التكامل المعرفي وأثره في الصناعة الفقهية عند القرضاوي – سبر في التصورات والترجيحات

عبد الأحد مصطفى عبد الرحمن لو

طالب دكتوراه بقسم الفقه وأصوله،
كلية الشريعة والدراسات الإسلامية،
جامعة قطرقطر

 al2102151@qu.edu.qa

تاريخ الاستلام: 16/10/2023                               تاريخ التحكيم: 02/03/2024                                تاريخ القبول: 06/05/2024

ملخص

أهداف البحث: يهدف البحث إلى اكتشاف مدى حضور التكامل المعرفي عند القرضاوي، من خلال استعراض ملامح التكامل في فكره، ودراسة أثره في بناء الفقه على مستوى التصورات والترجيحات.

منهج الدراسة: يعتمد البحث بشكل أساسي على المنهج الاستقرائيّ في رصد المعاني التي تشهد لحضور فكرة التكامل المعرفي في شخصية القرضاوي، وفي استقراء النماذج التطبيقية لها في تراثه الفقهي.

النتائج: توصلت الدراسةُ إلى أن التكامل المعرفي كان حاضرًا إلى حدٍّ كبير في فكره، سواء على المستوى الداخلي، أم على المستوى الخارجي، كما توصلتْ إلى أن للتكامل أثرًا عنده في تصور الحقائق بشواهد كثيرة، وله أيضا أثره في ترجيحاته من حيث اختياره الأقوالَ التي وافقت المعطيات العلمية في مسائل عديدة. ومع ذلك، فيلاحَظ أنه في بعض التطبيقات لم يكن منسجما مع مبادئه في التكامل.

أصالة البحث: تظهر القيمة العلمية للبحث في اكتشافه مبدأ التكامل المعرفي في فكر القرضاوي، وأثره في صناعته الفقهية، من حيث التصورات والترجيحات، مع إبراز جوانب الإبداع والقصور في نموذجه.

الكلمات المفتاحية: التكامل المعرفي، القرضاوي، الصناعة الفقهية، التصورات، الترجيحات

 

للاقتباس: لو، عبد الأحد مصطفى عبد الرحمن. «التكامل المعرفي وأثره في الصناعة الفقهية عند القرضاوي – سبر في التصورات والترجيحات»، مجلة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة قطر، المجلد 43، العدد 1 (2025)، عدد خاص بمؤتمر «قراءات في قضايا التجديد والترشيد في فكر الشيخ يوسف القرضاوي».

https://doi.org/10.29117/jcsis.2025.0399

 ©2025، لو، عبد الأحد مصطفى عبد الرحمن. مجلة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، دار نشر جامعة قطر. نّشرت هذه المقالة البحثية وفقًا لشروط Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0). تسمح هذه الرخصة بالاستخدام غير التجاري، وينبغي نسبة العمل إلى صاحبه، مع بيان أي تعديلات عليه. كما تتيح حرية نسخ، وتوزيع، ونقل العمل بأي شكل من الأشكال، أو بأية وسيلة، ومزجه وتحويله والبناء عليه، طالما يُنسب العمل الأصلي إلى المؤلف. https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0

 


 Knowledge Integration and Its Impact on Jurisprudential Development in al-Qaraḍāwī’s Thought: An Exploration of His Ideas and Preferences

Abdoul Ahad Moustapha Abdourahmane LO

PhD candidate in the Department of Jurisprudence and Its Principles,
College of Sharia and Islamic Studies, Qatar University–Qatar

al2102151@qu.edu.qa

Received: 16/10/2023                    Peer-reviewed: 02/03/2024                             Accepted: 06/05/2024

Abstract

Objectives: This article seeks to reveal the presence of knowledge integration in al-Qaraḍāwī’s thought by exploring its defining features and assessing its influence on the evolution of jurisprudence, particularly regarding his ideas and preferences.

Methodology: This study primarily employs an inductive approach to tracing elements reflecting the presence of knowledge integration in al-Qaraḍāwī’s personality and investigating practical examples of this integration in his jurisprudential legacy.

Results: This study’s outcome is that knowledge integration was significantly evident in al-Qaraḍāwī’s thought, both in word and deed. It also finds that integration informed his understanding of the facts, evidenced by numerous examples, and had an impact on his preferences, as seen in his selection of views aligning with scientific data on various issues. Nevertheless, in some cases, his approach did not fully align with his principles of integration.

Originality: This article’s scholarly value lies in uncovering the principle of knowledge integration within al-Qaraḍāwī’s thought and examining its influence on his jurisprudential practices, particularly in his ideas and preferences. It also sheds light on both the innovative aspects and limitations of his model.

Keywords: Knowledge integration; al-Qaraḍāwī; jurisprudential development; conceptions; preferences

 

Cite this article as: Lo, A. A. M. “Knowledge Integration and Its Impact on Jurisprudential Development in al-Qaraḍāwī’s Thought: An Exploration of His Ideas and Preferences”, Journal of College of Sharia and Islamic Studies, Qatar University, Vol. 43, Issue 1 (2025), Special Issue on “Reflections on Renewal and Moderation in the Thought of Sheikh Yūsuf al-Qaraḍāwī”.

https://doi.org/10.29117/jcsis.2025.0399

© 2025, Lo, A. A. M.. Published in Journal of College of Sharia and Islamic Studies. Published by QU Press. This article is published under the terms of the Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0), which permits non-commercial use of the material, appropriate credit, and indication if changes in the material were made. You can copy and redistribute the material in any medium or format as well as remix, transform, and build upon the material, provided the original work is properly cited. The full terms of this licence may be seen at: https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0

 


 

مقدمة*

إن قضية التكامل المعرفي تُعدُّ من أبرز القضايا المعرفية حضورًا في النقاش في العالم الإسلامي والغربي على السواء، ذلك أن النزعة التجزيئية للمعارف التي سببت القطيعة بينها ولّدت أزمة معرفية ومنهجية، فاقتضت معالجتُها ضرورةَ إقامةِ جسر التواصل بين العلوم، واستعادةَ التكامل بينها.

وعلى الرغم من أن مصطلح «التكامل المعرفي» بعينه ظهر في الغرب نتيجة الأزمة التي عايشتها البنية المعرفية الغربية إلا أنه من حيث المحتوى والمغزى كان حاضرا في الخبرة التاريخية للحضارة الإسلامية؛ إذ شهد العالَمُ الإسلاميُّ شخصياتٍ عديدةً تمثّلت فيهم حقيقةُ التكامل بأبعاده المعرفية والمنهجية. وفي طليعتهم من المعاصرين الإمامُ يوسف القرضاويُّ (ت 2022م) الذي كان أنموذجا حيًّا ورمزًا من رموز التكامل المعرفي؛ إذ دعا إليه وحقّقه في مستوياته المختلفة.

وبذلك أصبحت هذه الميزة التكاملية من أبرز الأمور التي جعلته يتميز عن غيره، على أن الباحثين أغفلوها في دراساتهم لشخصيته العلمية وإرثه المعرفي. ومن ثَمّ شمر هذا البحثُ عن ساعد الجد لاكتشافها في تراثه، من خلال تبيان أثرها في الصناعة الفقهية بالتركيز على التصورات والترجيحات.

أوّلًا: إشكاليّة البحث وأسئلته

تحاول الدراسة اكتشافَ أثر التكامل المعرفي في الصناعة الفقهية عند القرضاوي، بحثا عن مدى حضور مبدأ التكامل من حيث الفكرة، والمنهج في فكره، ثم مدى تأثير ذلك في الصناعة الفقهية عنده من خلال التصورات والترجيحات. بمعنى آخر، يحاول البحث الإجابةَ على السؤال الرئيس الآتي: ما أثر التكامل المعرفي في الصناعة الفقهية عند القرضاوي؟

وتتفرع عن هذا السؤال مجموعةٌ أسئلة، منها:

1.   ما مفهوم التكامل المعرفي؟

2.   ما ملامح التكامل المعرفي في فكر القرضاوي؟

3.   ما أثر التكامل المعرفي في صناعته الفقهية على مستوى التصورات؟

4.   ما أثر التكامل المعرفي في صناعته الفقهية على مستوى الترجيحات؟

5.   ما جوانب الإبداع والقصور في نموذج التكامل المعرفي عنده؟

ثانيًا: أهمية البحث ودواعي الكتابة فيه

تتجلى أهمية البحث في بعدين:

البعد الأول: تعلّقه بموضوع التكامل الذي هو نوع من الحوار مع الآخر، والبحث عن المشترك الإنساني، مما يعكس انفتاحَ النظرة الإسلامية على جميع المعارف من حيث الأخذ والعطاء.

البعد الثاني: الانفتاح على شخصية القرضاوي الذي يُعدّ من أكثر علماء المسلمين تأثيرا في هذا القرن، وهذا الانفتاح بصرف النظر عن كونه خطوةً نحو تأسيس ثقافة الاعتراف بجهود العلماء يمثّل فرصةً لاكتشاف آليات إنتاج المعرفة وشروطه التي أدت إلى الإبداعات الفكرية في تراثه، مما يؤدي إلى استثمارها في المشاريع المستقبلية.

وهذا يعني أن الدراسة مهمةٌ للمتخصصين في الفقه من حيث إدراكُ مدى حاجة الصناعة الفقهية إلى التكامل؛ بالانفتاح المنضبط على المعارف الإنسانية، ومن حيث استحضارُ كيفية تحقيقه من خلال نموذج حيّ، كما أنها ذات فائدة لغير المتخصصين في معرفة مدى انفتاح العلوم الإسلامية على المعارف.

ثالثًا: أهداف البحث

تسعى الدراسة إلى تحقيق الآتي:

1.   بيان مفهوم التكامل المعرفي.

2.   إبراز ملامح التكامل المعرفي في فكر القرضاوي.

3.   إظهار أثر التكامل المعرفي في الصناعة الفقهية عند القرضاوي من خلال التصورات.

4.   تبيان أثر التكامل المعرفي في الصناعة الفقهية عند القرضاوي من خلال الترجيحات.

5.   اكتشاف جوانب الإبداع والقصور في نموذج التكامل المعرفي عند فقه القرضاوي.

رابعًا: فرضيات البحث

تنطلق الدراسة من مجموعة من الفرضيات تحاول التحقق من صدقها، وتتمثل في الآتي:

·      فكرة التكامل المعرفي كانت حاضرة بشكل مميّز في فكر القرضاوي.

·      للتكامل المعرفي أثر كبير في الصناعة الفقهية عند القرضاوي على مستوى التصورات.

·      للتكامل المعرفي تأثير بالغ في الصناعة الفقهية عند القرضاوي في جانب الترجيحات.

خامسًا: منهج البحث

تحقيقًا لأهداف البحث، واستجابةً لأسئلته سيُوظَّف بشكل رئيس المنهجُ الاستقرائيُّ في تتبع المعاني التي تشهد لحضور فكرة التكامل في شخصية القرضاوي، وفي استقراء النماذج التطبيقية لها في تراثه الفقهي. ويُستعان بالمنهج الوصفي التحليلي في اكتشاف مدى تأثير فكرة التكامل على منهجه، ومدى التزامه بها في الصناعة الفقهية.

سادسًا: الدراسات السابقة والإضافة العلمية

من خلال التقصي لما كتب في الموضوع، لم يُتوصَّل إلى دراسة سابقة تناولت التكامل عند القرضاوي وفقا للأهداف التي يسعى البحثُ إليها، على أن ذلك لا ينفي وجودَ دراساتٍ لها ارتباطٌ بالموضوع إما بدراسة جزئية لقضاياه، أو إشارةٍ لبعض مسائله في موضوع عام. ولعل ما عُثر عليه من تلكم الدراسات يمكن تصنيفها وفقا للنظر المنطقي إلى الآتي:

القسم الأول: محاولات تطبيقية لفكرة التكامل المعرفي في الاجتهاد الفقهي، ومنها:

عوني أحمد محمد مصاروة، قول الخبير وأثره في الاجتهاد وتطبيقاته المعاصرة: دراسة أصولية فقهية مقارنة، [أطروحة قدمت لاستكمال متطلبات درجة الدكتوراه في الفقه وأصوله]، كلية الدراسات العليا، جامعة العلوم الإسلامية العالمية، 2015م.

وهي دراسة تهدف إلى تبيان أهمية التكامل بين أهل الخبرة والفقهاء المجتهدين، من خلال التعرض لأثر قول الخبير في التعامل مع النوازل. وأورد فيها الباحث أمثلةً للتكامل بين الخبرة والاجتهاد، منها: الموت الدماغي، والجيلاتين الخنزيري التي اختلفت فيها المجامع وهيئات الإفتاء بين مبيح ومانع بناء على اختلاف تصوير أهل الخبرة للمسألة، والخلاف في أقصى مدة الحمل: هل هو تسعة أشهر أم أكثر؟ اختلف فيه الفقهاء نظرا للاختلاف بين توجه الخبرة المعاصرة وبين آراء الفقهاء القدامى في المسألة.

