Submitted: 5/6/2022

Reviewed: 20/8/2022

Accepted: 18/9/2022

الحماية الجزائية للمرأة من العنف: دراسة تحليلية نقدية للقانون الكويتي رقم 16/2020

إيمان خالد القطان

أستاذ القانون الجنائي والإجراءات الجنائية المساعد، كلية الحقوق، جامعة الكويت، الكويت

 eiman.alqattan@ku.edu.kw

ملخص

تهدف الدراسة إلى تحديد أهم صور الحماية الجزائية من العنف الأسري ضد المرأة التي أضافها القانون رقم 16 لسنة 2020 في شأن الحماية من العنف الأسري، وتسليط الضوء على أهم الإشكاليات التشريعية التي تضمنتها أحكامه، والكشف عن أوجه القصور فيه؛ ومن ثم تقديم المقترحات والتوصيات التي تعالج هذه الأوجه.

وقد اتبعت الدراسة المنهج الوصفي التحليلي والنقدي، في شرح وتحليل ونقد نصوص كل من قانون الحماية من العنف الأسري وقانون الجزاء الكويتي، ذات الصلة بأحكام الحماية من العنف ضد المرأة.

وقد أسفرت نتائج البحث عن أن المشرع الكويتي قد قرر صورًا لنوعين من أنواع الحماية الجزائية من العنف الأسري ضد المرأة، الأول: حماية موضوعية، والآخر: حماية إجرائية، كما أسفرت عن وجود إشكاليات تتعلق بكل من هذين النوعين.

وتتلخص أصالة البحث وقيمته العلمية في أن المشرع الكويتي لم يعترف صراحةً بصور العنف الأسري ضد المرأة بوصفها جريمة تستوجب إفراد نصوص خاصة بتنظيم أحكام الحماية الجزائية للمرأة، إلا في القانون رقم 16 لسنة 2020، وهو قانون يعدّ حديثًا نسبيًا؛ لذا فإن هذا البحث يسهم في تحقيق فهم أوسع لأبرز صور الحماية الجزائية من العنف الأسري ضد المرأة، ويسلط الضوء على أبرز الإشكاليات التشريعية المتعلقة بتلك الحمايات.

 الكلمات المفتاحية: العنف الأسري، العنف المعنوي، الإساءة الجنسية، الحماية الجزائية، حماية المبلغين

للاقتباس: القطان، إيمان خالد. «الحماية الجزائية للمرأة من العنف: دراسة تحليلية نقدية للقانون الكويتي رقم 16/2020»، المجلة الدولية للقانون، المجلد الثاني عشر، العدد المنتظم الثاني، 2023

https://doi.org/10.29117/irl.2023.0271

© 2023، القطان، الجهة المرخص لها: دار نشر جامعة قطر. تم نشر هذه المقالة البحثية وفقًا لشروط Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0)تسمح هذه الرخصة بالاستخدام غير التجاري، وينبغي نسبة العمل إلى صاحبه، مع بيان أي تعديلات عليه. كما تتيح حرية نسخ، وتوزيع، ونقل العمل بأي شكل من الأشكال، أو بأية وسيلة، ومزجه وتحويله والبناء عليه؛ طالما يُنسب العمل الأصلي إلى المؤلف.

 


 

Submitted: 5/6/2022

Reviewed: 20/8/2022

Accepted: 18/9/2022

Legal Protection of Women from Violence: A Critical Analytical Study of Kuwaiti Law No. 16 of 2020

Eiman Khaled Alqattan

Assistant Professor of Criminal Law and Criminal Procedural Law, School of Law, Kuwait University, The State of Kuwait

eiman.alqattan@ku.edu.kw

Abstract

The principle aim of the study is to identify the major provisions of the legal protection from violence against women added by Kuwaiti Law No. 16 of 2020 on Protection from Domestic Violence, as well as to critically analyse the major issues related to these provisions. The study followed the descriptive, analytical and critical approach, in explaining, analysing and criticizing the provisions of the Law on the Protection from Domestic Violence in the Kuwaiti Penal Code, which are related to the provisions of protection from violence against women. The findings of the study suggest that two types of legal protection from domestic violence against women are offered by the aforementioned laws. The first is a form of substantive legal protection. The other type of legal protection is considered as procedural legal protection. The study also reveals some legislative problems related to the aforementioned legal protections from domestic violence. The originality of the research and its scientific value are obvious in the fact that the Kuwaiti legislator did not explicitly recognize the forms of domestic violence against women as a crime that requires special texts to regulate the provisions of penal protection for women, except in Law No. 16 of 2020. The latter is a relatively recent law, so this research contributes to achieving a broader understanding of the most prominent forms of criminal protection from domestic violence against women, and sheds light on the most prominent legislative problems related to these protections.

Keywords: Domestic violence; Emotional abuse; Sexual violence; Legal protection; Whistleblower protection

Cite this article as:  Alqattan E.K., "Legal Protection of Women from Violence: A Critical Analytical Study of Kuwaiti Law No. 16 of 2020," International Review of Law, Volume 12, Regular Issue 2, 2023

https://doi.org/10.29117/irl.2023.0271

© 2023, Alqattan E.K., licensee QU Press. This article is published under the terms of the Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0), which permits non-commercial use of the material, appropriate credit, and indication if changes in the material were made. You can copy and redistribute the material in any medium or format as well as remix, transform, and build upon the material, provided the original work is properly cited.

 


 

المقدمة

إن الطبيعية البشرية للمرأة - كونها عادة أضعف بنية من الرجل - قد تجعلها عرضة لأشكال مختلفة من الاعتداء (الجنسي، أو البدني، أو النفسي) خاصةً من الرجل، ذلك بالإضافة إلى ثقافة الأبوية[1]، التي سادت تقريبًا مجتمعات العالم قرونًا طويلة؛ ومن ثَم لم تسلم المرأة الشرقية ولا حتى الغربية من المخلفات السلبية لهذه الثقافة[2].

ولعل من أبرز الآثار السلبية للأبوية انتشار العنف ضد المرأة، ليس من الرجل الغريب عنها فحسب؛ بل من ذلك القريب منها أيضًا، الذي من المفترض أن يكون محلّ ثقتها ومصدر أمنها؛ كالزوج، والأب، والأخ وغيرهم، وهو ما تؤكده نتائج إحصائيات ودراسات علمية عن العنف ضد المرأة، أجريت في عدد من الدول؛ مثل الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وغيرهما[3]، وبعد عقود من مطالبات المناهضين لحقوق المرأة من أكاديميين وقانونيين، ولا سيما بعد دخول الحركة النسوية الغربية[4] حقبتها الثانية، وذلك بعد أن كانت أغلب المطالبات النسوية في الحقبة الأولى متعلقة بالمساواة[5]؛ إذ تميزت الحقبة الثانية بالمطالبة بتعديل القوانين المتعلقة بمكافحة العنف ضد المرأة؛ ليشمل التجريم جميع أشكال العنف ضد المرأة، بما في ذلك العنف الذي قد تتعرض له من رجل قريب لها؛ كالزوج، أو الأب، أو الأخ وغيرهم، وهو ما يعرف بالعنف الأسري، وقد كان ذلك نتيجة لظهور النظريات النسوية المتعلقة بـ"الاختلاف".

بعبارة أخرى، خلال الحقبة الأولى من الحركة النسوية، انتشرت النظريات القانونية النسوية المتعلقة بالإشكاليات المختلفة التي ظهرت - كما يرى أصحاب هذه النظريات - نتيجة غياب المساواة بين الرجل والمرأة في مجالات الحياة المختلفة؛ وهو ما انعكس على مطالبات القانونيات النسويات خلال هذه الفترة؛ إذ كانت معظم مطالباتهن متعلقة بالمساواة في الحقوق بين الرجل والمرأة، وبخاصة الحقوق السياسية[6]. في المقابل، انتقد العديد من المنظرات هذه المُطالبات معتبرات أن تلك النظريات أغفلت الاختلاف بين النساء؛ فعلى سبيل المثال لا الحصر، في حين كانت المرأة البيضاء ذات الدخل المتوسط تشعر بالظلم نتيجة عدم مساواتها بالرجل في كثير من الحقوق - ولا سيما الحق في المساواة بالرجل في الدخل والحق في الترشح للمناصب القيادية وتولّيها[7]- كانت نساء أخريات، مثل المرأة ذات البشرة السوداء، يعانين من أشكال أخرى مختلفة من الظلم؛ مثل تعرضهن للاعتداء الجنسي، والاتجار بالنساء، والعنف الأسري وغيرها. وكانت النظريات القانونية المتعلقة بـ"الاختلاف" تركز على أهمية الأخذ في الاعتبار الاختلاف بين النساء عند البحث عن حلول قانونية لأشكال الظلم ضد المرأة[8].

خلال هذه الحقبة ظهر اهتمام كبير بقضايا العنف ضد المرأة، وكانت هناك مطالبات مختلفة من قبل الأكاديميات والقانونيات لتعديل القوانين المتعلقة بالعنف ضد المرأة؛ بحيث تكون من جانب رادعة ومن جانب آخر تعاقب جميع أشكال الاعتداء ضد المرأة: سواء الاعتداء الجسدي (من ضرب وغيره)، أو النفسي (من إهانات وتقليل من الاحترام وغيره)، أو الجنسي (من هتك عرض ومواقعة بالإكراه... إلخ من أشكال العنف الجنسي)، وفي الوقت ذاته تم التركيز على أهمية الاعتراف بـ"الاستقلالية الذاتية للمرأة"؛ إذ هي ليست ملكًا للرجل ولا تابعا حتى وإن كان وليًا عليها؛ كالزوج؛ ومن ثم وجب تجريم جميع أشكال العنف ضدها، سواء كان المعتدي عليها شخصًا غريبًا عنها أم كان شخصًا قريبًا لها، أو وليًا عليها[9].

ونتيجة لتلك المطالبات أبرمت أكثر من اتفاقية دولية متعلقة بذلك، فعلى سبيل المثال، في عام 1979 اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، ثم في عام 1993 اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة الإعلان بشأن القضاء على العنف ضد المرأة وغيره من الصكوك الدولية التي دعت الدول إلى تجريم جميع أشكال العنف ضد المرأة، وبخاصة العنف الذي قد تتعرض له داخل الإطار الأسري، وقد انعكس أثر ذلك على المطالبات النسوية في الدول العربية، ومنها دولة الكويت. وإذا كانت ردة فعل المشرع الكويتي تعتبر متأخرة فيما يتعلق بتنظيم أحكام العنف الأسري ضد المرأة، فإنه يحسب له أنه قد نص صراحة في القانون رقم 16 لسنة 2020 بشأن الحماية من العنف الأسري على عدد من الحمايات الجزائية للمرأة من العنف الذي قد تتعرض له داخل إطار الأسرة، أو ما يعرف بـ (أشكال العنف الأسري ضد المرأة).

مشكلة البحث:

إن نتائج تحليل هذه الدراسة لكل من القانون رقم 16 لسنة 1960 بإصدار قانون الجزاء، والقانون رقم 16 لسنة 2020 في شأن الحماية من العنف الأسري تشير إلى أن المشرع قد نص في قانون الحماية من العنف الأسري على حمايات موضوعية تتمثل بتجريم أشكال عديدة من العنف الذي قد تتعرض له المرأة من أحد أقربائها الرجال، وكذلك على حماية إجرائية تتمثل بسن عدد من الآليات الإجرائية خلال مراحل سير الدعوى الجزائية لدعاوى العنف التي تكون ضحيتها امرأة تعرضت لأي شكل من أشكال العنف الأسري - والذي سيلي بيانها في هذه الدراسة - كما تشير نتائج الدراسة إلى أن عددًا من تلك الآليات الإجرائية التي نص عليها القانون تتمتع به فقط المرأة التي تتعرض للعنف من رجل قريب لها دون تلك التي تتعرض للعنف من رجل غريب عنها.

والمقصود بالرجل القريب هنا هو أحد الرجال الذين نصت عليهم المادة الأولى من قانون الحماية من العنف الأسري، وبالرجل الغريب هو ما سوى هؤلاء الرجال؛ حيث يستفاد من نص المادة الأولى من هذا القانون أن الرجال الذين تنطبق عليهم صفة الرجل القريب، هم: الزوج، أبناء المرأة، أو أبناء زوجها من زواج رسمي، الأب، إخوة المرأة، إخوة زوجها، زوج الأم[10]، ويتمثل جوهر هذه الدراسة في مناقشة أهم الحمايات الجزائية الموضوعية والإجرائية التي يوفرها القانون الكويتي لحماية المرأة من العنف الأسري، كما تناقش الدراسة أيضًا أهم الإشكاليات المتعلقة بتلك الحماية وفقًا لما خلصت إليه نتائج البحث في هذه الدراسة.

أهمية البحث:

1- بداية إن أحد أهم أغراض هذه الدراسة هو تسليط الضوء على صور الحماية الجزائية من العنف ضد المرأة التي أضافها قانون الحماية من العنف الأسري، وهو قانون يعدّ جديدًا نسبيًا، وقد أضاف هذا القانون صورًا لشكلين من الحماية الجزائية من العنف الأسري ضد المرأة - كما سبق الإشارة - هما: صور الحماية الموضوعية؛ مثل تجريم بعض صور الإساءة النفسية ضد المرأة والإساءة الجنسية بين الزوجين، وغيرها مما سيلي تفصيله لاحقًا، إلى جانب بعض صور الحماية الإجرائية المتمثلة في نص المشرع على بعض الآليات الإجرائية التي من شأنها - إذا ما طُبقت التطبيق القانوني الصحيح - أن توفر للمرأة المجني عليها نوعًا من الحماية الجسدية والنفسية خلال إجراءات سير الدعوى الجزائية.

2- يمكن القول: إن قانون الحماية من العنف الأسري قد جاء بعد مطالبات استمرت لسنوات عديدة، كانت خلالها المرأة ضحية للعنف الأسري نتيجة ضعف وقصور في تطبيق الأحكام القانونية لنصوص الضرب والعنف بجميع أشكاله على وضعها، وذلك قد يرجع لأسباب عديدة، بعضها يمكن اعتباره أسبابًا ذات طابع اجتماعي؛ مثل تردد السلطات العامة في التدخل في ما كان يعتبر وقتها من الشؤون الداخلية الخاصة بالأسرة، وبعضها ذات طابع قانوني؛ مثل صعوبة الإثبات في كثير من وقائع العنف الأسري، أو سوء تفسير بعض النصوص القانونية بالشكل الذي من شأنه تقوية موقف الجاني الرجل وإضعاف موقف المجني عليها المرأة؛ كما هو الحال بالنسبة لتفسير نصوص الاعتداء الجنسي بين الزوجين كما سيلي تفصيله لاحقًا، وعلى الرغم من ذلك فقد شاب بعض تلك الحمايات المهمة شيء من القصور؛ الأمر الذي يستدعي تسليط الضوء عليه واقتراح التوصيات الملائمة لمعالجته.

أهداف البحث:

إن الهدف الأساس لهذه الدراسة هو عرض دراسة تحليلية نقدية لأبرز الحمايات الجزائية من العنف الأسري ضد المرأة. ولتحقيق هذا الهدف الأساسي؛ أدرج تحته الهدفان التفصيليان الآتيان:

1- تحليل نصوص كل من القانون رقم 16 لسنة 1960 بإصدار قانون الجزاء، والقانون رقم 16 لسنة 2020 في شأن الحماية من العنف الأسري لاستخلاص الحمايات الجزائية الموضوعية والإجرائية من العنف الأسري ضد المرأة التي تقررها أحكام نصوص هذين القانونين.

2- مناقشة أبرز الإشكاليات المتعلقة بتلك الحمايات.

منهج البحث:

اتبعت الدراسة المنهج البحثي القانوني التحليلي النقدي، شرحًا وتحليلًا ونقدًا لنصوص كل من قانون الحماية من العنف الأسري وقانون الجزاء الكويتي ذات الصلة؛ وذلك بغرض تحقيق فهم أوسع لأبرز صور الحماية الجزائية من العنف الأسري ضد المرأة في التشريعات الجزائية الكويتية؛ ومن ثمّ تسليط الضوء على أبرز الإشكاليات التشريعية المتعلقة بتلك الحمايات.

خطة البحث:

يقصد بالعنف ضد المرأة بشكل عام جميع أشكال الاعتداء عليها، سواء تلك التي تهدد سلامتها الجسدية، أو سلامتها الجنسية، أو تلك التي تهدد سلامة صحتها النفسية، وهو الأمر الذي أكدته الاتفاقيات الدولية المختلفة؛ إذ عرفت المادة الأولى من الإعلان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1993 العنف ضد المرأة[11] بأنه "أي فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس ويترتب عليه، أو يرجح أن يترتب عليه، أذى، أو معاناة للمرأة سواء من الناحية الجسمانية، أو الجنسية، أو النفسية، بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل، أو القسر، أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة، أو الخاصة".

