دعوى اضطراب المنهج الفقهي عند الشيخ القرضاوي: دراسة وتقييم

أيمن صالح

أستاذ الفقه وأصوله، كلية الشريعة، جامعة قطر، قطر

ayman.saleh@qu.edu.qa

تاريخ الاستلام: 16/10/2023                               تاريخ التحكيم: 12/12/2023                                تاريخ القبول: 20/12/2023

ملخص البحث

هدفُ البحث: اختطَّ الشيخ القرضاوي، رحمه الله، منهجًا فقهيًّا مباينًا للمناهج الفقهيّة السائدة في السّاحة العلميّة، ولا سيما المناهج المذهبيّة التقليديّة والمناهج السَّلفيّة، وتتابع عددٌ من الباحثين من الاتجاه المذهبي التقليدي على وسم منهجه هذا بالتناقض والاضطراب؛ أي إنّه لا يسير على أصول فقهية منهجية مطّردة ثابتة، بل يغيِّر فيها عند النظر الفقهي، بحسب المسائل، استجابة لضغوط الواقع، وتوخّيًا للأسهل. وقد أقاموا جملة من الدلائل، وضربوا عددًا من الأمثلة لإثبات هذه الدّعوى. وقد هدف البحث إلى دراسة هذه الدّعوى، كما عرضها أصحابها، لبيان مدى صدقها وصحّتها.

منهج الدراسة: اتبع الباحث المنهج الوصفي التحليلي ثم النقدي، حيث عرض الدعوى ودلائلها كما ذكرها أصحابها، ثم ناقشها إجمالا وتفصيلا في ضوء طبيعة الاجتهاد عند الفقهاء، وواقعه في منهج الشيخ القرضاوي.

النتيجة: خلص الباحث إلى أنّ الدّعوى المذكورة تفتقر إلى الدّقّة والموضوعيّة، وأنّ منهج الشيخ، رحمه الله، وإن شابه من الاضطراب ما لا يخلو منه مذهب مجتهد، فهو لا يقلّ ثباتًا وانتظامًا عن منهج الفقه المذهبي.

أصالة البحث: البحث هو أوّل دراسة تتناول دعوى اضطراب المنهج عند الشيخ القرضاوي وتُقيِّمُها.

الكلمات المفتاحية: القرضاوي، المناهج الفقهية المعاصرة، الاجتهاد المعاصر

 

للاقتباس: صالح، أيمن. «دعوى اضطراب المنهج الفقهي عند الشيخ القرضاوي: دراسة وتقييم»، مجلة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة قطر، المجلد 43، العدد 1 (2025)، عدد خاص بمؤتمر «قراءات في قضايا التجديد والترشيد في فكر الشيخ يوسف القرضاوي».

https://doi.org/10.29117/jcsis.2025.0401

 ©2025، صالح، أيمن، مجلة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، دار نشر جامعة قطر. نّشرت هذه المقالة البحثية وفقًا لشروط Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0). تسمح هذه الرخصة بالاستخدام غير التجاري، وينبغي نسبة العمل إلى صاحبه، مع بيان أي تعديلات عليه. كما تتيح حرية نسخ، وتوزيع، ونقل العمل بأي شكل من الأشكال، أو بأية وسيلة، ومزجه وتحويله والبناء عليه، طالما يُنسب العمل الأصلي إلى المؤلف. https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0

 


 

The claim of Methodological Inconsistency in Sheikh al-Qaraḍāwī’s Jurisprudential Approach: A Study and Evaluation

Ayman Saleh

Professor of Jurisprudence and Its Principles

College of Sharia and Islamic Studies, Qatar University, Qatar

ayman.saleh@qu.edu.qa

Received: 16/10/2023                      Peer-reviewed: 12/12/2023                            Accepted: 20/12/2023

Abstract

Objectives: Sheikh al-Qaraḍāwī established a jurisprudential approach distinct from the prevalent methodologies in the scholarly arena, notably differing from traditional madhhab-based (school-based) and Salafi methodologies. Numerous scholars from the traditional school-based perspective have described his approach as contradictory and inconsistent, suggesting it lacks consistent, systematic, and established jurisprudential principles. They argue that he alters his approach in accordance with the issues at hand, often influenced by contemporary circumstances and in favour of the easier option. These scholars have presented a range of evidence and examples to support their claims. This study aims to examine these claims, as presented by their proponents, to assess their accuracy and validity.

Methodology: The author employed a descriptive, analytical, and then critical approach, presenting the claims and their evidence as cited by their proponents and then discussing them both generally and in detail in light of the nature of ijtihad (independent reasoning) among jurists, mainly as it appears in Sheikh al-Qaraḍāwī’s methodology.

Results: The author concludes that the aforementioned claims lack precision and objectivity and that the Sheikh’s methodology is no less stable and consistent than the traditional school-based jurisprudential approach.

Originality: This study is the first to address and evaluate the claims of methodological inconsistency in Sheikh al-Qaraḍāwī’s approach.

Keywords: al-Qaraḍāwī; Contemporary jurisprudential methodologies; Contemporary ijtihad

 

Cite this article as: Saleh, A. “The claim of Methodological Inconsistency in Sheikh al-Qaraḍāwī’s Jurisprudential Approach: A Study and Evaluation”, Journal of College of Sharia and Islamic Studies, Qatar University, Vol. 43, Issue 1 (2025), Special Issue on “Reflections on Renewal and Moderation in the Thought of Sheikh Yūsuf al-Qaraḍāwī”.

https://doi.org/10.29117/jcsis.2025.0401

© 2025, Saleh, A. Published in Journal of College of Sharia and Islamic Studies. Published by QU Press. This article is published under the terms of the Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0), which permits non-commercial use of the material, appropriate credit, and indication if changes in the material were made. You can copy and redistribute the material in any medium or format as well as remix, trans.form, and build upon the material, provided the original work is properly cited. The full terms of this licence may be seen at: https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0

 


 

مقدمة

إن الشيخ يوسف عبد الله القَرَضاوي (1926-2022م)، رحمه الله، من أبرز أهل الدعوة والفتوى في العصر الحديث، حتى سُمّي بـ«فقيه الدّعاة وداعية الفقهاء»، وقد اختطّ منهجًا في الفقه والفتوى كان مثار جدل عند كثير من المعاصرين.

ومن أبرز ما استجلب نقدَ الناقدين، وأثار حفيظة المتحفِّظين، في هذا المنهج، دعوةُ الشيخ، واعتمادُه في منهجه، على أمرين:

أحدهما: التحرّر من التقليد المذهبي، بـ«الانتقاء» في الفتوى، لا من أقوال الأئمة الأربعة فحسب، بل ومن أقوال غيرهم من المجتهدين.

والأمر الثاني: التيسير في الفتوى، وهو ما عدُّوه تساهلًا، لا تيسيرًا، والمقصود بذلك اختياره القول الأهون على المكلّف، وإنْ أدّى ذلك إلى الخروج عن أقوال المذاهب الأربعة، بل حتّى عن بعض الإجماعات المنقولة عن المتقدّمين، أحيانًا.

فأمّا الأمر الأوّل فأثار حفيظة أنصار منهج التمذهب الفقهي، الدّاعين إلى التزام مذهب بعينه، والقائلين بتحريم الخروج عن المذاهب الأربعة إلى مذاهب غيرهم.

وأمّا الأمر الثاني فأثار حفيظة المذهبيّين، واللامذهبيّن، أيضًا، من أنصار منهج ما سُمّي بـ«السلفيّة العِلميّة»، سواءٌ في اتّجاهها الحديثي الميّال إلى الظاهرية، على طريقة الألباني، رحمه الله، وأتباعه، أم اتّجاهها المذهبي الدَّليلي، على طريقة ابن باز وابن عثيمين، رحمهما الله، ومن يسير سيرهما.

ومِمّا زاد من حدّة النّقد الموجّه إلى منهج الشيخ، رحمه الله؛ هجومُه المتكرِّر على المنهجين السابقين كليهما: ووسمُه إيّاهما، صراحةً أحيانًا، وتلميحًا أحيانًا أخرى، بالتضييق والتشديد، والجمود، والظاهرية، والسطحية([1])، فكان طبيعيًّا أن يتعرّض منهجه، في المقابل، إلى هجوم مضادٍّ من أنصار كلا المنهجين، ولا سيما أنّهما يضُمَّان مُعظم المشتغلين بالفقه في عصرنا، رغم ما بينهما من جدالٍ وعراك فقهيّ مُستحكِم.

والمتعرضون لمنهج الشيخ ممن ينتسبون للاتجاه السلفي، كسليمان الخراشي، في كتابه: «القرضاوي في الميزان»؛ وعبد الله موسى في كتابه «الرد على القرضاوي والجديع»؛ وصالح الفوزان في كتابه، «الإعلام بنقد كتاب الحلال والحرام»، كانوا في الغالب أشدَّ حدّة في نقد منهج الشيخ، رحمه الله، وأكثر فجاجةً وسطحيّةً، في الوقت نفسه، من المذهبيّين؛ لأنَّ كثيرًا منهم أعني من تصدى لنقد الشيخ من السّلفيّين انتقد على الشيخ مسائلَ وأقوالًا اختارها، وهي قارّة في الخلاف الفقهي بين المذاهب المعتبرة، ولها حظٌّ معتبر من النظر والاستدلال، كإباحة التصوير الفوتوغرافي مثلًا؛ إذ هو جائز بمقتضى مذهب المالكية الذين لا يحرّمون من التصاوير إلا ما كان ذا ظلٍّ كالتماثيل، وكقوله بجواز إخراج القيمة في الزّكوات؛ إذ هو مذهب الحنفيّة، وجماعة من السَّلف، وكقوله بعدم وجوب إعفاء اللحية وعدم تحريم حلقها؛ إذ يجيزه الشافعيّة مع الكراهة في معتمد مذهبهم، وكقوله بجواز كشف المرأة وجهَها وكفَّيها؛ إذ هو مذهب كثير من الفقهاء، بل قيل هو مذهب الجمهور، وكتجويزه إسبال الثوب من غير خيلاء؛ إذ هو كذلك مذهب الجمهور. فإنكار هذه المسائل وأمثالِها على الشيخ بالحِدّة التي بدا عليها من بعض أهل الحديث، وبعض منتسبي المنهج السّلفي، لم يكن سائغًا، ولا مقبولًا، لدى أكثر العلماء والمتفقّهة ذوي التوجّهات الأخرى، كالمتمذهبة، وأكثر الأكاديميّين، والدّعاة، والحَرَكيّين، فضلًا عن عامّة النّاس والمثقّفين.

وأمّا المذهبيّون، فعلى خلاف ذلك، كان نقدهم للشيخ هادئًا، ومُستهدِفًا، في الغالب، الجانب المنهجيَّ في فقهه، مع نأيهم بأنفسهم عن نقد قوله في المسائل التي استقرّ فيها الخلاف بين المذاهب، أصليّةً كانت هذه المسائل أم فرعيّة. وعلى هذا كان نقدهم أكثر عمقًا، وأجدى أسلوبًا، وأدعى قبولًا، وأقوى تأثيرًا في الأوساط العلميّة والأكاديمية.

ومِمّا نودّ قوله في مستهلّ هذه الورقة، التي جعلناها لدراسة إحدى أبرز الدّعاوى النّقدية التي وُسِم بها منهج الشيخ: إنّ الشيخ، رحمه الله، بشرٌ يصيب ويخطئ. وإنّه على الرغم من اختلافنا معه في منهجه التيسيري العام، وفي بعض الفتاوى التي ذهب إليها نتيجة لذلك المنهج، فإنّه، رحمه الله، قد بذل جهده وأدّى ما عليه من حقّ الاجتهاد والنّصيحة للأمّة، ممّا وجب على من كان مثله في العلم والدعوة أن يؤدّيَه؛ ولذلك فإنّ اجتهاداتِه واختياراته الفقهية، رحمه الله، تدور، إن شاء الله، بين الأجر إن أخطأ، والأجرين إن أصاب. وما أحسن ما قال هو، رحمه الله: «إنّ الذين يُسقِطون العلماء الأعلام لبعض أخطاء وقعوا فيها، ليسوا منصفين، وليسوا بمصيبين، لأنّهم يطلبون العصمة فيمن ليس بمعصوم، وأيّ جوادٍ لا يكبو؟ وأيّ سيفٍ لا ينبو، وأيّ عالم لا يهفو؟!»([2]).

كما أُحبُّ أن أذكِّر في مستهلّ هذه الورقة بأنّ المتعاصرين من العلماء والفقهاء، قلَّ أن يُسلِّم بعضُهم لبعض، بالأهليّة الفقهيّة، والكفاءة الاجتهاديّة، لمن يُباينهم، أو يناوئُهم، في المنهج. وهذا كما ينطبق على منتقدي الشيخ من ذوي الاتجاهات الفقهيّة المخالفة له، فإنّه ينطبق على الشيخ نفسه، وعلى كثير من أنصاره، في نقدهم تلك الاتجاهات. ولذلك قيل: المعاصرة حجاب، وهو داءٌ قديم، وظاهرةٌ لا تُخطئها العين في تاريخ الفقه، فقد قال الإمام الشافعي، رحمه الله، مُبيِّنا تفرّق أهل العلم وعدم تسليم بعضهم لبعضٍ في الفقه والفتوى في زمنه:

«الذي ينصف غيرُ موجود في الدنيا... ليس من بلد إلا وفيه من أهله الذين هم بمثل صفته [أي بمثل صفة العالم المشهود له بالفقه] يدفعونه عن الفقه، وينسبونه إلى الجهل، أو إلى أنّه لا يحلّ له أن يفتي، ولا يحلّ لأحد أن يَقبل قولَه». ثم ذكر الشافعي نماذج عديدة على ذلك من حال الفقهاء في مختلف الأمصار.