وهذا يجعلها تتقاطع مع موضوعنا من حيث ربط التكامل بأمثلة تطبيقية، على أن مما يعيبها أن الباحث أطال في المقدمات أكثر من اللازم؛ إذ لم يخصص للسؤال الرئيس الذي هو لبّ البحث إلا الفصلَ الرابع الذي هو عبارة عن 24 صفحة من أصل 208 صفحة. ناهيك عن ربط ذلك بشخصية القرضاوي.

القسم الثاني: دراسات لها علاقة بالتكامل عند القرضاوي، ومنها:

عبد المجيد عمر النجار، «الشمول في فكر الشيخ يوسف القرضاوي»، ضمن كتاب: يوسف القرضاوي: كلمات في تكريمه وبحوث في فكره (الدوحة: مطابع الدوحة الحديثة المحدودة، ط1، 2003م)، ص485-491.

وهي دراسة في بيان خاصية الشمول كما تمثّلت في فكر القرضاوي. وذلك بإثبات تمكّنه من العلوم الشرعية العقلية منها والنقلية، واطلاعه الوافي على أساسيات العلوم الإنسانية، ثم بإبراز المستوى الوظيفي من التكامل عنده؛ إذ «لا يغفل وهو يعالج قضية عن امتدادات تلك القضية في مجالات أخرى، ولا يقف عند تناول البحث في حقيقة ما عند صلتها بعلم معين؛ بل يرمي بالبصر إلى صلتها بعلوم أخرى مما يكون له تأثير في تقرير الحكم». وخلص فيه الكاتب إلى أن منهج القرضاوي يقتضي تقصيَ جميع المعطيات التي يمكن أن تكون لها علاقة بمحل البحث سواء كانت من القرآن والسنة، أو التراث، أو العلوم الكونية.

ويبدو البحث أقرب الدراسات ارتباطًا بموضوعنا؛ إذ يتحدث عن التكاملِ وإن لم يعبر بهذا المصطلح باختلاف مستوياته وتمثّلِه في فكر القرضاوي، مما جعله يشكّل النواة الأساس لتأسيس فكرة التكامل عند القرضاوي، على أن كلامه إن صح التعبير كان دعوى لم تؤيّد بشواهد تطبيقية. ولذلك يصح القول إنه إذا كان بحثُه يمثّل دعوى حضور الفكرة عند القرضاوي، فإن دراستنا سعيٌ إلى التحقق من مدى صدق مقولته من خلال استنطاق التراث الفقهي للقرضاوي.

الإضافة العلمية للدراسة:

غاية ما هناك أن الدراسات السابقة لا توجد فيها فيما يظهر محاولات تطرقت إلى اكتشاف مدى حضور مبدأ التكامل في فكر القرضاوي، فضلا عن بيان أثر ذلك في صناعته الفقهية. وفي ضوء ذلك يمكن القول إن ميزة الدراسة تتلخص في الآتي:

1.   اكتشاف مدى حضور مبدأ التكامل المعرفي وملامحه في فكر القرضاوي.

2.   بيان أثر التكامل في الصناعة الفقهية عند القرضاوي من خلال التصورات.

3.   إبراز أثر التكامل في الصناعة الفقهية عند القرضاوي من خلال الترجيحات.

4.   تقويم نموذج التكامل المعرفي عند القرضاوي.

5.   تعقيبات ومناقشات جزئية لمسائل متناثرة في البحث.

سابعًا: خطة البحث

اقتضت طبيعة الموضوع وإشكاليته أن يتم تناوله من خلال مبحثين:

المبحث الأول: التكامل المعرفي وملامحه في فكر القرضاوي، وفيه مطلبان:

المطلب الأول: مفهوم التكامل المعرفي.

المطلب الثاني: ملامح التكامل المعرفي في فكر القرضاوي.

المبحث الثاني: أثر التكامل المعرفي في صناعته الفقهية، وفيه ثلاثة مطالب:

المطلب الأول: أثر التكامل المعرفي في التصورات.

المطلب الثاني: أثر التكامل المعرفي في الترجيحات.

المطلب الثالث: تقويم عام للتكامل المعرفي في صناعته الفقهية.

ثم خاتمة تتضمن النتائج والتوصيات.

المبحث الأول: التكامل المعرفي وملامحه في فكر القرضاوي

إن المصطلح باعتباره وعاء الفكرة يُعدّ تحديده في غاية الأهمية، وتزداد أهميته بحيث يصبح التحديد ضرورةً إذا كان الأمر متعلقًا بمصطلح له صفة التعددية في الدلالة كـالتكامل المعرفي الذي كثر الكلام حول إشكالية مضمونه؛ إذ عُرّف بتعريفات تختلف، بل وقد تتناقض([1])، كما كثر النقاش حول إشكالية المصطلح ذاته؛ لأن الباحثين نتيجة الترجمة من اللغات الأجنبية يعبّرون عن المحتوى بمصطلحات مختلفة، مثل: التداخل، والتشابك، والتفاعل، والتعالق وغيرها([2]).

وتفاديًا لذلك الالتباس، ستبدأ الدراسة بتحديد مفهوم التكامل باختيار أنسب التعريفات وأدقها، ثم السير عليه خلال البحث كله.

المطلب الأول: مفهوم التكامل المعرفي

إن من يمعن النظر في تعريفات التكامل يدرك أن سبب الاختلاف في تحديده يمكن إرجاعُه إلى الاختلاف في زاوية النظر، فهناك من ينظر إلى منطلق وحدة المعارف فيعرّفه به كما يلاحظ في تعريف بعض الباحثين له بأنه «الإدراك التام الواعي للحقائق المتصلة بالوجود الإلهي والكوني والإنساني، وما ينتظم به من سنن، وما ينشأ عنه من علوم ومعارف، تظهر بها الآثار العملية والجمالية للمعرفة في ربطها أجزاء ذلك الوجود وانتظام علاقاته وفق هداية الوحي»([3]). فهو تعريف ينطلق من رؤية كونية تؤمن بوجود الحقائق الإلهية والكونية والإنسانية واتصالها فيما بينها، ويجعل العلم بذلك حقيقة التكامل. وهناك من ينظر إلى نطاق التكامل فيعرّفه به كما في قول بعضهم «التكامل في ثلاثة مستويات متضايفه متلازمة، هي: التكامل بين مصدري المعرفة: الوجود والوحي، والتكامل بين أداتي المعرفة: العقل والحس، والتكامل بين المصادر والأدوات»([4]). ويوجد من ينظر إلى السبب المؤدي إلى التكامل أو الهدف منه فيعرفه به كما يلاحظ في قول ملكاوي: «التكامل يعني أن علمًا معيّنا يحتاج إلى أن يتكامل مع علم آخر، من أجل تطويره وتقدمه، أو يعني حاجة الإنسان في فهمه لعلم معين إلى علوم أخرى تعين في تحقيق هذا الفهم»([5]). وقريب منه قوله في تعريفه: «حاجة العلوم إلى بعضها بعضًا في نمو العلم وتقدمه من جهة، أو في تطبيقه وتوظيف مبادئه عمليا من جهة ثانية»([6]).

ولا يخفى أن الأولى في التعريف أن يكون بالجنس والفصل أو بالخاصة كما يقول المناطقة. وهذا أمر لا نجده في تلك التعريفات السابقة. على أنا نلفي أن من أقرب التعريفات استجابةً لتلك المعايير قولَ بلال شيبوب: «جملة من الإجراءات العلمية التي يستمد فيها علم من العلوم معطيات مضمونية أو آلية، باعتبارها مبادئ ومسلماتٍ تسهم في تجاوز عوائق معرفية في العلم المستمد، أو الرفع من مستوى إنتاجيته، أو إقدار القائمين به على الإبداع فيه»([7])؛ إذ يلاحظ من هذا الحد أن فيه لمحةً إلى البعد الوظيفي، واستخدام الجنس بقوله «جملة من الإجراءات العلمية»، والخاصةِ بذكره الكيفية، وهي استمداد مضمون أو آلة من علم آخر، كما أن فيه ذكرَ الهدف من التكامل وهو تجاوز عائق معرفي، أو رفع مستوى إنتاج معرفي، أو إقدار القائم به على الإبداع، مع العلم أن الأخير هدف عام يتحقق أيضا في الأمرين الأولين، ولذلك فهو تعريف متكامل يحتوي على العناصر المكوّنة للتكامل.

والتكامل بهذا المعنى جرى في العُرف العلمي تقسيمُه إلى ثنائيتين، هما: المستوى الداخلي، وهو تكامل المعارف الإسلامية بعضِها مع بعض، والمستوى الخارجي، وهو التكامل بين العلوم الإسلامية؛ أي المأصولة بتعبير طه عبد الرحمن والعلوم الأخرى المنقولة([8]).

في ضوء ذلك المفهوم السابق للتكامل، فإن المقصود بالتكامل المعرفي في الصناعة الفقهية عند القرضاوي هو استمداده معطياتٍ معرفية (مضمونية) أو منهجية (آلية) لعلوم مختلفة على المستوى الخارجي والداخلي، واستثماره إياها في صناعته الفقهية.

ونظرًا لأن التعرض لذلك يتطلب أوّلًا – استجلاء مدى حضور الفكرة في مشروعه، وسيتم استعراض مظاهر حضور الفكرة في تراثه العلمي.

المطلب الثاني: ملامح التكامل المعرفي في فكر القرضاوي

إن الباحث عن فكرة التكامل في تراثه يجد مداخل عديدة لها، منها إشادته بدور مدرسة «إسلامية المعرفة» في تبني فكرة التكامل المعرفي وسعيها في تجسيدها خصوصًا في مستواه الخارجي([9])، ومنها بيانُه وسطيةَ الإسلام بين مصادر المعرفة التي هي الوحي والكون؛ إذ يرى أن الإسلام «يؤمن بالوحي مكمّلًا للعقل ومعينا له» كما يحث «العقلَ على أن يصول ويجول في الكون كله، علويه وسفليه، باحثا مكتشفًا لا يمنعه شيء»([10]). وفضلا عن هذا فإن هناك ملامحَ أخرى للتكامل في تراثه يمكن استجلاؤها من خلال الفرعين الآتيين:

الفرع الأول: المستوى الداخلي

ويمكن فهمه في ضوء مفهوم الوسطية الذي كان مركزيا في فكره([11])، ومن خلال المداخل الآتية:

1-  ثنائية الفقه والدعوة:

وهي ثنائية بارزة في فكره، وتمكن ملاحظة أهميتها عنده في قوله: «وفي رأيي أن أحوج ما يكون إلى المزج بين الفقه والدعوة، بحيث يكون الداعية فقهيا، والفقيه داعية. فلن يجدد الدين في عقول الأمة وضمائرها إلا الداعية الذي يحمل عقل الفقيه، والفقيه الذي يحمل روح الداعية. وهذا ما ينبغي أن نعمل به، ونعد له العدة»([12]). ذلك أنه من خلال النص يحاول أن يؤسس فكرة التكامل بين الفقه والدعوة، وكأنه بذلك يوحي إلى ضرورة التكامل بين علم العقيدة والاجتهاد الفقهي من أجل الارتقاء بالأمة.

2-  ثنائية الفقه والحديث:

وهي ظاهرة في دعوته إلى «ضرورة الوصل بين الحديث والفقه»؛ إذ يرى أن هناك فجوة بين الفقهاء والمحدثين، ولسدّها «من الواجب على الفقهاء أن يتعمقوا في علم الحديث، كما على المحدثين أن يتقنوا علم الفقه»([13]). وفائدة ذلك رفع مستوى الاجتهاد بتفادي الأحاديث الضعيفة والموضوعة في بناء الأحكام([14])، ومراجعة التراث الفقهي المبني على ضعيف الحديث «في ضوء علم الحديث الموصول بالفقه وأصوله»([15]).

3-  ثنائية السلفية والصوفية:

يظهر التكامل بينهما من خلال مبدأ الوسطية الذي يدعو إلى «فك الارتباط بين الطرفين، وعقد الصلح بين الفريقين، وتطعيم كل فريق بأفضل ما عند الآخر. فنمزج السلفية بالصوفية البعيدة عن الشرك والمبتدعات، ونمزج الصوفية بالسلفية البعيدة عن التكفير والتفسيق والتبديع؛ ليخرج من بينهما مزيج متوازن منسجم يجمع بين شدة السلفية ورقة الصوفية»([16]).

4-  ثنائية الوعي والسعي:

وهو مستوى آخر من التكامل([17]) يمكن استجلاؤه في تراثه؛ ذلك أن العلماء والمفكرين إذا كان كثير منهم يكتفي بالتنظير على حساب المبادرة العملية، فإن من أبرز ما يميزه كونه صاحبَ مبادراتٍ تجمع بين القول والفعل، كما يلاحظ هذا في دعوته إلى ترجمة الأفكار إلى الواقع بخدمة المجتمع؛ لإيمانه بأن «الدعوة ليست مجرد كلام يقال أو يكتب، بل الاهتمام بأمر الناس، وحل مشكلاتهم»([18]). ويمكن استحضار تلك الترجمة في الواقع من خلال مبادراته العملية من تأسيس الجمعيات، والمراكز، والجامعات([19]).