وجاءت المادة الثانية من هذا الإعلان لتفصّل وتؤكد أن العنف ضد المرأة يشمل جميع أشكال العنف السابقة (الجسدي، والجنسي، والنفسي)، سواء كان هذا الاعتداء داخل إطار الأسرة أم خارجها، وقد أكد الإعلان في مواضع لاحقة منه ضرورة التزام الدول بتضمين قوانينها الداخلية ما يجرّم جميع أشكال العنف السابقة ويعاقب عليها بعقوبات رادعة[12].

واستنادًا إلى أن أي تشريعات جزائية موضوعية تقرر التجريم والعقاب لا قيمة لها دون تشريعات إجرائية "تنظم النشاط الذي تباشره السلطات العامة" عند ارتكاب الجريمة[13]، لم يكتفِ المشرع الكويتي بالنص على حمايات موضوعية من العنف ضد المرأة؛ بل نصّ أيضًا على حمايات إجرائية كمحاولة لضمان وصول بلاغات العنف إلى السلطات، وضمان سير الدعوى الجزائية لبلاغات العنف ضد المرأة بشكل سليم، ودون أن يؤثر ذلك على الأمن الجسدي، أو النفسي للمرأة المجني عليها.

وعليه؛ بنيت هذه الدراسة - بالإضافة إلى المقدمة والخاتمة وثبت المراجع - على مبحثين رئيسيين؛ يعرض المبحث الأول شرحًا لأهم الحمايات الجزائية الموضوعية من العنف ضد المرأة التي نص عليها المشرع في القانون (16/2020) (المطلب الأول)، ومن ثم يناقش أبرز الإشكاليات التشريعية المتعلقة بتلك الحماية (المطلب الثاني)، ثم يناقش المبحث الثاني الحماية الجزائية الإجرائية من العنف ضد المرأة، التي يقررها هذا القانون (المطلب الأول)، ومن ثم يعرض للإشكاليات التي يرى الباحث أنها متعلقة بتلك الحماية (المطلب الثاني)، ويحسن قبل ذلك أن نقدم تعريفًا بأهم المصطلحات وفق مدلولاتها في هذه الدراسة.

التعريف بأهم مصطلحات البحث:

-      العنف، والعنف الأسري: إذا كان يستفاد من نص المادة الأولى من قانون الحماية من العنف الأسري أن مفهوم العنف الأسري يشمل أيضًا الحالات التي يكون فيها الضحية طفلًا، أو رجلًا، فإن مفهوم العنف في إطار هذه الدراسة يقتصر على الحالات التي تكون الضحية فيها المرأة دون الطفل، أو اي فرد ذكر آخر، ويكون الجاني فيها أحد الرجال وفقًا للمادة 1(1) من القانون المذكور، وهم: الزوج، أبناء المرأة، أو أبناء زوجها من زواج رسمي، الأب، إخوة المرأة، إخوة زوجها، زوج الأم.

-      المرأة: يقصد بها المرأة البالغة التي يتجاوز عمرها 18 سنة؛ استنادًا إلى أن قانون حقوق الطفل الكويتي اعتبر من كانت دون سن الـ 18 طفلة.

-      قانون العنف الأسري، قانون (16/2020)، قانون الحماية من العنف الأسري، قانون العنف ضد المرأة: استخدمت المصطلحات السابقة بشكل مترادف للإشارة إلى القانون رقم 16 لسنة 2020 في شأن الحماية من العنف الأسري.

-      الحماية الإجرائية: الإجراءات التي نص عليها المشرع لضمان سير الدعوى الجزائية لجرائم العنف الأسري ضد المرأة بشكل سليم، ودون أن يؤثر ذلك على الأمن الجسدي والنفسي للمرأة المجني عليها.

المبحث الأول: الحماية الجزائية من العنف ضد المرأة في التشريعات الكويتية والإشكاليات المتعلقة بها

إن الحماية الجزائية لحق الإنسان في سلامته من جميع أنواع العنف تعتبر من الحقوق المرتبطة بكيان الإنسان، لذا أكدت عليها الأمم المتحدة في عدد من الصكوك الدولية المختلفة مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948[14]؛ لذا نص المشرع الكويتي في قانون الجزاء رقم 16 لسنة 1960 منذ نشأته على تجريم جميع أشكال العنف الجسدي ضد الإنسان، من مجرد بصقة إلى الضرب المفضي إلى موت[15]، وقد ساوى المشرع في هذه الحمايات للحق في سلامة الجسد بين المرأة والرجل، كما نص المشرع على تجريم أشكال من الإساءة الجنسية للمرأة، حيث جرّم المواقعة وهتك العرض بإكراه في المادتين 186 و191 من قانون الجزاء الكويتي.

وعليه، سيخصص المطلب الأول من هذا المبحث لعرض الحمايات الجزائية الموضوعية من العنف ضد المرأة التي نص عليها المشرع في القانون (16/2020)، ثم ينتقل في المطلب الثاني ليناقش مواطن القصور التشريعي المتعلق بتلك الحمايات.

المطلب الأول: الحماية الجزائية الموضوعية من العنف ضد المرأة

إن نتائج هذه الدراسة تشير إلى أن المشرع في قانون العنف الأسري قد أضاف نوعين من الحماية الجزائية للمرأة من العنف، وهما: (1) الحماية الجزائية من الإساءة النفسية للمرأة (العنف المعنوي). (2) تجريم الإساءة الجنسية بين الأزواج؛ وعليه، سيخصص الفرع الأول من هذا المطلب لعرض الحماية الجزائية من العنف المعنوي ضد المرأة، في حين سيخصص الفرع الثاني لمناقشة الحماية الجزائية للعنف الجنسي بين الأزواج.

الفرع الأول: تجريم الإساءة النفسية (العنف المعنوي ضد المرأة)

على الرغم من أن العنف المعنوي ضد المرأة هو أكثر صور العنف انتشارًا فإنه أقلها اهتمامًا من قبل العديد من التشريعات[16]، ولعل السبب في ذلك يعود إلى صعوبة إثباته؛ إذ إنه عادة لا يخلّف أدلة مادية ملموسة على جسد المرأة، كما تفعل كثير من جرائم العنف المادي التي تسيء إلى سلامة جسدها، فضلًا عن أن الصور النمطية المتعلقة بمفهوم المرأة "المحترمة الشريفة" بشكل عام والزوجة "الصالحة" بشكل خاص، في المجتمعات العربية، بالإضافة إلى العادات والأعراف التي عادة ما تحظر التدخل في الشؤون الداخلية للأسرة، قد تكون السبب في جعل العديد التشريعات العربية - ومنها الكويت - تتأخر في الاعتراف صراحة بالعنف المعنوي الصادر عن أحد أقرباء المرأة ضدها كجريمة؛ حيث يمكن اعتبار العنف المعنوي من أخطر أشكال العنف ضد المرأة؛ إذ إنه يهدد استقرارها النفسي؛ الأمر الذي قد ينعكس على علاقتها بالآخرين ولا سيما بأبنائها؛ حيث يؤكد عدد من الدراسات النفسية أهمية استقرار العلاقة الحميمية مع شريك الحياة، وكذلك العلاقة مع الوالدين في ثقة المرء بنفسه، وحيويته، وعلاقته بالآخرين، وبشكل خاص في إنتاجيته في مجالات الحياة المختلفة[17].

وقد عرف جانب من الفقه العنف المعنوي ضد المرأة بأنه: "أي فعل مؤذ للمرأة ولعواطفها نفسيًا، دون أن تكون له آثار جسدية ومادية"[18]، ويمكن تعريف الإساءة النفسية، أو العنف المعنوي ضد المرأة في إطار هذه الدراسة بأنه: كل سلوك (قولًا، أو فعلًا)، أو امتناع عنه، يراد من خلاله الحط من كرامة المرأة، أو التأثير على حرية اختيارها، أو سلامة مشاعرها.

والحقيقة أن المشرع الكويتي - وإن كان قد نص صراحة في المادة 1(2) من قانون العنف الأسري على اعتبار الإساءة النفسية شكلًا من أشكال العنف الأسري غير الجائز ضد المرأة - لم يورد نصًا عامًا، يتضمن عقوبة جزائية لأي شكل آخر من أشكال العنف المعنوي ضد المرأة؛ إذ إن المشرع في قانون العنف الأسري، بعد أن بين صور العنف الأسري ضد المرأة، نص صراحة على أنه إذا ارتكب أحد أقرباء المرأة ضدها شكلًا من أشكال العنف تلك (الجسدي، أو الجنسي، أو المعنوي)، فإنه سيعرض نفسه للعقوبات المنصوص عليها في القوانين الجزائية الوطنية الأخرى لارتكابه ذلك؛ وهو الأمر الذي ترتب عليه ما يمكن تسميته بالقصور التشريعي لجريمة العنف المعنوي، كما سيلي بيانه تفصيلًا في المطلب الثاني. وعلى الرغم من ذلك فإنه يمكن القول: إن التشريعات الكويتية قد تضمنت عقوبات جزائية لبعض ما يمكن اعتباره صورًا للإساءة النفسية.

وعلى الرغم من تعدد صور العنف المعنوي ضد المرأة فإنه يمكن القول: إن أبرز صور الإساءة النفسية، أو العنف المعنوي ضد المرأة هي: العنف اللفظي، والإهمال، والإكراه على الزواج، إلا أن نتائج البحث في هذه الدراسة تشير إلى أن التشريع الجزائي الكويتي قد تضمن عقوبات لبعض صور العنف اللفظي فقط، بينما جاء خلوًا من أي عقوبات للإهمال وللإكراه على الزواج، وعليه؛ سيتم فيما يلي شرح النشاط الاجرامي لصور العنف اللفظي التي تضمنتها التشريعات الجزائية الكويتية، في حين سيتم مناقشة الإهمال والإكراه وشرح موقف المشرع الكويتي منهما في المطلب الثاني.

ومثل العنف المعنوي، يأخذ العنف اللفظي ضد المرأة أشكالًا عديدة؛ مثل: السب والشتم، وإشعار المرأة بأنها سيئة، أو غبية، سواء بالتلفظ بعبارات صريحة؛ مثل "أنت حمقاء"، أو بالتلفظ بعبارات تشير إلى ذلك؛ مثل "لست متعجبًا من فشلك"، أو بالسخرية من المرأة بسبب شكلها، أو تعييرها بأصلها، أو سوء سمعة قريب لها، أو التذمر من وجودها، وغير ذلك من صور الإساءة اللفظية التي يصعب حصرها. والمشرع الكويتي لم ينص صراحة على عقوبة محددة للعنف اللفظي بشكل عام، كما سبقت الإشارة، غير أنه - وفقًا لنتائج تحليل كل من قانون الجزاء الكويتي، وقانون العنف الأسري - يمكن القول: إن أبرز صور النشاط للعنف اللفظي التي تضمنتها التشريعات الكويتية هي:

أولًا: جريمة القذف

وفقًا لنص المادة 209 من قانون الجزاء الكويتي، يمكن تعريف جريمة القذف بأنها "إسناد واقعة في مكان عام، أو على مسمع، أو مرأى من شخص آخر غير المجني عليه، تستوجب عقاب من تنسب إليه"[19]. وعليه؛ فإنه يستفاد من نص المادة 209 أن العلانية تعتبر أحد العناصر الرئيسية لتحقق الركن المادي لجريمة القذف؛ حيث يرى جانب من الفقه أن المصلحة محل الحماية لهذا الجريمة ليست حماية مشاعر المجني عليه من العنف النفسي بقدر ما هي حماية شرفه وكرامته الاجتماعية[20] مما قد يلحق سمعته من جراء سماع العامة للعبارات التي قد تسيء إليه؛ حيث تنص المادة 209 السالفة الذكر على أن "كل من أسند لشخص، في مكان عام، أو على مسمع، أو مرأى من شخص آخر غير المجني عليه، واقعة تستوجب عقاب من تنسب إليه، أو تؤذي سمعته، يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنتين وبغرامة لا تجاوز ألفي روبية، أو بإحدى هاتين العقوبتين".

ويستفاد من نص المادة السابقة أن المشرع لم يشترط لقيام المسؤولية الجزائية عن جريمة القذف شكلًا وصيغة معينة للإسناد[21]؛ فقد يكون الإسناد بالقول، أو الكتابة، أو الإشارة، وقد يكون بصيغة تأكيدية؛ كأن يسند إلى الجاني عبارات صريحة جازمة تسيء إلى سمعة المرأة وكرامتها، أو عبارات غير جازمة؛ كالقول "سمعت شائعات عن تورط فلانة بالدعارة"... إلخ، إلا أن المشرع يشترط إسناد واقعة محددة تستوجب العقاب، أو الاحتقار؛ كالقول: إن "فلانة زنت"، أو إنها "حامل بجنين نتيجة لعلاقة غير شرعية"... إلخ؛ ومن ثم لا يكفي القول: إن فلانة "امرأة رخيصة"، أو وصفها بأنها "بائعة هوى" لقيام المسؤولية الجزائية لجريمة القذف؛ إذ إن الإسناد في الحالة الأخيرة يكون لصفة لا لواقعة محددة، وحتى إسناد واقعة محددة تسيء لشرف المرأة وكرامتها لا يكفي لقيام المسؤولية الجزائية عن جريمة القذف؛ بل يجب أن يتم الإسناد "علانية"، وتتحقق هذه العلانية في حالتين: إذا قام شخص بإسناد واقعة يعاقب عليها القانون لشخص على مسمع ومرأى من شخص آخر غير المجني عليه، أو إذا قام بإسناد تلك الواقعة في مكان عام حتى وإن لم يسمعه شخص آخر غير المجني عليه.

وعليه؛ فإنه لا يسأل جنائيًا عن جريمة القذف الرجل الذي يحاول إهانة المرأة بإسناد صفات تتضمن قذفًا لها كنعتها ببائعة هوى، أو حتى قيامه بإسناد واقعة إجرامية لها كقوله: الجنين في أحشائك ابن حرام، وذلك ما لم تتوافر إحدى حالات العلانية السابق بيانها.

ثانيًا: جريمة السب

على خلاف القذف، جرّم المشرع الكويتي السب بصورتيه العلنية وغير العلنية؛ حيث تنص المادة 210 من قانون الجزاء الكويتي على تجريم السب العلني، وقد جاء في هذه المادة أن "كل من صدر منه، في مكان عام، أو على مسمع، أو مرأى من شخص آخر غير المجني عليه، سب لشخص آخر على نحو يخدش شرف هذا الشخص، أو اعتباره، دون أن يشتمل هذا السب على إسناد واقعة معينة له، يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة واحدة وبغرامة لا تجاوز ألف روبية، أو بإحدى هاتين العقوبتين"، بينما تنص المادة 212 من هذا القانون على عقوبة السب غير العلني، وقد جاء فيها أن "كل من أسند لآخر، بوسيلة غير علنية، واقعة من الوقائع المبينة في المادة 209، أو وجه إليه سبًا، دون أن يكون ذلك نتيجة لاستفزاز سابق؛ بحيث لم يعلم بالواقعة، أو بالسب شخص غير المجني عليه، ويعاقب بالحبس مدة لا تجاوز شهرًا واحدًا وبغرامة لا تجاوز مائة روبية، أو بإحدى هاتين العقوبتين".

ولم يعرّف المشرع الكويتي المقصود بالسب، إلا أنه يمكن تعريفه بأنه "كل إلصاق لعيب، أو تعبير يحط من قدر الشخص نفسه، أو يخدش سمعته لدى غيره"[22]. ومن هنا يمكن القول: إنه يستفاد من نصوص المادتين 210 و212 السابق بيانهما أن المشرع لم يشترط لقيام المسؤولية الجزائية عن جريمة السب العلني وغير العلني إسناد واقعة معينة للمجني عليه وإنما يكفي إسناد صفة أوعيب خادش بالاعتبار لشخص المجني عليه لتقوم مسؤولية الجاني؛ فإذا كان هذا الإسناد بشكل علني - وتتحقق العلانية هنا بالصورتين أنفسهما اللتين تتحقق بهما العلانية في جريمة القذف السابق بيانهما - قامت مسؤولية الجاني عن جريمة السب العلني، أما إذا كان الإسناد على مسمع المجني عليه وحده؛ فإن مسؤولية الجاني تقوم عن جريمة القذف غير العلني.

وعليه؛ إذا قام أحد أقرباء المرأة بتوجيه عبارات السب لها "كالقول يا حيوانة"، أو نعتها بعبارات مثل الساقطة، أو غيرها من الشتائم، سواء بشكل علني، أو غير علني، فإنه يعاقب بجريمة السب العلني، أو غير العلني بحسب الأحوال.

