أستاذ الاقتصاد والمصارف الإسلامية،
كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة اليرموك – الأردن
تاريخ الاستلام:30/1/2023 تاريخ التحكيم:14/4/2023 تاريخ القبول: 14/3/2024
هدف البحث: يهدف هذا البحث إلى رصد صور التعدي على الحق السيادي للسلطة العامة في إصدار النقود وإدارتها وتحليل آثار ذلك في النظام النقدي؛ خاصة مع سريان نظام الاحتياطي القانوني الجزئي، ومع الإمكانات التقنية التي أتاحتها العولمة للمغامرين الذين استحدثوا النقود الافتراضية وروجوها.
منهج البحث: اعتمد البحث منهجًا مركبًا يمزج بين الاستقراء التاريخي والاستدلال المنطقي للكشف عن صور التعدي على الولاية العامة للسلطة الملازمة لأشكال النقود وتحليل آثارها.
النتائج: توصل البحث إلى أن تحصين الحق الغيري الحصري للسلطة العامة في إصدار النقود وإدارتها هو من أولويات السياسة الشرعية الإسلامية، وأن ذلك يقتضي التحرز من صور التعدي التي تنتهك ذلك الحق لما لها من آثار على عدالة النظام النقدي وكفاءته.
أصالة البحث: تكمن أصالة هذا البحث في تكييفه عمليات توليد النقود الائتمانية وإصدار النقود الافتراضية صورًا حادثة للتعدي على الولاية العامة للسلطة تمامًا مثل تزوير النقود الورقية.
الكلمات المفتاحية: الافتئات، التزوير، خلق النقود، النقود الإلكترونية، النقود الافتراضية، البتكوين، التعدين
للاقتباس: السبهاني، عبد الجبار حمد عبيد. «صور التعدي على الولاية العامة للسلطة في إصدار النقود وإدارتها من منظور إسلامي»، مجلة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة قطر، المجلد 42، العدد 2 (2024).
https://doi.org/10.29117/jcsis.2024.0384
©2024، السبهاني، عبد الجبار حمد عبيد. مجلة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، دار نشر جامعة قطر. نّشرت هذه المقالة البحثية وفقًا لشروط Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0). تسمح هذه الرخصة بالاستخدام غير التجاري، وينبغي نسبة العمل إلى صاحبه، مع بيان أي تعديلات عليه. كما تتيح حرية نسخ، وتوزيع، ونقل العمل بأي شكل من الأشكال، أو بأية وسيلة، ومزجه وتحويله والبناء عليه، طالما يُنسب العمل الأصلي إلى المؤلف. https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0
Abduljabbar Hamad Obaid Al-Sabhany
Professor
of Islamic Economics and Banking,
Faculty of Al-Sharee’a and Islamic
Studies,
Yarmouk University-Jordan
Received: 30/1/2023 Peer-reviewed: 14/4/2023 Accepted: 2024/3/14
Objectives: This study aims to identify and analyse the forms of infringement on the sovereign right of public authority in the issuance and management of currency, particularly in the context of the fractional reserve banking system and the technological advancements facilitated by globalisation, which have enabled the creation and promotion of virtual currencies.
Methodology: The study adopts a composite method that combines historical induction and logical reasoning to explore the forms of infringement on the general jurisdiction of the authority associated with both traditional and emerging forms of currency.
Findings: The study concludes that safeguarding public authority's exclusive and disinterested right in currency issuance and management is a priority in Islamic legal policy. Such necessitates caution against forms of infringement that violate this right due to their impact on the fairness and efficiency of the monetary system.
Originality: This research's originality lies in its characterisation of the generation of credit money and the issuance or mining of virtual currencies as contemporary forms of infringement on the authority's general jurisdiction, akin to the counterfeiting of paper money.
Keywords: Currency Fraud; Usurpation; Counterfeiting; Money Creation; Electronic Money; Virtual Currencies; Bitcoin; Mining
Cite this article as: Al-Sabhany, Abduljabbar Hamad Obaid. “Manifestations of Infringement on the Public Authority's General Jurisdiction in Currency Issuance and Management from an Islamic Perspective”. Journal of College of Sharia and Islamic Studies, Volume 42, Issue 2 (2024).
https://doi.org/10.29117/jcsis.2024.0384
© 2024, Al-Sabhany, Abduljabbar Hamad Obaid. Published in Journal of College of Sharia and Islamic Studies. Published by QU Press. This article is published under the terms of the Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0), which permits non-commercial use of the material, appropriate credit, and indication if changes in the material were made. You can copy and redistribute the material in any medium or format as well as remix, trans.form, and build upon the material, provided the original work is properly cited. The full terms of this licence may be seen at: https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0
تسربل حق إصدار النقود عبر التاريخ بالسيادة على اختلاف النظريات السياسية والقانونية التي تفسرها، ولم تتغير قناعة السلطة العامة بأحقيتها في احتكار هذا الحق؛ لا في ظل نظرية التفويض الإلهي ولا في ظل نظرية العقد الاجتماعي. وهذا التقرير لا يجحد أن وضوح هذا الحق وخلوص تطبيق مقتضاه تأثر في أحيان كثيرة بشكل النظام السياسي السائد من جهة وبمعطيات الواقع من جهة أخرى. أما في الإسلام فقد اجتهدت نظريته التشريعية في بيان طبيعة الحقوق الغيرية والولايات الدينية التي يكون رائدها تحقيق المصلحة العامة، وتأتي مهمة إصدار النقود في مقدمتها.
إن توليد نقود الودائع وتعدين النقود الافتراضية يتيح لمن يفعله أن يسطو على المقسوم الاجتماعي ويَغُلَّ منه ما يقابل تلك النقود. وتتمثل مشكلة البحث في أن هذه النازلة ظلت مساحة معتمة لم تحظ بوضوح كاف لا في تكييفها الشرعي والقانوني ولا حتى في تكييفها الأخلاقي والقيمي. هذا إسلاميًا أما وضعيًا؛ فقد تجددت الدعوة في الولايات المتحدة بعد الأزمة المالية الأخيرة لبعث (خطة شيكاغو) القاضية بوجوب نزع الوظيفة النقدية من المصارف التجارية باعتماد نظام الاحتياطي الكامل، ونشطت في إنجلترا حركة النقود السيادية للغاية ذاتها. ومن ناحية أخرى أثار انتشار العملات الافتراضية تحركًا رسميًا لاحتواء آثارها على صعيد المنظمات الدولية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوربي وبنك التسويات الدولية.
الدراسات السابقة التي تعرضت لغش النقود المعدنية وتزوير النقود الورقية كثيرة والتوافق قائم فيها حول التكييف الفقهي والقانوني والأخلاقي. والدراسات التي تعرضت للنقود الائتمانية والافتراضية كثيرة كذلك لكنها اهتمت بالمسألة ببعدها الفقهي وانصرفت لاستجلاء الحكم في ماليتها وثمنيتها وشرائط ذلك ومخاطره، ومن أبرز الدراسات ذات الصلة:
1- دراسة السبهاني([1])، التي عرضت للخصائص المعيارية للنقود الإسلامية باعتبارها أدوات ارتهنت كفاءتها بحسن أدائها لوظائفها في تيسير التبادل وتجاوز صعوبات المقايضة، ثم انصرفت إلى مناقشة مسألة توليد نقود الودائع في المصارف التقليدية والمصارف الإسلامية، وخلصت إلى لزوم تعقيم المصارف التجارية عمومًا.
2- دراسة العقيل([2])، وفيها ذهب إلى القول بمالية (البتكوين) وبثمنيتها أيضًا، وأجرى فيها أحكام الربا والزكاة والصرف والمتاجرة والحرز. وكيَّف عملية تعدين البتكوين على أنها جعالة، وخلص بعد أن رجح قول الجمهور في جواز الجعالة إلى جواز المشاركة في عملية تعدين البتكوين وجواز المكافأة التي يحصل عليها المعدِّن نظير ذلك.
3- دراسة عساف([3])، وفيها لاحظ أن العملات المشفرة عمومًا تقف وراءها جهات مجهولة، وليس لها وجود مادي ملموس، ولا تتمتع بالقبول العام، ولا تعتبر مقياسًا جيدًا للقيم، وهي تتعارض مع مقاصد الشرع في حفظ المال ورواجه وتيسر التعامل به وعدالة ذلك، وتعلية على ما تقدم رجح عدم جواز تعدين العملات المشفرة أو التعامل بها.
وتفترق الدراسة الحالية عن الدراسات السابقة لجهة تكييفها توليد النقود الائتمانية وإصدار النقود الافتراضية تعديًا على الولاية العامة للسلطة لم يُحرَز بشأنه بعدُ موقف شرعي وقانوني وأخلاقي مناسب.
إن عملية توليد النقود أو إصدارها لها أثران في غاية الخطورة ومراعاتهما في غاية الأهمية؛ أولهما أثر حقوقي يتعلق بريع عملية الإصدار، والاستئثار بهذا الريع هو مطمع المعتدين الذين يستغفلون السلطة العامة ويغلّون من مقسوم المجتمع ما ليس لهم. وثانيهما يتعلق بكفاءة النظام النقدي وتراجع قدرة السلطة على توجيهه بما يحقق أهداف المجتمع الاقتصادية. وتجلية هذين الأثرين، وبيان سبل التحرز منهما هو ما يهدف إليه هذا البحث.
والفرضية التي يناقشها البحث تقضي بأن: "تحصين الحق الغيري الحصري للسلطة العامة في إصدار النقود وإدارتها هو من أولويات السياسة الشرعية الإسلامية، وأن نهوضها بولايتها العامة هذه يقتضي التحرز من كل صور التعدي والافتئات التي تتيح للطامعين (أفرادًا أو مؤسسات) توليد النقود أو تعدينها، لما يعنيه ذلك من سطو على المقسوم الاجتماعي؛ فضلًا عما يتسبب فيه من تآكل النظام النقدي وانصرام فرص كفاءته".
قسم متن البحث إلى خمس وحدات اهتمت كل واحدة منها بشكل من أشكال النقود وصور التعدي التي اقترنت بها. والمأمول أن يكون البحث أقرب إلى تحقيق هدفه واختبار فرضيته بالتزامه الاستقراء التاريخي من جهة والتحقيق النظري والفقهي من جهة أخرى.
