بلخير عمراني
أستاذ العقيدة، مركز البحث في العلوم الإسلامية والحضارة - الجزائر (CRSIC)
b.omrani@crsic.dz
تاريخ استلام البحث: 10/5/2022 تاريخ تحكيمه: 6/6/2022 تاريخ قبوله للنشر: 21/9/2022
أهداف البحث: يهدف البحث إلى تجلية موقف الشيخ عبد الحميد بن باديس من التصوف، فقد تباينت آراء الباحثين بين تصنيفه من الصوفيين أو من المتشددين ضد الصوفية، ولذلك يبحث هذا المقال نشأة الشيخ وتعامله مع قضايا عصره، وموقفه من مسائل التصوف.
منهج الدراسة: استعمل البحث المنهج التاريخي لتتبع آراء ابن باديس ومواقفه وفق سياقاتها التاريخية وللتأريخ للأحداث، والمنهج الاستقرائي لاستقراء النصوص ومعرفة فكر الشيخ من خلالها، والمنهج التحليلي لتحليل النصوص، والمنهج الوصفي لبيان آراء ابن باديس من وجهة نظره، وكما يراها هو.
النتائج: توصل البحث إلى أن ابن باديس نشأ نشأة صوفية، مما ساهم كثيرًا في تكوين نظرة متزنة للشيخ تجاه قضايا التصوف. وقد ميز رحمه الله بين ما هو أصيل يقبله الإسلام، وبين ما هو دخيل، وهو ما ينفي عنه الادعاءات بمصادمته لكل ما يمت للتصوف بصلة. ولقد كان لابن باديس معالمه التي رسمها للتصوّف السني، بينّاها من خلال ما استنبطناه من كتاباته.
أصالة البحث: تظهر القيمة العلمية للبحث في أنه يكشف عن الجانب الروحي الصوفي للشيخ عبد الحميد بن باديس، وهو ما يفتح الأفق لمزيد من الدراسات حول التصوف عند ابن باديس.
الكلمات المفتاحية: عبد الحميد بن باديس، التصوّف، التصوّف السنّي، الطرق الصوفية، جمعية العلماء المسلمين الجزائريين
للاقتباس: بلخير عمراني، «موقف الإمام عبد الحميد بن باديس من التصوف»، مجلة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، المجلد 41، العدد 2 (2023)
https://doi.org/10.29117/jcsis.2023.0362
©2023، بلخير عمراني، مجلة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، دار نشر جامعة قطر. نّشرت هذه المقالة البحثية وفقًا لشروط Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0). تسمح هذه الرخصة بالاستخدام غير التجاري، وينبغي نسبة العمل إلى صاحبه، مع بيان أي تعديلات عليه. كما تتيح حرية نسخ، وتوزيع، ونقل العمل بأي شكل من الأشكال، أو بأية وسيلة، ومزجه وتحويله والبناء عليه، طالما يُنسب العمل الأصلي إلى المؤلف. https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0
Imām ʿAbd al-Ḥamīd b. Bādīs’ Stance towards Sufism
Omrani Belkheir
Professor of Theology,
Research Center for Islamic Sciences and Civilization - Algeria (CRSIC)
b.omrani@crsic.dz
Received: May 10, 2022
Reviewed: June 6, 2022
Accepted: September 21, 2022
Abstract
Objective: This article aims to clarify Imām ʿAbd al-Ḥamīd b. Bādīs’ stance towards Sufism. Researchers have varied opinions on classifying him as a Sufi or someone opposed to Sufism. Therefore, this article examines his upbringing, his interaction with the issues of his time, and his stance towards Sufism.
Methodology: This study utilises a historical method to trace Ibn Bādīs’ opinions and stances within their historical contexts, an inductive method to infer his ideas through texts, an analytical method to analyse the texts, and a descriptive method to present his views from his perspective.
Results: Ibn Bādīs had a Sufi upbringing, contributing significantly to his balanced views of Sufi issues. He distinguished between what is authentic and acceptable in Islam and what is foreign, which serves to discredit any assertions of his wholesale opposition to Sufism. Ibn Badis had his own approach to Sunni Sufism, as evident in his writings.
Originality: The scientific value of this research lies in its revelation of the spiritual and Sufi dimensions of ʿAbd al-Ḥamīd b. Bādīs’ thought, opening the door for further studies on Sufism from his perspective.
Keywords: ʿAbd al-Ḥamīd b. Bādīs; Sufism; Sunni Sufism; Sufi paths; Algerian Muslim Scholars Association
Cite this article as: Omrani Belkheir, “Imām ʿAbd al-Ḥamīd b. Bādīs’ Stance towards Sufism”, Journal of College of Sharia and Islamic Studies, Volume 41, Issue 2, (2023).
https://doi.org/10.29117/jcsis.2023.0362
© 2023, Omrani Belkheir. Published in Journal of College of Sharia and Islamic Studies. Published by QU Press. This article is published under the terms of the Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0), which permits non-commercial use of the material, appropriate credit, and indication if changes in the material were made. You can copy and redistribute the material in any medium or format as well as remix, trans.form, and build upon the material, provided the original work is properly cited. The full terms of this licence may be seen at: https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0
نشأ الشيخ عبد الحميد بن باديس - رحمه الله - في بيئة تميزت بهيمنة الاحتلال الفرنسي على الجزائر، وتفتحت عيناه وهو يرى وطنه يعاني أزمات متعددة، فالاحتلال يسيطر على الوطن ومقدّراته، ويحارب لغة الشعب ودينه، وطائفة من الطرق الصوفية تهيمن على الناس وتملك إرادتهم، والخرافات تغزو العقول وتشلّ فكرهم، والاستسلام للمحتل يكاد يصبح قدرًا مقدورًا، وبوادر الانعتاق تكاد تفقد؛ لولا بقية من الصالحين والمجاهدين تقاوم كل هذه الظروف، وتشعل شمعة في ظلام الأسْر الدامس.
لقد رهن ابن باديس حياته للإسلام وللجزائر، وأخذ على عاتقه مشروع إصلاح المجتمع الذي كان من بين جوانبه إصلاح واقع التصوف والطرق الصوفية - على مشقته - الذي كان على ابن باديس أن يظهر موقفه من كل قضايا التصوّف التي اعترضته، ففي مقالاته ظهرت أفكاره، وفي آثاره المكتوبة عمومًا تجلت آراؤه. هذه الآراء التي جعلت الباحثين يختلفون في تحديد موقفه من التصوّف ومن الطرق الصوفية، نظرًا لتباينها وبلوغها حد التناقض أحيانًا، وهو ما يستدعي قراءة متأنية لها، ويبعث على البحث فيها لاستقراء فكر ابن باديس إزاء قضايا التصوف، من أجل ذلك جاء هذا المقال الذي يحاول قراءة فكر ابن باديس الصوفي وتجليته.
إشكالية البحث:
يجيب البحث عن الإشكاليات الآتية: ما موقف ابن باديس من التصوّف؟ وما حقيقة نشأة الشيخ وانتمائه إلى طريقة معينة؟ كيف عالج ابن باديس قضايا التصوف المطروحة في زمنه؟
أهداف البحث:
يهدف البحث إلى تجلية موقف الإمام عبد الحميد بن باديس من التصوف، وبحث ظروف نشأته، وكيفية تعامله مع قضايا عصره، وبيان وسطيته، والكشف عن زوايا جديدة في دعوته، والمساهمة في توضيح فكر رواد الإصلاح في العالم الإسلامي.
المنهج المتبع:
لمعالجة هذه الإشكاليات استعملت في البحث المنهج التاريخي لتتبع آراء ابن باديس ومواقفه وفق سياقاتها التاريخية وللتأريخ للأحداث، والمنهج الاستقرائي لاستقراء النصوص ومعرفة فكر الشيخ من خلالها، والمنهج التحليلي لتحليل النصوص، والمنهج الوصفي لبيان آراء ابن باديس من وجهة نظره، وكما يراها هو.
الدراسات السابقة:
تطرقت بعض الدراسات إلى هذا الموضوع عرَضًا لا أصالة، في إطار التحدث عن شخصية الإمام عبد الحميد بن باديس، لكن الدراستين اللتين أفردتا هذا الموضوع بالبحث هما:
- كتاب الدكتور: مصطفى حلمي (التصوف والاتجاه السلفي في العصر الحديث)، وقد تحدث فيه عن جوانب من علاقة الإمام ابن باديس بالصوفية، لكنه لم يوضح معالم التصوف الذي يعتبره الإمام تصوفًا سنيًا، وكأنه أراد أن يوضح معارضته للطرق الصوفية وللآراء التي خدرت المجتمع آنذاك باسم الزهد والولاية والكرامة دون أن يخوض في مسائل التصوف عند ابن باديس.