والحقيقة أن هناك العديد من العبارات التي تسيء للمرأة نفسيًا، وقد تهدد استقرارها النفسي؛ مثل العبارات التي تسيء لأنوثتها كإكثار الزوج من انتقاده لشكلها، وفي المقابل مدح أنوثة نساء أخريات، أو إكثاره صراحة من مغازلة نساء أخريات على مرأى ومسمع منها ومن غيرها، أو تعييرها بسوء سمعة أحد أقربائها، أو إكثار الأخ، أو الأب للمرأة البالغ من عبارة أنت فاشلة، مكانك المطبخ، وغيرها من العبارات التي يقصد بها الحط من كرامتها والتي - بلا شك - قد تسيء نفسيًا لها. قد قضت محكمة النقض المصرية تطبيقا لذلك بأنه "لا يشترط لتوفر الإهانة أن تكون الأفعال، أو العبارات المستعملة مشتملة على قذف، أو قذف، أو اسناد أمر معين؛ بل يكفي أن تحمل معنى الاساءة، أو المساس بالشعور، أو الغض من كرامة"[23].

ثالثًا: جريمة التهديد

إن التهديد يعتبر جريمة في التشريع الجزائي الكويتي، كما هو في كثير من التشريعات المقارنة[24]؛ فقد نص المشرع الكويتي في المادة 173 من قانون الجزاء الكويتي على أن "كل من هدد شخصًا بإنزال ضرر - أيًّا كان - بنفسه، أو بسمعته، أو بماله، أو بنفس شخص يهمه أمره، أو بسمعته، أو بماله، سواء أكان التهديد كتابيًا أم شفويًا أم عن طريق أفعال توقع في الروع العزم على الاعتداء على النفس، أو على السمعة، أو على المال، قاصدًا بذلك حمل المجني عليه على القيام بعمل، أو على الامتناع عنه، يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنتين وبغرامة لا تجاوز ألفي روبية، أو بإحدى هاتين العقوبتين.

إذا كان التهديد بالقتل، كانت العقوبة الحبس مدة لا تجاوز ثلاث سنوات والغرامة التي لا تجاوز ثلاثة الاف روبية، أو إحدى هاتين العقوبتين".

ويمكن تعريف التهديد بأنه "التأثير على الإرادة لحملها على اتجاه معين" عن طريق استخدام عبارات تهدف إلى "إشعارها بالإيلام المنتظر إن لم تتجه على النحو المطلوب"[25]. ويستفاد من نص المادة 173 السالفة الذكر أن المشرع لم يتطلب لقيام المسؤولية الجزائية عن جريمة التهديد شكلًا معينًا؛ ومن ثم يستوي أن يكون التهديد بالقول، أو الكتابة، أو باستخدام أي فعل من شأنه أن يبعث الرعب والخوف في قلب المرأة، فيحملها على النزول عند رغبة الجاني، كما لم يتطلب المشرع أي شكل معين للخطر المهدد به، وعليه؛ تقوم المسؤولية الجزائية على الرجل - من الأقرباء - متى ما استخدم التهديد لحمل المرأة على القيام بأي أمر لا ترغب القيام به، وهو الأمر الذي يصعب عادة تصور حدوثه إلا بصورة خاصة؛ لكونه داخل إطار الأسرة، إلا أنه إن أمكن إثباته، فستقوم معه المسؤولية الجزائية للجاني عن جريمة التهديد.

الفرع الثاني: تجريم الإساءة الجنسية بين الأزواج

سبقت الإشارة إلى أن المشرع الكويتي نص في المادة الأولى من قانون العنف الأسري على تجريم العنف الجنسي ضد المرأة الصادر عن أي من أقاربها، وقد اعتبرت هذه المادة زوج المرأة من هؤلاء الأقارب[26]، غير أن المشرع لم ينص في ذلك القانون على أي عقوبة جزائية إذا ما ارتكب هذه الجريمة أي من هؤلاء الأقارب، وإنما نص على أن يطبق عليهم العقوبات المقررة في قانون الجزاء لجرائم العنف الجنسي، وقد أورد صورًا عديدة للجرائم الجنسية، أو التي أطلق عليها "الجرائم الواقعة على العرض والسمعة"، ويمكن القول: إن جرائم العنف الجنسي ضد المرأة هنا هي تلك التي نصت عليها المادة 186 التي تجرّم مواقعة أنثى بإكراه، أو تهديد، أو حيلة، والمادة 191 التي تجرّم هتك عرض المرأة بإكراه، والحقيقة أنه - باستثناء التفسيرات الذكورية[27] لنصوص المادتين 186 و191 من قانون الجزاء 16/1960 - لا يوجد في قانون الجزاء ما يبيح هذه الأفعال إذا كان مرتكبها زوج المرأة.

بعبارة أخرى؛ نص المشرع في المادة 186 على أنه "من واقع أنثى بغير رضاها، سواء بالإكراه، أو بالتهديد، أو بالحيلة "يعاقب بالعقوبات المذكورة في المادة. في حين تنص المادة 191 على أن "كل من هتك عرض إنسان بالإكراه، أو بالتهديد، أو بالحيلة" يعاقب بالعقوبات المذكورة في المادة. وبالرجوع إلى صريح نصوص المواد فإن المشرع لم يشترط؛ لقيام المسؤولية الجزائية عن أي من الجرائم السابقة، عدم وجود عقد زواج بين الجاني والمجني عليها؛ مما يستفاد منه قيام المسؤولية الجزائية للزوج متى ثبت ارتكابه لأي من هذه الجرائم.

وعلى الرغم مما سبق، فإن مما استقر عليه الرأي في الفقه والقضاء عدم وقوع تلك الجرائم من الزوج لو كان الرضاء غير متوافر ما لم يقترن الإكراه على المواقعة بأحد أفعال الضرب المجرمة؛ ففي هذه الحالة قد تقوم مسؤولية الزوج عن جريمة الضرب وليس المواقعة[28]، ولعل أحد أسباب تلك التفسيرات الذكورية أن المشرع الكويتي حين اعتبر جرائم المواقعة بإكراه وهتك العرض بإكراه من جرائم "العرض والسمعة"، فإنه كأنما قد جعل محل الحماية في هذه الجرائم هو سمعة الرجل وليس جسد المرأة، وأنه كان يتعامل مع تلك الجرائم على أنها جرائم رجل على سمعة رجل آخر وعرضه، بدلًا من أن ينظر إليها باعتبارها جرائم عنف رجل على جسد امرأة كما هي في حقيقتها؛ الأمر الذي ترتب عليه نتائج خطيرة، منها التأخر في التعامل مع العنف الجنسي، الصادرة عن زوج المجني عليها على أنه شكل من أشكال العنف ضد المرأة[29]؛ ومن ثم يمكن القول: إن من أهم ما أضافه قانون العنف الأسري هو الاعتراف أخيرًا بأن الاعتداء الجنسي من الزوج على زوجته يعد جريمة؛ باعتباره شكلًا من أشكال العنف ضد المرأة.

المطلب الثاني: مواطن القصور في الحماية الجزائية الموضوعية

سبقت الإشارة في المطلب الأول إلى أن المشرع الكويتي لم يورد نصا عاما في قانون الحماية من العنف الأسري يعاقب من خلاله صراحة على القيام بما من شأنه التسبب بإساءة نفسية للمرأة؛ الأمر الذي ترتب عليه خروج أشكال عديدة من العنف المعنوي من التجريم.

لمزيد من الشرح نقول: على الرغم من أن التشريعات الجزائية الكويتية تنص على عقوبات لبعض صور العنف النفسي، التي تنحصر جميعها في صور العنف اللفظي - لم ينص المشرع الكويتي على عقوبات لأحد أبرز شكلين من أشكال العنف المعنوي ضد المرأة، وهما: الإكراه على الزواج، والإهمال، وسنعرض في فروع ثلاثة لكل من هذين الشكلين وموقف المشرع منهما، بالإضافة إلى أشكال أخرى، يمكن اعتبارها من أشكال العنف المعنوي، التي أغفل المشرع الجنائي الكويتي تجريمها.

الفرع الأول: الإشكالية المتعلقة بالإكراه على الزواج

لا شك في أن المودة أساس النجاح في العلاقة الزوجية، واستقرار الأسرة مرتبط بنجاح هذه العلاقة، وإنه لا يخفى على أحد ما يترتب على إكراه الفتاة على الزواج من عدم استقرارها النفسي؛ ومن ثم زعزعة الروابط الأسرية، وهو الأمر الذي يتعارض تمامًا مع أحد أهم المبادئ الدستورية التي تقررها المادة التاسعة من الدستور الكويتي، وتؤكد دور القانون في حفظ كيان الأسرة وتقوية أواصرها؛ حيث تنص هذه المادة على أن "الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق وحب الوطن، يحفظ القانون كيانها، ويقوي أواصرها، ويحمي في ظلها الأمومة..."، ويمكن تعريف الإكراه بشكل عام بأنه "حمل الغير على إتيان فعل قهرًا عنه"[30]، وقد نصت المادة 16(2) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه "لا يبرم عقد الزواج إلا برضا الطرفين الراغبين في الزواج رضًا كاملًا لا إكراه فيه"[31].

وقد اشترط قانون الأحوال الشخصية الكويتي رقم 51 لسنة 1984 رضا المرأة لصحة زواجها، وفي هذا تنص المادة 25 من قانون الأحوال الشخصية على أنه "لا يصح زواج المكره ولا السكران"، وقد أكدت المذكرة الإيضاحية للقانون اشتراط المشرع موافقة المرأة لصحة زواجها؛ حيث جاء فيها: "كما أخذ المشرع بأن زواج كل من المكره والسكران، ذكرًا كان، أو أنثى، غير صحيح، ومأخذ ذلك في الإكراه مذهب الشافعي، وما قرره ابن القيم ..."، كما أن المشرع حين نص في المادة 29 من قانون الأحوال الشخصية على أن الولي هو من يقوم بتزويج ابنته البكر، فقد اشترط أيضًا اجتماع رأي الولي والمولى عليها؛ حيث تنص هذه المادة على أن "أ- الولي في زواج البكر التي بين البلوغ وتمام الخامسة والعشرين هو العصبة بالنفس حسب ترتيب الإرث، وإن لم توجد عصبة فالولاية للقاضي. ويسري هذا الحكم على المجنون والمعتوه، ذكرًا كان، أو أنثى. ب- يشترط اجتماع رأي الولي والمولى عليها"، وقد أوردت المذكرة الإيضاحية للقانون في شرحها لهذه المادة أن "إقامة للأسرة على أساس حكيم، اختار المشرع أن زواج الفتاة ما بين بلوغها الطبيعي وتمام الخامسة والعشرين يشترط فيه اجتماع رأيها ورأي الولي ..."، إلا أنه لا يخفى على أحد أنه واقعيًا قد يصعب إثبات عدم وجود هذا الإكراه، خاصة أن هذا الإكراه غالبًا ما يكون معنويًا.

ويمكن القول: إنه يحسب للمشرع الكويتي قيامه بتحديد سن أدنى لتزويج المرأة؛ حيث تنص المادة 26 من قانون الأحوال الشخصية على أنه "يمنع توثيق عقد الزواج، أو المصادقة عليه ما لم تتم الفتاة الخامسة عشرة"، إلا أنه مما يؤخذ عليه عدم ورود نص في أي من التشريعات الجزائية الكويتية يعاقب الولي في حال قيامه بمحاولة إكراه المرأة على الزواج رغمًا عنها، كما تفعل بعض التشريعات المقارنة؛ مثل التشريع العراقي؛ حيث تنص المادة 9 من قانون الأحوال الشخصية العراقية على عقوبات جزائية لمن يقوم بإكراه المرأة على الزواج، وقد فرَّق في عقوبة المُكرِه إذا ما كان من أقرباء المرأة من الدرجة الأولى، أو لم يكن منهم، وجعل العقوبة مشددة على الجاني إذا لم يكن من أقربائها من الدرجة الأولى[32].

الفرع الثاني: إشكالية الإهمال

يمكن تعريف الإهمال بأنه "الرفض، أو الفشل في الوفاء بالتزامات الشخص، أو واجباته تجاه أي فرد في الأسرة مع الاستطاعة"[33]، وعلى الرغم من أن هذا الإهمال من أصعب صور العنف المعنوي ضد المرأة، سواء كانت زوجة أم ابنة بالغة أم أختًا، إلا أن التشريعات الجزائية الكويتية لم تتضمن عقوبة عليه؛ إذ إن نتائج تحليل قانون الجزاء الكويتي (16/1960) تشير إلى أن المشرع قد عاقب على الإهمال في الحالتين التاليتين فقط:

1-  نص المشرع على الإهمال كصورة من صور الخطأ غير العمدي في المادة 44 من قانون الجزاء (16/1960). بعبارة أخرى، متى ترتب على الإهمال نتيجة إجرامية يعاقب عليها القانون فإن المشرع يعاقب المهمل على النتيجة الإجرامية بعقوبة أخف من عقوبة الشخص الذي يتسبب عمدًا بهذه النتيجة؛ مثل حارس العمارة الذي يهمل في صيانة العمارة، فيترتب على إهماله انهيار المنزل ووفاة البعض؛ نتيجة لهذا الانهيار وإصابة البعض الآخر بجروح[34]، وفي هذا تنص المادة 44 على أنه "يعد الخطأ غير العمدي متوافرًا إذا تصرف الفاعل، عند ارتكاب الفعل، على نحو لا يأتيه الشخص المعتاد إذا وجد في ظروفه، بأن اتصف فعله بالرعونة، أو التفريط، أو الإهمال، أو عدم الانتباه، أو عدم مراعاة اللوائح. يعد الفاعل متصرفًا على هذا النحو إذا لم يتوقع، عند ارتكاب الفعل، النتائج التي كان في استطاعة الشخص المعتاد أن يتوقعها فلم يحل دون حدوثها من أجل ذلك، أو توقعها ولكنه اعتمد على مهارته ليحول دون حدوثها فحدثت رغم ذلك".

2-  يعاقب القانون رب الأسرة متولي رعاية طفل على الإهمال العمدي، أو غير العمدي متى ترتب على هذا الإهمال نتيجة إجرامية على ذلك الطفل؛ كأن تسبب إهماله في علاج الطفل المريض إلى وفاة هذا الطفل - على سبيل المثال - فإنه يحاسب عن جريمة قتل عمدي، أو خطأ بحسب قصده الجنائي.

والحقيقة أن الإهمال كشكل من أشكال العنف المعنوي ضد المرأة؛ كالذي يُقصد به الحط من كرامة المرأة، أو إذلالها له صور عديدة، إلا أن صور الإهمال هذه - مع الأسف - لا ترتب أي مسؤولية جزائية على الشخص.

الفرع الثالث: صور أخرى من النشاط الإجرامي للعنف المعنوي ضد المرأة

إن صور النشاط الاجرامي للعنف المعنوي يصعب جدًا حصرها؛ إذ إن هناك صورًا للعنف المعنوي تتم باتخاذ سلوك إيجابي؛ كتلك التي سبقت مناقشتها، في حين هناك صور أخرى تتم باتخاذ سلوك سلبي، ويقصد بالسلوك الايجابي "حركة عضوية إرادية تصدر عن الجاني، وتتمثل في حركات لأعضاء في جسمه تهدف إلى تحقيق آثار مادية"[35]، بينما قد تحصل باتخاذ سلوك سلبي، ويقصد به "الامتناع عن القيام بفعل أمر به القانون"[36].

والحقيقة أن هناك العديد من صور النشاط التي يترتب على القيام بها، أو الامتناع عنها عنف معنوي ضد المرأة، إلا انها غير مجرمة في التشريع الجنائي الكويتي؛ مثل الامتناع عن الإنفاق على الزوجة، أو الأبناء. بعبارة أخرى، إن قانون الأحوال الشخصية الكويتي قد فرض على الزوج النفقة حتى في الأحوال التي تكون فيها المرأة في حالة مادية جيدة؛ حيث تنص المادة 78(أ) من قانون الأحوال الشخصية الكويتي (51/1984) على أنه "تعتبر ‏نفقة الزوجة من تاريخ الامتناع عن الإنفاق مع وجوبه دينًا على الزوج لا يتوقف على القضاء، أو التراضي، ولا يسقط إلا بالأداء، أو الإبراء"، كما تنص المادة 79 من هذا القانون على أن "للقاضي في أثناء نظر دعوى النفقة أن يأمر الزوج بأداء نفقة مؤقتة إلى الزوجة إذا طلبت ذلك، وتتجدد شهريًا، حتى يفصل نهائيًا في الدعوى.. "، إلا أن مجرد التسبب في جعل المرأة في حالة تضطرها للجوء إلى القضاء للحصول على النفقة حتى تعيل أبناءها - خاصة في الأحوال التي لا يكون للمرأة فيها دخل ثابت - من شأنه بحد ذاته التسبب بالأذى النفسي البليغ لها.