اتخذت النقود المعدنية صورتين هما: التبر أو النقار حيث يتم التعامل بما يتاح من قطع المعدن النقدي وإن كانت غير منتظمة وغير مخلَّصة، الأمر الذي يستلزم إعادة وزنها وفحصها في كل عملية تبادل للتأكد من قدرها ودرجة نقائها.
أما الصورة الثانية وهي الأكثر تقدمًا فهي المسكوكات Coins وهي قطع معدنية مصنَّعة؛ نمطية متماثلة من حيث الوزن والشكل ودرجة النقاء تحمل اسم الجهة التي أصدرتها، ولأنها كذلك أمكن التعامل بها عدا دون الحاجة إلى إعادة الوزن والفحص خاصة إذا توفرت الثقة بالجهة المصدرة لها. يقول ابن خلدون: "بها (بالسِّكَّة) يتميز الخالص من المغشوش بين الناس في النقود عند المعاملات ويثقون في سلامتها من الغش بختم السلطان عليها"([4])، ويقول الماوردي: "إذا خلص العين (الذهب) والورِق (الفضة) من غشٍ، كان هو المعتبر من النقود المستحقة، والمطبوع منها بالسِّكَّة السلطانية الموثوق بسلامة طبعها المأمون تبديلها وتلبيسها هي المستحقة، دون نقار الفضة وسبائك الذهب لأنه لا يوثق بهما إلا بالسبك والتصفية، والمطبوع موثوق به، لذلك كان هو الثابت في الذمم فيما يطلق من أثمان المبيعات وقيم المتلفات"([5]).
حين تكون النقود معدنية ذاتية القيمة حيث لا فرق يُذكر بين القيمة النقدية والقيمة السلعية للقطعة المعدنية، فإن حصر سكِّها ووجوب تنميطها يكون مظهرًا سياديًا محضًا، وهذا الذي فعله ملوك أوربا بعد حركات التوحيد القومي لتجاوز فوضى المسكوكات التي بلغ عدد أنواعها في بلاد الغال وحدها ألفًا ومائتي نوع([6])؛ لذلك انتزع الملوك أهلية الإصدار من الصيارفة وألحقوها بمصارفهم المركزية؛ فبعثوا بذلك الموروث الإمبراطوري القديم وسكّوا نقودهم التي تحمل صورهم وشاراتهم، وجرَّموا من يعتدي على الحق السيادي ويفتئت على الولاية العامة للسلطة بسكِّ النقود دون علمها.
غالبًا ما اقترن الحديث عن النقود المعدنية في المجتمعات المختلفة بالغش والتزييف، وقد اتخذ هذا المسلك صورًا مختلفة لعلها لا تخرج عما يأتي:
– إنقاص الوزن بالحذف من أطراف القطعة النقدية؛ وقد حكى الشوكاني أن أناسًا "كانوا يقرضون أطراف الدراهم والدنانير بالمقراض ... ويجمعون من تلك القراضة شيئًا كثيرًا ... وهذه هي الفعلة التي نهى الله عنها قوم شعيب"([7]).
– التلاعب بما يعرف بعيار الوحدة النقدية؛ وذلك بمزج المعدن النقدي بمعدن رخيص أو زيادة نسبة المعدن الرخيص في المسكوكة النقدية عن نسبة المزج المفترضة؛ والأصل أن تكون نسبة المزج محددة عرفًا أو قانونًا، ويكون الغش عندئذ في عدم الالتزام بنسبة المزج المقررة تلك.
– التزييف والبهرَجة: وذلك بسك النقود من معدن مشابه في شكله للمعدن النقدي أو بطلاء المعدن الرخيص وتمويهه بطلاء من المعدن النقدي بما يخفي حقيقته عن جمهور المتعاملين، وقد كانت هذه الممارسة هي المظهر الأوضح للغش، وفيها فاضت كتابات الفقهاء عن البهرج والزيُّوف وأحكام التعامل بها.
لقد اختلف الموقف من الممارسات السابقة بحسب اعتبارات عدة: لجهة من قام بها: أهي الدولة أم الأفراد، ولجهة النظرية المفسرة لقيمة النقود؛ أهي سلعية مادية أم رمزية صورية، ولجهة جريان العرف بالتعامل بالنقد المغشوش من عدمه.
والمتصور أن يلجأ بعض الأفراد إلى حذف النقود أو تغيير نسبة المزج مخاتلة وتدليسًا، لكن ذلك لا يتصور مع الدولة التي قد تعلن صراحة عن إنقاص وزن الوحدة النقدية أو عن تغيير نسبة المزج الرسمية لمواجهة شح المعدن النقدي وتلزم رعاياها بذلك. والمتصور أيضًا أن يلجأ بعض الأفراد إلى تمويه المعدن الرخيص غشا وتدليسًا ليبدو كالمعدن النقدي، ولكن الدولة لا تحتاج ذلك، وهي تلزم الناس بالنقد الذي تختاره لهم.
ومن ناحية أخرى لابد أن تترك النظرية التي تسيطر على ذهن الفقيه بصدد قيمة النقود أثرها في موقفه من الغش فيها؛ فحين يستحضر الفقيه النظرة السلعية فسينظر إلى الغش في النقود كما ينظر إلى الغش في أي سلعة أخرى، لكن الأمر يختلف حين يستحضر النظرة الرمزية، ولعل في قول الإمام مالك: "ولو أن الناس أجازوا بينهم الجلود حتى يكون لها سِكَّة وعين لكرهتها أن تباع نظِرة"([8])، ما يوضح تجاوز المحتوى السلعي في تصوره للنقود.
إن نظر الفقهاء لم يقتصر على علة الغش في الممارسات السابقة؛ وإنما شخصت علة أخرى على قدر من الأهمية هي الافتئات على السلطة العامة؛ فقد نُقل عن أبي يوسف قوله في ضرب الدراهم الجياد سرًا في غير دار الضرب: "لا ينبغي أن يفعل ذلك أحد؛ لأنَّه مخصوص بالسلاطين"([9])، وقال الشافعي وأصحابه: "... ويكره أيضًا لغير الإمام ضرب الدراهم والدنانير وإن كانت خالصة لأنه من شأن الإمام (وظيفة سيادية)"([10]).
وقال ابن خلدون عن وظيفة إصدار النقود: "هي وظيفة ضرورية للمُلْك"([11])، وقال الإمام أحمد: "لا يصلح ضرب الدراهم إلا في دار الضرب بإذن السلطان، لأن الناس إنْ رُخِّص لهم ركبوا العظائم"([12]). قال أبو يعلى معقبًا: "منع من الضرب بغير إذن السطان لما فيه من الافتيات عليه"([13]). ومن مستتبعات هذا الموقف إجراءات عقابية قاسية رادعة اعتمدها ولاة الأمور للحفاظ على سلامة النقد وصيانة لهذه الولاية([14]).
ظلت النقود الورقية في ظل نظام الذهب توثق وديعة الذهب، أو تنوب عن الذهب وتقبل التحويل إليه حتى الحرب العالمية الأولى، حيث فرضت الحكومات سيطرتها على الذهب وكرسته لسداد ديونها الخارجية، وألزمت رعاياها بالتعامل بنقودها الورقية، وبذلك شهدت النقود الورقية انقطاع الصلة تمامًا بين قيمتها النقدية الرمزية المتمثلة في قوتها الشرائية وأي محتوى ذهبي تمثله أو تقبل التحويل إليه، وأصبحت تستمد قيمتها وقوتها الإبرائية الحصرية من القبول الاجتماعي العام المذعن لقوة القانون.
بسبب الفرق الهائل بين قيمة النقود الورقية (قوتها الشرائية) وتكاليف طباعتها؛ عظُمت رغبة الطامعين في تزويرها أي: إصدار نقود ورقية مماثلة للنقود الورقية الصادرة عن جهات الإصدار الرسمية وتدليسها على المجتمع. ولذلك فقد اجتهدت جهات الإصدار في الاحتياط من التزوير بما أمكنها فعله مثل اعتماد أرقام متسلسلة لفئات النقود المصدرة، ودس رموز وصور خفية في زخارفها ومواد سرية في مادتها.
لا يبدو أن ثمة خلافًا في البنى التشريعية والتقنينات السارية عالميًا حول تجريم هذه الممارسة وتقنين عقوبة من اجترأ عليها، وهو ما أكدته قوانين العقوبات العربية كذلك: المصري رقم 58 لسنة 1937 المادة 204/ الأردني رقم 16 لسنة 1960 المادة 241/ العراقي رقم 111 لسنة 1969 المادة 281/ القطري رقم 11 لسنة 2004م المادة 218/ الاتحادي (الإماراتي) 1987 المادة 204 وتعديلاتها/ الجزائري لسنة 2012 المادة 197/ النظام الجزائي السعودي الخاص بتزييف وتقليد النقود لسنة 1379هـ المادة الثانية وتعديلاتها).
يوم كانت النقود المعدنية (ذاتية القيمة) هي السائدة كان مطلب حصر إصدارها وتنميطها مجرد مظهر سيادي، فلم يكن هناك كبير فرق بين القيمة النقدية للمعدن وقيمته السلعية؛ ولكن مع التحول إلى النقود الورقية الإلزامية أصبح الأمر جد مختلف؛ إذْ إن هذه النقود ليس لها من قيمة ذاتية البتة؛ وإنما تمحضت رمزيتها كحق شائع على المعروض الاجتماعي في محيط التداول لا غير. ولذلك أصبح حصر حق إصدار النقود ليس مظهرًا سياديًا فحسب؛ وإنما أصبح مطلبًا حقوقيًا إذ لا يسوغ لأحد أن يستأثر دون المجتمع بريع عمليات الإصدار (Seigniorage) ممثلًا بالفرق بين تكلفة إصدار النقود وقوتها الشرائية. ومن ناحية أخرى أصبح حصر حق إصدار النقود بالهيئة الاجتماعية زيادة على البعد الحقوقي المتقدم، شرطًا لازمًا لكفاءة السياسة النقدية وما يرتبط بها من أهداف اقتصادية واجتماعية عبر تحقق قدرتها على التحكم في عرض النقد.