- كتاب الدكتور أحمد محمود الجزار (الإمام المجدد ابن باديس والتصوف)، وهو دراسة كبيرة في هذا الباب، وتعرّض فيها إلى الكثير من المسائل المتعلقة بالتصوف عند ابن باديس وعلاقته بالطرق الصوفية، غير أن الوثائق والكتب التي نشرت بعد هذا الكتاب كانت كفيلة بالكشف عن مزيد من الحقائق حول نشأة ابن باديس الصوفية، وعن إعطاء زاوية أخرى من التصوف الذي يراه ابن باديس تصوفًا سنّيًا، مما جعلني أكتب من زاوية أخرى، كما أن الكتاب لم يتطرق بإسهاب إلى معالم التصوف السنّي عند ابن باديس.
خطة البحث:
يعالج الباحث هذه الدراسة من خلال ثلاثة محاور؛ خصص الأول منها للحديث عن شخصية الإمام ابن باديس؛ والتعريف به وبنشأته الصوفية، في حين خصص الثاني لموقف ابن باديس من التصوّف وحقيقته عنده، وملامح التصوف السنّي في فكره، أما المحور الثالث فقد خصص لطرح وجهة نظر ابن باديس من بعض مسائل التصوف؛ كموقفه من التوسّل، وزيارة القبور، والولاية والكرامة، وتضمنت الخاتمة النتائج والتوصيات التي انتهى إليها البحث.
إن معرفة البيئة التي نشأ فيها الإمام ابن باديس تعطينا فكرة جلية عن الظروف المحيطة به، وتفسر لنا الكثير من المواقف التي يمكن أن تصدر عنه، فإن كان الشيخ قد نشأ في عائلة طرقية فلا بد وأن لها تأثيرًا كبيرًا على تفكيره ومواقفه، وهو ما سنحاول تقصّيه.
ولد الشيخ عبد الحميد بن باديس بن محمد المصطفى بن الشيخ المكي بن باديس بقسنطينة في منتصف شهر ربيع الثاني 1308 هـ الموافق لـ للخامس من شهر ديسمبر 1889م([1])، ووالده هو السيد محمد المصطفى بن مكي ابن باديس من أعيان مدينة قسنطينة،.. أما ثقافته فهي ثقافة تقليدية دينية إذ كان يحفظ القرآن، ويعرف الضروري من علوم الدين، يحب العلم والعلماء، وكان رحماني الطريقة، أما والدته فهي السيدة زهيرة بنت جلول بن علي بن جلول، من أسرة عبد الجليل، وهي أسرة مشهورة في قسنطينة([2]).
لست أقصد من هذه الترجمة أن أعرّف بالإمام عبد الحميد بن باديس، فالترجمات كثيرة ومبثوثة، لكن ما شد انتباهي في الترجمة السابقة، الإشارة إلى الطريقة التي كان يتبعها والد الإمام، فقد ذكر عبد القادر فضيل ومحمد الصالح رمضان أنه كان رحماني الطريقة، في حين نسب الدكتور عمّار طالبي الأسرة كلها إلى الطريقة القادرية، وهو الرأي الذي ذهب إليه الدكتور عبد العزيز فيلالي والأستاذ لحسن بن علجية([3])، ويمكن أن يستشف من ذلك البيئة التي ولد فيها الشيخ، مما يمكنه أن يشكل عامل تأثير في فكره أو على الأقل اطلاعه على الطرق الصوفية. ومن دلائل هذه النشأة:
- سفره مع الوفد القسنطيني الذي تعوّد أن يزور الجزائر العاصمة كل سنة لزيارة ضريح الشيخ محمد بن عبد الرحمن بوقبرين مؤسس الطريقة الرحمانية الخلوتية للتبرك والدعاء في حدود 1925([4]).
- تقريظه الذي جاء في خاتمة (المنظومة الرحمانية في الأسباب الشرعية المتعلقة بالطريقة الخلوتية) للشيخ عبد الرحمن باش تارزي، والذي كتبه بعد تصحيحه للمنظومة بطلب من الشيخ مصطفى باش تارزي شيخ الرحمانية في قسنطينة في ذلك الوقت، ويظهر من التقريظ الوجه الصوفي لابن باديس. فقد استعمل ألفاظا من قبيل: (الغوث، والقطب، والولي الكامل،...)([5])، وهذا ما جعل الدكتور أبو القاسم سعد الله يجزم بانتساب ابن باديس إلى الطريقة الرحمانية، يقول رحمه الله: "ومن الشائع أن ابن باديس كان من اتباع هذه الطريقة في أول حياته، وهي الطريقة التي كان يمثلها في قسنطينة عندئذ مصطفى باش تارزي. وكان الشيخ باش تارزي هذا هو الذي طلب من ابن باديس تصحيح والإشراف على طبع (المنظومة الرحمانية) التي نظمها عبد الرحمن باش تارزي، وقد قام ابن باديس بذلك. وعلى كل حال فإن رسالة الشيخ ابن باديس إلى الشيخ العبيدي تبرهن على أنه ما يزال تحت طائلة التصوف"([6]).
- زيارته لقبور بعض أضرحة مشايخ الرحمانية، ومن ذلك زيارته لضريحي الشيخين بن عزوز وعلي بن عمر بطولقة وبرجها، وربما كان ذلك في حدود 1925 أو 1926؛ لأننا نجده يشير إلى هذه الزيارة في قصيدته أو منظومته التي نشرها بجريدة النجاح عام1926([7]).
- إجازته للقاضي شعيب بن علي التلمساني، والتي كانت طافحة بالعبارات والإشارات الصوفية. وهي التي جعلت الأستاذ لحسن بن علجية يرجح انتماء أسرة الشيخ إلى الطريقة القادرية([8]).
هذه الشواهد تقودنا إلى القول بأن ابن باديس نشأ في بيئة صوفية طرقية، والتي كان لها الأثر في ثقافته وطريقة معاملته لشيوخ الطرق.
إن القارئ للرسائل التي وجهها ابن باديس إلى بعض شيوخ الطرق ممن كان له علاقة وطيدة بهم، وكذا فيما كتبه عن شيوخ الطرقية ضمن مقالاته، أو تقريظاته على كتب بعض العلماء الطرقيين، يجد أنه يستعمل عبارات وألفاظا درج صوفية المغرب على استعمالها، ولا تكاد تجدها خارج قواميس المتصوفة، ومن ذلك عبارات: (سيدي، القطب الأكبر، الغوث الأشهر، ...) وهي عبارات ترجح أيضا ما قلناه سابقًا من نشأة ابن باديس ضمن بيئة صوفية، ويحسن ههنا أن نورد بعض هذه المواضع للتبيّن:
الموضع الأول: تقريظ الشيخ ابن باديس الذي جاء في خاتمة "المنظومة الرحمانية في الأسباب الشرعية المتعلقة بالطريقة الخلوتية"، وقد تضمن هذا التقريظ عبارات تستحق التأمل، فهو حين يتكلم عن هذه المنظومة في بدايتها يزكيها فيقول: "فقد تم طبع المنظومة الرحمانية، ذات الأسرار الربانية..."، ثم يزكي من تكفل بإعادة طبع المنظومة وهو الشيخ مصطفى باش تارزي شيخ الرحمانية في قسنطينة آنذاك فيقول: "فقام بذلك على نفقته العالم البركة الخير الثقة شيخ شيوخ الطريقة الخلوتية بقسنطينة اليوم، المتحلي من أخلاق أسلافه بالنفائس الغالية السوم الشيخ سيدي مصطفى بن الشيخ سيدي محمود بن الشيخ سيدي الحاج محمد بن الشيخ سيدي محمود بن الشيخ الأكبر سيدي الحاج عبد الرحمن باش تارزي..."، ثم يذكر إجازتين في الطريقة الرحمانية للشيخ مصطفى باش تارزي، واصفا إياهما بأنهما تتصلان بـ"القطب الأكبر والغوث الأشهر الشيخ سيدي محمد (بفتح الميم) بن عبد الرحمن القشطولي الأزهري دفين الجزائر الذي أتى بالطريقة الخلوتية إلى وطن الجزائر من ديار مصر"، وفي الإجازة الأولى يصف الشيخ عبد الرحمن باش تارزي بـ"الولي الكامل"، وفي الإجازة الثانية يترضى عن شيوخ السند أجمعين([9]). ولا شك أن هذه العبارات تنمّ عن علم بالطريقة ومصطلحات الصوفية.
