Submitted: 29/3/2022

Reviewed: 11/6/2022

Accepted: 28/6/2022

نظام المساعدة القضائية في إطار القانون المدني

عبد الله حمد الخالدي

محاضر في القانون المدني، كلية الدراسات العليا بأكاديمية الشرطة، دولة قطر؛ طالب دكتوراه في القانون الخاص، جامعة قطر

 abdulla@alkhaldi.qa

ملخص

عُرف نظام المساعدة القضائية المعمول به في دولة قطر في القانون الجنائي؛ حيث يتم ندب المحامي في الجنايات عندما لا يقوم المتهم بتعيينه ضمانًا لحقه في الدفاع، غير أن نظام المساعدة القضائية لا يقتصر على الجانب الجنائي؛ بل يشمل كذلك الجانب المدني. وعلى ضوء ذلك، تطرح هذه الدراسة تساؤلًا حول جدوى هذا النظام، ومدى كفايته، ومن ثم تضع عددًا من الوسائل المساندة التي أوجدتها النظم المقارنة لتعزيز مبدأ المساواة أمام القضاء، بحيث يتمكن كل من الغني والفقير من المطالبة بحقوقه دون أية عراقيل.

وقد انتهجت الدراسة عددًا من المناهج البحثية أهمها؛ المنهج الاستقرائي والمنهج الاستنباطي والمنهج المقارن. وتوصلت الدراسة إلى عدد من النتائج أهمها؛ أن نظام المساعدة القضائية في القانون القطري لا يوفر المساعدة الكافية للفئات المستضعفة في إطار القانون المدني، كما أن نظام المساعدة القضائية بحاجة إلى وسائل لتعزيز فعاليته، فهو بذاته لا يملك القدرة على توفير الحماية الكافية للفئات الضعيفة، وتتعلق هذه الوسائل بمهنة المحاماة والعيادات القانونية في كليات القانون.

وقد وضعت الدراسة عددًا من التوصيات أهمها؛ وضع برامج توعوية للمجتمع ببرامج المساعدة القضائية، وتعديل نسبة أتعاب المحامي لتكون أكثر من ثلث قيمة ما يحكم به في الدعوى لتكون كافية للتعاقد بنظام الأتعاب الاضطرارية، وتعديل قانون المحاماة لوضع حد أدنى لا يقل عن 30 ساعة، يجب أن يستوفيها كل محام سنويًا في الخدمات المجانية للفقراء، لتجديد رخصة ممارسة مهنة المحاماة؛ على أن تكون بالتعاون مع الجمعيات الخيرية والمؤسسات ذات النفع العام، وتقترح كذلك تعديل المادة (4) من قانون المحاماة لتضيف استثناءً لطلبة كلية القانون، المسجلين في برامج العيادات القانونية بعد اجتيازهم السنة الثالثة.

الكلمات المفتاحية: مساعدة قضائية، قضاء، مساواة، قانون مدني، محامٍ

 

للاقتباس: الخالدي، عبد الله حمد. «نظام المساعدة القضائية في إطار القانون المدني»، المجلة الدولية للقانون، المجلد الحادي عشر، العدد الثالث، 2022، عدد خاص بمؤتمر «المساعدة القانونية: السبل والتحديات»، كلية القانون، جامعة قطر، 21-22 مارس 2022

© 2022، الخالدي، الجهة المرخص لها: دار نشر جامعة قطر. تم نشر هذه المقالة البحثية وفقًا لشروط Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0). تسمح هذه الرخصة بالاستخدام غير التجاري، وينبغي نسبة العمل إلى صاحبه، مع بيان أي تعديلات عليه. كما تتيح حرية نسخ، وتوزيع، ونقل العمل بأي شكل من الأشكال، أو بأية وسيلة، ومزجه وتحويله والبناء عليه؛ طالما يُنسب العمل الأصلي إلى المؤلف.

 

Submitted: 29/3/2022

Reviewed: 11/6/2022

Accepted: 28/6/2022

The Legal Aid System within the Scope of Civil Law

Abdulla Hamad Al-Khaldi

Lecturer in Civil Law, Post Graduate College at Police Academy, State of Qatar; Doctoral Student in Private Law, Qatar University

abdulla@alkhaldi.qa

Abstract

Legal aid system in Qatar is connected to the criminal law field, whereas the court appoints a lawyer for poor defendants to secure the right to defend themselves. However, the legal aid system provides protection to the civil cases too. Hence, this research tries to evaluate the system within the framework of the civil law field, and explore means to enhance it and improve its effectiveness to safeguard the principles of equality before the courts of law. This study used the inductive, deductive, and comparative methods.

The most important findings of this study are: the judicial aid system does not provide adequate assistance to vulnerable groups within the framework of civil law, and it requires suitable mechanisms to enhance its effectiveness in relation to the practice of the law practice profession and in legal clinics. Moreover, this research highlights the importance of developing awareness programs of the legal aid system, obliging lawyers to perform at least 30 hours yearly in pro bono work as a requirement for renewing the license to practice the law profession. This can be achieved through amending the law of practicing the law profession whilst providing proper exclusions for law students in their third year of study who are enrolled onto legal clinic programs. The study also suggests amending Article (4) of Code of Law Practice to add an exception for students of the College of Law, who are enrolled in Law Clinics programs after passing the third year.

Keywords: Judicial aid; Judiciary; Equality; Law; Civil; Lawyer; Solicitor

 

Cite this article as: Al-Khaldi, A.H. "The Legal Aid System within the Scope of Civil Law," International Review of Law, Volume 11, Issue 3, 2022, Special Issue on the conference of "Legal Aid: Means and Challenges," Collage of Law, Qatar University, 21-22 March 2022

© 2022, Al-Khaldi A.H., licensee QU Press. This article is published under the terms of the Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0), which permits non-commercial use of the material, appropriate credit, and indication if changes in the material were made. You can copy and redistribute the material in any medium or format as well as remix, transform, and build upon the material, provided the original work is properly cited.

 


 

المقدمة

يرى بعض الفقه أن: "المساواة أمام القضاء من أهم المبادئ التي يقوم عليها النظام القضائي، بها تتحقق ثقة الناس في القضاء ويصبح موضع طمأنينتهم، بل أنها أول لبنة يقوم عليها أي صرح قضائي عادل، ذلك أنها تتفق وما فطر عليه الانسان"[1].

ومما لا شك فيه أن نظام المساعدة القضائية جاء ليرسخ مبدأ المساواة أمام القضاء، ذلك أن العديد من الفئات محدودة الدخل لا يوجد لديها القدرة المالية على المطالبة بحقوقها أمام المحاكم، والتي تتطلب مصاريف عديدة، نذكر منها على سبيل المثال، الرسوم القضائية وأتعاب الخبراء والمحامين وغيرها من نفقات[2].

كما أن هذا النظام يكرس مبدأ مجانية التقاضي، الذي يقضي باعتبار القضاء حقا مكفولا للناس كافة دون تمييز بين مكانتهم أو إمكانياتهم فالقضاء مرفق عام، ونتيجة لذلك لا يدفع المتقاضون أجر القضاة، بل تقوم الدولة بدفع أجورهم، ولا يعني هذا المبدأ أن المتقاضين لا يتحملون أي أعباء مالية عند لجوئهم للقضاء، بل يتعين عليهم دفع الرسوم القضائية التي تحددها الدولة، لعدد من الغايات التشريعية أهمها تجنب إساءة استعمال حق التقاضي حتى لا يتشجع أصحاب الدعاوى الكيدية على رفعها[3].

وعلى الرغم من أن مبدأ مجانية القضاء من أهم المبادئ التي ترسخ مبدأ المساواة أمام القضاء، غير أن الرسوم المرتفعة والأتعاب المتنوعة التي يتعين على المتقاضي دفعها قد أعاقت الغاية التي يرمي إلى تحقيقها هذا المبدأ، والتي تتمثل في تحقيق المساواة أمام القضاء، فالواقع العملي يشهد كثيرًا على صعوبة رفع الدعوى، وطول أمد التقاضي، وارتفاع أتعاب الخبراء ناهيك عن أتعاب المحامين، والمصاريف الأخرى، الأمر الذي يشكل عائقًا أمام تحقيق المساواة الحقيقية للمتقاضين أمام القضاء.

أهمية البحث:

تعد المساعدة القضائية أحد أهم الأدوات القانونية التي توفر الدعم لمحدودي الدخل ليتمكنوا من رفع الدعاوى القضائية، فمن دون هذا النظام يتم حرمان فئة كبيرة من المطالبة بحقوقها، والدستور الدائم لدولة قطر ينص في المادة (135) على أن "التقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة، ويبين القانون إجراءات وأوضاع ممارسة هذا الحق".

وبما أن التقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة بلا أي تمييز[4]، فمن غير المتصور أن يحرم الفقراء من اقتضاء حقوقهم أمام القضاء، بسبب النفقات العديدة التي يتعين عليهم دفعها في سبيل اقتضاء حقوقهم، والتي لا يمكن أن يتحملها العديد من محدودي الدخل.

لذا يأتي هذا البحث ليلقي الضوء على النظام القانوني للمساعدة القضائية في القانون القطري والقانون المقارن، ليطرح التحديات التي تصاحب هذا النظام، وجدواه في تحقيق مبدأ المساواة أمام القضاء، فأهمية البحث تتجلى من خلال ضمان الأدوات التشريعية الحالية لحق القادر والمعوز في اقتضاء حقوقهم عند رغبتهم بذلك، ونبين عددا من الوسائل التعزيزية التي وضعها القانون المقارن لتحقيق مبدأ المساواة أمام القضاء، وتوفير أكبر عدد ممكن من المنصات التي تقدم المساعدة القانونية للفقراء ومحدودي الدخل.

مشكلة البحث:

تتمثّل مشكلة البحث في ضبط الدور الذي تضطلع به النظم القانونية المعمول بها في دولة قطر لمساعدة محدودي الدخل على المطالبة بحقهم في القانون المدني على وجه الخصوص، كما تتمثّل في بيان جدوى النظم القانونية للمساعدة القضائية المعمول بها في دولة قطر لتوفير غطاء مادي لمحدودي الدخل للمطالبة بحقوقهم القضائية، فضلا عن تحديد وسائل مساندة لنظام المساعدة القضائية في الدعاوى المدنية.

حدود البحث:

تركز الدراسة على نظام المساعدة القضائية المعمول به بدولة قطر، وإبراز جدواه، وإشكالياته، وكيفية تطويره من خلال الممارسات القانونية المقارنة، واستعراض الوسائل القانونية المتنوعة لتحقيق الغرض من المساعدة القضائية، غير أن الدراسة تنحصر في موضوعات القانون المدني، ولا تتعرض إلى القانون الجنائي إلا في الحدود التي تفيد الدراسة.

منهجية البحث:

أولًا: المنهج الاستقرائي: استخدم الباحث المنهج الاستقرائي وذلك من خلال استقراء القواعد الجزئية الخاصة بالمساعدة القضائية، والتي نظمتها التشريعات القطرية، للوصول إلى نتيجة كلية تبين جدوى نظام المساعدة القضائية لتوفير غطاء مالي لمحدودي الدخل، ولاقتراح تعديلات ووسائل تعزيزية لنظام المساعدة القضائية، من أجل تكريس القاعدة الكلية والتي تتمثل في المبدأ العام وهو المساواة أمام القضاء.

ثانيًا: المنهج الاستنباطي: تم استخدام المنهج الاستنباطي للوصول من خلال القواعد الكلية الموجودة في المبادئ العامة في القانون، وبخاصة مبدأ المساواة أمام القضاء ومبدأ مجانية التقاضي، للتأكيد على ضرورة وجود نظام مساعدة قضائية يكرس المبادئ العامة التي انطلق منها البحث، ولكي نصل إلى أن نظام المساعدة القضائية والوسائل المقترحة في البحث ترسخ القواعد العامة وهي المبادئ التي تحكم العملية القضائية، يتعين على الباحث الانتقال من العام إلى الخاص.

ثالثًا: المنهج المقارن: تم استعمال المنهج المقارن لاستعراض عدد من التطبيقات المختلفة في النظم والقوانين المقارنة، وبخاصة النظام القانوني بالولايات المتحدة الأمريكية، بهدف الوصول إلى أفضل التطبيقات وأنجعها لضمان ممارسة الفئات الضعيفة لحقها في التقاضي، وإبراز الإشكاليات التي تواجه النظم المقارنة للاستفادة منها.

خطة البحث:

جاءت هذه الدراسة في مبحثين؛ المبحث الأول: التنظيم القانوني لنظام المساعدة القضائية وأبرز تحدياته، والمبحث الثاني: وسائل لتعزيز نظام المساعدة القضائية.