وكخلاصة، يمكن القول: إن دراسة الشروط العلمية للاجتهاد التي ذكرها، وهي: العلم بالقرآن بما يشمل أسباب النزول والناسخ والمنسوخ، والسنة النبوية بناسخها ومنسوخها وأسباب الورود، واللغة العربية، ومواضع الإجماع، وأصول الفقه، ومقاصد الشريعة، وما يتعلق بذلك كله من علوم([20]، دراسة ذلك كله كافية في البرهنة على مدى حضور التكامل على المستوى الداخلي في فكره. نعم، ربما يكفي دليلا على ملامح التكامل الداخلي في شخصيته شهادة العلامة عبد الله بن بيه الذي وصفه بكونه شخصا «فيه سيبويه، ومالك، والشافعي، والأشعري، وأشهب»([21]).

الفرع الثاني: المستوى الخارجي

أما المستوى الخارجي فتمكن ملاحظة التأسيس له في بيانه أسبابَ الحاجة إلى الاستفادة من العلوم الغربية بقوله: «الغرب قد ساد العالم في عصرنا ومنه العالم الإسلامي بما ملَك من علوم الدنيا من الفيزياء، والفلك، والكيمياء، والجيولوجيا، وغيرها» ... «وقد أدّى انفصالُ الإيمان عن العلم في الغرب أن أصبح هذا العلم خطرًا يهدّد العالم»([22])، «ولا علاج لذلك إلا أن يكون العلم في حضانة الإيمان، وأن يدور في فلك القيم والأخلاق، وهذا ما يوفّره الإسلام لأهله»([23]). ولهذا يرى أن تعلم تلك العلوم لم يعد فضيلة كما كان يتصورها بعض العلماء في زمانهم كالإمام الغزالي، وإنما صار «فريضة لازمة»؛ لخطورة تسابق الأمم فيها في هذا الزمان([24]). وانطلاقا من هذا المبدأ يقرّر أن «علينا أن نستفيد من هذه العلوم الكونية إلى حد الإتقان والتفوق، حتى نملك أسرارها، ولا نصبح عالة على غيرنا»([25]).

وصحيح أن هذه الدعوة إلى تعلم العلوم الكونية التي امتلكت الحضارةُ الغربية ناصيتَها قد لا تكون دعوةً إلى التكامل بشكل مباشر، بل قد تعني الدعوةَ إلى التخصص الذي قد يُعدّ الإغراق فيه من عوائق التكامل، على أنه من جهة أخرى، قد يقصد بها الدعوةَ إلى التوسع في العلوم، بالانفتاح على الآخر وعدم الاقتصار على الموروث، ولا شك أن الأمر بهذا المعنى يكون خادمًا للتكامل. ومهما يكن من أمر، فإن هناك ملامحَ تعكس جهوده في ترجمة فكرة التكامل على المستوى الخارجي إلى الواقع العملي، ومن أبرزها:

1-  بيان مجالات استثمار العلوم المنقولة:

لعل من أبرز ما يميّز تناوله للمستوى الخارجي، أنه لم يكتف بعموميات الدعوة إليه كما يلاحظ لدى الكثير، وإنما حاول أن يبيّن مجالاتِ الاستفادة منها كما في دعوته إلى توظيف الداعيةِ العلومَ الإنسانية من أجل فهم الناس؛ إذ يرى أن «الإلمام بهذه العلوم يعين على فهم الناس، وبخاصة الذين تثقفوا بهذه العلوم وأصبحت جزءا من تكوينهم الفكري»([26]). وكذلك دعوته إلى تفعيل علم النفس في بيان آثار الإيمان والتدين في نفسية الإنسان، وفي فهم أسرار الأحكام الشرعية كالتمييز بين الجنسين في بعض الأحكام، وفي فهم النصوص الدينية بما يلائم روح العصر وعقليته، مثل: دراسة حديث منع القاضي من الحكم في حالة الغضب في ضوء أثر الانفعال على الإدراك، وكذلك في فهم نفسية المخاطبين لمخاطبتهم على قدر عقولهم([27]). ويدعو أيضا إلى توظيف علم الاجتماع لدراسة أوضاع المجتمع ومشكلاته، واكتشاف أسبابها وتقديم علاجها([28]). وإلى استثمار الفلسفة لفهم الفلسفات التي تغزو عقول المسلمين ونقدها والاستفادة منها في تأييد الحق([29]). وعلم التربية في إتقان طرائق حسن التوجيه، وكيفية التأثير في العقول والعواطف؛ لإثارة حوافز الخير، وطرد نوازع الشر([30]).

وفيما يتعلق بالعلوم الطبيعة، يرى توظيفها في إثبات الحقائق الدينية كإثبات وجود الله بالفيزياء، والفلك، والكيمياء، والأحياء، والطب، وغيرها، وفي تعميق دلالات النصوص كفهم آية الشفاء من النحل في ضوء علم الأحياء، أو الكيمياء، أو الطب، أو علم الغذاء. كما يقترح توظيفَ الطبِّ لتأييد الأحكام الشرعية بما اشتملت عليه من مصالح ومفاسد، وعلمِ الأحياء لكشف الفوارق الجِبِلِّية بين الذكر والأنثى وحكمة مراعاتها في التشريع([31]).

وفوق هذا، يحدد ثلاثة مجالات لا ينبغي أن يقع الخلاف في استخدام العلوم الكونية فيها، وهي:

-      تعميق مدلول النص وتوسيع فهمه([32]).

-      تصحيحُ معلومات بعض القدامى كفهم بعضهم قولَه تعالى: ﴿وَمِن كُلِّ شَيۡءٍ خَلَقۡنَا زَوۡجَيۡنِ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ٤٩[الذاريات: 49] أن الكلية فيه أغلبية وليست مطلقة، فيُصحَّح بما ثبت في العلم الحديث من أن جميع النباتات والمخلوقات قائمة على الزوجية([33]).

-      تقريب الحقائق الدينية للعقول كإثبات وجود الله، وبيان ما اشتملت عليه الأحكام من جلب المصالح ودرء المفاسد([34]).

2-  تحديد شروط استخدام العلوم المنقولة:

يلاحظ في بيانه مجالات الاستفادة من العلوم المنقولة أنه لم يجعل باب الاستثمار مفتوحًا على مصراعيه دون قيود، وإنما دعا إلى «الانفتاح الواعي الذي هو الانطلاق من قيمنا، وأصالتنا، للأخذ بالمعرفة الحديثة والتطورات العلمية الجارية في الغرب»([35]). ذلك أنه يرى أن نقل تلك العلوم حرفيًا إلى العلوم الإسلامية «أشبه بنقل الدم من إنسان آخر، فإذا كان من فصيلةٍ غير فصيلته ولو كان نقيا من أي ميكروب أو تلوث فقد يكون سببًا في هلاك المنقول إليه»([36]). ولهذا يتطلب استخدامُها -أولا- ضرورةَ أسلمتها([37]) من خلال ثلاثة شروط، هي: إتقانها، وربطها بالإيمان من حيث المتعلقات والغايات والفلسفة، وربطها بالقيم والأخلاق من حيث النتائج والاستخدامات العلمية([38]).

ونجده في هذا الصدد يفرّق بين ما له علاقة بالدين والمفاهيم والقيم وبين العلوم المحضة التي لا تتعلق بعقائد أصحابها؛ لكونها قوانين كونية عامة كالطب والكيمياء والفلك، والرياضيات وغيرها، فيرى أن القسم الأخير لا تشترط فيه تلك الشروط قبل استخدامه؛ بدليل اقتباس المسلمين على مر التاريخ تلك العلومَ الكونيةَ من الأمم الأخرى([39]). بيد أن هناك شروطًا أخرى ذكرها، ويبدو أنها تنطبق على النوعين معًا، وهي:

-      الاعتماد على الحقائق لا الفرضيات: وذلك باستخدام المعلومات التي استقرت عند أهلها، وأصحبت حقيقة علمية، وعدم التعويل على نظريات وفرضيات لم تثبت أدلتها.

-      عدم التكلف في فهم النص: ومعناه ألا يُتكلّف في حمل النص على المعنى المُراد إثباتُه، وذلك بعدم التعسف في إثبات معنى لا تساعد عليه اللغة، ولا تحتمله العبارة، ولا يدل عليه السياق بأنواعه.

-      الابتعاد عن اتهام الأمة بالجهل: ويعنى به ألا يؤدي اعتماد المعلومة إلى اتهام الأمة كلها عبر تاريخها الطويل بالجهل([40]).

3-  شرطية العلوم المنقولة في الصناعة الفقهية:

لعل من أبرز الأمور الدالة على أهمية التكامل على المستوى الخارجي عنده أنه أضاف إلى شروط الاجتهاد شرطًا جديدا يُقرّ بعدم ذكر الأصوليين له، وهو «معرفة الناس والحياة»([41])، ويقول في تفسيره: «على المجتهد أن يكون ملمًّا بثقافة عصره، حتى لا يعيش منعزلا عن المجتمع الذي يعيش فيه ويجتهد له، ويتعامل مع أهله. ومن ثقافة عصرنا اليوم أن يعرف قدرا من علوم النفس، والتربية، والاجتماع، والاقتصاد، والتاريخ، والسياسة، والقوانين الدولية، ونحوها من الدراسات الإنسانية التي تكشف له الواقع الذي يعايشه ويعامله. بل لا بد له كذلك من قدر من المعارف العلمية مثل الأحياء، والطبيعة، والكيمياء والرياضيات ونحوها؛ فهي تشكل أرضية ثقافية لازمة لكل إنسان معاصر. وكثير من قضايا العصر وثيقة الصلة بهذه العلوم بحيث لا يستطيع أن يفتي فيها من يجهلها»([42]).

يُفهم من النص أنه يضيف شرطا للاجتهاد، يربطه بثقافة العصر وتطوره، وهو الإلمام بالعلوم الكونية التي لها ارتباط وثيق بحياة الناس. ولهذا يرى ضرورة إدخالها في المناهج التعليمية، ويقول: «أي معهد ديني يستبعد هذه العلوم الكونية من مناهجه لا يمكن أن يُعِدّ رجالا قادرين على الاجتهاد في قضايا عصرهم»([43]). وقد يُظن أنه يَقصد به توفر ذلك كله في المجتهد، خصوصا مع عبارة (على المجتهد)، على أن الذي يبدو أنه لا يقصد به الفرد المجتهد؛ لاستبعاد توفر تلك العلوم كلها وخاصة مع الشروط التراثية السالفة الذكر في شخص واحد. بل الظاهر أن مراده اشتراط تلك العلوم في أهلية الاجتهاد المعاصر الذي يقوم على الاجتهاد المؤسسي المناسب لطبيعة العصر، بأن يكون التعاون فيه مع خبراء العلم الذي تنتسب إليه المسألة؛ فإن كانت مسألة طبية فمع الأطباء، وإن كانت سياسية فمع علماء السياسة، وإن كانت اقتصادية فمع علماء الاقتصاد وهكذا... ويشهد لهذا أنه بيّن أن هذا التعاون مع الخبراء المتخصصين هو الذي جرى به العمل في المجامع الفقهية التي كان عضوا فيها([44]). وهو ما يدل على أن التكامل عنده لا يعني تجسد كل تلك العلوم في شخصيته، وإنما يعني عنايته بالإفتاء المجمعي من خلال الاستعانة بالخبراء والمختصين.

ومن آثار اشتراطه «العلومَ المنقولة» في الاجتهاد المعاصر أن جعلها من العوامل المؤثرة في الانتقاء؛ إذ تصحّح المعلومات القديمة، وتعطي المعرفة الصحيحة التي تمكّن من الحكم على الأقوال الفقهية الموروثة بالصحة أو الرجحان أو الضعف([45]). كما عدّها وسائلَ لبيان الحكم الشرعي، أو ترجيح بعض الآراء، أو إبراز حكمة الشارع في التشريع([46]).

وغاية ما هناك أن التكامل بمستوييه الداخلي والخارجي كان حاضرا في فكره بملامح عديدة، على أن ذلك كله إذا كان يمثل الجانب التنظيري، فسيتم اكشاف الجانب التطبيقي بالنظر إلى انسجامه مع مبادئه في التكامل من خلال التركيز على الأثر في التصورات والترجيحات كما سيأتي.