الموضع الثاني: في وثيقتين تاريخيتين تثبتان مراسلات بين الشيخ ابن باديس والشيخ الطاهر العبيدي الرحماني الطريقة، والتي عثر عليهما الدكتور أبو القاسم سعد الله سنة 1980م، ونشرهما في كتابه "تجارب في الأدب والرحلة"([10])، وهي مراسلات تثبت المودة الكبيرة التي كانت بين الشيخين، وتوثق الإجلال والتقدير الذي كان يكنه كل واحد للآخر، وقد خاطب الشيخ ابن باديس الشيخ العبيدي في واحدة منهما – التي تعود إلى سنة 1919م - فقال: "إلى حضرة علم العلم والفضل، ومعلم الكرم والنبل، التقي الطاهر الأثواب، السري البارع الآداب، مستحق الشكر منا بما له علينا من سابق الأيدي، العلامة الشيخ سيدي أبي الطيب الطاهر العبيدي..."، ثم يذكر له زيارته لقبور بعض الشيوخ، فيقول: "ومن أعظم الجميع قدرا، وأشهرهم ذكرا، سيدي أبي مدين الغوث، وسيدي محمد السنوسي بتلمسان، وسيدي محمد بن عبد الرحمان، وسيدي عبد الرحمان الثعالبي بالجزائر، ودعونا لنا وللمؤمنين عامة، ولإخواننا أمثالكم خاصة..."([11])، وأسلوب الخطاب هنا يدل على معاملة خاصة، وعلى اختيار لألفاظ محمّلة بالمعاني الصوفية.
الموضع الثالث: في إجازته للقاضي شعيب التلمساني، والتي استعمل فيها عبارات (الغوث، الأقطاب السالكين، العالم العارف،..)، فقال فيها: "ثم قصدت بالزيارة الخاصة الغوث الذي تفتخر تلمسان بقبره وتتعاظم، وحق لها ذلك بعظم جاهه وقدره، شيخ المشايخ العارفين، وقدوة الأقطاب السالكين، سيدنا ومولانا أبي مدين شعيب بن الحسين، تلميذ شيخنا، الذي إلى طريقته ننتمي([12]) وبسره نحتمي، الجامع بين علم الباطن الخفي وعلم الظاهر الجلي، الغوث سيدي عبد القادر الجيلي الحنبلي، نفعنا الله ببركاتهم"([13]).
أكتفي بهذا القدر للتمثيل؛ إذ الحصر متعذر ههنا، والأمثلة كافية لبيان الإشارات التي يمكن أن تستوحى من العبارات، والتي درج الإمام ابن باديس على استعمالها مع شيوخ الطرق، وهي دالة على تكوين صوفي، وعلى قصد لذلكم الأسلوب في الخطاب.
مما لا شك فيه أن الإمام عبد الحميد ابن باديس - بحكم بيئته العائلية وواقع وطنه – لم يكن ليخوض غمار الإصلاح دون أن يكون له رؤية واضحة عن التصوف وقضاياه، فنشأته ضمن بيئة طرقية، وتعامله مع الواقع الجزائري الذي كان فيه النفوذ واسعا للطرق الصوفية، وواقع الاحتلال الفرنسي الذي استغل عددا من المسائل المقدسة لدى الجزائريين ليخدم مشروعه، كلها كانت تفرض أن يجيب فيها ابن باديس عن كثير من المسائل ويبيّن رأيه فيها. ومسائل التصوّف من المسائل الشائكة التي تحتاج إلى علم غزير، وإلى دراية واسعة بالأصيل والدخيل، ومساحات التقاطع والتسامح، ومساحات التنافر والمعاداة.
لقد اجتزأ بعض الباحثين النصوص التي نقلوها عن ابن باديس، فأظهر بعضهم ما يخدم صورته التي يريدها لابن باديس من أنه يعادي التصوف بالكليّة، واجتزأ آخرون ما يخدم صورة الصوفي القابل لكل ما يصدر عن الطرق وشيوخ الصوفية، ولا ريب أن هذه نظرة قاصرة وغير منهجية، فمن أراد فهم موقف ابن باديس رحمه الله من التصوف لا بد له وأن يجمع كل النصوص بما يشكّل له نظرة واضحة عن رأي ابن باديس وقناعاته تجاه هذه المسائل وغيرها، وهو ما قام به بعض الباحثين المنصفين، وما سنحاول بيانه ههنا.
يرى ابن باديس أن التصوف معنى إسلامي صحيح، وأنه مما دعت إليه نصوص الكتاب والسنة، والدعوة إليه من صميم دعوة الإسلام باعتباره تهذيبا للنفوس وتزكية للأخلاق، وقد سار شيوخ الزهد الأوائل على هذا المعنى فاستحقوا الثناء والإكبار، يقول رحمه الله في مجلة الشهاب: "التصوف يا إخواننا من الأسماء الاصطلاحية المحدثة، وأراد به قوم علميا ما يتعلق بأعمال القلوب، کالزهد والصبر والرضاء من الأحكام، وعمليا تهذيب الأخلاق وترويض النفوس على التخلي عن كل رذيلة، والتحلي بكل فضيلة، مع ملازمة السنة ودوام الإخلاص. وهذا معنى إسلامي صحيح، مبثوث في آيات القرآن وفي كتب الأثر،..."([14])، بهذا يقرّ ابن باديس أن التصوّف علم من علوم الإسلام، لا إشكال في أصله، لكن يوكل أمر ما طرأ عليه إلى الكتاب والسنة فهما الحكم على ما يجد ويستحدث.
وفي نص آخر نجد الإمام وكأنه أعطى تعريفا خاصا به للتصوف بعد أن أعطاه مرادفا آخر، وهو "التنسك الإسلامي"، فيقول وهو يصف سعي الشيخ رشيد رضا رحمه الله إلى التنسك الصحيح: "فتخلص نسكه – بعد طرح ذلك كله - للتنسك الإسلامي؛ من تجريد التوحيد، وتزكية النفس، وتقويم الأعمال، وتصحيح النية، ومحاسبة النفس، ومراقبة الله في جميع الأعمال، والزهد في الدنيا والعمل للآخرة، والمبالغة في العبادات المشروعة، والاعتصام بالورع، موزونا ذلك كله ومضبوطا بالكتاب والسنة وما كان عليه أهل القرون الثلاثة الصحابة والتابعون وأتباع التابعين رضي الله عنهم أجمعين. وهذا الذي يراد بالتصوف إذا جاء اسم التصوّف في كلام علماء السنة والأثر"([15])، وهذا النص والذي سبقه يبينان عدم جمود ابن باديس على المصطلحات، واهتمامه بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني، فهو يقر مصطلح التصوف من جهة، ويسميه مرة أخرى بالتنسك الإسلامي، مما يدل على أن الذي ينبغي التركيز عليه موافقه الكتاب والسنة، والسير على نهج الأولين، للوصول إلى الغاية التي جاء بها سلف المتصوّفة. وما حقيقة التصوّف إلا تخلية للنفس من الرذائل وتحلية لها بالفضائل، مصداقًا لقوله تعالى: ﴿قَدۡ أَفۡلَحَ مَن زَكَّىٰهَا٩ وَقَدۡ خَابَ مَن دَسَّىٰهَا١٠﴾ [الشمس: 9-10]. وتحقيقًا – أيضًا - لمقصد العبادة؛ إذ كلما حقق الإنسان مقصد العبادة ومقتضياتها كلما تقرب إلى خالقه، وكلما ارتقى في معارج الكمال، وبتحقيق مقصد العبادة يتحرر الإنسان من كل عبودية لغير خالقه، تحول دون ذلك الترقي في معارج الكمال السامي([16]).
فيما يلي، نحاول التعرّف على ملامح التصوّف الذي يراه ابن باديس موافقا للكتاب والسنة، انطلاقا مما سبق توضيحه من أنه لا يعارض التصوف ولا مصطلحه.
الفرع الأول: تقسيم التصوف إلى سنّي وغير سني
في مقال نشره ابن باديس في مجلة الشهاب بعنوان: "الصوفي السنّي بين الحكومة السنية والحكومة الطرقية"، أثنى الإمام على الشيخ أحمد الشريف السنوسي فقال: "أما الصوفي السني فهو الإمام المجاهد أحمد الشريف السنوسي الذي توفاه الله منذ أشهر بالمدينة المنورة، فقد كان على جانب عظيم من التمسك بالكتاب والسنة، والتخلق بأخلاق السلف الصالح، وكانت دعوته إلى الله وإرشاده للعباد بهدايتها، وكانت تربيته لأتباعه مبنية على التفقه في الدين والعمل به، والزهد والصبر وحفظ الكرامة"([17])، في هذا النص تصريح بمصطلح له دلالاته لفهم فكر الإمام ابن باديس وقناعته تجاه التصوف، فهو قد وصف منهج التصوف الذي سلكه الشيخ الشريف السنوسي بالتصوف السني، مما يعطي دلالة على أن هناك تصوفا غير سنّي في مقابل التصوف السنّي، وأن هناك صوفية مبتدعة هي انحراف عن صوفية حقّة، وأن هناك تصوفا مرضيا عنه ومقبولا، وتصوفا مذموما ومرفوضا، مما يستدعي البحث عن معالم هذا التصوف السني وملامحه من وجهة نظر الإمام.