بالإضافة إلى ما سبق، فإنه بعد أن أصبحت المرأة تتقلد مناصب قيادية في يومنا، بدأ بعض ضعاف النفوس من الرجال بالشعور بالغيرة؛ الأمر ترتب عليه قيام البعض بمحاولة الانتقام منها عن طريق التلفظ بما من شأنه التقليل من مكانتها، أو ازدراؤها؛ مثل قيام الزوج بالاستهزاء من زوجته، أو محاولة تحبيطها بالقول: إنها فقدت أنوثتها، أو القول: إنها فاشلة ولن تتمكن مهما حاولت من النجاح، وما إلى ذلك من الأقوال التي من شأنها - فعليًا - إيذاء المرأة نفسيًا. ومع ذلك فمتى ما كانت هذه العبارات لا تصل إلى السب فلا عقوبة جزائية عليها، وإن كانت - فعليًا - تعتبر شكلًا من أشكال العنف المعنوي اللفظي[37]، ومن ثم؛ كان الأجدى بالمشرع الكويتي أن ينص صراحة على عقوبة جزائية في حال قيام الشخص بقول، أو فعل، أو الامتناع عن فعل، قصد به إلحاق الأذى النفسي بالمرأة، ويكون ذلك بالتجريم بشكل مباشر كما فعلت بعض التشريعات المقارنة؛ مثل المشرع الجزائري الذي ينص صراحة في المادة (266 مكرر1) على تجريم أشكال العنف المعنوي داخل إطار العلاقات الزوجية، أو التجريم بشكل عام وغير مباشر، وذلك في الحالات التي لا يوجد فيها توازن للقوى بين الجاني والمجني عليه؛ كما فعل المشرع المصري في جريمة التنمر؛ حيث أوضحت المادة 309/ب من القانون المصري 189 لسنة 2020 عدة صور لأفعال النشاط في جريمة التنمر؛ حيث تنص المادة المذكورة على أنه "يعد تنمرًا كل قول، أو استعراض قوة، أو سيطرة للجاني، أو استغلال ضعف المجني عليه لحالة يعتقد الجاني أنها تسيء للمجني عليه؛ كالجنس، أو العرق، أو الدين، أو الأوصاف البدنية، أو الحالة الصحية، أو العقلية، أو المستوى الاجتماعي؛ بقصد تخويفه، أو وضعه موضع السخرية، أو الحط من شأنه، أو إقصائه من محيطه الاجتماعي".

المبحث الثاني: الآليات الإجرائية للحماية من العنف الأسري والاشكاليات المتعلقة بها

إن جميع الإجراءات[38] التي تمر بها الدعوى الجزائية ينظم أحكامها العامة القانون رقم 17 لعام 1960 بإصدار قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية والقوانين التابعة له؛ كالمرسوم بقانون رقم 23 لسنة 1993 في شأن تنظيم القضاء، والقانون رقم 23 لسنة 1968 بشأن نظام قوة الشرطة. وبصفة عامة فإن الأصل العام أن الإجراءات الجزائية للدعوى الجزائية في جميع الجرائم متشابهة، إلا أنه نظرًا لكون جرائم العنف الأسري، ذات طابع اجتماعي - إن صحت التسمية - فقد نص المشرع على مجموعة من الإجراءات يهدف من خلالها وصول بلاغات العنف الاسري إلى السلطات، وضمان سير الدعوى الجزائية لتلك البلاغات بشكل سليم، ودون أن يؤثر ذلك على الأمن الجسدي، أو النفسي للمرأة المجني عليها.

وعليه؛ ينقسم هذا المبحث إلى مطلبين رئيسين، نعرض في المطلب الأول الحماية الجزائية الإجرائية من العنف ضد المرأة التي يقررها قانون العنف الأسري؛ في حين نعرض في المطلب الثاني للإشكاليات المتعلقة بتلك الحماية.

المطلب الأول: الآليات الإجرائية للحماية من العنف ضد المرأة (الحماية الجزائية الإجرائية)

نص المشرع على مجموعة من الإجراءات التي لا يستهدف بها ضمان وصول البلاغات المتعلقة بجرائم العنف الأسري إلى السلطات وسير الدعوى الجزائية بشكل قانوني وسليم فحسب؛ بل يستهدف أيضًا تأمين نوع من الحماية الجسدية والنفسية للمرأة المجني عليها، وكذلك توفير الحماية اللازمة للشهود والمبلغين، وذلك انسجامًا مع ما دعا إليه إعلان العنف ضد المرأة الصادر عن الأمم المتحدة، وقد نص المشرع أيضًا على برامج تدريبية لتهيئة ممثلي السلطات العامة ليتمكنوا من التعامل بالشكل الذي يتناسب والظروف النفسية والاجتماعية التي عادة ما تتزامن مع أهذا النوع من الجرائم.

وعليه؛ ينقسم هذا المطلب إلى فرعين رئيسين، ينظم الفرع الأول الآليات الإجرائية المتعلقة بالتبليغ والتحري في هذه الجرائم، في حين يعرض الفرع الثاني للآليات الإجرائية ذات الصلة بالتعامل مع بلاغات العنف الأسري.

الفرع الأول: الآليات الإجرائية المتعلقة بالكشف والتحري عن العنف الأسري

نص المشرع الكويتي على مجموعة من الآليات في القانون (16/2020) محاولة لتسهيل عملية الكشف عن جرائم العنف الأسري وكذلك التعامل القانوني معها بما يتناسب والجوانب الاجتماعية والنفسية لها، ولعل من أهم هذه الآليات: النص على آليات للتشجيع على التبليغ عن هذه الجرائم؛ مثل جعل إجراءاتها سرية والنص صراحة على حماية المبلغين والشهود، والسماح بالتبليغ عن هذه الجرائم عن طريق مراكز الحماية التابعة للمجلس الأعلى لشؤون الأسرة، وكذلك متى تبين، في أثناء التحري، أو التحقيق في أي جريمة أخرى، وجود حالة من حالات العنف الأسري، ألزم المشرع الجهات المعنية التبليغ عنها للسلطات المختصة. وفيما يلي مناقشة تلك الآليات.

أولًا: سرية الإجراءات

وفقًا للقواعد العامة لقانون الإجراءات الجزائية الكويتي، فإن الرأي الغالب في الفقه يرى أن سرية إجراءات التحقيق الابتدائي تعد من ضمانات المتهم في أثناء هذه الإجراءات[39]؛ حيث يستفاد من نص المادة 75 من القانون رقم 17 لسنة 1960 بإصدار قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية الكويتي أن المشرع قد نص على عدم جواز دخول جمهور الناس إلى المكان الذي يجري فيه التحقيق، أو حتى عرض محاضر التحقيق وما تتضمنه من أدلة متعلقة بالتحقيق على العامة للاطلاع عليها، أو للصحافة، أو غيرها من وسائل الإعلام لإذاعتها، كما أكد المشرع سرية جميع المراسلات؛ حيث تنص المادة 78 من قانون الإجراءات الجزائية على أن "... حرمة الرسالة تمنع الاطلاع على الرسائل البريدية، أو البرقية، أو الهاتفية في أثناء نقلها، أو انتقالها من شخص إلى آخر".

ونظرًا لكون جرائم العنف ضد المرأة التي تكون في إطار الأسرة ذات طابع اجتماعي خاص، وحفاظًا على سمعة الأسرة فقد أكد المشرع على سرية جميع الإجراءات الجزائية لهذه الجرائم من لحظة التبليغ عنها، وجاء في نص المادة 6 من قانون العنف الأسري (16/2020) على أن "تتمتع جميع الاتصالات والمراسلات والإجراءات المتعلقة بقضايا العنف الأسري التي تنظر أمام أي جهة ذات علاقة بما في ذلك المحاكم بالسرية التامة".

ثانيًا: حماية المبلغين والشهود

يستفاد من نص المادة 10 من قانون العنف الأسري أن المشرع قد جعل التبليغ عن جريمة العنف الأسري واجبًا على أي مواطن يشهد واقعة العنف، أو يعلم بها، ومادام أن العنف الأسري ضمن إطار الأسرة فإنه - عادة - من يتُصور علمه بها هو شخص من أفراد الأسرة، أو قريب منها؛ كالجار، أو أصدقاء العائلة، وقد يتردد أحد هؤلاء الأشخاص - كالجار، أو الصديق على سبيل المثال - بالتبليغ لأي سبب كان؛ كعدم رغبته في حصول أي مشكلة بينه وبين أحد أفراد الأسرة، لذا فقد أحسن المشرع حين نص على أنه حماية لهذا المبلغ يجب التعامل مع بياناته بسرية؛ ومن ثم لا يجوز الإفصاح عن هويته، وفي هذا تنص المادة 10 على أنه "يتمتع مقدم البلاغ بخصوص العنف الأسري بالحماية القانونية والحفاظ على السرية وعدم الإفصاح عن هويته...".

وقد منح المشرع مراكز الحماية التابعة للمجلس الأعلى للأسرة سلطة تسلُّم بلاغات العنف الأسري، وتأكيدًا لحماية سرية المبلغين والشهود نص في المادة 15(1) من قانون الحماية من العنف الأسري على أنه إذا قام المبلغ، أو الشاهد بالإدلاء بشهادته لأحد هذه المراكز، فإنه يتوجب على الإدارة المعنية في مراكز الإيواء التابعة للمجلس الأعلى للأسرة أن تستمع لأقواله في غرفة منفصلة حتى يتمكن من الحديث "بحرية وسرية"، وفي هذا تنص المادة على أنه عند تسلُّم الإدارة المعنية للبلاغ، فإنه يتوجب عليها "الاستماع إلى الأطراف والشهود، بمن في ذلك الأطفال، في غرف منفصلة للإدلاء بأقوالهم بحرية وسرية".

ثالثًا: عدم ورود قيد لتحريك الدعوى الجزائية

وفقًا للقواعد العامة في قانون الإجراءات الجزائية الكويتي فإن جهة التحقيق هي السلطة صاحبة الاختصاص في تحريك الدعوى الجزائية، ويقصد بتحريك الدعوى الجزائية "الإجراء الذي ينقل الدعوى من حال السكون التي كانت عليه عند نشأتها إلى حال الحركة بأن يدخلها في حوزة السلطات المختصة باتخاذ إجراءاتها التالية"[40]، وتكون جهة التحقيق ملزمة بتحريك الدعوى متى كانت الجريمة جناية، بينما منحها المشرع سلطة تقديرية جوازية في تحريك الدعوى في الجنح[41]. فالأصل العام أن جهة التحقيق لا تحتاج إلى شرط لممارسة اختصاصها في تحريك الدعوى، فليس عليها الحصول على إذن، أو تحقق شرط لقيامها بذلك، إلا أن المشرع - استثناء في أحوال معينة - قد قيّد سلطة جهة التحقيق في تحريك الدعوى الجزائية بشرط، ومن هذه القيود ما نصت عليه المادة 109 من قانون الإجراءات الجزائية (17/1960) من اشتراط تقديم شكوى لتحريك الدعوى الجزائية، ويقصد بالشكوى "تعبير المجني عليه عن إرادته في أن تتخذ الإجراءات الجزائية الناشئة عن الجريمة"[42]، وهي بذلك تختلف عن البلاغ العادي الذي قد يصدر عن أي شخص، سواء كان المجني عليه، أو غيره، حيث تنص المادة 109 على أنه "لا يجوز رفع الدعوى الجزائية إلا بناء على شكوى المجني عليه في الجرائم الآتية: 1- جرائم السب والقذف وإفشاء الأسرار. 2- جريمة الزنى. 3- جرائم خطف الإناث. 4- جرائم السرقة والابتزاز والنصب وخيانة الأمانة، إذا كان المجني عليه من أصول الجاني، أو فروعه، أو كان زوجه".

وبالنظر إلى نص المادة السابقة يلاحظ أن المشرع قد قيّد سلطة جهة التحقيق في تحريك الدعوى الجزائية بصدور شكوى من المجني عليه في بعض الجرائم التي يكون لها طابع اجتماعي، إلا أن المشرع الكويتي لم يتخذ النهج ذاته في جرائم العنف الأسري ضد المرأة، حيث يستفاد من نص المادة 9 من قانون (16/2020) أن المشرع لم يشترط أي قيد لتحريك الدعوى الجزائية في جرائم العنف الأسري ضد المرأة؛ وذلك تشجيعًا منه على التبليغ عن هذه الجرائم.

على الرغم مما سبق، ومراعاة للظروف الاجتماعية للمرأة فإن القانون قد منحها الحق في طلب وقف سير الدعوى الجزائية أيًا كانت المرحلة التي تمر بها الدعوى، سواء كانت في أثناء إجراءات التحقيق الابتدائي أم خلال مرحلة المحاكمة، كما قرر المشرع جعل هذا التنازل سببًا لانقضاء الدعوى الجزائية، وذلك شريطة أن لا يكون قد صدر حكم قضائي في الدعوى، وفي هذا تنص المادة 9 من قانون العنف الأسري على أن "تحريك الدعوى الجزائية في جرائم العنف الأسري بناء على بلاغ من أي شخص، أو جهة، ومع ذلك يجوز للمعتدى عليه أن يوقف سير الإجراءات في الدعوى في أي حالة كانت عليها قبل صدور الحكم".

وحرصًا من المشرع على وصول بلاغات العنف ضد المرأة للسلطات العامة واتخاذ الإجراءات القانونية ضد المتهم بجريمة العنف ضد المرأة، فقد نص على عقوبة جزائية على كل من يستعمل أي وسيلة مادية، أو معنوية لإكراه المرأة المجني عليها على العدول عن شكواها؛ وفي هذا تنص المادة 13 من قانون العنف الأسري على أنه "‏يعاقب كل من يقدم على محاولة إكراه المعتدى عليه في جريمة من جرائم العنف الأسري بهدف ‏الرجوع عن شكواه، بالحبس مدة لا تقل عن أسبوع ولا تزيد على ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن 100 دينار ولا تزيد على 1000 دينار، أو بإحدى هاتين العقوبتين، ما لم ينص أي قانون آخر على عقوبة أشد". ويستفاد من عموم نص المشرع في عبارة "كل من يقدم على محاولة إكراه" على أنه لا يشترط لعقاب الشخص الذي قام بإكراه المرأة على الرجوع عن شكواها أن يكون الجاني، وإنما قد يعُرض نفسه للمساءلة الجزائية أي شخص يقوم بذلك، فعلى سبيل المثال، إذا تقدمت المرأة بشكوى ضد زوجها بسبب ارتكابه لأي شكل من أشكال العنف ضدها، ثم حاول أحد أفراد عائلتها؛ كالجد، أو الأخ، إجبارها على الرجوع عن شكواها بحجة كونه قريبًا لهما، أو بحجة الخوف من كلام الناس - على سبيل المثال - فإن هذا الشخص في هذه الحالة قد يعرض نفسه للعقوبة الجزائية التي تقررها المادة 13، سالفة الذكر.

رابعًا: منح مراكز الحماية التابعة للمجلس الأعلى لشؤون الأسرة سلطة تسلُّم بلاغات العنف ضد المرأة وإلزامها إبلاغ جهة التحقيق عنها

أولًا: إنه مما لا يخفى على أحد أن الطبيعة الاجتماعية للمجتمع الكويتي قد تجعل بعض النساء تتردد في الذهاب إلى مراكز الشرطة لتقديم شكوى ضد أحد أقاربها بسبب ارتكابه إحدى جرائم العنف ضدها، ذلك بالإضافة إلى خشيتها عما يمكن أن يطال سمعتها من كلام بسبب ذلك، فمن جانب قد تخشى المرأة عدم تصديق ممثلي السلطات العامة لها[43]، ومن جانب آخر قد تقلق بعض النساء من أن يذاع عنها بين قريناتها أنها تتعرض للعنف من أحد أقاربها الذكور؛ لذا فقد أصاب المشرع حين نص في المادة 5 من قانون (16/2020) على إنشاء مراكز إيواء تابعة للمجلس الأعلى للأسرة، ثم نص صراحة في البندين 3 و4 من هذه المادة على أن أحد اختصاصات هذه المراكز تسلُّم بلاغات العنف الأسري ضد المرأة وتقديم الخدمات القانونية لها عند الحاجة، وتؤكد المادة 8 من قانون (16/2020) أن للمرأة الحرية في تقديم البلاغ للإدارة المعنية بتسلُّم البلاغات في مراكز الحماية التابعة للمجلس الأعلى لشؤون الأسرة في حال عدم رغبتها الذهاب لمركز الشرطة؛ حيث تنص هذه المادة على أن "لكل من تعرض ‏للعنف من قبل أحد أفراد أسرته، تقديم بلاغ إما إلى الإدارة المعنية، أو لجهة التحقيق المختصة".