إشكاليّة البحث

يحاول البحث الإجابة عن السؤال المركزي الآتي:

ما مدى صحّة الدّعوى بوصف المنهج الفقهي للشيخ القرضاوي، رحمه الله، بالتناقض والاضطراب؟

ويتفرّع عن هذا السؤال سؤالان:

ما المقصود بدعوى الاضطراب في منهج القرضاوي؟ ومَن أصحاب هذه الدّعوى؟

ما الدلائل التي قدّمها أصحاب هذه الدّعوى على صحّتها؟ وما تقييم([3]) هذه الدلائل؟

أهداف البحث

يهدف البحث إلى:

      1.       بيان المقصود بدعوى الاضطراب في منهج القرضاوي الفقهي، ومَن قال بهذه الدعوى.

      2.       عرض الدلائل التي قدّمها أصحاب دعوى التناقض والاضطراب وتقييمُها.

هيكل البحث

سنعالج قضايا هذا البحث في مقدمة، ومبحثين، وخاتمة:

المبحث الأول: دعوى الاضطراب في منهج القرضاوي الفقهي ودلائلها.

المطلب الأول: أبرز القائلين بدعوى الاضطراب في منهج القرضاوي.

المطلب الثاني: المقصود بدعوى الاضطراب في منهج القرضاوي.

المطلب الثالث: الدلائل التي أُقيمت على صحّة دعوى اضطراب منهج القرضاوي الفقهي.

المبحث الثاني: تقييم دعوى الاضطراب في منهج القرضاوي الفقهي.

المطلب الأول: تقييم إجمالي لدعوى الاضطراب في منهج القرضاوي الفقهي.

المطلب الثاني: تقييم تفصيلي لبعض دلائل دعوى الاضطراب في منهج القرضاوي الفقهي.

والخاتمة أجملت فيها نتائج البحث وتوصياته.

المبحث الأول: دعوى الاضطراب في منهج القرضاوي الفقهي ودلائلها

المطلب الأول: أبرز القائلين باضطراب منهج القرضاوي الفقهي

أوّلُ من وقفت عليه من المذهبيِّين يصف منهج الشيخ القرضاوي بالخلط والتناقض هو الشيخ عبد الحميد طهماز الحموي الحنفي (1937م 2010م)، رحمه الله، وذلك في مقدّمة كتابه «نظرات في كتاب الحلال والحرام في الإسلام»، إذ قال: «ولا مناص لكلِّ باحث في أحكام الشريعة الإسلامية من الرجوع إلى آرائهم وأقوالهم [أي المذاهب المتّبعة]، وإنّ كلَّ من سوّلت له نفسه مخالفة أقوالهم، والخروج على آرائهم، وقع في الخلط والخبط والتناقض والتهافت»([4]).

وأبرز من توسَّع في دعوى التناقض والاضطراب هذه هو الباحث مصطفى بشير الطرابلسي في كتابه: «منهج البحث في الفقه والفتوى بين انضباط السابقين واضطراب المعاصرين: السيّد سابق والأستاذ القرضاوي نموذجًا»، الصادر عن دار الفتح للدراسات والنشر في الأردن في العام 2010م. والكتاب كله تقريبًا يرمي بنَفَسٍ هادئ في الكتابة وطويل إلى إثبات دعوى التناقض والاضطراب، و«اللاموضوعيّة»، في اجتهادات المعاصرين غير المذهبيّين، وأنّ طريق التمذهب هو الوحيد المتّسم بالثبات وعدم التناقض بين أصوله بعضها مع بعض، وبين أصوله وفروعه، بخلاف المناهج الانتقائيّة، كمنهجي الشيخين: سيّد سابق والقرضاوي.

وممّن وجدتُّه أخيرًا كرّر دعوى الطرابلسي اضطرابَ منهج الشيخ القرضاوي، وركّز على إبرازها، والتمثيل لها، الدكتور عبد الإله العرفج في كتابه: «المناهج الفقهية المعاصرة: عرض وتحليل»، نشرته مكتبة آفاق للنشر، في العام 1436هـ/2015م، بتقريظ الشيخ حاتم بن عارف العوني الشريف، حيث جعل العرفج المناهج الفقهية المعاصرة ثلاثة: المذهبي، ومثّل له بمذهب الإمام الشافعي، رحمه الله، والسّلفي، ومثّل له بالألباني، رحمه الله، والتيسيري، ومثّل له بالقرضاوي، رحمه الله.

وانتهى العرفج إلى أنّ المنهج المذهبي يتّسم بالانضباط والثبات بخلاف المنهجين الآخرين: السّلفي والتيسيري. وقد كان في دعواه أكيس عقلًا، وأكثر واقعية، وأقلّ مبالغة، من الطرابلسي حيث لم يدّعِ الثبات بإطلاق للتمذهب الفقهي، ولا الاضطراب بإطلاق لمنهج القرضاوي، وإنّما حاصل الأمر عنده كثرةُ الانضباط في المنهج المذهبي، مقارنة بمنهج القرضاوي الانتقائي. وهذه الدّعوى أخفّ بكثير من دعوى الطرابلسي.

وممّا قال:

«وقد تبيّن لي بعد بحث أنّ المناهج الفقهية الثلاثة: المذهبي والسّلفي والتيسيري تضطرب أحيانًا في الالتزام بقواعدها الأصوليّة، إلا أنّ المنهج المذهبي يتميّز عنهما بانضباط أكبر بقانون الاجتهاد والاستنباط من خلال المراجعة الذاتية المستمرّة التي يقوم بها علماء المذهب الفقهي، طبقة بعد طبقة. أمّا علماء المنهج السّلفي والمنهج التيسيري فإنّ بعضَهم وليس كلّهم لا يلتفت إلى هذه القواعد الأصوليّة، ولذلك يقعون في الاضطراب من حين لآخر بسبب إعراضهم عنها...»([5]).

المطلب الثاني: المقصود بدعوى الاضطراب في منهج القرضاوي الفقهي

يوضّح الطرابلسي دعوى التناقض والاضطراب في منهج الشيخ القرضاوي تحت سؤالٍ صاغه بقوله: «ما المعنى المقصود بالتناقض في المنهج»([6])، ثم أجاب عليه بما حاصله:

أنّ المجتهد لا بدّ له من منهج وقواعدَ يسير عليها، وأنّ هذا أمرٌ تمليه طبيعة العلم والبحث، ومسلَّمات العقل وبديهياته. والخروجُ عن هذه القواعد التي ارتضاها المجتهد سَلفًا، وخرقُها، يؤدّي به حتمًا إلى الوقوع في أخطاء على رأسها التناقض المنهجي، ومعنى هذا التناقض: «أن يقرِّر باحثٌ صِحّة قاعدة في مكان، ثمّ يقرِّر بطلانها في مكان آخر، أو أن يُقرِّر حكمًا يناقض قاعدةً سبق له القول بصحّتها، أو العكس، بأن يُقرِّر حكمًا يتّفق مع قاعدة سبق له إبطالها»([7]).

وعليه، فالتناقض المنهجي الذي قال الطرابلسي إنّ القرضاوي وقع فيه نتيجةَ خروجه عن التقليد المذهبي، يتمثّل في ثلاثة أمور:

أحدها: أنّه يقرّر صحّة قاعدة في موضعٍ ما، ثمّ يقرّر بطلانها نفسها في موضع آخر.

والأمر الثاني: أنّه يقرّر صحّة قاعدة ما في موضع ما، ثمّ يقرّر أحكامًا فرعيّة تتناقض مع هذه القاعدة.

والأمر الثالث: أنّه يقرِّر بطلان قاعدةٍ ما، ثمّ يقرّر في موضعٍ آخر أحكامًا فرعيّة تنسجم مع هذه القاعدة التي أبطلها.

وأمّا العرفج فقد اقتفى طريقة الطّرابلسي، وذكر طَرَفًا من أمثلته نفسها، ولكن من غير أن يشير إليه!، ومِمّا قال:

«إذا أراد العالم أن يتحرّر من التزام المذهب الفقهي جملةً وتفصيلًا، فإنّه يجوز له ذلك بشرط تحقيقه شروط الاجتهاد، والتزامِ منهجٍ أصولي واضحٍ، وطريقةٍ مطّردة في الاجتهاد الفقهي، بحيث يكون له رأيٌ محدَّد حول كلِّ قاعدة أصوليّة، وأن يلتزم بهذا الرأي الأصولي في اجتهاداته، ولا يسوغ له أمران: أوّلهما: أن يخوض غمار الاجتهاد الفقهي غيرَ ملتفتٍ لقواعد المنهج الاجتهادي الذي يسير عليه، وثانيهما: أن تتغيّر قواعده الأصوليّة من حينٍ لآخر بدون سبب، فإن تغيّرت باجتهادٍ صحيح، فإنّ عليه مراجعة المسائل الفقهية التي بناها على خلاف القواعد الأصوليّة. وقد التزم المنهجُ المذهبيُّ فقط بهذا، أمّا المنهجان الآخران: السلفي والتيسيري فقد اضطّربا»([8]).

المطلب الثالث: الدلائل التي أُقيمت على صحة دعوى اضطراب منهج القرضاوي الفقهي

ذكر الطرابلسي اثنتي عشرة مسألة/عنوانًا استدل فيها على تناقض منهج القرضاوي الفقهي، واكتفى العرفج بذكر ثلاث مسائل منها فقط. وفيما يأتي بيان هذه المسائل بإيجاز، وأُحيل القارئ إلى المرجعين المذكورين لقراءة التفاصيل، والوقوف على النقول ومراجعها:

أوّلا: تناقضه في إجازة الفتوى بأقوال الصحابة والتابعين. أي أنّه أجاز الفتوى بأقوالهم في موضع، وقال إنها ليست حجّة في موضع آخر([9]).

ثانيًا: تناقضه بين النّظريّة والتطبيق في صفة دليل التحريم؛ حيث قال في موضع: إنّ فقهاء الحنفيّة وبعض المالكيّة لا يثبتون التحريم إلا بدليل قطعيٍّ لا شبهة فيه، وفي مواضع أخرى كثيرة حرّم أشياء بناءً على خبر آحاد([10]).

ثالثًا: تناقضه في تحديد دلالة صيغة الأمر، أهي للوجوب أم للندب، حيث ذكر في مواضع أنّ ظاهر الأمر المجرّد عن القرائن يدلّ على الوجوب، وفي كتابه «نحو أصول فقه ميسّر» رجّح أنَّ أوامره تعالى فقط على الوجوب، أمّا أوامر النبي، صلى الله عليه وسلم، فالأصل فيها الندب([11]).

رابعًا: تناقضه في تخصيص عامّ القرآن بخبر الآحاد، حيث أيّد رأي الحنفيّة في قولهم بقتل المسلم بالذمّي، الذي بنوه على أنّ خبر الآحاد لا يخصّص عامّ القرآن، فردّوا بذلك حديث «لا يُقتل مسلم بكافر»([12])، وفي مواضع أخرى صرّح بأنّ الخبر الصّحيح الصّريح يخصّص عامَّ القرآن، وطبّقه في مسائل عديدة([13]).

خامسا: تناقضه في تقرير قاعدة «العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب». حيث قرّر في موضع قول الجمهور بأنّ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ثمّ في مسألة ولاية المرأة رجّح أنّ الحديث: «لن يفلح قومٌ ولَّوْا أمرهم امرأة»([14]) مخصّصٌ بالسبب الذي ورد فيه، وهو قصّة تولية ابنة كسرى مكانه([15]).

سادسًا: تناقضه في تعليل جواز تمثيل المرأة، وتعليل منعها من إمامة الرجال في الصّلاة، حيث علَّل منعها من الإمامة بأنّها مظنّة الفتنة وتحريك غريزة الرجال، في حين أنّ هذه العلّة نفسها حاصلة في التمثيل([16]).

سابعًا: تناقضه في شروط الإجماع، حيث اعتدّ بالإجماع في مسائل رغم مخالفة بعض الشذوذ لهذا الإجماع، كما في مسألة وجوب صدقة الفطر، وفي مواطن أخرى نقض الإجماع بمخالفة بعض الشذوذ، بعد انعقاد الإجماع، كمسألة دية المرأة، وحكم الردة، وإسلام أحد الزوجين، وعقوبة الرجم، وجهاد الطلب، وفناء النار([17]).

ثامنًا: تناقضه في عدم الاعتداد بالإجماع والترجيح برأي الأكثرية، حيث ذكر في موضع أنّ رأي الأكثرية والجمهور يُعدّ مرجّحًا في المسائل، ومع ذلك فإنّه لم يأخذ بما ورد فيه إجماع لا برأي الجمهور فحسب في مسائل أخرى([18]).

تاسعًا: تناقضه في الاستدلال بحديث النهي عن مسّ المرأة الأجنبيّة: «لأن يُطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خيرٌ له من أن يمسّ امرأة لا تحلّ له»([19]) ، حيث أجاز مصافحتها بلا شهوة، وأوّلَ المسّ الوارد في الحديث بالمسّ بشهوة، في حين أنّه في مسألة ذهاب المرأة إلى صالونات التجميل (الكوافير) حرَّم مسّ الرجل الأجنبي للمرأة ليزيّنها، واستدلّ بالحديث المانع من المسّ نفسه([20]).

عاشرًا: تناقضه فيما يُقدَّم من المرجّحات عند تعارض الأدلّة، حيث أيّد الأخذ بالأحوط في مسألة تحريم الفوائد الربويّة، في حين أنّه في مسائل أخرى كثيرة يؤيّد الأخذ بالأيسر([21]).

حادي عشر: تناقضه في الاستدلال بأثر ابن مسعود، رضي الله عنه: «الجماعة ما وافق الحقّ، وإن كنت وحدَك»([22])، حيث ذكر في مسألة أنّ هذا الأثر لا يصدق إلا في الأمور التي ينصّ عليها الشرع نصًّا ثابتًا صريحًا يقطع النزاع، أمّا الأمور الظنّية والاجتهادية فرأي الأكثرية فيها معتبر، وخالف ذلك في مسألة دية المرأة حيث لم يبال برأي الغالبيّة مستشهدًا بأثر ابن مسعود نفسه([23]).