أدركت المصارف التجارية بالتجربة العملية أن الأفراد الذين يودعون لديها نقودهم الورقية لا يسحبونها في آن واحد، وأنه يكفيها للوفاء بطلبات السحب المعتادة من الحسابات الجارية أن تحتفظ بنسبة من مجموع ما أُودع لديها كاحتياطي، أما الباقي فتقرضه وتستأثر بعائده (الفائدة). وهكذا انبثقت فكرة الاحتفاظ باحتياطي جزئي كممارسة مهنية عرفية، ومع تطور العمل المصرفي جاءت التقنينات الحكومية لتضفي على هذا العرف المصرفي مصادقة قانونية، وسُمح للمصارف التجارية صراحة بإقراض ما زاد على هذه النسبة من الودائع الجارية لديها. والمسألة الجوهرية ليست في الترخيص بإقراض ما زاد على الاحتياطي القانوني، ولا بكونها ضامنة لما أقرضت؛ إنما هي أمر آخر، إنه انطواء هذا الترخيص القانوني على شيء لا يمكن الدفاع عن قانونيته!!؛ إنه ما يسمى خلق النقود Money Creation، وهو ما يتضح فيما يأتي.
لقد حلل الباحثون عمل نظام الاحتياطي الجزئي Fractional-reserve banking وبينوا أنه ينطوي عمليًا على تفويض ضمني وآلية تسمح للمصارف التجارية بأن تولِّد من النقود التي تودع لديها (الحسابات الجارية)، ودائع مشتقة مضاعفة تستخدمها في نشاطها الائتماني: أي بإقراضها للجمهور والاستفادة من عوائدها؛ وحين تتم تعاملات الناس عبر البنوك بواسطة الشيكات والأدوات المصرفية الأخرى فسوف ينتج عن هذا التعامل ناتج عرضي هو نقود الودائع أو النقود الائتمانية، وهي نقود محاسبية ليس لها أي وجود فيزيائي.
وتفسير ما تقدم أن النظام المصرفي المعاصر يمكِّن صاحب الوديعة الأولية من السحب عليها بالشيكات لصالح الدائن أو المستفيد، وهذا المستفيد سيعمد غالبًا إلى إيداع هذا الشيك في حسابه المصرفي، والمصرف الثاني الذي استلم هذا الشيك يعتبره وديعة يجتزئ منها نسبة الاحتياطي القانوني ويقرض الباقي؛ بأن يمكِّن المقترض من سحب الشيكات على حسابه المدين الذي يفتحه له، وحين تخرج هذه الشيكات من يد المقترض إلى شخص آخر ثمنًا لمشترياته أو سدادًا لديونه فسيعيد إيداعها، وسيعاملها المصرف الثالث الذي أودعت فيه كوديعة أولية يحتفظ بجزء من قيمتها ويقرض الباقي، وهكذا تشتق([15]) ودائع مضاعفة من الوديعة الأصلية.
إن أهم ما يميز المصارف التجارية هو حسن استغلالها لثقة عملائها؛ الذين يرضيهم استعدادها لإجابة أوامرهم الكتابية (الشيكات) سواء أكانوا دائنين للمصارف أم مدينين لها، وقد استثمرت المصارف التجارية ثقة الناس بها؛ فلم تكتف بأن تقرض جمهورها من الودائع الجارية التي في حوزتها؛ وإنما راحت تمنح و"بجرة قلم"([16]) مَنْ يطلب منها قرضًا؛ تمنحه الحق في أن يسحب عليها شيكات تَعِدُ بدفعها نقدًا (بغض النظر عن وجود وديعة فعلية تمول منها هذا القرض الحكمي) بمجرد أن يغلب على ظنها أن المقترض سوف يقدم على السداد([17])، أو على الصحيح، بمجرد أن يغلب على ظنها أن مكاسب هذه المغامرة مع جمهور المقترضين تتجاوز مخاطرها اكتواريًا (Actuarial). وهكذا تنشأ الوديعة للمقترض في اللحظة التي يوافق فيها المصرف على منحه القرض، وهكذا أصبح الإقراض هو الذي يولد الودائع وليس العكس([18])؛ بل الصحيح أننا صرنا إزاء آلية توسعية متناوبة: الإيداع يولد إقراضًا، والإقراض يولد إيداعًا، ومضت ماكنة المصارف التجارية على هذا النحو. إن هذا التصور الجديد لاستنسال الودائع ولآلية توليد النقود الائتمانية يعني أمرين أولهما: أن المصرف التجاري (لا الجهاز المصرفي) يستطيع بمفرده خلق نقود الودائع([19])، ولا شك أن مصلحته تقتضي ذلك.
وثانيهما: أن نسبة الاحتياطي القانوني كأداة من أدوات السياسة النقدية قد فقدت قدرتها في التأثير في عرض النقد. وقد صرح تقرير بنك إنجلترا([20]) سابق الذكر أن الاحتياطي القانوني ما عاد يشكل قيدًا على الإقراض، وأن التأثير في عرض النقد لا يعتمد عليه. وفي الولايات المتحدة أيضًا لاحظت ورقة الكونجرس (IN11330)([21]) أن بنك الاحتياطي الفيدرالي قد خفَّض نسبة الاحتياطي القانوني إلى الصفر لأول مرة في تاريخه في منتصف آذار 2020، وأن هذه النسبة لم تعد تلعب دورًا مهمًا في السياسة النقدية!!
إن نقود الودائع التي تنشأ عن مزاولة المصارف التجارية لما تسميه الائتمان المنفذ بالأدوات المصرفية (الشيكات والبطاقات الائتمانية) في ظل نظام الاحتياطي الجزئي والتي وقفنا على آليات توليدها واستنسالها؛ وإن لم يكن لها أي وجود مادي أو فيزيائي، وإن كانت ليست أكثر من مراكز حقوقية([22]) تثبتها القيود المحاسبية في سجلات المصارف؛ فهي في حقيقتها إضافة صافية إلى عرض النقد تجد طريقها إلى محيط التداول عبر أدوات مصرفية تستمد قوتها الإبرائية من قبول المتعاملين بها، إلى جانب النقود السيادية ذات الوجود الفيزيائي والزي الرسمي التي تصدرها المصارف المركزية وتستمد قوتها الإبرائية بحكم القانون.
تقدمت معنا الإشارة إلى الموقف من تزوير النقود الورقية الرسمية والافتئات على السلطة العامة حيث يملِّك المزور نفسه بغير وجه حق ما يقابل هذه النقود من ذهب (يوم كانت النقود الورقية مستندية أو نائبة) أو ما يقابلها من مقسوم اجتماعي (بعد أن أصبحت النقود الورقية إلزامية)؛ مما استدعى تغليظ عقوبته وإدراج فعله مع كبريات جرائم الإفساد في الأرض، فإذا عرفنا ذلك وعقلناه؛ فهل يسوغ لنا التغاضي عن توليد نقود الودائع من قبل المصارف التجارية؟!
المفارقة الكبرى أنه في ظل التشريعات السائدة اليوم، لا يعد ما تقدم جرمًا أو مخالفة طالما التزم المصرف التجاري بنسبة الاحتياطي القانوني، وحتى حينما يتجاوز هذه النسبة فإن تصرفه يكيَّف على أنه مخالفة إدارية قد يكتشفها رقيب البنك المركزي وقد تفوته. وهكذا آل الأمر إلى أن تملِّك المصارف نفسها جزءًا من مقسوم المجتمع. وللتدليل على هذه الحقيقة وبجهد ميسر وفروض مبسطة جدًا، أظهر تقرير مقدم إلى رئيس الوزراء الآيسلندي([23]) مقدار الريع الذي تغله المصارف التجارية في بلاده. ومع أن هذا الواقع لا يخالف فيه مخالف؛ لا يبدو أن التشريعات النافذة ذات الصلة متجهة إلى منعه!
إن الكف التشريعي عن النظر في المسألة يمكن أن يجد تفسيره في سببين: أولهما: أن الكثير من الاقتصاديين والباحثين الماليين والمحامين والمحاسبين وحتى المصرفيين فضلًا عن عامة الناس لا يملكون تصورًا دقيقًا لحقيقة ما يجري في المصارف التجارية من خلق للنقود ([24]). وقد أظهر استطلاع لأعضاء البرلمان البريطاني عام 2017م أن 70% من المستطلعين قالوا بأن الحكومة ممثلة بمصرفها المركزي هي التي تتحكم في إصدار النقود، جاء هذا حتى بعد صدور وثيقة بنك إنجلترا التي أوضحت أن 97% من حجم العرض النقدي هي نقود ائتمانية تخلقها المصارف التجارية([25])!! وجحد شرعيون معنيون بالمصرفية الإسلامية آلية خلق النقود أصلًا([26])!!، في حين بدت المسألة اجتهادية خلافية عند كثير من المهتمين بالاقتصاد الإسلامي([27]). أما ثاني السببين فيكمن في أن الجهات المستفيدة من هذا الواقع كانت دائمًا تملك زمام المبادرة وتعاجل الوعي الاجتماعي وتطور مؤسساتها لتحصن مكاسبها، ولتحول دون اتخاذ أي موقف جدي لتغييره.
ولعل ما أُجمل في ثاني السببين يمكن تفصيله في الآتي:
– كان الممول يقرض شيئًا يملكه على أن يرد له المتمول المقترض قدر ذلك الشيء وزيادة معلومة ومضمونة هي الربا أو الفائدة.
– ثم صار الممول (المصرف التجاري) في ظل نظام الاحتياطي القانوني الجزئي يقرض شيئًا يضمنه وإن كان لا يملكه (الحسابات الجارية) على أن يرد المتمول المقترض قدر ذلك الشيء وزيادة معلومة ومضمونة هي الربا أو الفائدة.
– ثم صار الممول (المصرف التجاري) يقرض شيئًا لا يملكه ولا يضمنه على أن يرد المتمول المقترض قدر ذلك الشيء وزيادة هي الفائدة. وآلية استنسال الودائع هذه من لا شيء نعتت بأنها النظرية الداخلية والأحدث في شرح آلية خلق النقود، ومع أن هذه الآلية سبقت ملاحظتها من قبل اقتصاديين وإدارات مصرفية([28]) إلا أن تقرير بنك إنجلترا أذاعها مسفِّها ما سمَّاه الطريقة المدرسية: نظرية المضاعف النقدي في شرح آلية خلق النقود.