ويمكن القول: إنه مما قد يسهم في طمأنينة المرأة وتشجيعها على تقديم بلاغها للمراكز التابعة للمجلس الأعلى أن المشرع قد فرض على العاملين في مراكز الإيواء الالتزام بالمحافظة على سرية المعلومات والبيانات المتعلقة بقضايا العنف التي اطلعوا عليها بحكم وظيفتهم، ويستمر التزامهم بالمحافظة على هذه السرية حتى بعد انتهاء خدمتهم بالاستقالة، أو بالتقاعد، أو غيرها؛ بل ألزم المشرع العاملين في هذه المراكز تأدية قسم أمام رئيس المجلس الأعلى لشؤون الأسرة يتعهدون من خلاله التزامهم بالمحافظة على سرية هذه البيانات والمعلومات؛ حيث تنص المادة 7 من قانون العنف الأسري (16/2020) على أنه يتعين على العاملين في هذه المراكز "‏أداء أعمالهم بأمانة ونزاهة وحياد، والالتزام بعدم إفشاء أسرار الأفراد والأسر التي يطلعون عليها بحكم عملهم، ويؤدي كل منهم أمام رئيس المجلس الأعلى لشؤون الأسرة القسم التالي:

[‏أقسم بالله العظيم أن أؤدي أعمالي بالأمانة والحيدة والنزاهة والصدق، وأن أحافظ على سرية المعلومات التي أطلع عليها بحكم عملي حتى بعد انتهاء خدمتي].

ثانيًا: بالإضافة إلى ما نص عليه المشرع للمساهمة في وصول بلاغات العنف ضد المرأة إلى السلطات العامة السابق بيانه، والكشف عن جرائم العنف الأسري، فإنه يستفاد من نص المادة 11 من قانون (16/2020) إلزام المشرع كلًا من العاملين في إدارة مراكز الإيواء، وكذلك رجال الشرطة؛ متى تبين لهم في أثناء أدائهم لأعمالهم وجود شبهة في إحدى جرائم العنف ضد المرأة، القيام بإبلاغ جهة التحقيق المختصة عنها، وهي النيابة العامة[44]؛ حيث تنص المادة 11 على أنه "على الإدارة المعنية، أو أي مركز شرطة إبلاغ جهة التحقيق المختصة بكل حالة يشتبه أنها من قبيل العنف الأسري تظهر أمامهم في أثناء قيامهم بأعمالهم "، وعليه؛ يمكن القول: إن المادة 11 قد تضمنت التزامًا بسيناريوهين مختلفين: الأول على عاتق العاملين في مراكز الإيواء التابعة للمجلس الأعلى لشؤون الأسرة، والآخر على رجال الشرطة.

لمزيد من الشرح: إن الدور الذي تقوم به مراكز إيواء ضحايا العنف الأسري لا تقتصر على تقديم الخدمات القانونية من تسلُّم بلاغات وإحالتها لجهات التحقيق المختصة فحسب؛ بل نص المشرع على أن من اختصاصات هذه المراكز أيضًا تقديم الإرشاد الأسري والنفسي والاجتماعي والصحي، وفي هذا تنص المادة 5 من قانون (16/2020) على أن تختص هذه المراكز بما يأتي: "1- تقديم المأوى لضحايا العنف الأسري. ‏2- الإرشاد الأسري والنفسي والاجتماعي والصحي وخدمات إعادة تأهيل المعتدى عليه والمعتدي بالتنسيق مع وزارة الصحة. 3-المساعدة القانونية للمعتدى عليه عند الحاجة. 4-إنشاء خط ساخن لتلقي البلاغات والشكاوى عن حالات العنف الأسري".

وعليه؛ فإنه من المتصور أن تلجأ المرأة المجني عليها إلى مركز الإيواء لطلب الاستشارة النفسية، أو الاجتماعية بسبب العنف الأسري الذي تعرضت له دون أن تتقدم ببلاغ ضد المعتدى عليها، أو الجاني، في هذه الحالة وجب على العاملين في الإدارة المختصة في مراكز الإيواء القيام بتقديم بلاغ لدى جهة التحقيق المختصة ضد المعتدي على هذه المرأة حتى لو لم تطلب هي ذلك، وفي كل الأحوال منح القانون المرأة المجني عليها في هذه الحالة الحق في طلب وقف سير الدعوى الجزائية إذا ما رغبت في ذلك، كما سبق بيانه تفصيلًا.

بالإضافة إلى ما سبق، فرضت المادة 11 الالتزام ذاته على عاتق رجال الشرطة، فعلى سبيل المثال، إذا تبين لرجال الشرطة -في أثناء قيامهم بالتحري عن جريمة أخرى؛ كجريمة قتل، أو سرقة، أو أيًا كانت الجريمة الأخرى - معلومات، أو بيانات تفيد تعرض امرأة للعنف من قبل أحد أفراد أسرتها، فإنه يجب عليهم تقديم بلاغ لجهة التحقيق المختصة ضد الجاني، حتى لو لم تكن المجني عليها طلبت منهم ذلك.

الفرع الثاني: الآليات الإجرائية ذات الصلة بالتعامل مع بلاغات العنف الأسري

كما سبقت الإشارة، فإن الطبيعة الاجتماعية والنفسية لهذه الجرائم تتطلب أن يتعامل معها القانون بما يتناسب وهذه الطبيعة؛ لذا فقد نص المشرع على ما يمكن اعتباره آليات إجرائية خاصة للتعامل مع هذه الجرائم، ولعل أبرز تلك الآليات: إخضاع ممثلي السلطات العامة للتدريب اللازم للتعامل مع هذه الجرائم، بالإضافة إلى نص المشرع على بعض صور الرعاية اللاحقة للمجني عليهن في هذه الجرائم، وقد وضح المشرع بعض الإجراءات القانونية للتعامل مع بلاغات العنف الأسري خلال مرحلة التحري والتحقيق.

وفيما يلي عرض لهذه الآليات بشيء من التفصيل:

أولًا: تدريب ممثلي السلطات العامة من الجهات القانونية والقضائية المعنية وتجهيزهم للتعامل مع هذه الجرائم

إن جرائم العنف ضد المرأة، ولا سيما تلك التي يكون الجاني فيها أحد أقارب المرأة؛ كالأب، والأخ والزوج، لها طبيعة اجتماعية ونفسية خاصة؛ فمن ناحية اجتماعية، فإنه في الوقت الذي يتحتم على السلطات العامة التدخل لحماية المرأة من العنف الذي قد يطولها من أحد أقربائها ومحاسبة الجاني جزائيًا على فعله، فإن القانون ليس أقل حرصًا على المساهمة - قدر المستطاع - بعدم التسبب بمشكلات اجتماعية للعائلة وزيادة اضطراب ما بعد الصدمة[45]، الذي قد يصيب المرأة المجني عليها بعد الجريمة؛ ومن ثم فإن التعامل مع هذا النوع من الجرائم يتطلب تدريبًا خاصًا لممثلي السلطات العامة من رجال شرطة ومحققين حتى يتمكنوا من التعامل القانوني بشكل سليم، متناسب والطبيعة الخاصة لهذه القضايا؛ وبذلك أصاب المشرع حين نص في المادة 2(6) من قانون (16/2020) على "‏تنظيم برامج تدريبية لجميع المعنيين في التعامل مع حالات العنف والإيذاء، بمن فيهم من فرق الضبط والتحقيق والأطباء والاختصاصيين الاجتماعيين والنفسيين وغيرهم".

وتجدر الإشارة إلى أن تنظيم مثل هذه الدورات للموظفين الذين يتعاملون مع قضايا العنف ضد المرأة وبخاصة ممثلو السلطات العامة من محققين ورجال شرطة ـ هو أمر تفرضه الاتفاقيات الدولية، فعلى سبيل المثال، تنص المادة 4(ط) من إعلان القضاء على العنف ضد المرأة الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة على أنه ينبغي للدول أن تتخذ "سياسة تستهدف القضاء على العنف ضد المرأة"، وفي سبيل تحقيق ذلك يتوجب عليها "أن تتخذ التدابير اللازمة لضمان تزويد موظفي إنفاذ القوانين والموظفين العموميين المسؤولين عن تنفيذ سياسات درء العنف عن المرأة والتحقيق فيه والمعاقبة عليه، بتدريب يجعلهم واعين لاحتياجات المرأة".

ومن ثم؛ حرصت العديد من التشريعات المقارنة، مثل المملكة المتحدة، على فرض مثل هذه البرامج التدريبية بصفة دورية للمعنيين بالتعامل مع حالات العنف ضد المرأة[46].

ويمكن القول: إن لهذه البرامج التدريبية أهمية كبيرة فيما يتعلق بحسن تعامل هؤلاء الموظفين المسؤولين مع قضايا العنف ضد المرأة؛ فمن جهة أثبتت العديد من الدراسات أن ما يؤثر بشكل كبير على قرار المرأة المعنَّفة عدم الاستمرار في الإجراءات الجزائية هو التعامل الأول للمعنيين معها؛ ومن ثم، فإن هذه البرامج التدريبية لا تتضمن تدريبًا على الجوانب القانونية المتعلقة بالتعامل مع قضايا العنف ضد المرأة فحسب؛ بل على الجوانب النفسية والاجتماعية أيضًا.

ومما يجب أن يدرَّب عليه رجال الشرطة استبعاد أي أعراف، أو تقاليد تتضمن صورًا نمطية تسيء إلى المرأة بشكل قد يؤثر على تعاملهم معها، وهو أمر نصت عليه الاتفاقيات الدولية؛ حيث تضمنت ذلك صراحة المادة 5 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة؛ حيث تنص المادة 5 على أن "تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة، لتحقيق ما يلي: أ- تعديل الأنماط الاجتماعية والثقافية لسلوك الرجل والمرأة؛ بهدف تحقيق القضاء على التحيزات والعادات العرفية وكل الممارسات الأخرى القائمة على فكرة دونية، أو تفوق أحد الجنسين، أو على أدوار نمطية للرجل والمرأة، ..."، وأكدت الأمر ذاته المادة 4 من إعلان القضاء على العنف ضد المرأة.

ثانيًا: تأمين رعاية لاحقة للمعنفات

إن مما قد يجعل كثيرًا من النساء اللواتي يتعرضن للعنف داخل إطار الأسرة يترددن في التبليغ واتباع الإجراءات القانونية ضد الجاني هو خشيتهم من عدم وجود مكان يلجأن إليه، خاصة خلال مرحلة التحقيق والمحاكمة؛ أي قبل أن تنتهي المحاكمة ويصدر القاضي حكمًا بالإدانة، فعلى سبيل المثال، المرأة التي تتعرض للعنف من والدها، أو جدها الذي تعيش معه، أو حتى زوجها - كالأحوال التي تكون فيها المجني عليها غير كويتية الجنسية، أو لا أهل لها تؤوي إليهم في الكويت - قد تتردد في التبليغ خشية من عدم وجود مكان تأوي إليه خلال إجراءات التحقيق والمحاكمة؛ أي قبل ثبوت الجريمة بحكم القاضي، خاصة في الأحوال التي تكون فيها المرأة غير عاملة، أو لا تملك مصدرًا ثابتًا للدخل.

بالإضافة إلى ما سبق، يمكن القول: إن المرأة التي تعرضت لأي شكل من أشكال العنف الأسري تحتاج إلى خدمات عديدة، وليس إلى مكان تنام فيه في المساء فقط؛ فهي في حاجة إلى دعم من متخصصين بإمكانهم تلبية احتياجاتها العاجلة وكذلك الطويلة الأجل؛ إنها تحتاج إلى رعاية نفسية للتعافي من صدمة العنف وإعادة بناء حياتها[47]، وهو أمر أوصت به هيئة الأمم المتحدة في المادة 4(ز) من الإعلان بشأن القضاء على العنف ضد المرأة، لذا أصاب المشرع حين نص في المادة 5 من قانون العنف الأسري على إنشاء مراكز إيواء تتولى تأمين أشكال مختلفة من الرعاية اللاحقة للمعنَّفات، ولعل من أهم أشكال الرعاية التي نص القانون على أن تتولى هذه المراكز القيام بها ما يأتي:

1- تأمين مأوى لضحايا العنف الأسري:

إن المادة 5(1) من قانون الحماية من العنف الأسري نصت على أن من اختصاصات مراكز الإيواء السالفة الذكر "تقديم مأوى لضحايا العنف الأسري"، ثم جاءت المادة 15(3) لتؤكد هذا الاختصاص، وتقرر أنه يتوجب على الإدارة المعنية في هذه المراكز "اتخاذ الإجراءات اللازمة لإيواء المعتدى عليه في مركز الإيواء عند الاقتضاء"، ويمكن القول: إن من أهم العناصر التي يجب أن تتوافر في هذا المأوى لتحقيق الغرض الأساسي منه وضمان سلامة المرأة المعنَّفة ما يأتي:

‌أ-        سرية المأوى وأمنه: فيجب الالتزام بأن يقتصر السماح بالدخول إليه على العاملين فيه والمختصين الذين تتطلب الضرورة دخولهم فقط، ولعل عدم السماح لغير هؤلاء بالدخول يضمن الحفاظ على سرية المرأة المعنَّفة، وهو أمر يمكن استخلاصه من نصوص قانون (16/2020) التي أكد فيها المشرع التزام جميع العاملين والمختصين في التعامل مع قضايا العنف ضد المرأة بالمحافظة على سرية أي بيانات، أو معلومات متعلقة بالقضية اطلعوا عليها بحكم وظيفتهم، كما سبق بيانه.

‌ب-    من العوامل المهمة للمأوى - وإن كان المشرع لم ينص عليه صراحة في قانون (16/2020) - ضرورة وجود مبنى المأوى بالقرب من المرافق والخدمات الأساسية؛ مثل الخدمات الصحية والشرطة، وغيرها من الخدمات الأخرى كمتاجر بيع الأغذية الأساسية.

2- تقديم رعاية نفسية:

سبقت الإشارة إلى أن المرأة، بعد تعرضها للعنف، قد تحتاج إلى رعاية صحية خاصة؛ ومن ثم نص المشرع في المادة 5 من قانون العنف الأسري على أن من الخدمات التي تختص مراكز الإيواء بتقديمها للمرأة التي تعرضت للعنف الأسري تقديم الإرشاد النفسي لها، كما تقرر المادة 15 من القانون ذاته مجموعة من الإجراءات التي يجب أن تتخذها الإدارة المعنية في مراكز الإيواء عند تسلُّمها بلاغ العنف ضد المرأة؛ سعيًا لتقديم الرعاية النفسية اللازمة للمرأة، وهي:

‌أ-        حضور اختصاصي نفسي وقت قيام المجني عليها بالإدلاء بأقوالها: إن القواعد العامة تقرر أن سرية التحقيق تقتضي سماع أقوال المجني عليه والشهود في غرف مغلقة لا يسمح فيها بالدخول إليها إلا للمحامي، وذلك في الأحوال التي ينتدب فيها المتهم محاميًا كما سبقت الإشارة، غير أن المشرع قرر ضرورة حضور الاختصاصي النفسي عند الاستماع لأقوال المجني عليها، ويمكن القول: إنه إلى جانب دور وجود الاختصاصي النفسي في بث الطمأنينة في نفس المجني عليها، فإن أحد أهم أدواره أيضًا تقرير مدى حاجة المجني عليها إلى الخضوع للعلاج النفسي.

‌ب-    إخضاع المجني عليها للعلاج النفسي: سبقت الإشارة إلى أن المرأة التي تعرضت للعنف قد تمر في اضطرابات نفسية، أو صدمات، تستدعي علاجها حتى تتمكن من ممارسة الحياة بشكل طبيعي؛ ومن ثم، فإن من الإجراءات التي تقرر المادة 15 من قانون (16/2020) اتخاذها عند تسلُّم بلاغ العنف ضد المرأة أن تقوم الإدارة المعنية في مراكز الإيواء بإخضاع المجني عليها لعلاج نفسي وجلسات إعادة تأهيل، وذلك متى استدعت حالتها ذلك.

3ـ تقديم خدمات صحية:

بعد تعرض بعض النساء للعنف من قبل أحد أقاربهن، فإن خوفهن من الجاني قد يجعلهن يهرعن أولًا إلى الجهات القانونية المعنية؛ طلبًا للحماية، وفي بعض الأحيان قد تكون بعض هؤلاء النساء قد تعرضن لعنف جسدي يتطلب علاجًا صحيًا فوريًا؛ كتعرضهن لضرب مبرح، أو لأحد أشكال العنف الجنسي، على سبيل المثال. ومن ثم تنبه المشرع على هذه الحقيقة، ونص على أنه يتوجب على الإدارة المعنية تقديم الرعاية الصحية اللازمة لهذه المرأة.