ثاني عشر: تناقضه في الاستدلال بحديث افتراق الأمّة على ثلاثٍ وسبعين فرقة، حيث ضعّفه في كتاب، وحشد الأدلة على ضعفه، وصحّحه في كتاب آخر، وبنى عليه تبديع الشيعة([24]).

المبحث الثاني: تقييم دعوى الاضطراب في منهج القرضاوي الفقهي

رغم أنّي، كما سبق أن أشرت في مقدّمة هذا البحث، لا أتّفق مع الشيخ القرضاوي، رحمه الله، في مبالغته في منهج التيسير، لا في التأصيل ولا في التفريع، فإنّي، أيضًا، لا أتّفق مع الباحثَيْن الطرابلسي والعرفج في وصم منهج الشيخ بالتناقض والاضطراب، سواءٌ الاضطراب المطلق، كما هو مقتضى كلام الطرابلسي، أم النسبي مقارنة بالمنهج المذهبي، كما هو مقتضى كلام العرفج. وذلك لما سأوضّحه من أسباب في المطلبين الآتيين:

المطلب الأول: تقييم إجمالي لدعوى الاضطراب في منهج القرضاوي الفقهي

بعد التأمّل والبحث فيما أورده الباحثان الطرابلسي والعرفج من دلائل ونقد لمنهج الشيخ القرضاوي خلصا فيه إلى اضطراب منهجه، فإنّي لا أرى ما وصلا إليه دقيقًا ولا موضوعيًّا، وذلك للأسباب الآتية:

الأوّل: عدد الدلائل التي قدّمها الباحثان على تناقض القرضاوي، حتّى على فرض التسليم بها كلِّها مع أنّ كثيرًا منها غير مسلّم قليلٌ جدًا إذا ما قورن بعدد المسائل التي تصدّى لها الشيخ بالبحث والفتوى، وبحجم المادّة الفقهية المكتوبة والمرئيّة التي خلّفها، رحمه الله. وقد أقرّ العرفج بقلّة المسائل التي تُنتقد على القرضاوي، فقال في ختام نقده لمنهجه: «ولكن فقه التيسير والاجتهاد الانتقائي جعلاه [أي القرضاوي] يتكلّف في بعض الفتاوى وهي قليلة إلى درجة مخالفة الإجماع ومعارضة الجماهير ومناقضة الأصول، أسأل الله أن يغفرها له»([25]).

وقال بعد أن تعرَّض سريعًا للكتب التي وضَّح بها القرضاوي منهجه في الفتوى:

«إنّ الشروط والضوابط والمعايير والموجبات التي ذكرها الشيخ القرضاوي، حفظه الله، في كتبه يمكن الاتّفاق عليها نظريًّا، ولست بصدد مناقشتها، ومنها يتبيّن أنّ الشيخ يتبنى فقهًا تيسيريًّا منضبطًا لا منفلتًا، ولكن بعض التطبيقات العمليّة لمنهج الاجتهاد التي سار عليها الشيخ ندَّت وشذَّت عن بعض الضوابط النّظرية التي قرَّرها في كتبه»([26]).

وإذا كان كذلك، وكانت تناقضاته، رحمه الله، «قليلة»، فلا أدري كيف يُعدّ المنهج المذهبي أكثر ثباتًا، وانضباطًا، وأقلّ تناقضًا، من منهجه، مع أنّ ما اختلفت فيه أقوال أئمة المذاهب وأتباعهم في مسائل الأصول والفروع لا يُحصى كثرة.

فأمّا اختلاف أقوال كلّ إمام في فروعه فحدِّث ولا حرج من اختلاف الأقوال والروايات عنهم حتى إنّها لتزيد أحيانًا عن ثمان روايات في المسألة الواحدة، كما في مذهب الإمام أحمد، رحمه الله، وكذلك تتعدّد أقوالهم، وأقوال أصحابهم، في الأصول التي يعتمدونها ويصحِّحونها، وما أكثر الفروع التي قالوا بها، وهي لا تجري على أصولهم، أو على الأصول التي نسبها إليهم أتباعهم، ولا سيما في مذهب الحنفية.

ومع أنّ هذه الحقيقة بشأن الفقه المذهبي ظاهرة جدًّا، ومعلومة لكلّ مختصٍّ بالفقه وأصوله، فلا بأس أن نذكر بعض الأمثلة والدلائل على الاختلاف المذهبي في تقرير الأصول، وعدم اطّراد الفروع معها:

فمثلًا: رغم أنّ الإمام الشافعي، رحمه الله، هو الوحيد من الأئمة الأربعة الذي دوّن أصوله في كتابه الرسالة، وغيره من الكتب، وكان هذا يقتضي أن يقلَّ خلاف أصحابه في تقرير مذهبه في القضايا الأصوليّة، إلا أنّ الأمر كان بخلاف ذلك، فقد تعدّدت أقواله وأقوال أتباعه في تقرير الأصول، ومن ذلك أصولٌ مركزيّة كبرى، منها على سبيل المثال لا الحصر: حجّيّة قول الصحابي، وحجّيّة الإجماع السكوتي، وحجّيّة أصل سدّ الذرائع، ودلالة الأمر هل هي للوجوب أو الندب، وتخصيص العموم بالمعنى المستنبط منه، وتخصيصه بالقياس، وتخصيصه بسبب النزول أو الورود، وتخصيصه بالسّياق، وإذا تعارض الأصل والظاهر فأيّهما يُقدّم، ونسخ السنة بالقرآن، ونسخ الإجماع بالإجماع، والاحتجاج بالقراءة الشاذّة، والقياس في الرّخص، وغير ذلك من المسائل، وهي كثيرة لمن تتبّعها، حتّى دليل الاستحسان الذي بالغ الشافعي، رحمه الله، وقدماءُ أصحابه، في ردّه وذمّه، حتى قال ابن العربي: «أنكره الشافعي وأصحابُه، وكفَّروا أبا حنيفة في القول به تارة، وبدَّعوه أخرى، وقد قال به مالك»([27]). أقول: حتّى الاستحسان رُويت عن الشافعي مسائلُ عدّة، الظاهرُ منها اعتمادُه عليه، ذكر منها الزركشي ما يزيد على العشر، وأجاب أتباعُه عن ظاهر استدلاله بالاستحسان فيها، بأنّ الشافعي: «إنّما استحسنَ ذلك بدليلٍ يدلُّ عليه»([28]). وهو الجواب نفسه الذي أتى به الحنفية والمالكية عن قول أئمتهم بالاستحسان: إنّما هو لدليل دلّ عليه، لا قولًا بالتشهي والتلذّذ، كما زعم الشافعي، رحمه الله، فإذا كان ذلك كذلك فلماذا الإنكار على أبي حنيفة إذن!

وممّا يدلّ على اضطراب الأتباع في تقرير مذهب إمامهم في الأصول والفروع وكثرة اختلافهم؛ ما انتقد به أبو شامة المقدسي (ت 655هـ) أصحابَه من الشافعية؛ لأنّهم:

«يختلفون كثيرًا فيما ينقلون من نصوص الشافعي، رحمه الله، وفيما يصحِّحونه منها ويختارونه، وما ينسبونه إلى القديم والجديد، ولا سيما المتأخّرين منهم، وصارت لهم طرق مختلفة خراسانيّة وعراقيّة، فترى هؤلاء ينقلون عن إمامهم خلاف ما ينقله هؤلاء، والمرجع في هذا كلّه إلى إمام واحد، وكتبه مدوّنة مرويّة موجودة، أفلا كانوا يرجعون إليها، ويُنَقُّون تصانيفَهم من كثرة اختلافهم عليها»([29]).

وقريبٌ من هذا ما قاله ابن حمدان الحنبلي (ت 695هـ) عن التآليف المذهبيّة، وهو أنّ الأتباع بدلًا من تحقيق أقوال الإمام، ونقلها باللفظ لا بالمعنى، مع بيان تواريخها وقرائنها، بدلًا من ذلك:

«يقابلون هذا التحقيق، بكثرة نقل الرّوايات والأوجه والاحتمالات، والتهجّم على التخريج والتفريع، حتّى لقد صار هذا عادة وفضيلة، فمن لم يكن منه بمنزلة، لم يكن عندهم بمنزلة، فالتزموا للحميّة نقلَ ما لا يجوز نقله لما علمتَه آنفًا. ثمّ قد عمّ أكثرَهم، بل كلَّهم، نقلُ أقاويلَ يجب الإعراض عنها في نظرهم، بناء على كونها قولًا ثالثًا، وهو باطل عندهم، أو لأنّها مرسلة في سندها عن قائلها، وخرّجوا ما يكون بمنزلة قول ثالث، بناء على ما يظهر لهم من الدليل، فما هؤلاء بمقلِّدين حينئذٍ!»([30]).

مثالٌ آخر: أبو حنيفة، رحمه الله، لم يدوِّن أصوله، وإنّما استنبط أتباعُه أكثرها ممّا روي عنه، وعن صاحبيه من فروع، مع اختلافهم الكثير في تقريرها، ولا سيما المدرستان السمرقنديّة، والعراقيّة، فلكلٍّ منهما أصولٌ متباينة، مع أنّها أصول مذهب واحد، وفضلًا عن ذلك فإنّه قلّما يسلم لهم منها أصلٌ من أن يَرِد عليه من الفروع ما يخالفه، ولا ينسجم معه، حتى شكَّك الدّهلوي (ت 1176هـ)، في كثيرٍ منها أن تكون أصولًا لأبي حنيفة وصاحبيه، فقال، رحمه الله:

«اعلم أنّي وجدتُّ أكثرهم يزعمون أنّ بناء الخلاف بين أبي حنيفة والشافعي، رحمهما الله، على هذه الأصول المذكورة في كتاب البزدوي ونحوه، وإنّما الحقّ أنَّ أكثرها أصولٌ مخرّجة على قولهم...»([31]). ثمّ أورد الدّهلوي أمثلة من هذه الأصول وما يخالفها ويناقضها من فروع المذهب.

ومن الأمثلة على عدم اطّراد فروع الحنفية مع أصولهم ما أسهب الإمام الشافعي، رحمه الله، في بيانه ونقده من مسائل ما يجري فيه القياس. قال إمام الحرمين:

«نقل أصحاب المقالات عن أصحاب أبي حنيفة أنّهم لا يرون إجراء القياس في الحدود، والكفّارات، والتقديرات، والرّخص، وكلِّ معدول به عن القياس. وتتبّع الشافعيُّ مذاهبهم، وأبان أنّهم لم يفوا بشيءٍ من ذلك...»([32]) وذكر طائفة من الفروع المناقضة للأصل الذي أصّلوه.

وعلى كلِّ حال فاختلاف أقوال الأئمّة وأتباعِهم في التأصيل والتفريع، وفي انسجام التفريع مع التأصيل، من الكثرة والظهور بمكان، وقد أكثر ابن حزم، رحمه الله، من ذكر هذه الاختلافات عادًّا إيّاها من تناقضات الأئمّة وأتباعهم في الأصول والفروع([33]).

وممّا قال، رحمه الله:

«لا أحصي كم وجدت للحنفيّين والمالكيّين والشافعيّين تصحيح رواية ابن لهيعة، وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه، إذا كان فيها ما يوافق تقليدهم في مسألتهم تلك، ثمّ ربّما أتى بعدها بصفحة، أو ورقة، أو أوراق، احتجاجُ خصمهم عليهم برواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه، أو برواية ابن لهيعة، فيقولون: هذه صحيفة، وابن لهيعة ضعيف»([34]). وقال: «قد كتبنا في مناقضتهم في هذا الباب [أي دعواهم أنّ قول الصاحب إذا لم يُعرف له مخالف إجماع] وغيرِه، كتابًا ضخمًا تقصّينا فيه عظيم تناقضهم، وفاحش تضادّ حِجاجهم وأقوالهم. ونذكر هنا، إن شاء الله تعالى، يسيرًا دالًّا على الكثير؛ إذ لو جُمع تناقُضُهم لأتى منه ديوانٌ أكبر من ديواننا هذا كلِّه»([35]). ثمّ ذكر جملة وافرة من الأمثلة، وقال: «ومثل هذا لهم كثيرٌ جِدًّا جاوز المئين من القضايا، قد جمعناها، والحمد لله، في كتابنا الموسوم بكتاب الإعراب عن الحيرة والالتباس الموجودين في مذاهب أهل الرأي والقياس»([36]).

فكيف بعد هذا يزعم الباحثان أنّ المنهج المذهبي أكثر ثباتًا وانضباطًا من منهج القرضاوي الذي لم يتناقض، ولم يشذّ كما قال العرفج إلا في مسائل قليلة!

والسبب الثاني: أنّ الاختلاف في التأصيل والتفريع، سواء الذي ورد عن الأئمّة الفقهاء، أم عن القرضاوي، رحم الله الجميع، هو شيءٌ طبيعي ومتوقّع في كلّ عمل بشري، وذلك لقوله تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَۚ وَلَوۡ كَانَ مِنۡ عِندِ غَيۡرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخۡتِلَٰفٗا كَثِيرٗا٨٢ [النساء: 82]. فالاختلاف والتعارض هو سمة الأعمال البشرية لا محالة، ولو اعتبرنا مثل هذا الاختلاف قادحًا في المنهج لما سلم لنا منهجٌ بشري على الإطلاق.