– ثم لم يلبث أن أصبح الممول يقرض ويهندس حركة المال بيد المقترض في (تجارة الهامش)([29]) التي تقوم على تمكينه من المتاجرة بمال مختلق يفوق الهامش (مبلغ المال الذي يملكه) أضعافًا مضاعفة؛ فالمتاجر الذي لديه هامش مستخدم مقداره ألف دولار فقط؛ بإمكانه المتاجرة بمائة ألف على فرض أن نسبة الرفع التي يقدمها الممول لكل دولار في الهامش المستخدم هي: (100: 1)؛ بل قد تصل نسبة الرفع المالي إلى (400: 1). والذي يبدو حقًا أن نظام الهامش كان ثأرًا قاسيًا ودية مغلَّظة انتزعتها المصارف التجارية من نظام الاحتياطي الجزئي؛ فإنْ كانت البنوك المركزية تشترط عليها الاحتفاظ بعُشر الوديعة أو خُمسها؛ فنظام الهامش صار يتيح لها أن تخلق وتقرض قدر الهامش الفعلي مائة مرة وزيادة!!؛ بل وأوضح وارنر([30]) أن المصارف التجارية لا تستطيع أن تقرض من لا شيء فقط؛ إنما هي تستطيع زيادة رأس مالها من لا شيء كذلك!!، وعزز طريحته بمثال واقعي كشف فيه براعة بنك (باركليز) الذي نفذ عملية إقراض معيارية، اخترع بواسطتها وديعة بقيمة (5.8) مليار جنيه إسترليني "أقرضت" لمستثمرٍ استخدمها "لشراء" أسهم جديدة للبنك ذاته!!
– ثم لم تكن قيادات العمل المصرفي بالتي تقنع بموفور مكاسبها المتقدمة كلها؛ وإنما اجتهدت أن تضم مائدة الميسر إلى مائدة الربا ومائدة خلق النقود؛ فطفقت تقامر في الأسواق المالية متنكرة لقواعد الصيرفة التجارية ومستغلة مناخات التحرير المالي وشعارات الصيرفة الشاملة، ومعولة بحسها المالي والسياسي على مظلة الدولة التي لن تتردد في إنقاذها؛ لأنها أكبر([31]) من أن تسمح بسقوطها!!
وهكذا صارت المصارف التجارية تُحمِّل المجتمع مخاطر مضارباتها في الأسواق المالية أيضًا، أي أنها تبتز المجتمع مرة بالربا وثانية بخلق النقود وثالثة بالمقامرة. وهكذا بدا واضحًا أن ظباء الصيرفة التجارية قد تكاثرت على خراش المهتمين بالشأن العام فما عاد يدري ما يصيد!!، وسنرى تاليًا أن تغاضي الحكومات الغربية عن هذا الواقع صار مغمزًا في النظام الرسمي يستدعي منه غض الطرف([32]) عن شُطَّار النقود المشفرة كما سيأتي.
اقترنت نشأة ما يسمى بالنقود الإلكترونية بتطوير تقنيات التخزين والتحويل الإلكتروني في سبعينيات القرن الماضي، وأسفرت عن ولادة البطاقة الذكية، والبطاقة المدفوعة مسبقًا، والشيك الإلكتروني، والمحفظة الإلكترونية. إن الحديث عن النقود الإلكترونية يوحي باكتشاف شكل جديد من أشكال النقود؛ إلا أن حقيقة الأمر ليست كذلك؛ فقد قال بنك التسويات الدولية في بيان طبيعتها: "قيمة نقدية مقاسة بوحدات العملة (يقصد وحدات العملة القانونية) مخزنة بشكل إلكتروني على أداة الكترونية، وتتناقص هذه القيمة مع توالي عمليات الشراء، وهي تفترق عن البطاقات الإقراضية وبطاقات الائتمان التي يلزم لاستخدامها تفويض مفتوح على شبكة النت وحساب مصرفي يتم الحسم منه بعد عملية التسديد"([33]). وعرفها البنك المركزي الأوربي بأنها: "مخزون إلكتروني من قيم نقدية على وسيلة تقنية يستخدم على نطاق واسع لتسديد مدفوعات لغير مصدريها، دون الحاجة إلى الحسابات المصرفية؛ إنما كأداة محمولة مدفوعة مسبقًا"([34]). وقال عنها تقرير البنك الدولي مميزًا إياها عن النقود الافتراضية: "إنها مجرد آلية دفع رقمية معرفة ومقومة بنقود قانونية"([35]). وهذا يعني أن النقود الإلكترونية لا تعدو أن تكون نقودًا قانونية تُخزَّن وتُحوَّل بوسائل إلكترونية ليس إلا.
المتصور أن التعدي في حالتنا هذه يمكن أن يتخذ صورتين: أولاهما أن المؤسسات الخاصة التي تتولى إدارة هذه النقود قد لا تلتزم حدود التفويض القانوني الذي تحصل عليه من البنك المركزي والسلطات النقدية المعنية فتصدر قدرًا أكثر مما يتيحه لها التفويض. وثانيهما: أنها تستغفل السلطات الرقابية وتصدر نقودًا إلكترونية دون أن تحصل على التفويض المطلوب أصلًا. والمنطق يقضي أن تتولى البنوك المركزية ذاتها إصدار نقود إلكترونية موازية لإصداراتها الورقية طالما أصبحت الحاجة إليها ماسة في التعاملات المالية المعاصرة.
النقود المشفرة هي الصورة الأبرز من النقود الافتراضية([36])، وقد كان ظهورها في أعقاب الأزمة المالية العالمية 2008م حينما نشر مَن سمَّى نفسه (ساتوشي ناكاموتو) ورقة بعنوان: "البتكوين: نظام النقد الإلكتروني الند للند"، شرح فيها طريقة فنية لإصدار نقود افتراضية وإدارتها عبر نظام نقدي لا مركزي، لا يخضع للسلطة العامة ولا يحتاج إلى المصارف والمؤسسات المالية الوسيطة([37]). وفي 10 مارس 2020م رصد وجود (5170) عملة مشفرة في التداول تمثل البتكوين حوالي ثلثي قيمتها([38])، وفي 12 مارس 2024 رصد وجود أكثر من (10000) عملة في التداول([39]). وكانت ورقة الكونجرس (R45427) قد اعتبرت الحديث عن البتكوين ممثلًا عن العملات المشفرة الأخرى، وهو ما اعتمده هذا البحث أيضًا، خاصة وأن (البت - كوين) استأثرت باسم جنس ضم "المسكوكات" الرقمية كلها!!
يتم إصدار (البتكوين) وهو اسم وحدة النقد الافتراضي الذي ليس له أي وجود مادي محسوس([40]) عبر عملية تعدين افتراضية كذلك تستهدف اكتشاف توليفة من المعطيات الرقمية إذا اهتدى إليها المعدِّن/ المنقِّب يكون قد فاز بالعدد المسمى من الوحدات النقدية (البتكوين). إن هذا يعني أن عملية التعدين تفترض وجود برنامج للتشفير أو للتلغيز يكون مصمم النظام قد بث بواسطته للجمهور في الفضاء الإلكتروني أحاجيه الخوارزمية، ثم يُدعى المعدِّنون لحل هذه الشفرات في مباراة أريد لها أن تكون متاحة لكل راغب إذا امتلك حاسوبًا بمواصفات فنية تسمح بتحميل برنامج التعدين، وكان مستعدًا لتحمل كلفة الكهرباء العالية اللازمة لذلك. أما مكافأة الاشتراك في هذه المباراة فتتمثل في عنصرين([41]): أولهما: وحدات البتكوين الجديدة التي يفوز بها المعدِّن صاحب الحظ السعيد الذي يفك شفرة المصمم قبل غيره، وهذا العنصر من المكافآت سينتهي بنهاية العمر الافتراضي للمنجم المحدد بروتوكوليًا. وثانيهما: الرسوم التي يحصل عليها المشاركون الإيجابيون الذين يوثقون أحداث عالم البتكوين ويشهدون عليها في السجل المحاسبي الخاص بالنظام (البلوكتشين)، وهذا العنصر من المكافآت مستمر باستمرار النظام.
بهدف استدامة النظام كان لابد من آلية توثيق كفؤة لإثبات ملكية المعدنين ولعمليات تداول ما عدَّنوه. إن أفضل طريقة للتوثيق هي جعله جماهيريًا وهذا ما اختاره منظرو البتكوين؛ حيث تسجل نتائج عمليات التعدين (تصدر شهادة الميلاد لوحدات البتكوين الجديدة) وعمليات تداولها وتُشهَر على قواعد بيانات المشاركين بالنظام حيث تُدرج في سلاسل كُتَل المعلومات المغلقة (البلوكتشين) حسب ترتيبها الزمني، بما يجعل التلاعب بها متعذرًا. إن نظام البلوكتشين سبق في وجوده البتكوين إلا أن ظهور البتكوين قد فعَّله وبلغ به مدى تتقاصر عنده مخرجات نُظُم الشهْر التجاري أو الشهْر العقاري، والإدارات المعلوماتية مدعوة ولا شك للإفادة من هذه التجربة.
مثلما كانت البتكوين عملة افتراضية كان المنجم الذي يعالجه المنقبون افتراضيًا أيضًا، وقد أُخضعت دوال الإنتاج فيه تحكميًا لقواعد تقنين كمية وزمنية([42])؛ فقد أريد لهذا المنجم أن يخضع لتناقص الغلة النسبي، وتمت هندسة دالة إنتاجه الحدية لتتناقص إلى النصف كل أربع سنوات تقريبًا؛ وكانت قد ابتدأت في عام 2009م بـ (50) وحدة بتكوين للمعدِّن المحظوظ؛ ثم أصبحت (25) وحدة بتكوين عام 2012م، ثم (12.5) في السنين الأربع التالية وهكذا حتى نهاية عمر المنجم عام 2140م، وهو الموعد الذي سمَّاه مصممو النظام أجلًا لنضوب المنجم وإغلاقه مع وصول الناتج الكلي إلى ما يقارب (21) مليون بتكوين([43]). والمزية المعلنة([44]) لهذا الضبط المتناقص هي خلق عرض نقد ثابت مقاوم للتضخم!!، لكن ما يعتقده هذا البحث أن السبب الحقيقي يكمن في أن مصمم البتكوين لا يريد أن يستفز العالم الرسمي ويستعديه بكثرة إصداراته، ولا يوجد ما يمنعه بعد كسبه للوقت في مخاتلة العالم الرسمي من بعث منجمه من جديد أو من تشقيق البتكوين إلى عملات أخرى بأسماء مختلفة وربما يكون قد بدأ ذلك!!
