الوقف وتقنية البلوك تشين، قراءة شرعية في الاستثمار والتمويل
سامي محمد الصلاحات
دكتوراه أصول الفقه والسياسة الشرعية، مؤسس المعهد الدولي للوقف الإسلامي، ماليزيا
dr.samis.salahat@gmail.com
تاريخ الاستلام: ١٨/٢/٢٠٢١ تاريخ التحكيم: ٢٥/٥/٢٠٢١ تاريخ القبول: ١٤/١٠/٢٠٢١
ملخص البحث
أهداف البحث: يهدف البحث إلى ضبط منهجية البلوك تشين، وبيان علاقتها بإطار نظام الوقف وعملياته الرئيسة، والاستفادة قدر الإمكان من منهجية البلوك تشين في تطوير أعمال مؤسسة الوقف، وبيان الإطار الشرعي من حيث المصالح والمفاسد. مع التركيز على استخدام منهجية البلوك تشين في أعمال مؤسسة الأوقاف.
منهج البحث: تبنى البحث المنهج التحليلي الوصفي؛ لبيان منهجية البلوك تشين، وتحديد العلاقة مع الوقف، والفهم الشرعي لقراءة مناسبة لكيفية الاستخدام، وبيان أي عوائق شرعية تمنع من الاستفادة منها.
النتائج: توصل البحث إلى أن هذه التقنية يمكن أن تسهم في الحفاظ على الأصول الوقفية، وضبط عمليات الحصر والتسجيل وتوثيق الوقفيات؛ وتمويل المشاريع الوقفية والمساهمة في بعض عمليات الصرف.
أصالة البحث: الجديد في البحث ربطه بين التقنيات الحديثة وبين عمليات الوقف الرئيسة، للاستفادة منها في تطوير أعمال المؤسسات الوقفية في العالم.
الكلمات المفتاحية: الوقف، بلوك تشين، قاعدة البيانات، السجل المفتوح، استثمار
للاقتباس: سامي محمد الصلاحات «الوقف وتقنية البلوك تشين، قراءة شرعية في الاستثمار والتمويل»، مجلة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، المجلد ٤١، العدد ١، ٢٠٢٣.
https://doi.org/10.29117/jcsis.2023.0349
© ٢٠٢٣، سامي محمد الصلاحات، مجلة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، دار نشر جامعة قطر. تم نشر هذه المقالة البحثية وفقًا لشروط Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0)t. وتسمح هذه الرخصة بالاستخدام غير التجاري، وينبغي نسبة العمل إلى صاحبه، مع بيان أي تعديلات عليه. كما تتيح حرية نسخ، وتوزيع، ونقل العمل بأي شكل من الأشكال، أو بأية وسيلة، ومزجه وتحويله والبناء عليه، طالما يُنسب العمل الأصلي إلى المؤلف. https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0-
Endowment and Blockchain Technology: Investment and
Finance from the Sharia Perspective
Sami Muhammad Al-Salahat
PhD Jurisprudence and Legal Politics, Founder of the International Institute of Islamic Endowment, Malaysia
dr.samis.salahat@gmail.com
Received: 18/2/2021 Revised: 25/5/2021 Accepted: 14/10/2021
Abstract
Purpose: This research aims to define blockchain methodology and highlight the blockchain relationships in the framework of the Waqf system and its main processes. It also aims to show how blockchain methodology can facilitate developing the work of the Waqf institution further, and it clarifies the legal framework of interests and/or corruption.
Methodology: We apply the descriptive analytical approach to clarify blockchain methodology and determine its relationship with the focal endowment. We also clearly explain the appropriate usage of blockchain and reveal what legal obstacles could prevent its users from benefiting from this methodology.
Findings: One of our most important findings is that this technology can contribute to preserving endowment assets, controlling inventory, registering and documenting awqaf, financing Waqf projects and compensating some expenses.
Originality: This is the first study to bring together modern technologies and the main awqaf operations to explore the use of modern technologies in developing the global work of Awqaf institutions.
Keywords: Waqf; Endowment; Blockchain; Database; Open record; Investment
Cite this article as: Sami Muhammad Al-Salahat “Endowment and Blockchain Technology: Investment and Finance from the Sharia Perspective”, Journal of College of Sharia and Islamic Studies, Volume 41, Issue 1, (2023).
https://doi.org/10.29117/jcsis.2023.0349
© 2023, Sami Muhammad Al-Salahat. Published in Journal of College of Sharia and Islamic Studies. Published by QU Press. This article is published under the terms of the Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0), which permits non-commercial use of the material, appropriate credit, and indication if changes in the material were made. You can copy and redistribute the material in any medium or format as well as remix, trans.form, and build upon the material, provided the original work is properly cited. The full terms of this licence may be seen at
https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0/
المقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد،
فإن كلام الفقهاء المتقدمين بخصوص جعل المصلحة الإطار الشرعي الذي يمكن من خلاله إدارة الوقف(1)، واستثماره في أي زمان ومكان، يسر على القائمين على أمر الأوقاف البحث والتنقيب عن كل أداة ومنهجية وتقنية ووسيلة يمكن من خلالها تقديم إدارة حسنة، واستثمار أمثل، والعلة في هذا هو فقط مصلحة الوقف لا غير.
من هذه النظرة يقع الاجتهاد بصورة دائمة ومستمرة في البحث عن كل وسيلة وأداة يمكن ممارستها خلال عملية الإدارة الوقفية، وما يمكن أن تشكله هذه الوسيلة – أو الأداة أو حتى المنهجية إن كانت قائمة – من إضافة نوعية على إدارة الوقف واستثماراته.
وسوف تنصب دراستنا هذه على منهجية البلوك تشين، وما يمكن أن تشكله من إضافة مميزة في مجال إدارة الوقف وتمويله أو استثماره بالطرق المثلى، خصوصًا إذا أدركنا أن هناك تقاطعات واضحة في كيفية الاستفادة من هذه المنهجية بصورة أكثر دقة وفعالية.
فإذا نظرنا إلى عمليات الأوقاف الرئيسة كالاستقطاب أو الحصر – خصوصًا تسجيل الأوقاف – أو أعمال الصيانة، أو المصارف الوقفية، أو استثمار جزء من ريع الوقف، نجد أن هذه العمليات الرئيسة قد تتقاطع مع منهجية البلوك تشين، ويمكن الاستفادة من هذه المنهجية في تطوير هذه العمليات الرئيسة، فضلًا عن المساعدة في تعزيز مبادئ الحوكمة والشفافية.
ويتعزز الأمر أيضًا بالحفاظ على خصوصية الوقف وسرية معلوماته وبياناته، علمًا أنها خاضعة بالكلية للشفافية في كل ما يتم إدخاله أو صرفه في إطار نظام الوقف، ومقاربة صيغة التمويل الجماعي التي تعززت في عصرنا الحاضر، وصارت الأكثر قربًا في تطوير بنية المؤسسة الوقفية.
هذه الخصوصية في نظام البلوك تشين، يوازيها قدرة فائقة على التسجيل والربط، حتى صارت «أكبر قاعدة بيانات موزعة عالميًا بين الأفراد»(2)، وصار يمكن تطبيقها في عدة مجالات، ومنها مجال الوقف، الذي يتطور بصورة واسعة، وتتداخل فيه النظريات الحديثة في مجال الإدارة والاستثمار والتمويل، وصار من الممكن للعمل الوقفي المؤسسي الاستفادة من كل منهجية أو آلية يمكن أن تسهم في تعزيز وتطوير أعمال الوقف.
الدراسات السابقة:
تكاد تنعدم الدراسات السابقة في الكشف عن منهجية البلوك تشين وعلاقتها بواقع مؤسسات الأوقاف، فضلًا عن قلة الفتاوى والآراء الشرعية في هذا الصدد، وهذا الأمر طبعي بسبب حداثة منهجية البلوك تشين، فضلًا عن حصرها في الإطار المالي، وعدم انتشارها في واقع العمل المؤسسي في العالم الإسلامي، وإن كان كثر الحديث عنها ضمن إطار المالية الإسلامية، وتوظيفها للأداء الحسن، ثم لاحقًا صار الحديث يتناول منهجية البلوك تشين والوقف تحديدًا. ومع هذا يمكن الإشارة إلى أبرز الدراسات في هذا الموضوع فيما يلي:
١- حازم ساسي(3)، «استخدام تطبيقات البلوكتشين لتطوير الأصول الوقفية، منصة شركة فيتترا نموذجا»ً، مجلة الإسلام في آسيا، الجامعة الإسلامية العالمية، ماليزيا،ج ١٦، ع٣. ديسمبر ٢٠١٩)، البحث حاول توظيف تجربة مؤسسة فينتيرا في تبني منهجية البلوك تشين في نظام الوقف، ولكنها لم تكشف عن العلاقة الحقيقية التي يمكن أن تمثلها هذه المنهجية في الأداء الوقفي، وإن كانت الورقة رسمت بعض النقاط بصورة عامة بدون تفصيل.
بالإضافة إلى ذلك، لم تبحث من الناحية الشرعية تفاصيل ما يمكن بيانه من تطبيق هذه منهجية البلوك تشين على واقع أعمال مؤسسة الأوقاف.
٢- أحمد النجار(4)، العملات الافتراضية المشفرة، دراسة اقتصادية، شرعية، محاسبية، ماجستير (الأردن: جامعة آل البيت، ٢٠١٩). تناولت الدراسة بشكل منهجي العملات الافتراضية من خلال ما يعرف بــ «البيتكوين»، والنظام التشغيلي للبلوك تشين، والمشاكل المتعلقة بالأمان وإمكانية الاختراق، والجرائم الإلكترونية، والاستقرار النقدي، والضوابط الشرعية والقانونية لها، والحكم الشرعي لتناول العملات المشفرة.
وإن كانت الدراسة تكشف بصورة جزئية عن بعض المعاني المتعلقة بمنهجية البلوك تشين، إلا أنها بعيدة كل البعد عن واقع الأوقاف ونظمه وعملياته.
٣- سهيل الشايع(5)، الأوقاف الرقمية وأحكامها الفقهية، ماجستير (الرياض: مؤسسة ساعي لتطوير الأوقاف، ط١، ٢٠١٧)، وهي عبارة عن. توجه الباحث في التوسع في ظاهرة الأوقاف الرقمية، وصورها المتعددة، ثم تناول النظارة على الأوقاف الرقمية، ولكنه لم يشر إلى منهجيات التقنيات الحديثة، ولعل ذلك مشفوع له؛ إذ اعتبرنا أن علم الحاسوب من العلوم الأكثر تطورًا، فلم تتعرض الدراسة إلى منهجية البلوك تشين، وإن كان الباحث قد أشار إلى روابط التبرعات، ولم يذكر موضوع منهجية البلوك تشين كليًا.
خطة البحث:
تم تقسيم البحث إلى ثلاثة مباحث؛ تناول المبحث الأول ماهية تقنية البلوك تشين، فيما ناقش المبحث الثاني العلاقة ما بين تقنية البلوك تشين وعمليات الوقف، بينما تحدث المبحث الثالث عن التكييف الشرعي لاستخدامات تقنية البلوك تشين في أعمال مؤسسة الأوقاف.
المبحث الأول: مدخل نحو ماهية تقنية البلوك تشين
نتعرض في هذا المبحث بصورة مفصلة للكشف عن تقنية البلوك تشين، وأشكالها، وتداعياتها، لا سيما وأنها أداة حديثة شكلت بظهورها نقاشًا حادًا بين العاملين في الصناعة المالية الإسلامية، وصار هناك توجه لبحثها في قطاع الأوقاف، باعتبار الفوائد التي يمكن أن تحوزها الأوقاف من استعمال هذه التقنية.
تقنية Blockchain اختراع له قيمته؛ حيث يوفر للعميل القيمة دون الحاجة إلى الثقة أو سلطة مركزية، واشتهرت هذه التقنية عندما تم ربطها بالعملة المشفرة مقابل الخدمات وهي عملة Bitcoin، التي من المفترض أن تماثل الدولار الأمريكي واليورو واليوان الصيني وغيرها في تبادل المنتجات والخدمات، وهذا لن يتم إلا من خلال تقنية البلوك تشين، التي تنقل هذه العملة بصورة آمنة لمستخدم آخر، بصورة تعكس أن تقنية البلوك تشين ما هي إلا سجل محاسبي، أو ملف رقمي يتتبع جميع معاملات البيتكوين(6)، واشتهرت هذه التقنية لأنها ترسل النقود المشفرة بطريقة سلسة وبتكلفة أقل(7).
المطلب الأول: تحديد معنى البلوك تشين
عبارة البلوك تشين – أو البلوكتشين كما يكتبها البعض – نسبةً إلى المصطلح الإنجليزي وهو Blockchain(8)، ويعني سلسلة الكتل، أي قاعدة البيانات الموزعة، والتي تختص بإدارة قائمة متزايدة ومستمرة من السجلات المسماة بالكتل Blocks، فهي عبارة عن سلاسل كتل يتبع بعضها بعضًا؛ إذ تحوي كل كتلة على طابع زمني ومرتبط بالكتلة السابقة.
وقد نشأت هذه التقنية من بين مجالات متعددة، كــ «هندسة البرمجيات، والحوسبة التوزيعية، وعلم التشفير، ونظرية الألعاب الاقتصادية»(9).
ولتوضيح الأمر بدقة، يمكن القول إن البلوك تشين تتكون من أربعة عناصر رئيسة، هي: الكتلة، المعلومة، الهاش، بصمة الوقت، يجمعها هذا الشكل التوضيحي رقم [١](10).
الشكل رقم [١]
فالكتلة، هي وحدة بناء السلسلة، والمقصود بها مجموعة من العمليات أو المهام التي يتطلب القيام بها أو تنفيذها داخل السلسلة، كتحويل أموال أو تسجيل بيانات أو نقل ملكيات، ولا يتم الانتقال من الكتلة حتى يتم إنجاز العمل فيها بصورة كلية، ثم يتم الانتقال إلى الكتلة الأخرى بنفس المقاييس والإنجاز لتكون مرتبطة بها كي لا يقع تدليس أو معاملات وهمية، ضمن ما يسمى بــ Blocks، وهذه الكتلة أخذت منها المنهجية اسم سلسلة البيانات.