على أنّ كثيرًا من هذا الاختلاف في عمل الفقهاء لا ينبغي أن يُعدّ تناقضًا؛ وذلك لأربعة أمور:

الأوّل: أنّ كثيرًا منه من قبيل تغيُّر الرأي، فما يقوله العالم في زمن قد يقول غيرَه في زمن لاحق لتغيّر اجتهاده. وهذا مثلًا ما لاحظناه في قول القرضاوي في بعض كتبه إنّ الأصل في الأمر الوجوب، ثم تفريقه، في كتب أخرى، بين ما كان في القرآن فالأصل فيه الوجوب، وما كان في السنة فالأصل فيه الندب؛ إذ القول الأوّل في كتبه القديمة، كفقه الزكاة، والثاني في كتبه المتأخّرة. وهذا ليس من التناقض في شيء. وهذا أعظم سبب لاختلاف أقوال العالم الواحد إذا ثبت اختلافها عنه. وهو دليل كمال عقل المجتهد ونضوج فكره وحيويته وعدم تكلسه وجموده. قال القرافي (ت 684هـ)، رحمه الله، منتقدًا من يعيبون على الفخر الرازي كثرة تقلّبه واختلاف أقواله:

«العلوم ليست تقليدية، ولا يجمد فيها على حالة واحدة طول عمره، إلا جامد العقل، فاتر الذهن، قليل الفكرة، فاتر الفطنة، إلا في الأمور الجليلة جدًّا؛ فإنها لا تتغيّر عند العقلاء... فهذا الاختلاف ممّا يدل على وفور علم الإمام وجودة عقله ودينه...، فهذا بأن يُشكر به الإمام أولى وأحرى، وأن يُجعل من صفات كماله، لا من صفات نقصانه. ولقد رأيت جماعة قَصُرت هممهم عن فهم كلام الإمام، والاشتغال بتحصيل معاني كتبه، فيعيبونه بهذا، وينفِّرون الناس، ويقولون: «هو ينقض كلامُه بعضُه بعضًا، فلا تشتغلوا به»، وطولَ الزمان ينقلون عن الشافعي وغيره من السادة الكرام عِدّة أقوال في المسألة الواحدة، ولا يَعُدّ ذلك أحدٌ من معايبهم، بل من كمالهم؛ فَلِمَ لا يفعلون ذلك هاهنا؟! بل من جهل شيئا، عاداه، وعادى أهله»([37]).

ويذكر المؤرّخ ابن حارث الخُشَني (ت 361هـ): في ترجمة يحيى بن عمر الأندلسي أنّه كان يُسأل عن المسألة في أزمان متباعدة «فلا يختلف قوله، ولا يتناقض جوابه»، فعلَّق الخُشَني قائلًا: «هذا الوصف منه يدلّ على ركود النظر، وقِلّة الإجالة للفِكر، وعلى الاقتصار على المقال المحفوظ»([38]).

والأمر الثاني: أنّ من الخطأ الظنّ أنّ الفقيه إذا قال بأصلٍ دالٍّ على الحكم ظنًّا، كقول الصحابي، أو الإجماع السكوتي، أو خبر الواحد، أنّه ينبغي أن يطّرد استدلاله بهذا الأصل في المسائل الفقهية كلّها. فهذا ما لا تجد فقيهًا يفعله. وتركُ مراعاة هذا الأمر هو ما أوقع ابن حزم، رحمه الله، في الخطأ في كثير من إلزاماته ودعاواه تناقضَ الأئمّة الفقهاء وأتباعِهم في الاستدلال. وسببُ عدم اطّراد الفقيه في الاستدلال بالأصل المُعيّن، مع قوله بحجّيته، أنّ الفرع الفقهي كثيرًا ما تتجاذبه، وتتعارض فيه، أصولٌ عدّة، أو أدلّة مختلفة، فيُرجِّح الفقيه الاعتماد على أحد هذه الأصول في هذا الفرع، كقول الصحابيِّ مثلًا، وفي فرع آخر يرجِّح أصلًا أو أصولًا أخرى؛ لأنّها أقوى، أو أكثر، أو أحوط، ولغير ذلك من الأسباب والمرجّحات، ويترك قولَ الصحابي.

وعلى ذلك، فاعتماد الفقيه على قول الصحابي، أو على غيره من الأصول، في فرعٍ من الفروع، وتركُه إيّاه في فرعٍ آخر، ليس تحكُّمًا ولا تناقضًا، كما قد يبدو للناظر نظرًا سطحيًّا، أو ظاهريًّا على طريقة ابن حزم، رحمه الله، بل نتيجةَ موازناتٍ تقوم على جملة من الاعتبارات المختلفة تختصّ بكلِّ مسألة وحدها. ومثلُ هذا التصرّف لا يُعدّ تناقضًا، وأكثر إلزامات ابن حزم، رحمه الله، للفقهاء هي من هذا الصِّنف.

ولأجل هذا المَلحظ، وهو عدم اطراد أخذ الفقيه بالأصل المعيّن عند التفريع انتقد ابن اللحّام الحنبلي (ت 803هـ) تتابعَ جماعة من الأصوليين على أنّ مذهب الشافعي في الجديد أنّ قول الصحابي ليس بحجّة، استنادًا إلى أنّ الشافعي يحكي أقوالا للصحابة في مسائل الفروع ثمّ يخالفها، فقال، رحمه الله:

 «وهذا فيه نظرٌ ظاهرٌ جِدًّا، فإنّه لا يُحفظ له في الجديد حرفٌ واحدٌ أنّ قول الصّحابي ليس بحجّة. وغايةُ ما تعلّق به هؤلاء من نقل ذلك أنّ الشافعي يحكي أقوالًا للصّحابة في الجديد ثمّ يخالفها. وهذا تعلّقٌ ضعيف جِدًّا؛ فإنّ مخالفة المجتهد للدّليل المعيَّن لما هو أقوى منه في نظره، لا يدلُّ على أنّه لا يراه دليلًا من حيث الجملة، بل خالف دليلًا لدليل أرجح عنده منه»([39]).

ولأجل هذا الملحظ أيضًا انتقد عددٌ من العلماء مبدأ تخريج أصول إمام من الأئمّة من فروعه، أو العكس، مع نسبة ذلك إليه، سواء، أكان المخرَّج أصلًا أم فرعًا. قال ابن فرحون (ت 799هـ) في ترجمة الفقيه ابن بشير المالكي (ت بعد 526هـ): «كان، رحمه الله، يستنبط أحكام الفروع من قواعد أصول الفقه، وعلى هذا مشى في كتابه «التنبيه»، وهي طريقة نبَّه الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد أنَّها غير مُخلصة، وأنَّ الفروع لا يطّرد تخريجها على القواعد الأصوليّة»([40])، وأنّه كما قال التنبكتي «بنى فروعًا على قواعد أصوليّة، وأدخلها في المذهب كذلك، ومسائلُ المذهب لا تجري جميعُها على قواعد الأصول»([41]). وقال ابن تيميّة (ت 728هـ): «فما أكثر ما يُحكى عن الأئمة ما لا حقيقة له! وكثيرٌ من المسائل يخرّجها بعض الأتباع على قاعدة متبوعه، مع أنّ ذلك الإمام لو رأى أنّها تفضي إلى ذلك لما التزمها، والشاهد يرى ما لا يرى الغائب»([42]). وقال ابن القيّم (ت 751هـ): «المتأخِّرون يتصرّفون في نصوص الأئمّة، ويبنونها على ما لم يخطر لأصحابها ببال، ولا جرى لهم في مقال، ويتناقله بعضهم عن بعض، ثمّ يَلزمُهم من طرده لوازمُ لا يقول بها الأئمّة ، فمنهم من يطردها ويلتزم القول بها، ويضيف ذلك إلى الأئمة، وهم لا يقولون به فيروج بين الناس بجاه الأئمة، ويفتى ويحكم به والإمام لم يقله قط؛ بل يكون قد نصّ على خلافه»([43]). وقال العبّادي (ت 994هـ): «تطابقُ ما في الأصول وما في الفروع في الترجيح غير لازم، فكثيرًا ما يتخالفان»([44]).

والأمر الثالث: أنّ بعض الناس يظنّ أنّ الفقيه إذا قال بجواز الاحتجاج بأصلٍ ما أو صحّة الاستدلال به أنّه يُوجب الأخذ بهذا الأصل، مع أنّ القول بالجواز يعني التخيير ولا يقتضي الوجوب، كقول بعضهم بجواز تخصيص العموم بالقياس مثلًا، فمن يقول بذلك لا يلزمه أن يَخصَّ العام بالقياس في كلّ مسألة تعارضا فيها، بل يخضع الأمر عنده غالبًا للموازنة بين قوّة العام من جهة، وقوّة القياس من جهة أخرى، ولهذا يختلف الترجيح في المسائل. وكثيرٌ من المسائل الأصولية التي يُنقل فيها عن الإمام قولان، بتصحيح أصلٍ والاحتجاج به، أو عدم تصحيحه وترك الاحتجاج به، إنّما تكون من هذا القبيل، فالصّواب أنّه قولٌ واحد للإمام لا قولان: قولٌ بالجواز من حيث الجملة، ويختلف الترجيح في التفاصيل، لا قولان: أحدهما بالحجّيّة، وآخر بعدمها.

والأمر الرابع: أنّ الفقيه قد يستدلّ بأصلٍ لا يقول به، أو يراه ضعيفًا، لا لأنّه يعوّل عليه، وإنّما ليُلزم به خصمه ممّن يقول بحجّيّة هذا الأصل، ويقنعه بما ينبني عليه، لأنّ هذا الخصم يراه حجّة، أو يراه قويًّا، أو يورده الفقيه مع علمه بضعفه ليستكثر من الحجج؛ لأنّها تتقوّى ببعضها. وهذا كثير في احتجاج الفقهاء بما يوافق رأيهم من آراء الصحابة والتابعين أو الإجماعات السكوتية، أو الأحاديث الضعيفة، أو رأي الجمهور، مع أنّهم لا يقولون بحجيّة مثل ذلك لو انفرد، أو يقولون بحجيّته، لكن بشروطٍ لم تتحقّق في المسألة محلّ البحث.

ومن تصرّفات الفقهاء التي يظنّها بعض الناس من التناقض، وهي ليست كذلك، أن يستدلّ الفقيه ببعض ما جاء في الحديث ويترك بعضه الآخر، مع أنّه حديث واحد. كما دلَّ عليه قول الإمام إبراهيم النَّخَعي (ت 96هـ)، رحمه الله: «إنّي لأسمع الحديث، فأنظر إلى ما يُؤخذ به، فآخذ به، وأدع سائره»([45])، ومثلُه فيما روى المرُّوذي (ت 275هـ) عن الإمام أحمد، رحمه الله (ت 241هـ)، أنّه قال: «إنّ النبي ﷺ قد زوَّج على خاتم لمن ليس عنده شيء. قلتُ [المرّوذي]: وعلى سورة. قال: دع هذا. قلتُ: أليس هو صحيح؟ قال: دعه، إذا نهيتك عن شيء فانته»([46]). ووجه ذلك أنّهم يأخذون من الحديث ما شهدت له أدلّة أخرى، ويتركون منه ما عارض تلك الأدلّة، أو رأوه منسوخًا أو نحو ذلك ممّا يستوجب عدم العمل به، ولو كان صحيح السند. ومن ذلك أخذُ الإمام مالك (ت 179هـ)، رحمه الله، بشطر ما رواه من حديث ابن عباس، رضي الله عنه: أنّه قال: «صلَّى رسول الله ﷺ الظهر والعصر جميعًا. والمغرب والعشاء جميعًا. في غير خوف ولا سفر»([47])، فقال بالجمع بين المغرب والعشاء في الحضر، دون الظهر والعصر، وذلك لما جرى به عمل أهل المدينة في ذلك.

ومثلُ ما سبق من التصرّفات يقع من الشيخ القرضاوي، رحمه الله، كغيره من الفقهاء. وعليه، فانتقاده ووسمُ منهجه بالاضطراب؛ لأنّه في مسألة استظهر بأقوال الصحابة، أو بالإجماع السكوتي، في حين أنّه في مسألة أخرى ترك قول الصحابي أو الإجماع السكوتي، ولم يرهما حجّة، هو من جنس ما انتقده ابن حزم، رحمه الله، على أئمّة المذاهب وأتباعهم، وهو في فقههم أكثر بكثير منه في فقه القرضاوي. والصّواب أنّه لا وجه لهذا الانتقاد، لا عليهم، ولا على القرضاوي، لأنّه لا مانع في محاورات الفقهاء، وما جرت به عادتهم في البحث والجدل، أن يستكثر الفقيه من الحجج، سواء أكان هو يحتجّ بها أم لا، ما دام الفقهاء المخالفون في المسألة، يحتجّون بها في الجملة.

وقد قال ابن تيمية، رحمه الله (ت 728هـ)، ردًّا على من انتقده بأنّه احتج بحديثٍ ضعيف:

«هذا الخبر لم يُذكر للاعتماد عليه، بل ذُكِر في ضمن غيره ليتبيّن أنّ معناه موافقٌ للمعاني المعلومة بالكتاب والسنة، كما أنّه إذا ذُكر حكمٌ بدليل معلوم ذُكر ما يوافقه من الآثار والمراسيل وأقوال العلماء وغير ذلك، من الاعتضاد والمعاونة، لا لأنّ الواحد من ذلك يُعتمد عليه في حكم شرعي.

ولهذا كان العلماء متّفقين على جواز الاعتضاد والترجيح بما لا يصلح أن يكون هو العُمدة؛ من الأخبار التي تُكُلِّمَ في بعض رواتها لسوء حفظ، أو نحو ذلك، وبآثار الصحابة والتابعين، بل بأقوال المشايخ والإسرائيليات والمنامات مِمّا يصلح للاعتضاد. فما يصلح للاعتضاد نوع، وما يصلح للاعتماد نوع، وهذا الخبر من النوع الأوّل»([48]).

المطلب الثاني: تقييم تفصيلي لبعض دلائل دعوى الاضطراب في منهج القرضاوي الفقهي

إنّ المتأمّل فيما أوردناه آنفًا في التقييم الإجمالي لدعوى اضطراب منهج القرضاوي الفقهي، أحسبه، إذا كان منصفًا، سيقرّ بعدم مصداقيّة دعوى الاضطراب هذه، وأنّها لا ينبغي التعويل عليها، أو على الأقلّ، التهويل من شأنها.