المبحث الأول: التنظيم القانوني لنظام المساعدة القضائية وأبرز تحدياته

تشكّل المساعدة القضائية إحدى أهم وسائل المساعدة القانونية التي يعتمد عليها محدودي الدخل في اقتضاء حقهم عن طريق القانون. وقد نُظمت المساعدة القضائية في قانون المحاماة القطري الصادر بالقانون رقم (23) لسنة 2006 وتعديلاته، إذ تم بيان الحالات التي يتعين فيها على لجنة المساعدة القضائية، المشكلة برئاسة وعضوية عدد من القضاة، ندب أحد المحامين للقيام بأي عمل من أعمال المحاماة. وهو ما يدعو للتساؤل عن جدوى هذه الحالات في توفير الحماية الكافية للمستضعفين والفئات محدودة الدخل غير القادرين على اختيار محام يمثلهم في الدعاوى المدنية.

لذا، يتعين علينا البحث في شروط نظام المساعدة القضائية في الدعاوى المدنية (مطلب أول)، ثم النظر في التحديات التي تواجه نظام المساعدة القضائية (مطلب ثان).

المطلب الأول: شروط نظام المساعدة القضائية في الدعاوى المدنية

يعرف البعض المساعدة القضائية بأنها "الإعفاء من الرسوم والمصروفات القضائية أو دفعها كلها أو بعضها عمن يثبت عجزه عن دفعها كما تشمل انتداب محام"[5]. ويلاحظ على هذا التعريف بأنه قد جمع الإعفاء من الرسوم وانتداب محام، في حين أن القانون القطري قصر تسمية المساعدة القضائية على ندب محام للقيام بأعمال المحاماة.

ويثير قانون المحاماة القطري عدة تساؤلات حول جدوى الحماية التي يقدمها نظام المساعدة القضائية للفئات المستضعفة، والحال أن هذه المهنة تحتكر عددًا من المهام الأساسية التي توفر الحماية الكافية والغطاء القانوني لممارسة هذه الفئة حقها في التقاضي، لكي تتمكن من اقتضاء حقها بالطريق الذي كفله لها الدستور[6].

وقد حدد قانون المحاماة القطري في المادة (61) الحالات التي يمكن فيها للجنة المساعدة القضائية ندب محام للقيام بأعمال المحاماة، وأول هذه الحالات هو عندما يكون "أحد المتقاضين معسرًا أو عاجزًا عن دفع أتعاب المحاماة، وكانت الدعوى راجحة الكسب". فلكي تنطبق المادة السابقة يتعين توافر شرطين: الأول أن يكون المتقاضي معسرًا أم عاجزًا عن دفع أتعاب المحاماة، والثاني أن تكون الدعوى راجحة الكسب. فمتى يكون المتقاضي معسرًا؟ ومتى يكون عاجزًا عن دفع أتعاب المحاماة؟

المقصود بالإعسار في القانون القطري هو الإعسار الفعلي، أي الذي يتحقق بزيادة ديون المدين على حقوقه[7]، بحيث يكون الشخص معسرًا عندما تزيد ديونه عن حقوقه دون الحاجة إلى قرار من المحكمة بإعسار شخص ما. ولكن يثار التساؤل حول كيفية إثبات الإعسار.

تنص المادة (275) من القانون المدني القطري على أنه "إذا ادعى الدائن إعسار المدين، فليس عليه إلا أن يثبت مقدار ما في ذمته من ديون. وعلى المدين إذا ادعى أنه موسر أن يثبت أن له من المال ما يساوي قيمة الديون أو يزيد عليها"[8].

يتبين من المادة السابقة أنها جاءت تطبيقًا للقاعدة العامة في الإثبات والتي تقضي بأن البينة على من ادعى، فالذي يدعي إعسار المدين في معرض دعوى إثبات عدم نفاذ التصرف يثبت مقدار ما في ذمته من ديون، والمدين الذي يدعي أنه موسر يتعين عليه إثبات أن له من المال ما يساوي قيمة الدين أو يزيد عليه، ذلك أن من مصلحة المدين في هذه المادة إثبات أنه موسر. وقد نظم القانون المدني القطري طريقة إثبات الإعسار بسبب صعوبة إثبات إعسار شخص أو عدم إعساره، وجعل كل طرف يثبت ما ادعاه من إعسار أو عدم إعسار المدين.

وبخلاف ما تقدم، فإنه يكون من مصلحة المستفيد من المساعدة القضائية إثبات أنه معسر لاستيفاء شروط المساعدة القضائية، لذا يرى الباحث صعوبة تطبيق هذا النص لعدم جدواه في مجال المساعدة القضائية، ذلك أن الدائن لديه دافع في إثبات إعسار المدين لمباشرة دعوى عدم نفاذ التصرف بعكس المستفيد من المساعدة القضائية.

وعلى ذلك فإنه يصعب إثبات أن الشخص معسر أم موسر، ذلك أنه يفترض عليه تقديم كل الديون التي على كاهله وكل الأموال التي يمتلكها، منقولة كانت أم غير منقولة، فإذا افترضنا قيام شخص ما بتقديم أوراقه للحصول على المساعدة القضائية، فكيف تتحقق اللجنة من عدم وجود حقوق أخرى لديه؟ يثير ذلك تساؤلات عدة حول جدوى اشتراط الإعسار، لذلك حسنًا فعل المشرع عندما خيَّر اللجنة في ندبها للمحامي في هذه الحالة بين عجز المتقاضي عن دفع أتعاب المحامين وإعساره، ذلك أن إثبات الإعسار قد يثير العديد من الإشكاليات في الواقع العملي.

ولم يقتصر ندب المحامي للمساعدة القضائية على الحالة السابقة، بل أضافت المادة (61) حالة أخرى هي عندما يتقرر إعفاء المتقاضي من الرسوم القضائية كلها أو بعضها، ويمكن الإعفاء من الرسوم بحكم القانون، أو بقرار من المحكمة. فقد تقرر القواعد القانونية إعفاء فئة أو عدد من الدعاوى من الرسوم القضائية، كدعاوى النفقات[9]، والدعاوى العمالية[10]، والطعون الخاصة بقيد الناخبين في مجلس الشورى[11].

كما قد يقرر قاضي المحكمة إعفاء العاجزين من الرسوم وفق ما ورد بالمادة (551) من قانون المرافقات المدنية والتجارية القطري التي تنص على أنه "يعفى من الرسوم القضائية كلها أو بعضها، من يثبت عجزه عن دفعها. ويشمل الإعفاء رسوم الأوراق القضائية ورسوم التنفيذ، ومصاريف نشر الإعلانات القضائية والمصاريف الأخرى التي يتحملها الخصوم. ويشترط للإعفاء أن تكون الدعوى محتملة الكسب".

ويثير ما سبق عدة إشكاليات حول ندب المحامي للمساعدة القضائية، مما يدعونا إلى تحري قصد المشرع في قانون المحاماة في حكمه الوارد في الحالة الثانية التي تتناول المعفيين من الرسوم وتحديد مصدر الإعفاء ما إذا كان بقرار من المحكمة فحسب أم يشمل من تم إعفائهم بحكم القانون.

ويمكن القول بأنه ليس من المنطقي أن تشمل المساعدة القضائية من تم إعفاءهم من الرسوم بحكم القانون، ذلك أنه من المتصور أن يكون المعفى من الرسوم عاملا يعمل بوظيفة مدير عام وهو موسر لا يحتاج إلى مساعدة قانونية، لذا نرى من الأصوب أن يكون المعني بالمساعدة القضائية ممن تقرر إعفاؤه من الرسوم بقرار من المحكمة.

ولا يعدو أن يكون دور اللجنة هنا سوى أن يكون تنظيميًا فحسب، فالمادة (61) من قانون المحاماة القطري لم تأت بصيغة جوازية، بخلاف المادة (62) من ذات القانون، والتي تتعلق بندب المحكمة المنظورة أمامها الدعوى أو النيابة العامة في مرحلة التحقيق لمحام بهدف القيام بأعمال المساعدة القضائية، التي منحت فيها للمحكمة سلطة تقديرية[12].

وتشمل الحالتان الثالثة والرابعة الواردتين في المادة (61) من قانون المحاماة القطري رفض عدد من المحامين قبول الوكالة، أو وفاة المحامي، أو وجود أي مانع من مزاولته للمهنة، وأية حالة يستحيل فيها على المحامي مزاولة المهنة، ففي هذه الحالة تقوم اللجنة بندب محام ليقدم المساعدة القضائية، حتى لا يبقى المتقاضي دون ممثل في الدعوى، بسبب الظروف المتنوعة التي تؤدي إلى غياب المحامي.

وعلى كل حال، عند توافر حالة من الحالات التي سبق دراستها يتعين على المحامي بذل جهد لا يقل عن جهد المحامي عند تعاقده بأجر مع موكل عادي، وبما لا يتناقض مع أخلاقيات المحاماة، فالجدير بالذكر أن من واجب المحامي بذل العناية اللازمة في سبيل المحافظة على مصالح موكله فقد نصت الفقرة الثانية من المادة (61) من قانون المحاماة القطري على أن "يتولى المحامي المنتدب، في أي من هذه الأحوال، اتخاذ الإجراءات الكفيلة بالمحافظة على مصالح من يمثله".

وقد استقر قضاء محكمة التمييز القطرية على أن "التزام المحامي قبل موكله هو التزام بعمل، ويجب عليه أن يبذل في تنفيذ التزامه قدرًا معينًا من الجهد والعناية، تحقق هذا الغرض أم لا يتحقق والأصل في هذه العناية إذا كانت الوكالة بأجر أن تكون مماثلة لما يبذله الشخص العادي، والذي يتمثل في مهنة المحاماة ببذل أقصى جهده في الدفاع عن حقوق موكله"، وقد وضعت محكمة التمييز عددًا من الأمثلة على الأخطاء التي قد يرتكبها المحامي وتثير مسؤوليته العقدية، أبرزها "غيابه عن جلسة المرافعة مما يترتب عليه شطب الدعوى أو تقاعسه عن اتخاذ إجراءات تجديد الدعوى من الشطب فيقضى باعتبارها كأن لم تكن"[13]. وبالتالي يتعين على المحامي أن يبذل جهدًا لا يقل عن الجهد الذي يبذله للموكل العادي، فالمادة (63) من قانون المحاماة القطري تنص على جواز مساءلته تأديبيًا إذا أهمل المحامي في واجباته.

كما تنص المادة السابقة على أن رفض المحامي تقديم المساعدة القضائية دون سبب مقبول يؤدي إلى مساءلته تأديبيًا، وقد أشار الأستاذ الدكتور حسن السيد إلى أنه، خلال عضويته للجنة قبول المحامين، رفع رئيس لجنة المساعدة القضائية بالمجلس الأعلى للقضاء شكوى ضد أحد المحامين لرفضه تقديم المساعدة القضائية وعدم امتثاله لقرار اللجنة للترافع عن أحد المتقاضين المعسرين، وقد حققت لجنة الدعوى التأديبية بإدارة الفتوى والعقود آنذاك مع المحامي المشكو في حقه وانتهت إلى ثبوت المخالفة المنسوبة إليه[14].

المطلب الثاني: التحديات التي تواجه نظام المساعدة القضائية  

للجنة المساعدة القضائية دور تقديري لبحث مدى توافر الإعسار أو العجز عن دفع أتعاب المحاماة. فقد ترفض اللجنة ادعاء أحدهم بأنه معسر، في حين أنها قد توافق على آخر ادعى بأنه معسر وهو موسر، الأمر الذي يثير تساؤلًا مشروعًا حول الكيفية التي ستتبعها اللجنة لمعرفة إعسار الشخص من عدمه، ذلك أنه قد يُحضر هذا الشخص المستندات التي تبين الديون التي أثقلت كاهله، في حين أن لديه أملاك وأموال أكثر من هذه الديون.

بمعنى آخر قد تتقرر المساعدة القضائية لمن لا يستحقها، في حين أنها قد لا تتقرر لمن يستحقها، ذلك أن التشريع المدني القطري لم يضع نظامًا متكاملًا يعالج به حالة إعسار المدين الكامنة في عدم كفاية أمواله للوفاء بدينه مستحق الأداء، مما يجعل ندب المحامي في حالة إعسار المتقدم أمام اللجنة أحد المشاكل التي تنتج عن عدم وجود نظام شامل للإعسار[15]، بيد أنه في حال وجود نظام للإعسار القانوني سيستلزم هذا النظام حكمًا قضائيًا يشهر حالة إعسار المدين، في حين أن الإعسار الفعلي هو كل حالة واقعية تظهر عندما تزيد ديون المدين الحالة والمستقبلة عن حقوقه، وتكون بحاجة إلى حكم قضائي لإشهارها[16]، وبالتالي سيكون من الأسهل على المعسر، الذي يكون بحاجة إلى خدمات محام أمام اللجنة، إثبات إعساره وذلك بإحضار السند التنفيذي بإشهار إعساره من محكمة محلية.