المبحث الثاني: أثر التكامل المعرفي في صناعته الفقهية

·       التعريف بالصناعة الفقهية:

إن الباحث في التراث الإسلامي يجد أن مصطلح الصناعة لم يكن غائبا عن العلماء؛ إذ نلفي بعضهم يعتبره كلمة مرادفة للعلم، كما يلاحظ في قول السبكي (ت756هـ): «كل ما يتعلق بنظر في المعقولات لتحصيل مطلوب يسمى علما، ويسمى صناعة»([47]). وبعضهم يربطه بالفقه ويجعله معبّرًا عن نوع خاص من العلم، كما في قول الزركشي عند تعريف الفقه: «العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية. فالعلم جنس، والمراد به الصناعة»([48]). وهو أمر يفهم منه أن الصناعة أخص من العلم. نعم، يبدو هذا التصور منسجما مع الأصل اللغوي للكلمة؛ إذ تعرف بأنها: «علم أو فن يمارسه الإنسان حتى يمهر فيه ويصبح حرفة له»([49]). بمعنى أن الصناعة علم مع الممارسة بالتجربة الطويلة([50]) التي تصيّر الأمر حرفة تكون للممارس كسجية نفسيّة.

ولهذا نجد بعض الفقهاء يقول: إن من شروط المجتهد «أن تكون عنده سجية وقوة يقتدر بها على التصرف بالجمع، والتفريق، والترتيب، والتصحيح، والإفساد؛ فإن ذلك ملاك صناعة الفقه»([51]). وهذا يعني أنهم يقصدون بالصناعة الملكةَ، كما نلاحظه عند السريري الذي يقول: إن «الصناعة الفقهية هي الملكة التي تقوم بالشخص فيكون بها قادرًا على التصرف المضبوط السديد في بناء الأحكام»([52]). على أنه من جهة أخرى، يمكن القول: إن الصناعة أزيد من الملكة؛ نظرا لارتباطها بطول التجربة كما تقدم، وخصوصا عند من يرى أن الملكة «ليست مكتسبة، وإنما هي هبة موروثة لا تُكتسَب ولا تُتعلم»([53]).

على أي، سواء كانت الصناعة تعني مجرد الملكة أو زائدة عليها، فإن الذي يظهر أن الملكة ليست مقصودةً لذاتها، وكذلك الصنعة والخبرة الطويلة، وإنما المقصود استثمارها في بناء الحكم من خلال جملة من الأمور المنهجية والمعرفية. ولذلك تُعني بالصناعة الفقهية في هذا البحث جملة من القضايا التي تتم مراعاتها في بناء الحكم الشرعي، وليس المرادُ الملكةَ مجردةً.

وفي ضوء هذا، فالمقصود بهذا المبحث بيان أثر التكامل بالمعنى السابق على الأمور المنهجية والمعرفية التي يراعيها الإمام القرضاوي في بناء الحكم الشرعي. وذلك من خلال المطالب الآتية:

المطلب الأول: أثر التكامل المعرفي في التصورات

يلاحظ في تعريفات الباحثين للتصور أنهم يختلفون في بيان حدوده، فبعضهم يرى أنه مرتبط بإدراك حقيقة النازلة، كما في قول أحدهم: «التصور إدراك حقيقة النازلة كما هي في الواقع بكل جوانبها بعد تمحيص مفرداتها تمحيصا دقيقًا من غير أن يحكم عليها بنفي أو إثبات»([54]). وبعض آخر يرى أنه يشمل النازلة والحُكم، فيعرفه بأنه «العلم بالنازلة على ما هي عليه في الواقع، والعلم بحكمها عند الشارع»([55]).

ويبدو أن الأولى أن يكون التصور شاملا لكل ما يتم إدراكه، بشرط ألا يتضمن حكما؛ لأن تعلقه بالنسبة أي احتواءه على حكم سلبا أو إيجابا يُخرجه من دائرة التصور إلى خانة التصديق كما يقول المناطقة([56]). ولهذا، سار البحث على المعنى الأول في رصد أثر التكامل المعرفي على التصور عند القرضاوي([57]). وتبيّن من خلال التتبع أن أبرز الآثار تتمثل في الآتية([58]):

1-  بطلان الزواج من الشيوعي:

يلاحظ في حديثه عن زواج الملحد أنه ضرب له مثالًا بالشيوعي المصرّ على شيوعيته؛ لأن الشيوعية قائمة على فلسفة مادية إلحادية. وحاول أن يثبت ذلك من خلال التكامل مع الفلسفة باستعراض حقيقة الشيوعية ومبادئها وآراء فلاسفتها في الدين، مبيّنا أن من الخطأ اعتقاد أن شيوعيًّا سيأخذ من الشيوعية جوانبها الاجتماعية، والاقتصادية، دون أبعادها العقدية([59]). ومعنى ذلك أنه تصوّر الشيوعية على أنها فلسفة ملحدة، بالتكامل مع علم الفلسفة، ثم بنى الحكم الشرعي على ذلك التصور.

2-  زرع الخصية:

ذهب إلى أن زرع الخصية لا يجوز؛ وذلك بالتكامل مع الطب؛ لأن الخصية بحسب الأطباء «هي المخزن الذي ينقل الخصائص الوراثية للرجل ولأسرته وفصيلته إلى ذريته»([60]). ويؤدي زرعها إلى اختلاط الأنساب([61]).

3-  حكم الإنزيم الذي أصله الخنزير:

يختلف مع الفقهاء الذين ذهبوا إلى تحريم الإنزيمات التي أصلها من عظم خنزير أو دمه؛ إذ مال هو بالتكامل مع خبراء المجال إلى أن مادتها استحالت كيماويا فتغيرت حقيقتها بالصفة والاسم، ويجب أن يتغير الحكم لذلك([62]).

4-  لعاب الكلاب:

على الرغم من ترجيحه مذهبَ مالك([63]) الذي يقتضي طهارة كل حي، ويعتبر ما جاء في ولوغ الكلاب تعبديا([64])، فإنه يرى أنه لا مانع من اكتشاف الحكمة([65]) التي منها ما كشفه العلم الحديث من أن مخالطة الكلاب تهدّد صحة الإنسان بسبب الدودة الشريطية في الكلاب([66]). وهنا يلاحظ هنا أنه اكتشف الحكمة من خلال تصور حقيقة لعاب الكلاب وما يحتويه من الدودة الشريطية.

5-   اعتزال الحائض:

يرى بالتكامل مع الطب أن من حكمة اعتزال المرأة الحائض ما كشفه الطب الحديث من اضطراب الأعصاب، وكون الأعضاء التناسلية في حالة احتقان في تلك المرحلة، مما يكون سببًا في التهاب الأعضاء التناسلية عند الاختلاط الجنسي([67]). وهذا يعني أنه استطاع أن يفهم الحكمة من خلال تصور حقيقة الحيض وملابساته بحسب ما يقول الأطباء.

المطلب الثاني: أثر التكامل المعرفي في الترجيحات

يُدرك فيما سبق أن من أوجه التكامل بين العلوم الكونية والعلوم الإسلامية عنده أن العلوم المنقولة تعدّ آليات لتصحيح المعلومة القديمة والحكم عليها بالصحة أو الرجحان أو الضعف([68]). بمعنى آخر فهو يعتبر معارف العصر وسائلَ للترجيح بين الأقوال الموروثة([69])، بيد أن الذي يبدو أن الوسائل لا تقتصر على معارف العصر أي «العلوم المنقولة» فحسب، وإنما تشمل أيضا العلوم الإسلامية، مما يعني أن وسائل الترجيح عنده تكون في المستوى الخارجي والداخلي معا. والمتتبع لهذا الأصل في صناعته الفقهية يدرك أنه وظّفه في مسائل عديدة، منها ما يأتي:

1-  معنى المال شرعا:

في حديثه عن اختلاف الفقهاء في معنى المال شرعا: هل تشترط فيه الحيازة والانتفاع معا؟ أم لا تشترط فيه الحيازة؟ وما يترتب على الخلاف من اعتبار المنافع أموالا وعدم اعتبارها كذلك، نجده يرجّح مذهب الحنفية([70]) الذي هو اشتراط الحيازة والانتفاع، وذلك لكون تعريفهم أقربَ إلى المعنى اللغوي للمال([71]). وهذا يعني أن ما فعله ضرب من التكامل مع اللغة العربية أي في المستوى الداخلي لترجيح رأي على آخر.

2-  ختان الإناث:

يلاحظ في حديثه عن ختان الإناث أنه بعد إيراده الأحاديث وآراء الفقهاء فيها رجّح أن الأصل فيه الإباحة([72])، بحمل حديث «أشمي ولا تنهكي»([73]) على الإرشاد، بيد أنه يُمنَع الآن من باب منع المباح للمصلحة تحت قاعدة سد الذريعة إذا ثبت أنه يؤدي إلى الضرر([74]). وكان ترجيحه قائمًا على التكامل مع الطب الحديث الذي أثبت الضرر الصحي والجنسي للختان على المرأة، ومع علم الاجتماع الذي يرى خبراؤه أنه «لا أمل في القضاء على ظاهرة المخدرات في العالم الإسلامي، إلا بعد القضاء نهائيا على ظاهرة ختان البنات»([75]). وبهذا ندرك كيف كان التكامل سببا في ترجيحه منع ختان الإناث.

3-  حكم التدخين:

تحدث عن تضارب أقوال المعاصرين في مسألة التدخين بين التحريم، والكراهة، والإباحة، مبينًا أن اختلافهم يعود إلى عدم التصور الكامل لحقيقته ونتائجه([76])، وبعد استعراضه لأدلة كل فريق خلص إلى أن اختلافهم في تحقيق المناط، وليس مبنيا على اختلاف الأدلة؛ لاتفاقهم على تحريم ما ثبت ضرره([77]). ومن ثم رأى أن حسم الخلاف فيه يتطلب التكامل مع الطب لاكتشاف أضراره. ورجّح التحريم؛ لما ذكر الأطباء من الآثار الضارة للتدخين على البدن وما يؤدي إليه من الأمراض([78])، ولما يسبب من ضرر نفسي كاضطراب الحياة وتشوش الفكرة([79]).

4-  أقصى مدة الحمل:

في تناوله مسألة أقصى مدة الحمل ذكر أن اختلافَ العلماء في ذلك بين من يقول: سنتين، أو أربع سنوات، أو خمسا، أو سبعا... سببُه الاستدلال بتجارب عصرهم من خلال مرويات النساء، حيث إن المرأة قد تتوهم أنها حامل وليست حاملًا في حالة «الحمل الكاذب» الذي تظهر فيه كل أعراض الحمل، وإذا قالت: إنها حامل وكانت معروفة بالصدق صدّقها الناس كما يلاحظ في بعض الروايات([80]). بيد أن الطب الحديث، بأدواته الجديدة، اكتشف أن الحمل لا يزيد على تسعة أشهر، وهو يتوافق مع رأي ابن حزم([81]).

ولذلك صحّح تلك المعلومة التي يعدّها مغلوطة([82])، بالتكامل مع الطب الحديث، مرجّحًا مذهب ابن حزم الذي صرّح أنه: «لا يجوز أن يكون حمل أكثر من تسعة أشهر ولا أقل من ستة أشهر»([83]). ويبدو أن في هذا القولِ أيضا ضربًا من التكامل على المستوى الداخلي؛ إذ كان مستنده القرآن الكريم وهو قوله تعالى: ﴿وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا﴾ [الأحقاف: 15]. 

5-  حيض الحامل:

أشار إلى اختلاف الفقهاء في الحامل هل تحيض؟ أم لا تحيض وإنما يكون ما تراه أحيانا نزيفا وليس حيضا؟ وذكر أن حسم الخلاف مهم؛ لما يترتب عليه من الصلاة والصيام وغيرهما، وأن ذلك يمكن من خلال العلم الحديث الذي توصل إلى «أن الحامل لا تحيض؛ لأنها في حالة الحمل لا تفرز البييضات التي تترتب على إهدارها عملية الحيض»([84]). فنلاحظ هنا أنه رجّح قول من ذهب إلى عدم حيضها من الفقهاء([85]) بالتكامل مع مكتشفات علم الطب والبيولوجيا([86]).

6-  نسبة الولد لأكثر من رجل:

ذكر أن من الأخطاء الفقهية الواجب تصحيحُها ما ذهب إليه بعض الفقهاء من أن الولد يُنسب إلى رجلين أو أكثر إذا ادعوا نسبه أو ألحقته القيافة بهم؛ بدليل «أن الولد قد ينعقد من ماء رجلين كما ينعقد من ماء الرجل والمرأة»([87]). ورأى أن تصحيح هذا بمسلّمات العلم الحديث الذي أثبت أنَّ تكوّن الجنينِ إنما يكون باجتماع حيوان منوي واحد من الرجل وبويضة المرأة([88]). ولذلك رجّح مذهب الشافعي الذي ينسجم مع الحقيقة العلمية؛ إذ يقتضي ألا ينسب إلا لأب واحد([89]).