ولمزيد إيضاح، وتنزيلًا للتنظير على التطبيق، سأتناول مثالين من الأمثلة الجزئيّة التي استدلّ بها الباحثان الطرابلسي والعرفج زاعمَيْن أنّها دالّة على الاضطراب في منهج الشيخ القرضاوي في تقرير أصوله، وفي انسجام فروعه مع هذه الأصول.

وقد اكتفيت بمثالين فقط مع أنّي أَعددتُ في أثناء وضع مسوّدات هذا البحث ردودًا على معظم ما ساقاه من أمثلة جزئيّة تجنّبًا للتطويل، ولأنّ الجواب على الأمثلة الأخرى التي أورداها يجري على النّسق نفسه في الجواب على هذين المثالين، واللبيب تكفيه الإشارة.

المثال الأول: دعوى تناقض القرضاوي في اعتماده دليل الإجماع أحيانًا وتركه أحيانًا أخرى

ومن ذلك استدلاله بالإجماع في مسألة وجوب صدقة الفطر، ونصُّه على عدم الاعتداد بمخالفة ابن عُليّة والأصمّ في وجوبها، وفي مواطن أخرى نقض الإجماع بمخالفة بعض الشذوذ، بعد انعقاد الإجماع، كمسألة دية المرأة، إذ نفى وجود الإجماع المحكي على تنصيفها، مُعتدًّا بمخالفة ابن عُليّة والأصمّ نفسيهما([49]).

والجواب:

أنّ كتاب فقه الزكاة من بواكير تآليف الشيخ، رحمه الله؛ إذ هو رسالته للدكتوراه، وهو الموضع الذي لم ير فيه أنّ خلاف ابن عُليّة والأصمّ يُعتدّ به، وأمّا بعد ذلك فصار يتشدّد في دعوى الإجماع، ويضيِّق فيها أكثر فأكثر.

على أنّ صدقة الفطر فيها نصٌّ، بل نصوص صريحة صحيحة، والإجماع أكّد دلالةَ هذه النصوص، ولذلك لم يعتدّ القرضاوي بخلاف ابن عُليّة والأصمّ لهذا الإجماع المستند إلى النّصّ، بخلاف مسألة دية المرأة وتنصيفها، فهي تخلو من نصٍّ صحيح يدلّ على التنصيف، بل ظاهر القرآن يدلّ على التسوية بين المرأة والرجل في الدّية، لا على التنصيف، وكذلك القياس على القصاص، وعلى دية الجنين، يدلّان على التّسوية. والقرضاوي إنّما يعتبر الإجماع إذا كان عن نصٍّ لا بدونه، قال الشيخ، رحمه الله:

«ونؤكّد هنا أنّنا لا نريد مجرّد دعوى الإجماع، فكم من مسائل ادُّعي فيها الإجماع، وقد ثبت فيها الخلاف، كما تدلّ على ذلك الوقائع الكثيرة. وإنّما الذي نقصد إليه هنا: هو الإجماع المتيقّن الذي استقرّ عليه الفقه والعمل جميعًا، واتّفقت عليه مذاهب فقهاء الأمّة في عصورها كلّها، وهذا لا يكون عادة إلا في إجماعٍ له سندٌ من النصوص، فالنصّ هو الحجّة والمعتمد، ولكن الإجماع المستمرّ على العمل به أعطاه قوّة أيَّ قوّة، ونقله من الظنّية إلى القطعيّة. وإنّما قيّدتُّ الإجماع بالمتيقّن، خشيةً من دعاوى الإجماع الكثيرة فيما ثبت الخلاف فيه، كما يشهد بذلك كلُّ من له اطّلاع على المصادر الجامعة لمذاهب العلماء»([50]).

فإذن الإجماعُ الأوّل في صدقة الفطر وقع على شرطه، فلذلك لم ينظر إلى خلاف من خالف بعد انعقاده، وأمّا الثاني في تنصيف دية المرأة، فلم يكن على شرطه، ولذلك اعتدّ بخلاف من خالف.

هذا، ومن جهة أخرى، فإنّ عدم اعتداده بخلاف ابن عُليّة والأصمّ في قولهما بعدم وجوب زكاة الفطر يدلّ على أنّه لا يلجأ إلى القول الأيسر، كيفما اتّفق كما زعم الطرابلسي بل يؤكّد أنّه ينظر إلى المسألة بدلائلها من الكتاب والسنة، فإن استوت في نظره أو تقاربت، رجّح الأيسر، وراعى الواقع، كما ذكر ذلك الشيخ نفسه؛ إذ قال:

«نهجي الذي التزمته في حياتي العلمية والعملية، هو التيسير في الفتوى والتبشير في الدّعوة، وهو منهج الأمّة الوسط. وليس معنى التيسير أن أُعرض عن النصوص، لأرجِّح رأيًا ميسّرًا على غيره، أو أقسر الأدلّة قسرًا على تأييد هذه الوجهة أو تلك، بل منهجي أبدًا هو اتّباع الدليل حيث كان، وردّ المتشابهات الى المحكمات، والظنّيّات الى القطعيّات، والفروع الى الأصول، وبالاستقراء أجد مع الأدلّة الراجحة التيسيرَ المطلوب، الذي يتضمّن المصلحة الحقيقيّة للناس، لا المصالح الموهومة»([51]).

وأمّا المسائل الأخرى التي انتقدها الباحثان وغيرُهما على القرضاوي بمخالفة الإجماع، كقتل المرتد، وإسلام أحد الزوجين، وعقوبة الرجم، وجهاد الطلب، وفناء النار، فإذا تأمّلتها تجد الإجماع المدعى فيها ليس على شرط الشيخ أيضًا، إمّا لأنّ الإجماع نفسه غير متحقِّق أصلًا، كما في مسألة قتل المرتد، وإسلام أحد الزوجين، وعقوبة الرجم، وإمّا لأنّ الإجماع المزعوم هو من قبيل الإجماع السكوتي الذي لم يَعتدّ به كثيرٌ من الأصوليّين.

ومن خلال ما ذكره الشيخ القرضاوي حول الإجماع في كتابيه: «الاجتهاد في الشريعة الإسلامية»، و«نحو أصول فقه ميسَّر»، وجدتُّه يُقِرّ بحجّيّة الإجماع وينوّه بأهميّته، لكن بمراعاة الآتي:

-      أنّ ثمة خلافًا معتبرًا في حجّيّة الإجماع، أي أنّه لا إجماع على حجّيّة الإجماع، وهذا يعني أنّ القرضاوي يسوّغ خلاف من لم يقل بحجّيّة الإجماع، كالشوكاني وغيره، ولا يراه شاذًّا، وإن احتجّ هو بالإجماع بشروط.

-      أنّه يشترط في الإجماع أن يكون متيقَنًا ثابتًا على مرّ عصور الاجتهاد من غير خلاف يُعرف.

-      أنّه يشترط في الإجماع أن يستند إلى دليل من النصوص فينقله من الظنّية إلى القطعيّة.

-      أنّه يعتدّ بخلاف غير أهل السنة، كالمعتزلة والشيعة والخوارج وغيرهم، وهو رأي كثير من الأصوليين.

-      أنّه لا يعتدّ بالإجماع على قولين في منع إِحداث قول ثالث، بل يجيز القول الثالث الحادث المخالف للقولين.

وإذا طُبِّقت هذه الاعتبارات على المسائل التي زُعم أنّ القرضاوي خالف فيها الإجماع، لم نجده خالف الإجماع الذي يقول به هو، بل إجماعًا آخر يقول به غيره. وحينئذٍ ينبغي أن يَنتقِل الجدال إلى تقرير ماهية الإجماع الذي يصحّ الاحتجاج به، لا إلى المسائل الفرعيّة التي قيل بأنّ القرضاوي خالف فيها الإجماع، فضلًا عن التسرُّع باتّهام الشيخ بالتناقض ما بين أصوله النّظرية وفروعه العمليّة.

ثمّ إنّه لا يكاد يخلو إمام مجتهد من مسائل نُسب فيها إلى الشذوذ ومخالفة الإجماع، وهذا موجود حتى في فقه المذاهب الأربعة. فلو كان هذا اضطرابًا في فقه القرضاوي، رحمه الله، فهو الاضطراب نفسه في المنهج المذهبي الذي زعم الباحثان الطرابلسي والعرفج أنّه منضبط غير مضطّرب. قال ابن حزم، رحمه الله:

«ولئن كان ما اشتهر من قول طائفة من الصّحابة أو التابعين، ولم يُعرف له خلاف، إجماعًا، فما في الأرض أشدُّ خلافًا للإجماع ممّن قلَّدوه دينَهم: مالك والشافعي وأبي حنيفة، ولقد أخرجنا لهم مئين من المسائل ليست منها مسألة إلا ولا يُعرف أحدٌ قال بذلك القول قبل الذي قاله من هؤلاء الثلاثة... وقد ذكر محمد بن جرير الطبري أنّه وجد للشافعي أربعمائة مسألة خالف فيها الإجماع، وهكذا القول حرفًا حرفًا في أقوال ابن أبي ليلى، وسفيان، والأوزاعي، وزفر، وأبي يوسف، ومحمد بن الحسن، والحسن بن زياد، وأشهب، وابن الماجشون، والمزني، وأبي ثور، وأحمد، وإسحاق، وداود، ومحمد بن جرير. ما منهم أحد إلا وقد صحَّت عنه أقوال في الفتيا لا يُعلم أحدٌ من العلماء قالها قبل ذلك القائل مِمّن سمّينا، وأكثر ذلك فيما لا شكّ في انتشاره واشتهاره»([52]).

المثال الثاني: دعوى تناقض القرضاوي في التفاته إلى المقصد والعلّة في مسائل، وفي تشبّثه بظاهر اللفظ في مسائل أخرى

الشيخ القرضاوي، رحمه الله، من دعاة النظر المقاصدي، ومن أهل المعاني لا الألفاظ([53])، وقد انتقد ظاهريّةَ الفهم، والتشبّثَ بالألفاظ على حساب المعاني، وعدَّ الإعراض عن مقاصد الشريعة من مزالق الاجتهاد، ومن الفتاوى التي انتقدها لأنّها تتشبّث باللفظ على حساب المعنى، إسقاط الزكاة عن الأوراق النقديّة، وتحريم الذهب المحلَّق على المرأة دون غيره([54]).

لكنّه في المقابل كما قال الطرابلسي تشبَّث باللفظ في فتواه بجواز إنشاء بنوك الحليب، بناء على أنّها لا تؤدّي إلى محرميّة الرّضاع، لأنّ هذه المحرميّة عنده إنّما تنشأ عن التقام الطفل ثدي المرضع، لا عن مجرّد شرب لبنها بغير هذه الطريقة، ولم يقل برأي جمهور الفقهاء المستند إلى القياس والتعليل بأنّ الرّضاع يتحقّق بشرب لبن المرأة بأيّ سبيل كانت، ولا يُشترط فيه التقام ثدي المرأة، بل ذهب إلى رأي ابن حزم الذي تمسّك بظاهر معنى الرَّضاع لغة، ولم يقسْ عليه شربَ اللبن بغير التقام الثدي.

قلت أيمن : ويمكن، أيضًا، أن يُمثَّل لجمود الشيخ على ظاهر اللفظ على حساب المعنى، باجتهاده في الحُقَن المغذّية حيث رجَّح أنّها لا تفطِّر الصائم، لأنّها ليست أكلًا وشربًا داخلًا من المنفذ المعتاد باتجاه الجوف الذي هو المعدة.

والجواب:

لا ينفكّ عالمٌ من النزَّاعين إلى المعاني عن أحوالٍ يتشبّث فيها في مسائلَ بظاهر اللفظ، إلى حدّ الجُمود أحيانًا.

ولنضرب لذلك مثلًا بابن عبّاس، رضي الله عنهما، فرغم ما عُرف عنه من توسّعه في تتبّع المعاني، واستعماله القياس، تجده متمسِّكا باللفظ في مسائل عدّة، كما في مسألة «العول» وغيرها من مسائل الميراث، مع مخالفته بذلك جمهورَ الصحابة، حتى عُدّ قوله في تلك المسائل من الشذوذ.

قال الشيخ عبد المجيد محمود، بعد أن عرض جملة من فتاوى ابن عباس، رضي الله عنه، تؤكِّد اتجاهه إلى التعليل والمعاني والقياس:

«نشير إلى ظاهرة هامّة عند ابن عبّاس، هي أنّه على الرغم من اتجاهه إلى التعليل، وأصالة هذا الاتجاه عنده، كما سبق أن قرّرناه كان يبدو أحيانًا متمسِّكًا بظاهر اللفظ، مناظرًا من يخالفه في ذلك، ولعلَّ آراءَه في الفرائض هي أبرز الأمثلة على هذا الجانب من فقهه. وجديرٌ بالذِّكر أنّ كثيرًا من آرائه في الفرائض أخذ بها أهلُ الظاهر»([55]).

ومن النزّاعين إلى المعاني والرأي في الجملة الإمام أبو حنيفة، رحمه الله، ومع ذلك تجده ظاهريًّا شديد الظاهرية في قضايا الحدود، حتى قال ابن القيّم بعد أن أورد جملة من المسائل ممّا أسقط فيه أبو حنيفة الحدّ تشبُّثًا بالظاهر: «فأين القياس، وذِكرُ المناسبات، والعِلل المؤثّرة، والإنكار على الظاهريّة؟ فهل بلغوا بالتمسُّك بالظاهر عُشر معشار هذا؟»([56]). وفي مسائل أخرى يكتفي أبو حنيفة بما يحقّق اللفظ، ولو لم يتحقّق المعنى، كما في مسألة الولد للفراش، حيث أثبت نسب الولد من الزوج، ولو مع يقين عدم حدوث الوطء بين الزوج والزوجة، كزواج من بالمشرق بمن في المغرب، قال الشوكاني: «ولا شكّ أنّ اعتبار مجرّد العقد في ثبوت الفراش جمودٌ ظاهر»([57]).