الفرع الثاني: ملامح التصوف السنّي في فكر ابن باديس
لابن باديس ملامح عامة للتصوف السنّي يمكن استقراؤها من مجموع النصوص التي تكلم فيها عن التصوّف، وإن كان البحث في هذا المجال يستحق مزيدا من الجهد والتحقيق، إلا أننا سنحاول بيان ما استطعنا الوصول إليه، تاركين المجال للباحثين لتجلية المزيد.
· موافقة الكتاب والسنة:
لقد اشترط ابن باديس في غير ما موضع أن يتقيّد السالك بالكتاب والسنة ولا يحيد عنهما؛ إذ لا يمكن لأي أحد أن يدعي ما يجانب الصواب، أو أن يبتدع في الدين ما ليس منه، ولعله في ذلك كان يستحضر مقولة الإمام الجنيد: "من لم يحفظ القرآن ولم يكتب الحديث لا يقتدى به في هذا الأمر؛ لأن علمنا مقيد بالكتاب والسنة"، ولهذا كان الإمام أبو القاسم الجنيد "فقيها على مذهب أبي ثور، وكان يفتي بحضرته وهو ابن عشرين سنة"([18]). وبناء على ذلك، اشترط ابن باديس التقيد بالكتاب والسنة في مسائل التصوف، فقال: "أكثر ما سئلنا عنه بوجه عام هو: التصوف، والولاية، والكرامة، والتوسل، فكنا نجيب بأن ما كان من باب تزكية النفس، وتقويم الأخلاق، والتحقق بالعبادة، والإخلاص فيها، فهو التصوف المقبول، وكلام أئمته فيه ككلام سائر أئمة الإسلام في علوم الإسلام لا بد من بنائه على الدلائل الصحيحة من الكتاب والسنة، ولا بد من الرجوع عند التنازع فيه إليهما، وكنت أذكر ما يوافق هذا من كلام أئمة الزهد المتقدمين كالجنيد وأضرابه"([19]). ويقول في موضع آخر بعد أن بين حقيقة التصوف: "فلو أن إخواننا المنتمين للتصوّف قبلوا أن يوزن كلام الشيوخ بميزان الكتاب والسنة مثل غيرهم من علماء الإسلام، ورضوا بالرجوع الحقيقي لقوله تعالى: ﴿فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٖ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ ذَٰلِكَ خَيۡرٞ وَأَحۡسَنُ تَأۡوِيلًا٥٩﴾ [النساء: 59] ، لبطل الخلاف أو قلّ"([20]). وكلام الإمام هنا لا شك أنه عين الحق والصواب، وأنه لا يختلف فيه اثنان، ولا يردّه إلا من تجرّد من أحكام الشريعة وابتدع له دينا غير ما ترك عليه النبي r أصحابه؛ إذ ترك فيهم كتاب الله وسنته من تمسك بهما اهتدى، ومن حاد عنهما ضل وزاغ.
· تخلية التصوف من البدع:
قد يكون هذا الملمح نتيجة لما قبله؛ إذ إن موافقة الكتاب والسنة لا تعني إلا انتفاء البدعة، لكن ابن باديس في بعض النصوص وكأنه أراد أن يميز بين ما يمكن اعتباره خلافا تتعدد فيه الأفهام، وتتباين فيه الأدلة، وبين البدعة التي ينبغي إنكارها من الجميع، فنجده مثلا في مسألة زيارة القبور بعد أن فصّل القول في المسألة وبعد إيراده لأدلة كل فريق، يقول: "فخير لمن يريد السلامة بدينه أن يقتصر. في المسألة. على المتفق عليه وحده، أو مع إتيان المختلف فيه مع مبالغته في تحسين قصده وتمام تحرّيه"([21]). لكنه بيّن المتفق عليه أيضا فيما يحرم ويجتنب، فقال: "وأما الزيارة بقصد طلب قضاء الحاجات من الميت، ودعاءه، والتمسح بقبره، وضرب الدفوف عند رأسه، وسوق النذور إليه، فإن هذه كلها لم يفعلها أحد من السلف ولا أباحها من علماء الخلف..."([22]). ومثل ذلك الاحتفال بالمولد النبوي، فقد فرّق رحمه الله بين الاحتفال المشروع وبين البدع المصاحبة له([23]). وهذا البعد من ابن باديس ينمّ عن إنصاف، وعن قدرته على التمييز بين الخلاف الفقهي الذي تبحث فيه الأدلة، وترجح فيه الأقوال مع تقبل الاختلاف، وبين البدعة التي لا أصل لها في الشرع، وليس لها مستند من الكتاب أو في السنة.
· البعد عن التصوف الفلسفي:
لقد ذم ابن باديس التصوّف الفلسفي، الذي أدخل السلوك الصوفي في متاهات وحدة الوجود والحلول والاتحاد، وحاول في كثير من مقالاته أن يدافع عن التصوّف السنّي الذي جاء به شيوخ الزهد الأوائل، وأن ينفي عنهم هذه الفلسفات التي دخلت إليهم من الأديان الأخرى عن طريق الباطنية، ففي رده على مقال للشيخ المولود الحافظي والذي ذكر فيه كلاما لابن العربي حول إخلاص العبادة لله، يقول ابن باديس: "ثم مالك – يا أخي – ولابن العربي، حسبك ابن سينا وأمثاله الذين يحاولون تطبيق العبادة الإسلامية على الفلسفة اليونانية والأفلاطونية، أما ابن العربي فهو حكيم إسلامي، وفقيه قرآني، وعالم سني حقيقي لا يبني أنظاره إلا على أصول الإسلام ودلائل الكتاب والسنة"([24])، وفي مقال آخر في الشهاب يرجح الشيخ أحمد حمّاني رحمه الله أنه لابن باديس، ذلك أنه لم يكتب اسمه لكنه أشير إليه بحرف (ع) وهو أول حرف من اسمه، يشن الشيخ هجمة على الطريقة العليوية، وعنون مقاله بـ:"العليوية بالجزائر أخت القاديانية بالهند وشبه الشيء منجذب إليه"([25])، يرى رحمه الله أن "شر ما ابتلي به الإسلام طائفة الباطنية الملاحدة الذين جاؤوا بعقائدهم المجوسية والهندية، وحملوا عليها مقتطعات من الآيات والأحاديث بالتأويل البعيد الفاسد"([26]) بهذا يثبت ابن باديس أن التصوّف السنّي يجب أن يخلّص من شوائب الباطنية، وما أدخل عليه من الأديان الأخرى بما يخالف القصد النبيل منه. والملاحظ لبعض المقولات عند فلاسفة المتصوفة يجدها فعلا متأثرة كثيرا بمذاهب الفلاسفة اليونانيين؛ إذ تضافرت النقولات عن كثير من المنشغلين بدراسة التصوف من المسلمين بإثبات تأثر فلاسفة الصوفية بالفلسفة الأفلاطونية المحدثة، حتى إن بعض القائلين بهذا التأثر من المنتسبين إلى التصوف([27]). وقد حدا الأمر ببعض هؤلاء إلى أن فرطوا في أعمال الجوارح وقالوا بإسقاط التكاليف، سواء من باب المحبة التي يعفو فيها المحب عن خطأ أو عمل محبوبه، أو من باب الحلول والاتحاد([28]). ولا شك أن هذا مما ينافي قواعد الإسلام ويخالف تعاليمه.
· تخليص التصوف من أصحاب الدجل والكهانة:
فالمتاجرون بالدين أدخلوا السحر والشعوذة في التصوف، وأعمال الدجل والكهانة في الإسلام فكان موقف ابن بادیس الحازم في كشفهم وبیان زيف اعتقادهم فقال فيهم: أنهم كانوا يتخذون من القرآن وآياته وأسماء الرحمن هزؤا، وكانوا يستعملونها في التمويه والتضليل والقيادة والتفريق، ويرفقونها بعقاقير سمية، ويهلكون العقول والأبدان، وحاول ابن باديس أن يؤكد على أن التصوف الحقيقي بعيد عن كل هذا الدجل، وأنه يقوم على العلم والعمل الصالح، بدلیل أن القرآن الكريم فيه نهي صريح عن السحر والكهانة والاعتقاد في الخيالات والأوهام. ولهذا كان موقف ابن باديس من هؤلاء هو التحذير من خطرهم وكشف أخطائهم، وما في أعمالهم من شرك وخرافة وبعد عن صحيح الدين، وكان يحذر من ذلك بقوله: "احذر كل دجال يتاجر بالرقي والطلاسم ويتخذ آيات القرآن هزؤا، ويقول الله تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌۖ أُجِيبُ دَعۡوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِۖ فَلۡيَسۡتَجِيبُواْ لِي وَلۡيُؤۡمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمۡ يَرۡشُدُونَ١٨٦﴾ [البقرة: 186]"([29]).