 ويرى البعض بأن المشرع القطري قد غفل عن تنظيم الإعسار في القانون المدني لأن المذكرات الإيضاحية لم تبرر عدم تبني النظام في القانون المدني، على الرغم من ضرورة وجود نظام للإعسار القانوني شبيه بنظام الإفلاس بالقانون التجاري لأنه يوفر حماية للدائنين[17]، فقد تبين من خلال بحثنا هذا أن المدينين كذلك مستفيدين من نظام الإعسار القانوني.

ومن المعلوم أنه لا توجد دولة في العالم، لا يأخذ نظامها القضائي بالرسوم القضائية فلا يوجد قضاء مجاني بصفة مطلقة، ذلك أن الأخذ بالمجانية المطلقة يؤدي إلى زيادة الدعاوى العبثية والكيدية أمام المحاكم وسوء الاستخدام لحق التقاضي. فقد راعى المشرع عند فرضه الرسوم تحقيق توازن بين اعتبارين هامين، هما: احترام مبدأ مجانية القضاء وضرورة تجنب إساءة استعمال حق التقاضي، فقد راعى أن تكون رسوم التقاضي معقولة حتى لا يتشجع أصحاب الدعوى العبثية على رفعها، وفي المقابل راعى المشرع خفض عبء الرسوم على المتقاضين، لفئات معينة ومن ذلك تنظيم الإعفاء من الرسوم في قانون المرافعات، والمساعدة القضائية في قانون المحاماة، وكل ما سبق يفترض فيه ضمان ألا يقوم المرفق القضائي بالتمييز بين الأفراد وفقًا إلى حالتهم المالية أو وضعهم الاقتصادي[18].

ومع ذلك اتفق الفقهاء على تأثير رسوم التقاضي على مبدأ المساواة أمام القضاء وكفالة حق التقاضي، فهذه الرسوم تمثل عبئًا على بعض الفئات محدودة الدخل والفقراء، مما يؤدي إلى عدم مطالبتهم بحقوقهم، لعدم توافر القدرة والملاءة لدفع مصاريف الدعوى، حتى لو كان يمكن لبعضهم البدء في الدعوى، ولكنهم يعجزون عن الاستمرار فيها نظرًا لعجزهم عن الوفاء بأتعاب المحامين[19].

وفي السياق نفسه، تضمن تقرير المقررة الخاصة لاستقلال القضاة والمحاميين لدى الأمم المتحدة، بعد زيارتها إلى دولة قطر خلال الفترة من 19 إلى 26 يناير 2014، عددًا من النتائج ذات الصلة بالوصول إلى العدالة؛ حيث يساورها القلق إزاء عدم وصول شرائح ضعيفة من السكان إلى العدالة، كالعمال المهاجرين في قطاع البناء أو خدم المنازل، الذين يكاد يستحيل عليهم التغلب على العراقيل التي تحول دون وصولهم إلى العدالة في الحالات التي تنتهك فيها حقوقهم، فلا تتاح المساعدة القضائية الممأسسة إلا في القضايا الجنائية عندما يكون المدعى عليه معسرًا فلا يستطيع دفع أتعاب محام[20].

بالإضافة إلى ما سبق، فإن التحديات التي تواجه نظام المساعدة القضائية في الواقع العملي متعددة، وقد يكون أهمها المصاريف العديدة التي تخرج عن مضمون الإعفاء من الرسوم، فلا تتضمن آلية الإعفاء من الرسوم الواردة في المادة (551) من قانون المرافعات المدنية والتجارية القطري الإعفاء من أتعاب الخبراء بحيث يتولى القضاء دفع أتعابهم، أو يُنشأ نظام للمساعدة القضائية خاص بأتعاب الخبرة؛ إذ إنها تشكل عقبة إضافية أمام المتقاضي العاجز عن دفع أتعاب المحاماة، ففي أغلب الدعاوى المدنية يكون المدعي بحاجة إلى ندب خبير للنظر في الأمور الفنية التي لا يستطيع القاضي فهمها بطبيعة الحال. والواقع العملي يثبت أن المصاريف القضائية لا تقتصر على الرسوم القضائية وأتعاب المحامين بل يوجد بجانبها أتعاب الخبراء ومصاريف الشهود ومصاريف أخرى متنوعة، كمصاريف الانتقال وإعداد الأوراق والمستندات[21].

وقد أكد تقرير المقررة الخاصة للأمم المتحدة بأن دفع أتعاب الخبرة هو الأمر الذي يمنع العمال المهاجرين من رفع دعوى جماعية وأنه من الضروري توعية المحاكم بالمحنة التي يعيشها العمال المهاجرون وبالعبء الذي تشكله هذه الأتعاب عليهم، ذلك أنه في الحالات النادرة التي يتمكن فيها العمال المهاجرون من الوصول إلى المحاكم، يكون عليهم دفع الرسوم القضائية وأتعاب الخبرة التي يتوجب على صاحب الشكوى دفعها للحصول على تقرير مالي من ذوي الخبرة، وهو ضروري لإثبات دعواه ومواصلة النظر فيها من طرف النظام القضائي[22].

ومن الصعب في غالبية الدعاوى المدنية إثبات حق المتقاضي دون اللجوء إلى الخبرة، فهي التي تقوم بالبحث في الأمور الفنية، ويعتمد عليها القضاء المدني بشكل كبير وفي غالب الدعاوى، ذلك أن الدعاوى الحسابية بحاجة إلى محاسب، ودعاوى الأضرار الجسدية والطبية بحاجة إلى طبيب، ودعاوى مقاولات الإنشاء بحاجة إلى مهندس، وهلما جرا.

وللأضرار الطبية خصوصية كبيرة، فهي تتعلق بأهم الحقوق الأساسية، وهي حق الإنسان في حماية سلامة جسده، ولا يوجد شك أن الحق في الحياة من أهم الحقوق اللصيقة بالإنسان، بل ويُعتبر الحق الأسمى الذي تشتق منه باقي الحقوق، وقد شبه البعض الحق في الحياة بالنافورة التي تنبع منها حقوق الانسان الأخرى[23]، ومع ذلك فإنه من المتصور جدًا أن يتعرض أحد الأشخاص من الفئات الفقيرة لاعتداء على سلامة جسده، يتمثل في خطأ طبي يرتب المسؤولية المدنية الطبية، غير أنه لا يستطيع المطالبة بحقه بسبب ارتفاع كلفة أتعاب الخبراء، لذا يتعين دراسة هذه الإشكالية وتوفير آلية ميسرة لها، تضمن حصول هذه الفئة على وسيلة لاقتضاء حقها في الحصول على تعويض جابر للضرر الجسدي الذي تعرضت له، كما تشكل رادعًا لمن تسول له نفسه بأن يتهاون أو يتساهل بسبب ضعف أوضاع هذه الفئة.

ومما قد يسهل قليلًا على المتقاضي المستفيد من المساعدة القضائية، الربط التلقائي بين قرار لجنة المساعدة القضائية بندب محام، وإعفاء المتقاضي المستفيد من الرسوم القضائية تلقائيًا، فالذي يحصل على المساعدة القضائية بسبب إعساره أو عجزه عن دفع أتعاب المحامي يكون في غالب الأمر من الفئات الفقيرة غير القادرة على دفع الرسوم القضائية.

ولا مراء في أنّ أهم التحديات التي تواجه فعالية نظام المساعدة القضائية هي عدم وجود ثقافة تدفع الناس الذين يعانون من المشاكل القانونية إلى اللجوء لدى مكاتب المحامين من الأساس. وفي السياق نفسه يرى بعض الباحثين في الولايات المتحدة الأمريكية بأن العديد من الناس لا يعتقدون بأن مشاكلهم ذات طبيعة قانونية من الأساس، ولا يتعاملون مع مشاكلهم القانونية على أنها فشل في تطبيق القانون أو خطأ من قبل الحكومة أو النظام القانوني، والحال أنهم يرونها حظًا سيئًا أو كارما (Karma) أو مشيئة الله أو مما يخرج عن قدرتهم، لذا يفضلون عدم اتخاذ أية إجراءات في حين يتعين عليهم السعي للحصول على المساعدة القانونية[24].

ولعل من أبرز الإشكاليات التي تقلل من فرص فعالية المساعدة القضائية هي مسألة الوعي بها، ويلاحظ بأن الكثير من الدول لا تعتني بوضع برامج توعوية بالمساعدة القضائية، مما يؤدي إلى جهل الناس بها، ومن ثم عدم استفادة الفقراء بالحق في التقاضي[25].

ويلاحظ مما سبق، أن التحديات التي تواجه نظام المساعدة القضائية عديدة ومتنوعة، فعلى الرغم من أن النظام يوفر قنوات عدة وحالات متعددة لتوفير المساعدة القضائية للفئات المستضعفة، كما قدمنا، غير أن التحديات التي ما فتئت تواجه هذا النظام تجعل من الصعب إن لم يكن من المستحيل أن يوفر الضمانات الكافية للفقراء ومحدودي الدخل التي تمكنهم من الاستمرار في المطالبة القضائية، ولا يتحقق ذلك سوى بوسائل تعزز من فعالية هذا النظام.

المبحث الثاني: وسائل لتعزيز نظام المساعدة القضائية

على الرغم من الفوائد العديدة التي يحققها نظام المساعدة القضائية، فهو لا يحقق الأهداف المرجوة منه، بتوفير غطاء كامل وكاف للمتقاضين من الفئات الفقيرة والعاجزين عن دفع مصاريف التقاضي، وهو بحاجة إلى ما يعززه، وقد عرفت الأنظمة القانونية عددًا من الوسائل المتنوعة التي يمكن الاستفادة منها لتعزيز نظام المساعدة القضائية، الذي يصعب عليه مسايرة ازدياد الحاجة للمساعدة القانونية. وعلى ذلك نبحث في عدد من الوسائل القانونية التي تعزز من نظام المساعدة القضائية، وأولها وسائل تتعلق بمهنة المحاماة (مطلب أول)، ثم نبحث في الوسائل التي تتعلق بدور العيادات القانونية في تقديم المساعدة القانونية (مطلب ثان).

المطلب الأول: الوسائل المتعلقة بمهنة المحاماة

نبحث في هذا المطلب عن الوسائل القانونية المقترحة التي تتعلق بمهنة المحاماة، فهذه المهنة لها دور مساند كبير للمساعدة القضائية، فضلًا عن كونها أساس المساعدة القضائية، فالمساعدة القضائية تقوم على أساس ندب محام للقيام بعمل من أعمال المحاماة في حالات حددها قانون المحاماة، غير أن نظام المساعدة القضائية، كما قدمنا، لا يمكنه مواجهة أعداد الفئات المستضعفة لوحده، ويتعين أن يكون هناك وسائل أخرى تحقق الهدف من نظام المساعدة القضائية والذي يتمثل في ضمان حق الجميع في التقاضي تحقيقًا لمبدأ المساواة أمام القضاء. لذلك سنناقش نظام الأتعاب الاضطرارية (Contingency fee) المعمول به في الولايات المتحدة الأمريكية في (الفرع الأول)، ثم نبحث فيما يمكن أن تقدمه مهنة المحاماة لمساعدة الفقراء والمحتاجين في (الفرع الثاني).

الفرع الأول: نظام الأتعاب الاضطرارية

يقصد بالأتعاب الاضطرارية Contingency Fee طريقة يقوم فيها الموكل بالاتفاق مع محاميه على دفع نسبة من قيمة الدعوى، مع عدم استحقاق الأخير لأي أتعاب عندما يخسر الدعوى[26].

ويعتبر مؤيدو هذا النظام أن الأتعاب الاضطرارية مفتاح متوسطي الدخل للدخول إلى قاعة المحكمة، فالذي يُترك دون مساعدة يمكنه المطالبة بحقه عن طريق هذا النظام، ولا يوجد شك في الأهمية القصوى لهذا النظام لتأمين حق المتقاضين في الوصول إلى النظام القضائي المدني[27]. ولكي نتمكن من فهم هذا النظام يتعين علينا النظر في كيفية حساب المحامين لأتعابهم في الأنظمة العادية ثم مقارنته بنظام الأتعاب الاضطرارية.