والمعلومة، يقصد بها ما يتم من داخل الكتلة كعملية فرعية يتوافق مع غيره من المعلومات داخل الكتلة نفسها، وهو ما يشكل الكتلة لاحقًا.
والهاش Hash، ويعبر عنه بالتوقيع الرقمي Digital Signature، أو الحمض النووي المميز لسلسلة الكتلة، ووظائفه الرئيسة هي:
− تمييز السلسلة عن غيرها من السلاسل؛ إذ لكل سلسلة هاش مميز خاص بها.
− تحديد وتمييز كل كتلة عن غيرها داخل السلسلة.
− وسم كل معلومة داخل الكتلة بهاش مميز.
− ربط الكتل بعضها ببعض داخل السلسلة؛ حيث ترتبط كل كتلة بالهاش السابق أو اللاحق لها، ولا يمكن أن يقع التعديل على الكتل التي تم تأسيسها.
أما بصمة الوقت، فتعني التوقيت الذي تم فيه إجراء أي عملية داخل السلسلة.
هذه العناصر الأربعة تشكل ما يعرف بالبلوك تشين، ومنها يمكن معرفة كيف تعمل هذه المنهجية. ويمكن بيان عمل تقنية البلوك تشين من خلال سجل الحسابات اللامركزية من معاملات وصفقات، كما هو واضح في الشكل رقم [٢] التالي(11):
الشكل رقم [٢]
المطلب الثاني: كيفية عمل منهجية البلوك تشين
يمكن تقسيم التطبيقات في البلوك تشين إلى أربع مجموعات رئيسة هي: تطبيقات العقود الذكية، مثل الرهانات والضمان والحقوق الرقميةـ تطبيقات العملة الرقمية مثل التجارة الإلكترونية، والدفع العالمي والتحويلات، والإقراض المباشر شخص لشخص، والتمويل الأصغر، وتطبيقات الضمانات مثل الأسواق الخاصة، والديون والتمويل الجماعي والمشتقات المالية، وتطبيقات حفظ السجلات، وسجلات العناوين والملكية والتصويت وغيرها(12).
هناك ثلاثة أطر عمل توضح عمل هذه المنهجية، يمكن توضيحها باختصار، وهي:
أولًا: السجل المفتوح Open Ledger، وفي هذا الإطار يمكن للأفراد المشتركين في نفس النظام معرفة ممتلكات بعضهم البعض، وحجم الأموال التي تتحرك في السجل، ولكن يفتقر هذا الإطار إلى القدرة على كشف هويات الأفراد الحقيقية؛ إذ تتيح المنهجية القدرة على استخدام ألقاب غير الأسماء الحقيقية للأفراد، فهو يعرف حجم المال الذي يتحرك داخل السجل، ولكنه لا يدرك اسم صاحبه الحقيقي.
سلبية هذا الإطار، أنه يكشف بعض المعلومات عن بعض الأفراد، خصوصًا في مجال نقل الأموال، والعلاقة التي تجمع الأفراد في هذا الإطار، وأوقات نقل الأموال، وغيرها من المعلومات التي قد تشكل خطرًا على أصحابها.
ثانيًا: قاعــدة البيانــات الموزعة Distributed Database، وهو توزيع البيانات على جميع المشتركين، يعني اللامركزية في البلوك تشين، فلا جهاز واحد يتحكم في هذه البيانات؛ بل هي متاحة لجميع المشتركين، وهذا يجعل من الصعب الاختراق أو التلاعب بالبيانات؛ إذ من يريد عمل ذلك، عليه القيام بتغيير كل البيانات الموجودة لدى جميع المشتركين، وهذا محال.
ثالثًا: التعدين Mining، ويقصد به استخدام طاقات أجهزة الكمبيوتر في البحث عن الهاش الصحيح لهذه المعاملة كي تتم المعاملة، إذًا هذا الإطار الخاص بالبلوك تشين يسمى بالتعدين هو إنجاز معاملة جديدة كما تمت العملية السابقة بنفس المدة الزمنية، كي لا يحدث غش أو تلاعب. وهذا الإطار يقوم أصالة على معرفة الهاش الصحيح؛ إذ بدونه تفشل أي عملية يمكن انضمامها لسلسلة الكتلة، وهذا بذاته يصعب عمليات الاختراق.
والأصل في هذا التصميم المحافظة على البيانات المخزنة بها، ويصعب تعديلها، كما في الشكل رقم [٣] التالي(13):
الشكل رقم [٣]
ويلحظ من الاسم والمعنى المستخدم أن سلسلة الكتل يجب أن تكون آمنة، وأن تحقق نظام توافق في الآراء لامركزي، وتنفع هذه التقنية في السجلات والمعاملات المستمرة، مثل سجل الأراضي، وسجلات التأمين، وسجلات الصحة، وسندات الملكية، فهي بالمحصلة بيانات يتم تخزينها والحفاظ عليها من خلال شبكة لامركزية من أجهزة الحاسوب، فهي توثيق، ونقل معلومات، بدون وجود مركز يوجه ويسيطر أو يتوسط، كما في الشكل التالي، الذي يفرق بين النموذج التقليدي وهو الأول، والنموذج الحديث، كما في الشكل رقم [٤](14):
وهذه الخصوصية تتجاوز الوسيط ولكنها تحافظ على العلنية والشفافية، ويمكن لأصحاب المصالح أن يشاهدوا أن شخصًا ما أرسل مبلغًا إلى آخر، ولكن بدون معلومات تربط المعاملة بأي شخص، وهذه الخصوصية ما بين الطرفين، لا تعني تدخل الآخرين فيها، وإن كان لهم القدرة على مشاهدتها والكشف عنها.
وهذا يعني أن هذه ستكون محطة آمنة في مقاومة أي محاولة للتلاعب بسجلات البيانات المتزايدة، وتعمل على تبادل آمن للمواد القيمة مثل الأموال أو الأسهم أو الملكيات أو البيانات، خلاف ما هو معمول حاليًا من خضوع هذه المواد لجهة مركزية وسيطة، فهو يفتح التعامل بين جميع الأطراف.
ويعتبر ساتوشي ناكاموتو Satoshi Nakamoto، الذي أصدر وثيقة البيتكوين في عام ٢٠٠٨، أول من شرح فكرة وجود عملة رقمية لها خصوصية ولامركزية لا تخضع لجهة بعينها، ويمكن أن يتعامل بها الجميع، وكان تركيزه على اللامركزية، فهو نظام قائم على مجموعة من العُقد، وكل خادم تقني للنظام يُمثّل عُقدة مهمتها تخزين المعاملات والبيانات، وتوثيقها من حيث وقت الحدوث، وعناوين الارتباط، والاحتفاظ بها كنسخة في عُقد مختلفة في أماكن مختلفة في العالم، مع إمكانية الوصول إليها، وهذا يخرج أي وسيط، لا سيما البنوك التي تحتسب الخدمة المالية مقابل تقديمها للجمهور، فالبنك يملك قاعدة البيانات المركزية الخاصة بالعملاء، ولا يمكن لأي عميل الوصول إليها إلا بموافقة البنك، الذي يملك البيانات والسيطرة عليها.
وهنا يجب الإشارة إلى أنه قد يفهم البعض أن تقنية البلوك تشين هي نفسها العملة المشفرة البيتكوين، بسبب التداول المتلازم بينهما، ولكن الأصح والأدق أن الأخيرة تعتمد على البلوك تشين في التطبيق، وأن تقنية البلوك تشين تشمل عدة تطبيقات وأنظمة، أبرزها البيتكوين، وإذا أردنا التشبيه، يمكن القول إن البلوك تشين «هو العمود الفقري لعملة البيتكوين»(15). ونحن إذ نقول هذا، نعزز فرضية استفادة نظام الوقف من هذه التقنية، كي نتجاوز من يخصص منهجية البلوك تشين فقط في العملة المشفرة، فهذا فهم لا يصح، بل يمكن أن يستفاد منها في مجال التوثيق الملكيات، ونقل الأموال، المساهمة في تطوير العقارات المعطلة، وغيرها من الصيغ التمويلية التي قد تقع في هذه المنهجية كما سنرى.
إن طريقة تقنية البلوك تشين تجعل مؤسسات الأوقاف تخضع للأتمتة اللامركزية، وليس للنظام المؤسسي الهرمي؛ فلا يوجد كيان قانوني، ولا عقود عمل قانونية، ما يجعل الارتباط فقط من خلال المستخدم وأصحاب الصلة مباشرة، كما في الشكل رقم [٥] التالي(16):
الشكل رقم [٥]
المطلب الثالث: خصائص تقنية البلوك تشين
هذه تقنية تعكس أسس تغير الاقتصاد العالمي، في ظل تحول العالم إلى قرية صغيرة مرتبطة ببعضها البعض، وتعمل بقدرة على حماية الملكية الفكرية في ظل تعدد المستخدمين، والابتعاد عن أي سلطة مركزية لإصدار العملات التي بدأت بها هذه التقنية.
كما يظهر لنا من استعمالات هذه التقنية أن هناك خصائص مرتبطة بها، من أهمها:
− الأمان؛ حيث تقوم تقنية بلوك تشين، بحفظ البيانات والمعلومات من الاختراق، والعمل على توثيقها، لا سيما وأنها تنتقل من عُقد لآخر، وتجوب العالم، وهذا يعني أن هذه التقنية يمكن أن تدخل في العديد من الصناعات والقطاعات، ويمكن تطوير أدواتها لتحسين أي قطاع بما يناسبه وخصوصيته، فإذا كان من الممكن أن تستفيد التجارة الخارجية بين الدول من هذه التقنية، فمن باب أولى التجارة أو القطاعات الصناعية المحلية.
ولكي يتم تعزيز الأمان في هذه التقنية، يتم نقل المعلومة عبر ملايين الأجهزة المرتبطة بالسلسلة، فيصعب على أي مخترق للنظام تغيير بيانات هذه الكتلة أو تلك، لأنه يستحال تغيير كافة البيانات الواقعة في هذه الكتلة، فضلًا عن الكتل الواقعة في السلسلة.
− اللامركزية Decentralization: نظرًا لكونها مجموعة عمليات متسلسلة متشعبة، يتم تداولها بيعًا وشراء، فهي لا تخضع للرقابة أو التحكم بها من قبل جهة مركزية، فهي عملية رقمية تظهر بكل شفافية لكل المتعاملين، كما هو موضح في الشكل رقم [٦] التالي(17):
الشكل رقم [٦](18)
− الدقة والفعّالية Accuracy and Efficiency: البيانات والمعلومات التي تحتويها هذه التقنية فاعلة ودقيقة، فهي لا تسجل إلا بعد التحقيق والتوثيق، وأي تغيير عليها يكون غير قابلة للتعديل Immutable، فالثبات يعني عدم العبث بمحتويات الوثائق والسجلات والبيانات التي توضع فيها، وهذا في غاية الأهمية للقطاعات التجارية؛ لأنها تحفظ الحقوق والملكيات.
ويكون نقلها للآخر بسرعة وفاعلية تامة، خصوصًا إذا كانت البيانات مالية، فيمكن تحقق عملية البيع والشراء بسرعة بدون أخذ وقت كبير كما هو الحال في الإجراء التقليدي الذي يحتاج توثيق واعتماد مصرفي وغيره من الإجراءات، فلو نظرنا لهذه التقنية، سنجدها عبارة عن محفظة مخزن عليها بيانات مالية تنتقل من عميل لآخر، بشفيرة معينة بينهما، يتم من خلالها إنشاء توقيع رقمي عبر تقنية البلوك تشين للتحقق من مصدر الصفقة، فالتوقيع الرقمي عبارة عن ضمانة، ولو قمت بتغيير حرف واحد في رسالة طلب المعاملة، فسيتم تغيير التوقيع الرقمي، بحيث لا يمكن لأي محتال محتمل تغيير طلبات معاملتك أو تغيير مقدار العملة المشفرة كالبيتكوين الذي تطلبه أو ترسله؛ أي إن هذه التقنية عبارة عن السجل يحفظ جميع الحركات المالية والأصول والنفقات بدقة متناهية، وممكن لأصحاب المصلحة الكشف عن المعاملة التي تمت من بدايتها وحتى نهايتها عبر هذا السجل التقني.
وهذا ما كشف عنه مؤسس هذه التقنية، عندما جعل العملة الإلكترونية عبارة عن سلسلة من التواقيع الرقمية، يقوم كل مالك بتحويل العملة إلى التالي من خلال توقيع رقمي على إجازة المعاملة، وهذا ما يجعل المستفيد يتحقق من التوقيعات، كما هو موضح في الشكل رقم [٧](19):
الشكل رقم [٧]
− تجنب البيروقراطية والفساد Avoid Bureaucracy and Corruption: من مميزات البلوك تشين أنها تتجاوز الإجراءات البيروقراطية التي تتصف بها المعاملات اليومية بين الأفراد، أو بينهم وبين الدوائر الخاصة أو العامة، ما يجعل الفرد خاضعًا لنهج قائم يتصف بالبطء أو التعقيد في بعض الأحيان، ولا يكون بيده حل لتسريع معاملته سوى الواسطة والفساد. تأتي منهجية البلوك تشين بإشراك الفرد في تنفيذ عمليته مباشرة، والتواصل مع الجهة المعنية، وإجراء المعاملة، والابتعاد عن كل الخطوات الإضافية التي لا علاقة بها، وهذا بحد ذاته يقلل عمليات الفساد الإداري أو المالي.