وعلى هذا فلا غرو أن يُغتفر للشيخ القرضاوي خروجُه عن أصله في التعليل وتتبّع المعاني، إلى الظاهر في مسألة أو مسألتين، فهذا ليس شيئًا يُذكر.

مع أنّه في مسألة بنوك الحليب لم يتشبّث باللفظ صِرفًا كما فعل ابن حزم بل ذكر لرأيه وجهًا من المعنى، وخالف به تعليل الفقهاء، فقال، رحمه الله:

«لو كانت العلّة هي إنشاز العظم وإنبات اللحم بأيّ شيءٍ كان، لوجب أن نقول اليوم بأنّ نقل دم امرأة إلى طفل يُحرّمها عليه ويجعلها أُمّه، لأنّ التغذية بالدم في العروق أسرع وأقوى تأثيرًا من اللبن، ولكنّ أحكام الدين لا تُفرض بالظنون... والذي أراه أنّ الشارع جعل أساس التحريم هو (الأمومة المرضِعة)... وهذه الأمومة التي صرّح بها القرآن لا تتكوّن من مجرّد أخذ اللبن، بل من الامتصاص والالتصاق الذي يتجلّى فيه حنان الأمومة، وتعلُّق البنوّة، وعن هذه الأمومة تتفرّع الأخوّة من الرّضاع، فهي الأصل، والباقي تبعٌ لها»([58]).

وعليه، فالشيخ لا يخالف أصله في التعليل، ولكنّه لا يقول بالعلّة التي ذكرها الفقهاء وحدها، بل يجعلها تابعة ومصاحبة لمعنى آخر هو «الأمومة»، فالإرضاع المحرِّم عنده ليس هو المغذّي فقط، بل الذي يتضمّن معنى الأمومة المشابهة لأمومة النّسب صورةً ومعنى، ولا يكون ذلك سوى بإلقام الثدي. وهو ملحظٌ وجيه، ورأيٌ معتبر، لأنّ ظاهر اللفظ إنّما يُعدل عنه حين يخلو من المعنى المناسب بالكلّيّة، أمّا عندما يحتمل معنى مناسبًا فلا ينبغي العدول عنه.

ولولا أنّا نرى الاحتياط أولى في مسائل التحريم بالرّضاع، لقلنا برأي القرضاوي في هذه المسألة لحُسنه ووجاهته، وجريه مع قواعد التعليل.

وأمّا مسألة الفطر بالحقن المغذِّية فالذي يظهر لي أنّ الشيخ، رحمه الله، لم يخالف أصله في التعليل فيها أيضًا، وإنّما أُتِي من خطأ التصوّر وضعف التنزيل؛ لأنّه قال مبيِّنا حجّته في المسألة:

«ومن العلماء من يرى أنّ هذا النوع [أي الحقن المغذية] لا يفطِّر، فهو من ناحية قواعد الفقهاء لم يدخل إلى الجوف، من منفذ طبيعي مفتوح، بل لم يدخل الى الجوف أصلًا؛ لأنّهم يقصدون بالجوف المعدة. ومن ناحية أخرى لا يُذهِب الجوعَ والظمأ، ولا يُحَسّ من تناوله بالشِّبع والرِّي؛ لأنّه لا يدخل المعدة، ولا يمرّ بالجهاز الهضمي للإنسان. صحيحٌ أنّه قد يشعر بعدها بشيءٍ من النشاط والانتعاش، ولكنّ هذا وحدَه لا يكفي للتفطير به، فقد يحدث هذا لمن يغتسل بماءٍ بارد، وهو صائم، فيشعر بالانتعاش، ومع هذا لا يفْطر بالإجماع. وهذا الرأي الأخير، هو الذي أرجِّحُه وأميل إليه»([59]).

ويظهر من كلامه هذا أنّه ظَنّ أنّ الحقن المغذّية إنّما تنعش الصائم، كما ينعشه الاغتسال، لا أكثر، وأنّ من حُقِن بها لا يشعر بالرِّي ولا بالشِّبَع، لأن لا شيء يمرّ بالمعدة. وظنُّه هذا غير صحيح، بل المغتذي بالحقن يَشعر بالرِّي والشِّبَع، ويستغني بها عن الطعام والشراب ولو لسنين، والشّعور بالشِّبَع مركزه الدماغ، وليس المعدة، كما يقول أهل الطِّب، والسبب الرئيس للشعور به ارتفاع نسبة السُّكّر في الدّم([60]).

وبهذا يظهر لنا أنّ القرضاوي، رحمه الله، لم يترك أصله في اتّباع المعاني والمقاصد، وترْكِ الجمود على الألفاظ، في كلا المسألتين التي زُعم أنّه ناقض أصله فيهما.

خاتمة

وبعد: ففيما يأتي أبرز نتائج هذه الدراسة، وتوصياتها:

النتائج

3.       من أبرز ما استجلب نقد الناقدين لمنهج الشيخ القرضاوي في الفقه والفتوى دعوتُه واعتمادُه في منهجه على أمرين: أحدهما: التحرّر من التقليد المذهبي، و«الانتقاء» في الفتوى، لا من أقوال الأئمّة الأربعة فحسب، بل حتى من أقوال غيرهم من المجتهدين. والأمر الثاني: التيسير في الفتوى، ولو بالخروج عن أقوال المذاهب الأربعة، بل عن بعض الإجماعات المنقولة عن المتقدّمين، أحيانًا.

4.       تعرَّض منهج الشيخ للنقد الحادّ من قبل بعض السلفيّين، لكنّه أيضا تعرّض لنقد أقلّ حدّة، وأكثر هدوءًا، وأبعد عمقًا، من المذهبيّين القائلين بلزوم التمذهب. ومن أبرز هؤلاء: الشيخ عبد الحميد طهماز الحموي الحنفي، رحمه الله، في كتابه «نظرات في كتاب الحلال والحرام في الإسلام»، والباحث مصطفى بشير الطرابلسي صاحب كتاب «منهج البحث في الفقه والفتوى بين انضباط السابقين واضطراب المعاصرين: السيّد سابق والأستاذ القرضاوي نموذجًا»، والدكتور عبد الإله العرفج في كتابه: «المناهج الفقهية المعاصرة: عرض وتحليل».

5.       من أبرز النقود التي وجّهها المذهبيّون لمنهج الشيخ القرضاوي الفقهي وصفُهم إيّاه بالتناقض والخبط والاضطراب، ومعنى ذلك، بحسب الطرابلسي، يتمثّل في ثلاثة أمور: أحدها: أنّه يقرّر صحّة قاعدة في موضعٍ ما، ثمّ يقرّر بطلانها نفسها في موضع آخر. والأمر الثاني: أنّه يقرّر صحّة قاعدة ما في موضع ما، ثمّ يُقرّر أحكامًا فرعيّة تتناقض مع هذه القاعدة. والأمر الثالث: أنّه يقرِّر بطلان قاعدةٍ ما، ثمّ يقرّر في موضعٍ آخر أحكامًا فرعيّة تنسجم مع هذه القاعدة التي أبطلها.

6.       ذكر منتقدو منهج الشيخ جملة من التناقضات التي زعموا أنّها دالّة على اضطراب منهجه، بلغت اثني عشر تناقضًا، وبعضها ينطوي على عدّة أمثلة من الفروع الفقهيّة. وقد أقرّ الباحث الدكتور العرفج أنّ تناقضات القرضاوي وشذوذاته قليلة، ومع ذلك، وصف منهجه «الانتقائي» بالاضطراب مقارنةً بالمنهج المذهبي.

7.        في تقييم دعوى الاضطراب في منهج الشيخ القرضاوي تبيّن لنا من وجوه عديدة، ذُكرت في البحث، إجماليةً وتفصيليّةً، أنّها دعوى غير دقيقة ولا موضوعيّة، رغم أنّا لا نتّفق مع الشيخ، رحمه الله، في قضايا أصلية وفرعية، ولكنّا لا نصف منهجه بالاضطراب.

التوصيات

أُحبّ في هذا الموطن أن أوصي بوصيتين:

الأولى: أن يتصدّى الباحثون، ولا سيما أنصار الاجتهاد الجزئي الترجيحي، أو المذهبي المنفتح، لمناقشة تفصيلية لما جاء في كتاب الباحث مصطفى الطرابلسي، فهو كتاب حافل بدعاوى هي مثار جدل وتستحقّ البحث والمناقشة.

والثانية: تكرار الوصية التي أوصى بها الدكتور فؤاد الهاشمي، نفع الله به، في خاتمة كتابه: «نظرية الإلزام: إلزامات ابن حزم للفقهاء نموذجا»، إذ قال:

«لفت نظري أثناء حكاية إلزامات الشافعي أنّه يأخذ على الإمام مالك أخذه ببعض آراء شيخه ربيعة الرأي، ويترك لها أقوال بعض الصحابة...

ونلاحظ أنّ ربيعة كان في المدينة معقل مدرسة أهل الحديث، ومع هذا الإغراب كلِّه، ومع ما أخذوه عليه، فإنّ ذلك لم ينقص مكانته منهم، بل كان عظيم القدر، جليل المنزلة، وكان شيخه القاسم بن محمد إذا سُئل عمّا فيه نصّ أجاب، وإلا أحال على تلميذه ربيعة، فهو صاحب معضلات أهل المدينة، ورئيسهم في الفتيا، ولما مات قال تلميذه مالك: «إنّ حلاوة الفقه قد ذهبت منذ مات ربيعة».

فأوصي بناء على ذلك بتحمّل الشذوذ الواقع اليوم من بعض المفتين من خاصّة أهل العلم الذين ينزعون إلى الرأي، وأنّها سبيل معروف تدفعه طبيعة الفقه، الذي أعطى مجالًا رحبًا للرأي، إضافة إلى التغييرات الهائلة في مستجدّات النوازل المعاصرة، فلا مفرّ مع ذلك كلّه من تحمّل هذا الاتجاه الفقهي مع مخالفته، وبيان خطئه، والتنبيه على غلطه ومأخذه، من غير مبالغة، كإخراجها عن حدودها الطبيعية في التناول الفقهي، وقد قال ابن هرمز: «لا عليك ألّا تذكر هنّات ربيعة، فلربّما تكلّمنا في المسألة نخالفه فيها، ثمّ نرجع إلى قوله بعد سنة»([61]).


 

المصادر والمراجع

أولًا: العربية

ابن العربي، محمد بن عبد الله أبو بكر المعافري الإشبيلي. المحصول في أصول الفقه. تحقيق حسين البدري. عمان: دار البيارق، ط1، 1420هـ/1999م.

ابن القيم، محمد بن أبي بكر. إعلام الموقعين عن رب العالمين. تحقيق محمد إبراهيم. بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1411هـ/1991م.

–––. الطرق الحكمية. مكتبة دار البيان، [د.ت].

ابن اللحام، علاء الدين أبو الحسن علي بن محمد بن عباس البعلي. القواعد والفوائد الأصولية وما يتبعها من الأحكام الفرعية. تحقيق عبد الكريم الفضيلي. بيروت: المكتبة العصرية، ط1، 1420هـ/1999م.

ابن تيمية، تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام. الاستغاثة في الرد على البكري. تحقيق عبد الله السهلي. الرياض: دار المنهاج، ط1، 1426هـ/2005م.

–––. الفتاوى الكبرى. بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1408هـ/1987م.

ابن حزم، علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي. الإحكام في أصول الأحكام. تحقيق أحمد شاكر. بيروت: دار الآفاق الجديدة، 1403هـ/1983م.

ابن حمدان، أحمد بن حمدان بن شبيب. صفة الفتوى والمفتي والمستفتي. تحقيق محمد ناصر الدين الألباني. بيروت: المكتب الإسلامي، ط3، 1397هـ/1977م.

ابن فرحون، إبراهيم بن علي بن محمد. الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب. تحقيق محمد الأحمدي. القاهرة: دار التراث للطبع والنشر، [د.ت].

أبو شامة المقدسي، أبو القاسم شهاب الدين عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم. خطبة الكتاب المؤمل للرد إلى الأمر الأول. الرياض: أضواء السلف، ط1، 1424هـ/2003م.

أبو نعيم الأصبهاني، أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران. حلية الأولياء وطبقات الأصفياء. مصر: مطبعة السعادة، 1393هـ/1974م.

الألباني، محمد ناصر الدين. سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها. الرياض: مكتبة المعارف، ط1، 1422هـ/2002م.

البخاري، محمد بن إسماعيل. صحيح البخاري (الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وسننه وأيامه). تحقيق محمد زهير الناصر. بيروت: دار طوق النجاة، ط1، 1422هـ/2001م.

البيهقي، أحمد بن الحسين بن علي. المدخل إلى علم السنن. تحقيق محمد عوامة. القاهرة: دار اليسر للنشر والتوزيع، ط1، 1437هـ/2017م.

«التغذية بالحقن». تاريخ الوصول (16 مايو، 2023). https://together.stjude.org/ar-sa/care-support/clinical-nutrition/parenteral-nutrition.html

تليمة، عصام. القرضاوي فقيها. القاهرة: دار التوزيع والنشر الإسلامية، ط1، 1421هـ/2000م.

الجويني، عبد الملك بن عبد الله إمام الحرمين. البرهان في أصول الفقه. تحقيق صلاح بن محمد عويضة. بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1418هـ/1997م.