وغاية ما هنالك أن للتكامل المعرفي أثرًا كبيرًا في ترجيحاته؛ إذ اعتبره وسيلة لتصحيح التصورات والأقوال، وهذا التطبيق لم يكن على مستوى الأقوال الفقهية الموروثة فقط، وإنما شمل أيضا تصحيحَ فتاوى بعض المعاصرين كما يلاحظ في رده على الألباني في فتواه المتعلقة بالسلام مع إسرائيل، فقد بيّن أن فتوى الألباني مبنية على خطأ في تحقيق المناط أي تنزيل الحكم، والسبب في ذلك عدم إلمامه بالقضايا السياسية، وكان عليه أن يرجع إلى خبراء السياسة والسلم والحرب([90]).

والذي يظهر أن آثار التكامل المعرفي في صناعته الفقهية لا تقتصر على التصورات والترجيحات فحسب، بل كان له أثره أيضا في توسيعه دائرةَ البحث الفقهي؛ إذ عاب بعض الفقهاء الذين ضيّقوا الفقه فحصروه في أبواب محددة، وأهملوا الجوانب الأخرى كالسياسية وفقه الدولة([91])، ولا شك في أن كل هذه الدعوة إلى توسيع الفقه إنما تنجم عن أصالة التكامل في فكره.

المطلب الثالث: تقويم عام للتكامل المعرفي في صناعته الفقهية

إن من يمعن النظر في نموذج التكامل المعرفي عند القرضاوي يجد فيه ملاحظات عديدة من الصعب إحصاؤها، على أن مما تمكن الإشارة إليه في هذه العجالة ما يأتي:

1-  جوانب الإبداع:

لعل من أبرز مميزات نموذج التكامل عنده:

‌أ.      وضوح الفكرة؛ إذ يتم استجلاؤها من كلمة الوسطية التي كانت مركزية في فكره، ولذلك كانت فكرة التكامل حاضرة بقوة في تراثه العلمي.

‌ب.  الجمع بين النظرية والتطبيق، وهذا من أبرز ما يميزه؛ إذ لم يقتصر على عموميات الدعوة، كما يلاحظ لدى الكثير، وإنما جمع بين الدعوة إليه، والتنظير، والتطبيق، وإبراز النتائج، ما يجعله نموذجا متكامل العناصر.

‌ج.   احترام ضوابط التكامل المعرفي، كمراعاة التناسب بين العلم المستمِد والمستمَد منه، مما يلاحظ في شروط التطبيق التي ذكرها، وكذلك أخذ المسلّمات دون الإغراق في البرهنة عليها، وغير ذلك من الضوابط([92]).

2-  جوانب القصور:

على الرغم من كثرة جوانب الإبداع إلا أن هناك ملحوظاتٍ يجدها الراصد لفكرة التكامل في تراثه، ومنها:

أولًا: عدم الانسجام مع مبدأ التصحيح بمعارف العصر

إذا كان من مبادئه كما تقدم اعتبار معارف العصر أدواتٍ للتصحيح، فيمكن القول إن هذا المبدأ كان غائبا في بعض الجزئيات؛ إذ خالف أصله في بعض المسائل، مثل: مسألة نفخ الروح.

يلاحظ أن موقفه في نفخ الروح([93]) هو مذهب من أخذ بحديث ابن مسعود([94]) واعتبر أن النفخ يكون بعد مائة وعشرين يوما؛ إذ نجده يقول «والراجح أن الجنين بعد استكمال أربعة أشهر إنسان حي كامل»([95]). بل صرّح بذلك في حديثه عن إجهاض الجنين فقال: «وتتأكد الحرمة وتتضاعف بعد مائة وعشرين يوما، حيث يدخل في المرحلة التي سماها الحديث: نفخ الروح»([96]). ولا شك أن في هذا الموقف بصرف النظر عن كونه ترجيحا بأمور أخرى غيابَ التكامل المعرفي على مستويين:

المستوى الأول: التكامل الداخلي وهو فهم الحديث في ضوء الأحاديث الأخرى([97])، وذلك كما بيّن شرف القضاة([98]) بحمل حديث ابن مسعود في رواية البخاري على حديثه في رواية مسلم([99]) التي فيها (ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك) بحيث يكون معنى قوله (مثل ذلك) ليس المدةَ، وإنما يعني أن العلقة، والمضغة، مثل النطفة في عدم وجود الروح([100]). وحينئذ يصير الحديثان منسجمين مع حديث حذيفة([101]) الذي اكتفى باثنتين وأربعين.

أما المستوى الثاني: فهو التكامل الخارجي مع ما توصّل إليه العلم، وأشار إليه القرضاوي بقوله: «علم الأجنة والتشريح بعد تقدمهما اليوم يثبتان أن الجنين بعد هذه المدة (42 ليلة) يدخل مرحلة جديدة»([102]). حيث يلاحظ منه اعترافٌ بمكتشف العلم، وعدم الالتزام بمبدأ التصحيح بمعارف العصر.

ويلاحظ أنه خرج عن أصله في المسألة موافقا جمهور الفقهاء([103]) الذين اعتمدوا 120 يومًا، بيد أننا نجد بعض العلماء كالزملكاني (ت651هـ) ينقد المحدّثين في ذلك، ويشير إلى أن غياب التكامل هو سبب الخلل في فهم الأحاديث؛ إذ بيّن أن اضطراب أقوالهم في الجمع بين الأحاديث سببه عدم اطلاعهم على معطيات علم التشريح([104]). ومهما يكن من أمر، فإن مخالفة القرضاوي لأصله في هذه المسألة إنما تدل على أن مبدأ التصحيح بمعارف العصر يحتاج إلى مزيد من الجهود لدراسة ضوابط اعتماده، ومعايير توظيفه.

ثانيًا: غياب المصادر المتخصصة

على الرغم من أصالة التكامل في فكره يلاحظ أن حضور العلوم المنقولة لم يكن بشكل مُستوفًى من حيث المصادر. وصحيح أن هذا قد يُتفهم في الفتاوى التي طبيعتها الاختصار، وتتناسب مع توظيف المعلومة دون الإغراق في تفاصيل ثبوتها، بيد أنه قد لا يغتفر في البحوث والكتابات العلمية التي تتطلب الدقة في النقل والتحري للمصادر الأصلية المتخصصة.

 ومن أمعن النظر في كتبه يجد مواطن كثيرة لا يذكر فيها مصادر المعلومة([105])، وفي بعض الأحيان يذكر الوسائط ولا يرجع إلى المصادر المتخصصة([106]). وكل ذلك سيكون أكثر إقناعا في النفس لو رجع إلى المصادر المتخصصة وأوردها في مواضع الاستشهاد.

وخلاصة الكلام أن تفعيل التكامل المعرفي في الصناعة الفقهية عند القرضاوي يُعدّ نموذجا متميزًا يجمع بين النظرية والتطبيق، ومع ذلك لا يسلم من مطارحات لا تقدح في قيمته ولا تحطّ من جودته، ولهذا يحتاج إلى تعميق النظر أكثر، وخصوصا فيما يتعلق بالعلاقات الخاصة بين العلوم الكونية والصناعة الفقهية من حيث مجالات الاستثمار، فيحتاج إلى دراسة أكثر تفصيلا تبين المداخل بصورة أوضح؛ للارتقاء بالاجتهاد الفقهي المعاصر إلى الإبداع من بوابة التكامل المعرفي.

خاتمة

بعد التطواف العلمي حول التكامل المعرفي وأثره في الصناعة الفقهية عند الإمام القرضاوي، يمكن القول إن الدراسة حاولت وإن لم تغطّ الموضوع بكافة جوانبه أن تبرز مدى حضور فكرة التكامل المعرفي عند القرضاوي تنظيرا وتطبيقا، مع اكتشاف أثر ذلك في صناعته الفقهية من خلال استعراض النماذج في التصورات والترجيحات. وفي ضوء ذلك يمكن رصد الاستنتاجات الآتية:

1.    للتكامل المعرفي أثر كبير في صناعته الفقهية على مستوى التصورات والترجيحات، أما الأثر في التصورات فتمكن ملاحظته في إدراك حقيقة الماهية كما في مسألة بطلان الزواج من الشيوعي، وزرع الخصية، وحكم الإنزيم، ولعاب الكلاب، ومنع اعتزال الحائض. وأما الأثر في الترجيحات فيمكن دركه في جانبه الداخلي في التكامل مع اللغة لترجيح قول الحنفية في معنى المال شرعا، ويلاحظ في مستواه الخارجي من خلال التكامل مع المعطيات العلمية في مسألة ختان الإناث، وحكم التدخين، وأقصى مدة الحمل، وحيض الحامل، ونسبة الولد لأكثر من رجل. حيث رجّح في هذه المسائلِ الأقوالَ التي وافقت العلم الحديث.

2.    على الرغم مما يتميز به نموذج تفعيل التكامل في الصناعة الفقهية عند القرضاوي من ميزات كثيرة كالجمع بين النظرية والتطبيق، والنتائج، ووضوح الرؤية، إلا أنه لا يسلم من مطارحات، ومنها غياب الانسجام مع مبادئه في بعض التطبيقات، وعدم حضور المصادر العلمية المتخصصة في مواضع الاستشهاد، وغلبة استثمار العلوم الطبيعية على حساب العلوم الإنسانية، وكذلك عدم تحديد العلاقات الخاصة بين العلوم الكونية والصناعة الفقهية بصورة دقيقة، تبين مواطن التوظيف، وتوضح علاقة كل علم منها بالاجتهاد الفقهي بصورة أعمق. وهذا ما يعني أن الاجتهاد الفقهي المعاصر يمكن أن يستفيد من نموذج التكامل عند القرضاوي في الارتقاء بالنظر الفقهي وتعميقه، شريطةَ تقويم تجربته وتطويرها.

3.    من أبرز ما يعكس أهمية التكامل عند القرضاوي أنه جعل معارف العصر وسائل لترشيد الاجتهاد وتصحيحه، وذكر لذلك شروطًا وضوابط علمية، بيد أنه خالف هذا المبدأ في بعض التطبيقات مع توفر الشروط فيما يبدو، وهو ما يدل على أنه مبدأ يحتاج إلى مزيد من الدراسة لبيان معايير توظيفه في الاجتهاد الفقهي.

في ضوء تلك النتائج توصي الدراسة بما يأتي:

-      إعطاء موضوع التكامل المعرفي مزيدا من الأولوية في الجامعات الإسلامية والمشاريع البحثية، مع التركيز على الجانب التطبيقي الذي يحقق الثمرة.

-      تعميق النظر في علاقة كل علم على حدة من العلوم المنقولة بالصناعة الفقهية مع بيان أوجه استثماره وشروط تطبيقه.

-      إجراء مزيد من الدراسات حول التكامل المعرفي وأهميته في فكر القرضاوي، باكتشافه في المجالات الأخرى غير الفقه كالتفسير والحديث.

-      دراسة أثر التكامل المعرفي في الصناعة الفقهية المعاصرة من خلال الشخصيات العلمية، والهيئات الإفتائية، والمجامع الفقهية.

-      تنظيم دورات علمية تبين العلاقات الخاصة بين العلوم الإسلامية والعلوم الكونية من الطبيعيات والاجتماعيات، وتبرز أوجه التكامل بينها، وشروط تحققها.


 

المصادر والمراجع

أولا: العربية

ابن حزم، أبو محمد علي بن أحمد. المحلى بالآثار. تحقيق: عبد الغفار سليمان البنداري. بيروت: دار الفكر، [د.ت].

ابن خلدون، عبد الرحمن. مقدمة ابن خلدون. تحقيق: عبد الله محمد الدرويش. دمشق: دار البلخي، ط1، 2004.

ابن قدامة، موفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد المقدسي. المغني. تحقيق: عبد اللَّه بن عبد المحسن التركي، وعبد الفتاح محمد الحلو. الرياض: دار عالم الكتب للطباعة والنشر والتوزيع، ط3، 1997م.

بحيري، محمد سالم. «صناعة التصور الفقهي: مفهومه ومثارات الغلط فيه وأثره في تخريج النوازل». ضمن: مشاري وآخرون. صناعة التفكير الفقهي. الخبر: تكوين للدراسات والأبحاث، ط2، 2019م.

البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل. صحيح البخاري. تحقيق: مصطفى ديب البغا. دمشق: دار ابن كثير، دار اليمامة، ط5، 1993م.

بن فحف، محمد محفوظ بن الشيخ. رفع الأعلام على سلم الأخضري وتوشيح عبد السلام. د[. ن]، ط1، 2001م.

الدغامين، زياد خليل. «التكامل المعرفي في القرآن الكريم»، المجلة الأردنية في الدراسات الإسلامية، مج9، ع1 (2013)، ص163 183.

ديداني، أبو مدين وزقور أحسن. «أهمية التصور الفقهي وأثره في أحكام النوازل». المجلة الجزائرية للمخطوطات، ع14 (2016)، ص247-273.

الرازي، فخر الدين، أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن. مفاتيح الغيب. بيروت: دار إحياء التراث العربي، ط3، 1420هـ.

الزركشي، أبو عبد الله بدر الدين محمد بن عبد الله. البحر المحيط. دار الكتبي، ط1، 1994م.