− تعزيز الجودة في المعاملات Enhancement of quality in transactions: حين يكون الطرف المعني متابعا خط إنتاجه منذ البداية، بعدما يتحصل على هاش، ويتم تعيين كتلة أصيلة لمنتجه، ويعرف حركته لحين أن تصل إليه، ستنعدم حالات الغش والتلاعب في المنتج، والأمر نفسه يسرى على المعاملات والتحويلات المالية وغيرها.
المطلب الرابع: تطبيقات منهجية لتقنية البلوك تشين
كما تحدثنا سابقًا، فإن منهجية البلوك تشين بدأت في المجال المالي، وتحديدًا في تحويل العملة المشفرة وهي البيتكوين، ولكن قلنا أيضًا أن منهجية البلوك تشين شكلت العمود الفقري لهذه العملة المشفرة، ويمكن أن يستفاد منها في عمليات أخرى، أو مجالات متعددة، وهذا ما سيجعلنا نقوم بحصر أهم المجالات التي يمكن للمنهجية الولوج فيها، وهي(20):
أولًا: تسجيل الممتلكات، وهذا التطبيق الأكثر رواجًا، وقد نتطرق إليه حقًا، لغرض حفظ حقوق المالكين أو المساهمين في أملاكهم أو مساهمتهم، يمكن لهذه التقنية القيام بتسجيل هذه الممتلكات كعقارات أو أراضي أو سيارات أو مجوهرات أو كتب أو حقوق فكرية وغيرها، والغرض من هذا حفظ حقوقهم أولًا، ثم القدرة على بيعها عبر نظام البلوك تشين.
ثانيًا: توثيق المعاملات، تحدثنا سابقًا أن البلوك تشين عبارة عن سجل مفتوح، يمكن للأفراد أو المؤسسات الاستفادة منه، ومن هذا يمكنهم توثيق معاملاتهم وبياناتهم بين بعضهم البعض، أو داخل المؤسسات الخاصة أو العامة، والمعاملات هنا عامة، تشمل كل شيء فيه حقوق كالملكية والبيانات المالية، أو إنتاج وقيم مالية، مثل أسعار الأراضي أو خطوط الإنتاج في المصانع والمعامل، وغيرها، والهدف من هذا التوثيق، حفظ الحقوق، وعدم التلاعب بها، ومراقبة الجودة.
ثالثًا: أعمال الوساطة، ذكرنا سابقًا أن من خصائص البلوك تشين هو عدم المركزية في الأعمال، وأنه يمكن الحصول على الخدمة بدون وسيط كالمصرف، فيمكن للأفراد تحويل أموالهم لبعضهم البعض بدون الحاجة لمراقبة البنوك، ويحق للأفراد تسجيل ممتلكاتهم العقارية أراضي، شقق، محلات، أسهم عقارية بدون دائرة للعقارات أو الأراضي، بل ويمكنهم أيضًا رصد حركة تجارتهم، كشحنة تجارية انطلقت من بلد المنشأ، وقد تأخذ وقتًا للوصول إلى بلد آخر، سيتم من خلاله تسويق الشحنة، فيتم ربطها بنظام البلوك تشين، فيكون الطرفان على علم بما هو حال الشحنة التجارية، فتعطى الهاش الخاص بها، لغرض ضبط الكتلة منذ البداية، ولا يمكن إحداث تغيير على السلسلة بعد إعطائها الهاش الخاص بها، فالكتلة الأصيلة لا يمكن تغييرها منذ إطلاق مسارها، ويكون هناك رصد واضح بالموقع الذي تصله، خطوة بخطوة لحين وصولها إلى محلها الصحيح.
يعني أن البلوك تشين سجل مفتوح لكل المشتركين، مكشوف لدى الجميع، كل السلع متاحة للناظرين، حركة التنقلات بين الأموال والممتلكات بينة وواضحة لكل المشتركين، إذا فالتسجيل لا يحتاج إلى واسطة، بل تتم بين الطرفين المعنيين مباشرة، فيتم البيع والشراء عبر البلوك تشين، لأنه سجل مفتوح، ويعرف به كل المشتركين من حدوث عملية بيع وشراء، وتملك (أ) لسلعة (ب)، وحصول (ب) على تعويض مالي من هذه العملية بوضوح تام، وبدون دفع مبالغ كبيرة للوسيط، والذي يتحصل على نسبة عالية قد تصل في بعض الأحيان إلى ١٥٪ من قيمة المبلغ الكلي إذا كان هذا عقارا مميزًا.
المطلب الخامس: أبرز الملاحظات المنهجية على تقنية البلوك تشين
هناك عدة محاذير أو ملاحظات يمكن بيانها هنا بعدما تعرفنا بصورة واضحة على منهجية البلوك تشين، وقد أشار إليها أكثر من مختص، سنجملها في التالي(21):
أولًا: المساعدة في أعمال غير شرعية أو قانونية، بما أن هذه المنهجية متاحة للجميع، ولجميع المجالات والأعمال، فيمكن أيضًا استخدامها عبر التشفير القائم فيها، وعدم وجود أسماء حقيقية لأصحابها؛ إذ تتيح هذه المنهجية استخدام ألقاب غير الأسماء الحقيقية Nick Names وإن كانوا ظاهرين أمام جميع المشتركين، ولكن تعرف الفرد، ولا تعرف اسمه الحقيقي، وهذا قد يساعد في أعمال غير مشروعة أصلًا، كبيع السلاح أو المخدرات أو تهريب القطع الثمينة، وغيرها.
ثانيًا: هذه المنهجية أيضًا قد تساعد في إلغاء مؤسسات وسيطة، خصوصًا في القطاع العام والأعمال والمؤسسات المالية، فتمهد هذه المنهجية لاندثار العديد من الوظائف الإشرافية والإدارية بسبب عدم الحاجة إليها؛ إذ يمكن للأفراد أن يتواصلوا مباشرة بدون وسيط، وهذا يشكل تهديدًا واضحًا للبنى المؤسسية والتنظيمية في القطاع العام والقطاع الخاص في الدولة. وهذا يفسر سبب الحذر الواقع في البنوك والمؤسسات المالية من استخدام هذه التقنية، لأنها قد تعطل أنظمة عمل وإجراءات امتدت عبر عقود طويلة، فمن الصعب تجاوزها لصالح تقنية حديثة.
ثالثًا: وقوع اختراق في منهجية البلوك تشين، على الرغم من صعوبة وقوع اختراق في سلسلة الكتل التي تنتشر في ملايين الأجهزة للمشتركين، ولكنه قد يتم الاستيلاء على بعض البيانات الشخصية للأفراد، وهذه قد تتم من خلال عمليات بيع وهمي، أو تحويل زائف، فيتم من خلاله كشف بعض المعلومات والبيانات الخاصة للأفراد، ما يشكل تهديدًا حقيقيًا لبعض المشتركين، ويقع هذا النوع من الاختراق في البلوكات قليلة العدد قليلة الاستخدام، ما يجعلها تتعطل بسبب تعرضها لهجوم واضح. وقد يتم تسويق منتوجات على أنها أصيلة وتأخذ كود غير التي لها، ويتم التسويق على ذلك، وهذا نوع من التلاعب بجودة المنتوجات، ما يؤثر سابًا على سمعة هذه التقنية. والأمر نفسه، يمكن قياسه على الشهادات الجامعية، فكيف نعتقد أن هذه الوثيقة المصدقة هي لنفس الشخص، قد يحدث تلاعب واضح وبين، ويتم بيع هذه البيانات على أنها حقيقية، علمًا أنها أصلًا زائفة، وهذا الأمر قد يسبب ضرر بين في الالتزامات المالية بين المتبرعين والمستفيدين من الخدمة(22).
رابعًا: ضعف الاستجابة في قبول التقنية كإطار عمل بين الأفراد والمؤسسات، على الرغم من مرور أكثر من عشر سنوات استخدام لهذه التقنية في مجال العملة المشفرة، إلا أنها لم تغز باقي القطاعات والمجالات الحياتية، ولعل السبب الأوضح هو أن هذه التقنية خاصة، ولا يتعامل بها إلا أهل الاختصاص والفنيون. فضلًا عن ذلك كله، نقص الثقة في هذه التقنية يجعل التواصل مع القائمين عليها ضعيف جدًا، فالياباني «ساتوشي ناكاماتو»، من أسس هذه التقنية ما زال غير معروف كباقي المشاهير الذي أسسوا تطبيقات تقنية، واشتهرت أعمالهم، وتم تطبيقها وممارستها بشكل واسع جدًا.
خامسًا: غياب جهة مركزية يمكن التحاكم إليها في حال وقوع نزاع أو شقاق، أو اختراق وتسريب معلومات وبيانات مالية، أو حدوث قرصنة وتلاعب في البيانات، وغير ذلك. فليس هناك جهة يمكن التحاكم إليها ضمن هذه المنهجية.
سادسًا: ارتفاع الكلفة في القدرة الحاسوبية Computational Power والقدرة التخزينية Storage، والتي تمتاز بشروط فنية محددة، ما يعني أنه سيكون هناك كلفة لمن أراد الاشتراك بهذه التقنية، وهذا يعتمد على الشروط الفنية في مكان دون آخر، وقدرة المجتمعات على الانسجام مع الثورة الذكية التي تتصاعد عمليًا بين الأفراد والمجتمعات، وقد يستغرق هذا عدة سنوات كي يتقبل عموم الناس البيئة والآثار التي قد تنتج عن هذه التقنية، لأن القابلية بين العملاء محدودة جدًا، ومحاذير الآثار القانونية للعقود قائمة، فضلًا عن قيود التخزين، وعدم كفاية الأدوات المتاحة لكل الأفراد. فمتى أدرك العملاء وعموم مستخدمي التقنية الحديثة أن الثورة المعلوماتية بكل ما فيها من تقنيات، ومنها تقنية البلوك تشين لها القدرة على التوسع Scalability(23)، يمكن في هذه الحالة أن تنمو هذه التقنية تدريجيا في واقع العمليات اليومية.
المبحث الثاني: العلاقة ما بين تقنية البلوك تشين وعمليات الوقف
قبل التعرض إلى العلاقة بين نظام الوقف وهذه المنهجية الحديثة، يجدر بنا تقديم تصور جامع يوضح هذه العلاقة، ومآلاتها، وما هو الإطار العام الذي يمكن لهذه التقنية من خلاله خدمة نظام الوقف.
فالأصل العام أن «تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة»(24)، فالأصل أن يتحرى من ينوب الإمام عن نظارة الأوقاف في إدراك مصلحة الوقف في أي صيغة أو تقنية أو منهجية أو طريقة يمكن من خلالها تطوير الأصول الوقفية والغلات.
لقد تبين لنا بوضوح أن البلوك تشين هي منهجية تسمح لكل الأفراد المشتركين المساهمة بصورة واضحة في الأطر العملية التي تفتحها التقنية لهم لغرض تغطية مصالح الأفراد أو المؤسسات، ومن هذه الأطر نقل الملكيات، أو توثيق الأعمال، أو تحويل الأموال أو حتى التبرعات، وغير ذلك.
نلحظ من هذا أن هناك أعمالًا فردية وأيضًا أعمال جماعية تأتي كلها ضمن السجل المفتوح لتقنية البلوك تشين، وبالتالي إذا كان الأمر فرديًا، من فرد لفرد، أو من فرد لصالح مشروع أو مبادرة، أو ما أوقفه مشترك بعينه بالتقنية البلوك تشين لجهة معينة، فالأمور تكون واضحة، ولكن لو كان التصور أن يكون إطار العمل جماعي تجاه نقطة معينة في السجل المفتوح، وهو توجه مجموعة من الأفراد أو المشتركين أصحاب الحسابات في تقنية البلوك تشين نحو دعم وتمويل أو تبرع نقدًا أو عقارًا أو بأموال منقولة أو خبرات تجاه مبادرة أو مشروع، فهذا يحتم علينا دراسة فكرة التمويل الجماعي، كإطار عام يمكن من خلاله توثيق تقنية البلوك تشين، ودعمها للمشروع الوقفي.
المطلب الأول: علاقة البلوك تشين بصيغة التمويل الجماعي
تكاد تتقاطع توجهات العاملين في الأوقاف في عصرنا الحاضر على فكرة التمويل الجماعي، سواء بالتفكير والإدارة فيقولون دمج الأوقاف، أو توحيد الأوقاف، أو بداعي جلب التمويل فيقولون الوقف الجماعي(25).
الوقف الجماعي هو ما اشترك به جماعة من الناس فيما يملكون لصالح جهة معينة، سواء أكان مشروعًا وقفيًا، أو مصرفًا وقفيًا، أو حتى دعم إطار مؤسسي يشرف على مجموعة مشاريع(26)، وهذا الإطار العام نلاحظه في عمل تقنية البلوك تشين؛ حيث تكون سلسلة الكتل منتشرة في أماكن مختلفة متباعدة، لكن بتوقيع رقمي لكل كتلة مشفوعة بكتلة أخرى، يمكن أن يشارك فيها الأفراد بصورة واضحة جدًا.
وهذا يعني أن الإطار العام الذي قد يجمع تقنية البلوك تشين ونظام الوقف قد يكون إطار التمويل الجماعي، وهذا الإطار غير محصور فقط بتقنية البلوك تشين، بل هو مستخدم من قبل، سواء أكان من قبل المؤسسات الوقفية في شكل الصناديق الوقفية، وهي شكل من أشكال تمويل الأوقاف، قامت به بدايةً الأمانة العامة للأوقاف في دولة الكويت؛ إذ تعتبره «الإطار الأوسع لممارسة العمل الوقفي»(27)، أو من خلال بعض المؤسسات التي تُعنى بتمويل المشاريع عبر منصات التمويل الجماعي Crowdfunding platform، وهذا كله مقبول، ما دام يحقق مصلحة واقعة.