حمد، أحمد. «الفقهاء بين الالتزام بحرفية النصوص والانفتاح على المعاني». حولية كلية الشريعة والقانون والدراسات الإسلامية، جامعة قطر، ع11 (1993). http://hdl.handle.net/10576/9477

الخشني، محمد بن حارث بن أسد. طبقات علماء إفريقية. تحقيق محمد زينهم عزب. القاهرة: مكتبة مدبولي، ط1، 1413هـ/1993م.

الدهلوي، الشاه ولي الله. الإنصاف في بيان أسباب الاختلاف. تحقيق عبد الفتاح أبو غدة. بيروت: دار النفائس، ط2، 1404هـ/1984م.

الزركشي، بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر. البحر المحيط. مصر: دار الكتبي، ط1، 1414هـ/1994م.

الشاطبي، إبراهيم بن موسى. الموافقات. تحقيق مشهور آل سلمان. السعودية: دار ابن عفان، ط1، 1417هـ/1997م.

الشوكاني، محمد بن علي بن محمد بن عبد الله. نيل الأوطار. تحقيق عصام الدين الصبابطي. القاهرة: دار الحديث، ط1، 1413هـ/1993م.

صالح، أيمن. أهل الألفاظ وأهل المعاني: دراسة في تاريخ الفقه. ألمانيا: النور للنشر، ط1، 2016. https://sites.google.com/site/draymansaleh2/publications-1

الصالح، علي سليمان. «ميثاق الأمم المتحدة وأثره في حكم جهاد الطلب دراسة فقهية مقارنة». مجلة كلية الشريعة والدراسات الاسلامية 40، ع1 (يناير، 2022). https://doi.org/10.29117/jcsis.2022.0320

الطبراني، سليمان بن أحمد بن أيوب. المعجم الكبير. تحقيق حمدي السلفي. القاهرة: مكتبة ابن تيمية، ط2، [د. ت].

الطرابلسي، مصطفى. منهج البحث في الفقه والفتوى بين انضباط السابقين واضطراب المعاصرين: السيد سابق والأستاذ القرضاوي نموذجًا. عمّان: درا الفتح للدراسات والنشر، ط1، 1431هـ/2010م.

العبادي، أحمد بن قاسم. الآيات البينات على شرح جمع الجوامع. بيروت: دار الكتب العلمية، ط2، 1433هـ/2012م.

عبد المجيد، عبد المجيد محمود. الاتجاهات الفقهية عند أصحاب الحديث في القرن الثالث الهجري. مصر: مكتبة الخانجي، 1499هـ/1979م.

العرفج، عبد الإله. المناهج الفقهية المعاصرة: عرض وتحليل. الكويت: مكتبة آفاق للنشر والتوزيع، ط1، 1436هـ/2015م.

الفوزان، صالح. الإعلام بنقد كتاب الحلال والحرام. السعودية: جامعة الإمام محمد بن سعود، ط2، 1396هـ/1976م.

القرافي، شهاب الدين أحمد بن إدريس. نفائس الأصول في شرح المحصول. تحقيق عادل عبد الموجود وعلي محمد معوض. مكتبة نزار مصطفى الباز، ط1، 1416هـ/1995م.

القرضاوي، يوسف. الاجتهاد في الشريعة الإسلامية. الكويت: دار القلم للنشر والتوزيع، ط1، 1417هـ/1996م.

–––. «بنوك الحليب». مجلة مجمع الفقه الإسلامي الدولي 1، ع2 (1407هـ/1986م).

–––. تيسير الفقه في ضوء القرآن والسنة: فقه الصيام. بيروت: مؤسسة الرسالة، ط3، 1414هـ/1993م.

–––. فتاوى معاصرة ج4. القاهرة: دار القلم، ط1، 1430هـ/2009م.

مالك، مالك بن أنس بن مالك بن عامر الأصبحي المدني. الموطأ. تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي. أبو ظبي: مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية، ط1، 1425هـ/2004م.

المروذي، أبو بكر، أحمد بن محمد بن الحجاج. الورع. تحقيق سمير الزهيري. الرياض: دار الصميعي، 1418هـ/1997م.

الهاشمي، فؤاد بن يحيى. نظرية الإلزام: إلزامات ابن حزم للفقهاء نموذجا. بيروت: مركز نماء للبحوث والدراسات، ط1، 1435هـ/2014م.

ثانيًا:

References

ʿAbd al-Majīd, ʿAbd al-Majīd Maḥmūd. Al-Atjāhāt al-Fiqhiyya ʿinda Aṣḥāb al-Ḥadīth fī al-Qarn al-Thālith al-Hijrī. (in Arabic). Egypt: Maktabat al-Khānji, 1979/1499.

Abū Nuʿaim al-Asbahānī, Aḥmad bin ʿAbd Allāh bin Aḥmad bin Isḥāq bin Mūsā bin Muharran. Ḥilyat al-Awliyāʾ wa Ṭabaqāt al-Ṣufiyā.ʾ (in Arabic). Egypt: Maṭbaʿat al-Saʿāda, 1974/1393.

Abū Shamah al-Maqdisī, Abū al-Qāsim Shihāb al-Dīn ʿAbd al-Raḥmān bin Ismāʿīl bin Ibrāhīm. Khuṭbat al-Kitāb al-Mūmal lil-Radd ilā al-Amr al-Awwal. (in Arabic). Riyadh: Adwāʾ al-Salaf, 1st ed., 2003/1424.

Al-‘Arfaj, ‘Abd al-Ilāh. Al-Manāhij al-Fiqhīyah al-Mu‘āṣirah: ‘Arḍ wa Taḥlīl. (in Arabic). Kuwait: Maktabat Āfāq li-Nashr wa at-Tawzī‘, 1st ed., 2015/1436.

Al-‘Ibadi, Ahmad bin Qasim. Al-Āyāt al-Bayyināt ‘Alā Sharḥ Jam‘ al-Jawāmi. (in Arabic). Beirut: Dār al-Kutub al-‘Ilmīyah, 2nd ed., 2012/1433.

Al-Albānī, Muḥammad Nāṣir al-Dīn. Silsilat al-Aḥādīth al-Ṣaḥīḥah wa Shaiʾ min Fiqhihā wa Fawāʾidhā. (in Arabic). Riyadh: Maktabat al-Maʿārif, 1st ed., 2002/1422.

Al-Bayhaqī, Aḥmad bin al-Ḥusayn bin ʿAlī. Al-Madkhal ilā ʿIlm al-Sunan. (in Arabic). Ed.Muḥammad ʿAwwāma. Cairo: Dār al-Yusr lil-Nashr wal-Tawzīʿ, 1st ed., 2017

Al-Bukhārī, Muḥammad bin Ismāʿīl. Ṣaḥīḥ al-Bukhārī (al-Jāmiʿ al-Musnad al-Ṣaḥīḥ al-Mukhtaṣar min Umūr Rasūl Allāh, Ṣallā Allāh ʿAlayhi wa Sallam, wa Sunanihī wa Ayyāmihī). (in Arabic). Ed.Muḥammad Zuhayr al-Nāṣir. Beirut: Dār Tuq Lil Najah, 1st ed., 2001/1422.

Al-Dahlawi, Al-Shāh Walī Allāh. Al-Inṣāf fī Bayān Asbāb al-Ikhtilāf. (in Arabic). Ed.ʿAbd al-Fattāḥ Abū Ghudda Beirut: Dār al-Nafāʾis, 2nd ed., 1984/1404.

Al-Fawzān, Ṣāliḥ. Al-I‘lām bin Naqd Kitāb al-Ḥalāl wal-Ḥarām. (in Arabic). Saudi Arabia: Jāmi‘at al-Imām Muḥammad bin Sa‘ūd, 2nd ed., 1976/1396.

Al-Hāshimī, Fuʾād bin Yaḥyā. Naẓariyyat al-Iltizām: Iltizāmāt Ibn Ḥazm lil-Fuqahāʾ Namūḍajā. (in Arabic). Beirut: Markaz Namāʾ lil-Buḥūth wal-Dirāsāt, 1st ed., 2014/1435.

Al-Juwaynī, ʿAbd al-Malik bin ʿAbd Allāh Imām al-Ḥaramayn. Al-Burhān fī Uṣūl al-Fiqh. (in Arabic). Ed.Ṣalāḥ bin Muḥammad ʿUwayḍa. Beirut: Dār al-Kutub al-ʿIlmiyya, 1st ed., 1997/1418.

Al-Khashanī, Muḥammad bin Ḥārith bin Asad. Ṭabaqāt ʿUlamāʾ Ifrīqiya. (in Arabic). Ed.Muḥammad Zaynuhum ʿAzzāb. Cairo: Maktaba Madboli, 1st ed., 1993/1413.

Al-Murawḍī, Abū Bakr Aḥmad bin Muḥammad bin al-Ḥajjāj. Al-Wara. (in Arabic). Ed. Samīr al-Zuhayrī. Riyadh: Dār al-Ṣumay‘ī, 1997/1418.

Al-Qarāfī, Shihāb al-Dīn Aḥmad bin Idrīs. Nafā’is al-Usūl fī Sharḥ al-Maḥṣūl. (in Arabic). Ed. ‘Ādil ‘Abd al-Mawjūd wa ‘Alī Muḥammad Ma‘wad. Maktabat Nizār Muṣṭafā al-Bāz, 1st ed., 1995/1416.

Al-Qarḍāwī, Yūsuf. Al-Ijtihād fī al-Sharī‘ah al-Islāmīyah. (in Arabic). Kuwait: Dār al-Qalam li-Nashr wa at-Tawzī‘, 1st ed., 1996/1417.

———. "Banūk al-Ḥalīb" (in Arabic). Majallah Majma‘ al-Fiqh al-Islāmī al-Dawlī 1 (2), (1986/1407).

———. Fatāwā Mu‘āṣirah Volum.4. (in Arabic). Cairo: Dār al-Qalam, 1st ed., 2009/1430.

———. Taysīr al-Fiqh fī Dhaw’ al-Qur’ān wal-Sunnah: Fiqh al-Ṣiyām. Beirut: Mu’assasat al-Risālah, (in Arabic). 3rd ed., 1993/1414.

Al-Sāliḥ, ‘Alī Sulaymān. "Mīthāq al-Ummam al-Muttaḥidah wa Atharuhu fī Ḥukm Jihād al-Ṭalab – Dirāsah Fiqhīyah Muqāranah". (in Arabic). Journal of College of Sharia and Islamic Studies 40 (1), (16 Jan, 2022). https://doi.org/10.29117/jcsis.2022.0320

Al-Shāṭibī, Ibrāhīm bin Mūsā. Al-Muwāfaqāt. (in Arabic). Ed.Mushhūr Āl Sulaymān. Saudi Arabia: Dār Ibn ʿAfān, 1st ed., 1997/1417.

Al-Shawkānī, Muḥammad bin ʿAlī bin Muḥammad bin ʿAbd Allāh. Nīl al-Awtār. (in Arabic). Ed.ʿIṣām al-Dīn al-Ṣabābṭī. Egypt: Dār al-Ḥadīth, 1st ed., 1993/1413.

Al-Ṭabarānī, Sulaymān bin Aḥmad bin Ayyūb. Al-Muʿjam al-Kabīr. (in Arabic). Ed.Ḥamdī al-Salafī. Cairo: Maktaba Ibn Taymiyya, 2nd ed., [n.d].

"Al-Taghzīya bī al-Ḥaqān" (in Arabic). Retrieved on 16/5/2023. https://together.stjude.org/ar-sa/care-support/clinical-nutrition/parenteral-nutrition.html

Al-Ṭarābulsī, Muṣṭafā. Minhaj al-Baḥth fī al-Fiqh wal-Fatwa Bayn Inzibāt al-Sābiqīn wa Iztirāb al-Muʿāṣirīn: al-Sayyid Sābiq wa al-Ustādh al-Qaradawī Namūẓājan. (in Arabic). Amman: Dār al-Fatḥ lil-Dirāsāt wal-Nashr, 1st ed., 2010/1431.

Al-Zarkshi, Badr al-Dīn Muḥammad bin ʿAbd Allāh bin Bahādir. Al-Baḥr al-Muḥīṭ. (in Arabic). Egypt: Dār al-Kutubī, 1st ed., 1994/1414.

Ḥamd, Aḥmad. "Al-Fuqahāʾ Baina al-Iltizām bi-Ḥurfiyyat al-Nuṣūṣ wal-Inftiḥār ʿalā al-Maʿānī" (in Arabic). Ḥawliyyat Kulliyyat al-Sharīʿa wal-Qānūn wal-Dirāsāt al-Islāmiyya 11, Naẓar 11 (1993), doi:http://hdl.handle.net/10576/9477.

Ibn al-ʿArabī, Muḥammad bin ʿAbd Allāh Abū Bakr al-Maʿāfirī al-Ishbīlī. Al-Maḥṣūl fī Uṣūl al-Fiqh. (in Arabic). Ed. Ḥusayn al-Badrī. Amman: Dār al-Biyāriq, 1st ed., 1999/1420.

Ibn al-Laḥām, ʿAlāʾ al-Dīn Abū al-Ḥasan ʿAlī bin Muḥammad bin ʿAbbās al-Baʿlī. Al-Qawāʿid wal-Fawāʾid al-Usūliyya wa Mā Yattabīʿuhā Min al-Aḥkām al-Furʿiyya. (in Arabic). Ed.ʿAbd al-Karīm al-Faḍīlī. Beirut: Al-Maktaba al-ʿAsriyya, 1st ed., 1999/1420.

———. Iʿlām al-Muwaqqiʿīn ʿan Rabb al-ʿĀlamīn. (in Arabic). Ed. Muḥammad Ibrāhīm. Beirut: Dār al-Kutub al-ʿIlmiyya, 1st ed., 1991/1411.

Ibn al-Qayyim, Muḥammad bin Abī Bakr. Al-Ṭurūq al-Ḥukmiyya. In Arabic. Maktabat Dār al-Bayān, [n.d].