ومثلما حدد مصمم النظام كمية الناتج فقد حدد توقيتها؛ فدجاجة (ساتوشي) تبيض كل عشرة دقائق، وصاحب الحظ السعيد هو الذي يلتقط البيضة أولًا، ولا يكفيه ذلك؛ إنما لابد له أن يعلن عن لُقيته مباشرة على ملأ شبكة البتكوين ويستشهد جمعهم حالًا، وهم - بفضل تقنية البلوكتشين - قوم لا يجمعون على زور؛ فقد أريد من هذه السجلات المحاسبية الجماهيرية التي أتيحت للمشاركين أن توثق ميلاد وحدات البتكوين وأن توثق تداولها لحظيًا مقابل رسوم يستوفونها من ريع منجم البتكوين.
النقود الافتراضية تمثيلات مزعومة للقيمة تؤشر بوحدات رمزية مختلَقَة تحمل اسم كل نوع منها. وفي تأكيد هذه الحقيقة قال البنك المركزي الأوربي في تعريف النقود الافتراضية إنها: "نوع من النقود غير المنظمة يصدرها ويتحكم فيها مطوروها، ويتم التعامل بها من قبل مجتمع افتراضي محدد"([45]). وقال البنك الدولي: "العملات الرقمية هي تمثيلات رقمية للقيمة معرَّفة بوحدة حساب ذاتية خاصة بها ... والعملات المشفَّرة هي مجموعة فرعية منها تعتمد على تقنيات التشفير لتحقيق الإجماع مثالها: البتكوين والإيثر"([46])، ويقول عنها خبير صندوق النقد الدولي: "إنها تمثيلات رقمية للقيمة بوحدات حسابية خاصة بها (بتكوين مثلًا)، يمكن تداولها بين الأنداد دون الحاجة إلى الوسطاء"([47]).
وجاء في تقرير مقدم إلى وزير الاقتصاد الفرنسي([48]): إن العملات المشفرة كائنات نقدية جديدة ليست لها سابقة تاريخية؛ فليس لها غطاء، ولا علاقة لها بالحسابات المصرفية، وهي ليست حقوقًا على أي شخص طبيعي أو قانوني، وهي مقومة بوحدات حسابية محددة لا علاقة لها بالعملات القانونية. وما تقدم في هذا التقرير توصيف دقيق لحقيقة العملات الافتراضية؛ لكن من الغريب أن ينوه التقرير نفسه بوظيفة خزن القيمة كمحدد لماهية هذه النقود حتى أطلق عليها ما سماه "الذهب الرقمي"، وهذه الفائدة الزائدة من كاتب التقرير تذكِّرنا بتقرير وزير الإمبراطور في رائعة (هانس أندرسن): "ثياب الإمبراطور الجديدة"!!
وبالمقابل أشارت كتابات أخرى إلى وظيفة هذه النقود كواحدة من أدوات الدفع في الوقت الحاضر([49])، وأنها قد تكون أداة الدفع البديلة مستقبلًا([50])، وسنعود لتقدير هذه الإفادات بعد قليل.
كثيرًا ما يتحدث أنصار النقود الافتراضية عما يسمونه نظام: "الند للند" على وجه الإطراء والترويج على نحوٍ يستحضر فروسية (عروة الصعاليك) أو فتوة (روبن هود)!؛ الأمر الذي يقتضي التعرف على النظام النقدي والمالي البديل الذي تنجز فيه هذه النقود وظائفها عبر:
1- الاستعاضة عن قوانين البنوك المركزية بالبروتوكولات التأسيسية للعملات المشفرة.
2- الاستعاضة عن وحدات النقد القانونية بوحدة النقد المشفرة.
3- الاستعاضة عن المصارف التجارية المحلية والمصارف المراسلة بشبكات النت والمنصات الخاصة.
4- الاستعاضة عن سجلات المصارف التجارية وإدارتها الخاصة بسجلات البلوكتشين وإدارتها الشعبية.
5- الاستعاضة عن الحساب المصرفي بالمحفظة الرقمية التي تدخلها وتخرج منها العملات المشفرة كتسوية حقوقية للمعاملات البينية دون الحاجة إلى وساطة البنوك التجارية.
6- الاستعاضة عن الحيز النقدي الوطني والرابطة الوطنية بين أفراد البلد الواحد بحيز الأصول النقدية المشفرة المتعدية للحدود السياسية.
هكذا تتحقق اللامركزية والتسيير الذاتي لنظام العملات المشفرة في حدود بروتوكولاتها التأسيسية على الأقل نظريًا. ولا يبدو في تصور أي من القائمين على الإصدارات المشفرة أن تكون أي منها هي العملة الوحيدة؛ فهم لا يقولون شيئًا بصدد المنافسة فيما بينها، ولم يدَّع أي منهم وجود اليد الخفية التي ستنسق فوضى الإصدارات المشفرة التي بلغت الألوف المؤلفة لتحقق الاستقرار النقدي والكفاءة الموعودة!! والذي يبدو لي بحق أن العملات المشفرة المتكاثرة كأسراب الجراد تريد أن تستبيح ما تطاله من حقول الاقتصاد الحقيقي قبل أن تحول بينها وبين ما تبغي الحوائل!!، أما شعار الند للند فحقيقته قناع يخفي هوية المتعاملين حيث لا يتعرف على شخوصهم قاض ولا مأذون!!
سيقت للبتكوين وأخواتها الكثير من المزايا أبرزها([51]):
1- أنها أداة دفع تسهل تسوية معاملات تجارة التجزئة بتكاليف متدنية جدًا قياسًا بالرسوم التي تتقاضاها المصارف التجارية المحلية والمراسلة.
2- أنها تؤمن الخصوصية والسرية؛ فالمعاملات والتحويلات تتم عبر منصات لا مركزية بعيدًا عن فضول الضامن الذي يتكسب من الوساطة المالية (المصرف التجاري) والقيِّم الذي يتحكم فيها (المصرف المركزي).
3- أنها أداة دفع دولية متعدية للحدود الجغرافية ومتجاوزة لحيز التشريعات والسياسات الوطنية.
4- أنها نقد البلدان المحتلة؛ وبهذا المعنى اُقترِح على الفلسطينيين اعتماد البتكوين بديلًا عن عملة الاحتلال لأنها تحقق لهم مكاسب يتعذر عليهم بلوغها في وضعهم النقدي الراهن([52]).
5- في إشارة غمزيه لنظام الاحتياطي الجزئي؛ قابل البعض البتكوين بنقود الودائع، ولاحظ أن البتكوين لا تتطفل على العملات الوطنية ولا تتسبب في إنشاء الديون كما تفعل نقود الودائع، وأنها لا تتسبب في الأذى (إن سببته) إلا لمن يتعامل بها([53])!!
6- تسمح دفاتر البلوكتشين بحفظ الأصول المشفرة في محافظ المشاركين كبيانات رقمية دون الحاجة إلى الحسابات المصرفية في البنوك التجارية!!
وأختم بهذه الفقرة الإجمالية الغريبة من تقرير البنك المركزي الأردني والتي عدت للعملات المشفرة من المزايا ما جعل مشروع العملات المستقرة يطمع فيها: "مثل؛ الشفافية والأمن والثبات والمحافظ الرقمية وسرعة المعاملات والرسوم المنخفضة والخصوصية"([54])!!
ومقابل ما تقدم رصدت للعملات المشفرة جملة من المساوئ أبرزها:
1- أنها تسهل اقتصاد الجريمة وغسيل الأموال([55])، ولذلك فهي مرشحة لأن تصبح نقود الاقتصاد الخفي، الذي ينأى بنفسه عن قوامة المؤسسات الحكومية وتحسبيه المؤسسات الوسيطة، وهذا ما يفسر الاحتفاء الزائد بنظام الند للند والغلو فيه!!
2- إن تعدينها مكلف جدًا من منظور الحسابات الاجتماعية لأنه يستدعي جهدًا جماهيريًا لإثبات العمل عبر التحقق والتوثيق في البلوكتشين. ولأنه يستهلك كثيرًا من الطاقة في عمليات التعدين الافتراضي حتى قيل إن المعدِّنين يسكُّون نقودهم من الكهرباء([56]) وهذا ما يرفع الكلفة البيئية كذلك.
3- إن العملات المشفرة ليست محصنة من التزوير لأن السجلات الرقمية يمكن نسخها وإعادة استخدامها من قبل أكثر من مستخدم ولأكثر من مرة في المعاملات([57]).
4- إن القبول بالعملات المشفرة ليس قبولًا نهائيًا؛ إنما يقتضي إمكانية تحويلها إلى نقود قانونية، وهذا ما يقيد نهوضها بوظيفة أداة التبادل حاليًا أو مستقبليًا.
5- إن قيمتها السوقية تتقلب على نحو واسع([58]) يتعذر معه اعتمادها كوحدة لقياس القيم أو مخزنًا لها.
6- إن جُل الطلب عليها طلب مفتعل ومستحث بالمضاربات وبعوامل إرادية تستهدف ترويجها.
يزاد على ما تقدم؛ أن الذين يتعاملون بالعملات المشفرة لا يملكون الإلمام الكافي بأبعادها الفنية والحقوقية، والقوانين واللوائح الحالية لا تؤمن لهم الحماية الكافية من مخاطرها.
لقد خلقت العولمة مناخًا ملائمًا وأطرًا مؤسسية للتعامل المالي بعيدًا عن قوامة التشريعات الوطنية والدولية، وهذا ما يفسر التجاسر والاجتراء على عمليات التزوير الرقمي. إن تغافل الحكومات، وأطماع المعدنين وتعطش أسواق المال لكل جديد يذكي عمليات المقامرة؛ كل ذلك جعلنا أمام سيل من الإصدارات النقدية الافتراضية لا آخر له، وكل ذلك أكد الوعي بمخاطر هذه العملات وتوالي الدعوات لاحتوائها ومن ذلك:
– تحذير مدير بنك التسويات الدولية (Agustín Carstens)([59]) من البتكوين التي يرى أنها تهدد الاستقرار المالي العالمي.