المطلب الثاني: تقاطع تقنية البلوك تشين مع العمليات الرئيسة للوقف
الوقف هو قربة شرعية، ولكنه في الوقت نفسه نظام اقتصادي اجتماعي، له بنيته الخاصة به، ويمكن أن يعبر عن هذا بالعمليات الرئيسة التي تدير النظام الوقفي، وهذه العمليات الرئيسة عددها خمس، والترتيب فيها ركن أساسي، وهي في الشكل رقم [٨](28):
الشكل رقم [٨]
وإذا أردنا التحقق من التقاطع البين ما بين نظام البلوك تشين وعمليات الأوقاف، يمكن إجراء فحص فني بينهما من خلال التدرج مع نظام هذه العمليات الخمس، كالتالي:
١- الاستقطاب
عند الفقهاء تعتبر هذه العملية الإدارية مهمة جدًا؛ لأنها الأساس في إنشاء الوقف، ويلزمها بيان مصرفه، كما قال فقهاء الشافعية، «شرطوا في الوقف بيان المصرف»(29). فالعملية الأولى في نظام الأوقاف يمكن أن تستفيد من تقنية البلوك تشين بالتسويق والإعلان عن استقطاب أصول وقفية جديدة؛ حيث تسمح هذه التقنية ومن خلال الأداء الواضح لجميع المشتركين؛ حيث إننا اعتبرنا أنها تقنية تشكل سجلًا مفتوحًا لكل المشتركين أن يتبادلوا العمليات المشتركة، أو نقل الملكيات ومنها تحويل الأموال، كالتبرع للآخرين بأوقاف نقدية، أو نقل ملكيات عقارية – الوقف العقاري – لصالح مشاريع خيرية، وهكذا.
فالعملية الأولى قد تنسجم مع السجل المفتوح لتقنية البلوك تشين، وقد تستفيد أيما استفادة؛ حيث إن المشروع يكون متاحًا لجميع المشتركين في كل مكان بالعالم، وهذا يعزز المصداقية، ويضبط الحوكمة؛ حيث يعرف مصادر التبرع من أين، وأين تذهب، وكيف تنفق.
وتقنية البلوك تشين تحافظ على السرية والخصوصية في جمع التبرعات، فلا يظهر اسم المتبرع إن أراد ذلك، ويتأكد لديه قدرته على معرفة تبرعه أو وقفه كي يمضي ويسجل ويصرف ريعه، لأنه سوف يحصل مقابل وقفه الذي حبسه من خلال تقنية البلوك تشين على صك وقفي على وقفه.
٢- العملية الثانية وهي الحصر والتسجيل
وهذه من أكثر المعضلات التي تواجه نظام الأوقاف في العالم الإسلامي؛ إذ لا يخلو مجتمع إسلامي فيه أوقاف من هذه المعضلة، وهذا يفسر لنا الضياع الشديد للأصول الوقفية، إما أنها غير مسجلة رسميًا، أو فيها تنازع في الملكية مع آخرين كالورثة، أو أن حجية الوقف ضائعة، أو أن الوقف قد تم سرقته، أو تم ضمه إلى أملاك العائلة أو الناظر.
ومنذ بواكير الحركة الوقفية، كان الفقهاء يؤكدون على هذا المعنى، وهو ضرورة تسجيل الأوقاف، كما يقول القرافي عن الأحباس:»وهي كثيرة الفروع، مختلطة الشروط، متباينة المقاصد، فينبغي لكاتبها أن يكون حسن التصرف في وقائعها، عارفًا بفروعها وقواعدها»(30). وقد مر معنا سابقًا في المبحث الأول أن من أطر عمل تقنية البلوك تشين هو البيانــات الموزعة(31)، بحيث يتم توزيع البيانات على جميع المشتركين، بدون مركزية مسيطرة، وتكون متاحة للجميع، فضلًا عن أن تطبيق البلوك تشين، هو أصلًا يتيح تسجيل الممتلكات، ومنها الممتلكات العقارية؛ حيث يشكل العقار الأغلبية من ممتلكات أنواع الوقف، وأيضًا هذه التقنية تقوم بتوثيق المعاملات، وهذا ما تحتاجه المؤسسة الوقفية.
وبعبارة أخرى، يمكن أن تستفيد المؤسسة الوقفية من البلوك تشين في أمرين مهمين للغاية:
− العمل على تسجيل كافة الأوقاف بمختلف أنواعها، وأيضًا بما يمكن أن يساهم في قيمة مضافة للمؤسسة الوقفي، كــ «منافع الوقف»، أو تسجيل «براءات الاختراع والابتكار»، كأوقاف معنوية لها قيمة سوقية تسجل لصالح المؤسسة الوقفية.
− توثيق الإجراءات والمعاملات بين المؤسسة الوقفية وأصحاب المصالح فيها، كالمحاكم الشرعية، ودائرة الأراضي والعقارات، والمصارف والبنوك، والموردين، وغيرهم ممن يملك مصلحة وعلاقة بمؤسسة الأوقاف، فيتم من خلال هذه التقنية توثيق كل ما يحدث من إجراءات عمل كما في الشكل رقم [٩].
الشكل رقم [٩]
إن أحد مميزات تقنية البلوك تشين، هو نقل أصل الملفات وليس نسخًا عنها لجميع المشتركين في هذه التقنية، وهذا يعني صعوبة التلاعب في الملف المنقول من طرف لآخر داخل الكتلة، ثم داخل السلسة، وصعوبة التلاعب أو تزوير البيانات بعد إتمام العملية(32)، وهذا في غاية الأهمية التي قد يحتاجها الواقف حفاظا على وقفه من الضياع.
٣- الصيانة وتهيئة الوقف للإنتاج والفعالية
هذه العملية تختص بالصيانة وتهيئة الوقف، ويمكن أن يستفاد منها أيضًا في استقبال متبرعين أو واقفين في مجال خبرات معينة، كمتبرع يعمل على إدارة أوقاف عقارية لصالح المؤسسة الوقفية، [ تبرع بالخبرة]، أو شركة خدمات عقارية تساهم من باب المسؤولية الاجتماعية في تنظيم إدارة عقارات مؤسسة الأوقاف، وهكذا ضمن الدفتر المفتوح لكل المشتركين(33).
٤- الصرف على المستحقين
هذه العملية إجرائية، ولكنها رئيسة، لأن الوقف قائم بالأساس على احترام شرط الواقف، فيلزم المؤسسة القيام بالصرف على المستحقين ضمن شرط الواقف. ويمكن لتقنية البلوك تشين تسهيل الإجراءات، من خلال التعرف على المستحقين، أو حال انتهى غرض الوقف، أن يتم التعرف على مستحقين يتماثلون مع شرط الواقف، كي يبقى الصرف قائمًا؛ احترامًا لشرط الواقف، ويتم هذا من خلال تبادل البيانات بين سلسة الكتل ذات الهاش المشترك.
٥- استثمار جزء من الريع
وهذه العملية الرئيسة الخامسة والأخيرة، ولكنها هي من يعزز من نظام الوقف في المجتمع، ويمكن أن يتم الاستفادة من تقنية البلوك تشين في تطوير هذه العملية ضمن هذا المخطط الواضح في الشكل رقم [١٠].
الشكل رقم [١٠]
ويمكن ضبط هذه المعايير بالتالي:
− أن هذه تقنية تخصص لفئة المستثمرين تحديدًا، ويكون ضبط عناصر التقنية المطلوبة، الكتلة، المعلومة، تخصيص الهاش، بصمة الوقت، فتكون كتلة متخصصة لا يلج فيها إلا المستثمرون.
− أن تكون الكتلة المتخصصة قائمة على دراسة جدوى للمشاريع أو المبادرات التي ترغب مؤسسة الوقف عرضها لهذه الفئة.
− أن تكون هذه الكتل في النهاية مخصصة لصالح مؤسسة الأوقاف، أو المستحقين لهذه المشاريع الخيرية.
− أن تنتهي ملكية هذا المشروع في النهاية لصالح مشروع مؤسسة الوقف.
− أن تصدر مؤسسة الأوقاف لصالح المستثمرين، سواء أكانت المشاركة عبر بيع صكوك استثمارية أو قروض أو صيغ مالية محددة.
− أن تخضع كل هذه العمليات والإجراءات عبر تقنية البلوك تشين للحوكمة والمراقبة والتدقيق، وهذا يسهل التعاقد بين مؤسسة الوقف وغيرها من الأطراف.
المطلب الثالث: نموذج عملي لتطبيق الوقف ضمن تقنية البلوك تشين
حتى كتابة هذه الأسطر(34)، لا يوجد هناك تجربة عملية لتطبق أنظمة الوقف ضمن منهجية البلوك تشين إلا في تجربة شركة فنتيرا في ماليزيا(35)، ولقد حاولت الشركة تقديم تصور واضح قائم على احتياجات مؤسسة الأوقاف، ومشاكلها في الإدارة والاستثمار، وضياع العديد من أصولها بسبب عدم الاحترافية في الحفاظ على أصولها بشكل مناسب.
ترى الشركة أن هذه التقنية تشكل رافعة لحل العديد من مشاكل الأوقاف، وقد تمثل نهضة حقيقية للوقف، في تطوير البنى المؤسسية، وزيادة القيمة السوقية للأصول، وارتفاع نسب الريع؛ فهي ترى أن البلوك تشين يمكن أن يساهم في تطوير أصول المؤسسات الإسلامية، لا سيما الصدقات والزكاة والوقف، كما في الشكل [١١](36):
الشكل رقم [١١]
وقد تشهد هذه التجربة التقنية نجاحًا إذا استطاعت تذليل الصعوبات التي تواجه قطاع الأوقاف في الدول، والحصول على تعاون من قطاع الأوقاف الحكومي فيها، ما يجعل الأوقاف تشهد نموًا واضحًا؛ لأن الأرقام تثبت أن حجم الأوقاف في العالم قد يزداد في ظل النسبة الحالية والمقدرة بـــ ٦٠٪، كما في الشكل رقم [١٢](37).
الشكل رقم [١٢]
وعمل شركة فينتيرا هو في دفاتر الحسابات اللامركزية، والتي تحتوي كل معاملة تمت معالجتها «مما يسمح لجهاز الكمبيوتر الخاص بالمستخدم التحقق من صحة كل معاملة، وتتم حماية صحة كل معاملة من خلال التوقيعات الرقمية المقابلة لعناوين الإرسال، مما يسمح لجميع المستخدمين التحكم الكامل في إرسال نظام الرمز المميز»(38).
وتسعى الشركة إلى دراسة إمكانية تطوير قاعدة البيانات لدى المؤسسة الوقفية من خلال استعمال منهجية البلوك تشين، وتكون خاضعة للحوكمة والمراقبة والتدقيق، كما في الشكل رقم [١٣] التالي(39):
الشكل رقم [١٣]
ومع هذا الجهد المميز لها، لكن تواجه عقبات سوف نتطرق إليها في المبحث الثالث، عندما نتعرض لدراسة التكييف الشرعي لمنهجية البلوك تشين، وهل يمكن الاستفادة منها كليًا أو جزئيًا، ضمن المحاذير والمخاطر التي قد تعترضها، كما مر معنا.
لقد قدمت شركة فينتيرا نموذجًا عمليًا تحت مسمى مشروع WAQF Chain، من خلال تأسيس منصة للتمويل الجماعي تستخدم تقنية البلوك تشين لإنشاء «عقود ذكية ترتبط بمشاريع محددة للأوقاف، ويكون ذلك بتوفير وسيلة أكثر فاعلية لجمع الأموال، وإدارة ونقل ملكية الوقف، ويكون ذلك عن طريق تلقي تبرعات من المسلمين لتشغيل مشاريع اجتماعية»(40).
ولا شك أن هذا النموذج سيكون خاضعًا لقوانين الحوكمة والسياسات الرشيدة، ويمكن التدقيق عليه، ومتابعة حركة الأموال وصرفها.
المبحث الثالث: التكييف الشرعي لاستخدامات تقنية البلوك تشين في أعمال مؤسسة الأوقاف
ينسجم الحديث عن هذه التقنية لأنها تصب في دعم موجة إحياء الوقف الإسلامي في عصرنا الحاضر(41)، وفي هذا المبحث سوف نبحث التكييف الشرعي لهذه التقنية، هل يمكن إطلاق القول بجوازها، أو جوازها مع بيان بعض المحاذير، أو أنها تقنية قد تشكل خطرًا واضحًا على الأصول الوقفية، إلى غير ذلك من الأبعاد الشرعية الهامة، وأهم هذه الأبعاد التي نراها هو: هل تحقق المصلحة الشرعية من استخدام تقنية البلوك شين في قطاع الوقف؟
والسبب أن كتاب الوقف كله قائم على الاجتهاد وإدراك المصلحة، وعلى وصف الفقهاء «والحاصل أن تصرف القاضي في الأوقاف مقيد بالمصلحة، لا أنه يتصرف كيف شاء، فلو فعل ما يخالف شرط الواقف، فإنه لا يصح إلا لمصلحة ظاهرة»(42).
المطلب الأول: تحقق أركان الوقف في تطبيقات البلوك تشين
كما هو معلوم عند الفقهاء أن أركان الوقف هي العين الموقوفة، الواقف، والموقوف عليه، هؤلاء الثلاثة أركان يتم تحديدهم في الركن الرابع، وهو الصيغة(43). وإذا نظرنا عن كثب عن واقع تحقق أركان الوقف في تقنية البلوك تشين، نجد أن التقنية تحقق تواجد أركان هذا النظام الشرعي، من خلال المعايير التالية:
١- الواقف، عندما تقوم المؤسسة الوقفية بالإعلان عن مشروعها الوقفي، أو الدعوة للتبرع لصالح مصرف وقفي محدد، فهي تريد استقطاب أوقاف جديدةً، سواء أكانت عقارًا، أو مالًا منقولًا، أو مالًا نقديًا، وعلى الأرجح تكون الأموال في الأعم الأغلب أوقافًا نقدية، للسهولة واليسر، ولاختلاف المكان وجنسيات المتبرعين؛ حيث إن هذه التقنية مفتوحة على مصرعيها تجاه العالم الافتراضي، فالواقف يتحقق وجودًا واقعيًا بتبرعه أو بمساهمته المالية لهذا المشروع من خلال هذه التقنية.