وقد كان ابن باديس يشن حربا على مثل هؤلاء، ممن استغلوا التصوف لخدمة مآربهم، وممن استعبدوا العامة بادّعاء معرفة الغيب وشفاء المرضى، فأدخلوا الكهانة في التصوف؛ إذ كانت البيئة الجزائرية في وقت الاحتلال الفرنسي مليئة بأمثال هؤلاء، وممن كونوا ثروات من وراء أتباعهم والمصدّقين بخرافاتهم، واستغلهم الاحتلال لتخدير المجتمع، وتثبيت طغيانه.
لقد عالج ابن باديس في مقالات كثيرة مسائل التصوّف، وأبدى رأيه فيها بأسلوب علمي رصين يدل على سعة اطلاعه، وعلى غزارة علمه، وقدرته الكبيرة على عرض المسائل عرضا منهجيا بديعا، فكان وسطيا في الطرح، ومعتدلا في المواقف، وصاحب أدب جمّ، وهو ما أكسبه الاحترام والتقدير حتى من بعض الطرقية. ومن المسائل الصوفية التي عالجها ابن باديس أذكر بعضا منها للتمثيل لا للحصر، لعلها تبيّن ما ذكرت، ولعلها تعطي صورة عن فكر الإمام تجاه التصوّف.
أفرد ابن باديس لهذه المسألة مقالًا، فصّل فيه القول بشكل يدل على تمكنه من عدة علوم، وحرر المسألة تحريرًا ينبئ عن تمكنه واقتداره، وبحثها بحثًا منهجيًا من عدة جوانب بما يظهر وسطيته واعتداله.
بدأ الإمام المسألة بمدخل ذكي؛ إذ اختار حديثا هو المستند والمعتمد، وهو حديث الضرير الذي جاء يطلب من النبي r أن يدعو له ليعافيه، فعلمه الدعاء متوسلًا به r ، فذكر رحمه الله نص الحديث كما في الترمذي([30])، ثم فصّل في رجال السند كأنه عالم بالرجال وأحوالهم، ثم ذكر مظان الحديث في كتب السنّة، ثم بيّن رتبة الحديث من حيث الصحة أو الحسن فمال إلى ثبوته وصلاحيته لاستنباط الأحكام الشرعية العملية منه، وهذه الطريقة تبين اقتدار الشيخ في مجال علم الحديث، ومنهجيته الفريدة في طرح المسائل طرحًا علميًا لم يتعود عليه الناس في ذلك الزمان.
ثم انتقل الإمام إلى ألفاظ المتن، فبين الاختلافات الواردة فيه، والزيادات عند ابن ماجة والنسائي، ثم المفردات؛ حيث ركّز على الباء في (بنبيك) فقال ما ملخصه: "فالسؤال به توسل به، فيمكن أن تمسي هذه الباء باء التوسل، وهي الداخلة على ما هو وسيلة في حصول شيء"([31])، ثم تناول التراكيب وبيّن أن التوسل بذات النبي r إنما هو توسل نظرًا لمقامه عند الله U. أو هو توسل بدعاء النبي. لينتقل إلى شرح المعنى الإجمالي للحديث شرحًا عامًا.
جاءت الأحكام المستنبطة من الحديث على شكل سؤال وجواب، وهي طريقة اتبعها الشيخ للتدرج في أحكام المسألة وبيان دقائقها، فهو بدأ أولا بتحرير مناط النزاع، وميّز المتفق عليه من المختلف فيه، فنفى أن يكون من دلالات الحديث طلب الشفاء من النبي r فالدعاء لا يكون إلا لله، يقول في هذا الموضع: "لم يدع الأعمى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ولم يسأله أن يشفيه هو، لأن الدعاء لقضاء الحوائج وکشف البلايا ونحو ذلك هو العبادة، وفي حديث النعمان بن بشير المرفوع « الدعاء هو العبادة » رواه أحمد([32]) وأصحاب السنن. والعبادة لا تكون إلا لله لم يدعه لا وحده ولا مع الله، لأن الدعاء لا يكون إلا الله. وهذا بخلاف ما يفعله الجهال والضلال من طلبهم من المخلوقين من الأحياء والأموات أن يعطوهم مطالبهم ويكشفوا عنهم بلاياهم، وإنما سأله أن يدعو له الله تعالى أن يعافيه، وهذا جائز أن يسأل المؤمن من أخيه في حال حياته أن يدعو الله تعالی له"([33])، ثمّ بين رحمه الله الفائدة من الخلاف المذكور سابقا في التوسل، بيْن التوسل بمقام النبي r أو التوسل بدعائه، فمن أخذ بالوجه الأول جعل الحكم ساريا بعد وفاته، ومن أخذ بالوجه الثاني منع التوسل به بعد وفاته. وقد رجح الوجه الأول وجوّز التوسل به لمقامه r عند الله.
ويواصل بطريقة السؤال والجواب ليخلص إلى الأحكام الآتية:
1. أن دعاء المخلوق وحده أو مع الله ممنوع.
2. وأن التوسل بدعائه في حياته وهو من المؤمنين مطلوب ومشروع.
3. وأن التوسل بذات النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - جائزٌ مرجوح.
4. وأن التوسل بذات غيره من أهل المكانة المحققة له وجه في القياس.
5. وأن التوسل بذات غيره ممن ليس لنا اليقين القاطع بمقامه لا وجه له.
6. وأن طلب الدعاء منه بعد موته بدعة لم يفعلها الصحابة.
7. وأن الراجح في التوسل إلى الله هو التوسل إليه بأسمائه وصفاته وأعمال العبد في أنواع طاعاته([34]).
لقد كان ابن باديس يمارس التوسل بالنبي r ، وذكر هو ذلك في نص آخر، حيث يقول: "نصحني سيدي الطالب إذا يسر الله لي زيارة القبر الشريف أن أسأله عليه وآله الصلاة والسلام الشفاعة، وقد يسر الله لي ذلك وله الحمد والمنة منذ عشرين سنة، وقد دعوت الله وحده وتوسلت له بنبیه وتوجهت إليه به أن يميتني على ملته، ويجعلني من أنصار سنته، وأهل شفاعته، إلى أشياء أخرى قد استجاب الله تعالى بعضه، وأنا أرجو الاستجابة في الباقي"([35]).
لقد كانت زيارة قبور الصالحين من المسائل الشائعة في الجزائر والمغرب العربي عموما، وكان الناس يقصدونها لأغراض عدة، فمنهم من يقصدها للتبرك، ومنهم من يقصدها لطلب الحاجات، ومنهم من يذبح عندها ويتقرب إليها، ومنهم من يقيم عندها مناسبات عامة. وزيارة القبور بغرض التبرك أو بغرض الدعاء على اختلاف وسائله، مما عرفه المغاربة منذ قرون، ويمكن أن نسوق بعض الأمثلة لبيان هذه الظاهرة:
يقول ابن قنفذ القسنطيني: "وقبر الشيخ أبي مدين رضي الله عنه بالعبّاد معهود مشهور وحوض للزائرين، ورأيت من قبور الأولياء كثيرا من تونس إلى مغرب الشمس ومنتهى بلدة آسفى فما رأيت أنور من قبره ولا أشرق ولا أظهر من سره، وليس الخبر كالعيان والدعاء عنده مستجاب"([36])، ويقول المقري عن ضريح أبي العباس السبتي: "وقبره مشهور بإجابة الدعاء وقد زرته مرارا كثيرة فرأيت عليه من ازدحام الناس ما لا يوصف وهو ترياق مجرّب..."([37])، بل إن الثعالبي وزروق كانا يريان النفع للأولياء بعد الموت([38])، من أجل ذلك لم يكن تصرّف العامّة من الناس في وقت ابن باديس معزولا عن التوارث التاريخي للظاهرة، لكن الجدير بالذكر ههنا أن الأمر اختلط اختلاطا كبيرا، فامتزجت زيارة القبور للأغراض السالفة بالنذور والقرابين، وأقيمت عندها مهرجانات واحتفالات، واختلطت أيضا بأعمال الدجل والسحر والشعوذة، واستعملت أيضا لتخدير الشعب الجزائري حتى لا يقاوم الاحتلال، ولهذا جاءت الأحكام التي قرّرها ابن باديس متماشية مع وقته، ومبنية على قاعدة سد الذرائع.
