرر ولا ضرار) فرّع عنها مجموعة من القواعد هي: الضرر يزال بقدر الإمكان، الضرر لا يزال بضرر مثله أو أكبر منه، يُتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام، يُتحمل الضرر الأدنى لدفع الضرر الأعلى...وغيرها كثير مما مثل له وأصله بمسائل معاصرة وأبدع في بيانه خير إبداع([28]).

المطلب الثاني: منهج الشيخ القرضاوي الإجرائي في الفتاوى

إذا كانت الفتوى في العصور السابقة محصورة ومحبوسة بين المفتي والمستفتي؛ فقد اختلف الوضع في العصر الراهن، ولم تعد الفتوى محصورة بين الطرفين (المفتي والمستفتي) بل أصبح بإمكان الآلاف والملايين من الناس أن يسمعوها، ويعيشوا تفاصيلها بسبب الوسائل الإلكترونية والفضائيات المتاحة([29])

وبما أن الشيخ القرضاوي كان كثير الإفتاء خاصة في الفضائيات؛ فقد أحس بخطورة اللامنهجية في ذلك فألف كتبا مهمة بين فيها منهجه التطبيقي الإجرائي عند صناعة أي فتوى من الفتاوي، وأوضح بالنص الحرفي ما يريد أن تكون عليه الفتوى الشرعية خاصة في هذا العصر، وهنا نحاول أن نلخص قدر الإمكان ما قاله الشيخ في ذلك.

فمثلا في كتابه «فتاوى معاصرة» خصص موضوعا مستقلا في بداية الكتاب وعنونه بـ «نهجي في الإفتاء»، وذكر في هذا الموضع ست نقاط مهمة فصّل فيها بالبيان والاستدلال والتمثيل ما يسير عليه في الفتوى، وهي باختصار([30]):

  1. لا عصبية ولا تقليد.
  2. يسِّروا ولا تعسروا.
  3. مخاطبة الناس بلغة العصر.
  4. الإعراض عما لا ينفع الناس.
  5. الاعتدال بين المتحللين والمتزمتين.
  6. إعطاء الفتوى حقها من الشرح والإيضاح.

ففي شرحه على هذه النقاط الست يؤكد الشيخ أنه لا يتعصب لأي مذهب من المذاهب الفقهية، مع التوقير الكامل للعلماء ولآرائهم الفقهية فإنه لا يقلد أحدا منهم بل يأخذ مما أخذوا وأن هذا ليس بعسير على العلماء، لكن حسبه أن يستدل بالأدلة القوية في المسائل الفقهية، وأن يكون قادرا على الترجيح بين الأقوال بحيث يملك القدرة الكافية على ذلك في المسائل الفقهية المعروضة عليه كليا أو جزئيا، كما يؤكد على التيسير في الفتاوى الفقهية ويشهر لنفسه ولغيره قاعدة استمدها من الأحاديث وهي «على العموم إذا كان هناك رأيان متكافئان: أحدهما أحوط والثاني أیسر، فإني أوثر الإفتاء بالأیسر اقتدا ء بالنبي الذي ما خُیّر بین أمرین إلا اختار أیسرهما ما لم یكن إثمًا» ([31])، أما الأحوط فیمكن أن یأخذ به المفتي في خاصة نفسه، وذلك دون ليِّ أعناق النصوص والخروج عن قواعد الاستدلال؛ فالتيسير الذي يقصده هو أن لا يصادم نصا من النصوص الثابتة المحكمة ولا قاعدة شرعية قاطعة.

كما ركز على مخاطبة الناس بلغة عصرهم التي تفهمها عامتهم، وعلى بيان الحكمة والعلة من النص والفلسفة العامة للشريعة، كما يؤكد على الإعراض عما لا ينفع الناس من المواضيع الفقهية والأسئلة المحرجة الجدلية التي لا تفيد الأمة بشيء أو لا سبيل إلى بيانها لكونها من الأمور الغيبية التي لا نعرف منها إلا ما تعلمناه من النصوص فقط، وكذلك الأسئلة المتعلقة بالمفاضلة بين الأنبياء والصحابة أو النسوة...مما لا تترتب على العلم به قوة في الدين ولا نهوض بالدنيا.

كما بين أنه ينتهج الاعتدال بين من يُسرف في الحلال وسماهم «المحللين» ومن يشدد في التحريم وسماهم «المتزمتين»، فالأولون يريدون تغيير كل شيء بحجة تطور العالم وتغيّر الحياة، والآخرون يريدون أن يحرموا على الناس كل شيء، فأقرب الشيء إلى لسانهم وأقلامهم كلمة «الحرام»، فالمنهج الذي يسلكه هو وسط بين هذين الاتجاهين دون التهاون في النصوص ولا التغاضي عن الواقع. كما يؤكد على ضرورة التفصيل في الفتوى دون المبالغة في ذلك، وذلك لأن الفتوى تكون ناقصة إذا لم يذكر معها دليلها، كما أن ذكر الحكمة والعلة من ضرورياتها في هذا العصر وتقديم التوطئة على البيان التفصيلي والربط بينها وبين الأحكام الأخرى من مزيناتها.

وفي كتابه «الفتوى بين الانضباط والتسيب» يكرر هذه النقاط الست أيضا ويصفها بالمنهج المعاصر الذي اختاره لنفسه بعد قراءات مختلفة: قراءة للمصادر وللتراث وقراءة للواقع والعصر، ويؤكد أن هذا المنهج هو المنهج الذي طبقه ومارسه بالفعل ووجد ثماره وجدواه([32]).

وفي كتابه «الفتاوى الشاذة معاييرها وتطبيقاتها» رأى أن أسباب الشذوذ في الفتوى تأتي من عشرة أشياء، مما يعني أن الشيخ القرضاوي لا يتبنى شيئا من هذه الأشياء في فتاواه، فهي منهجه من جانب العدم في الفتوى، وهذه الأشياء كما ذكر في كتابه «الفتاوى الشاذة» هي:

1.      أن تصدر الفتوى من غير أهلها.

2.      أن تصدر الفتوى في غير محلها.

3.      أن تعارض نصًا قرآنيًا.

4.      أن تعارض نصًا نبويًا متفقا على صحته.

5.      أن تعارض إجماعًا متيقنًا.

6.      أن تعارض قياسًا جليًا أو تعتمد على قياس خاطئ.