الزملكاني، كمال الدين عبد الواحد بن عبد الكريم. البرهان الكاشف عن إعجاز القرآن. تحقيق: خديجة الحديثي، وأحمد مطلوب. بغداد: مطبعة العاني، ط1، 1974م.

السبكي، تقي الدين علي بن عبد الكافي. الإبهاج في شرح المنهاج. بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1984م.

السريري، أبو الطيب مولود. الصناعة الفقهية. بيروت: دار الكتب العلمية، ط2، 2019م.

شبير، محمد عثمان. «تكوين الملكة الفقهية». الدوحة: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية. سلسلة كتاب الامة، العدد 72، ط1، (1420هـ/1999م).

شرف القضاة. متى تنفخ الروح في الجنين. عمّان: دار الفرقان للنشر والتوزيع، ط1، 1990م.

شيبوب، بلال. «قضايا التكامل المعرفي في التراث الإسلامي: أبو حامد الغزالي نموذجا». الدوحة: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، سلسلة كتاب الأمة، العدد194، ط1، 2022م.

صالح، أيمن. «العلة والحكمة والتعليل بالحكمة: دراسة مصطلحية»، مجلة جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية، مج31، ع2 (2017)، ص65-114.

الطبراني، أبو القاسم سليمان بن أحمد. المعجم الأوسط. تحقيق: أبو معاذ طارق بن عوض الله، وأبو الفضل عبد المحسن بن إبراهيم الحسيني. القاهرة: دار الحرمين، 1995م.

عبد الرحمن، طه. تجديد المنهج في تقويم التراث. الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، ط2، [د.ت].

عزوزي، حسن. «في الحاجة إلى قواعد منهجية لفكر الاستغراب». مجلة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، مج39، ع2 (2021(.

العماري، عبد القادر. «القرضاوي حكيم الأمة»، ضمن: كتاب: يوسف القرضاوي: كلمات في تكريمه وبحوث في فكره وفقهه: مهداة إليه بمناسبة بلوغه السبعين. [د. ن، د.ت].

القرضاوي، يوسف. الاجتهاد المعاصر بين الانضباط والانفراط. بيروت: المكتب الإسلامي، ط2، 1998م.

–––. الاجتهاد في الشريعة الإسلامية. الكويت: دار القلم، ط1، 1996م.

–––. الإسلام حضارة الغد. القاهرة: مكتبة وهبة، ط1، 1995م.

–––. تيسير الفقه للمسلم المعاصر في ضوء القرآن والسنة. بيروت: مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، 2001م.

–––. ثقافة الداعية. القاهرة: مكتبة وهبة، ط10، 1996م.

–––. الحلال والحرام في الإسلام. القاهرة: مكتبة وهبة، ط29، 1997م.

–––. دراسة في فقه مقاصد الشريعة. القاهرة: دار الشروق، ط3، 2008م.

–––. شريعة الإسلام صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان. القاهرة: دار الصحوة، ط3، 1993م.

–––. الصحوة الإسلامية بين الجمود والتطرف. القاهرة: دار الشروق، ط1، 2001م.

–––. فتاوى معاصرة. الجزء الأول. الكويت: دار القلم للنشر والتوزيع، ط5، 1990م.

–––. فتاوى معاصرة. الجزء الثالث. بيروت: المكتب الإسلامي، ط1، 2003م.

–––. فتاوى معاصرة. الجزء الثاني. الكويت: دار القلم للنشر والتوزيع، [د.ت].

–––. فتاوى معاصرة. الجزء الرابع. الكويت: دار القلم للنشر والتوزيع، ط1، 2009م.

–––. فقه الأسرة وقضايا المرأة. تركيا: دار الشامية، ط1، 2017م.

–––. فقه الجهاد: دراسة مقارنة لأحكامه وفلسفته في ضوء القرآن والسنة. القاهرة: مكتبة وهبة، ط4، 2014م.

–––. فقه الزكاة: دراسة مقارنة لأحكامها وفلسفتها في ضوء القرآن والسنة. بيروت: مؤسسة الرسالة، ط2، 1973م.

–––. فقه الطهارة. القاهرة: مكتبة وهبة، ط4، 2008م.

–––. فقه الوسطية الإسلامية والتجديد: معالم ومنارات. القاهرة: دار الشروق، [د. ت].

–––. كيف نتعامل مع السنة النبوية. القاهرة: دار الشروق، ط2، 2002م.

–––. كيف نتعامل مع القرآن العظيم. القاهرة: دار الشروق، ط3، 2000م.

–––. من فقه الدولة في الإسلام. القاهرة: دار الشروق، ط3، 2001م.

–––. موجبات تغير الفتوى في عصرنا. الدوحة: لجنة التأليف والترجمة في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ط1، 2007م.

ابن قيم الجوزية، شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب. زاد المعاد في هدي خير العباد. بيروت: مؤسسة الرسالة الكويت: مكتبة المنار الإسلامية، ط27، 1994م.

مجمع اللغة العربية بالقاهرة. المعجم الوسيط. دار الدعوة، [د. ت].

المرداوي، علاء الدين أبو الحسن علي بن سليمان. التحبير شرح التحرير. دراسة وتحقيق: عبد الرحمن الجبرين وآخرون. الرياض: مكتبة الرشد، ط1، 2000م.

مسلم، أبو الحسين بن الحجاج القشيري. صحيح مسلم، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي. القاهرة: مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركائه، 1955م.

ملكاوي، فتحي حسن. منهجية التكامل المعرفي: مقدمات في المنهجية الإسلامية. فرجينيا: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ط1، 2011م.

النووي، أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف. المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج. بيروت: دار إحياء التراث العربي، ط2، 1392هـ.

همام، محمد. تداخل المعارف ونهاية التخصص في الفكر الإسلامي العربي: دراسة في العلاقات بين العلوم. بيروت: مركز نماء للبحوث والدراسات، ط1، 2017م.

ثانيًا:

References:

‘Azzouzī, Ḥassan. “The Need of Methodological Rules composing the Occidentalist Thought”. (in Arabic). Journal of College of Sharia and Islamic Studies. Volume 39, Issue 2, (2021).

Abd al-Raḥmān, Ṭāhā. Tajdīd al-manhaj fī Taqwīm al-Turāth. (in Arabic). Casablanca: al-Markaz al-Thaqāfī al-ʻArabī, 2nd ed.

Al-ʻAmmārī, ʻAbd al-Qādir. "al-Qaraḍāwī Ḥakīm al-ummah". in: Yūsuf al-Qaraḍāwī: Kalimāt fī takrīmihi wa-buḥūth fī fikrihi wa-fiqhihī: muhdāh ilayhi bi-munāsabat bulūghihi al-sabʻīn. in Arabic.

Al-Bukhārī, Abū ʻAbd Allāh Muḥammad ibn Ismāʻīl. Ṣaḥīḥ al-Bukhārī. (in Arabic). Ed. Muṣṭafá Dīb al-Bughā. Dimashq: Dār Ibn Kathīr, Dār al-Yamāmah, 5th ed, 1993.

Al-Daghāmīn, Ziyād Khalīl. "al-Takāmul al-maʻrifī fī al-Qurʼān al-Karīm". (in Arabic). Al-Majallah al-Urdunīyah fī al-Dirāsāt al-Islāmīyah. vol 9, n1, 2013, pp. 163-183.

Al-Nawawī, Abū Zakarīyā Muḥyī al-Dīn Yaḥyá ibn Sharaf. Al-Minhāj sharḥ Ṣaḥīḥ Muslim ibn al-Ḥajjāj. (in Arabic). Beirut: Dār Iḥyāʼ al-Turāth al-ʻArabī, 2nd ed, 1392h.

Al-Qaraḍāwī, Yūsuf. Al-ḥalāl wa-al-ḥarām fī al-Islām. (in Arabic). Cairo: Maktabat Wahbah, 29th ed, 1997.

–––. Al-Ijtihād al-muʻāṣir bayna al-inḍibāṭ wa-al-infirāṭ. (in Arabic). Beirut: al-Maktab al-Islāmī, 2nd ed, 1988.

–––. Al-Ijtihād fī al-sharīʻah al-Islāmīyah. (in Arabic). Kuwait: Dār al-Qalam, 1st ed, 1996.

–––. Al-Islām Ḥaḍārat al-Ghad. (in Arabic). Cairo: Maktabat Wahbah, 1st ed, 1995.

–––. Al-Ṣaḥwah al-Islāmīyah bayna al-jumūd wa-al-taṭarruf. (in Arabic). Cairo: Dār al-Shurūq, 1st ed, 2001.

–––. Dirāsah fī fiqh Maqāṣid al-sharīʻah. (in Arabic). Cairo: Dār al-Shurūq, 3rd ed, 2008.

–––. Fatāwá muʻāṣirah. (in Arabic). al-juzʼ al-Awwal. Kuwait: Dār al-Qalam lil-Nashr wa-al-Tawzīʻ, 5th ed, 1990.

–––. Fatāwá muʻāṣirah. (in Arabic). al-juzʼ al-rābiʻ. Kuwait: Dār al-Qalam lil-Nashr wa-al-Tawzīʻ, 1st ed, 2009.

–––. Fatāwá muʻāṣirah. (in Arabic). al-juzʼ al-thālith. Beirut: al-Maktab al-Islāmī, 1st ed, 2003.

–––. Fatāwá muʻāṣirah. (in Arabic). al-juzʼ al-Thānī. Kuwait: Dār al-Qalam, [n. d].

–––. Fiqh al-jihād: dirāsah muqāranah li-aḥkāmihi wa-falsafatuhu fī ḍawʼ al-Qurʼān wa-al-sunnah. (in Arabic). Cairo: Maktabat Wahbah, 4th ed, 2014.

–––. Fiqh al-ṭahārah. (in Arabic). Cairo: Maktabat Wahbah, 4th ed, 2008.

–––. Fiqh al-usrah wa-qaḍāyā al-marʼah. (in Arabic). Turkey: Dār al-Shāmīyah, 1st ed, 2017.

–––. Fiqh al-Wasaṭīyah al-Islāmīyah wa-al-tajdīd: Maʻālim wmnārāt. (in Arabic). Cairo: Dār al-Shurūq, [n.d].

–––. Fiqh al-zakāh: dirāsah muqāranah lʼḥkāmhā wa-falsafatihā fī ḍawʼ al-Qurʼān wa-al-sunnah. (in Arabic). Beirut: Muʼassasat al-Risālah, 2nd ed, 1973.

–––. Kayfa nataʻāmalu maʻa al-Qurʼān al-ʻAẓīm. (in Arabic). Cairo: Dār al-Shurūq, 3rd ed, 2000.

–––. Kayfa nataʻāmalu maʻa al-Sunnah al-Nabawīyah. (in Arabic). Cairo: Dār al-Shurūq, 2nd ed, 2002.

–––. Min fiqh al-dawlah fī al-Islām. (in Arabic). Cairo: Dār al-Shurūq, 3rd ed, 2001.

–––. Mūjibāt Taghayyur al-Fatwá fī ʻaṣrinā. (in Arabic). Doha: Lajnat al-Taʼlīf wa-al-Tarjamah fī al-Ittiḥād al-ʻĀlamī li-ʻulamāʼ al-Muslimīn, 1st ed, 2007.

–––. Sharīʻat al-Islām Ṣāliḥah lil-taṭbīq fī kull Zamān wa-makān. (in Arabic). Cairo: Dār al-Ṣaḥwah, 3rd ed, 1993.

–––. Taysīr al-fiqh lil-muslim al-muʻāṣir fī ḍawʼ al-Qurʼān wa-al-sunnah. (in Arabic). Beirut: Muʼassasat al-Risālah lil-Ṭibāʻah wa-al-Nashr wa-al-Tawzīʻ, 1st ed, 2001.

–––. Thqāfh al-dāʻiyah. (in Arabic). Cairo: Maktabat Wahbah, 10th ed, 1996.

Al-Rāzī, Fakhr al-Dīn, Abū ʻAbd Allāh Muḥammad ibn ʻUmar ibn al-Ḥasan. Mafātīḥ al-ghayb. (in Arabic). Beirut: Dār Iḥyāʼ al-Turāth al-ʻArabī, 3rd ed, 1420h.

Al-Sarīrī, Abū al-Ṭayyib Mawlūd. Al-ṣināʻah al-fiqhīyah. (in Arabic). Beirut: Dār al-Kutub al-ʻIlmīyah, 2nd ed, 2019.

Al-Subkī, Taqī al-Dīn ʻAlī ibn ʻAbd al-Kāfī. Al-Ibhāj fī sharḥ al-Minhāj. (in Arabic). Beirut: Dār al-Kutub al-ʻIlmīyah, 1st ed, 1984.