– دعوة مديرة صندوق النقد الدولي (Christine Lagarde)([60]) للبنوك المركزية إلى إنشاء عملاتها الرقمية المحلية وإتاحتها للناس لتنفيذ معاملاتهم، وشددت أن هذه النقود ينبغي أن تكون التزامًا (قانونيًا) على الدولة، وهي تريد بذلك أن تقطع الطريق على العملات الرقمية غير الرسمية.
– اعتبار هيئات الرقابة المالية الأمريكية الإشراف على الأصول الرقمية من أكثر([61]) القضايا إلحاحًا لعام 2023م، وإدراجها ذلك على جدول أعمالها.
– وتطفح صفحات الويب بتحليلات الكثير من الأكاديميين ورجال المال التي تنعت البتكوين بالفقاعة (لا يمكن التنبؤ بميقات انفجارها)، ومن هؤلاء حائز نوبل (Robert Shiller) ورجل الأسواق (George Soros). وأن ينعت أحدهم البتكوين بالفقاعة كتوصيف موضوعي مسألة؛ وأن يمارس المراهنة عليها كنشاط مضاربي مسألة أخرى!!
1- توقف مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي عن البت فيما سمَّاه "العملات الإلكترونية" وقصد به العملات المشفرة، وأوصى في قراره رقم: 237 (8/24) بمزيد من البحث والدراسة للقضايا المؤثرة في الحكم.
2- وذهبت دار الإفتاء الفلسطينية ودار الإفتاء المصرية والهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف الإماراتية ودار الإفتاء التركية إلى منع تعدين العملات المشفرة ومنع تداولها([62]).
3- وعلى الصعيد الرسمي العربي صدرت تعليمات عن "البنوك المركزية العربية في كل من الأردن والبحرين والجزائر والسعودية والعراق وعمان وقطر ولبنان ومصر والمغرب"([63]) تؤكد: حظر استخدام الأصول المشفرة، وعدم تمتعها بقوة الإبراء القانونية، وعدم قبولها في المعاملات الرسمية، والمخاطر العالية لتقلبات أسعارها، ومخاطر استخدامها في غسيل الأموال.
4- وممن بحث البتكوين نموذجًا للعملات المشفرة الشريف وخلص([64]) إلى القول بعدم جوازها لعدم توفر معايير النقود الشرعية والقانونية فيها، والجرف([65]) الذي لاحظ أن المخاطر المرتبطة بها أكبر من منافعها، و(شطناوي ولطايفة) اللذان نوها بما تنطوي عليه من غرر ومقامرة ([66]). وممن بحث (الريبل) نموذجًا للعملات المشفرة الزعبي ومهايني([67]) وخلصا إلى عدم اعتباره نقدًا لعدم استقرار قيمته وعدم تمتعه بالرواج والقبول العام.
5- وبالمقابل ذهب العقيل([68]) إلى القول بمالية البتكوين وبثمنيتها وأجرى فيها الأحكام ذات الصلة، وكيَّف تعدين البتكوين جعالة جائزة، يستحق المعدِّن فيها الجُعل بتمام العمل.
والصحيح أن ما يحصل عليه المشاركون في نظام البتكوين هو صنفان من المكافآت أولهما مكافأة لمن يسبق إلى حل أُحجية الملغِز، وثانيهما للذين يوثِّقون التعامل بالبتكوين، والأقرب في تكييف الأولى أنها جائزة لا جعل؛ فالمعدِّن يعمل لنفسه لا للشبكة، لكن السؤال الأهم من ذلك: هل تقتضي مشروعية عقد الجعالة فقهًا مشروعية مكافأة المعدِّن أو مشروعية العمل الذي يقوم به أصلًا؟!؛ فلو قلت: مَنْ يرد إلي ناقتي بخمسين كيلة أغلها له من بيدر القرية؛ أتكون هذه جعالة صحيحة؟!، سيتضح معنا مرمى هذا التساؤل في الفقرة التالية.
لقد كنا نتكلم عن عمليات تزوير فردية يمكن أن تكتنف النقود المعدنية والورقية أو عمليات استغفال مؤسسي كما في نقود الودائع أو في النقود الإلكترونية، لكننا الآن مع النقود الافتراضية بصدد عملية تزوير خالصة تمامًا بلا أدنى شوب وصريحة بلا أدنى مخاتلة. إن تحقق ثمنية النقود الافتراضية واقعًا وهو ما يحتج لها به بعض الباحثين، هو فيما أراه والله أعلم موجب الحكم بإبطالها لأن رواجها ولو جزئيًا يعني أنها صارت تتشارك واقعًا مع نقود المجتمع الرسمية الورود على معروضه، وهذا هو وجه القول بدخولها في حكم التزوير والتعدي.
إن إصدار النقود الافتراضية يؤول إلى سطو واسع النطاق على ناتج المجتمع وأصوله الحقيقية تقف معه السلطات العامة عاجزة عن اتخاذ أي إجراء يحمي المجتمع وثروته. والنقود الافتراضية رغم ولادتها من رحم الرياضيات والتقنية الحديثة إلا أنها لا تستند إلى أي أساس عقلاني، ولا يمكن أن يُقرها أي تشريع يستهدف الصالح العام، أما الحديث عن ديموقراطية طريقة الدفع وأمانها (الند للند)؛ فلا تعني أكثر من تسويغ لتمرد المغامرين على النظام الرسمي وإطراء لقدرتهم على التفلت من قوامته.
وخصوصية هذا النمط من التزوير أنه يوسع قاعدة المستفيدين لتضم: المعدِّنين: الملتقطين وجمهور الموثقين، وجمهور المضاربين، ومَن يهيئ لهم موائدهم (الأسواق المالية)؛ كما يتيح نظام (الند للند) للناشطين في الاقتصاد الخفي إمكانية تبييض أموالهم بعيدًا عن أي رقابة وطنية أو دولية؛ ولا يبعد أن يكون مصممو هذا النظام هم من أمراء هذا الاقتصاد أصلًا، ولا يبعد أن يكونوا من أذرع العالم الرسمي التي تمول صراعاتها الدولية بهذه الإصدارات. أما (ساتوشي ناكاموتو) فليس أكثر من وهم تُعصَب برأسه جريرة النقود المشفرة بعد أن عُلِّق على صدره وسامها!!
إن الموقف الشرعي من النقود الافتراضية يقوم على أساس تصور واقعي للحياة الاقتصادية التي نعيشها حيث يتقابل في كل اقتصاد ناتج المجتمع من جهة والكوبونات التي تمثل هذا الناتج وأعني بها النقود القانونية التي تؤتَمن السلطة العامة على إصدارها من جهة أخرى. إن هذه الكوبونات (النقود القانونية) تمثل حقوقًا شائعة على المقسوم الاجتماعي؛ وإذا أتيح لأحد أن يملك شيئًا من هذه الكوبونات فإنه يملك بها ما يقابلها من ناتج وأصول حقيقية، وعلى هذا النحو تجري عمليات التبادل والتوزيع في الاقتصادات المنقَّدة، وهي مسألة ظاهرة مستقرة في أعراف المجتمعات المختلفة وفي البنى القانونية التي تعتمدها. وإذا غالت السلطة (البنك المركزي) وأصدر كوبونات تتجاوز قيمتها قيمة الناتج تكون قد تسببت في التضخم، ولم تكن كفؤة في إدارة الحق الغيري الذي عهد به إليها، ومع ذلك يظل ريع الإصدار يؤول إلى المجتمع.
أما إذا ولَّدت المصارف التجارية واستنسلت نقودًا ائتمانية فإنها تكون قد تسببت في التضخم أولًا، وغلَّت (اختلست لنفسها) جزءًا من قيمة الناتج ثانيًا. وقد استطاعت المصارف التجارية متذرعة بالوساطة المالية أن تُرسِّم هذا الواقع عبر نظام الاحتياطي الجزئي على ما فيه من خلل حقوقي، وعلى ما فيه من إخلال بكفاءة النظام النقدي، والدعوة قائمة لم تزل لتعقيم المصارف التجارية وحصر صلاحية الإصدار والسيطرة على عرض النقد بالدولة ممثلة بالمصرف المركزي رعاية للولاية العامة المشار إليها. أما أن يأتي معدِّن مجهول الهوية ويصدر نقودًا؛ أي نقود ويسوِّقها على المجتمع ويستأثر بما يقابلها من ناتج؛ فهذه طامة كبرى على صعيد كفاءة النظام النقدي وعلى صعيد عدالته، وفعله هذا لا يختلف عن أي عملية تزوير للنقود الرسمية؛ فهذه العملية تنطوي على تملك المعدِّن لجزء من مقسوم المجتمع بغير وجه حق؛ بل بأصرح ما يكون عليه الباطل. إن الأصل ألا يسمح لأي جهة مهما كانت احترافيتها، ومهما تحملت من تكاليف بالافتئات على أهلية السلطة العامة في إصدار النقود وإدارتها كحق سيادي، لأجل أن تحفظ حقوق أعضاء الهيئة الاجتماعية، ولا وجه للخلط بين رقمنة الوسائل المشروعة التي تيسر على المجتمع معاملاته ورقمنة التعدي على مقسومه الاجتماعي.
أولًا: النتائج
1- إن موقف النظر الفقهي والقانوني كان واضحًا بصدد التعدي في النقود المعدنية (الحذف، التزييف، الافتئات)، وواضحًا كذلك بصدد تزوير النقود الورقية؛ لكنه لم يكن واضحًا أبدًا في رصد وتوصيف التعدي الملازم لتوليد نقود الودائع ولتعدين النقود الافتراضية؛ لا في بعده الحقوقي (السطو على مقسوم المجتمع) ولا في بعده الإداري (شل السياسة النقدية).