7.      أن تعارض مقاصد الشريعة.

8.      أن تصور الواقع على خلاف حقيقته.

9.      أن تستدل بما لا يصلح دليلا.

10.  ألا تراعي الفتوى الزمان والمكان والحال([33]).

وفي شرح هذه النقاط يذكر مسائل مهمة يمكن أن يستفاد منها. منها أنه ينأى بنفسه عن هذه الأمور فيحث الجهات المعنية على ضبط أمور الفتوى واختيار الأكفاء لهذا الأمر العظيم، فيقول: «... وإذا تعين على ولي الأمر منع من لم يحسن التطبيب من مداواة المرضى؛ فكيف بمن لم يعرف الكتاب والسنة ولم يتفقه في الدين أن يتصدّر للفتوى»([34]).

كما يقسِّم أحكام الشريعة إلى دائرتين دائرة مفتوحة يمكن الاجتهاد فيها وتغيير الفتوى فيها، ودائرة مغلقة ثابتة بنصوص قطعية يقينية لا مجال للاجتهاد وتغيير الفتوى بشأنها إلا في آلياتها ووسائلها، حتى تحكمها وتعمقها وتبرزها وتحسّن صورتها، فالفتوى في الدائرة المغلقة تدخل في شذوذ الفتوى في غير محلها، فهذه الدائرة بمثابة الثوابت، وقد عاب على من حاول تغيير ميراث المرأة بدعوى التجديد والمصلحة.

كما شدد في أن يُفتى بفتوى تعارض القرآن معارضة بينة كأن يفتى بإباحة لحم الخنزير في زماننا مع نص القرآن الصريح على تحريم لحم الخنزير في أربع آيات في المكي والمدني، بزعم أن الخنازير التي حرمها القرآن كانت خنازير سيئة التغذية بخلاف خنازير عصرنا، أو الفتوى بتحليل الخمر وخصوصا في البلاد الباردة ... وغيرها.

وكذلك الفتوى بخلاف الأحاديث الصحيحة الصريحة لا مجال لها عند الشيخ القرضاوي، بل ينكر على هؤلاء كثيرا، كما أنكر على الشيخ محمد عبده إباحته للتماثيل «بناء على أن تحريمها كان في وقت يخاف فيه التأثر بالوثنية وما تصوره من صور الآلهة ونحوها... ولم يعد هذا قائما أو مخوفا في عصرنا»، وعلل إنكاره لهذه الفتوى بمخالفتها للأحاديث النبوية الصريحة في ذلك([35]).

كما يؤكد على المحافظة على الإجماع المتيقن فيقرر أن من خالف من أهل الفتوى إجماع الأمة في القضايا اعتبرت فتواه شاذة ولم تلق القبول لدى سائر العلماء، ومثل لهذه الفتوى بفتوى الشيخ الألباني بتحريم الذهب المحلّق للنساء، إذ نقل غير واحد من العلماء الإجماع على إباحة الذهب للنساء واستُمِر عليه طوال القرون الماضية ولم يذكر أحد الخلاف في ذلك، وقد سرد أدلة كثيرة على خلاف ما أفتى به الألباني في ذلك...([36]). كما انتقد بشدة فتوى عدم وجوب الزكاة في عروض التجارة وفصّل القول في كون هذه الفتوى مخالفة للإجماع والأدلة الثابتة.

كذلك فصّل القول في الفتاوى التي تخالف القياس الجلي وانتقد من أجاز الرّبا بين الدولة والشعب قياسا على رواية «لا ربا بين والد وولد»، وأكد أن ذلك ليس بحديث حتى يكون أصلا للقياس، وكذلك أنكر إرضاع المرأة زميلها في العمل لكيلا يقعا في خلوة بدعوى حديث عائشة حيث كان ذلك في واقعة محددة رخصة لسهلة امرأة أبي حذيفة في إرضاع سالم مولى أبي حذيفة الذي عاش في كنف هذه الأسرة ابنا لأبي حذيفة وامرأته وكانا قد تبنياه حتى حرم الإسلام التبني ولكنه بقي في بيتهما كأنه ابنهما. فهذه الرّخصة كانت استثناء من الرسول من قواعد الرّضاع فلا يقاس عليها([37]).

وفي حديثه عن شذوذ الفتاوى التي تخالف مقاصد الشريعة تكلم على فتوى جماعة من الأحباش بإسقاط الجمعة عن من أكل البصل والثوم؛ إذ من تدبر الأحاديث في ذلك يجد فيها أن النهي للزجر عن أكل البقول ذات الرائحة الكريهة لا عن اعتزال المساجد، فالأمر بالاعتزال كان بمثابة العقوبة لمن أكل شيئا من ذلك، إذ يتأذى منه المسلمون قبل الصلاة بمدة قليلة...وكذلك من الشذوذ المخالف لمقاصد الشريعة الفتوى بعدم اعتبار النقود الورقية نقودًا شرعية([38]).

وفي موضوع «تصوير الفتوى للواقع المسؤول عنه تصويرا خاطئا» يبين خطورة ذلك، إذ الخطأ في فهم الواقع كالخطأ في فهم النص أو الدليل، وكلاهما يؤدي إلى الخطأ في الحكم الشرعي، ومثل لها بفتوى الشيخ الألباني بوجوب هجرة المسلمين من فلسطين، وفتوى إباحة الفوائد الربوية البنكية، وفتوى الصلح مع إسرائيل، واعتبر كلا من هذه الفتاوى شاذة مخالفة لفهم الواقع([39]).

وفي الاستدلال للفتوى بما لا يصلح دليلا أنكر على من يستندون إلى الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة، كمن يسلم أمر الكون إلى أربعة أولياء كل واحد يتصرف في ربع الكون، فإذا سئلوا عن دليل ذلك استدلوا بقوله تعالى: ﴿لَهُم مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمۡۚ [الشورى: 22]، ومعلوم أن موضوع الآية موضوع آخر.

وفي موضوع «عدم مراعاة تغيّر الفتوى بحسب الزمان والمكان والحال» قرر أن من مظاهر الشذوذ أن يفتي المفتي فقط بما سطر في الكتب منذ قرون طويلة رغم تغير الحياة والمجتمعات تغيرا جذريا، ومثل بالقول بإلغاء الاعتماد على الحساب الفلكي في رؤية الهلال وتبني الرؤية البصرية فقط في رؤيته([40]).