وحفاظًا على حق المجني عليها في إثبات واقعة العنف الذي تعرضت له؛ نص المشرع على أن تتولى هذه الإدارة فورًا عرض المرأة على الطب الشرعي للمحافظة على الأدلة المادية للجريمة، وفي هذا تنص المادة 15(2) من قانون (16/2020) على أنه يتوجب على الإدارة المعنية في مراكز الحماية التابعة للمجلس الأعلى للأسرة "اتخاذ الإجراءات اللازمة لنقل المعتدى عليه إلى أقرب مستشفى عند الاقتضاء، مع وجوب عرضه على الطب الشرعي".

ويستفاد من عموم نص المادة 5 من قانون 16/2020 أن الرعاية الصحية لا تشمل فقط الحالات التي تكون فيها المرأة في حاجة إلى عناية طبية فورية؛ بل تتولى هذه المراكز أيضًا تأمين جميع أشكال الرعاية الصحية التي تحتاج إليها هذه المرأة؛ حيث تنص المادة 5(2) على أن اختصاصات مراكز الإيواء السالفة الذكر تشمل تقديم "الإرشاد الأسري والنفسي والاجتماعي والصحي...".

ثالثًا: الإجراءات القانونية للتعامل مع بلاغات العنف الأسري

وفقًا لقانون (16/2020)، عند تسلُّم رجال الشرطة لبلاغات العنف الأسري ضد المرأة، فإنه ـ بالإضافة إلى تقديم الخدمات الصحية والنفسية المختلفة للمجني عليها يتوجب اتخاذ الإجراءات الآتية:

إبلاغ الإدارة المعنية في مراكز الإيواء:

وفقًا للقواعد العامة التي ينص عليها قانون الإجراءات الجزائية 17/1970 فإنه يتوجب على رجال الشرطة عند تسلُّم بلاغ عن وقوع جريمة إبلاغ جهات التحقيق المختصة، وفي ذلك تنص المادة 40 من قانون الإجراءات الجزائية على أنه "...إذا بلغ أحد رجال الشرطة، أو علم بارتكاب جريمة فعليه أن يخطر فورًا النيابة العامة في الجنايات ومحققي الشرطة في الجنح بوقوع الجريمة..."، إلا أنه يستفاد من نص المادة 14 من قانون العنف الأسري أنه إذا كان البلاغ متعلقًا بجريمة العنف الأسري ضد المرأة، فإنه يتوجب على رجال الشرطة في هذه الحالة أيضًا إخطار الإدارة المعنية في مراكز الإيواء بالبلاغ، وفي هذا تنص المادة على أنه "عند تلقي الشرطة، أو فرق الضبطية القضائية بلاغًا عن حالة عنف، فإن عليها اتخاذ ما يلزم من إجراءات وإحالة البلاغ مباشرة إلى الإدارة المعنية...".

2 ـ قيام الإدارة المعنية في مراكز الإيواء بالاستماع إلى أقوال الأطراف والشهود:

قرر المشرع منح الإدارة المعنية سلطة الاستماع إلى أقوال الجاني والمجني عليه وكذلك الشهود، وفي هذا تنص المادة 15(1) على أن من الالتزامات التي تقع على عاتق الإدارة المعنية في مراكز الإيواء عند تسلُّمها لبلاغات العنف "الاستماع إلى الأطراف والشهود"، ولعل الهدف من تقرير المشرع هذه السلطة لمراكز الإيواء يختلف عن الغرض من منحها لرجال السلطات العامة؛ إذ إن من الأهداف الرئيسية لقيام هذه المراكز بفحص القضية والبحث فيها والاستماع إلى أقوال الأطراف والشهود تحديد الخدمات الصحية والنفسية التي قد يحتاج إليها كل من المجني عليه وكذلك الجاني في بعض الحالات، ويتوجب عليها إعداد تقرير مفصل عن الحالة، وفي هذا تنص المادة 15(5) على أنه بعد قيام الإدارة المعنية بكل الالتزامات المفروضة عليها؛ كالاستماع للأطراف والشهود، وتقديم الخدمات اللازمة للمجني عليها وغيرها، يتوجب عليها إعداد تقرير مفصل عن الحالة.

3- إبلاغ المجني عليها بحقها في تقديم طلب أمر حماية:

وفقًا لنص المادة 16 من قانون الحماية من العنف الأسري، فإن من الإجراءات الواجب اتباعها بعد تسلُّم بلاغ العنف وسماع أقوال الأطراف ضرورة إبلاغ المجني عليها بأنها إذا كانت تخشى من استمرار تعرضها لأي شكل من أشكال العنف، أو الإيذاء الجسدي، أو الجنسي، سواء من الجاني، أو من غيره، فإن لها الحق في تقديم طلب إصدار أمر حماية مستعجل، وفي هذا تنص المادة 16 من القانون 16/2020 على أن "على العاملين بالإدارة المعنية وعناصر الشرطة وجهة التحقيق المختصة إبلاغ المعتدى عليه بالإجراءات القانونية المتاحة له، وبإمكانية حصوله على أمر حماية...". ويمكن القول: إنه يستفاد من نص المادة 17 أن أمر الحماية لا يشمل العنف النفسي بل يقتصر على العنف الجسدي والجنسي، وفي هذا تنص هذه المادة على أنه "يجوز في حال وجود خطر جسيم يهدد حياة، صحة، سلامة المعتدى عليه، طلب أمر حماية مستعجل...".

وإذا ما تُسلِّم طلب أمر الحماية من المجني عليها، فإنه يتوجب عرضه على المحكمة المختصة ليفصل في الطلب قاضي الأمور المستعجلة، فإذا رأت المحكمة وجود خطر يهدد حياة المجني عليها، أو صحتها، أو سلامتها، فإنها تقوم بإصدار أمر حماية مستعجل.

إن المشرع لم يضع أي قيد زمني لمدة أمر الحماية، ويستفاد من نص المادة 17 من قانون (16/2020) جواز أن يصدر الأمر دون تحديد مدة لانتهائه، وفي هذه الحالة يستمر تطبيقه إلى أن تتقدم المجني عليها بطلب إلغاء الأمر، أو تعديله متى ظهرت ظروف جديدة[48].

المطلب الثاني: الإشكاليات المتعلقة بالحماية الإجرائية

إن نتائج تحليل النصوص التي تضمنت حماية إجرائية من العنف ضد المرأة في القانون (16/2020) تشير إلى وجود إشكاليات تشريعية في تلك الحمايات، وأبرز تلك الإشكاليات: (1) الإشكالية المتعلقة بحكم الامتناع عن التبليغ عن العنف الأسري. (2) الإشكالية المتعلقة بحكم إفشاء سرية المعلومات المتعلقة بقضايا العنف الأسري. (3) الإشكالية المتعلقة بأوامر الحماية، وسنناقش تلك الإشكاليات في فروع ثلاثة، على النحو الآتي.

الفرع الأول: الإشكالية المتعلقة بحكم الامتناع عن التبليغ عن وقائع العنف الأسري

بداية، إن نتائج تحليل نصوص القانون رقم 16 لسنة 2020 بشأن الحماية من العنف الأسري تشير إلى أن المشرع قد سعى من خلال النص على بعض الآليات الإجرائية إلى التشجيع على التبليغ عن جرائم العنف الأسري ضد المرأة، ومن تلك الأحكام ما تضمنته المادة 10 من محاولة لفرض عقوبة جزائية على من يتخلف عن التبليغ عن تلك الجرائم، إلا أن المشرع - للأسف - لم يوفق في صياغة النص.

لمزيد من الشرح، تنص الفقرة الأخيرة من المادة 10 من قانون الحماية من العنف الأسري على أن "تسري ‏في حق من تخلف عن التبليغ العقوبات المنصوص عليها في أحكام الامتناع عن التبليغ عن الجرائم الواردة في القانون رقم 16 لسنة 1960 بإصدار قانون الجزاء". والحقيقة أن تلك الأحكام التي تضمنها قانون الجزاء لا تنص على عقوبة عن الامتناع عن التبليغ بشكل عام؛ إذ إن المادة التي تطرقت لتنظيم أحكام الامتناع عن التبليغ عن الجرائم هي المادة 143، وتنظم هذه المادة الأحكام الخاصة بالامتناع عن التبليغ عن جريمة قتل، أو حريق، أو سرقة فقط دون غيرها من الجرائم، وتقرر لها عقوبة مقدارها "الحبس لمدة لا تزيد على سنة واحدة وغرامة لا تجاوز ألف روبية، أو بإحدى هاتين العقوبتين". وقد استثنت هذه المادة من العقاب زوج الجاني، أو أصوله، أو فروعه، ويمكن القول: إن الأشخاص الذين يُتصور علمهم، أو مشاهدتهم لوقائع العنف الأسري والسكوت عنه هم غالبًا الأشخاص الذين استثنتهم المادة من العقاب.

في المقابل، فإن المادة التي تنظم أحكام عقوبة الامتناع عن التبليغ عن الجرائم بشكل عام هي المادة 14 من القانون رقم 17 لسنة 1960 بإصدار قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية، ومع ذلك، فإننا لا نرى أيضًا تطبيق أحكام هذه المادة على من يمتنع عن التبليغ عن واقعة العنف الأسري؛ وذلك لأن هذه المادة -أولًا- تشترط لقيام مسؤولية الممتنع عن التبليغ أن يكون لديه قصد خاص، وهو أن يكون سبب عدم التبليغ نية التستر على الجاني؛ حيث تنص هذه المادة على أن "كل شخص شهد ارتكاب جريمة، وعلم بوقوعها، عليه أن يبلغ بذلك فورًا أقرب جهة من جهات الشرطة، أو التحقيق. يعاقب من امتنع عن التبليغ؛ ممالأة منه للمتهمين، بعقوبة الامتناع عن الشهادة "، وكذلك فإن هذه المادة تستثني من العقاب أيضًا زوج الشخص وأصوله وفروعه حتى لو كان امتناعهم عن التبليغ بنية التستر على الجاني، وهو الذي عبرت عنه المادة 14 من القانون المذكور بعبارة "ممالأة للمتهم"؛ لذا كان الأجدى بالمشرع أن ينص صراحة في قانون الحماية من العنف الأسري (16/2020) على عقوبة محددة لمن يمتنع عن التبليغ عن واقعة العنف الأسري، دون الرجوع إلى أي أحكام متعلقة بالامتناع عن التبليغ نظمتها نصوص قوانين أخرى، تمامًا كما فعل في القانون رقم 2 لسنة 2016 بشأن إنشاء الهيئة العامة لمكافحة الفساد؛ حيث اكتفى - لقيام المسؤولية الجزائية للشخص الذي يمتنع عن التبليغ عن جريمة الفساد - بتوافر القصد الجنائي العام لديه دون أن يشترط توافر القصد الجنائي الخاص، المتمثل في نية التستر على الجاني؛ مما يعني أنه يدخل ضمن نطاق التجريم الممتنع عن التبليغ عن الفساد، ولو كان امتناعه تكاسلًا[49]؛ ومن ثم كان الأجدى بالمشرع اتباع النهج ذاته مع الممتنع عن التبليغ عن جرائم العنف الأسري.

الفرع الثاني: الإشكالية المتعلقة بحكم مخالفة قواعد السرية في بلاغات العنف الأسري

تنص المواد 6 و7 و10 من قانون الحماية من العنف الأسري (16/2020) على ضرورة التزام ممثلي مراكز الحماية بالمحافظة على سرية البيانات والمعلومات المتعلقة بقضايا العنف ضد المرأة، وكذلك على سرية المبلغين عن هذه الجرائم، غير أن القانون لم ينص على أي عقوبة جزائية على مخالفة قواعد السرية، على نحو ما نجده في قوانين أخرى.

لمزيد من الشرح نستطيع القول: على الرغم من أن المشرع الجزائي الكويتي لم يضمّن قانون الجزاء (16/1960) نصًا عامًا يقرر تجريم إفشاء الأسرار المهنية، فإنه نص في تشريعات متفرقة على حظر أن يكشف طوائف مختلفة من الموظفين عن سرية بعض المعلومات التي اطلعوا عليها بحكم عملهم، وقرر في تلك القوانين عقوبات جزائية على مخالفتهم لذلك الحظر، مثل ما نص على التزام موظفي الهيئة العامة لمكافحة الفساد على السرية في أكثر من موقف؛ حيث تنص المادة 51 من قانون إنشاء الهيئة العامة لمكافحة الفساد (2/2016) على عقوبة كل من يقوم بالكشف عن سرية المبلّغ[50]، كما تنص المادة 29 من هذا القانون على التزام العاملين في الهيئة المحافظة على سرية البيانات والوثائق والمعلومات التي اطلعوا عليها بحكم وظيفتهم، ثم نص في المادة 45 منه على عقوبة جزائية على إفشاء السرية التي نصت عليها المادة 29[51]، وباستثناء طوائف الموظفين الذين نص المشرع صراحة على تجريم إفشائهم للمعلومات التي اطلعوا عليها بحكم وظيفتهم، اكتفى بالمساءلة التأديبية فقط لقيام غيرهم من الموظفين بإفشاء سرية المعلومات، وذلك وفقًا لما تنص عليه المادة 25 (الفقرتان 5، 6) من قانون الخدمة المدنية من اعتبار ذلك السلوك شكلًا من أشكال إخلالهم بأحد الالتزامات السلبية التي تقع على عاتق الموظف، وهو الالتزام بعدم إفشاء الأسرار الوظيفية[52]. ويمكن القول: إن العقوبة الجزائية التي نصت المادة 14 من القانون رقم 12 لسنة 2020 في شأن حق الاطلاع على المعلومات في البند الرابع منها على أنها تطبق ضد "كل من أخل بسرية المعلومات المقررة بموجب هذا القانون، أو أي قانون آخر"، تشمل بالتطبيق من يقوم بإفشاء سرية أي معلومات ورد نص قانوني يقرر سريتها، بما في ذلك المعلومات التي لم يذكر القانون الذي يقرر سريتها أي عقوبة على إفشاء هذه السرية، وتقرر المادة 14 عقوبة بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبغرامة لا تتجاوز ثلاثة آلاف دينار، أو بإحدى هاتين العقوبتين على إفشاء سرية المعلومات السرية بموجب القانون.

وما دام المشرع الكويتي لم ينص في قانون الحماية من العنف الأسري على عقوبات جزائية لإفشاء سرية المعلومات السابق بيانها، فإن إفشاء أي من ممثلي الجهات المعنية بقضايا العنف الأسري، لسرية تلك المعلومات يعرضه للعقوبات التي نصت عليها المادة 14 من قانون الحق في الاطلاع.

وقد كان الأجدى بالمشرع أن يقرر صراحة في قانون العنف الأسري عقوبة أشد لمن يقوم بإفشاء سرية بيانات الضحايا والمبلغين في جرائم العنف الأسري، خاصة أن هؤلاء المبلغين غالبًا ما يكونون - كما سبقت الإشارة - من أقارب الجاني، أو المجني عليها، أو معارفهما؛ إذ إنهم الأشخاص المُتصور عادة علمهم بجريمة العنف الأسري ضد المرأة.

الفرع الثالث: الإشكالية المتعلقة بأوامر الحماية

سبقت الإشارة إلى أن المشرع قد نص على جواز إصدار أمر حماية للمجني عليها في جرائم العنف الأسري، إلا أنه يمكن القول بوجود العديد من الإشكاليات المتعلقة بأمر الحماية.

أولًا: يستفاد من نص المادة 17 من قانون العنف الأسري أن المشرع قد اشترط لإصدار أمر الحماية وجود خطر جسيم يهدد حياة المجني عليها، أو صحتها، أو سلامتها، ولم يضع أي معيار للمقصود بـ "الجسيم"، فترك للمحكمة سلطة تقدير جسامة الخطر، وهو ما يتصور معه حصول ظلم لبعض النساء المجني عليهن؛ ففي حين يرى قاض خطرًا أنه (جسيم) قد لا يراه قاض آخر خطرًا جسيمًا؛ مما يعني فوات حصول المجني عليها في الحالة الأخيرة على حقها في إصدار أمر الحماية؛ حيث تنص المادة 17 على أنه "يجوز في حال وجود خطر جسيم ‏يهدد حياة، أو صحة، أو سلامة المعتدى عليها، طلب أمر حماية مستعجل. ويقدم طلب الحماية ‏إلى المحكمة المختصة وينظر فيه أمام قاضي الأمور المستعجلة".