يقوم النظام العادي لحساب أتعاب المحامين على نظام أتعاب بالساعات أو مبلغ مقطوع، بحيث يتم شراء الخدمة المقدمة من المحامي بكل بساطة، أما نظام الأتعاب الاضطرارية فهو يقوم على خدمات إضافية تتمثل في التمويل والتأمين، فالمحامي يمول عملية التقاضي من بدايتها، فهو يقوم بتحمل الدفعات الأولى التي تتضمن الرسوم والأتعاب القضائية وأتعاب أعمال المحاماة، ولا يتسلمها حتى يتم الانتهاء من الدعوى، ولذلك فالمحامي في نظام الأتعاب الاضطرارية يقوم بتمويل لجوء العميل للقضاء خلال الدعوى، أما الخدمة الثانية فهي تأخذ نموذج التأمين، ففي حين أن أغلب الولايات الأمريكية يكون فيها الموكل مسؤولا عن النفقات والأتعاب بغض النظر عن نتيجة الدعوى فإن المحامين الذين يخسرون الدعوى في نظام الأتعاب الاضطرارية نادرًا ما يعوضون النفقات التي تكبدوها في الدعوى، لذلك فإن المحامي يؤمن الموكل من النفقات المصاحبة للدعوى ضد خسارته الدعوى، كما يؤمنه من نفقات الزمن الذي خسره المحامي في العمل بالدعوى[28]. ولكن ما هي طبيعة الاتفاق الذي يتم بين المحامي ووكيله في الدعوى؟

يتم الاتفاق عادة في نظام الأتعاب الاضطرارية على نسبة من قيمة الدعوى التي تكون في الغالب تعويضًا عن ضرر ما تعرض له الموكل، وتتراوح النسبة النموذجية عادة ما بين 25% إلى 50% تعتمد فيها على المرحلة التي تم حل النزاع فيها، بحيث تكون النسبة بحد أقصى 25% عندما يتم حل النزاع قبل بدء عملية التقاضي، وتصل بحد أقصى إلى ثلث قيمة الدعوى أو 30% منها عندما تنتهي الدعوى في المحكمة الابتدائية، وهو ما يعتبر حدًا نموذجيًا، ويمكن أن تصل بحد أقصى من 40% إلى 50% عندما تصل إلى مرحلة الاستئناف أو أي مراحل قضائية أخرى، ومع ذلك فقد ظهرت أدلة على وجود عدد من المحامين يضعون حدًا نموذجيًا يتراوح من 40% إلى 50% من قيمة الدعوى بغض النظر عن المرحلة التي انتهت فيها الدعوى[29].

كما توجد أنواع أخرى من الأتعاب الاضطرارية تقوم على أساس اتفاق بحساب المبلغ بالساعات أو بالساعات مضافًا إليها مبلغ من المال (Bonus) أو تكون بالساعات ولكن تحسب كمبلغ مقطوع مضافًا إليها مبلغًا من المال يستحقها المحامي عند كسبه القضية[30].

وقد تم تصميم نظام الأتعاب الاضطرارية ليحقق عائدا أعلى من حساب معدل الساعات مقارنة بحساب نظام الساعات العادي، وذلك لأن نظام الأتعاب الاضطرارية يعكس المخاطر التي يتحملها المحامون في هذا النظام[31].

ويعود أصل نظام الأتعاب الاضطرارية إلى الحقبة الصناعية عندما لم يستطع ضحايا الحوادث الصناعية وحوادث النقل تحمل تكلفة النيابة القانونية لرفع دعاوى تعويض عن الضرر الذي تعرضوا له، وغني عن البيان أنه من دون محام يقوم باتخاذ الإجراءات القضائية التي تحمل في طياتها مخاطر ونفقات عديدة لن يتمكن هؤلاء الضحايا في فترة ثورة صناعية من الحصول على تعويض جابر للضرر عن مخاطر العمل. لذا كان نظام الأتعاب الاضطرارية الحل الأمثل للأفراد المصابين الذين يرغبون في الحصول على حقهم ولا يمتلكون القدرات المالية للتمثيل القانوني[32].

ويسميها البعض[33] الأتعاب المشروطة أو الأجرة المشروطة، ويقصد منها أن الأتعاب معلقة على شرط واقف هو كسب الدعوى، غير أن تسمية الأتعاب الاضطرارية أكثر اتصالًا بطبيعتها وسبب نشوئها؛ إذ إنها ملاذ للفقراء والمحتاجين وغير القادرين على دفع أتعاب المحامين بالطريق التقليدي، كما أن الاتعاب الاضطرارية لا تقتصر على كونها معلقة على شرط كسب الدعوى، بل تتضمن خدمتي التمويل والتأمين، كما يتضمن الاتفاق على استحقاق المحامي لنسبة عالية من قيمة الدعوى في حال كسبه لها؛ لذا يرى الباحث أن تسمية الأتعاب المشروطة لا تتوافق مع طبيعتها، التي تجعل الموكل يضطر إليها اضطرارًا، بخلاف الأصل المتعارف عليه في اتفاق المحامي مع موكله. بيد أنه يمكن اعتبارها نوعًا من الأتعاب المشروطة؛ حيث تعد الأخيرة أكثر شمولًا من الأتعاب الاضطرارية، التي تستهدف أساسًا الفقراء والمحتاجين.

وعلى ضوء ذلك، يتضمن هذا النظام العديد من المميزات ولعل أهمها يتمثل في منح الفئات المستضعفة والفقراء إمكانية الوصول إلى النظام القضائي، فهي توفر لهم محامين، والحال أنهم غير قادرين، لولا وجود هذا النظام، على تعيين محامين مؤهلين، فهو كما يراه الأمريكيون، شر لا بد منه، وقد سبق أن مرت الولايات المتحدة بزمن استفادت منه فئة عمال المصانع، الذين قاموا بمقاضاة شركات كبرى بهذا النظام. وبدون هذا النظام لا يتمكن هؤلاء العمال من مجابهة موارد وقوة الشركات الكبرى التي تخيف في الغالب كل مدعٍ محتمل[34].

وبما أن المحامي، في نظام الأتعاب الاضطرارية، لن يحصل على أتعابه سوى عند كسبه للدعوى، فلن يضيع وقته وماله في دعوى غير محتملة الكسب، لذا سيكون لديه حافز لتصفية الدعاوى العبثية والكيدية التي ترهق المحاكم وتزعج المدعى عليهم[35].

كما أن مؤيدي نظام الأتعاب الاضطرارية يذهبون إلى أنه يدعم مبدأ الحرية في التعاقد، ويؤدي إلى توافق بين مصالح المحامي ومصالح موكله، ويؤدي إلى منتجات آمنة بإعطاء الفقراء والفئات المستضعفة القدرة على سحب أكبر الشركات المنتجة ملاءة إلى قاعة المحكمة بسبب عيوب منتجاتهم[36].

وجدير بالذكر أن نظام الأتعاب الاضطرارية أثار الكثير من الجدل في الولايات المتحدة بين مؤيد ومعارض، فقد انتقد العديد نظام الأتعاب الاضطرارية وقد ادعى هؤلاء أن هذا النظام قد أدى إلى زيادة الدعاوى الكيدية والعبثية، الأمر الذي جعل المحامين يدخلون في مراهنات لرفع هذه الدعاوى، خاصًة وأن النسبة العالية التي يستحقها المحامي من هذا النظام تغري العديد من المحامين برفع هذا النوع من الدعاوى. وهو ما أدى إلى إغراق النظام القضائي بدعاوى تكلف وقتًا ومالًا إضافيًا على المجتمع، فقد أظهرت دراسة أن 80% من دعاوى الأخطاء الطبية المدنية التي سجلت في ولاية نيويورك قد كانت دون جدوى[37].

غير أن العديد من المحامين ينتقدون رأي معارضي نظام الأتعاب الاضطرارية ويرونها غير منطقية، ذلك أن المحامين غير قادرين على تبني دعوى ضعيفة، بل في الواقع يرفضون أغلب الناس الذين يسعون إلى تمثيل قانوني فيها[38]. لذا يرى العديد من الباحثين[39] أن تنظيم الأتعاب الاضطرارية وتقييدها سيؤدي بالضرورة إلى تجنب المحامين قبول هذه الدعاوى، وخاصة أن العديد من المحامين يرفضون تبني أي دعاوى في المسؤولية المهنية بسبب تعقدها ونفقاتها العالية ومخاطرها، وعدائية الخبراء من الأطباء في أغلب دعاوى الأخطاء الطبية.

وقد قامت العديد من الولايات الأمريكية بإصدار تشريعات تنظم وتتحكم في الأتعاب الاضطرارية في الدعاوى التي تتعلق بالمسؤولية الطبية، بيد أن هذه التشريعات قد أثارت جدلًا حول مدى دستوريتها، مما دفع ولاية نيوهامبشير إلى الإطاحة بتشريع المسؤولية الطبية كاملًا، ومع ذلك فإن ولاية نيوهامبشير هي الولاية الوحيدة التي قامت بهذا الإجراء القانوني، وما يزال الرأي الراجح يرى بأن مثل هذه التشريعات لا تمثل تعارضًا مع الدستور الأمريكي وخاصة مبادئ المساواة في الحماية القانونية والاجراءات القانونية الصحيحة[40].

ويرى بعض الشراح[41] أن التحكم في الأتعاب الاضطرارية قد أضر بنظام المسؤولية الطبية، فبدل أن يعزز من سلامة المريض ويحقق الردع المطلوب لحمايته من الأخطاء الطبية، تسبب في خفض دافع الأطباء والمستشفيات إلى حمايتهم من الأضرار الطبية، ذلك لأن القواعد الجديدة التي وضعت حدًا أقصى للأتعاب الاضطرارية قد تسببت في عزوف المحامين عن تمثيل المتضررين من الأخطاء الطبية لأنهم أصبحوا يواجهون صعوبات أكبر في كسب الدعوى والحصول على تعويضات مادية، الأمر الذي تسبب في تقويض الردع الخاص والعام.

ومما لا شك فيه، أن النظام السابق يشكل صمام الأمان للمجتمع الأمريكي الذي يتمكن بموجبه متوسطو الدخل والفقراء من الوصول إلى قاعة المحكمة ضد أعتى الشركات قوة وملاءة، مما يضمن لهم الحصول على تمثيل قانوني أمام القضاء، دون دفع أي مبلغ من المال، الأمر الذي يرسخ مبدأ المساواة أمام القضاء.

فكما قدمنا، أضحت الرسوم القضائية والأتعاب الخاصة بالمحامين والخبراء وغيرها من نفقات عائقًا أمام هؤلاء الفئات المستضعفة ومتوسطي الدخل من ممارسة حقوقهم القانونية واقتضاء ما يجبر ضررهم، وبخاصة المصابين بالأضرار الجسدية، ذلك أن الأضرار الجسدية لها خصوصية بسبب تعلقها بحق الشخص في حماية نفسه وروحه وبدنه، ولعل ذلك يثير تساؤلًا مشروعًا حول مدى إمكانية تطبيق هذا النظام في القانون القطري لفوائده العديدة، ولكونه وسيلة لتعزيز نظام المساعدة القضائية، فهل يمكن للأفراد الاتفاق على الأتعاب الاضطرارية في النظام القانوني القطري؟

للإجابة عن التساؤل السابق يتعين علينا البحث في طبيعة التزام المحامي وتنظيم التشريع القطري للتعاقد مع المحامي؛ حيث إن نظام الأتعاب الاضطرارية يتوقف على اتفاق المحامي مع موكله على أمرين؛ أولهما الاتفاق على عدم استحقاق المحامي للأتعاب في حال خسارة الدعوى، وثانيهما الاتفاق على استحقاق المحامي لنسبة عالية من قيمة ما يحكم به في الدعوى حال نجاحه فيها، كما قدمنا.

ويعتبر التزام المحامي التزامًا ببذل عناية، فهو في الأصل لا يلتزم بتحقيق نتيجة تتمثل في كسب القضية، بل يلتزم ببذل عناية الرجل العادي في سبيل كسب الدعوى، فإذا خسر الدعوى ينظر إلى جهده الذي قدمه، فإذا تبين عدم وجود تقصير أو إهمال في أداءه لواجباته، وفق ما تقتضيه أصول المهنة، لا يعتبر مسؤولًا، غير أنه لا يوجد ما يمنع من أن يتفق المحامي مع موكله على أن يكون التزامه بتحقيق نتيجة، كأن يتم الاتفاق على عدم استحقاق المحامي للأتعاب كلها أو بعضها إلا إذا كسب الدعوى[42].

وبالبناء على ما تقدم، ولئن كان لا يوجد أي مانع قانوني من الاتفاق على عدم استحقاق المحامي لأتعابه في حال خسارته الدعوى، غير أن نظام الأتعاب الاضطرارية يتطلب قيام اتفاق المحامي مع موكله على أساس نسبة عالية من قيمة الدعوى، لذا يتعين دراسة مدى جواز الاتفاق على دفع المتقاضي نسبة من قيمة ما يحكم به في الدعوى في النظام القانوني القطري. يجيز قانون المحاماة اتفاق المحامي مع موكله على أساس نسبة من قيمة ما يحكم به في الدعوى، فتنص المادة (37) من قانون المحاماة القطري الصادر بالقانون رقم (23) لسنة 2006، المعدل بالقانون رقم (1) لسنة 2018 على أن "تُحدد أتعاب المحامي وفقًا للاتفاق المعقود بينه وبين ذوي الشأن، ويجوز أن يتفق على أن تكون قيمة الأتعاب بنسبة لا تزيد على (10%) من قيمة ما يُحكم به في الدعوى".