وقد ركّز كثيرًا على قاعدة «الفتوي تتغير بتغير الزمان والمكان والحال ... وغيرها»، إذ ألّف كتابا مستقلا حول هذا الموضوع بناء على طلب من لجنة التأليف والترجمة للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وسماه «موجبات تغيّر الفتوى في عصرنا»، وهو كتاب مهم، ذكر عشرة متغيرات للفتوى وفصّل في كل واحد منها مستشهدا بأمثلة فقهية دقيقة، وهي:

1- تغير المكان، 2- تغير الزمان، 3- تغير الحال، 4- تغيّر العرف، 5- تغيّر المعلومات، 6- تغيّر حاجات الناس، 7- تغيّر قدرات الناس وإمكاناتهم، 8- عموم البلوى، 9- تغيّر الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، 10- تغير الرأي والفكر([41]).

وهو كتاب قيّم في مواضيعه، يحتاجه كل فقيه وكل مفت في هذا العصر، ولا مجال لنقل بعض تلمساته الدقيقة وأمثلته الرصينة.

المبحث الثالث: نقد فتاوى الشيخ القرضاوي لدى بعض المعاصرين

المطلب الأول: انتقادات ليست في محلها

من المعلوم أن كل إنسان يؤخذ من قوله ويرد إلا الأنبياء عليهم السلام الذين اختصوا بالعصمة، وسدّد الله تعالى لهم خطاهم في الحياة، وأن الشيخ القرضاوي كأي عالم من العلماء لم تُقبل منهجيته بحذافيرها من قبل عامة المسلمين بتوجهاتهم ومدارسهم المعاصرة، فمنهم من قسا في الردّ على بعض فتاويه، ومنهم من اعتدل في ذلك وهذا شأن البشر قد يخلطون بين الحقد والغضب مع المناهج العلمية في النقد والتصحيح، وبما أن الشيخ القرضاوي كان من مدرسة الإخوان ومنظّريها فإنه لم يلق قبولا واسعا من قبل بعض المدارس الإسلامية الأخرى المعاصرة كالسلفية والصوفية إلا المنصفين منهم.

والنقد لابد له من منهجية علمية يتبعها الناقد دون أن يكون انتقائيا لا يأبه بمنهج الكاتب في الاستدلال والاستنباط، فإذا اختلفت أصول الاستنباط والاستدلال فإن الاختلاف في الفروع يكون محتوما، إذًا فلابد ألا ينتقد الكاتب في الفروع الفقهية ولا يناقش في ذلك بل يناقش في أصوله وأدلته.

وهذا الذي رأيته عند أكثر منتقدي الشيخ القرضاوي، فأغلب الانتقادات الموجهة إليه كانت انتقادات في الفروع الفقهية دون أن ينظر الناقد إلى منهجية الشيخ في الاستدلال.

وقد مرّت بنا الأصول والقواعد التي يستند القرضاوي عليها في الفتوى وأهمها التيسير واعتبار المقاصد والمآلات والأولويات وتغيّر الفتوى بمتغيرات؛ ذكرها وفصلها في كتاب مستقل..

وهناك فتاوى قد ندم عليها الشيخ نفسه ورجع عنها، لكن لا يزال البعض يرددها أو يكتب عليها دون أن يوضح بأن الشيخ نفسه قد رجع عنها([42])، وذلك بغرض الإساءة إليه وتلبية لبغض دفين له ولاتجاهاته، من هذه الفتاوى: فتواه في مسألة خدمة الجندي المسلم في الجيش الأمريكي في الحرب على أفغانستان([43]).

والنقد الأكثر شيوعًا لفتاوى الشيخ القرضاوي هو دعوى مخالفته للإجماع في مسائل فقهية منها:

-      دية المرأة.

-      تحليله للموسيقى والمعازف.

-      مسألة الرجم.

-      مسألة فناء النار.

-      عدم وجوب إعفاء اللحية بل هو سنة.

-      مصافحة المرأة.

-      تقديم التعازي لغير المسلمين.

-      إسلام المرأة وبقاء زوجها على دينه.

-      أكل لحوم غير المسلمين الواردة من البلاد الشيوعية.

والحق أن القرضاوي لا يرى نفسه مخالفا للإجماع في هذه المسائل، ويصرح فيها بأنه خالف جمهور العلماء، ولكن يأتي بأدلة قوية ينصر بها مذهبه ويؤكد أن هذه المسائل ليست من المسائل المجمع عليها، وكيف لا؟ فقد كتب على أكثر هذه المسائل كتابات مستقلة يبين فيها أدلته بالتفصيل.

ولا مجال لبيان وجهة نظر القرضاوي في كل تلك المسائل، لكن نبين بإجمال أولى المسائل التي ذكرنا أنها منتقدة عليه بكونها مخالفة للإجماع، ألا وهي دية المرأة:

كتب القرضاوي على هذه المسألة كتابه المشهور «دية المرأة المسلمة نظرات في ضوء النصوص والمقاصد»، وفي هذا الكتاب أتي بأدلة القائلين بأن دية المرأة نصف دية الرجل، وانتقدها جميعا، ثم فصل في القول عن استدلالهم بالإجماع ونقل عنهم ذلك نقلا أمينا علميا، ثم قام بنقد هذا الدليل بصورة مفصلة، ومما قاله في هذا الصدد، قال: «... ودعوى مخالفة إجماع الصحابة غير مسلَّمة، فلم يثبت أنهم أجمعوا بل لم يثبت عن واحد منهم تنصيف الدية للمرأة بسند صحيح صريح.. وكذلك دعوى مخالفة سنّة النبي ﷺ في التفريق بين الرجل والمرأة في الدية فقد بيَّنا من قبل كلام أئمة الحديث المعتبرين: أنه لم تصح سنة عن رسول الله ﷺ في التفريق بين الرجل والمرأة...»([44])، ونقل عن الرازي ما يؤكد عدم ثبوت الإجماع([45])، قال الرازي في تفسيره: «مذهب أكثر الفقهاء أن دية المرأة نصف دية الرجل. وقال الأصم وابن عطية: ديتها مثل دية الرجل، حجة الفقهاء أن عليا وعمر وابن مسعود قضوا بذلك، ولأن المرأة في الميراث والشهادة على النصف من الرجل، فكذلك في الدية. وحجة الأصم قوله تعالى: ﴿وَمَن قَتَلَ مُؤۡمِنًا خَطَ‍ٔٗا فَتَحۡرِيرُ رَقَبَةٖ مُّؤۡمِنَةٖ وَدِيَةٞ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰٓ أَهۡلِهِۦٓ إِلَّآ أَن يَصَّدَّقُواْۚ [النساء: 92]، وأجمعوا على أن هذه الآية دخل فيها حكم الرجل والمرأة، فوجب أن يكون الحكم فيها ثابتا بالسوية والله أعلم»([46]).