Al-Ṭabarānī, Abū al-Qāsim Sulaymān ibn Aḥmad. Al-Muʻjam al-Awsaṭ. (in Arabic). Ed. Abū Muʻādh Ṭāriq ibn ʻAwaḍ Allāh, wa-Abū al-Faḍl ʻAbd al-Muḥsin ibn Ibrāhīm al-Ḥusaynī. Cairo: Dār al-Ḥaramayn, 1995.

Al-Zamalkānī, Kamāl al-Dīn ʻAbd al-Wāḥid ibn ʻAbd al-Karīm. Al-burhān al-Kāshif ʻan Iʻjāz al-Qurʼān. (in Arabic). Ed. Khadījah al-Ḥadīthī, wa-Aḥmad Maṭlūb. Baghdad: Maṭbaʻat al-ʻĀnī, 1st ed, 1974.

Al-Zarkashī, Abū ʻAbd Allāh Badr al-Dīn Muḥammad ibn ʻAbd Allāh. Al-Baḥr al-muḥīṭ. (in Arabic). Dār al-Kutubī, 1st ed, 1994.

Buḥayrī, Muḥammad Sālim. "ṣināʻat al-taṣawwur al-fiqhī: mafhūmuhu wmthārāt al-ghalaṭ fīhi wa-atharuhu fī takhrīj al-nawāzil". in: Mashārī wa-ākharūn. ṣināʻat al-tafkīr al-fiqhī. (in Arabic). al-Khobar: takwīn lil-Dirāsāt wa-al-Abḥāth, 2nd ed, 2019.

Daydānī, Bū Madyan wzqwr Aḥsan. "Ahammīyat al-taṣawwur al-fiqhī wa-atharuhu fī Aḥkām al-nawāzil". (in Arabic). Al-Majallah al-Jazāʼirīyah lil-Makhṭūṭāt. n14, January 2016, pp. 247-273.

Humām, Muḥammad. Tadākhul al-Maʻārif wa-nihāyat al-takhaṣṣuṣ fī al-Fikr al-Islāmī al-ʻArabī: dirāsah fī al-ʻAlāqāt bayna al-ʻUlūm. (in Arabic). Beirut: Markaz Namāʼ lil-Buḥūth wa-al-Dirāsāt,1st ed, 2017.

Ibn Faḥf, Muḥammad Maḥfūẓ ibn al-Shaykh. Rafʻ al-Aʻlām ʻalá Sullam al-Akhḍarī wa-Tawshīḥ ʻAbd al-Salām. (in Arabic).1st ed, 2001.

Ibn Ḥazm, Abū Muḥammad ʻAlī ibn Aḥmad. al-Muḥallá wa-al-āthār (in Arabic). Ed. ʻAbd al-Ghaffār Sulaymān al-Bindārī. Beirut: Dār al-Fikr.

Ibn Khaldūn, ʻAbd al-Raḥmān. muqaddimah Ibn Khaldūn. (in Arabic). Ed. ʻAbd Allāh Muḥammad al-Darwīsh. Dimashq: Dār al-Balkhī, 1st ed, 2004.

Ibn Qudāmah, Muwaffaq al-Dīn Abū Muḥammad ʻAbd Allāh ibn Aḥmad al-Maqdisī. Al-Mughnī. (in Arabic). Ed. ʻAbd alllah ibn ʻAbd al-Muḥsin al-Turkī, wa-ʻAbd al-Fattāḥ Muḥammad al-Ḥulw. Riyadh: Dār ʻĀlam al-Kutub lil-Ṭibāʻah wa-al-Nashr wa-al-Tawzīʻ, 3rd ed, 1997.

Ibn-Qayyim al-Jawzīyah, Shams al-Dīn Muḥammad ibn Abī Bakr ibn Ayyūb. Zād al-maʻād fī Hudá Khayr al-ʻibād. (in Arabic). Beirut: Muʼassasat alrsālt-ālkwyt: Maktabat al-Manār al-Islāmīyah, 27th ed, 1994.

Majmaʻ al-lughah al-ʻArabīyah bi-Cairo. Al-Muʻjam al-Wasīṭ. (in Arabic). Dār al-Daʻwah [n.d].

Malkāwī, Fatḥī Ḥasan. Manhajīyah al-Takāmul al-maʻrifī: muqaddimāt fī al-manhajīyah al-Islāmīyah. (in Arabic). Virginia: al-Maʻhad al-ʻĀlamī lil-Fikr al-Islāmī, 1st ed, 2011.

Mardāwī, ʻAlāʼ al-Dīn Abū al-Ḥasan ʻAlī ibn Sulaymān. Al-Taḥbīr sharḥ al-Taḥrīr. (in Arabic). Ed. ʻAbd al-Raḥmān al-Jibrīn wa-ākharūn. Riyadh: Maktabat al-Rushd,1st ed, 2000.

Muslim, Abū al-Ḥusayn ibn al-Ḥajjāj al-Qushayrī. Ṣaḥīḥ Muslim. (in Arabic). Ed. Muḥammad Fuʼād ʻAbd al-Bāqī. Cairo: Maṭbaʻat ʻĪsá al-Bābī al-Ḥalabī wa-Shurakāh, 1955.

Ṣāliḥ, Ayman. "al-ʻillah wa-al-ḥikmah wa-al-taʻlīl bi-al-ḥikmah: dirāsah muṣṭalaḥīyah". (in Arabic). Majallat Jāmiʻat al-Amīr ʻAbd al-Qādir lil-ʻUlūm al-Islāmīyah. Vol. 31, N. 2 (December2017) , pp. 65-114.

Sharaf al-Quḍāh. Mattá tunfakhu al-rūḥ fī al-janīn. (in Arabic). Amman: Dār al-Furqān lil-Nashr wa-al-Tawzīʻ, 1st ed, 1990.

Shaybūb, Bilāl. "Qaḍāyā al-Takāmul al-maʻrifī fī al-Turāth al-Islāmī: Abū Ḥāmid al-Ghazālī namūdhajan". (in Arabic). Doha: Wizārat al-Awqāf wa-al-Shuʼūn al-Islāmīyah, Kitāb al-ummah, n194, 1st ed., 2022.

Shubayr, Muḥammad ʻUthmān. Takwīn al-Malikah al-fiqhīyah. (in Arabic). Doha: Wizārat al-Awqāf wa-al-Shuʼūn al-Islāmīyah, Silsilat Kitāb al-ummah, n72, (1420h /1999).

 

 

 



* أدين، في هذا الصدد، بالشكر الجزيل لفضيلة الأستاذ الدكتور عبد الجبار سعيد، أستاذ السنة وعلوم الحديث في كلية الشريعة بجامعة قطر، الذي تفضّل بقراءة البحث، وتقديمِ ملحوظات قيمة لها أثرها في تجويد الدراسة وتصحيحها.

([1]) ينظر: فتحي حسن ملكاوي، منهجية التكامل المعرفي: مقدمات في المنهجية الإسلامية (فرجينيا: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ط1، 2011م)، ص25.

([2]) محمد همام، تداخل المعارف ونهاية التخصص في الفكر الإسلامي العربي: دراسة في العلاقات بين العلوم (بيروت: مركز نماء للبحوث والدراسات، ط1، 2017م)، ص75-80.

([3]) زياد خليل الدغامين، «التكامل المعرفي في القرآن الكريم»، المجلة الأردنية في الدراسات الإسلامية، مج9، ع1 (2013)، ص165.

([4]) ملكاوي، منهجية التكامل المعرفي، ص291.

([5]) المرجع السابق، ص57.

([6]) المرجع نفسه، ص291.

([7]) بلال شيبوب، قضايا التكامل المعرفي في التراث الإسلامي: أبو حامد الغزالي نموذجا، سلسلة كتاب الأمة، العدد 194، ط1، 2022، ص11.

([8]) طه عبد الرحمن، تجديد المنهج في تقويم التراث (الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، ط2، [د.ت])، ص75-76.

([9]) يوسف القرضاوي، فقه الوسطية الإسلامية والتجديد: معالم ومنارات (القاهرة: دار الشروق، [د.ت])، ص201.

([10]) المرجع السابق، ص49.

([11]) يمثل مفهوم الوسطية عنده كلمة مفتاحية تجمع بين ثنائيات كثيرة، تنظر تفاصيلها في: المرجع السابق، ص30-31.

([12]) يوسف القرضاوي، فتاوى معاصرة (الكويت: دار القلم، [د. ت])، ج2، ص11-12.

([13]) يوسف القرضاوي، كيف نتعامل مع السنة النبوية (القاهرة: دار الشروق، ط2، 2002م)، ص69؛ يوسف القرضاوي، الاجتهاد في الشريعة الإسلامية (الكويت: دار القلم، ط1، 1996م)، ص180.

([14]) القرضاوي، كيف نتعامل مع السنة النبوية، ص70.

([15]) المرجع السابق، ص74. ورصد في ذلك جملةً من الأحاديث التي يستدل بها الفقهاء في المذاهب المختلفة وهي مجروحة عند أهل الحديث. ينظر: المرجع نفسه، ص71-76.

([16]) القرضاوي، فقه الوسطية، ص148.

([17]) اعتُبِر هذا المستوى من التكامل الداخلي؛ لأنه أصل من أصول الإسلام الذي يدعو إلى العلم والعمل، وشواهد ذلك من القرآن والسنة أكثر من أن تحصى، منها قوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفۡعَلُونَ٢ [الصف: 2]. 

([18]) يوسف القرضاوي، الصحوة الإسلامية بين الجمود والتطرف (القاهرة: دار الشروق، ط1، 2001م)، ص172.

([19]) ينظر: يوسف القرضاوي: كلمات في تكريمه وبحوث في فكره، ص89، 381، 1003-1016.

([20]) القرضاوي، الاجتهاد في الشريعة الإسلامية، ص17-47.

([21]) عبد القادر العماري، «القرضاوي حكيم الأمة»، ضمن: كتاب: يوسف القرضاوي: كلمات في تكريمه وبحوث في فكره وفقهه، مهداة إليه بمناسبة بلوغه السبعين، ص478.

([22]) يوسف القرضاوي، تيسير الفقه للمسلم المعاصر في ضوء القرآن والسنة (بيروت: مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، 2001م)، ص234.

([23]) المرجع السابق، ص235.

([24]) المرجع نفسه.

([25]) المرجع نفسه، ص248؛ وانظر في الفكرة نفسها: فقه الوسطية، ص227؛ ويوسف القرضاوي، الإسلام حضارة الغد (القاهرة: مكتبة وهبة، ط1، 1995م)، ص191-192.

([26]) يوسف القرضاوي، ثقافة الداعية (القاهرة: مكتبة وهبة، ط10، 1996م)، ص104.

([27]) المرجع نفسه، ص106-107.

([28]) المرجع نفسه، ص108-109.

([29]) المرجع نفسه، ص109-110.

([30]) المرجع نفسه، ص111-112.

([31]) المرجع السابق، ص114-116.

([32]) يوسف القرضاوي، كيف نتعامل مع القرآن العظيم (القاهرة: دار الشروق، ط3، 2000م)، ص386-389.

([33]) المرجع نفسه، ص391.

([34]) المرجع نفسه، ص391-394؛ وانظر أيضًا في المجالات الثلاثة: يوسف القرضاوي، فتاوى معاصرة (د.م: المكتب الإسلامي، ط1، 2003م)، ج3، ص46-54.

([35]) حسن عزوزي، «في الحاجة إلى قواعد منهجية لفكر الاستغراب»، مجلة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، مج39، ع2  (2021(، ص28.

([36]) القرضاوي، تيسير الفقه للمسلم المعاصر، ص250.

([37]) المرجع السابق، ص264.

([38]) المرجع السابق، ص248.

([39]) المرجع السابق، ص246.

([40]) القرضاوي، كيف نتعامل مع القرآن العظيم، ص382-383.

([41]) القرضاوي، الاجتهاد في الشريعة الإسلامية، ص47.

([42]) المرجع السابق، ص48.

([43]) المرجع نفسه، ص49.

([44]) ينظر: القرضاوي، فتاوى معاصرة، ج3، ص480.

([45]) القرضاوي، الاجتهاد في الشريعة الإسلامية، ص123-124.

([46]) القرضاوي، تيسير الفقه للمسلم المعاصر، ص20.

([47]) تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي، الإبهاج في شرح المنهاج (بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1984م)، ج1، ص30.

([48]) أبو عبد الله بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي، البحر المحيط (دار الكتبي، ط1، 1994م)، ج1، ص34.

([49]) مجمع اللغة العربية بالقاهرة، المعجم الوسيط (دار الدعوة، [د.ت])، ج1، ص252.