بيد أن المادة (52) من ذات القانون تمنع الاتفاق على أخذ جزء من الحقوق المتنازع عليها ولا تجيز للمحامي أن يعقد اتفاقًا من شأنه أن يجعل له مصلحة في الدعوى أو العمل الموكل فيه، فقد نصت على أنه "لا يجوز للمحامي أن يبتاع كل أو بعض الحقوق المتنازع عليها، أو أن يتفق على أخذ جزء منها نظير أتعابه. ولا يجوز له أن يعقد اتفاقًا على الأتعاب، من شأنه أن يجعل له مصلحة في الدعوى أو العمل الموكل فيه"، مما ينشأ عنه وجود تعارض بين نص المادة (37) من قانون المحاماة المعدلة في عام 2018 والمادة (52) من ذات القانون، والتي لم يتضمنها التعديل الأخير.

فإذا كان المشرع يقصد من الفقرة الأولى من المادة (52) حقوق الموكل العينية، يتضح من الشق الثاني من الفقرة الأولى عدم جواز الاتفاق على أخذ أي جزء من الحقوق المتنازع عليها نظير أتعابه، كأن يتم تقدير قيمة أرض بمليونين وبذلك يستحق المحامي قيمة نسبة من مليونين. فضلًا عن أن الفقرة الثانية جاءت بصيغة عامة لحظر عقد أي اتفاق على الأتعاب يجعل للمحامي مصلحة في الدعوى أو العمل الموكل فيه، وبالتالي يقع أي اتفاق بين المحامي وموكله على أن تقدر أتعابه بنسبة من قيمة الدعوى باطلًا، لأن مثل هذا الاتفاق يجعل له مصلحة في الدعوى.

وعلى كل حال، فإن قلنا بجواز عقد اتفاق بين المحامي وموكله على دفع نسبة لا تتجاوز 10% من قيمة ما يحكم به في الدعوى عند نجاحه في الدعوى، فإن اتفاق كهذا لا يتوافق مع نظام الأتعاب الاضطرارية الذي يتطلب نسبة عالية تتراوح من ثلث قيمة ما يحكم به في الدعوى إلى 50% منها، استنادًا إلى حجم المخاطر التي تحيط بالدعوى ويتحملها المحامي، كما قدمنا.

ويمكن القول بأنه إذا كانت فلسفة المشرع من حظر مثل هذه الاتفاقات هي حماية الموكل من المحامي الذي قد يتجاوز حدود الوكالة، فإن منعها بصفة مطلقة يؤدي بالضرورة إلى حرمان فئة كبيرة من المجتمع من الحصول على ممثل قانوني، وفق نظام الأتعاب الاضطرارية، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى عزوفهم عن المطالبة بحقوقهم نظرًا للتكاليف العديدة ولكون القضايا المتعلقة بها قد تكون أحيانا معقدة. وبالتالي يتضح لنا أن إعمال نظام الأتعاب الاضطرارية بحاجة إلى تدخل تشريعي للسماح بتحديد أتعاب بنسبة عالية لا تقل عن ثلث قيمة ما يحكم به في الدعوى كحد أدنى، ومن دون هذا التدخل التشريعي لا يجوز للمحامي الاتفاق مع موكله وفق نظام الأتعاب الاضطرارية، ذلك أن أكثر الفئات التي تكون بحاجة ماسة إلى مثل هذا النظام هم الفقراء ومتوسطي الدخل من ضحايا الأضرار الجسدية، لذا فإن استثناء المشرع لهذه الفئة بات ضروريًا لكونه يشكل ضمانة لهم تمكنهم من الوصول إلى المحكمة، ومن دون هذا النظام لا يمتلكون مفتاح الدخول إلى قاعات المحاكم، مما يشكل إخلالًا بمبدأ المساواة أمام القضاء، كما أنه يمكن لنظام الأتعاب الاضطرارية أن يكون وسيلة فعالة لحصول المضرور على حقه أو ثلثي حقه على الأقل، بدل عدم الحصول عليه بتاتًا، فما لا يدرك كله لا يترك جله. ولا يقتصر تعزيز نظام المساعدة القضائية على نظام الأتعاب الاضطرارية، بل هناك وسائل أخرى قد يكون لها أثر إيجابي في مساعدة الضعفاء والمحتاجين.

الفرع الثاني: الخدمات المجانية التي يقدمها المحامون

لا يمكن لأحد أن ينكر حق المحامي في أن يحصل على أتعابه مقابل الجهد الذي يبذله في عمله، فالقانون وضع ضمانات عديدة في قانون المحاماة القطري للحفاظ على حق المحامي في الحصول على أتعابه من موكليه[43]، غير أن المحاماة مهنة لها من الوقار والاحترام، ما يجعلها تستوجب نجدة المظلوم وإظهار الحق ومساندة العدالة، لذا يجب على المحامي أن يربأ بنفسه عما يقلل من احترام هذه المهنة من مبادئ مادية لا تليق بها[44]، فالمحامي يجب أن يستذكر المقاصد النبيلة والأهداف الشريفة لهذه المهنة وهو يؤدي رسالة الدفاع حتى لا ينظر إلى مهنة المحاماة على أنها مشروع تجاري فحسب[45].

وغني عن البيان، أن للمهنة دور بارز في المجتمعات، فهي وسيلة من وسائل بنائه وتطوره، فكل مهني مجند لخدمة المجتمع من خلال مهنته وبكل ما يملك من قدرات وخبرات في وقت السلم والحرب[46]. والمحاماة تمارس دورًا جوهريًا في مساعدة القضاء للوصول إلى حكم صحيح في القضايا المنظورة أمامه من خلال النقاط التي يعرضها المحامي أمام القاضي شفهيًا أم كتابيًا[47].

ومن خلال ما سبق، يتعين على المحامي - خدمة لمجتمعه - أن يسهم في تعزيز المساعدة القضائية من خلال تبنيه لعدد من الدعاوى المجانية للفقراء والمساكين ومتوسطي الدخل، الذين لا يتمكنون من المطالبة بحقوقهم بسبب ارتفاع النفقات اللازمة لرفع الدعاوى القضائية.

وقد اهتم الفقه في الولايات المتحدة الأمريكية بدراسة موضوعات الخدمات المجانية (Pro Bono) التي يقدمها المحامون لديهم؛ إذ أظهرت دراسة قام بها أحد الباحثين أن %80 من اللذين شملهم المسح يقدمون خدمات مجانية بمعدل 70.1 ساعة كل سنة، في حين %20 من المحامين لا يقدمونها على الإطلاق[48]. وفي عام 1993 أطلقت نقابة المحامين الأمريكية تصنيفًا يسمى بـ "تحدي الخدمات المجانية لمكاتب المحاماة"، والذي يطلق على مكاتب المحاماة الكبيرة التي تساهم بمعدل %3-5 من مجموع الساعات المدفوعة لديهم في الخدمات المجانية، بحيث يتم إعلان التصنيف لأكثر المكاتب نجاحًا في تحقيق هذا المعدل، وبالفعل تسببت هذه الجائزة في ارتفاع الخدمات المجانية وتوسيع السياسات الخاصة بها، بل عينت بعض مكاتب المحاماة مديرًا للخدمات المجانية[49]. وفي المقابل ظهرت دراسات أخرى أن %36 فقط من جميع المحامين في عام 2012 استوفوا الهدف الذي وضعته نقابة المحامين الأمريكية في ميثاق المهنة والذي يتمثل في (50) ساعة من الخدمات المجانية في السنة[50].

وقد اختلف المهنيون في الولايات المتحدة الأمريكية حول مدى إمكانية إلزام المحامين المرخصين بعدد معيّن من الساعات المجانية سنويًا، وقد واجهت هذه المقترحات مقاومة كبيرة من بعض المحامين، وقد جعلت وثيقة نقابة المحامين بشأن المسؤولية المهنية - التي صدرت في السبعينات من القرن الماضي - للخدمات المجانية اعتبارات طموحة لتكون أحد مكونات المسؤولية المهنية، ولا تعد هذه الاعتبارات ملزمة لتنفيذ هذه الخدمات الطموحة، وقد بدأت هذه الفكرة منذ عام 1972 عندما اقترحت إحدى الدراسات أن تكون الخدمات المجانية شرطًا للحصول على رخصة المحاماة، ونتيجة للمقاومة الشرسة لهذا المقترح الذي يتضمن إلزامًا بأداء 40 ساعة سنويًا، تبنت النقابة ما يسمى بميثاق طموح (Aspirational Mandate) لتكون قاعدة غير ملزمة بحيث يتضمن هذا الميثاق هدف تتطلع فيه النقابة لأداء كل محام عددًا غير محدد من الساعات في الخدمات المجانية سنويًا. وفي عام 1993 تمت مراجعة الميثاق المهني مرة أخرى، وبعد مواجهة مقاومة عنيدة، تمكنت النقابة من تعديل الميثاق ليكون عدد الساعات المطلوبة سنويًا من كل محام 50 ساعة من الخدمات المجانية لتحقيق ميثاق الطموح[51].

وتجدر الإشارة إلى أن العديد من الولايات الأمريكية تبنت فكرة رفع تقارير بالخدمات المجانية التي يقدمها المحامون، غير أن تسع ولايات فقط فرضتها بشكل إلزامي، في حين جعلت 13 ولاية رفع التقارير اختياريًا غير إلزامي، أما ولاية نيويورك فهي الولاية الوحيدة التي أصدرت قاعدة إلزامية تشترط فيها على الطلاب - الذين ينوون الالتحاق بمهنة المحاماة - بأن يؤدوا 50 ساعة تطوعية من الخدمات المجانية للقبول في نقابة المحامين[52].

وينبغي لنا أن نشير إلى أن وضع الخطط الإدارية الاستراتيجية في مكاتب المحاماة لضمان المساواة والفعالية في تقديم الخدمات المجانية لا يقل أهمية عن الجانب القانوني، وبدون هذه الخطط الاستراتيجية يجعل من الخدمات المجانية دون جدوى في استهداف الفئات الأكثر ضعفًا وفقرًا واحتياجًا لها؛ حيث أظهرت بعض الدراسات بالولايات المتحدة أن التقارير التطوعية للعديد من المحامين قد تضمنت ساعات مقضاة في نشاطات للنقابة ومجاملات للأصدقاء والعملاء وأعضاء من العائلة وبعض القضايا التي لم يتمكنوا فيها من تحصيل أتعابهم، مما يتبين معه أن هذه المساعدة لا تتوجه بفعالية نحو الفقراء ومتوسطي الدخل أو المؤسسات ذات النفع العام[53]. وقد انتقد البعض عدم وجود تركيز استراتيجي منظم، لدى أغلب مكاتب المحاماة، لوضع معايير موحدة لاختيار الموكلين الفقراء ومحدودي الدخل، مما يؤدي إلى عدم تحقيق الغاية المرجوة من الخدمات المجانية التي يقدمها المحامي، ولا يوجد سوى قليل من مكاتب المحاماة التي تهتم بوضع تقييم منظم لاحتياجات المجتمع، لذا يجب على مكاتب المحاماة، بعد تحديد أولوياتها ومشاريعها، أن تجري تعديلات في هيكليتها لتعكس الصورة الحسنة التي تريد تحقيقها[54].

وقد جاء في أحد أحكام المحكمة العليا في الولايات المتحدة الأمريكية أنها تؤيد الخدمة المجانية كشرط للترخيص لممارسة مهنة المحاماة[55]، مما يدلل على اعتراف النظام القضائي الأمريكي بأهمية هذه الخدمات، وضرورة اعتبارها إلزامية على المحامين.

ولا يستغرب بأن ارتفاع التنافس بين مكاتب المحاماة يؤدي بالضرورة إلى زيادة تهميش الخدمات المجانية[56]، فالتنافس بشكل تجاري يضر بالخدمات المجانية ويتعارض مع مبادئ المهنة، مما يضيع من فرص تعزيز المساعدة القضائية، الأمر الذي يؤدي إلى عدم تعزيز مبدأ المساواة أمام القضاء. وهو ما دفع ببعض فقهاء القانون إلى القول بأنه[57] : "إذا كانت المهنة غير قادرة على تحمل دورها فيجب عدم السماح لها بأن تحتفظ باحتكارها للخدمات القانونية". ويعود سبب ذلك، في رأي هذه الفئة من الفقهاء إلى أن عدم قيام فئة كبيرة من المحامين بتقديم خدمات مجانية في الولايات المتحدة الأمريكية كان سببًا في تقييد وصول فئة الفقراء إلى الخدمات القانونية المدنية، وقد توصلوا إلى ذلك من خلال الباحثين الذين قاموا بدراسة هذه المسألة وانتهوا إلى وجود تقصير من المحامين وفقًا للإحصائيات والمسوح التي قاموا بإجرائها[58].