Ibn Farḥūn, Ibrāhīm bin ʿAlī bin Muḥammad. Al-Dībāj al-Madhhab fī Maʿrifat Aʿyān ʿUlamāʾ al-Madhhab. (in Arabic). Ed.Muḥammad al-Aḥmadī. Cairo: Dār al-Turāth lil-Ṭibāʿ wal-Nashr, [n.d].

Ibn Ḥamdān, Aḥmad bin Ḥamdān bin Shubayb. Ṣifat al-Fatwā wal-Muftī wal-Mustaftī. (in Arabic). Ed.Muḥammad Nāṣir al-Dīn al-Albānī. Beirut: Al-Maktab al-Islāmī, 3rd ed., 1977/1397.

Ibn Ḥazm, ʿAlī bin Aḥmad bin Saʿīd bin Ḥazm al-Andalusī. Al-Iḥkām fī Uṣūl al-Iḥkām. (in Arabic). Ed.Aḥmad Shākir. Beirut: Dār al-Āfāq al-Jadīda, 1983/1403.

Ibn Taymīyah, Taqī al-Dīn Aḥmad bin ʿAbd al-Ḥalīm bin ʿAbd al-Salām Al-Fatāwā al-Kubrā. (in Arabic). Beirut: Dār al-Kutub al-ʿIlmiyya, 1st ed., 1987/1408.

———. Al-Istighātha fī al-Radd ʿalā al-Bukrī. (in Arabic). Ed.ʿAbd Allāh al-Sahli. Riyadh: Dār al-Manhaj, 1st ed., 2005/1426.

Mālik, Mālik bin Anas bin Mālik bin ʿĀmir al-Asbahī al-Madanī. Al-Muwatta. (in Arabic). Ed.Ḥabīb al-Raḥmān al-Aʿẓamī. Abu Dhabi: Muʾassasat Zāyd bin Sulṭān Āl Nuhāyan lil-Aʿmāl al-Khayriyya wal-Insānīya, 1st ed., 2004/1425.

Saleh, Ayman. Ahl al-Alfāẓ wa Ahl al-Ma‘ānī: Dirāsah fī Tārīkh al-Fiqh. (in Arabic). Germany: Al-Nūr lil-Nashr, 1st ed., 2016. https://sites.google.com/site/draymansaleh2/publications-1

Talīma, ʿAṣām. Al-Qarḍāwī Faqihan. (in Arabic). Egypt: Dār al-Tawzīʿ wal-Nashr al-Islāmīya, 1st ed., 2000/1421.



([1]) ينظر: يوسف القرضاوي، الاجتهاد في الشريعة الإسلامية (الكويت: دار القلم للنشر والتوزيع، ط1، 1417هـ/1996م)، ص174.

([2]) عصام تليمة، القرضاوي فقيها (القاهرة: دار التوزيع والنشر الإسلامية، ط1، 1421هـ/2000م)، ص35.

([3]) اخترت في عنوان البحث ومادّته التعبير بلفظ «التقييم» على لفظ «التقويم»، مع أنّ هذا الأخير أفصح، والأوّل مُحدثٌ كما قيل، وذلك لأن لفظ «التقييم» أبعد عن الاشتراك اللفظي الذي ينبغي تجنّبه في الكلام قدر الإمكان لإخلاله بالتفاهم؛ إذ لفظ «التقويم» يحتمل معنيين: أحدهما: التصحيح، والآخر: التثمين وبيان القيمة، في حين أنّ لفظ «التقييم» لا يحتمل إلا معنى واحدًا هو التثمين وبيان القيمة والوزن، وهو مقصودنا في هذه الورقة، ولا نقصد معنى التصحيح.

([4]) نقله عنه: صالح الفوزان، الإعلام بنقد كتاب الحلال والحرام (السعودية: جامعة الإمام محمد بن سعود، ط2، 1396هـ/1976م)، ص5.

([5]) عبد الإله العرفج، المناهج الفقهية المعاصرة: عرض وتحليل (الكويت: مكتبة آفاق للنشر والتوزيع، ط1، 1436هـ/2015م)، ص136.

([6]) مصطفى الطرابلسي، منهج البحث في الفقه والفتوى بين انضباط السابقين واضطراب المعاصرين: السيد سابق والأستاذ القرضاوي نموذجًا (عمّان: دار الفتح للدراسات والنشر، ط1، 1431هـ/2010م)، ص288.

([7]) المرجع السابق، ص288.

([8]) العرفج، المناهج الفقهية المعاصرة، ص131.

([9]) الطرابلسي، منهج البحث في الفقه والفتوى، ص289.

([10]) المرجع السابق، ص291.

([11]) المرجع السابق، ص296.

([12]) محمد بن إسماعيل البخاري، صحيح البخاري (الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وسننه وأيامه)، تحقيق محمد زهير الناصر (بيروت: دار طوق النجاة، ط1، 1422هـ/2001م)، ج1، ص33.

([13]) الطرابلسي، منهج البحث في الفقه والفتوى، ص299؛ العرفج، المناهج الفقهية المعاصرة، ص188.

([14]) البخاري، الصحيح، ج6، ص8.

([15]) الطرابلسي، منهج البحث في الفقه والفتوى، ص306؛ العرفج، المناهج الفقهية المعاصرة، ص182.

([16]) الطرابلسي، منهج البحث في الفقه والفتوى، ص309.

([17]) المرجع السابق، ص316؛ العرفج، المناهج الفقهية المعاصرة، ص176؛ وينظر: علي سليمان الصالح، «ميثاق الأمم المتحدة وأثره في حكم جهاد الطلب دراسة فقهية مقارنة»، مجلة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة قطر، مج40، ع1 (يناير، 2022). https://doi.org/10.29117/jcsis.2022.0320

([18]) الطرابلسي، منهج البحث في الفقه والفتوى، ص433.

([19]) سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني، المعجم الكبير، تحقيق حمدي السلفي (القاهرة: مكتبة ابن تيمية، ط2، [د.ت])، مج20، ص211، وقال الهيثمي رجاله ثقات رجال الصحيح، وحسّنه الألباني. ينظر: محمد ناصر الدين الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (الرياض: مكتبة المعارف، ط1، 1422هـ/2002م)، ج1، ص447.

([20]) الطرابلسي، منهج البحث في الفقه والفتوى، ص434.

([21]) المرجع السابق، ص436.

([22]) أحمد بن الحسين بن علي البيهقي، المدخل إلى علم السنن، تحقيق محمد عوامة (القاهرة: دار اليسر للنشر والتوزيع، ط1، 1437هـ/2017م)، ج1، ص419.

([23]) الطرابلسي، منهج البحث في الفقه والفتوى، ص437.

([24]) المرجع السابق، ص438.

([25]) العرفج، المناهج الفقهية المعاصرة، ص193. ودعاؤه بالمغفرة هنا غريب، لأنه، بحسب الظاهر في كتابه، يراه أهلا للاجتهاد الجزئي، وإذا كان كذلك فمن اجتهد فأخطأ فهو معذور، ومأجور غير مأزور.

([26]) المرجع السابق، ص174.

([27]) محمد بن عبد الله أبو بكر المعافري الإشبيلي ابن العربي، المحصول في أصول الفقه، تحقيق حسين البدري (عمان: دار البيارق، ط1، 1420هـ/1999م)، ص131.

([28]) بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي، البحر المحيط (القاهرة: دار الكتبي، ط1، 1414هـ/1994م)، ج8، ص106.

([29]) أبو القاسم شهاب الدين عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم أبو شامة المقدسي، خطبة الكتاب المؤمل للرد إلى الأمر الأول (الرياض: أضواء السلف، ط1، 1424هـ/2003م)، ص116.

([30]) أحمد بن حمدان بن شبيب بن حمدان، صفة الفتوى والمفتي والمستفتي، تحقيق محمد ناصر الدين الألباني (بيروت: المكتب الإسلامي، ط3، 1397هـ/1977م)، ص109.

([31]) الشاه ولي الله الدهلوي، الإنصاف في بيان أسباب الاختلاف، تحقيق عبد الفتاح أبو غدة (بيروت: دار النفائس، ط2، 1404هـ/1984م)، ص88.

([32]) عبد الملك بن عبد الله إمام الحرمين الجويني، البرهان في أصول الفقه، تحقيق صلاح بن محمد عويضة (بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1418هـ/1997م)، ج2، ص68.

([33]) ممّن قدَّم دراسة ضافية وعميقة في هذا الموضوع الباحث فؤاد الهاشمي في كتابه الثري: نظرية الإلزام: إلزامات ابن حزم للفقهاء أنموذجًا (من منشورات: مركز نماء للبحوث والدراسات، 2014م).

([34]) علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي ابن حزم، الإحكام في أصول الأحكام، تحقيق أحمد شاكر (بيروت: دار الآفاق الجديدة، 1403هـ/1983م)، ج4، ص222.

([35]) المرجع نفسه، ج4، ص220.

([36]) المرجع نفسه.

([37]) شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي، نفائس الأصول في شرح المحصول، تحقيق عادل عبد الموجود، وعلي محمد معوض (مكتبة نزار مصطفى الباز، ط1، 1416هـ/1995م)، ج5، ص1995.

([38]) محمد بن حارث بن أسد الخشني، طبقات علماء إفريقية، تحقيق محمد زينهم عزب (القاهرة: مكتبة مدبولي، ط1، 1413هـ/1993م)، ص15.

([39]) علاء الدين أبو الحسن علي بن محمد بن عباس البعلي ابن اللحام، القواعد والفوائد الأصولية وما يتبعها من الأحكام الفرعية، تحقيق عبد الكريم الفضيلي (بيروت: المكتبة العصرية، ط1، 1420هـ/1999م)، ص379.

([40]) إبراهيم بن علي بن محمد بن فرحون، الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب، تحقيق محمد الأحمدي (القاهرة: دار التراث للطبع والنشر، [د.ت])، ج1، ص266.

([41]) نقله عنه الشيخ مشهور في حاشية تحقيقه للموافقات. ينظر: إبراهيم بن موسى الشاطبي، الموافقات، تحقيق مشهور آل سلمان، (السعودية: دار ابن عفان، ط1، 1417هـ/1997م)، ج1، ص148.

([42]) تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية، الفتاوى الكبرى، ط 1 (بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1408هـ/1987م)، ج6، ص95.

([43]) محمد بن أبي بكر بن القيم، الطرق الحكمية (مكتبة دار البيان، [د.ت])، ص194.

([44]) أحمد بن قاسم العبادي، الآيات البينات على شرح جمع الجوامع (بيروت: دار الكتب العلمية، ط2، 1433هـ/2012م)، ج4، ص10.

([45]) أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران أبو نعيم الأصبهاني، حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (مصر: مطبعة السعادة، 1393هـ/1974م)، ج4، ص225.

([46]) أبو بكر، أحمد بن محمد بن الحجاج المروذي، الورع، تحقيق سمير الزهيري (الرياض: دار الصميعي، 1418هـ/1997م)، ص126.

([47]) مالك بن أنس بن مالك بن عامر الأصبحي المدني مالك، الموطأ، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي (أبو ظبي: مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية، ط1، 1425هـ/2004م)، ج2، ص199.

([48]) تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية، الاستغاثة في الرد على البكري، تحقيق عبد الله السهلي (الرياض: دار المنهاج، ط1، 1426هـ/2005م)، ص118.

([49]) الطرابلسي، منهج البحث في الفقه والفتوى، ص316؛ العرفج، المناهج الفقهية المعاصرة، ص176.

([50]) القرضاوي، الاجتهاد في الشريعة الإسلامية، ص148.

([51]) يوسف القرضاوي، فتاوى معاصرة (القاهرة: دار القلم، ط1، 1430هـ/2009م)،ج4، ص9.

([52]) ابن حزم، الإحكام في أصول الأحكام، ج4، ص189.

([53]) ينظر لتفصيل هذين المنهجين في النظر الفقهي كتابي: أيمن صالح، أهل الألفاظ وأهل المعاني: دراسة في تاريخ الفقه (ألمانيا: النور للنشر، ط1، 2016)، ص1. https://sites.google.com/site/draymansaleh2/publications- ؛ وينظر: أحمد حمد، «الفقهاء بين الالتزام بحرفية النصوص والانفتاح على المعاني»، حولية كلية الشريعة والقانون والدراسات الإسلامية، ع11 (1993) ، http://hdl.handle.net/10576/9477

([54]) ينظر: القرضاوي، الاجتهاد في الشريعة الإسلامية، ص174.

([55]) عبد المجيد محمود عبد المجيد، الاتجاهات الفقهية عند أصحاب الحديث في القرن الثالث الهجري (مصر: مكتبة الخانجي، 1399هـ/1979م)، ص172.

([56]) محمد بن أبي بكر بن القيم، إعلام الموقعين عن رب العالمين، تحقيق محمد إبراهيم (بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1411هـ/1991م)، ج3، ص147.

([57]) محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني، نيل الأوطار، تحقيق عصام الدين الصبابطي (القاهرة: دار الحديث، ط1، 1413هـ/1993م)، ج6، ص331.

([58]) يوسف القرضاوي، «بنوك الحليب»، مجلة مجمع الفقه الإسلامي الدولي 1، ع2 (1407هـ/1986م)، ص256.

([59]) يوسف القرضاوي، تيسير الفقه في ضوء القرآن والسنة: فقه الصيام (بيروت: مؤسسة الرسالة، ط3، 1414هـ/1993م)، ص101.

([60]) ينظر هذا المقال الطبي: «التغذية بالحقن»، تاريخ الوصول (16 مايو، 2023)، https://together.stjude.org/ar-sa/care-support/clinical-nutrition/parenteral-nutrition.html

([61]) فؤاد بن يحيى الهاشمي، نظرية الإلزام: إلزامات ابن حزم للفقهاء نموذجا (بيروت: مركز نماء للبحوث والدراسات، ط1، 1435هـ/2014م)، ص299.