2- إن نظام الاحتياطي الجزئي يجعل تمويل النشاط الاقتصادي الخاص والعام رهينا بمديونيته للجهاز المصرفي وهي حقيقة فنية تظهرها معادلة عرض النقد؛ ومنه يظهر أن المصارف التجارية تجاوزت وظيفتها في الوساطة المالية وأصبحت مؤسسات خالقة لعرض النقد ومهيمنة عليه!
3- إن تأثير الإلف والاعتياد قد جعل سقف التأصيل لمفردات النظام الاقتصادي الإسلامي عند البعض حبيسًا للنظر النسبي الذي لا يرتقي إلى الوعي بمستدركات هذا المذهب على الواقع المعاصر؛ فلم تمنع توجهات المذهب ولا مقررات السياسة الشرعية وجود كتاباتٍ تسامحت مع توليد نقود الودائع، وتسامحت أخرى مع النقود الافتراضية بعدما لم يحالفهما التوفيق في تكييف عمليتي توليد الأولى وتعدين الثانية.
4- والبحث يرى أن توليد النقود الائتمانية وتعدين النقود الافتراضية؛ أمور تتعارض مع التصور الشرعي الذي يعتبر إصدار النقود حقًا سياديًا حصريًا رائده تحقيق المصلحة العامة.
5- إن ريع عملية الإصدار النقدي ينبغي أن يؤول إلى المجتمع فهو بمثابة الفيء الذي لا ينبغي لأحد أن يستأثر به، وهو ما يفعله كل من يستغفل المجتمع ويولد أو يصدر نقودًا مهما كان شكلها، وأي افتئات على الحق الحصري لولي الأمر في إصدار النقود يعني الكبيرتين معا: السطو على جزء من المقسوم الاجتماعي واغتصاب أهليته في إدارة عرض النقد وهو ما يئد فرص الاستقرار النقدي والمالي.
ثانيًا: التوصيات
1- ضرورة مغادرة نظام الاحتياطي القانوني الجزئي، وسن التشريعات وتبني السياسات التي تكفل تعقيم المصارف التجارية وتمنع توليدها للنقود الائتمانية.
2- سن التشريعات وتبني السياسات التي تحظر النقود الافتراضية الخاصة، وإشهار توصيف تعدينها والتعامل بها فعلًا جنائيًا يمنع حكمًا وسياسة.
3- على الحكومات التي تأخرت في التصريح بمنع هذا النشاط أن تسوي ما تسبب به سكوتها تجاه مواطنيها؛ إذ لا تجريم إلا بقانون.
4- استحداث النقود الوطنية الرسمية الرقمية الموازية للنقود القائمة لقطع الطريق على من يتذرع بالحاجة إلى النقد الرقمي في المعاملات.
5- السعي لإصلاح نظام النقد العالمي بالرجوع إلى نظام معيار الذهب فهو الوحيد الذي يمكن أن يحرِّز النظم النقدية الوطنية والنظام العالمي من أشكال التعدي المختلفة.
أولًا: العربية
الباحوث، عبد الله بن سليمان. "النقود الافتراضية مفهومها وأنواعها وآثارها الاقتصادية". المجلة العلمية للاقتصاد والتجارة، جامعة عين شمس، ع1 (2017).
البلاذري، أحمد بن يحيى. فتوح البلدان. تحقيق رضوان محمد. بيروت: دار الكتب العلمية، 1403هـ.
البنك المركزي الأردني. العملات المشفرة. عمان: دائرة الإشراف والرقابة، 2020.
بلوافي، أحمد مهدي. "هل العالم بحاجة إلى نظام نقدي جديد". ندوة البركة (41)، 12-13رمضان 1442ه الموافق 24- 25 أبريل 2021.
الجرف، محمد سعدو. "العملات الافتراضية؛ المخاطر والأحكام الشرعية". حوار الأربعاء، معهد الاقتصاد الإسلامي (2019).
ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد. مقدمة ابن خلدون. بيروت: دار القلم، 1984.
الريس، محمد ضياء الدين. الخراج والنظم المالية. القاهرة: دار المعارف، 1969.
الزعبي، زعبي ومهايني، محمد. "التكييف الفقهي للعملات الرقمية المشفرة: الريبل أنموذجا". مجلة إسرا الدولية للمالية الإسلامية، مج13، ع2 (2022).
–––. "النقود الإسلامية كما ينبغي أن تكون". مجلة جامعة الملك عبد العزيز: الاقتصاد الإسلامي، مج10 (1998).
السنامي، عمر. نصاب الاحتساب. مكة المكرمة: مكتبة الطالب الجامعي، 1406هـ.
الشريف، يوسف بن هزاع. "الأحكام والضوابط الفقهية المتعلقة بالنقود الرقمية الإلكترونية". مجلة جامعة الملك عبد العزيز، الآداب والعلوم الإنسانية، جدة، مج28، ع5 (2020).
الشطناوي، زكريا ولطايفة، أمجد. "مخاطر العملة الافتراضية (البتكوين) من منظور الاقتصاد الإسلامي". أبحاث اليرموك، عمادة البحث العلمي، مج28، ع1 (2019).
الشوكاني، محمد بن علي. نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار. بيروت: دار الجيل، 1973.
عبد المنعم، هبة. "واقع وآفاق إصدار العملات الرقمية". صندوق النقد العربي، موجز سياسات، ع11 (2020).
عفر، محمد عبد المنعم. عرض وتقويم الكتابات حول النقود في إطار إسلامي. جدة: مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي، 1994.
العقيل، عبد الله بن محمد. "الأحكام الفقهية المتعلقة بالعملات الإلكترونية (عملة البتكوين نموذجا)". مجلة جامعة الطائف للعلوم الإنسانية، مج4، ع17(2018).
عساف، محمد مطلق. "العملات المشفرة في ضوء مقاصد الشريعة الإسلامية (عملة Bitcoin أنموذجا)"، مجلة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة قطر، مج36، ع2 (2019).
مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي. المدونة الكبرى. بيروت: دار صادر، [د. ت. ط].
الماوردي، أبو الحسن علي. الأحكام السلطانية والولايات الدينية. بيروت: دار الكتب العلمية 1405ه.
ابن مفلح، أبو عبد الله محمد. الفروع وتصحيح الفروع. بيروت: دار الكتب العلمية، 1418هـ.
النووي، أبو زكريا يحيى بن شرف. المجموع. بيروت: دار الفكر، 1997.
أبو يعلى الفراء، محمد بن الحسين. الأحكام السلطانية. بيروت: دار الكتب العلمية، 1421هـ.
ثانيًا:
References
Abū Yaʻlá, al-Qāḍī Muḥammad ibn al-Ḥusayn. al-aḥkām al-sulṭānīyah (in Arabic). Beirut: Dār al-Kutub al-ʻIlmīyah, 1421AH.
ʻAfar, Muḥammad ʻbdālmnʻm. ʻarḍ wa-taqwīm al-kitābāt ḥawla al-nuqūd fī iṭār Islāmī (in Arabic). Jeddah: Institute of Islamic Economics, 1994.
Al-Aqeel, Abdullah bin Muhammad, “Jurisprudential rulings related to electronic currencies (Bitcoin as an example).” (in Arabic). Taif University Journal for Human Sciences, Vol. 4, No. 17 (2018).
Al-Bahouth, Abdullah bin Suleiman. “Virtual Money: Its Concept, Types and Economic Effects” (in Arabic). Scientific Journal for Economic and Commerce, Ain Shams University, Vol.47, No.1 (2017).
al-Balādhurī, Aḥmad ibn Yaḥyá. Fattūḥ al-buldān (in Arabic). Beirut: Dār al-Kutub al-ʻIlmīyah, 1403AH.
al-Jarf, Muḥammad Saʻdū. "al-ʻumlāt al-iftirāḍīyah; al-makhāṭir wa-al-aḥkām al-sharʻīyah" (in Arabic). ḥiwār al-Arbiʻāʼ, Jeddah: Institute of Islamic Economics (2019).
al-Māwardī, Abū al-Ḥasan ʻAlī ibn Muḥammad. al-aḥkām al-sulṭānīyah wa-al-Wilāyāt al-dīnīyah (in Arabic). Beirut: Dār al-Kutub al-ʻIlmīyah 1405AH.
al-Nawawī, Abū Zakarīyā Yaḥyá ibn Sharaf. al-Majmūʻ (in Arabic). Beirut: Dār al-Fikr, 1997.
al-Rayyis, Muḥammad Ḍiyāʼ al-Dīn. al-Kharāj wa-al-nuẓum al-mālīyah (in Arabic). Cairo: Dār al-Maʻārif, 1969.
Al-Sabhany, Abduljabbar Hamad Obaid. “Money as it should Be, in an Islamic System” (in Arabic). Journal of King Abdulaziz University: Islamic Economics, Jeddah, vol. 10 (1998).
–––. “The Dilemma of Instability in the Monetary and Financial Systems in Light of the Economic Doctrine in Islam” (in Arabic). Journal of King Abdulaziz University: Islamic Economics, Jeddah, vol.30, No.3 (2017).
al-Shawkānī, Muḥammad ibn ʻAlī. Nayl al-awṭār (in Arabic). Beirut: Dār al-Jīl, 1973.
Alshereef, Yousof Ben Hazzaa. “Jurisprudence Rulings and Controls in Electronic Digital Money: Bitcoin as A Model”, Journal of King Abdulaziz University: Arts and Humanities, vol.28, No. 5 (2020).
Alsnāmy, ʻUmar. nṣāb al-iḥtisāb (in Arabic). Makkah: Maktabat al-ṭālib al-Jāmiʻī, 1406AH.
AlZohby, Zohby & Mahaini, Mohammad. “Jurisprudential Adaptation of Cryptocurrency, Ripple as a Model. (In Arabic), ISRA International Journal of Islamic Finance. Vol. 13, No. 2 (2022).
Antonopoulos, Andreas M: Mastering Bitcoin, 2nd ed, United States of America, 2017.
Assaf, Mohammad Motlaq. “Cryptocurrency According to the Objectives of Islamic Law: Bitcoin as a Case Study” (in Arabic). Journal of College of Sharia and Islamic Studies (JCSIS) Qatar University, Vol. 36 No. 2 (2019).
ʻBdālmnʻm, Hibat. "wāqiʻ wa-āfāq iṣdār al-ʻumlāt al-raqmīyah" (in Arabic). Arab Monetary Fund, Mūjaz Siyāsāt, No.11 (2020).