([50]) لمثل هذا يقول الرازي: «والصنع أقوى من العمل؛ لأن العمل يسمى صناعة إذا صار مستقرا راسخا متمكنا». انظر: فخر الدين أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن الرازي، مفاتيح الغيب (بيروت: دار إحياء التراث العربي، ط3، 1420هـ)، ج12، ص393. ولأجله أيضا يعتبر بعض العلماء الفقهَ صناعة بعد أن وصل إلى مرحلة معينة من التجربة الطويلة كما يلاحظ عند ابن خلدون الذي عدّه من العلوم التي انقلبت صناعة. انظر: عبد الرحمن بن خلدون، مقدمة ابن خلدون، تحقيق: عبد الله محمد الدرويش (دمشق: دار البلخي، ط1، 2004)، ج2، ص201. ويعود سبب إيثار البحث مصطلحَ الصناعة على غيره إلى ما يتضمن من قوة الدلالة على الملكة الفقهية، ولمراعاة ما يتناسب مع تجربة القرضاوي الطويلة مع الفقه.

([51]) علاء الدين أبو الحسن علي بن سليمان المرداوي، التحبير شرح التحرير، دراسة وتحقيق: عبد الرحمن الجبرين وآخرون (الرياض: مكتبة الرشد، ط1، 2000م)، ج8، ص3870.

([52]) أبو الطيب مولود السريري، الصناعة الفقهية (بيروت: دار الكتب العلمية، ط2، 2019م)، ص7.

([53]) محمد عثمان شبير، «تكوين الملكة الفقهية»، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، سلسلة كتاب الامة، الدوحة: العدد 72، ط1 (1420هـ/1999م)، ص50.

([54]) أبو مدين ديداني، وزقور أحسن، «أهمية التصور الفقهي وأثره في أحكام النوازل»، المجلة الجزائرية للمخطوطات، ع2 (يناير 2016م)، ص249.

([55]) محمد سالم بحيري، «صناعة التصور الفقهي: مفهومه ومثارات الغلط فيه وأثره في تخريج النوازل»، ضمن: مشاري وآخرون، صناعة التفكير الفقهي (الخبر: تكوين للدراسات والأبحاث، ط2، 2019م)، ص32.

([56]) محمد محفوظ بن الشيخ بن فحف، رفع الأعلام على سلم الأخضري وتوشيح عبد السلام ([د.ن]، ط1، 2001م)، ص29.

([57]) يلاحظ أن التصور يشكل ضروريا عنده؛ إذ سئل عن الجينات البشرية، فقال: «لا نستطيع أن نفتي في هذا الأمر فتوى مفصلة فيما يجوز ولا يجوز، لأننا لا نحيط علما بحقائق الموضوع». انظر: القرضاوي، فتاوى معاصرة، ج3، ص551.

([58]) من المنهج المتبع في الدراسة عدمُ محاكمته بالجوانب الخارجية، والاكتفاءُ بما له علاقة بالتكامل كحاجة المسألة إليه، وانسجام التصور مع الحكم، والتزامه بمبادئه السابقة وغير ذلك مما هو في صميم مبدأ التكامل. ولذلك سيكون الحديث في الغالب مقتصرا على بيان وجه التكامل في المسائل دون الإغراق في التفاصيل.

([59]) يوسف القرضاوي، فقه الأسرة وقضايا المرأة (تركيا: دار الشامية، ط1، 2017م)، ص154-156؛ ونظير هذه المسألة ما ذهب إليه من أن الشيوعي لا يرث أحدا من أقاربه، وهو مبني على التصور نفسه. تنظر تفاصيله في: القرضاوي، فتاوى معاصرة، ج1، ص513-516.

([60]) القرضاوي، فتاوى معاصرة، ج2، ص539.

([61]) المرجع نفسه، ص539-540.

([62]) المرجع نفسه، ج3، ص678؛ وتوسع في بيان أبرز المسائل المتعلقة بالتغير الكيمائي وأثره في التطهير مع ربط ذلك بأقوال الفقهاء في كتابه: فقه الطهارة (القاهرة: مكتبة وهبة، ط1، 2008م)، ص58-70.

([63]) ينظر: أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن الحطاب، مواهب الجليل في شرح مختصر خليل (دار الفكر، ط3، 1412هـ/1992م)، ج1، ص177.

([64]) القرضاوي، فقه الطهارة، ص20.

([65]) المقصود بالحكمة هنا فلسفة الحكم وغايته، على غرار الاستعمال الأصولي الذي في الغالب يفرق بين الحكمة والعلة بأن الأولى هي الغاية والمصلحة، وأن الثانية هي المظنة التي تكون وصفا ظاهرا منضبطا. ينظر للتوسع في العلاقة بينهما: أيمن صالح، «العلة والحكمة والتعليل بالحكمة: دراسة مصطلحية»، مجلة جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية، مج31، ع2 (ديسمبر 2017م)، ص65-114. ويلاحظ أن اكتشاف الحكمة حاضر بكثرة عنده؛ لأنه جعل منهجه في الفتوى قائما على الالتزام ببيان حكمة التشريع وفلسفته. انظر: فتاوى معاصرة، ج1، ص16، 26. ولعل ذلك من آثار تخرجه من قسم أصول الدين الذي له ارتباط وثيق بالفلسفة.

([66]) وتوسع في ذلك بإيراد بحوث الأطباء وعلماء التشريح، ينظر: يوسف القرضاوي، الحلال والحرام في الإسلام (القاهرة: مكتبة وهبة، ط29، 1997م)، ص109-111. بيد أنه في كتاب آخر، عبّر بما يفهم منه عدم اعتنائه بما يذكره الخبراء حيث يقول: «وربما ذكر بعض الإخوة من علماء الأحياء (البيولوجيا) بعض الأسرار حول لعاب الكلب وما قد يحتويه، وأثر التراب في تطهيره، ولكن الذي يطمئن إليه القلب هو التعبد، بما لا نعقل حقيقته وسره»! انظر: فقه الطهارة، ص48.

([67]) القرضاوي، فقه الأسرة وقضايا المرأة، ص231 232.

([68]) ينظر: القرضاوي، الاجتهاد في الشريعة الإسلامية، ص123 124.

([69]) يوسف القرضاوي، الاجتهاد المعاصر بين الانضباط والانفراط (بيروت: المكتب الإسلامي، ط2، 1998م)، ص33.

([70]) ينظر: ابن نجيم زين الدين بن إبراهيم بن محمد، البحر الرائق شرح كنز الدقائق، ج2، ص217.

([71]) يوسف القرضاوي، فقه الزكاة: دراسة مقارنة لأحكامها وفلسفتها في ضوء القرآن والسنة (بيروت: مؤسسة الرسالة، ط2، 1973م)، ج1، ص125 126.

([72]) القرضاوي، فقه الطهارة، ص131 136؛ فتاوى معاصرة، ج4، ص508 518.

([73]) أخرجه الطبراني، أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، المعجم الأوسط، تحقيق: أبو معاذ طارق بن عوض الله، وأبو الفضل عبد المحسن بن إبراهيم الحسيني (القاهرة: دار الحرمين، 1995م)، ج2، ص368، رقم الحديث: 2253.

([74]) القرضاوي، فقه الطهارة، ص135 136؛ فتاوى معاصرة، ج4، ص518.

([75]) فقه الطهارة، ص136-137؛ فتاوى معاصرة، ج4، ص522.

([76]) القرضاوي، فتاوى معاصرة، ج1، ص655.

([77]) المرجع السابق، ص661.

([78]) المرجع السابق، ص662.

([79]) المرجع نفسه، ص665؛ وانظر أيضا: يوسف القرضاوي، موجبات تغير الفتوى في عصرنا (الدوحة: لجنة التأليف والترجمة في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ط1، 2007م)، ص78.

([80]) القرضاوي، تيسير الفقه للمسلم المعاصر، ص116-117؛ وموجبات تغير الفتوى في عصرنا، ص79-80؛ وشريعة الإسلام صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان (القاهرة: دار الصحوة، ط3، 1993م)، ص98 102.

([81]) القرضاوي، الاجتهاد في الشريعة الإسلامية، ص124.

([82]) القرضاوي، موجبات تغير الفتوى في عصرنا، ص79.

([83]) أبو محمد علي بن أحمد بن حزم، المحلى بالآثار، تحقيق: عبد الغفار سليمان البنداري (بيروت: دار الفكر، [د.ت])، ج10، ص131.

([84]) القرضاوي، فقه الطهارة، ص275 276.

([85]) وهو ابن حزم، انظر: المحلى بالآثار، ج1، ص242.

([86]) القرضاوي، فقه الطهارة، ص276.

([87]) ينظر: شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب بن قيم الجوزية، زاد المعاد في هدي خير العباد (بيروت: مؤسسة الرسالة - الكويت: مكتبة المنار الإسلامية، ط27، 1994م)، ج5، ص380.

([88]) القرضاوي، الاجتهاد في الشريعة الإسلامية، ص125.

([89]) نفس المرجع؛ القرضاوي، الاجتهاد المعاصر بين الانضباط والانفراط، ص35-36. والحق أن القول بعد النسبة إلى رجلين لم ينفرد به الشافعي، وإنما قال به مالك أيضا وغيره. وللتوسع في المسألة، ينظر: ابن قدامة موفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي، المغني، تحقيق: عبد اللَّه بن عبد المحسن التركي، وعبد الفتاح محمد الحلو (الرياض: دار عالم الكتب للطباعة والنشر والتوزيع، ط3، 1997م)، ج9، ص208.

([90]) القرضاوي، فتاوى معاصرة، ج3، ص478 -481. وله أيضا رد آخر على الألباني في فتوى سياسية يعتبرها شاذة، ومقتضاها وجوب هجرة أهل فلسطين عن أرضهم؛ لاحتلال الكفار لها. ينظر: يوسف القرضاوي، فقه الجهاد: دراسة مقارنة لأحكامه وفلسفته في ضوء القرآن والسنة (القاهرة: مكتبة وهبة، ط4، 2014م)، ج2، ص887.

([91]) يوسف القرضاوي، من فقه الدولة في الإسلام (القاهرة: دار الشروق، ط3، 2001م)، ص7.

([92]) ينظر في الضوابط: شيبوب، قضايا التكامل المعرفي في التراث الإسلامي، ص81 97.

([93]) لا ينكر أن ما اختاره هو الذي سار عليه أكثر العلماء، بل حكى النووي عليه الاتفاق، أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي، المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (بيروت: دار إحياء التراث العربي، ط2، 1392هـ) ج16، ص191. وإنما يهمنا في هذا السياق إبراز غياب تطبيق التكامل عنده، مع أنه أصل من أصوله في الصناعة الفقهية كما تقدم.

([94]) ينظر: البخاري: أبو عبد الله محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، تحقيق: مصطفى ديب البغا (دمشق: دار ابن كثير، دار اليمامة، ط5، 1993م)، كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة، ج3، ص1174، رقم: 3036.

([95]) القرضاوي، فتاوى معاصرة، ج2، ص548.

([96]) المرجع نفسه، ص547.

([97]) صحيح أنه أورد حديث حذيفة الوارد في مسلم، وذكر أن من أوجه الجمع بينهما الحملَ على تعدد إرسال الملك؛ مرة في بداية الأربعين الثانية، ومرة في الأربعين الثالثة، فتاوى معاصرة، ج2، ص544، وهذا هو الذي رجحه ابن حجر، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، فتح الباري بشرح البخاري، إخراج وتصحيح: محب الدين الخطيب (مصر: المكتبة السلفية، 1380هـ)، ج11، ص484 486. بيد أن هناك وجها آخر يتناسب مع العلم كما سيأتي، وهو أولى حسب أصوله في التصحيح بمعارف العصر.

([98]) شرف القضاة، متى تنفخ الروح في الجنين (عمّان: دار الفرقان للنشر والتوزيع، ط1، 1990م)، ص45.

([99]) أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري، صحيح مسلم، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي (القاهرة: مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركائه، 1955م)، ج4، ص2036، رقم: 2643.

([100]) شرف القضاة، متى تنفخ الروح في الجنين، ص46.

([101]) مسلم، صحيح مسلم، ج4، ص2037، رقم: 2645.

([102]) القرضاوي، فتاوى معاصرة، ج2، ص544 (الهامش رقم1).

([103]) وهو الذي اختارته المجامع الفقهية؛ كالمجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي، والمجلس الأوروبي للإفتاء، ودار الإفتاء المصرية وغيرها.

([104]) كمال الدين عبد الواحد بن عبد الكريم الزملكاني، البرهان الكاشف عن إعجاز القرآن، تحقيق: خديجة الحديثي، وأحمد مطلوب (بغداد: مطبعة العاني، ط1، 1974م)، ص273. وهذا ما يدل كما نبّهنا عليه الأستاذ عبد القادر جدي على أن الأمر ليس اكتشافا جديدا؛ وإنما كان معلومة قديمة، بدليل قول الزملكاني من علماء القرن السابع.

([105]) ينظر: نموذج ذلك في مسألة زرع الخصية، فتاوى معاصرة، ج2، ص539، وفي طلاء الأظافر، فقه الطهارة، ص128.

([106]) تمكن ملاحظته مثلًا في قضية علم الاجتماع التي رجع فيها إلى أحمد شوقي الفنجري. انظر: فقه الطهارة، ص137.