وتأسيسًا على ذلك، نقترح في هذه الدراسة بأن يصدر تعديل تشريعي لقانون المحاماة يضع حدًا أدنى من مقدار الساعات التي يجب أن يستوفيها كل محام سنويًا لكي يتمكن من تجديد رخصته لدى وزارة العدل، وأرى بألا يقل عدد الساعات عن 30 ساعة سنويًا، إذ بهذه الطريقة نضمن وجود وسيلة معززة للمساعدة القضائية، ونضمن قيام المحامي بواجبه المتمثل في خدمة المجتمع، لكي يسهم في الارتقاء بسمعة المهنة وشرفها.

ولكي نضمن بأن تكون هذه الوسيلة فعّالة يتعين النص في التعديل المقترح بأن يلتزم المحامي في الخدمات المجانية التي يقدمها ببذل عناية لا تقل عن العناية التي يبذلها في الخدمات غير المجانية. إذ على الرغم من أن أصول مهنة المحامي تقتضي منه ذلك أصلًا، يضمن النص عليها صراحة حماية حق الفئة المستضعفة من أي تهاون أو تقصير في الخدمات التي يقدمها المحامي. وفضلا عن وجوب تعاون المؤسسات ذات النفع العام مع مكاتب المحاماة في تقييم وضع المتقدم، والتأكد من حاجته إلى محام لاقتضاء حقه، يجب على المحامي أيضًا أن يتحقق من وجود دعوى جدية تحتوي على أساس قانوني متين.

كما أن الخدمات المجانية التي يقدمها المحامي تتضمن المشاركة مع كليات القانون في الجامعات، وتدريب الطلبة على مهنة المحاماة، كما سنرى في المطلب الثاني.

المطلب الثاني: الوسائل المتعلقة بالعيادات القانونية في المؤسسات التعليمية.

ازداد اهتمام كليات القانون بإنشاء العيادات القانونية، بحيث تحمل على عاتقها أداء خدمات مجانية عامة في المجالات القانونية، وتوجد العديد من الدول العربية من تبنت مثل هذه العيادات وذلك للفوائد العديدة التي تتضمنها والتي تتمثل في دورها الاجتماعي القيم في تقديم الخدمات القانونية المجانية لمحدودي الدخل والفقراء بالإضافة إلى تحقيق أهداف تعليمية عملية، مما يسهم في تحقيق العدالة الاجتماعية وضمان الحق في التقاضي لجميع فئات المجتمع[59]. ويذهب البعض إلى أن لكليات القانون التزام أخلاقي بطرح مادة تدرس في فصل دراسي تعنى بمساعدة الطلاب على توفير خدمات قانونية للفقراء[60].

ويعود إدراج العيادة القانونية في المناهج بكليات القانون بالعديد من المميزات والمنافع التي تؤتي ثمارها على طلبة القانون والفقراء ممن هم بحاجة إلى خدمات قانونية. فيمكن للطلبة في العيادات القانونية أن يقدموا مساعدة قانونية تحت إشراف محام كفء وعضو هيئة تدريس، وقد عبرت العديد من المحاكم العليا في الولايات المتحد الأمريكية عن دور الطلبة في تقديم الخدمات القانونية للفقراء. ففي قضية Argersinger v. Hamlin أورد القاضي برينان في الحكم الصادر عام 1972 بالمحكمة العليا بالولايات المتحدة: "أرى من الواضح أن طلاب القانون يمكن أن يقدموا مساهمة عظيمة، كمًّا ونوعًا، في تمثيل الفقراء في العديد من المناطق، بما يتضمنه من قضايا تنظر في حكم اليوم"[61]، ويعد ذلك اعترفًا من القضاء بأهمية دور كليات القانون في المساعدة القضائية، وبخاصة في إطار القانون المدني؛ حيث تتمثل قيمة العيادة القانونية في تقديم الطلاب للمساعدة القانونية في الدعاوى المدنية، ويعود السبب في ذلك إلى أن الحماية الدستورية تقتصر على الحق في توفير محام في القضايا الجنائية فقط، فعلى الرغم من ضرورة المساعدة القانونية في أغلب القضايا المدنية، يلاحظ تركيز العيادات القانونية على القضايا الجنائية دون القضايا المدنية[62].

علاوة على ما سبق، فإن الخبرات التي يكتسبها الطلبة والتدريب على الخدمات المجانية ستشجعهم للمشاركة بها مرة أخرى بعد قبولهم كمحامين مقيدين، كما أن التدريب على هذه الخدمات سيلغي الشعور بالخوف من المجهول الذي يشل العديد من المحامين ذوي النوايا الطيبة. بحيث يمكن لكليات القانون تحفيز الطلبة على الخدمات المجانية في المستقبل من خلال استشعارهم بحاجات الفقراء، كما أنّها تطور أخلاقيات الطلبة وقيمهم وعلاقاتهم مع العملاء وكذلك عادات العمل وإدراك دورهم المهني. فضلا عن كون عمل الطلبة في قضية مع محام مرخص، يؤثر إيجابيًا على إدراكهم واجباتهم المهنية، كما يزيد من قدراتهم على تحمل واجباتهم المهنية كمحامين، ويتعلمون أن العلاقة الشخصية بين المحامي والموكل يمكنها التأثير على أدائهم. فالمهارات المهنية في التحكم بالشعور العاطفي الشخصي تجاه الموكل، لا يمكن تعليمها من خلال الكتب، كما أن التقيد بمواعيد المحاكم والحضور يعلم الطلبة عادات العمل الجدية. وفي المقابل سينتقل الطالب بسرعة من لعب دور المحامي إلى أن يكون محاميًا بحق، كما سيسهم العمل في العيادات القانونية في تقييمهم لخياراتهم المهنية بذكاء، من خلال السماح لهم بتقييم قدراتهم في الأداء بدلًا من الاكتفاء بالنظريات[63].

ولا يقتصر النفع من العيادات القانونية على الطلبة فحسب بل يعود النفع على المهنة بشكل كبير، بحيث تجعل العيادات القانونية خريجي القانون أكثر قدرة في الحصول على نتائج أكثر في وقت أقل. فضلا عن كون استخدام مصادر كليات القانون، يزيد جهود الخدمات المجانية في قطاع المحاماة، وجعلها فعالة بصورة أكبر. كما أن إدراك العامة للمهن القانونية مؤشر هام على النزاهة المهنية، بالإضافة إلى أن زيادة الخدمات المجانية للمحامين المساهمين في العيادات القانونية يحسّن الصورة العامة للمهنة، ويفعّل التزام المحاماة بالدفاع عن الفقراء بطريقة تدعم معايير خدمة المجتمع في مهنة المحاماة[64].

ومن خلال الممارسات العملية لتولي كليات القانون الخدمات المجانية في الولايات المتحدة الأمريكية، يتضح وجود منهجين للعيادات القانونية، وهما كالآتي:

أوّلا: منهج تولين (The Tulane Method): في عام 1987 بدأت كلية القانون بتولين ببرنامج يقوم فيه الطلبة بإنهاء (20) ساعة من الخدمات القانونية المجانية كمتطلب للتخرج، بحيث يقومون بأعمال البحث والمقابلات، ولكن دون أن يقوموا بممارسة المحاماة مباشرة أو يقومون بإعطاء استشارات قانونية، وينفذ البرنامج من خلال شهادة تعطى للطلبة من قبل المحامي المرخص، الذي يفترض قيامه بواجب مراقبتهم وتعليمهم، فلا يوجد في هذا المنهج أي مواد تطرح في قاعة دراسية، ولا يرتبط بساعات مكتسبة، لذا يمتاز بأنه يقلل من الدور الإداري لكلية القانون؛ حيث يقوم المحامي بالدور الأكبر في الإشراف على الطلبة، مما يؤدي إلى تقليل النفقات مقارنة بالمنهج الكامل للعيادات القانونية[65].

ثانيًا: منهج العيادة القانونية (The Clinical Method): وهو منهج يعد متطلبًا بساعات مكتسبة للطلبة، تقوم فيه كلية القانون بتحديد مواصفات البرنامج، وقد يختلف برنامج عن آخر، غير أن البرنامج التقليدي تكون المشاركة فيه على ثلاث مستويات: الطالب، والمحامي المشرف (محام متطوع)، وعضو هيئة تدريس متفرغ للبرنامج، بحيث يكون للطلبة إشراف مباشر من قبل المحامي، والمحامي يمكنه استشارة عضو هيئة التدريس الذي يدير البرنامج، والذي يكون على قدر كاف من الخبرات المهنية، وعادة ما يعادل هذه البرامج (3) ساعات مكتسبة. ويفضل أن يطرح البرنامج للطلبة ابتداءً من السنة الثالثة، ويقتضي بأن يلتزم الطالب فيها بالعمل مدة ثلاثة ساعات تقريبًا في الأسبوع، وساعة مراجعة في قاعة دراسية، ويشرف المحامي المتطوع مباشرة على عدد بسيط من الطلبة ويكون مسؤولًا عن كل قضية يعملون فيها، ويشرف أعضاء هيئة التدريس على المهام التي يقوم بها الطلبة، بما فيها مراجعة أعمالهم أسبوعيًا في قاعة دراسية بحيث يضمنون اتصالهم بالمحامي الذي يعملون تحت إشرافه. كما يمكن لعميد الكلية تشكيل لجنة للاستعانة بمتطوعين من خريجي الكلية، ممن لديهم الرغبة في الإشراف على أعمال الطلبة، بمعدل خمس ساعات أسبوعية، ويمكن للجنة التواصل مع منظمات ومؤسسات ذات نفع عام للبحث عن أسماء المحامين، ممن لديهم خبرات تطوعية للاستعانة بهم في البرنامج، ويمكن أن يكونوا محامين متطوعين يشرفون على الطلبة، كما يمكن تعيينهم كأعضاء هيئة تدريس يديرون البرنامج[66].

        وتعتمد البرامج السابقة على الميزانيات المتوافرة للكليات؛ فالكليات التي تتوافر بها ملاءة مالية كافية يمكن لها أن تعتمد منهج العيادة القانونية، في حين يمكن للكليات محدودة الدخل الاكتفاء بمنهج تولين.

        ولا يمكن للبرامج السابقة أن تؤتي ثمارها عندما لا يعلم عنها الناس، فعدم وصول الفقراء إلى العدالة غالبًا ما يكون مرتبطًا بغياب المعرفة القانونية وبالمؤسسات التي تقدم الرعاية القانونية، والحقوق القانونية، لذا يجب مراعاة نقص المعرفة بتوفير الوعي القانوني الأساسي للعامة[67]. ولا يتأتى ذلك سوى بتكاتف المؤسسات ذات النفع العام والمنظمات والجمعيات الخيرية، وإنشاء منظمات حقوقية لفئة الفقراء والمستضعفين ومحدودي الدخل ليتمكنوا من اللجوء إلى المساعدة القانونية حينما يحتاجونها، فمن غير المتصور أن يتحقق مبدأ المساواة أمام القضاء وتتحقق العدالة لجميع أبناء المجتمع سوى بتكاتفه وتقديم كافة أشكال العون القانوني وغير القانوني.

        وقد بدأت كلية القانون بجامعة قطر بتدريس مقرر العيادة القانونية منذ ربيع 2012، وذلك لمواكبة التحديثات المستجدة لتخصص القانون، وبذلت جهودًا مقدرة حيث بدأت بالنظر في صياغة قانون نموذجي في مجال العنف المنزلي وحقوق العمال، وتمثلت أنشطة العيادة القانونية في تقديم المساعدة القانونية للفئات الضعيفة في المجتمع القطري من خلال التمثيل القانوني وتنفيذ المشاريع القانونية في الصياغة التشريعية والإصلاح القانوني، ورفع مستوى الوعي بالحقوق القانونية من خلال برنامج قانون الشارع وغيرها من الأنشطة القانونية[68].