فظهر أن هذا الإجماع مزعوم غير صحيح وأن القرضاوي له دليله على دعواه.

ولا مجال هنا لمناقشة باقي هذه المسائل وبيان من هو المصيب: القرضاوي أم المنتقدون، لكن الأهم من ذلك أن نتعرف على موقف القرضاوي من مخالفة الإجماع، وأن القرضاوي ليس من الذين يغيب عنهم أن مخالفة الإجماع لا تجوز، لكن القرضاوي له نظرته الخاصة في هذه المسائل، ولم يقل في شيء منها بغير دليل ولم يخرج عن جادة الفقهاء في الاستدلال والتأصيل.

خلاصة القول أن أكثر ما يقال عن القرضاوي في هذه المسائل إن لم يكن مصيبا فيها ، أنه فقيه خالف الجمهور كغيره من الفقهاء، وله أدلته ومستنده الأصولي والفقهي. أما التفسيق والتكفير واتهامه بمخالفة الإجماع فليست في محلها. والله أعلم

المطلب الثاني: بعض الهنات على الشيخ القرضاوي

الذي أرى أنه لابد أن يؤخذ على شيخنا الدكتور القرضاوي هو مخالفته لمذهبه ومنهجه، فهذا من المآخذ التي يمكن أن نقول إنه في محله، وهذه المخالفة لمنهجه لا أراها كثيرا في فتاويه؛ ولكن المتتبع يرى بعضا منها، وبعد تتبعي المتواضع لكثير من كتبه ومؤلفاته تبين لي أن ذلك لم يرق إلى أن يصير ظاهرة يتميز بها الشيخ، وأيا كان فهو من الأمور غير اللائقة بمكانة هذا العالم المنهجي، وهنا لضيق المقام أشير إلى ثلاثة منها:

أولًا: دلالة الأمر

فكما مرّ بنا سابقا أن القرضاوي يذهب إلى «أن الأصل في الأمر الوجوب في كتاب الله تعالى، بخلاف السنة فالأصل في الأمر الندب فيها، وأن النهي في القرآن الأصل فيه للتحريم، أما في السنة فإن الأصل فيه الندب»([47]).

لكن في معرض استدلاله على وجوب الزكاة في عروض التجارة قال: «ومن السنة ما رواه أبو داود بإسناده عن سمرة بن جندب، قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن تخرج الصدقة مما نعـده للبيع)([48]) والأمر يدل على الوجوب، لأن المفهوم من قوله (يأمرنا) أنه ألقى ذلك بصيغة من صيغ الأمر وهي تدل على الوجوب...» ([49]).

فهذه العبارة الأخيرة لا يذهب إليها القرضاوي، فهو يرى أن الأمر في السنة يدل على الندب، كما بينّا سابقا. وأيضا فليس من منهجه الاستدلال بالحديث الضعيف.

وقد بنى كثيًرا من فتاواه في كتابيه: «الحلال والحرام» و«فتاوى معاصرة» على خلاف قوله الأول في الأمر والنهي.

ثانيًا: تخصيص عموم القرآن

كما أشرنا سابقًا فإن الذي يُقرأ من مذهب الشيخ القرضاوي أنه يوافق الحنفية في أن القرآن إنما يُخصص بالأحاديث المتواترة والمشهورة ([50]).

لكن نرى الشيخ القرضاوي يخصص عموم القرآن بأحاديث الآحاد ويكرر ذلك كثيرا في فتاويه، وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإنه يخصص عموم قوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا كَسَبۡتُمۡ وَمِمَّآ أَخۡرَجۡنَا لَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِۖ [البقرة: 267]، بحديث (ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة)([51])، ويخصص عموم: ﴿وَأَخَوَٰتُكُم مِّنَ ٱلرَّضَٰعَةِ [النساء: 23] بحديث: (نسخن بخمس معلومات) الذي روته عائشة رضي الله عنها فقط... وغير ذلك.

ثالثًا: الاستدلال بالإجماع

بينا في نهجه أنه يحترم الإجماع ويصفه بأنه الدليل المهم، ويثبت وقوعه قطعا، فيقول: «والقضايا التي أجمعت عليها الأمة بيقين، قد لا تكون كبيرة في الكم، كثيرة في العدد ولكنها بلا ريب كبيرة في الكيف ثقيلة في الوزن خطيرة في الأثر»([52]).

لكن نرى أنه يتحامل على الإجماع في كتابه دية المرأة المسلمة حتى يقرّبه إلى عدم فنقل آراء من ينكرون إمكان الإجماع كالشوكاني رحمه الله بشأن الإجماع([53]).

وهذه الهنات لها مبرراتها وتخريجاتها وأعذارها، ففقه الزكاة من أوائل كتبه، ربما تغيرت فتواه في أواخر عمره، وتحامله على الإجماع إنما هو بذكاء دقيق فلم يبد رأيا من نفسه وإنما نقل آراء الإمام أحمد والشوكاني وغيرهما، وكان في معرض دحض أدلة الخصوم لا في معرض بيان منهجه الشخصي. كما كان رحمه الله كثير التأليف في فترات عمره فربما تغير رأيه في مسألة ما ونسي أنه تبناه في أحد كتبه.

وكل ذلك لا ينقص من قدر هذا العالم الفذ الذي أفنى عمره في سبيل العلم والدين، شامخ الرأس في وجه الظلم والطغاة، لم يتهاون بدينه لأحد. غفر الله تعالى له هناته ورفع درجاته في عليين.

خاتمة

بعد هذا العرض التفصيلي لمنهج الشيخ القرضاوي بقي أن أكتب أهم ما توصلت إليه، من نتائج وتوصيات:

النتائج:

أولًا: إن الشيخ القرضاوي قد تأثر في بداية عمره بمدرسة الإصلاح وعلى رأسها الأستاذ حسن البنا، ولكن حقيقة برز في أواخر عمره أنه تجاوزهم في العلم والتأصيل والتأليف وصار علَما للمدرسة الإصلاحية الجديدة.