ثانيًا: إن الحماية الحقيقية للمجني عليها تتحقق إذا ما كان بإمكانها الحصول فعلًا على هذه الحماية بشكل مستعجل وفوري؛ فإذا كان تنفيذ أمر الحماية يتطلب عرضه على المحكمة لفحص جدوى إصداره ولا يتم إلا بذلك، فإنه في هذه الحالة يصعب تصور تحقق الاستعجال المطلوب؛ وعلى الرغم من أن المشرع الكويتي في البند 5 من المادة الأولى من قانون العنف الأسري قد عرّف أمر الحماية على أنه "الأمر الصادر من جهة التحقيق المختصة، أو المحكمة المختصة لحماية المعتدى عليه بناء على طلبه، أو طلب من يقوم مقامه قانونًا طبقًا للأوضاع التي ينص عليها هذا القانون"، فإنه يستفاد من صياغة المادة 17 من القانون المذكور أن إصدار الأمر إنما هو من سلطات المحكمة دون غيرها؛ ومن ثم كان الأجدى بالمشرع النص صراحة في المادة 17 على منح جهة التحقيق سلطة تقدير إصدار الأمر، وذلك فورًا بعد انتهائه من سماع أقوالها دون الحاجة إلى الرجوع إلى المحكمة، أو على الأقل أن تقوم اللائحة التنفيذية المنتظرة بوضع مدة زمنية يتوجب خلالها عرض الأمر على المحكمة، وكذلك المدة التي يتوجب على المحكمة خلالها البت في طلب أمر الحماية.

على سبيل المثال، بالنظر إلى بعض تطبيقات أوامر الحماية في التشريعات المقارنة، فإن رجل الشرطة في كل من إنجلترا وويلز يملك لتوفير الحماية الفورية لضحايا العنف الأسري سلطة إصدار ما يعرف بإشعارات الحماية من العنف الأسري Domestic Violence Protection Notices. وهو أمر حماية طارئ يملك رجل الشرطة سلطة إصداره فورًا بعد معاينة بلاغ العنف المنزلي، سواء بناء على طلب من الضحية، أو من تلقاء نفسه، وبموجب هذا الأمر يمنع على الجاني التعرض للضحية بأي شكل كان، ويمنع عليه أيضًا العودة إلى المنزل، ويتوجب على رجال الشرطة خلال 48 ساعة من إصدار الإشعار تقديم طلب إلى المحكمة لإصدار ما يعرف بـ (أوامر الحماية من العنف الأسري)، Domestic Violence Protection Orders، وبموجبه تمتد الحماية إلى الضحية 28 يومًا[53].

الخاتمة

أعدّ هذا البحث؛ بهدف عرض دراسة تحليلية نقدية لأبرز الأحكام المتعلقة بالحماية الجزائية من العنف الأسري ضد المرأة، ولتحقيق هذا الهدف قامت الدراسة بتحليل نصوص كل من القانون رقم 16 لسنة 2020 في شأن الحماية من العنف الأسري، وكذلك القانون رقم 16 لسنة 1960 بإصدار قانون الجزاء الكويتي، وقد أسفرت نتائج هذا التحليل عن أن المشرع قد قرر نوعين من صور الحماية الجزائية من العنف الأسري ضد المرأة: صورًا لحماية موضوعية، وأخرى متعلقة بآليات إجرائية لتسهيل إجراءات التبليغ والتحري عن هذه الجرائم، بالإضافة إلى تيسير سير الدعوى الجزائية لهذه القضايا، كما أسفرت نتائج الدراسة عن وجود عدد من الإشكاليات التشريعية المتعلقة بهذه الحمايات.

النتائج:

بعد الشرح والتحليل يمكن تلخيص النتائج التي خلصت إليها الدراسة بما يأتي:

1- نص المشرع في قانون الحماية من العنف الأسري على عدم جواز ارتكاب أي شكل من أشكال العنف ضد المرأة (الجسدي والجنسي والنفسي)، غير أنه لم ينص - في المقابل - على أي عقوبة جزائية لأي شكل من تلك الأشكال في القانون المذكور؛ بل نص على أن تطبق على الجاني العقوبات المقررة في القوانين الوطنية، ويمكن القول إن هذا القانون قد قرر صراحة تجريم شكلين من أشكال العنف التي لم يكن تجريمهما واضحًا وصريحًا في السابق، وهما: تجريم العنف المعنوي ضد المرأة، وتجريم الإساءة الجنسية بين الأزواج.

2- نص المشرع في قانون (16/2020) على عدد من الآليات الإجرائية التي تهدف إلى الكشف عن هذه الجرائم والتحري عنها، بالإضافة إلى سير هذه الدعوى الجزائية فيها بشكل قانوني وسليم، وذلك بما يتناسب والطابع الاجتماعي والنفسي الخاص لقضايا هذه الجرائم، وفيما يلي بعض أبرز تلك الآليات:

-      سرية جميع الإجراءات الجزائية لسير الدعوى الجزائية في هذه الجرائم؛ من لحظة التبليغ حتى انتهاء المحاكمة.

-      التعامل مع بيانات المبلغين والشهود في هذه القضايا بسرية تامة.

-      على خلاف نهج المشرع مع الجرائم الأخرى ذات الطابع الاجتماعي، فإن المشرع لم يشترط أي قيد لتحريك الدعوى الجزائية في جرائم العنف الأسري، إلا أنه في المقابل منح المجني عليها الحق في طلب وقف سير الدعوى الجزائية ما لم يكن قد صدر حكم قضائي في الدعوى، وقرر انقضاء الدعوى بهذا التنازل.

-      إذا لم ترغب المجني عليها في جرائم العنف الأسري تقديم البلاغ للسلطات العامة، فقد منحها القانون الحق في تقديم البلاغ إلى أحد مراكز الحماية التابعة للمجلس الأعلى لشؤون الأسرة.

-      نص المشرع على صور عديدة من صور الرعاية اللاحقة للمجني عليها في جرائم العنف الأسري، مثل تأمين مأوى، بالإضافة إلى تقديم الخدمات الصحية والنفسية التي قد تحتاج إليها ضحايا هذا النوع من الجرائم.

-      منح المشرع المرأة الحق في تقديم طلب لإصدار أمر حماية مستعجل لها، وذلك في الأحوال التي تكون فيها المجني عليها في خطر.

3- على الرغم من الحمايات السابقة، فإن بعضها قد شابه شيء من القصور التشريعي، وفيما يلي بعض من أبرز هذه الأوجه:

-      نظرًا لكون المشرع لم ينص صراحة على عقوبات جزائية للعنف المعنوي ضد المرأة، فقد خرج من نطاق التجريم عدد من أبرز صور الإساءة النفسية للمرأة، ومنها: الإكراه على الزواج وصور الإهمال.

-      على الرغم من أهمية الآليات الإجرائية الخاصة التي نص المشرع عليها لتسهيل عملية التبليغ والكشف عن وقائع العنف الأسري، فإن بعض أهم هذه الآليات قد شابه شيء من القصور؛ كعدم نص المشرع على عقوبات جزائية صريحة عن الامتناع عن التبليغ عن هذه الجرائم، ولا عن مخالفة ممثلي مراكز الحماية لسرية البيانات المتعلقة بقضايا العنف الأسري التي اطلعوا عليها بحكم وظائفهم.

-      على الرغم من أهمية أوامر الحماية المستعجلة التي نص المشرع على جواز إصدارها إذا ما كانت ظروف المجني عليها تستدعي حماية مستعجلة من قبل السلطات العامة لها، فإن الإجراءات التي قررها المشرع لإصدار هذه الأوامر تتطلب وقتًا لا يمكن معه تصور تحقق إصدارها على وجه الاستعجال الذي قد تتطلبه ظروف المجني عليها في بعض القضايا.

التوصيات:

على ضوء النتائج التي خلصت إليها الدراسة، فإنها توصي بما يأتي:

1- تعديل نصوص القانون رقم 16 لسنة 2020؛ ليتضمن ما يأتي:

-      تعديل المادة 10 من قانون الحماية من العنف الأسري؛ لتتضمن عقوبةً صريحةَ على من يمتنع عن التبليغ عن واقعة عنف أسري شهدها، أو علم بها، وإلغاء الفقرة الأخيرة من المادة التي تقرر تطبيق أحكام الامتناع عن التبليغ التي تنظمها أحكام القانون رقم 16 لسنة 1960 بإصدار قانون الجزاء.

-      النص صراحةً على عقوبة مشدّدة على من يخالف قواعد السرية التي تفرضها أحكام القانون (16/2020) على العاملين في إدارات مراكز الحماية.

-      إضافة مادة صريحة، تقرر تجريم العنف المعنوي داخل إطار الأسرة وعقاب مرتكبه. ونقترح الصياغة التالية للنص: "يعاقب بـ... كل فرد من أفراد الأسرة يُرتكب ضد فرد، أو أكثر منها قولًا، أو استعراض قوة، أو استغلال ضعف المجني عليه؛ بحالة يعتقد الجاني أنها تسيء للمجني عليه؛ كالجنس، أو العرق، أو الدين، أو الأوصاف البدنية، أو الحالة الصحية، أو العقلية، أو المستوى الاجتماعي؛ بقصد تخويفه، أو وضعه موضع السخرية، أو الحط من شأنه".

-      تعديل المادة 17 من قانون الحماية من العنف الأسري؛ لتتضمن صراحةً منح سلطة إصدار أوامر الحماية لجهة التحقيق المختصة؛ أي للنيابة العامة إلى جانب المحكمة، وذلك للتمكن من إصدارها على وجه الاستعجال الذي قد تتطلبه ظروف المجني عليه في بعض القضايا، وحذف اشتراط أن يكون الخطر جسيمًا كشرط لإصدار الأمر.

2- ضرورة أن تتضمن اللائحة التنفيذية لقانون الحماية من العنف الأسري، المنتظر إصدارها، برامج متخصصة لتدريب ممثلي السلطات العامة على استبعاد أي تقاليد، أو تصورات عامة عن المرأة لديهم، من شأنها أن تؤثر سلبًا على تعاملهم مع هذه القضايا؛ كاستبعاد أي تصورات سابقة لديهم عن مفهوم "المرأة العفيفة"، أو "الزوجة الصالحة"، على سبيل المثال.

المراجع

أولًا: العربية

جميات، دلال. اضطراب ما بعد الصدمة والصلابة النفسية لدى حالات من الطلبة الجامعيين فاقدي الأب [رسالة ماجستير]، جامعة محمد بوضياف، المسيلة، الجزائر، 2020.

حسني، نجيب محمود. شرح قانون الإجراءات الجنائية وفقًا لأحدث التعديلات التشريعية. ط5، دار النهضة العربية، القاهرة، 2016.

–––. شرح قانون العقوبات: القسم العام. ط8، دار النهضة العربية، القاهرة، 2016.

الراجحي، بدر. شرح قانون الجزاء الكويتي: القسم العام. دار العلم للنشر والتوزيع، الكويت، 2020.

رشيد، مريفان. جريمة العنف المعنوي ضد المرأة. المركز القومي للإصدارات القانونية، القاهرة، 2016.

سرور، أحمد. الوسيط في قانون العقوبات: القسم الخاص. دار النهضة العربية، القاهرة، 2016.

ضيف الله، عالية. العنف ضد المرأة بين الفقه والمواثيق الدولية. دار المأمون، عمان، 2010.

العيفان، مشاري وبوعركي، حسين. الوسيط في قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية الكويتي. [د. ن.]، الكويت، 2017.

قشقوش، هدى. شرح قانون العقوبات القسم العام. دار النهضة العربية، القاهرة، الكويت، 2017.

القطان، إيمان والعومي، نورة. المدخل لشرح قانون مكافحة الفساد في التشريعات الجزائية الكويتية (بشقيه الموضوعي والإجرائي). ذات السلاسل، الكويت، 2021.

القطان، إيمان. "الإشكاليات المتعلقة بالأحكام ذات الصلة بإجراءات التبليغ والتحري عن جرائم الفساد وفقًا للقانون رقم 2 لسنة 2016: دراسة تحليلية نقدية"، مجلة الحقوق، جامعة الكويت، مجلس النشر العلمي، ع1، 2021.

الكندري، فيصل وغنام، غنام. شرح قانون الجزاء الكويتي: القسم الخاص. [د. ن.]، الكويت، 2019.

اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) التابعة للأمم المتحدة. ملاجئ النساء الناجيات من العنف: توافرها وإمكانية الوصول إليها في المنطقة العربية. بيروت، 2017.

نصر الله، فاضل والسماك، أحمد. شرح قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية الكويتي. [د. ن.]، الكويت، 2011.

ثانيًا: الأجنبية

References:

Al-‘īfān, Mishārī wa-Bu’rikī, Ḥisīn. al-Waṣīṭ fī Qānūn al-ijrāaāt wa-al-Muḥākmāt al-Jazāiyya al-Kuwaytī (in Arabic), al-Kuwayt, 2017.

Al-Kandirī, Fayṣal wa-Ghannām, Ghannām. Sharḥ Qānūn al-Jazāa al-Kuwaytī: al-Qisim al-Khāṣ (in Arabic), al-Kuwayt, 2019.

Al-Qaṭān, Īmān wa-al-‘ūmī, Nūra. al-Madkhal lisharḥ Qānūn Mukāfat al-Fasād fī al-Tāshrī’āt al-Jazāiyya al-Kuwaytī (Bishiqayh al-Mawḍū’ī wa-al-Ījrāiī) (in Arabic), Dhāt al-salāsil, al-Kuwayt, 2021.

Alqattan. E. Criminal Justice Response to Allegations of Sexual Violence in Kuwait: Woman and the Patriarchal Criminal Justice System (LAP Lambert Academic Publishing 2019).

Al-Rājḥī, Badir. Sharḥ Qānūn al-Jazāa al-Kuwaytī: al-Qisim al-‘ām (in Arabic), Dār al-‘ilm lilnashir wa-al-tawzī’, al-Kuwayt, 2020.

Bullough, V. L. Shelton, B. & Salvin, S., The Subordinated Sex: A History of Attitudes Toward Women (The University of Georgia Press 1988).

Burchard, B. ‘High Performance Habits: how extraordinary people become that way’ (Hay House Inc. 2017).

Chamallas, M. ‘Introduction to Feminist Legal Theory’ (3rd ed., Wolters Kluwer Law and Business 2013).

Dalāl, Jamyāt. Eḍṭerāb mā ba’da al-Ṣadma al-Nafsiyya wa-al-ṣalāba al-Nafsiyya ladā Ḥāḷāt min al-Ṭalaba al-Jami’iyin Faqidī al-Aab (in Arabic), [Risālạt Mājistīr], Jāmi’at Moḥammad Buḍayyāf - al-Masīla, al-Jazāeir, 2020.

Ḍayfallāh, ‘āliya. al-‘unf Ḍidda al-Maraa bayn al-fiqh wa-al-Mawāthīq al-Dawliyya, (in Arabic), Dār al-Maamūn, ‘ammān, 2010.

Economic and Social Commission for Western Asia (ESCWA), "Shelters for Woman Survivors of Violence: Availability and Accessibility in the Arab Region", (in Arabic), Beirut, 2017.

Hesse-Biber, S., Gilmartin, C. And Lydenber, R. ‘Introduction’ in Sharlene Hesse-Biber, Christina Gilmartin, and Robin Lydenber (eds), Feminist Approaches to Theory and Methodology: An Interdisciplinary Reader (Oxford University Press 1999).

HMIC, ‘Inspecting policing in the public interest’ < http://www.justiceinspectorates.gov.uk/hmic/our- work/.> accessed 22 December 2019.

Ḥusnī, Najīb Maḥmūd. Sharḥ Qānūn al-‘uqūbāt: al-Qisim al-‘ām (in Arabic), 8th ed, Dār al-Nahḍa al-‘arabiyya, al-Qāhira, 2016.

–––. Sharḥ Qānūn al-ijrāaāt al-Jināiyya Wufqan Liaḥḍth al-Ta’dīlāt al-Tashrī’iyya, (in Arabic), 5th ed, Dār al-Nahḍa al-‘arabiyya, al-Qāhira, 2016.

Jordan, J. ‘The word of a woman: Police, rape and belief’ (Palgrave Macmillan 2004).

Levit, N., Verchick, R. ‘A Primer Feminist Legal Theory’ (2nd ed., New York University Press, 2016).

Mackinnon, C. ‘Feminism unmodified: Discourse on life and law’ (Harvard University Press 1987).

Naṣirallāh, Fāḍil wa-al-Sammak, Aḥmad. Sharḥ Qānūn al-ijrāaāt wa-al-Muḥākmāt al-Jazāiyya al-Kuwaytī (in Arabic), al-Kuwayt, 2011.

Office for National statistics - Domestic abuse prevalence and trends, England and Wales, year ending March 2020.

Project Sanctuary: Domestic Violence and Sexual Assault Prevention and Support, ‘Some Statistics About Domestic Violence’ (2021) <https://www.projectsanctuary.org/dv/some-statistics-about-domestic-violence/>

Qashqūsh, Hudā. Sharḥ Qānūn al-‘uqūbāt al-Qisim al-‘ām (in Arabic), Dār al-Nahḍa al-‘arabiyya, al-Qāhira, 2017.

Rashīd, Marīfān. Jarīmat al-‘unf al-Ma’nawī Ḍidda al-Maraa (in Arabic), al-Markaz al-Qawmī lilīṣdārāt al-Qanūniyya, al-Qāhira, 2016.