وشروط الواقف عند الفقهاء أن يكون أهلًا للتبرع، ومالكًا للموقوف(44)، وهذا متحقق ظاهريًا في المتبرعين أو الواقفين عبر التقنية، فكل شخص قادر على استعمال البلوك تشين، وحر بإرادته – مالم يثبت العكس – أن يحبس لصالح مشروع الأوقاف، والتقنية تثبت هذا ظاهريًا وتتحصل على تحقيق هذين الشرطين مالم يقع خلافه حقيقة.
لكن قد يؤخذ على هذه التقنية، أن هناك أسماء غير حقيقية لبعض المشتركين، فيكون الواقف هنا مجهولًا، وإن كان وقفه معلومًا، ومصرفه معينًا من قبل مؤسسة الوقف، ففي هذه الحالة، يقبل الوقف، سواء أكان الواقف معلومًا أو مجهولًا، مسلمًا أو غير مسلم(45).
فالفقهاء ذكروا أنه لا يشترط أن يكون الواقف مسلمًا، فالوقف «يصح من الذمي؛ لأن الوقف ليس موضوعًا للتعبد به بحيث لا يصح من الكافر أصلًا، بل التقرب به موقوف على نية القربة»(46).
وعلى كل الأحوال، فالوقف لا يعود لصاحبه حال انتهى الغرض منه، وقد أشار إلى هذا الفقهاء قديمًا باختلاف واقع بينهما، ورجحنا أن يكون الوقف حال إطلاقه ينفصل بملكيته عن صاحبه الواقف(47).
٢- العين الموقوفة، كل ما يتم التبرع به لصالح مشروع المؤسسة الوقفية عبر تقنية البلوك تشين، هو وقف، ما دام مالًا متقومًا، وبهذا يتحقق قدر الواقف أن يتبرع بالوقف الذي يكون معينًا، ويكون ما ينتفع به مع بقاء عينه، وأن لا يتعلق بالعين الموقوفة حق الغير، وأن يكون مما يجوز بيعه(48)، ويكون مقبول التعامل به حال توفر به شرطان، هما(49):
− الحيازة، وهو أمر حسب ما تم الاطلاع على تقنية البلوك تشين، سهل وميسر؛ إذ يتم تحويل كافة التبرعات المخصصة لهذا المشروع أو ذاك على حساب المشروع الوقفي المخصص، فحيازة الوقف أمر ممكن التحقق منه.
− الانتفاع به، وعلى الأغلب أن كل الأموال التي سوف تخصص للمشروع ستكون عقارية، ولكن هذا لا يمنع من حصول أموال مصادرها قد تكون غير شرعية، مثل فوائد البنوك الربوية، أو من شركات تتعامل بالمحرمات، تريد المساهمة في مشروع وقفي يخدم المجتمع من باب المسؤولية الاجتماعية، وغيرها من الأشكال.
وهذا الأمر يمكن مناقشته حالة بحالة، ولكن بشرط التثبت من مصادر هذه الأموال، ومن لم يثبت مصدره، لا يمكن البحث عن هذه المصادر التمويلية ما دامت جاءت كتصرف واضح من المالك لها.
٣- الموقوف لهم، وهذا الركن الثالث سيكون واضحًا من عرض المؤسسة الوقفية عبر البلوك تشين؛ إذ سيتحقق التبرع لجهة يتم تعيينها من قبل المؤسسة الوقفية، وهنا الجهالة ستكون منفية، بل معلومة ومعينة، ومصرفها معلوم بكل ما فيه من شروط أمام الواقف، الذي سيتبرع بمحض إرادته لصالح هذا الوقف.
ومن شروط الوقف عند الفقهاء «أن يقف على معين من جهة، كمسجد كذا أو شخص، لأن الوقف يقتضي تحبيس الأصل تحبيسا لا تجوز إزالته، ومن ملكه غير ثابت تجوز إزالته»(50).
٤- الصيغة، وهذا الركن الأخير، وإمكانية تحقيقه قائمة، لأن المؤسسة الوقفية ستقوم بإصدار صك أو حجية وقفية لصالح الواقف عبر البلوك تشين، وسوف يحصل عليها باعتباره متبرعًا وواقفًا، وسيتم صياغة الحجية بناء على معالم المشروع الذي تعده، وتشرف عليه المؤسسة الوقفية؛ إذ تحدد طبيعة المشروع، والمصرف الوقفي، وبمجرد أن يلتزم المشترك بدفع قيمة الوقف المستحق ضمن معايير مؤسسة الوقف، سوف يحصل على صك وقفي يتناسبك مع رغبته من الوقف.
المطلب الثاني: تحقق كفاءة النظارة على تقنية البلوك تشين
ضمن تقنية البلوك تشين، فالأصل أن العمل ينحصر في تحويل الأموال أو الملكيات من مرسل إلى مستقبل، ضمن إجراءات سلسلة الكتل، بيد أننا ملزمون بضبط هذه العملية من خلال ما يعرف بالنظارة على أصول هذه الأموال الوقفية.
والنظارة شيء ملزم، وهي «سلطة شرعية تجعل لمن ثبتت له القدرة على وضع يده عليه، وإدارة شؤونه من استغلال وعمارة وصرف الريع إلى المستحقين»(51)، بيد أن المؤسسة الوقفية يجب عليها أن تعالج الشكل الأنسب لهذه النظارة على الأموال المتجمعة في تقنية البلوك تشين، من خلال المعايير التالية:
١- يجب أن تحقق النظارة على هذه الأموال من خلال معرفة ماهية التقنية ومآلاتها، وهنا يجب أن يكون هناك موظف أو قسم متخصص يتابع أعمال جمع الأموال عبر هذه التقنية، ويعرف القضايا التقنية الخاصة بها، كي يتم التعرف على كل صغيرة وكبيرة واردة في هذه التنقية، كي يمنع عن المؤسسة حالة الغبن أو التدليس أو حتى الخطر.
٢- يجب أن تثبت النظارة حقوق المساهمين كلها، ولو كان المبلغ قليلًا أو كثيرًا؛ لأن الأصل أن يثبت أن هذا المساهم عبر هذه التقنية، – ولصالح هذا المشروع الوقفي – هو في المحصلة واقف، يجب أن يأخذ حقه من هذا، من خلال وثيقة الوقف، والتي قد تكون إلكترونية حال رأت المؤسسة ذلك.
٣- استثمار الأصول الوقفية المتجمعة من هذه التقنية باعتبارها لن تكون أوقافًا موحدة الشكل، فقد تكون تبرعات عبر أوقاف عقارية، وقد تكون أوقافًا منقولة، وقد تكون – وهذا الأغلب – أوقافًا نقدية، أو حتى منافع يمكن الاستفادة منها، فهذه كلها يجب أن توضع في حساب مصرفي كي تتمكن النظارة على هذه التقنية من الاستفادة منها بالشكل الأمثل.
٤- النظارة التي تعينها مؤسسة الأوقاف على هذه التقنية، هي ضامنة أو تضمن أي تقصير يقع فيها حفظ الأصول الوقفية، وخصوصًا أن الشرط الذي يجب توفره فيها، هو الكفاءة التقنية ومن بعد الكفاءة الاستثمارية، وهذا يعني إذا وقع تقصير في هذا، فإن النظارة تضمن هذا شرعًا، وكما ذكر الفقهاء؛ إذ عندهم النظارة لا يتولاها «إلا أمين قادر بنفسه أو بنائبه، لأن الولاية مقيدة بشرط النظر، وليس من النظر تولية الخائن لأنه يخل بالمقصود، وكذا تولية العاجز لأن المقصود لا يحصل به»(52). ويمكن للمؤسسة الوقفية تحقيق النظارة على هذه التقنية ضمن فريقها المتخصص، والقادر على ضبط التعامل مع هذه التقنية وآثارها الشرعية.
المطلب الثالث: إمكانية تصكيك الأموال الوقفية المتجمعة في البلوك تشين لتمويل الأوقاف
من القضايا التي يجب التنبه لها، هو إمكانية أن تشكل البلوك تشين قاعدة لجمع أصول وقفية من مختلف المصادر – وهي أشبه بصندوق وقفي مصغر– ويمكن أن تكون هذه الأموال بمختلف أنواعها محلًا لإصدار صكوك استثمارية للمستثمرين، فالأصول الوقفية هي موجودة حال توثيقها في البلوك تشين، – سواء أكانت أوقافًا مختلفة كالعقار أو النقد، أو حتى منافع وقفية، – لأن الأصل في الصكوك الإسلامية أن تكون قائمة على أصول قائمة، وليست ديونا(53)، ويشمل هذا بالعموم كل وقف يتم وقفه داخل البلوك تشين، ما دام تحققت أركانه التي أشرنا إليها سابقًا.
والبلوك تشين سوف تختص بنقل الملكيات من طرف لآخر، من الواقف أو المتبرع عبر تقنية البلوك تشين إلى صالح ملكية المشروع الوقفي، ثم المؤسسة الوقفية تصدر حجية وقفية بنقل الملكية، وتعمل على تصكيك هذه الأصول المتنوعة لصالح المشروع الوقفي، وهذا يُعطيها القدرة على فتح باب الاكتتاب لدى جميع المستثمرين، سواء عبر البلوك تشين، أو حتى في السوق المالي، لتعمير ممتلكاتها، وهنا المجال يكون متاحًا للواقفين والمستثمرين معًا، جزء يشتري أسهمًا، والآخر يستثمر في الصكوك ضمن نشرة الإصدار التي تحدد حجم الصكوك التي سوف تستثمر في هذا المشروع.
تقنية البلوك تشين، يمكن أن تقسم ما هو سهم، وما هو صك، بين ما هو تبرع محض، وبين ما هو استثمار يبحث عن زيادة في رأسماله، وهذا يمكن تحقيقه من خلال التقنية.
وحسب الاطلاع على أعمال شركة فينتير، فإن هناك أربعة معاملات مالية يمكن أن تتحقق من خلال منصة البلوك تشين والوقف، وهي «الوقف النقدي، القرض الحسن، المضاربة، والصكوك»(54)، وهذا ما يجعل إمكانية تصكيك قائمة إذا كان هناك توجه لدى المؤسسة الوقفية من خلال الاستفادة من تقنية البلوك تشين.
وهذا يسهل على القائمين على أمر مؤسسة الوقف إصدار صكوك استثمارية بناء على ما سيكون من مضمون الحملات التي تقوم بها البلوك تشين، وهي:
١- تقدير حجم الأموال الموقوفة التي يتم رصدها ونقلها عبر البلوك تشين إلى واقع موجودات مؤسسة الأوقاف، وبالتالي هذه الموجودات عبارة عن أصول مالية قائمة في حيازة الوقف.
٢- تكلف مؤسسة الوقف بإصدار صكوك وقفية من خلال جهة معتمدة يمكن لها أن تعمل على نشر الإصدار الخاص، والصكوك تكون متساوية القيمة، ويتم طرحها في السوق لجذب المستثمرين ومنه يتم إشراك المستثمرين في تمويل المشاريع الوقفية ضمن عقود وصيغ مالية استثمارية، أو جذب المصارف والمؤسسات المالية إذا كان المشروع فيه جدوى اقتصادية مميزة.
٣- يقع الاكتتاب في السوق المالي ويتم حصر المشاركين في الصكوك ومنهم صكوك الواقفين، الذين تبرعوا عبر البلوك تشين، وتمثلهم في هذا الشأن مؤسسة الوقف.
٤- من البلوك تشين – ومنه تشكيل موجودات قائمة لصالح مؤسسة الوقف، – ومن ثم إصدار صكوك استثمارية يتم إشراك مستثمرين ومؤسسات مالية ضمن اكتتاب في السوق المالي، كل هذا من أجل الخروج بمشروع وقفي، تكون ملكيته في النهاية لصالح مؤسسة الوقف.
٥- المساهمون عبر البلوك تشين، هم من يشكلون مجلس الإدارة، وأصحاب الصكوك سواء أكانوا أفرادا أو مؤسسات، هم «ضيوف»على المشروع، يشاركون بأموالهم لغرض الربح وليس التبرع المحض، فلا يحق لهم أن يكونوا أعضاء بمجلس الإدارة، وإنما يستثمرون أموالهم لفترة، فيسترجعون رأس المال، ونسبة من الأرباح، ومن ثم يتم تغطية وإطفاء مساهماتهم المالية، كي يعود المشروع صافيًا لملكية مؤسسة الوقف.
المطلب الرابع: معالم المخاطر الشرعية لتطبيق الوقف ضمن منهجية البلوك تشين
نوضح بعض النقاط العامة لتجلية الأمر.
١- إن منهجية تقنية البلوك تشين، منهجية عامة متاحة لكل الأعمال – ومنها الوقف – بيد أن هناك مشكلة فنية في عمليات الأوقاف تمتاز بالاستقطاب والصرف، ويمكن إجمال ذلك في الشكل رقم [١٤]:
الشكل رقم [١٤]
− حال الاستقطاب، وهي العملية الأولى، يتبين لنا أن الأصل في استقطاب أي أموال مختلفة الأشكال، عقارية، منقولة، نقدية عبر البلوك تشين، لا يلزم منها التدقيق على أصحابها، ومسمياتهم قد لا تحتاجها المؤسسة الوقفية إلا في حالة أراد أصحابها توثيق تبرعاتهم وأوقافهم، ففي هذه الحالة يجب التأكد، كما يجب أن يكون الوقف الذي يتم تسويقه واضح المعالم(55).