ثانيًا: إن مدار منهج الشيخ القرضاوي يدور حول «التيسير»، وهو الذي يبرز في أكثر فتاواه، لكنه أبدع في الاستدلال والتأصيل لهذه المنهجية، فلم يتهاون في الأخذ بالنصوص، ولم يتشدد في الاستدلال بها، وحاول قدر الإمكان إيجاد مخارج ميسرة للمسائل المستجدة بوسطية واعتدال.

ثالثا: إن الشيخ القرضاوي بنى لنفسه قواعد في الفتوى في غاية الدقة والوضوح، التزم بها في كتبه وفتاويه أشد التزام، فهي منهج إجرائي يحتاج إليها كل مفت وفقيه.

رابعًا: إن أكثر الانتقادات على الشيخ القرضاوي غير دقيقة وناشئة عن تعصب مذهبي أو اتجاه سياسي، أو عدم فهم لمنهجه في الفقه والفتوى.

خامسًا: لم يدّع القرضاوي لنفسه العصمة وعدم الخطأ، فقد وقعت منه هنات وأخطاء في الاجتهادات والفتوى له أجر المجتهد إن شاء الله، وقد رجع عن بعض فتاويه بكل جرأة وإنصاف.

التوصيات:

أولًا: أوصي القائمين على «موسوعة القرضاوي» أن يضعوا بين أيدي القراء والعلماء هذه الموسوعة المباركة بصورة إلكترونية، إما بإدخالها ضمن المكتبة الشاملة الإلكترونية أو ينشئوا لها مكتبة إلكترونية خاصة، ربما تكون لهذا العمل عقبات أو اعتبارات اقتصادية، لكن هذه الخدمة ستكون أعظم مما قاموا به، إذ لا يستطيع كل الناس اقتناء هذا السفر العظيم أو لا تسعه مكتبته، لكنه إذا كان بصورة إلكترونية يكون سهل التداول والبحث والإفادة والاستفادة.

ثانيًا: أوصي السادة القائمين على المؤتمر أن ينشروا الأوراق العلمية المقدمة في المؤتمر على شكل كتاب أو في مجلة علمية للتعرف على هذا العالم الجليل وعلى منهجه.

ثالثًا: أوصي دولة قطر الأبية أن تفتح جامعة إسلامية عالمية باسم الشيخ القرضاوي في قطر، وعلى منهج الشيخ الوسطي، وتقبل البعثات العلمية من شتى البلدان الإسلامية لكي ينشر هذا الفكر الوسطي المعتدل في شتى ربوع الدول الإسلامية ويتخلص أبناء المسلمين من الأفكار المتشددة الهدامة لأمن الإسلام والمسلمين.


المصادر والمراجع

أولًا: العربية

بن لسبط، لدمية. المنهج الفقهي عند الشيخ يوسف القرضاوي- دراسة تأصيلية. [أطروحة دكتوراه غير منشورة]، قسم الشريعة، كلية العلوم الإسلامية، جامعة الحاج خضر، 1439هـ/2018م.

تليمة، عصام. يوسف القرضاوي فقيه الدعاة وداعية الفقهاء. دمشق: دار القلم، ط1، 1422هـ/2001م.

الرازي، أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي الملقب بفخر الدين الرازي. مفاتيح الغيب = التفسير الكبير. بيروت: دار إحياء التراث العربي، ط3، 1420هـ.

الزركشي، أبو عبد الله بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر. البحر المحيط في أصول الفقه. دار الكتبي، ط1، 1414هـ/1994م.

الزنكي، صالح قادر كريم. «قراءة نقدية للفتاوى الفضائية». مجلة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة قطر، مج35، ع2 (2018). https://doi.org/10.29117/jcsis.2018.0188

الصولي، أبو بكر بن محمد بن يحيى. أخبار أبي تمام. شرحه وحققه وعلق عليه: خليل محمود عساكر، ومحمد بن عبده عزام، ونظير الإسلام الهندي. القاهرة: مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، 1356هـ/1937م.

الطرابلسي، مصطفى بشير. منهج البحث والفتوى في الفقه الإسلامي بين انضباط السابقين واضطراب المعاصرين الأستاذان سيد سابق والقرضاوي نموذجا. عمان: دار الفتح، ط2، 1432هـ/2011م.

القرافي، أبو العباس شهاب الدين أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن المالكي الشهير. الفروق = أنوار البروق في أنواء الفروق. عالم الكتب، [د. ت].

القرضاوي، يوسف. ابن القرية والكتاب، ملامح سيرة ومسيرة. القاهرة: دار الشروق، ط2، 1427هـ/2006م.

–––. الاجتهاد في الشريعة الإسلامية- مع نظرات تحليلية في الاجتهاد المعاصر. الكويت: دار القلم، ط1، 1417هـ/1996م.

–––. تيسير الفقه للمسلم المعاصر في ضوء الكتاب والسنة. بيروت: مؤسسة الرسالة، ط1، 1422هـ/2001م.

–––. الحلال والحرام في الإسلام. القاهرة: مكتبة وهبة، ط1، 1433هـ/2012م.

–––. دراسة في فقه مقاصد الشريعة - بين المقاصد الكلية والنصوص الجزئية. القاهرة: دار الشروق، ط3، 2008م.

–––. دية المرأة في الشريعة الإسلامية - نظرات في ضوء النصوص والمقاصد. بيروت: المكتب الإسلامي، ط1، 1428هـ/2007م.

–––. السياسة الشرعية في ضوء نصوص الشريعة ومقاصدها. القاهرة: مكتبة وهبة، ط4، 1432هـ/2011م.

–––. الفتاوى الشاذة معاييرها وتطبيقاتها وأسبابها وكيف نعالجها ونتوقاها. القاهرة: دار الشروق، ط2، 2010م.

–––. فتاوى معاصرة. الكويت: دار القلم، ط5، 1410هـ/1990م.

–––. الفتوى بين الانضباط والتسيب. القاهرة: دار الصحوة للنشر والتوزيع، ط1، 1408هـ/1988م.

–––. فقه الزكاة - دراسة مقارنة لأحكامها وفلسفتها في ضوء القرآن والسنة. بيروت: مؤسسة الرسالة، ط2، 1393هـ/1973م.