        وقد يثار التساؤل حول مدى تلاءم القانون القطري مع برامج العيادات القانونية، ففي حين أن بعض الولايات المتحدة تجبر خريجي القانون على اجتياز عدد من الساعات قبل حصولهم على ترخيص بممارسة مهنة المحاماة، كما أسلفنا، لا يجيز قانون المحاماة القطري قيام الطلبة بأعمال التمثيل القانوني، فقد نص في المادة (3) على أنه "لا يجوز لغير المحامين مزاولة مهنة المحاماة، ويعتبر من أعمال المهنة ما يلي: 1- الحضور عن ذوي الشأن أمام المحاكم، والنيابة العامة، وهيئات التحكيم، والجهات الإدارية ذات الاختصاص القضائي، وجهات التحقيق الجنائي والإداري، والدفاع عنهم في الدعاوى التي ترفع منهم أو عليهم، والقيام بأعمال المرافعات والإجراءات القضائية المتصلة بذلك. 2- إبداء الرأي والمشورة القانونية. 3- صياغة العقود، واتخاذ الإجراءات اللازمة لتسجيلها أو توثيقها".

        ويمكن القول بضرورة تعديل المادة (4) والتي تتضمن الاستثناءات، لتضيف استثناءً ثالثًا لطلبة كليات القانون بعد اجتيازهم السنة الثالثة، حتى يتمكنوا من الحضور والقيام بجميع الخدمات التي تتضمنها مهنة المحاماة، وفق الشروط التي ذُكرت بنظام العيادة القانونية، بما في ذلك اشتراط مضي ثلاث سنوات في الكلية لضمان جودة الخدمات التي تقدم بالعيادة. ويرجع ذلك إلى المميزات التي سبق ذكرها، والتي تعود بالنفع على المهنة والطلبة والفقراء المستفيدين، لتكون وسيلة تعزيزية لنظام المساعدة القضائية.

الخاتمة

توصل البحث إلى النتائج والتوصيات التالية:

أولًا: النتائج

لا أحد ينكر دور نظام المساعدة القضائية في مساعدة الفقراء ومحدودي الدخل للوصول إلى العدالة، لذا استعرض البحث شروط استيفاء المساعدة القضائية والتحديات التي تواجهها، وقد عرض البحث عددًا من الوسائل التي تعزز نظام المساعدة القضائية لتوسيع نطاق استفادة المعوزين، من خلال الأنظمة المقارنة.

-      تبين من بحثنا هذا أن نظام المساعدة القضائية في القانون القطري لا يوفر المساعدة الكافية للفئات المستضعفة في إطار القانون المدني، ويعود سبب ذلك إلى أن النفقات القضائية لا تقتصر على أتعاب المحامين فحسب؛ بل تشمل أتعاب الخبرة ونفقات الانتقال ومصاريف الأوراق وغيرها من رسوم ونفقات، كما توصل البحث إلى أن الإعسار الفعلي لا يوفر حماية كافية للدائن والمدين على حد سواء، فالإعسار القانوني يعين اللجنة في قراراتها لأنه يسهل إثباته وبإمكان اللجنة التحقق منه بسهولة ويسر.

-      وقد أكدت الدراسة بأن المصاريف القضائية العديدة تؤثر على مبدأ المساواة أمام القضاء وضمان حق التقاضي للفئات الضعيفة، مما يؤدي بالضرورة إلى عزوفهم عن المطالبة بحقوقهم لعدم توافر القدرة والملاءة المالية، كما أن أحكام الإعفاء من الرسوم القضائية لا يتضمن آلية للإعفاء من أتعاب الخبرة التي لا تخلو الدعاوى المدنية من حاجة ماسة إليها لإثبات حقوق الضعفاء، مما يؤكد على عدم كفاية نظام المساعدة القضائية توفير قدر كاف من الحماية القانونية لهذه الفئة.

-      وقد استخلصنا في هذا البحث بأن نظام المساعدة القضائية بحاجة إلى وسائل لتعزيز فعاليته، فهو بذاته لا يملك القدرة على توفير الحماية الكافية للفئات الضعيفة، وتتعلق هذه الوسائل بمهنة المحاماة والعيادات القانونية في كليات القانون.

-      كما استعرضت الدراسة نظام الأتعاب الاضطرارية المعروف في النظام القانوني للولايات المتحدة الأمريكية، وناقشت مميزاته والانتقادات التي طالته، وانتهت إلى أن مثل هذا النظام يمنح الفئات المستضعفة إمكانية الوصول إلى النظام القضائي، ويمثل وسيلة تعزيزية هامة لنظام المساعدة القضائية، لأنه يمكّن الفقراء من جرّ أعتى الشركات قوة وملاءة إلى قاعات المحاكم، ويشكّل ضمانة لحقوقهم، مما يؤدي بطبيعة الحال إلى ترسيخ مبدأ المساواة أمام القضاء. ولا يوجد ما يمنع من أن يتفق المحامي مع موكله على أن يجعل التزامه بتحقيق نتيجة، بخلاف المتعارف عليه من أن التزام المحامي هو التزام ببذل عناية، بيد أن النسبة التي أجاز المشرع بأن يقوم اتفاق المحامي مع موكله على أساسها عند نجاح الدعوى هي %10 كحد أقصى، وبذلك تكون غير كافية لإقرار نظام الأتعاب الاضطرارية في النظام القانوني القطري.

-      وقد توصلت الدراسة إلى أن المحامي ملتزم أخلاقيًا بأن يسهم في تعزيز نظام المساعدة القضائية من خلال خدمة مجتمعه عن طريق تبنيه لعدد من الدعاوى المجانية للفقراء والمساكين ومتوسطي الدخل، الذين لا يتمكنون من المطالبة بحقوقهم نتيجة ارتفاع مصاريف الدعاوى، الأمر الذي يعزز من مكانة المحاماة في المجتمع ويحسّن الصورة السائدة عنها.

-      كما أن دور كليات القانون التي تُضمِّن في خططها الدراسية مادة تعنى بالمساعدة القانونية، يسهم في عدم تركيز المساعدة القانونية في الجانب الجنائي دون الجانب المدني الذي لا يقل ضرورة وأهمية عن القضايا الجنائية، فالفوائد التي تحققها برامج العيادات القانونية تعود على الطلبة وعلى المهنة فضلًا عن الفئات الضعيفة.

ثانيًا: التوصيات

تأسيسًا على ما سبق، توصل البحث إلى عدة توصيات نجملها في الآتي:

-      تعديل قانوني المحاماة والمرافعات المدنية والتجارية القطريين وذلك بإعفاء المتقاضي بحكم القانون من الرسوم القضائية تلقائيًا، عند صدور قرار من لجنة المساعدة القضائية بندب محام لشخص عاجز عن دفع أتعاب المحامي، وذلك تسهيلًا للإجراءات على الفئات الفقيرة ومحدودي الدخل، باعتبار أن عدم قدرتهم على دفع أتعاب المحامين يمتد بالضرورة ليشمل الرسوم القضائية.

-      وضع برامج توعوية للمجتمع ببرامج المساعدة القضائية والإشكاليات التي يمكن أن تحل قانونًا. فإذا كان الفقراء لا يعلمون بوجود لجنة كهذه أو لا يملكون المعرفة القانونية التي تؤهلهم لفهم مشاكلهم القانونية، لا يمكن لهم اللجوء لها، ويعزفون بذلك عن المطالبة بحقوقهم، مما يخل بمبدأ المساواة أمام القضاء.

-      تدخل تشريعي في قانون المحاماة لإزالة التعارض بين نص المادة (37) والمادة (52)، وتعديل نسبة الأتعاب لتكون أكثر من ثلث قيمة ما يحكم به في الدعوى، وذلك لكي تكون كافية للتعاقد بنظام الأتعاب الاضطرارية، وذلك للمزايا التي يحققها هذا النظام في وصول الفقراء ومحدودي الدخل إلى قاعات المحاكم، ومجابهة الشركات الكبرى للمطالبة بحقوقهم، فبدون هذا النظام في الولايات المتحدة الامريكية لم يتمكن العديد من الفقراء والعمال وغيرهم من المطالبة بحقوقهم أمام أعتى الشركات، وما لا يدرك كله لا يترك جله.

-      في حال عدم رغبة المشرع في التعديل السابق، يقترح الباحث استثناء ضحايا الأضرار الجسدية من منع التعاقد بنظام الأتعاب الاضطرارية، وذلك لخطورة آثارها على الأفراد، فهي تصيب حق الفرد في حماية جسده الذي يعد أغلى ما يملكه أي فرد.

-      تعديل قانون المحاماة لتكون الخدمات مجانيةً للفقراء، بحيث يكون هناك حد أدنى، لا يقل عن 30 ساعة، يجب أن يستوفيها كل محام سنويًا في الخدمات المجانية للفقراء والمحتاجين، وتكون شرطًا لتجديد رخصة ممارسة مهنة المحاماة، وذلك لأهمية الخدمات المجانية في تعزيز المسؤولية المجتمعية وضمان حق الفئات المستضعفة في الوصول إلى المحاكم، ويتعين ألا يقل جهد المحامي فيها عن القضايا غير المجانية، كما يجب أن تتعاون المؤسسات ذات النفع العام مع مكاتب المحاماة في تقييم وضع المتقدم، والتأكد من حاجته إلى محام للمطالبة بحقه، كما يتعين أن يتأكد المحامي من وجود أساس متين للدعوى القضائية.

-      تعديل المادة (4) من قانون المحاماة لتضيف استثناءً لطلبة كلية القانون، المسجلين في برامج العيادات القانونية بعد اجتيازهم السنة الثالثة، ليتمكّنوا من الحضور والمرافعة وتقديم الاستشارات وكتابة المذكرات القانونية، بإشراف محامٍ مرخصٍ، وذلك للقيام بتقديم خدماتهم للفقراء وتعزيز خبراتهم المهنية.


 

المراجع

أولًا: العربية

1- الكتب والمقالات:

الأسدي، علي عبد العالي. "أتعاب المحاماة الاتفاقية في الدعوى المدنية: دراسة تحليلية تأصيلية مقارنة"، مجلة الكوفة للعلوم القانونية والسياسية، جامعة الكوفة، كلية القانون، مج11، ع36، (2018).

بن مشري، عبد الحليم. "كفالة الحق في التقاضي عن طريق المساعدة القضائية"، مجلة الاجتهاد القضائي، مخبر أثر الاجتهاد القضائي على حركة التشريع، جامعة محمد خيضر بسكرة، ع9، (2013).

جراد، أحمد بلحاج ومسرار، سوفيان. النظرية العامة للالتزام في القانون القطري، الجزء الثاني، ط1، كلية الشرطة، الدوحة، 2020.

الحيدري، منصور عبدالرحمن. "العوامل المؤثرة في تقدير أتعاب المحاماة"، مجلة القضائية، ع7، 2013.

زغلول، بشير سعد. "الحماية الجنائية الاجرائية للمحامي أثناء مزاولة المهنة: دراسة مقارنة في القانونين القطري والمصري"، المجلة القانونية والقضائية، مركز الدراسات القانونية والقضائية، وزارة العدل، ع2، السنة 12، (2018).

السيد، حسن والحجايا، نور. التنظيم القانوني لمهنة المحاماة في دولة قطر: دراسة مقارنة مع قانون نقابة المحامين النظاميين الأردني، ط1، دار النهضة العربية، القاهرة، 2011.

صاوي، أحمد السيد. الوسيط في شرح قانون المرافعات المدنية والتجارية، ط1 [د. ن]، القاهرة،2011.

الفضل، منذر. "التجربة الطبية على الجسم البشري ومدى الحماية التي يكفلها القانون المدني والقوانين العقابية والطبية"، مجلة الكوفة للعلوم القانونية والسياسية، ع7، مج2، (2010).

كنول، غابرييلا. مجلس حقوق الإنسان، الدورة التاسعة والعشرون، البند 3 من جدول الأعمال، الأمم المتحدة، الجمعية العامة، تقرير المقررة الخاصة المعنية باستقلال القضاة والمحامين، تقرير رقم: A/HRC/29/26/Add.1، 31 مارس 2015.

محجوب، جابر. قواعد أخلاقيات المهنة مفهومها، أساس التزامها ونطاقه: دراسة مقارنة، ط2 [د. ن]، دار نشر، القاهرة، 2001.محمد، فايز. "سيادة القانون والحق في التقاضي والمساعدة القانونية"، المؤتمر السنوي الدولي الخامس لكلية الحقوق: العدالة بين الواقع والمأمول، جامعة الإسكندرية، كلية الحقوق، مج2، الإسكندرية، (2012).

ملحم، باسم محمد. "الإعسار في القانون المدني: بين غياب التنظيم التشريعي وترتيب بعض الآثار"، المجلة الدولية للقانون، دار جامعة حمد بن خليفة للنشر، ع2، (2017).