− حال الصرف، وهي العملية الرابعة، وهو أن تقوم مؤسسة الوقف بالصرف على المستحقين من ريع هذه الأصول الوقفية عبر البلوك تشين، وفي هذه الحالة يجب التحقق من هويات هؤلاء المستحقين، ولا يتم الصرف إلا بعد الزيارات الميدانية الموثقة، لأن الناظر ملزم بصرف «الوقف إلى الجهة التي عينها الواقف»(56)، ولا «يشترط قبول مستحقه، لأنه قد لا يكون موجودًا»(57)، ويجب أن يتحقق الصرف على جهة بر، يتم اعتمادها قبل استقطاب الأموال الوقفية، فإذا «لم يكن الوقف على معروف أو بر فهو باطل»(58).
ولكن يرى الأستاذ حميد رشيد، أحد خبراء التقنية، ومؤسس شركة فنيتيرا التي أسست قسم الوقف والبلوك تشين، أنه ومن خلال النظام الأساسي، يتعين على جميع الأطراف المعنية إكمال عملية التسجيل بالإضافة إلى عملية اعرف عميلك؛ حيث تخضع كل الأطراف التي ستستفيد من أي من أوقاف أو هبات إلى عملية بذل العناية الواجبة الصارمة للتأكد من أن جميع المعلومات المتعلقة بأصول الأوقاف أو الهبات صحيحة، كما أن الموجودات نفسها تخضع لعملية العناية الواجبة، فإن المستفيدين أيضًا يخضعون للتدقيق، ويتم تسجيل كل هذه المعلومات في دفتر Blockchain بحيث يمكن تتبع كل هذه العمليات بسهولة(59).
٢- المخاطرة العالية في ضياع أصل الوقف من خلال تقنية البلوك تشين، أنه قد يتم الاستيلاء على بعض البيانات الشخصية للمتبرعين، أو قد يتم تزوير بعض الملكيات العقارية وغيرها، وقد تتعرض بعض الحسابات المصرفية لنوع من الاختراق، وهذا كله قد يقع على الرغم من الإجراءات التقنية الاحترازية التي قد يتم أخذها بعين الاعتبار، وهذا يعني أن هذه المنهجية قد تخالف فلسفة الوقف، وهو أن الوقف يملك الأصل أو منفعته(60).
وهذا يفتح الأسئلة عن كيفية الحفاظ على الأصل الوقفي في ظل تطبيق هذه المنهجية.
لكن بعض الخبراء يرون أن الوقف المسجل في blockchain محمي للغاية، ومخاطر فقدان المعلومات ضئيلة في المنصة؛ إذ أصبح الوقف والأطراف المعنية واضحًا تمامًا من بدايته؛ وسيكون الوقف أو المنشئ له هو مدير الوقف الذي يتمتع بسلطة الحصول على مساهمات الوقف، لإثبات دورهم كوقف وهذا ما سوف يساعد مسؤول الوقف نفسه في الوقف قبل نشره على المنصة؛ إذ يتم تنفيذ الوكالة أيضًا عندما يكلف الوقف الأطراف بالتصرف نيابة عنهم والتأكد من الحفاظ على فائدة الوقف، وسيتم توجيه Cash Waqf المتبرع به إلى مدير الصندوق الذي سيستثمرها في محافظ استثمارية منخفضة المخاطر لضمان حماية الصندوق الأصلي، فضلًا عن ذلك فإن تقارير المستفيدين من الوقف تؤثر إيجابًا في الحفاظ على أساس الوقف(61).
٣- ضعف التوعية والقدرات الفنية لدى موظفي الأوقاف على فهم التقنيات الحديثة، وهذا ينعكس على أصحاب المصالح العامة للوقف في المجتمع، وهذا يجعل من تطبيق هذه المنهجية في ظل هذا الواقع غير فعال، فهي محصورة في فئة الفنيين وأصحاب التخصص أكثر ما هو شامل لأغلب أصحاب المصلحة الوقفية.
كما أن هذه التقنية حصرت سابقًا في العملة المشفرة، فتحول هذه التقنية إلى قطاع الوقف يحتاج جهدا وعملا متكاملا على عدة جهات كي يتم التسويق لها بصورة مناسبة وصحيحة.
وعند نقاش الخبير التقني، نوه على أن توفر المنصة سيوفر التدريب عالي المستوى والفني المختص، وكذلك توفر المنصة الصيانة والدعم اللوجستي المتواصل ما يعزز بيئة التدريب والتطوير لموظفي الأوقاف(62).
تم تطوير البوابة الإدارية بحيث لا يحتاج المسؤول بالضرورة إلى قدرات تقنية لتكوين موقع الويب. يُطلب منهم فقط الحصول على المعلومات المحددة التي يرغبون في تعيينها للولاية القضائية المحددة ويمكن تعيين هذه الإعدادات من خلال بضع نقرات.
٤- نظام الأوقاف له خصوصية وثقافة مجتمعية في كل مجتمع إسلامي، وفي كل مجتمع هناك سلطة تشرف عليه، سواء أكانت حكومة رسمية، أو في ظل مجتمع إسلامي داخل إطار دولة غير مسلمة، تكون السلطة لأبناء الجالية المسلمة من خلال مؤسساتهم القائمة، وهذا يعني أنه لا يوجد إطار مركزي يدير قطاع الأوقاف الإسلامي في العالم، ما يعني أنه ليس هناك جهة اختصاص يمكنها إدارة الخلافات والنزاعات في ملف الوقف بالعالم، بل هو مخصوص بكل جهة على حدة، وبعبارة أخرى، كل سلطة محلية هي من تدير قضايا الأوقاف، ولا يمكن لجهة أخرى أن تتدخل بها، لأن القوانين والتشريعات وضحت هذه في الدستور.
فعلى سبيل المثال، في ماليزيا، لا يمكن للحكومة المركزية التدخل في قضايا الأوقاف في الولايات الماليزية؛ إذ كل ولاية هي من يشرف على أوقافها، وتكون الحكومة عبارة عن مراقب للأداء، ولا تتدخل الحكومة المركزية بأي حال من الأحوال في هذه الأوقاف، لأنها خاضعة لسلطان الولاية.
فإذا كان هذا في البلد الواحد، فما هو الحال في تقنية قد تكون تنتشر في العديد من دول العالم، فما هي الجهة المركزية التي يمكن الرجوع إليها حال وقوع نزاع أو خلاف بين الطرفين، وهذا يجعلنا نبحث عن جهة مركزية يمكن التحاكم إليها في حال وقوع نزاع أو شقاق في تطبيقات الوقف من خلال تقنية البلوك تشين.
لكن يرى الخبير التقني أن النظام الأساسي له سياسات صارمة لحماية بيانات المستخدمين، وكذلك يعمل على تأكيد الشروط والأحكام وعمليات تسوية المنازعات، وسيكون للقضاء الحق في مساءلة الإدارة الفنية المسؤولة على منصة البلوك تشين في هذه الدولة أو تلك(63).
إذ إن عمل شركة فينتيرا سينحصر بالتعاون مع وزارة الأوقاف، ومن خلالها يتم تحديد الأرض الوقفية الصالحة للاستثمار، ثم تقوم الوزارة بإعداد مشروع تنموي يشمل مجموعة من البيانات المحددة عن الوقف، ويتم بعدها إشراك مدقق مالي مستقل بالمراجعة والتصديق على مقترح المشروع المقدم من الوزارة، ثم يتم مخاطبة المصرف لإطلاق ما يعرف بــ ICO العرض الأولي للعملة، لتطوير مشروع الوقف، عبر بيع الرموز المشفرة إلى المستثمرين المعنيين، ثم يكون دور منصة فينتيرا بإعطاء رمز مميز تلقائي لكل مشروع WAQF Chain مقابل رأس المال المطلوب، ويقوم المستثمرون بشراء الرمز، ووضع الأموال المجمعة في حساب مضمون من قبل إدارة الصندوق وهو المصرف(64).
٥- عدم وجود ممارسة تكشف الكلفة المادية لهذه التقنية حال تم تنفيذها في قطاع الأوقاف، وما هي الأدوات الفنية التي يجب توفرها لدى جميع الأطراف كي يتم تسهيل إجراء عمليات استقطاب أو صرف، أو حتى نقل ملكيات بين الأطراف، وغيرها من العمليات، وهذا يجعلنا نبحث عن الآليات وكلفتها، وأثر ذلك على احتساب القيمة التشغيلية من أصل الوقف أو ريعه.
لكن الخبير الفني، يرى أن الكلفة الحقيقية تتحقق في تكلفة المنصة فقط، وأن هذا يشابه كلفة استضافة موقع على شبكة الإنترنت، وأن الرسوم تتحقق في تقنية البلوك تشين من خلال تطوير البرامج، وهذه الرسوم جديرة باعتبارها، لأنها ستعمل على حماية أصول مالية «وقفية»، من خلال جمعها وصرفها(65).
وفي الباب، أن تقنية البلوك تشين تقنية رائدة وواسعة الاستعمال، فإذا أردنا استخدامها في قطاع الوقف، يجب علينا ضبط هذه المحاذير وهي:
أولًا: تحديد جهة ومرجعية دولية يمكن أن تكون مرجعًا يتوافق عليه، وفي قطاع الأوقاف، يمكن أن تشكل منظمة التعاون الإسلامي، أو مجلس وزراء الأوقاف في العالم الإسلامي إطارا مرجعيا يمكنه الفصل في النزاع بين وزارات الأوقاف، والجهة المنفذة لهذه التقنية.
ثانيًا: الضمانات الحقيقية المالية والمعنوية التي يمكن أن تقدم تقنية البلوك تشين حال حدوث اختراق في البيانات أو المعلومات، لأن هذا الأمر يتعلق بأصل وقف، فيجب أن تقع اجراءات احترازية للجهة التي سوف تتكفل بتأسيس هذه المنهجية لجلب أموال وقفية لصالح المشاريع أو المؤسسة الوقفية.
ثالثًا: قدرة المؤسسة الوقفية أو ما ينوب على النظارة الوقفية من نشر الوعي التقني لدى أصحاب المصالح الوقفية في تبني هذه المنهجية، والقدرة على التواصل فيها في ظل وجود عوز واضح لدى أصحاب المصالح الوقفية في هذه المنهجية، أو حتى في التقنيات الحديثة عمومًا، ويختلف الأمر من مكان لآخر.
رابعًا: يعتمد الأمر أيضًا على حجم التغيير الذي سيقع في قطاع الأوقاف للعمل في ظل هذه التقنية الحديثة، وهذا الأمر يعتمد على مدى الانسجام والتغيير الذي يكون في مؤسسة الأوقاف نحو تغيير أطر العمل، والتخلي عن نظم عمل قائمة منذ عقود، وهذا الأمر يحسمه مدى التطور في البيئة الخارجية وأثره على واقع العمل المؤسسي الداخلي.
وفي التقدير – ومن خلال العمل الميداني – أن المؤسسات الوقفية تحتاج وقتا ليس بسيطًا للولوج في مثل هكذا تقنيات، وقد تستخدمها في أجزاء من أعمالها، وليس كل الأعمال، والأمر يختلف من مؤسسة لأخرى، وحسب قناعات الإدارة العليا.
الخاتمة
توصل البحث إلى النتائج والتوصيات التالية:
أولا: النتائج
١- تقنية البلوك تشين حديثة ارتبطت بالعملة المشفرة، ولكن في الآونة الأخيرة جرى العمل على ربطها بقطاع الأوقاف، لغرض تطوير هذا القطاع نظرًا لبعض الإشكاليات المتعلقة بعملياته وإجراءاته.
٢- هناك أربعة عناصر رئيسة تشكل تقنية البلوك تشين، هي: الكتلة، المعلومة، الهاش، بصمة الوقت، يقابلها ثلاثة أطر عمل، هي: السجل المفتوح، قاعــدة البيانــات الموزعة، التعدين، وهي تعمل على أن تكون سلسلة الكتل آمنة، وتنفع هذه التقنية في السجلات والمعاملات، مثل سجل الأراضي، وسجلات التأمين، وسجلات الصحة، وسندات الملكية.
٣- هناك خصائص لتقنية البلوك تشين، أبرزها الأمان، اللامركزية، الدقة والفعّالية، تجنب البيروقراطية والفساد، تعزيز الجودة في المعاملات، وهي خصائص تتطلع إليها أي مؤسسة وقفية.
٤- أبرز التطبيقات المنهجية لتقنية البلوك تشين، التي قد تتقاطع مع أعمال المؤسسة الوقفية، هي تسجيل الممتلكات، وتوثيق المعاملات، وأعمال الوساطة، بدون وجود جهة وسط تحكم بين الطرفين، بين المتبرع أو المستفيد، فتقنية البلوك تشين تكون أشبه بالسجل المفتوح لكل عملاء الوقف في العالم.
٥- علاقة البلوك تشين بالوقف مرتبطة بفكرة التمويل الجماعي، ولها امتداد وتطبيق عملي بكل عمليات الوقف الرئيسة، كالاستقطاب، والحصر والتسجيل، والصيانة، والصرف، واستثمار جزء من الريع.
٦- أبرز الملاحظات المنهجية على تقنية البلوك تشين تتمثل في إمكانية حدوث أعمال غير شرعية أو قانونية، لأن هذه المنهجية تتيح استخدام ألقاب غير الأسماء الحقيقية، إمكانية وقوع اختراق في منهجية البلوك تشين، ما يسبب الاستيلاء على بعض البيانات الشخصية للأفراد، فضلًا على ذلك ضعف الاستجابة في قبول التقنية كإطار عمل بين الأفراد والمؤسسات، وغياب جهة مركزية يمكن التحاكم إليها في حال وقوع نزاع أو شقاق، يتوزاى هذا مع ارتفاع الكلفة في القدرة الحاسوبية والقدرة التخزينية، والتي تمتاز بشروط فنية محددة.
٧- معالم المخاطر الشرعية لتطبيق الوقف ضمن منهجية البلوك تشين تتحدد في عمليات الأوقاف والاستقطاب والصرف، ثم المخاطرة العالية في ضياع أصل الوقف من خلال البلوك تشين، يوازي هذا ضعف التوعية لدى موظفي الأوقاف على فهم التقنيات الحديثة، والكلفة المادية لهذه التقنية.