–––. في فقه الأقليات المسلمة. القاهرة: دار الشروق، ط1، 1422هـ/2001م

–––. القواعد الحاكمة لفقه المعاملات. المجلس الأوروبي للإفتاء- الدورة التاسعة عشرة، [د. ت].

–––. كيف نتعامل مع القرآن العظيم. القاهرة: دار الشروق، ط3، 1421هـ/2000م.

–––. المرجعية العليا في الإسلام للقرآن والسنة - ضوابط ومحاذير في الفهم والتفسير. القاهرة: مكتبة وهبة، ط2، 1422هـ/2001م.

–––. موجبات تغيّر الفتوى. الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين- لجنة التأليف والترجمة، [د. ت].

مجذوب، محمد. علماء ومفكرون عرفتهم. الرياض: دار الشواف، ط4، 1992م.

ثانيًا:

References:

al-Qaraḍāwī, Yūsuf. al-Fatāwá al-shādhdhah maʻāyīruhā wa-taṭbīqātuhā wa-asbābuhā wa-kayfa nuʻālijuhā wa-natawaqqāhā. (in Arabic). Cairo: Dār al-Shurūq, 2010.

–––. al-Fatwá bayna al-inḍibāṭ wāltsyb. (in Arabic). Cairo: Dār al-Ṣaḥwah lil-Nashr wa-al-Tawzīʻ, 1408h/1988AD.

–––. al-ḥalāl wa-al-ḥarām fī al-Islām. (in Arabic). Cairo: Maktabat alwhbh, 1433AH/2012AD.

–––. al-Ijtihād fī al-sharīʻah alʼslāmyt-maʻa Naẓarāt taḥlīlīyah fī al-Ijtihād al-muʻāṣir. (in Arabic). Kuwait: Dār al-Qalam, 1417AH/1996AD.

–––. al-marjiʻīyah al-ʻUlyā fī al-Islām lil-Qurʼān wālsnt-Ḍawābiṭ wa-maḥādhir fī al-fahm wa-al-tafsīr. (in Arabic). Cairo: Maktabat alwhbh, 1422AH/2001AD.

–––. al-qawāʻid al-ḥākimah li-fiqh al-muʻāmalāt. (in Arabic). al-Majlis al-Ūrūbbī llʼftāʼ-al-dawrah al-tāsiʻah ʻashrah.

–––. al-siyāsah al-sharʻīyah fī ḍawʼ nuṣūṣ al-sharīʻah wa-maqāṣidihā. (in Arabic). Cairo: Maktabat alwhbh,1432AH/2011AD.

–––. dirāsah fī fiqh Maqāṣid alshryʻt-bayna al-maqāṣid al-Kullīyah wlnṣwṣ al-juzʼīyah (in Arabic). Cairo: Dār al-Shurūq, 2008AD.

–––. Dīyah al-marʼah fī al-sharīʻah alʼslāmyt-Naẓarāt fī ḍawʼ al-nuṣūṣ wa-al-maqāṣid. (in Arabic). Beirut: al-Maktab al-Islāmī, 1428AH/2007AD.

–––. Fatāwá muʻāṣirah, (in Arabic). Kuwait: Dār al-Qalam,1410AH/1990AD.

–––. fī fiqh al-aqallīyāt al-Muslimah. (in Arabic). Cairo: Dār al-Shurūq, 1422AH/2001AD.

–––. fiqh alzkāt-dirāsah muqāranah lʼḥkāmhā wa-falsafatihā fī ḍawʼ al-Qurʼān wa-al-sunnah. (in Arabic). Beirut: Muʼassasat al-Risālah, 1393AH/1973AD.

–––. Ibn al-qaryah wa-al-Kuttāb, Malāmiḥ sīrat wa-masīrat. (in Arabic). Cairo: Dār al-Shurūq, 1427AH/2006AD.

–––. Kayfa nataʻāmalu maʻa al-Qurʼān al-ʻAẓīm. (in Arabic). Cairo: Dār al-Shurūq, 1421AH/2000AD.

–––. Mūjibāt tghyyr al-Fatwá. (in Arabic). al-Ittiḥād al-ʻĀlamī lʻmāʼ almslmyn-Lajnat al-Taʼlīf wa-al-Tarjamah, [n.d].

–––. Taysīr al-fiqh lil-muslim al-muʻāṣir fī ḍawʼ al-Kitāb wa-al-sunnah. (in Arabic). Beirut: Muʼassasat al-Risālah, 1422AH/2001AD.

al-Qarāfī, Abū al-ʻAbbās Shihāb al-Dīn Aḥmad ibn Idrīs ibn ʻAbd al-Raḥmān al-Mālikī al-shahīr. al-Furūq = Anwār al-burūq fī anwāʼ al-Furūq. (in Arabic). ʻĀlam al-Kutub, [n.d].

al-Rāzī, Abū ʻAbd Allāh Muḥammad ibn ʻUmar ibn al-Ḥasan ibn al-Ḥusayn al-Taymī al-mulaqqab bfkhr al-Dīn al-Rāzī. Mafātīḥ al-ghayb = al-tafsīr al-kabīr. (in Arabic). Beirut: Dār Iḥyāʼ al-Turāth al-ʻArabī, 1420 AH.

al-Ṣūlī, Abū Bakr ibn Muḥammad bayna Yaḥyá. Akhbār Abī Tammām. (in Arabic). sharaḥahu wa-ḥaqqaqahu wa-ʻallaqa ʻalayhi: Khalīl Maḥmūd ʻAsākir, wa-Muḥammad ibn ʻAbduh ʻAzzām, wa Naẓyr al-Islām al-Hindī. Cairo: Maṭbaʻat Lajnat al-Taʼlīf wa-al-Tarjamah wa-al-Nashr, 1356AH/1937AD.

al-Ṭarābulusī, Muṣṭafá Bashīr. Manhaj al-Baḥth wa-al-fatwá fī al-fiqh alʼslāmy-bayna aḍbāṭ al-sābiqīn wa-iḍṭirāb al-muʻāṣirīn al-ustādhān Sayyid sābiq wa-al-Qaraḍāwī namūdhajan. (in Arabic). Amman: Dār al-Fatḥ,1432AH/2011AD.