في العدد الرابع من الشهاب؛ فصّل الإمام القول في زيارة القبور، وبدأ بسرد أقوال المانعين لزيارة قبور الصالحين وأنها إنما تزار لتذكر الموت والآخرة فقط، ثم ذكر أقوال المجيزين، ثم يقول: "هذا كلام الناس في الزيارة لأجل التبركة، وأما الزيارة بقصد طلب قضاء الحاجات من الميت، ودعاءه، والتمسح بقبره، وضرب الدفوف عند رأسه، وسوق النذور إليه، فإن هذه كلها لم يفعلها أحد من السلف ولا أباحها من علماء الخلف. وكذلك التزامها في وقت مخصوص كما تلتزم الطاعات التي فرضها الشارع وجعل لها أوقاتا، أن هذا ليس مما يتسع له صدر الدين ولا مما كان في عهد السلف الصالحين، ولاسيما مع التكلف الذي كثر من يرتكبه بالإلزام وبغير الإلزام"([39])، والظاهر أن ابن باديس كان يميل إلى أدلة الفريق الثاني ممن يجيزون الزيارة للتبرك، فقد عقب في نهاية المقال بقوله: "فخير لمن يريد السلامة بدينه أن يقتصر على المتفق عليه وحده أو مع إتيان المختلف فيه مع مبالغته في تحسين قصده وتمام تحريه.. وأما عملي في خاصة نفسي في هذا الباب فالله يعاملني فيه على حسب نيتي وقصدي والله عالم بقصد كل عامل ومجازيه عليه"([40])، وهذا ما تؤكده الزيارات التي قام بها إلى قبور بعض الصالحين مما ذكره في غير ما موضع، ولعلنا نذكر منها ما بثه إلى الشيخ الطاهر العبيدي، حين عدد له زياراته لقبور الصالحين: "ومن أعظم الجميع قدرا، وأشهرهم ذكرا، سيدي أبي مدين الغوث، وسيدي محمد السنوسي بتلمسان، وسيدي محمد بن عبد الرحمان، وسيدي عبد الرحمان الثعالبي بالجزائر، ودعونا لنا وللمؤمنين عامة، ولإخواننا أمثالكم خاصة"([41]).
انطلق ابن باديس في هذه المسألة من إثبات الولاية والكرامة؛ إذ لا خلاف بين أهل السنة في إثباتهما، فيقول في جريدة المنتقد: "قد علم كلّ مؤمن أن لله عبادا أولياء، وعرف كلّ تال للقرآن بفهم (من نص القرآن) أنهم أفضل الإيمان والتقوى، وأن جزاءهم أن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وأن لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وأن أهل الولاية متفاوتون فيها بتفاوتهم في إيمانهم وتقواهم، اللذان هما السبب إليها، وأنه لا حظ لمن لا إيمان له أو لا تقوى له من شيء منهما"([42])، وهو يشير هنا إلى قوله تعالى: ﴿أَلَآ إِنَّ أَوۡلِيَآءَ ٱللَّهِ لَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ٦٢ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ٦٣ لَهُمُ ٱلۡبُشۡرَىٰ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِۚ لَا تَبۡدِيلَ لِكَلِمَٰتِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ٦٤﴾ [يونس: 62-64]، ولذلك جاء في مجلة الشهاب: "لا ننفي الولاية وإنما ننكر الغلو في أهلها، ولا ننفي الكرامة وإنما نتحرّى في توفر شروطها"([43])، وهو نفسه ما قرره الشيخ المبارك الميلي عندما قال: "من أين فهمتم إنكارنا الولاية الثابتة بالكتاب الذي دعوناكم ولا نزال ندعوكم إلى طرح ما يخالفه، وفي أي جملة رأيتم عدم الاعتراف بالكرامة؟ وهي عقيدة السّلف ونحن سلفيون، ونرجو أن نلقى الله على ذلك"([44]).
يرى الإمام أن هذين المصطلحين مما شابهما الكثير من الزيف، وأنهما استغلا لغير ما أريد لهما، وأنهما صارا متكأ لكل دعيّ ودجّال، يمارس بهما سلطة على الناس، ويبتز بهما أموال العامّة، مع أن فكرة الولاية لا تعني العصمة، وفكرة الكرامة لا تعني الجزم لأحد بالجنّة، يقول مقررا هذا المعنى بعد تفصيله في حديث وفاة عثمان بن مظعون رضي الله عنه([45]): "لقد ابتلى كثير من الناس بالغلو فيمن يعتقدون فيهم الصلاح فيجزمون لهم بما لا يعلمه إلا الله، ثم زادوا على هذا فيزعمون أن فلانا مات في رتبة كذا وحصل عند الله على منزلته كذا، ثم زادوا على هذا فیزعمون أن فلانا يشفع لأتباعه ويعدّيهم على الصراط، أو يجعله في بطنه ويمر بهم، وأنه يحضر لهم عند الموت، ويحضر لهم عند السؤال، ويكون معهم في مواقف يوم القيامة، وكل هذه الدعاوى انبنت على الجزم بأنه ممن أكرمه الله وأنه من أهل الجنة، ذلك الجزم الذي سمعت النهي والإنكار صريحين فيه من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - على أم العلاء في رجل من السابقين الأولين البدريين..."([46]).
ومما حذّر منه ابن باديس أشد التحذير، الاعتقاد أن لبعض الخلق القدرة على النفع أو الضر، أو التصرف في الكون، أو علم الغيب، فكان مما كتبه في جريدة المنتقد: "وبدلا من أن يتعرفوا من أهل العلم آداب السلوك وسير الصالحين يصدون عنهم، بل منهم من ينفر أتباعه عنهم، ويغالون في أولئك الأبرار بما يتبرأ منه الصالحون رضي الله عنهم، فنسبوا لهم التصرف في الكون، والله قد بيّن في غير ما آية من كتابه أن أشرف خلقه لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا، وزادوا فقالوا يعلمون الغيب والقرآن ينفي ذلك عن محمد r وزادوا وزادوا.. مما لا محل لتفصيله الآن. وهذا كله ناشئ عن الإخلال بأصل النجاة والفوز وهو الرجوع إلى السنة والكتاب..."([47]).
هذه بعض المسائل التي تطرق إليها ابن باديس وأردت بيانها للتمثيل، وإلا فإن مسائل التصوف كثيرة، فقد تطرق إلى: الاستغاثة بالموتى، والحلول والاتحاد، والشعوذة والسحر، والأوراد، وصلاة الفاتح، وأخذ العهد والبيعة،... وهي مسائل أبدى فيها الإمام رأيه بكل جرأة وصراحة، بمنهجيته المعهودة، وبطريقته في التدليل والتأصيل.
من خلال ما سبق ذكره خلصت هذه الورقة العلمية إلى الإجابة عن الإشكاليات المطروحة، والتي أذكرها في النقاط الآتية:
- لقد نشأ ابن باديس في بيئة صوفية، وفي عائلة صوفية، اختلف الباحثون في نسبتها إلى الطريقة القادرية أو إلى الرحمانية، ويبدو أنها الرحمانية بناء على الاتصالات الكبيرة والزيارات المتبادلة بين ابن باديس وشيوخ الرحمانية، وهذه النشأة الصوفية ساهمت كثيرا في تكوين نظرة واضحة ومتزنة للشيخ تجاه قضايا التصوف.
- لقد كان منهج الإمام عبد الحميد بن باديس وسطيا معتدلا، فنظر إلى التصوف نظرة متزنة، وميز فيه بين ما هو أصيل يقبله الإسلام، وبين ما هو دخيل من فلسفات الأمم الأخرى، والذي لا يمكن قبوله، وهو ما ينفي عنه الادعاءات بتشدده، وبمصادمته لكل ما يمت للتصوف بصلة.
- لقد كان لابن باديس معالمه التي رسمها للتصوّف السني، وهو ما استنبطناه من مقالاته وكتاباته، فهو يراه موافقا للكتاب والسنة، خاليا من البدع والمحدثات، بعيدًا عن الفلسفات المنقولة عن الأمم الأخرى، خاليا من الدجل والكهانة والاسترزاق به.
- عالج ابن باديس عددًا من القضايا الصوفية الجوهرية التي كانت مطروحة في وقته، وكتب فيها مقالات رصينة، فتميزت بقوة الطرح، وبراعة الاستدلال والحجة، وتقسيماته المنهجية التي فصلت بين الأصيل والدخيل، وهي مقالات تستحق مزيدا من الدراسة والجمع، فهي تجلي نظرته الحقيقية للتصوف.
ابن باديس، عبد الحميد. "بيان لا لبس فيه (إجابة لصوت الواجب)"، جريدة المنتقد، ع13 (1925).
–––. تفسير ابن باديس في مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير. جمع وترتيب توفيق محمد شاهين ومحمد الصالح رمضان، تعليق أحمد شمس الدين. بيروت: دار الكتب العلمية، ط2، 1424هـ/2003م.