Bank for International Settlements (BIS). Implication for central banks of the development of electronic money. Basle, 1996.
Bjerg, Ole. How is Bitcoin Money. Copenhagen: Copenhagen Business School, 2015.
Blwāfy, Aḥmad Mahdī. "Hal al-ʻālam bḥājh ilá Niẓām naqdī jadīd" (in Arabic). Nadwat al-Barakah (41), 24-25 April 2021.
Central Bank of Jordan. al-ʻumlāt al-mushaffarah (in Arabic). Amman: Department of Supervision and Control, 2020.
Chiu, Jonathan & Koeppl. Thorsten V. The Economics of Cryptocurrencies, Bitcoin and Beyond. Bank of Canada: Staff Working Paper, 2018.
European Central Bank. Report on Electronic Money. Frankfurt, August, 1998.
European Central Bank (EUROSYSTEM). Virtual Currency Schemes. October, 2012.
Faure, AP. Money Creation. An Introduction. Quoin Institute (Pty) Limited & bookboon.com, 2013.
He, Dong. Monetary Policy in the Digital Age. FINANCE & DEVELOPMENT, (IMF) JUNE 2018, VOL. 55, NO. 2.
Ibn Khaldūn, ʻAbd-al-Raḥmān. muqaddimah Ibn Khaldūn (in Arabic). Beirut: Dār al-Qalam, 1984.
Ibn Mufliḥ, Abū ʻAbd Allāh Muḥammad. al-furūʻ wa-taṣḥīḥ al-furūʻ (in Arabic). Ed. Ḥāzim al-Qāḍī, Beirut: Dār al-Kutub al-ʻIlmīyah, 1418AH.
Jackson, Andrew and Dyson, Ben. Modernizing Money. London: Positive Money Movement, 2012.
Jaffar, Syammon. et al., "Fiat money: from the current Islamic finance scholars’ perspective". Humanomics, Vol. 33 Issue: 3 (2017).
Labonte, Marc. Federal Reserve. Monetary Policy Actions in Response to COVID-19. Congressional Research Service, No. IN11330, April 13, 2020.
Lagarde, Christine, IMF Managing Director: Winds of Change, The Case for New Digital Currency. Singapore Fintech Festival, November 14, 2018.
Landau, Jean-Pierre & Genais, Alban. Digital Currencies; An exploration into technology and money. Report to M. Bruno Le Maire, Minister of Economy, June 2019.
Mālik ibn Anas ibn Mālik al-Aṣbaḥī. al-Mudawwanah al-Kubrá (in Arabic). Beirut: Dār Ṣādir.
McLeay, Michael; et al., Money Creation in the modern economy. Bank of England, London, Quarterly Bulletin, Q1, 2014.
Perkins, David W. Cryptocurrency: The Economics of Money and Selected Policy Issues. Congressional Research Service, No. R45427. April 9, 2020.
Satoshi, Nakamoto. Bitcoin, A Peer-to-Peer: Electronic Cash System. 2008.
www.bitcoin.org. Seen 28/2/2024
Shatnawi, Zakariya & Latifeh, Amjad. “The Risks of the Virtual Currency (Bitcoin) from an IslamiEconomic Perspective” (in Arabic). Abhath Al Yarmouk: Humanities and Social Sciences, vol.28, No.1 (2019).
Sigurjonsson, Frosti. Monetary Reform, A better monetary system for Iceland (Report), Reykjavik: 2015.
Smithin, John (ed). What is Money. Routledge International Studies in Money and Banking. New York, 2000.
Szulczyk, Kenneth R. Money, Banking, and International Finance. 2014.
Werner, Richard A. How do banks create money? International Review of Financial Analysis 36, 2014.
World Bank Group. Distributed Ledger Technology (DLT) and blockchain, FinTech note. no. 1. Washington, 2017.
Zhang, Yiteng. Economics
of Competing Crypto Currencies: Monetary Policy, Miner Reward and Historical
Evolution. University College London, 2014.
([1]) عبدالجبار حمد عبيد السبهاني، "النقود الإسلامية كما ينبغي أن تكون"، مجلة جامعة الملك عبد العزيز: الاقتصاد الإسلامي، جدة، مج10 (1418هـ/1998م).
([2]) عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب العقيل، "الأحكام الفقهية المتعلقة بالعملات الإلكترونية (عملة البتكوين نموذجًا) دراسة فقهية مقارنة"، مجلة جامعة الطائف للعلوم الإنسانية، مج4، ع17 (1440هـ/2018م).
([3]) محمد مطلق محمد عساف، "العملات المشفرة في ضوء مقاصد الشريعة الإسلامية (عملة Bitcoin أنموذجا)"، مجلة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، مج36، ع2 (1440هـ/2019م)، علمية محكمة، جامعة قطر. https://doi.org/10.29117/jcsis.2019.0215
([12]) أبو عبد الله محمد ابن مفلح، الفروع، تحقيق حازم القاضي (بيروت: دار الكتب العلمية، 1418هـ)، ج2، ص345.
([14]) أحمد بن يحيى البلاذري، فتوح البلدان، تحقيق رضوان محمد (بيروت: دار الكتب العلمية، 1403هـ)، ص456؛ أبو يعلى، الأحكام السلطانية، ص183؛ محمد ضياء الدين الريس، الخراج والنظم المالية (القاهرة: دار المعارف، 1969)، ص365.
([15]) Andrew Jackson & Ben Dyson, Modernizing Money (London: Positive Money Movement, 2012), pp. 77-79.
([16]) Michael McLeay, et al., Money Creation in the modern economy (London: Bank of England, Quarterly Bulletin, 2014), Q1, p. 16.
([17]) AP Faure, Money Creation, An Introduction (Quoin Institute Limited & bookboon.com, 2013), p. 124.
([19]) Richard A. Werner, How do banks create money (International Review of Financial Analysis, 36, 2014), p. 71.
([20]) McLeay et al., Money Creation in the modern economy, pp. 15-16.
([21]) Marc Labonte, Federal Reserve: Monetary Policy Actions in Response to COVID-19 (Congressional Research Service, April 13, 2020), No. IN11330, p. 2.
([22]) Werner, How do banks create money, p. 73.
([25]) أحمد مهدي بلوافي، "هل العالم بحاجة إلى نظام نقدي جديد"، ندوة البركة (41)، 12-13 رمضان 1442هـ، ص18.
([26]) Syammon Jaffar, et al., "Fiat money: from the current Islamic finance scholars’ perspective", Humanomics, Vol. 33 Issue: 3 (2017), pp. 286, 295.
([27]) محمد عبد المنعم عفر، عرض وتقويم الكتابات حول النقود في إطار إسلامي (جدة: مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي، 1994م)، ص63-76.
([29]) عبدالجبار السبهاني، "معضلة اللاستقرار في النظم النقدية والمالية في ضوء المذهب الاقتصادي في الإسلام"، مجلة جامعة الملك عبد العزيز: الاقتصاد الإسلامي، مج30، ع3 (1439هـ/2017م)، ص211.
([32]) Ole Bjerg, How is Bitcoin Money (Copenhagen: Business School, 2015), p. 26.
([33]) Bank for International Settlements (BIS), Implication for central banks of the development of electronic money (Basle, 1996), p. 13.
([35]) World Bank Group (W.B.G), Distributed Ledger Technology (DLT) and blockchain (Washington, D.C., FinTech note, no. 1, 2017), p. VI.
([37]) Andreas M. Antonopoulos, Mastering Bitcoin (United States of America, 2nd ed, 2017), p. 4; Nakamoto Satoshi, Bitcoin, A Peer-to-Peer: Electronic Cash System, 2008), pp. 1-9. https://bitcoin.org/bitcoin.pdf.
([38]) David W. Perkins, Cryptocurrency: The Economics of Money and Selected Policy Issues, Congressional Research Service, No. R45427 (April 9, 2020), pp. 8-9.
([39]) Josh Howarth, How Many Cryptocurrencies are There In 2024. https://explodingtopics.com/blog/number-of-cryptocurrencies retrieve on March 12, 2024.
([41]) Antonopoulos, Mastering Bitcoin, p. 214.
([44]) Dong He, “Monetary Policy in the Digital Age”, Finance & Development (IMF) (VOL. 55, NO. 2, JUNE. 2018), p. 13; Antonopoulos, p. 216.
([48]) Jean-Pierre Landau & Alban Genais, Digital Currencies; An exploration into technology and money (Report to M. Bruno Le Maire, Minister of Economy, June. 2019), p. 2-3.
([49]) Jonathan Chiu & Thorsten V. Koeppl, The Economics of Cryptocurrencies: Bitcoin and Beyond (Bank of Canada: Staff Working Paper, 2018), p. 2.
([50]) Yiteng Zhang, Economics of Competing Crypto Currencies (University College London, 2014), p. 39; He, p. 14.
([51]) محمد سعدو الجرف، "العملات الافتراضية: المخاطر والأحكام الشرعية، البتكوين نموذجًا"، معهد الاقتصاد الإسلامي، حوار الأربعاء، 18/9/2019م، ص20-23؛ عبد الله بن سليمان الباحوث: "النقود الافتراضية وآثارها الاقتصادية"، المجلة العلمية للاقتصاد والتجارة، جامعة عين شمس، القاهرة، ع1، يناير، 2017م، ص32-33؛ العقيل، "الأحكام الفقهية المتعلقة بالعملات الإلكترونية، ص104.
([59]) Agustín Carstens, “Digital currencies and the soul of money”. retrieve on March 12, 2024. https://www.bis.org/speeches/sp220118.htm
([60]) Christine Lagarde, “Winds of Change: The Case for New Digital Currency”, November 14, 2018. https://shorturl.at/jvF59 retrieve on March 12, 2024.
([61]) Lydia Beyoud, “Crypto, ESG, and New Stock Rules Top US Watchdogs’ 2023 Agenda”, December 27, 2022. https://shorturl.at/tBFVY retrieve on March 12, 2024.
([62]) الجرف، العملات الافتراضية، ص29-30.
([63]) هبة عبد المنعم، "آفاق إصدار العملات الرقمية"، موجز سياسات، ع11 (صندوق النقد العربي، 2020م)، ص8.