Al-Zanki, Salih K. Karim. “A Critical Reading of Fatwas on Satellite Channels”. Journal of College of Sharia and Islamic Studies, Qatar University, vol. 35, no. 2, (2018). https://doi.org/10.29117/jcsis.2018.0188

al-Zarkashī, Abū ʻAbd Allāh Badr al-Dīn Muḥammad ibn ʻAbd Allāh ibn Bahādur. al-Baḥr al-muḥīṭ fī uṣūl al-fiqh. (in Arabic). Dār al-Kutubī, 1414AH/1994AD.

lidmyah, ibn li-Sibṭ. al-manhaj al-fiqhī ʻinda al-Shaykh Yūsuf alqrḍāwy-dirāsah taʼṣīlīyah. (in Arabic). [PhD Diss.], muqaddimah ilá Jāmiʻat al-Ḥājj khḍr-Kullīyat al-ʻUlūm al-Islāmīyah – Qism al-sharīʻah, 1439AH/2018AD.

Majdhūb, Muḥammad. Ulamāʼ wa-mufakkirūn ʻaraftuhum. (in Arabic). Riyadh: Dār al-Shawwāf, 1992.

Talīmah, ʻIṣām. Yūsuf al-Qaraḍāwī Faqīh al-duʻāh wa-dāʻiyah al-fuqahā. (in Arabic). Damascus: Dār al-Qalam, 1422AH/2001AD.



([1]) ينظر: أبو بكر بن محمد بن يحيى الصولي، أخبار أبي تمام، شرحه وحققه وعلق عليه: خليل محمود عساكر؛ ومحمد بن عبده عزام؛ ونظير الإسلام الهندي (القاهرة: مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، 1356هـ/1937م)، ص204.

([2]) كتاب ألفه الدكتور يوسف القرضاوي بعد إلحاح من قبل محبيه وتلاميذه، يذكر فيه تفاصيل حياته الشخصية والعلمية والدعوية، وقد ألف منه أربعة أجزاء كبيرة وصل في الجزء الرابع منه إلى أواسط التسعينات في القرن الماضي، ولم أقف على أجزاء أخرى ولا أظن أنه قد كتب من الكتاب غير هذه الأجزاء الأربعة.

([3]) لخصت هذه الخلاصة من كتاب: يوسف القرضاوي، ابن القرية والكتّاب، ملامح سيرة ومسيرة (القاهرة، دار الشروق، ط2، 1427هـ/2006م) ج1.

([4]) ينظر: عصام تليمة، يوسف القرضاوي فقيه الدعاة وداعية الفقهاء (دمشق: دار القلم، ط1، 1422هـ/2001م)، ص12-20.

([5]) نقلا عن: محمد مجذوب، علماء ومفكرون عرفتهم (الرياض: دار الشواف، الرياض، ط4، 1992م)، ج1، ص467.

([6]) في كتابه «الفتاوى الشاذة معاييرها وتطبيقاتها» يذكر أنه من المعجبين بابن حزم والشوكاني والقنوجي، ومع هذا ينتقد فتاوى ابن حزم بشدة في مسائل فقهية من كتابه المحلى ويتهمه بالجمود والتمسك بحرفية النصوص، وينقل آراء شاذة له وينقده أشدّ انتقاد، وكذلك ينتقد الشوكاني أيضا ويتهمه بآراء ظاهرية في بعض الأحيان خاصة في عدم وجوب الزكاة في عروض التجارة، ويعتذر عنه بأنه لو عاش في زماننا ورأى من التجار من يملك بضائع وعروضا تقدر بالملايين.. لرجع عن فتواه في ذلك. ينظر: يوسف القرضاوي، الفتاوى الشاذة: معاييرها وتطبيقاتها وأسبابها وكيف نعالجها ونتوقاها (القاهرة: دار الشروق، ط2، 2010م)، ص15-16، 46.

([7]) نقلا عن: مجذوب، علماء ومفكرون عرفتهم، ج1، ص467-467.

([8]) يقول في كتابه: الاجتهاد في الشريعة الإسلامية: «ولقد رأينا عجبًا ممن يقحمون أنفسهم في ميدان الاجتهاد والفتوى وهم لم يتقنوا علم (الأصول) بل أحيانا دون أن يقرأوا كتابا واحدا فيه!، فكثيرًا ما يستدلون بالمطلق وينسون المقيد، ويحتجون بالعام، ويهملون الخاص، ويأخذون بالنص ويغفلون القياس، ويقيسون على غير الأصل، أو يقيسون مع عدم وجود علة مشتركة، أو مع وجود فارق معتبر بين الفرع المقيس والأصل المقيس عليه». يوسف القرضاوي، الاجتهاد في الشريعة الإسلامية - مع نظرات تحليلية في الاجتهاد المعاصر (الكويت: دار القلم، ط1، 1417هـ/1996م)، ص44.

([9]) ينظر: يوسف القرضاوي، المرجعية العليا في الإسلام للقرآن والسنة- ضوابط ومحاذير في الفهم والتفسير (القاهرة: مكتبة وهبة، ط2، 1422هـ/2001م)، ص13.

([10]) من كتبه في السنة: كيف نتعامل مع السنة النبوية، في رحاب السنة، المدخل لدراسة السنة النبوية.

([11]) تنظر المراجع الثلاثة السابقة.

([12]) يوسف القرضاوي، كيف نتعامل مع القرآن العظيم (القاهرة: دار الشروق، ط3، 1421هـ/2000م)، ص350-351.

([13]) يوسف القرضاوي، تيسير الفقه للمسلم المعاصر في ضوء الكتاب والسنة (بيروت: مؤسسة الرسالة، ط1، 1422هـ/2001م) ص82-83.

([14]) ينظر: يوسف القرضاوي، دية المرأة في الشريعة الإسلامية- نظرات في ضوء النصوص والمقاصد (بيروت: المكتب الإسلامي، ط1، 1428هـ/2007م)، ص25-29؛ 83.

([15]) ينظر: القرضاوي، الفتاوى الشاذة، ص15-16.

([16]) القرضاوي، تيسير الفقه للمسلم المعاصر، ص85.

([17]) ينظر: يوسف القرضاوي، السياسة الشرعية في ضوء نصوص الشريعة ومقاصدها (القاهرة: مكتبة وهبة، ط4، 1432هـ/2011م)، ص103-104.