ثانيا: التوصيات
١- ضرورة أن يتم بحث هذه التقنية بطريقة جماعية عبر منتدى فقهي – يجمع بين الشرعيين والتقنيين – قبل أن يتم التوسع في استخداماتها في مؤسسات الوقف، إذا بدأت بعض المؤسسات تمارس بدون التنبه للمحاذير الشرعية التي أشرنا إليها.
٢- ضرورة أن تكون هناك ممارسات عملية محدودة داخل إطار الوقف، بشرط ألا تتحقق المخاطرة العليا، ولعل أبرز هذه الممارسات في قضايا نقل ملكيات الوقف، والمساعدة في ضبط عمليات تسجيل الوقف.
٣- أن تبحث منظمة التعاون الإسلامي، أو مجلس وزراء الأوقاف في الدول الإسلامية إمكانية ضبط مرجعية تقنية لهذا الاستعمال، قبل التوسع فيها.
المصادر والمراجع
أولًا: العربية
ابن عرفة، محمد. حاشية الدسوقي على الشرح الكبير. بيروت: دار إحياء الكتب العربية، [د.ط.ت.].
ابن قدامة، محي الدين. المغني. بيروت: دار إحياء التراث العربي، ١٩٨٥.
ابن نجيم، زين الدين. البحر الرائق شرح كنز الدقائق، ط٢. بيروت: دار الكتاب الإسلامي.
أبو زيد، عبد العظيم. «مراجعة نقدية للاجتهادات المعاصرة المتعلقة بالشرط الجزائي والتعويض في الالتزامات المالية»، مجلة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة قطر، ج٣٨، ع٢، ٢٠٢١.
البهوتي، منصور. شرح منتهى الإرادات. بيروت: عالم الكتب [د.ط.ت].
ــــــــــ. كشاف القناع عن متن الإقناع. بيروت: دار الفكر، ١٩٨٢.
الجريوي، عبد الرحمن. «النظارة على الأوقاف حقوق وواجبات»، www.khair.ws، تاريخ النشر: يونيو ٢٠١٧.
الحطاب، شمس الدين. مواهب الجليل في شرح مختصر خليل. بيروت: دار الفكر، ط٣، ١٩٩٢.
حطاب، كمال. «الصكوك الوقفية ودورها في التنمية»، موسوعة الاقتصاد والتمويل الإسلامي، www.iefpedia.com، تاريخ النشر: ١٨/٦/٢٠٠٩.
خليفة، إيهاب. «البلوك تشين، الثورة التكنولوجية القادمة في عالم المال والإدارة»، المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبو ظبي، ع٣، ٢٠١٨، نقلًا عن الموقع www.futureuae.com، تاريخ النشر: ٢٠/٣/٢٠١٨.
الرزوقي، مساعد. «هل يمكننا بناء وقف إسلامي مشفر، اقتراح لبناء منظومة بلوك تشين إسلامية مستدامة»، www.popsci.ae، تاريخ النشر: ١/١١/٢٠١٨.
الرملي، شمس الدين. نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج. بيروت: دار الفكر، ١٩٨٤.
ساسي، حازم. «استخدام تطبيقات البلوكتشين لتطوير الأصول الوقفية، منصة شركة فيتترا نموذجا»، مجلة الإسلام في آسيا، الجامعة الإسلامية العالمية، ماليزيا،ج ١٦، ع٣ (ديسمبر ٢٠١٩).
السيوطي، جلال الدين. الأشباه والنظائر. بيروت: دار الكتب العلمية، ١٩٨٣.
الصلاحات، سامي. الأوقاف بين الأصالة والمعاصرة. بيروت: الدار العربية للعلوم، ط١، ٢٠١٤.
ــــــــ. حوكمة الأوقاف وإدارة عملياتها الرئيسة. الرياض: مؤسسة ساعي لتطوير الأوقاف، ٢٠١٨.
العاني، أسامة. صندوق التمويل الأصغر الوقفي. الرياض: مؤسسة ساعي لتطوير الأوقاف، ٢٠١٩.
عبد الله، طارق. «نحو موجة ثانية لإحياء الوقف في العالم الإسلامي»، مجلة الاقتصاد الإسلامي، جامعة الملك عبد العزيز، جدة، ع٣١، أكتوبر ٢٠١٩.
عليش، محمد. منح الجليل شرح مختصر خليل. بيروت: دار الفكر، ١٩٨٩.
الغانم، محمد. الأوقاف الموحدة. الرياض، مؤسسة ساعي لتطوير الأوقاف، ٢٠١٩.
القرافي، شهاب الدين. الذخيرة. بيروت: دار الغرب الإسلامي، ١٩٩٤.
الكاساني، علاء الدين. بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع. بيروت: دار الكتب العلمية، ط٢، ١٩٨٦.
«نموذج للوقف والبلوك تشين»، مؤسسة فينتيرا، Finterra.org.
مجموعة من الباحثين. التربية الوقفية. الكويت: الأمانة العامة للأوقاف، ٢٠١٣.
المطوع، إقبال. «الوقف الجماعي في الفقه والقانون»، مجلة جامعة الشارقة للعلوم الشرعية والقانونية، الإمارات، ع٩، تاريخ النشر فبراير ٢٠١٢، www.sharjah.ac.ae.
المعهد الدولي للوقف الإسلامي، «ملف برنامج الزيارات الميدانية للمؤسسات»، كوالالمبور، ماليزيا، ٢٢-٢٦ يوليو ٢٠١٩.
الموسوعة الفقهية. الكويت: مطبعة الموسوعة الفقهية، ٢٠١٢.
النووي، محي الدين. روضة الطالبين وعمدة المفتين. بيروت: المكتب الإسلامي، ١٩٩١.
الهيتمي، ابن حجر. تحفة المحتاج في شرح المنهاج. بيروت: دار إحياء التراث العربي، [د. ت. ط.].
ورشة «الأوقاف وتقنية البلوك شين». كوالالمبور، مكتب فينتيرا، بتاريخ ٢٤ يوليو ٢٠١٩.
ثانيًا: الأجنبية
References:
Abdullah, Tāriq. “Naḥwa Mawjah Thāniya Liḥyāʼ Al Waqf Fī Al ʻĀlam Al Islāmī”, (in Arabic), Majallah Al Iqtiṣād Al Islāmī, Jāmiʻat Almlik ʻabd Alʻazīz, October 2019, Vol. 31.
Abū Zaid, ʻAbd Al ʻẓīm. “Penalty and Compensation in Financial Commitments - A Critical Shariah Review”, (in Arabic), Journal of College of Sharia and Islamic Studies, Vol. 38, Issue 2, 2021.
Al-ʻĀni, Osāmah. ṣondūq A Ttamweel Al Aṣghar Al Wqfi, (in Arabic), Al Rriyaḍ: Mua‘sasat Sāʻi Letaṭweer Al Waqif, 2019.
Al-Bahūtῑ, Manṣoūr Ibn Younos,.Kashᾱf Al-Qinᾱ`a, (in Arabic), Beirūt: Dᾱr Al-Fikr.
–––. Sharḥ Muntahá Al Irādāt, (in Arabic), Beirūt: Dār al Kutub.
Al-Dusūqῑ, Muḥammad bin Aḥmad bin Arafa. Ḥashiyat Al-Dusūqῑ, (in Arabic), Beirūt: Dār Al Kutub.
Aleesh, Muḥammad Ibn Aḥmad. Manḥ Al-Jalῑl, (in Arabic), Beirūt: Dar Al-Fikr, 1989.
Al-Ghānem, Muḥammad. Al Awqāf Al Muwaẖadah (in Arabic), Al Rriyaḍ: Mua‘sasat Sāʻi Letaṭweer Al Waqif, 2019.
Al-Ḥaṭṭᾱb, Muḥammad Ibn Abd Al-Raḥmᾱn. Mawaheb Al Jalῑl Sharḥ Mukhtaṣar Khalῑl. (in Arabic), Beirūt: Dᾱr Al-Fikr, 1992.
Al-Jerewy, Abd Al-Raḥmᾱn. “Al Naẓārah ʻLá Al Awqāf Ḥoqūq Wawājebāt”, (in Arabic), www.khair.ws June 2017.
Al-Kᾱsᾱnῑ, Abou bakr Ibn Mas’oūd. Badᾱ`i Al-ṣana`e, (in Arabic), Beirūt: Dᾱr Al-Kutub Al-Ilmiyyah, 1986.
Al-Mawsou’ah Al-Fiqheyyah Al-Kuwaiteyah (in Arabic), Al-Kuwait: wazarat Al-Awqaf Al-Kuwaiteyah, 2012.
Al-Mʻhad Al Dawlī Lilwaqf Al Islāmῑ. Barnāmaj Al Ziyārāt Al Maydāniyyah lilMua‘sasat, (in Arabic), Kwāllamboor, Malaysia. 22-26 july, 2019.
Al-Muṭweʻ, Iqbāl. Al Wqf Al Jmāʻī Fī Al Fiqh Walqānūn (in Arabic), majallat jameʻat AlSharja lelʻoloom Al Sharʻeyah Walqānūneyyah, Alimārāt, Vol. 9, 2012.
Al-Nawᾱwῑ, Yaḥyᾱ Ibn Sharaf. Rawdat Al-ṭᾱlibeen, Ed.Zuheer Al-Shaweesh, (in Arabic), Beirūt: Al-Maktab Al-Islᾱmῑ, 1991.
Al-Qarafi, Aḥmad Ibn Idrees. Al-DhaKherah, Ed. A Group of editors, (in Arabic), Beirūt: Dᾱr Al-Gharb Al-Islᾱmῑ, 1994.
Al-Ramlῑ, Muḥammad Ibn Abῑ Al-Abbᾱs. Nihayat Al-Muḥtᾱj, (in Arabic), Beirūt: Dᾱr Al-Fikr, 1984.
Al-Ruzūqy, Musāʻd. „Hal Yumkinunā Bināʼ Waqf Islāmī Mushaffar Iqtirāḥ Libināʼ Mnẓumah Bluk Tshin Islāmiyyah Mustadāmah“, (in Arabic), www.popsci.ae November 2018.
Al-ṣalāẖāt, Samy. Al Awqāf Bayn Al Aṣālah Wālmuʻāṣarah, (in Arabic), Beirūt: Dᾱr Al-Arabeyyah lelʻoloom, 2014.
–––. Ḥawkamah Al Awqāf Waidārat ʻaMelyyātehā Al Raʼeseyyah, (in Arabic), Al Rriyaḍ: Mua‘sasat Sāʻi Letaṭweer Al Awqāf, 2018.
Al-Suyuṯ ῑ, Jalāl Al Ddeen. Al Ashbāh Wālnnaẓāʼr, (in Arabic), Beirūt: Dᾱr Al-Kutub Al-Ilmiyyah, 1983.
Capital, Pantera. “A Crypto Thesis, Open Financial Systems”, (8/1/2019), www.medium.com
D’Aliessi, Michele. “How Does the Blockchain Work? Blockchain technology explained in simple words”, 1/1/2016, www.onezero. medium.com
Hampton, Nikolai. “Understanding the blockchain hype: Why much of it is nothing more than snake oil and spin”, (5/9/2016), www.computerworld.com
Ḥaṭṭᾱb, Kamal. Al- ṣṣukūk Al- Wqāfiyyah Wadawruhā Fī Al- Ttanmeyah, (in Arabic), June 2009, www.iefpedia.com
Ibn Ḥajar Al-Haytamῑ, Aḥmad Ibn Muḥammad. Tuḥfat Al-Muḥtᾱj, (in Arabic), Beirūt: Dᾱr Iḥyᾱ`a Al-Turᾱth Al-Arabῑ.
Ibn Nujaim, Zein Al-ddeen. Al-Baḥr Al-Rᾱ`eq Sharḥ Kanz Al-Daqᾱ`eq, (in Arabic), Cairo: Dᾱr Al-ketᾱb Al-Islamῑ.
Ibn Qudāmah, Abu Muḥammad Muwaffaq Al-Dīn. Al-Mughnī, (in Arabic), Beirūt: Dᾱr Iḥyᾱ`a Al-Turᾱth Al-Arabῑ, 1985.
Ivanitskiy, Ivan. “You Do Not Need Blockchain: Eight Popular Use Cases and Why They Do Not Work”, (22/2/2019), www.blog.smartdec.net.
Khalῑfah, Ihāb, Al Blūk Tshῑn. „Al Thawrah Al Tiknulujeyyah Al Qādemah Fī ʻĀlam Al Māl Waledārah“, (in Arabic), Al Mustaqbal Lilabḥāth Wāldirāsāt Al Mutaqademah, Abu ẓaby 2018, Vol. 3.
Majmūʻah Min Al Bāḥethane. Al- Tarbiyah Al- Waqfiyyah, (in Arabic), Al Kiwet: Al-Amanah Al-ʻammah lilawqāf, 2013.
Marco Iansiti & Karim R. Lakhani, “The Truth about Blockchain”, Harvard Business Review, (January 2017), www.hbr.org.
Nakamoto, Satoshi. “Bitcoin: A Peer-to-Peer Electronic Cash System”, (24/5/2009), www.bitcoin.org.
Namūdhaj Lilwaqf Wālblūk Tshin, Mua’sasat Fintirā, www. Finterra.org.
Preethi Kasireddy, “Fundamental challenges with public blockchains”, (10/10/2017), www.englishblog.com.
Sāsy, H̱āzim. “Istikhdām Taṭbeeqāt Al Bluktshen Litaṭwer Al Oṣūl Al Waqfeyyah, Manaṣṣat Sharikat Fittrā Namudhajan”, (in Arabic), Majallat Al Islām Fī Āsyā, Al Jāmʻah Al Islāmeyyah Al ʻĀlameyyah, Malaysia, Vol.16, Issue 3, 2019.