–––. "حول برنامج (الشهاب)"، مجلة الشهاب، ع162 (1928).
–––. "زيارة القبور"، مجلة الشهاب، ع4 (03/12/1925).
ابن حنبل، أحمد. المسند. تحقيق شعيب الأرناؤوط وعادل مرشد، وآخرون، إشراف عبد الله بن عبد المحسن التركي (بيروت: مؤسسة الرسالة، 1421هـ/2001م)، ط1.
ابن قنفذ، أحمد بن الخطيب القسنطيني. أنس الفقير وعز الحقير. تصحيح محمد الفاسي وأدولف فور. الرباط: المركز الجامعي للبحث العلمي، 1965.
باش تارزي، عبد الرحمن. المنظومة الرحمانية في الأسباب الشرعية المتعلقة بالطريقة الخلوتية. قسنطينة: مطبعة النجاح، 1923م.
البخاري، محمد بن إسماعيل. الجامع المسند الصحيح المختصر من أُمور رسول الله r وسننه وأيامه. تحقيق محمد زهير بن ناصر الناصر. بيروت: دار طوق النجاة، ط1.
بن علجية، لحسن. تحقيق مجموعة من إجازات الإمام عبد الحميد بن باديس. الجزائر: دار علي بن زيد، ط1، 2015.
الترمذي، محمد بن عيسى بن سورة. الجامع المختصر من السنن عن رسول الله ومعرفة الصحيح والمعلول وما عليه العمل. تحقيق وتعليق أحمد محمد شاكر محمد فؤاد عبد الباقي. مصر: مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي، ط2، 1975م.
جباري، مسعود. الفكر السياسي عند الشيخ عبد الحميد بن باديس [رسالة ماجستير غير منشورة]. الجزائر: جامعة الجزائر، 2002.
حمادي، عبد الله. دراسات في الأدب المغربي القديم. الجزائر: دار البعث، ط1، 1406هـ/1986م.
زغدود، أنيسة. إسهامات ابن باديس في تجديد العقيدة [أطروحة دكتوراه غير منشورة]. الجزائر: جامعة باتنة، 1434هـ/2013م.
زواري، جمال أحمد. "علاقة الإمام عبد الحميد بن باديس بعلماء وادي سوف قبل تأسيس جمعية العلماء الشيخ الطاهر العبيدي نموذجًا"، مجلة الباحث في العلوم الانسانية والاجتماعية، جامعة الوادي، مج4، ع1 (30/06/2015).
سعد الله، أبو القاسم. تجارب في الأدب والرحلة. الجزائر: المؤسسة الوطنية للكتاب، ط 1983.
الصلابي، محمد علي. كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي وسيرة الزعيم عبد الحميد بن باديس. بيروت: دار ابن كثير، ط1، 1437هـ/2016 م.
طالبي، عمار. آثار ابن باديس. الجزائر: طبع الشركة الجزائرية، ط3، 1417هـ/1997م.
الطيبي، محمد. النزعة النقدية لتغيرات الظاهرة السوسيوصوفية، دراسة في التأليف النقدي لمدرسة المغرب العربي الصوفية [أطروحة دكتوراه غير منشورة]. (جامعة الجزائر، 2013).
عتوم، الليث صالح محمد. "أثر فلسفة أفلوطين على فلسفة السهروردي الإشراقي (587 هـ) في كتابه هياكل النور"، مجلة دراسات، العلوم الإنسانية والاجتماعية، الجامعة الأردنية، ج48، ع1 (2021).
عطية، محمود سعيد حميدة. "النهضة الإسلامية بين جناحي العلم والعمل"، مجلة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة قطر، مج32، ع2 (2014).
فيلالي، عبد العزيز. عبد الحميد بن باديس مرحلة التحصيل والتكوين. الجزائر: دار الهدى، ط 2014.
القشيري، أبو القاسم. الرسالة القشيرية. تحقيق عبد الحليم محمود ومحمود بن الشريف. القاهرة: مطابع مؤسسة دار الشعب للصحافة والطباعة والنشر، 1409هـ/1989م.
المصلح، محمد أبوبكر. "مقاصد الخلق الخمسة وجوهر التربية الأصيل: دراسة في ضوء القرآن الكريم"، مجلة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة قطر، ج38 ع2 (2021).
المقري، أحمد بن محمد التلمساني. نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب. تحقيق إحسان عباس. بيروت: دار صادر، ط 1388هـ/1968م.
الميلي، مبارك بن محمد. "المصلحون والمرجفون"، جريدة المنتقد، ع14 (1925).
References
Al-Bukhārī, Muḥammad ʾIbn Ismāʻīl. al-Ǧāmiʿ al-musnad al-ṣaḥīḥ al- MukhtaṢar min ʾumūr al-rasūl PBUH wa Sūnanih wa ʾAyyāmih (in Arabic), ed. Muḥammad Zuhayr ʾibn Nāṣir al-Nāṣir. Beirut: Dar ṭawq al-Najāt, 1st ed.
Al-Maqarrī, ʾAḥmad ʾIbn Muḥammad al-Tilimsānī. Nafḥ al-ṭīb min GhuṢn al-ʾAndalus al-raṭīb (in Arabic), ed. ʾIhsān ʿAbbās. Beirut: Dār Ṣādir, 1968.
Al-Mīlī, Mubārak ibn Muḥammad. "almṣlḥwn wālmrjfūn", (in Arabic), Jarīdat almuntqid, ʻadad 14 (1925).
Al-Musleh, Mohamed Abubakr. "The Five Purposes of Creation and the Authentic Essence of Tarbiya (Education): A study in light of the Holy Qur’an", (in Arabic), Journal of College of Sharia and Islamic Studies, Qatar University, vol. 38, no. 2 (2021). https://doi.org/10.29117/jcsis.2021.0273.
Al-Qushayrī, ʾAbū al-Qāsim. al-Risālah al-Qushayrīyah (in Arabic), ʻAbd al-ḥalīm Maḥmūd & Maḥmūd ʾibn al-sharīf. Cairo: maṭābiʻ Muʾassasat Dār al-shaʿb lil-ṣaḥāfah wa-al-Ṭibāʻah wa-al-Nashr, 1409 H/1989AD.
Al-ṣallābī, Muḥammad ʻalī. Kifāḥ al-shaʿb al-jazāʾirī ḍidda al-iḥtilāl al-Firansī wa- sīrat al-zaʻīm ʻAbd al-ḥamīd ʾIbn bādīs. (in Arabic). Beirut /Damascus, Dār Ibn Kathīr 1st ed., 2016.
Al-ṭaybī, Muḥammad. Al-Nazʻāh al-naqdīyah li Taghayyurāt al-Ẓāhirah al-Ṣūṣyūṣūfīyah, Dirāsah fi al-Tʾalīf al-Naqdī Li Madrasat al-Maghrib al-ʻArabī al-Ṣūfīyah (in Arabic), uṭrūḥat duktūrāh ghayr manshūrah. Algiers University, Algeria, 2013.
AL-Tirmidhī, ʾAbū ‘Īsā Muḥammad ʾIbn ‘Īsá ʾIbn Sawra. al-Ǧāmiʿ al- MukhtaṢar min al-sunan ‘an rasūl allāh wa-Ma‘rifat al-Ṣaḥīḥ wa al-Ma‘lūl wa-ma ‘alayhi al-‘amal (in Arabic), ed. ʾAḥmad Muḥammad Shākir & Muḥammad Fuʾād ‘Abd al-Bāqī. Cairo: Sharikat Maktabat wa-Maṭbaʿat Muṣṭafā al-Bābī al-Ḥalabī wa ʾAwlāduhu, 2nd ed., 1975.
Atiyyah, Mahmud. "The Islamic Renaissance between Knowledge and Action", (in Arabic), Journal of College of Sharia and Islamic Studies, Qatar University, vol. 32, no. 2 (2014). https://journals.qu.edu.qa/index.php/sharia/article/view/200/118
Bāsh tārzī, ʿAbd al-Raḥmān. al-Manẓūmah al-Raḥmānīyah fi al-asbāb al-sharʿīyah al-MutaʿalliQah bi-al-ṭarīqah al-Khalwatīyah (in Arabic) Algeria: Maṭbaʻat al-Najāḥ, ed 1923.
Bin ʻiljīyah, Laḥsan. Taḥqīq Majmūʻah min ʾijāzāt ʻAbd al-ḥamīd ʾIbn bādīs (in Arabic), Algeria: Dār ʻAlī Bin Zayd, 1st ed., 2015. DOI: 10.12816/0009576.