([18]) ينظر: لدمية بن لسبط، المنهج الفقهي عند الشيخ يوسف القرضاوي- دراسة تأصيلية [أطروحة دكتوراه غير منشورة]، قسم الشريعة، كلية العلوم الإسلامية، جامعة الحاج خضر، 1439هـ/2018، ص280.

([19]) أبو العباس شهاب الدين أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن المالكي الشهير بالقرافي، أنوار البروق في أنواء الفروق (عالم الكتب،[د. ت])، ج4، ص146.

([20]) القرضاوي، تيسير الفقه للمسلم المعاصر، ص89.

([21]) ينظر: القرضاوي، المرجعية العليا في الإسلام للقرآن والسنة، ص103.

([22]) القرضاوي، تيسير الفقه للمسلم المعاصر، ص70.

([23]) أبو عبد الله بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي، البحر المحيط في أصول الفقه (دار الكتبي، ط1، 1414هـ/1994م)، ج2، ص292.

([24]) القرضاوي، الاجتهاد في الشريعة الإسلامية، ص43.

([25]) يوسف القرضاوي، دراسة في فقه مقاصد الشريعة- بين المقاصد الكلية والنصوص الجزئية (القاهرة: دار الشروق، ط3، 2008م)، ص15.

([26]) ينظر: تمام أبو الخير، «ملامح البرنامج الإصلاحي والتجديدي للعلامة القرضاوي»، 3/10/2022، استرجع بتاريخ: 24/5/2023، على الرابط: https://www.noonpost.com/content/45355

([27]) ينظر: القرضاوي، دراسة في فقه مقاصد الشريعة، ص153-214.

([28]) ينظر: لدمية، المنهج الفقهي عند الشيخ يوسف القرضاوي، ص280؛ و380-381؛ يوسف القرضاوي، في فقه الأقليات المسلمة (القاهرة: دار الشروق، ط1، 1422هـ/2001م)، ص42-43؛ يوسف القرضاوي، القواعد الحاكمة لفقه المعاملات (المجلس الأوروبي للإفتاء- الدورة التاسعة عشرة)، هذا الكتاب تطرق إلى سبعة قواعد فقهية بالشرح والتفصيل، تنظيرًا وتطبيقًا وتنزيلا على الواقع المعيش؛ إذ يرى أن القواعد تعين على تبيين الحكم الشرعي الصحيح، الذي يقوم على حسن الاستنباط من النص، وحسن تنزيله على الواقع المعيش.

 ([29]) ينظر: صالح قادر كريم الزنكي، «قراءة نقدية للفتاوى الفضائية»، مجلة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة قطر، مج35، ع2 (2018)، استرجع بتاريخ: 2/4/2024. https://qspace.qu.edu.qa/handle/10576/11713

([30]) القرضاوي، فتاوى معاصرة (الكويت: دار القلم، ط5، 1410هـ/1990م)، ج1، ص12-32.

([31]) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الحدود، باب إقامة الحدود والانتقام لحرمات الله، رقم: 6786.

([32]) يوسف القرضاوي، الفتوى بين الانضباط والتسيب (القاهرة: دار الصحوة للنشر والتوزيع، ط1، 1408هـ/1988م)، ص107-142.

([33]) القرضاوي، الفتاوى الشاذة، ص25.

([34]) المرجع نفسه.

([35]) ينظر: المرجع السابق؛ يوسف القرضاوي، الحلال والحرام في الإسلام (القاهرة: مكتبة وهبة، ط1، 1433هـ/2012م)، ص118.

([36]) القرضاوي، الفتاوى الشاذة، ص42-43.

([37]) المرجع السابق، ص52-53.

([38]) المرجع السابق، ص57، 59.

([39]) المرجع السابق، ص60-88.

([40]) المرجع السابق، ص90-93.

([41]) ينظر: يوسف القرضاوي، موجبات تغيّر الفتوى (الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين- لجنة التأليف والترجمة)، ص40-101.

([42]) انتقد صاحب كتاب: «منهج البحث والفتوى في الفقه الإسلامي - بين انضباط السابقين واضطراب المعاصرين الأستاذان سيد سابق والقرضاوي نموذجا» هذه الفتوى بالتفصيل مع أن كتاب الفتاوى الشاذة قد طبع سنة 2010، والكتاب الذي انتقد فتوى القرضاوي صدر سنة 2010م، فمن الحتم أن الكاتب لم ير كتاب القرضاوي؛ لأنه رجع عنها وخطّأ نفسه فيها. ينظر: مصطفى بشير الطرابلسي، منهج البحث والفتوى في الفقه الإسلامي - بين انضباط السابقين واضطراب المعاصرين - الأستاذان سيد سابق والقرضاوي نموذجًا (عمان: دار الفتح، ط2، 1432هـ/2011م)، ص449-450.

([43]) القرضاوي، الفتاوى الشاذة معاييرها وتطبيقاتها وأسبابها وكيف نعالجها ونتوقاها، ص124.

([44]) ينظر: القرضاوي، دية المرأة المسلمة، ص31-33.

([45]) المرجع نفسه.

([46]) أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي الملقب بفخر الدين الرازي، مفاتيح الغيب = التفسير الكبير (بيروت: دار إحياء التراث العربي، ط1420هـج10، ص179.

([47])القرضاوي، تيسير الفقه للمسلم المعاصر، ص70.

([48]) أخرجه أبو داود في سننه، في كتاب الزكاة، باب العُروض إذا كانت للتجارة هل فيها زكاة؟ رقم: 1562، قال المحقق شعيب أرناؤوط: إسناده ضعيف، وحسَّن إسناده ابن عبد البر في الاستذكار.

([49]) ينظر: يوسف القرضاوي، فقه الزكاة - دراسة مقارنة لأحكامها وفلسفتها في ضوء القرآن والسنة (بيروت: مؤسسة الرسالة، ط2، 1393هـ/1973م)، ج1، ص317.

([50]) ينظر: القرضاوي، المرجعية العليا في الإسلام للقرآن والسنة، ص103.

([51]) ينظر: القرضاوي، فقه الزكاة، ج1، ص24. والحديث أخرجه البخاري، كتاب الزكاة، باب ليس فيما دون خمس ذود صدقة، رقم: 1459.

([52]) القرضاوي، كيف نتعامل مع القرآن العظيم، ص350-351.

([53]) القرضاوي، دية المرأة المسلمة، ص25-28.