Warshat “Al Awqāf Watiqniyyat Al blūk Tshin”, (in Arabic), Kwāllamboor, Malaysia, Mua’sasat Fintirā. 24 july 2019.
ثالثًا: المقابلات الشخصية
حميد رشيد، مؤسس فنتيرا، خبير تقنية معلومات، ماليزيا، تاريخ المقابلة: ١٤/١/٢٠٢٠.
(1) تعريفات المدارس الفقهية للوقف متعددة، وأكثرها انتشارا وانسجاما هو: «تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة». منصور بن يونس البهوتي، شرح منتهى الإرادات (بيروت: عالم الكتب، [د. ت. ط.])، ج٢، ص٣٩٩، قارن مع: ابن حجر الهيتمي، تحفة المحتاج في شرح المنهاج (بيروت: دار إحياء التراث العربي، [د. ت. ط.])، ج٦، ص٢٣٥.
(2) إيهاب خليفة، «البلوك تشين، الثورة التكنولوجية القادمة في عالم المال والإدارة»، المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبو ظبي، ع٣ (٢٠١٨)، www.futureuae.com، تاريخ النشر: ٢٠/٣/٢٠١٨، ص١.
(3) حازم ساسي، «استخدام تطبيقات البلوك تشين لتطوير الأصول الوقفية، منصة شركة فيتترا نموذجا»، مجلة الإسلام في آسيا، الجامعة الإسلامية العالمية، ماليزيا، مج ١٦، ع٣ (ديسمبر ٢٠١٩).
(4) أحمد النجار، العملات الافتراضية المشفرة، دراسة اقتصادية، شرعية، محاسبية، ماجستير (الأردن: جامعة آل البيت، ٢٠١٩).
(5) سهيل الشايع، الأوقاف الرقمية وأحكامها الفقهية (الرياض: مؤسسة ساعي لتطوير الأوقاف، ٢٠١٧).
(6) “digital file that tracks all bitcoin transactions», See; Marco Iansiti & Karim R. Lakhani, “The Truth About Blockchain”, Harvard Business Review (January, 2017), p. 9, www.hbr.org; Michele D’Aliessi, “How Does the Blockchain Work?, Blockchain technology explained in simple words”, 1/1/2016, www.onezero. medium.com ; Nikolai Hampton, “Understanding the blockchain hype: Why much of it is nothing more than snake oil and spin”, (5/9/2016), www.computerworld.com , Or you can see www.un.org/ar/44863.
(7) Pantera Capital, “A Crypto Thesis, Open Financial Systems”, (8/1/2019), www.medium.com; also you can see: https://www.cbj.gov.jo/EchoBusV3.0/SystemAssets/8f23f11e-de4c-4538-91f7-82aab2d7bf04.pdf.
(8) تنسب هذه التقنية إلى الياباني Satoshi Nakamoto الذي ابتكر العملة المشفرة البيتكوين، ثم ابتكر تقنية البلوك تشين، وكان هدفه الوصول إلى نظام النقد الإلكتروني، وعمل عليها في عام ٢٠٠٧، ليتوسع في مجموعة واسعة من أنواع المعاملات. يمكن مراجعة دراسته بعنوان:
Satoshi Nakamoto, “Bitcoin: A Peer-to-Peer Electronic Cash System”, (24/5/2009), www.bitcoin.org.
(9) ساسي، ص١٤٧.
(10) الشكل رقم [١]، منقول عن: خليفة، ص٢.
(11) الشكل رقم [٢]، منقول عن: مساعد الرزوقي، «هل يمكننا بناء وقف إسلامي مشفر، اقتراح لبناء منظومة بلوك تشين إسلامية مستدامة»، ١/١١/٢٠١٨، على الرابط: www.popsci.ae
(12) بتصرف: ساسي، ص١٤٧.
(14) الشكل رقم [٤]، منقول عن: Nakamoto, ibid.
(15) خليفة، ص١.
(16) الشكل رقم [٥]، منقول عن: الرزوقي، مرجع سابق.
(17) وبعبارة أخرى؛ فإن فكرة اللامركزية هي من صميم هذه التقنية، فكل البيانات المخزنة فيها ليست مملوكة لكيان مركزي واحد، ولكن يتم مشاركتها من قبل أي شخص يمثل جزءًا من شبكتها، فلا يمكن أن يقع التخزين في كيان مركزي كالبنك، أو مركز بيانات موحد، بل تنشر في جميع أنحاء العالم عبر شبكة من أجهزة الكمبيوتر الخاصة التي تقوم بتخزين البيانات وتنفيذ الحسابات، وتصبح عبارة عن Node؛ أي عقدة من عموم شبكة block chain.
(19) الشكل رقم [٧]، منقول عن: Nakamoto, ibid.
(20) خليفة، ص٤. قارن مع:
Ivan Ivanitskiy, “You Do Not Need Blockchain: Eight Popular Use Cases and Why They Do Not Work”, (22/2/2019),
Capital, ibid.
(21) خليفة، ص٦، قارن مع:
Preethi Kasireddy, “Fundamental challenges with public blockchains”, (10/10/2017), www.englishblog.com; Ivanitskiy, ibid; Capital, ibid.
(22) أبو زيد، عبد العظيم، «مراجعة نقدية للاجتهادات المعاصرة المتعلقة بالشرط الجزائي والتعويض في الالتزامات المالية»، مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية، قطر، مج٣٨، ع٢، (٢٠٢١)، ص٢٥٤.
(24) وهي قاعدة نص عليها الإمام الشافعي ، قال: «منزلة الإمام من الرعية منزلة الولي من اليتيم». جلال الدين السيوطي، الأشباه والنظائر (بيروت: دار الكتب العلمية، ط١، ١٩٨٣)، ج١، ص١٢٢.
(25) قارن مع: محمد الغانم، الأوقاف الموحدة (الرياض، مؤسسة ساعي لتطوير الأوقاف، ط١، ٢٠١٩)، ص٤١.
(26) المطوع، إقبال. «الوقف الجماعي في الفقه والقانون»، مجلة جامعة الشارقة للعلوم الشرعية والقانونية، الإمارات، ع٩، تاريخ النشر فبراير ٢٠١٢، www.sharjah.ac.ae. ص١٣١.
(27) مجموعة من الباحثين، التربية الوقفية (الكويت، الأمانة العامة للأوقاف، ط١، ٢٠١٣)، ص١٧٢.
(28) الشكل رقم [٨] منقول عن: سامي الصلاحات، الأوقاف بين الأصالة والمعاصرة (بيروت: الدار العربية للعلوم، ط١، ٢٠١٤)، ص٢٨٤، سامي الصلاحات، حوكمة الأوقاف وإدارة عملياتها الرئيسة (الرياض، مؤسسة ساعي لتطوير الأوقاف، ط١، ٢٠١٨)، ص١٨٣ وما بعدها.
(29) الهيتمي، ج٦، ص٢٣٥.
(30) شهاب الدين القرافي، الذخيرة (بيروت: دار الغرب الإسلامي، ١٩٩٤)، ج١٠، ص٤٢٢.
(31) Nikolai Hampton, Understanding the blockchain hype: Why much of it is nothing more than snake oil and spin, SEP 5, 2016, See: www.computerworld.com
(32) قارن مع: خليفة، ص٣.
(33) وهذه العملية تندرج ضمن فكر الفقهاء في تنمية أصل الوقف بما هو أصلح له، كما ورد في مؤلفاتهم المتقدمة: «لا يجوز للقاضي ولا للناظر التصرف إلا على وجه النظر، ولا يجوز على غير ذلك». شمس الدين الحطاب، مواهب الجليل في شرح مختصر خليل (بيروت: دار الفكر، ط٣، ١٩٩٢)، ج٦، ص٢٤٠.
(34) هناك محاولات عديدة تحاول أن تطلق مشروعًا يجمع الوقف في تقنية البلوك تشين، ولكنها كلها محاولات لم تظهر لعدة أسباب، أبرزها غياب الخبرة عن قطاع الأوقاف، والباحث على اطلاع عليها منذ أن ظهرت.
(35) تأسست شركة فينتيرا في أكتوبر ٢٠١٧ كمنظمة تعتمد على تكنولوجيا المالية، وتركز على تكنولوجيا سلسلة الكتل القادرة على المساهمة في القضايا الاجتماعية وإيجاد أنسب الحلول لها. وتعتبر فينتيرا أكبر منصة تمويل جماعي على مستوى العالم؛ حيث أطلقت أول منصة وقفية أسمتها وقف تشين، ويمكن القول إن من نتائج هذه المنصة وأهمها أنها توفر وسيلة أكثر فاعلية لجمع الأموال، وإدارة الوقف، كما إنه يمكن بالفعل استخدام التكنولوجيا في التمويل الجماعي. لمزيد من المعلومات، انظر: موقعها على شبكة المعلومات [Finterra.org]، المعهد الدولي للوقف الإسلامي، ملف برنامج الزيارات الميدانية للمؤسسات، كوالالمبور، ماليزيا ٢٢-٢٦، يوليو ٢٠١٩.
(36) الشكل رقم [١١] منقول عن: نتائج ورشة [الأوقاف وتقنية البلوكشين]، بتاريخ ٢٤ يوليو ٢٠١٩، ملف برنامج الزيارات الميدانية للمؤسسات، كوالالمبور، ماليزيا ٢٢-٢٦ يوليو ٢٠١٩.
(37) الشكل رقم [١٢] منقول عن: ملف برنامج الزيارات الميدانية للمؤسسات، كوالالمبور، ماليزيا ٢٢-٢٦ يوليو ٢٠١٩.
(38) ساسي، ص١٥٠.
(39) الشكل رقم [١٣]، منقول عن: ملف برنامج الزيارات الميدانية للمؤسسات، مرجع سابق.
(40) ساسي، ص١٥٢.
(41) طارق عبد الله، «نحو موجة ثانية لإحياء الوقف في العالم الإسلامي»، مجلة الاقتصاد الإسلامي، جامعة الملك عبد العزيز، جدة، ع٣١، (أكتوبر ٢٠١٩)، ص٧٠.
(42) زين الدين ابن نجيم، البحر الرائق شرح كنز الدقائق (بيروت: دار الكتاب الإسلامي، ط٢)، ج٥، ص٢٤٥.
(43) البهوتي (شرح المنتهى...)، ج٢ ص٩٩؛ الهيتمي، ج٦، ص٢٣٥.
(44) محي الدين النووي، روضة الطالبين وعمدة المفتين (بيروت: المكتب الإسلامي، ١٩٩١)، ج٥، ص٣١٤؛ محمد بن عرفة، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (بيروت: دار إحياء الكتب العربية، [د.ط.ت.])، ج٤، ص٧٦؛ الموسوعة الفقهية (الكويت: مطبعة الموسوعة الفقهية، ط١، ٢٠١٢)، مج٤٤، ص١٢٤، ١٣٠.
(45) محمد عليش، منح الجليل شرح مختصر خليل (بيروت: دار الفكر، ١٩٨٩)، ج٨، ص١٣٥.
(46) محي الدين ابن قدامة، المغني (بيروت: دار إحياء التراث العربي، ط١، ١٩٨٥)، ج٥، ص٣٧٦؛ الموسوعة الفقهية، ج٤٤، ص١٢٩.
(47) علاء الدين الكاساني، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (بيروت: دار الكتب العلمية، ط٢، ١٩٨٦)، ٦/٢٢١، قارن مع الصلاحات، حوكمة الأوقاف وإدارة عملياتها الرئيسة، ص٩٢.
(48) محي الدين النووي، روضة الطالبين وعمدة المفتين (بيروت: المكتب الإسلامي، ١٩٩١)، ج٥، ص١٧؛ الموسوعة الفقهية، ج٤٤، ص١٥٠، ١٦٦.
(49) القرافي، ج٦، ص٣١٩؛ عليش، ج٨، ص١٢؛ محمد بن أحمد الرملي، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (بيروت: دار الفكر، ١٩٨٤)، ج٥، ص٣٧٤.
(50) منصور البهوتي، كشاف القناع عن متن الإقناع (بيروت: دار الفكر، ١٩٨٢)، ج٤، ص٢٥٠
(51) عبد الرحمن الجريوي، «النظارة على الأوقاف حقوق وواجبات»، www.khair.ws، تاريخ النشر: يونيو ٢٠١٧، ص١٤.
(52) ابن نجيم، ج٥، ص٢٤٥. وبعبارة أخرى عند الحنابلة «كفاية في التصرف مثلًا وخبرة به، وإن لم يكن الناظر متصفا بهذه الصفة لم يمكنه مراعاة حفظ الوقف». البهوتي (كشاف القناع...)، ج٤، ص٢٧١.
(53) قارن مع: أسامة العاني، صندوق التمويل الأصغر الوقفي (الرياض: مؤسسة ساعي لتطوير الأوقاف، ط١، ٢٠١٩)، ص٩٣، ص١٢٤؛ كمال حطاب، «الصكوك الوقفية ودورها في التنمية»، موسوعة الاقتصاد والتمويل الإسلامي، www.iefpedia.com، تاريخ النشر: ١٨/٦/٢٠٠٩.
(54) ساسي، ص١٥٥.
(55) فلا يصح «الوقف على معدوم أصلا؛ لأنه لا يصح تمليك المعدوم». البهوتي (كشاف القناع...)، ج٤، ص٢٥٠
(56) البهوتي (كشاف القناع...)، ج ٤، ص٢٦٨.
(57) ابن عرفة، ج٤، ص٨٨.
(58) ابن قدامة، ج٥، ص٣٧٦.
(59) رشيد، مقابلة سابقة.
(60) كما يقول ابن قدامة المقدسي «الوقف تمليك للعين أو للمنفعة»، ابن قدامة، ج٥، ص٣٧٦.
(61) رشيد، مقابلة سابقة.
(62) رشيد، مقابلة سابقة.
(63) بتصرف: رشيد، مقابلة سابقة.
(64) قارن مع: ساسي، ص١٥٥.
(65) رشيد، مقابلة سابقة.