Richard, D. and Haglund, J. Violence against Women and the Law (Routledge 2015).

Saunders, A. and Hewitt, M. ‘Joint CPS and Police Action Plan on Rape’ (2015) The Crown Prosecution Service <http://www.cps.gov.uk/publications/equality/vaw/> accessed 10 July 2019.

Surūr, Aḥmad. al-Waṣīṭ fī Qānūn al-‘uqūbāt: al-Qisim al-Khāṣ (in Arabic), Dār al-Nahḍa al-‘arabiyya, al-Qāhira, 2016.

The Declaration on the Elimination of Violence against Women, UNGA Res 48/104 (20 Dec 1993).

UNGA ‘Report of the Office of the United Nations High Commissioner for Human Rights on Preventing and eliminating child, early and forced marriage Report’ (2 April 2014) UN HRC 26TH Session (A/HRC/26/22).



[1] يقصد بالأَبَوية Patriarchy تحديدًا قوة الأب الوالد رب الأسرة، ويطلق مصطلح الأبوية، أو البطريركية على المجتمعات، أو الأنظمة التي يهيمن عليها الرجال ويتحكمون فيها بصناعة القرارات:

Eman Alqattan, Criminal Justice Response to Allegations of Sexual Violence in Kuwait: Woman and the Patriarchal Criminal Justice System (LAP Lambert Academic Publishing 2019), 42.

[2] Vern Bullough, Brenda Shelton, and Sarah Slavin, The Subordinated Sex: A History of Attitudes Toward Women (The University of Georgia Press 1988).

[3] Office for National statistics - Domestic abuse prevalence and trends, England and Wales, year ending March 2020; Project Sanctuary: Domestic Violence and Sexual Assault Prevention and Support, Some Statistics about Domestic Violence (2021) <https://www.projectsanctuary.org/dv/some-statistics-about-domestic-violence/> accessed 19 August 2021; David Richard and Jillienne Haglund, Violence against Women and the Law (Routledge 2015) 15-19.

[4] لعل أفضل تعريف للمفهوم الأكاديمي للحركة النسوية هو تعريف كلير دالتون - إحدى المنظرات في المجال - حيث تعرف النسوية بأنها نطاق واسع من المجالات البحثية والأنشطة المختلفة المخصصة بما يأتي: 1- توضيح الإشكاليات ذات الصلة بالفكرة السائدة المتعلقة "بتبعية المرأة"، وعدم الاعتراف بالاستقلالية الذاتية لها؛ أي اكتشاف طبيعة هذه التبعية وأشكالها ومداها، أو نطاقها. 2- البحث، أو المناقشة في الأسباب المختلفة التي تسهم باستمرارية المرأة في ذلك الشكل المعين من التبعية. 3- السعي إلى إيجاد الحلول المناسبة لتغيير ذلك الوضع، أو المشكلة المتعلقة بالتبعية التي تعانيها المرأة، ويجب ألا يساء فهم المقصود بإشكالية "التبعية" هنا؛ إذ ليس المقصود بها مجرد التمرد غير المبرر والمنطقي ضد القيم الاجتماعية الحميدة والمفاهيم الإسلامية الحقيقية، وتوضح الباحثة مارثا جامالاس وهي إحدى أشهر المنظّرات في مجال نظريات البحث القانوني النسوي - المفهوم السابق لمشكلة العنف الأسري من خلال المثال الآتي؛ أولًا: إن توضيح إشكالية العنف الأسري من منظور نسوي، لم يقتصر فقط على وصف طبيعة المشكلة ومدى انتشارها من خلال جمع الإحصائيات حول مدى انتشار المشكلة؛ بل حرصت الباحثات النسويات أيضًا على محاولة الحصول على فهم أعمق للمشكلة من خلال إعداد الدراسات الميدانية التي لم تتضمن مقابلات شخصية مع ضحايا العنف الأسري فحسب بل مع أولئك العاملين في مراكز إيواء ضحايا العنف الأسري أيضًا. ثانيًا: من خلال إعداد الدراسات النسوية العديدة التي تهدف إلى البحث عن أسباب استمرار وضع التبعية الذي تعانيه النساء ضحايا العنف الأسري، وكانت إحدى أبرز نتائج تلك الدراسات مساهمة نصوص القوانين الجزائية في ذلك؛ إذ توصلت تلك الدراسات إلى أن أحد أكبر معوقات معاقبة مجرمي العنف الأسري تردد السلطات العامة في تطبيق نصوص جرائم الاعتداء والضرب عليهم بحجة أن "خصوصية الأسرة" تمنعهم من التدخل.

أخيرًا: لإيجاد حل لمشكلة ضحايا العنف الأسري، سعت النسويات من خلال كتاباتهن ونشاطهن السياسي إلى محاولة تغيير القانون وتعديله ومحاولة نشر الوعي اللازم في المجتمع لمحاربة العنف الأسري.

Martha Chamallas, Introduction to Feminist Legal Theory (3rd ed., Wolters Kluwer Law and Business 2013) 2-3.

[5] للمزيد عن النظريات النسوية خلال حقب الحركة النسوية بشكل عام، انظر:

Sharlene Hesse-Biber, Christina Gilmartin, and Robin Lydenber, Introduction in Sharlene Hesse-Biber, Christina Gilmartin, and Robin Lydenber (eds), Feminist Approaches to Theory and Methodology: An Interdisciplinary Reader (Oxford University Press 1999) 1-11;

وللمزيد عن الاختلاف بين النظريات القانونية النسوية خلال تلك الحقب انظر:

Martha Chamallas, Introduction to Feminist Legal Theory (3rd ed., Wolters Kluwer Law and Business 2013) 17-32; Nancy Levit and Robert Verchick, A Primer Feminist Legal Theory (2nd ed., New York University Press, 2016) 11-39.

[6] Chamallas, Op. cit., 19-20.

[7] Levit and Verchick, Op. cit., 13-14.

[8] Chamallas, Op. cit., 20-23.

[9] Levit and Verchick, Op. cit., 24-27.

[10] ينص البند 2 من المادة الأولى من قانون الحماية من العنف الأسري على أنه يقصد بالعنف الأسري "‏كل شكل من أشكال المعاملة الجسدية، أو النفسية، أو الجنسية، أو المالية، سواء كانت فعلًا أم امتناعًا عن فعل أم تهديدًا بهما، يرتكب من أحد أفراد الأسرة ضد فرد، أو أكثر منها متجاوزًا ما له من مسؤولية قانونية..."، وقد وضح المشرع في البند الأول من المادة ذاتها أن أفراد الأسرة يشملون:

"أ- الزوج والزوجة بعقد زواج رسمي وأبناؤهما وأحفادهما. ب - أبناء أحد الزوجين من زواج رسمي. ج - ‏الأب والأم لأي من الزوجين. د- ‏الإخوة والأخوات لأي من الزوجين. هـ - زوج الأم، أو زوجة الأب. و- الشخص المشمول بحضانة أسرة بديلة. ز- من تجمع بينهم رابطة الحضانة، أو الوصاية، أو الولاية، أو كفالة اليتيم، أو المصاهرة". قانون الحماية من العنف الأسري، دولة الكويت، رقم 16، سنة 2020.

[11]لم تدعُ الأمم المتحدة إلى التصويت على هذا الإعلان؛ فقد أصدرته على وجه الاستعجال واعتبرته مكملًا لاتفاقية القضاء على أشكال التمييز ضد المرأة.

[12] انظر: المادة 4 من الإعلان بشأن القضاء على العنف ضد المرأة.

The Declaration on the Elimination of Violence against Women, UNGA Res 48/104 (20 Dec 1993), art 4.

[13]محمود نجيب حسني، شرح قانون الإجراءات الجنائية وفقًا لأحدث التعديلات التشريعية، مج1، ط5، دار النهضة العربية، القاهرة، 2016، ص3.

[14] Universal Declaration of Human Rights (Adopted 10 December 1948 UNGA Res 217 A (III) (UDHR) art 3.

[15] انظر: نصوص المواد 160-164 من قانون الجزاء الكويتي، دولة الكويت، رقم 16 لسنة 1960، وللمزيد انظر: فيصل الكندري وغنام غنام، شرح قانون الجزاء الكويتي: القسم الخاص، ط5، [د. ن.]، الكويت، 2019، ص355-371.

[16] مريفان رشيد، جريمة العنف المعنوي ضد المرأة، المركز القومي للإصدارات القانونية، القاهرة، 2016، ص7.

[17] See Brendon Burchard, High Performance Habits: how extraordinary people become that way (Hay House Inc. 2017)

[18] عالية ضيف الله، العنف ضد المرأة بين الفقه والمواثيق الدولية، دار المأمون، عمان، 2010، ص205.

[19] الكندري وغنام، ص810.

[20] المرجع نفسه.

[21] يعتبر الإسناد أحد عناصر الركن المادي لجريمة القذف، ويقصد به "نسبة أمر معين إلى شخص معين"، للمزيد عن الإسناد انظر: الكندري وغنام، ص811-828.

[22] أحمد سرور. الوسيط في قانون العقوبات: القسم الخاص، الكتاب الأول، ط6، دار النهضة العربية، القاهرة، 2016، ص377.

[23] نقض مصري، 21/3/1955، مجموعة أحكام النقض، س6، رقم 233، ص688.

[24] انظر على سبيل المثال لا الحصر: نصوص المواد (347-354) من قانون العقوبات الأردني، كما جاء في: رشيد، ص44.

[25] استُنبط تعريف التهديد من تعريف الدكتور محمود نجيب حسني للإكراه المعنوي. انظر: شرح قانون العقوبات: القسم العام، ط8، دار النهضة العربية، القاهرة، 2016، ص628.

[26] انظر التعريف في أهم مصطلحات الدراسة في المقدمة.

[27] يقصد بالتفسير الذكوري، أو الأبوي - وفقًا للمنظور النسوي - كل تفسير فيه نوع من الظلم للمرأة، سواء كان ذلك التفسير يمنح الرجل مركزًا قانونيًا أفضل من المرأة أم كان يمنح الرجل حقاَ على المرأة دون ان يمنحها في المقابل الحق ذاته عليه، أو التفسير الذي لا يأخذ بعين الاعتبار كيان المرأة واستقلاليتها عن الرجل.؛ انظر أيضًا:

Alqattan, Op. cit., 42.

[28] الكندري وغنام، ص646، 743.

[29] Alqattan, Op. cit., 54; Bullough, Op. cit., 376.

[30] هدى قشقوش، شرح قانون العقوبات، القسم العام، دار النهضة العربية، القاهرة، 2017، ص357.

[31] UNGA Report of the Office of the United Nations High Commissioner for Human Rights on Preventing and eliminating child, early and forced marriage Report (2 April 2014) UN HRC 26TH Session (A/HRC/26/22).

[32] رشيد، ص171.

[33] المرجع السابق، ص35.

[34] بدر الراجحي. شرح قانون الجزاء الكويتي: القسم العام، دار العلم للنشر والتوزيع، الكويت، 2020، ص182.

[35] رشيد، ص81.

[36] المرجع نفسه، ص83.

[37] المرجع نفسه، ص105.

[38] يمكن تعريف قانون الإجراءات الجزائية بأنه "مجموعة القواعد القانونية التي تنظم نشاط السلطات العامة بسبب جريمة تم ارتكابها، وإنزال العقوبة به عن طريق محاكمة عادلة وإجراءات تحقيق ابتدائي قانونية تتصل بها إجراءات قانونية أخرى كإجراء التحري". مشاري العيفان وحسين بوعركي، الوسيط في قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية الكويتي، ج1، ط2، [د. ن.]، الكويت، 2017، ص5.

[39] العيفان وبوعركي، ص3001؛ فاضل نصر الله وأحمد السماك، شرح قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية الكويتي، ط2، [د. ن.]، الكويت، 2011، ص270-271.

[40] حسني، شرح قانون الإجراءات، ص117.

[41] نصر الله والسماك، ص208.

[42] العيفان وبوعركي، ص331.

[43] يقصد بها الرجال والنساء على حد السواء؛ إذ أشارت العديد من الدراسات إلى أن المرأة التي تعمل في مكان يسوده الرجال لا تتأثر بثقافة الذكورية السائدة فحسب بل قد تكون في حكمها على المرأة أقسى من الرجل أحيانا، وهو ما يطلق عليه المنظرات النسويات نظرية الهيمنة dominance theory، وقد أثبتت دراسات عديدة في بريطانيا وأوروبا أثر الثقافة الذكورية الظالمة للمرأة على قرارات ممثلي السلطات العامة، للمزيد انظر:

Catharine Mackinnon, Feminism unmodified: Discourse on life and law (Harvard University Press 1987).

ومن جانب آخر، أثبتت دراسات أخرى أن الشرطة - في أكثر الأحيان - تتعامل بالثقافة ذاتها الظالمة مع المرأة ليس بسبب تأثرها بالثقافة السائدة فقط؛ بل حتى تتمكن أيضًا من الشعور بالانتماء لهذه البيئة، خاصة متى ما كانت الجريمة لا تخلف آثارًا، أو أدلة مادية واضحة على جسد المرأة؛ مثل العنف المعنوي، للمزيد انظر:

Jan Jordan, The word of a woman: Police, rape and belief (Palgrave Macmillan 2004).

[44] وفقًا للمادة 22 من قانون الحماية من العنف الأسري، دولة الكويت فإن الجهة المختصة بالتحقيق في جرائم العنف الأسري هي النيابة العامة. قانون الحماية من العنف الأسري، دولة الكويت، رقم 16، لسنة 2020.

[45] عرفت الجمعية الأمريكية للطب النفسي اضطراب ما بعد الصدمة بأنه "فئة من فئات اضطرابات القلق؛ حيث يعقب تعرض الفرد لحدث ضاغط نفسي، أو جسمي غير عادي في بعض الأحيان بعد التعرض مباشرة لتلك المعاودة المستمرة لخبرة الحدث وتجنب المنبهات المرتبطة بالصدمة، أو تخدر الاستجابة العامة للفرد ومظاهر الاستثارة الزائدة، وتتضمن الصدمة تحديد معايشة الفرد لخبرة حدث من الأحداث، أو مشاهدته، أو مواجهته، وهذا الحدث يتضمن موتًا، أو أذى حقيقيًا مهددًا، أو تهديدًا للتكامل الجسمي للفرد، أو للأشخاص الآخرين مع حدوث رد فعل فوري من الشعور بالخوف الشديد، أو العجز، أو الرعب". انظر: دلال جميات، اضطراب ما بعد الصدمة والصلابة النفسية لدى حالات من الطلبة الجامعيين فاقدي الأب [رسالة ماجستير]، جامعة محمد بوضياف، المسيلة، الجزائر، 2020، ص26.

[46] Alison Saunders and Martin Hewitt, Joint CPS and Police Action Plan on Rape (2015) The Crown Prosecution Service <http://www.cps.gov.uk/publications/equality/vaw/> accessed 10 July 2019; HMIC, Inspecting policing in the public interest <http://www.justiceinspectorates.gov.uk/hmic/our- work/> accessed 22 December 2019.

[47] اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) التابعة للأمم المتحدة، ملاجئ النساء الناجيات من العنف: توافرها وإمكانية الوصول إليها في المنطقة العربية، بيروت، 2017، ص17.

[48] وفقًا للمادة 18 من قانون الحماية من العنف الأسري، فقد جعل المشرع كثيرًا من التفاصيل المهمّة المتعلقة بأمر الحماية على اللائحة التنفيذية للقانون، غير أنه حتى اليوم - للأسف - لم تصدر اللائحة.

[49] للمزيد انظر: إيمان القطان، "الإشكاليات المتعلقة بالأحكام ذات الصلة بإجراءات التبليغ والتحري عن جرائم الفساد وفقًا للقانون رقم 2 لسنة 2016: دراسة تحليلية نقدية"، مجلة الحقوق، جامعة الكويت، مجلس النشر العلمي، ع1، 2021، ص135-188.

[50] للمزيد انظر: إيمان القطان ونورة العومي، المدخل لشرح قانون مكافحة الفساد في التشريعات الجزائية الكويتية (بشقيه الموضوعي والإجرائي)، ذات السلاسل، الكويت، 2021، ص363.

[51] للمزيد انظر المرجع السابق، ص415-416.

[52] للمزيد عن الواجبات السلبية للموظف انظر: فواز الجدعي، القانون الاداري الكويتي، مكتبة الكويت الوطنية، الكويت، 2019، ص206-208.

[53] Home Office, Domestic Violence Protection Notices (DVPNs) and Domestic Violence Protection Orders (DVPOs) guidance (Home Office, 20 February 2020) <https://www.gov.uk/government/publications/domestic-violence-protection-orders/domestic-violence-protection-notices-dvpns-and-domestic-violence-protection-orders-dvpos-guidance-sections-24-33-crime-and-security-act-2010 > accessed 7 September 2022