Fīlālī; ʻAbd al-ʻazīz. ʻAbd al-ḥamīd ʾIbn bādīs Marḥalat al-Taḥṣīl wa-al-Takwīn (in Arabic), Algeria: Dār al-Hudá, ʻAin Mlīla, 2014.
ḥammadī, ʿAbd allāh. Dirāsāt fi al-ʾadab al-Maghribī al-Qadīm (in Arabic), Algeria: Dār al-Baʿth, 1st ed., 1986.
ʾIbn bādīs, ʻAbd al-ḥamīd. "bayān lā lubs fīhi (ijābat lṣwt al-wājib)", (in Arabic), Jarīdat almuntqid, ʻadad 13 (1925).
–––. "ḥawla Barnāmaj (al-Shihāb)", (in Arabic), Majallat al-Shihāb, ʻadad 162 (1928).
–––. Tafsīr ʾIbn bādīs fī Majālis al-Tadhkīr min Kalām al-ḥakīm al-Khabīr (in Arabic), jamʻ wa-tartīb: Tawfīq Muḥammad Shāhīn & Muḥammad Al-ṣālih Ramaḍān, taʻlīq ʾAḥmad Shams al-Dīn (Beirut: Dār al-Kutub al-ʻIlmīyah, 2Ed, 2003.
–––. "ziyārat al-qubūr", (in Arabic), Majallat al-Shihāb, ʻadad 4 (03/12/1925).
ʾIbn Ḥanbal, Aḥmad. al-Musnad (in Arabic), ed: Shuʻayb al-Arnaʼūṭ-ʻĀdil Murshid, wa-ākharūn ishrāf: D ʻAbd Allāh ibn ʻAbd al-Muḥsin al-Turkī, Beirut: Muʼassasat al-Risālah, 3th ed 2001.
ʾIbn qunfudh, ʾAḥmad ʾIbn al-Khaṭīb al-Qasanṭīnī. ʾuns al-Faqīr wa ʿIzz al-ḥaqīr (in Arabic), Taṣḥīḥ Muḥammad al-Fāsī wa Adulf Fore, Maroc: al-markaz al-Ǧāmiʿī Lil-baḥth, 1965.
Jabbārī, Masʻūd. al-Fikr al-Siyāsī ʻinda al-shaykh ʻAbd al-ḥamīd ʾIbn bādīs (in Arabic), Risālat mājistīr ghayr manshūrah, Algiers University, Algeria, 2002.
Outoom, Allayth. "Influence of the Philosophy of Plotinus on the philosophy of Suhrawardi Al Ishraqi (587 e) in his book (Haykel Alnnor)", (in Arabic), Dirasat Journal: Human and Social Sciences, The University of Jordan, vol. 48, no. 1 (2021).
Saʿad allāh, ʾAbū al-Qāsim. Tajārub fi al-ʾadab wa-al-riḥla (in Arabic), Algeria: al-Muʾassasa al-Waṭanīya Lil-Kitāb, Ed 1983.
Ṭālbī, ʿammār. ʾāthār ʾIbn bādīs (in Arabic) Algeria: ṭabʻ al-sharikah al-jazāʾirīyah, 3th ed., 1997.
Zaghdūd, ʾAnīsah. ʾisʹhāmāt ʾIbn bādīs fi Tajdīd al-ʻaqīdah (in Arabic), uṭrūḥat duktūrāh ghayr manshūrah, Batna University, Algeria, 2013.
Zawwārī, jamāl ʾAḥmad. "ʻAlāqat al-ʾImām ʻAbd al-ḥamīd ʾIbn bādīs bi-ʻulamāʾ Wādī Sūf Qabla Taʾsīs Jamʻīyat al-ʻulamāʾ: al-shaykh Al-ṭāhir Al-ʻūbaydī Namūdhajan", (in Arabic), Journal El-Baheth in Human and Social Sciences, University of Eloued, vol. 4, no. 1 (30/6/2015).
([1]) عبد القادر فضيل ومحمد الصالح رمضان، إمام الجزائر عبد الحميد بن باديس، ص26؛ نقلًا عن مسعود جباري، الفكر السياسي عند الشيخ عبد الحميد بن باديس [رسالة ماجستير غير منشورة] (الجزائر: جامعة الجزائر، 2002)، ص25.
([2]) المرجع نفسه، ص25؛ عمار طالبي، آثار ابن باديس (الجزائر: طبع الشركة الجزائرية، 1417هـ/1997م)، ط3، ج1، ص73.
([3]) طالبي، آثار ابن باديس، ج1، ص74؛ عبد العزيز فيلالي، عبد الحميد بن باديس مرحلة التحصيل والتكوين (الجزائر: عين مليلة، دار الهدى، 2014)، ص38؛ لحسن بن علجية، تحقيق مجموعة من إجازات الإمام عبد الحميد بن باديس (الجزائر: دار علي بن زيد، 2015)، ط1، ص149.
([4]) جمال زواري أحمد، "علاقة الإمام عبد الحميد بن باديس بعلماء وادي سوف قبل تأسيس جمعية العلماء الشيخ الطاهر العبيدي نموذجًا"، مجلة الباحث في العلوم الانسانية والاجتماعية مج4, ع1، جامعة الوادي (30/06/2015)، ص181.
([5]) عبد الرحمن باش تارزي، المنظومة الرحمانية في الأسباب الشرعية المتعلقة بالطريقة الخلوتية (قسنطينة: مطبعة النجاح، 1923).
([7]) عبد الله حمادي، دراسات في الأدب المغربي القديم (قسنطينة، الجزائر: دار البعث، ط1، 1406هـ/1986م)، ص354.
([12]) هذا النص هو الذي أشرت إليه سابقًا وقلت إنه جعل الأستاذ لحسن بن علجية يرجّح نسبة الشيخ ابن باديس إلى الطريقة القادرية مثلما رجحه الدكتور عمار طالبي والدكتور عبد العزيز فيلالي؛ وأجدني أميل إلى نسبة الشيخ إلى الطريقة الرحمانية، لعدد من الشواهد: منها زياراته لأماكن الطريقة وقبور شيوخها مع الوفد القسنطيني، وزياراته للزوايا التابعة لها، وعلاقاته الوطيدة والحميمة مع كثير من شيوخها، وتقريظه لكتاب "المنظومة الرحمانية في الأسباب الشرعية المتعلقة بالطريقة الخلوتية"، ويبقى الأمر يحتاج إلى مزيد تحقيق للقطع في المسألة.
([16]) محمد أبوبكر المصلح، "مقاصد الخلق الخمسة وجوهر التربية الأصيل: دراسة في ضوء القرآن الكريم"، مجلة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة قطر، ج38 ع2 (2021)، ص186.
([18]) أبو القاسم القشيري، الرسالة القشيرية، تحقيق عبد الحليم محمود ومحمود بن الشريف (القاهرة: مطابع مؤسسة دار الشعب للصحافة والطباعة والنشر، 1409هـ/1989م)، ص79، 80.
([24]) عبد الحميد بن باديس، تفسير ابن باديس في مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير، جمع وترتيب توفيق محمد شاهين ومحمد الصالح رمضان، تعليق أحمد شمس الدين (بيروت: دار الكتب العلمية، ط2، 1424هـ/2003م)، ص213.
([25]) قارن بـ: علي الصلابي، "الإصلاح الديني في مواقف ابن باديس من التصوف وأصحاب الطرق"، موقع عين ليبيا.
([26]) أنيسة زغدود، إسهامات ابن باديس في تجديد العقيدة [أطروحة دكتوراه غير منشورة] (الجزائر: جامعة باتنة، 1434هـ/2013م)، ص355.
([27]) الليث صالح محمد عتوم، "أثر فلسفة أفلوطين على فلسفة السهروردي الإشراقي (587 هـ) في كتابه هياكل النور"، مجلة دراسات، العلوم الإنسانية والاجتماعية، الجامعة الأردنية، ج48، ع1 (2021)، ص133، ولمزيد من التعمق في هذا التأثر يراجع المقال كاملا.
([28]) محمود سعيد حميدة عطية، "النهضة الإسلامية بين جناحي العلم والعمل"، مجلة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة قطر، مج32، ع2 (2014)، ص221.
([29]) محمد علي الصلابي، كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي وسيرة الزعيم عبد الحميد بن باديس (بيروت: دار المعرفة، ط1، 1437هـ/2016م)، ص373.
([36]) أحمد بن الخطيب بن قنفذ القسنطيني، أنس الفقير وعز الحقير، تصحيح محمد الفاسي وأدولف فور (الرباط: المركز الجامعي للبحث العلمي، 1965)، ص104.
([37]) أحمد بن محمد المقري التلمساني، نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، تحقيق إحسان عباس (بيروت: دار صادر، 1388هـ/1968م)، ج7، ص267.