2- التشريعات:

قانون الإجراءات الجنائية، دولة قطر، الصادر بالقانون رقم (23) لسنة 2004، الجريدة الرسمية، العدد 12، المنشور بتاريخ 29/8/2004م

قانون الأحداث، دولة قطر، الصادر بالقانون رقم (1) لسنة 1994، الجريدة الرسمية، العدد 2، المنشور بتاريخ 1/1/1994.

قانون العمل، دولة قطر، الصادر بالقانون رقم (14) لسنة 2004، وتعديلاته، الجريدة الرسمية، العدد 9، المنشورة بتاريخ 6/7/2004.

قانون المحاماة، دولة قطر، الصادر بالقانون رقم (23) لسنة 2006، المعدل، الجريدة الرسمية، العدد 8، المنشور في 28/8/2006.

القانون المدني، دولة قطر، الصادر بالقانون رقم (22) لسنة 2004، الجريدة الرسمية، العدد 11، المنشور في 8/8/2004.

قانون المرافعات المدنية والتجارية، دولة قطر، رقم (13) لسنة 1990، وتعديلاته، الجريدة الرسمية، العدد 13، المنشورة بتاريخ 1/1/1990.

قانون نظام انتخاب مجلس الشورى القطري الصادر بالقانون رقم (6) لسنة 2021، الجريدة الرسمية، العدد 10، المنشورة بتاريخ 8/8/2021.

ثانيًا: الأجنبية

References:

Al-Asadī, ʿalī ʿabd al-ʿālī. "atʿāb al-muḥāmāh al-itifāqiyah fī al-dʿawī al-madanīah: dirāsah talīlīah tʾaṣīlīah muqārnah" (in Arabic), Majallat al-kūfah lilʿulūm al-qānūnīah wa-lisīāsīah, jāmiʿat al-kūfah kulīat al-qānūn, mujallad 11, Adad 36, 2018.

Al-Fail, mundhir. "āltjrubah al-ibīah ʿala al-jism al-basharī wa-madá al-imāīah allatī yakfalahā al-qānūn al-madanī wa-alqānūnīn al-ʿiqābīah wa-alibīah" (in Arabic), Majallat al-kūfah lilʿulūm al-qānūnīah wa-alsīāsīah, Adad 7, mujallad 2, 2010.

Al-aydary, manṣūr ‘bd al-raman. "al-‘awamil al-mu’athirah fī taqdīr at’āb al-mūhamah", (in Arabic), Majallat al-qaḍāʾīah, ‘a7, 2013.

Al-Sayyid, asan wa-alajāyā, Nūr. al-tanẓīm al-qānūnī limihnat al-muḥāmāh fī dawlat qaar: dirāsah muqārnah mʿ qānūn niqābat al-muḥāmin al-niẓāmayin al-ʾūrdnī (in Arabic), 1st ed., dār al-nahah al-ʿarbīah, al-qāhirah, 2011.

Bernard S. Black et al. Medical Malpractice Litigation: How it Works, Why Tort Reform Hasn't Helped. Cato Institute eds., 1st ed. 2021.

Bin mashrī, ʿabd al-līm. "kafāl al-aq fī al-tqāḍī ʿan arīq al-musāʿdat al-qaḍāʾīah" (in Arabic), Majallat al-ijtihād al-qaḍāʾī - mikhbar athar al-ijtihād al-qaḍāʾī ʿalā arakt al-tashrīʿ, jāmiʿa muamad ẖīḍr baskarah, Adad 9, 2013.

Bloch, Frank S. Access to Justice and the Global Clinical Movement, 28 Wash. U. J. L. & Poly 111 (2008).

Brickman, Lester. Effective Hourly Rates of Contingency-Fee Lawyers: Competing Data and Non-Competitive Fees, 81 Wash. Univ. L. Rev. 653 (2003).

Daniel Moeckli et al. eds, International Human Rights Law 184. Oxford Univ. Press, 2nd ed. 2014.

Faith-Slaker, April. What We Know and Need to Know about Pro Bono Service Delivery, 67 S. C. L. Rev. 267 (2016).

Jrād, amad bilḥāj wa-misrār, sūfīān. al-naaryah al-ʿāmah lil-iltizām fī al-qānūn al-kaarī, al-jzʾ al-thānī (in Arabic), 1st ed., kullīyat al-shūrah, al-dawah, 2020.

Kritzer, Herbert M. The Wages of Risk: The Returns of Contingency Fee Legal Practice, 47 DePaul L. Rev. 267 (1998).

Majūb, jābir. Qwāʿd akhlāqyāt al-mihnah mafhūmahā, asās iltizāmahā wa-niṭāqahā: dirāsah muqārnah (in Arabic), 2nd ed., dūn dār nashr, al-qāhirah, 2001.

Martin II., Frederick J. Law Schools Pro Bono Role: A Duty to Require Student Public Service, 17 Fordham Urb. L. J. 359 (1988).

McClellan, Frank M. Medical Malpractice: Law, Tactics, and Ethics. Temple Univ. Press ed., 1994.

Milim, bāsim muamad. "al-iʿsār fī al-qānūn al-madanī: baīn ghīāb al-tnẓīm al-tashriʿī wa-tartiīb baʿḍ al-ʾāthār" (in Arabic), al-majallah al-duwalīah lil-qānūn, dār jāmiʿat amad bin khalīfah lil-nashr, Adad 2, 2017.

Muamad, fāīz. "sīādat al-qānūn wa-alaq fī al-taqāḍī wa-almusāʿadat al-qānūnīah"(in Arabic), al-muʾtamar al-sanawī al-dawlī al-khāmis li-kulliyat al-uqūq: al-ʿadālah baīn al-wāqiʿ wa-almaʾamūl, jāmiʿat al-iskndarīah kulliyat al-qūq, mujallad 2, al-iskndarīah, 2012.

Plegalis, Steven. American Law of Medical Malpracticw. Thomson/West ed., 3rd ed. 2005.

Pruitt, Lisa R. & Bradley E. Showman, Law Stretched Thin: Access to Justice in Rural America, 59 S. L. Rev. 446, (2014).

Rhode, Deborah L. Rethinking the Public in Lawyers Public Service: Pro Bono, Strategic Philanthropy, and the Bottom Line, 77 Fordham L. Rev. 1435 (2009).

Sakes, Michael J. & Stephan Landsman. Closing Death’s Door: Legal Innovations to end the Epidemic of Healthcare Harm. Oxford Univ. Press ed., 2021.

Ṣāwy, amad al-sayyid. Al-wasi fī shar qānūn al-murāfʿāt al-madnīah wa-al-tijārīah, (in Arabic), 1st ed., dūn dār nashir, al-qāhirah, 2011.

Wennihan, Angela. Let's Put the Contingency Back in the Contingency Fee, 49 S.M.U. L. Rev. 1639 (1996).

Young, Kathryne M. What the Access to Justice Crisis Means for Legal Education, 11 UC Irvine L. Rev. 811 (2021).

Zaghlūl, bashīr saʿad. "al-imāīah al-jināʾīah al-ijrāʾīah lil-muḥāmī athnāʾ muzāwalat al-mihnah: dirāsah muqārnah fī al-qānūnīn al-qaarī wa-al-mirī", (in Arabic), al-majallah al-qānūnīah wa-al-qaḍāʾīah, markaz al-dirāsāt al-qānūnīah wa-al-qaḍāʾīah, wazārt al-ʿadil, Adad 2, al-sanah 12, 2018.



[1] أحمد السيد صاوي، الوسيط في شرح قانون المرافعات المدنية والتجارية، ط1 [د. ن]، القاهرة،2011، ص51.

[2] عبد الحليم بن مشري، "كفالة الحق في التقاضي عن طريق المساعدة القضائية"، مجلة الاجتهاد القضائي - مخبر أثر الاجتهاد القضائي على حركة التشريع، جامعة محمد خيضر بسكرة، ع9، (2013)، ص37.

[3] أحمد السيد صاوي، مرجع سابق، ص63 -67.

[4] انظر: المادة (35) من الدستور الدائم لدولة قطر التي تنص على أن "الناس متساوون أمام القانون. لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس، أو الأصل، أو اللغة، أو الدين".

[5] انظر: فايز محمد، "سيادة القانون والحق في التقاضي والمساعدة القانونية"، المؤتمر السنوي الدولي الخامس لكلية الحقوق: العدالة بين الواقع والمأمول، جامعة الإسكندرية كلية الحقوق، مج 2، (2012)، الإسكندرية، ص1263.

[6] انظر: المادة (3) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم (23) لسنة 2006، وتعديلاته التي تنص على أنه "لا يجوز لغير المحامين مزاولة مهنة المحاماة، ويعتبر من أعمال المهنة ما يلي: 1- الحضور عن ذوي الشأن أمام المحاكم، والنيابة العامة، وهيئات التحكيم، والجهات الإدارية ذات الاختصاص القضائي، وجهات التحقيق الجنائي والإداري، والدفاع عنهم في الدعاوى التي ترفع منهم أو عليهم، والقيام بأعمال المرافعات والإجراءات القضائية المتصلة بذلك. 2- إبداء الرأي والمشورة القانونية. 3- صياغة العقود، واتخاذ الإجراءات اللازمة لتسجيلها أو توثيقها ".

انظر: قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم (23) لسنة 2006، المعدل، الجريدة الرسمية، العدد 8، المنشور في 28 أغسطس 2006، دولة قطر، ص228.

[7] انظر: أحمد بلحاج جراد وسوفيان مسرار، النظرية العامة للالتزام في القانون القطري، الجزء الثاني، ط1، كلية الشرطة، الدوحة، 2020، ص57.

[8] القانون المدني الصادر بالقانون رقم (22) لسنة 2004، الجريدة الرسمية، العدد 11، المنشور في 8 أغسطس 2004، دولة قطر، ص364.

[9] تنص المادة (537) من قانون المرافعات المدنية والتجارية القطري رقم (13) لسنة 1990، وتعديلاته، على أنه "يحصل رسم ثابت قدره مائة ريال على دعاوى ومنازعات الأحوال الشخصية بكافة أنواعها، ما لم تكن من دعاوى النفقات، فلا تستحق عليها رسوم".

انظر: الجريدة الرسمية، العدد 13، المنشورة بتاريخ 01 يناير 1990، ص2967.

[10] تنص المادة (10) من قانون العمل القطري الصادر بالقانون رقم (14) لسنة 2004، وتعديلاته، على أن "جميع الدعاوى التي يرفعها العمال أو ورثتهم للمطالبة بالحقوق الناشئة عن أحكام هذا القانون، أو عن عقد العمل، يكون نظرها على وجه السرعة وتعفى من الرسوم القضائية".

انظر: الجريدة الرسمية، العدد 9، المنشورة بتاريخ 6 يوليو 2004، ص229.

[11] تنص الفقرة الثالثة من المادة (8) من قانون نظام انتخاب مجلس الشورى القطري الصادر بالقانون رقم (6) لسنة 2021 على أنه "ويجوز لمن رُفض اعتراضه أو تظلمه الطعن بغير رسوم في قرار اللجنة خلال ثلاثة أيام من تاريخ إخطاره على عنوانه الوطني أو انقضاء المدة المشار إليها في الفقرة السابقة دون رد، أمام الدائرة الإدارية الاستئنافية بمحكمة الاستئناف، وتفصل الدائرة في الطعن خلال خمسة أيام من تاريخ قيده لـديها، ويكون حكمها نهائيًا غير قابل للطعن عليه".

انظر: الجريدة الرسمية، العدد 10، المنشورة بتاريخ 8 أغسطس 2021، ص3.

[12] انظر: المادة (62) من قانون المحاماة القطري والتي تنص على أنه "للمحكمة المنظور أمامها الدعوى، وللنيابة العامة في مرحلة التحقيق، ندب أحد المحامين لتقديم المساعدة القضائية، في الحالات ووفقًا للأحكام المنصوص عليها في المادة السابقة".

أما الحالة الخامسة، فتتضمن الحالات التي يوجب فيها القانون تعيين محام، عن متهم أو حدث لم يقم باختيار محام للدفاع عنه؛ إذ تنص المادة (221) من قانون الإجراءات الجنائية القطري الصادر بالقانون رقم (23) لسنة 2004 على أنه "يجب أن يكون لكل متهم بجناية محام يدافع عنه، وإذا لم يوكل المتهم محاميًا، وجب على المحكمة أن تندب محاميًا للدفاع عنه"، وتنص المادة (32) من قانون الأحداث القطري الصادر بالقانون رقم (1) لسنة 1994 على أنه "يجب أن يكون للحدث المتهم في جناية محام فإذا لم يكن قد اختار محاميًا، ندبت المحكمة أحد المحامين للدفاع عنه. وفي هذه الحالة تقدر المحكمة الأتعاب المناسبة، وتدفع من الاعتماد المالي الذي يخصص لهذا الغرض في موازنة المحاكم العدلية، على أن تتولى تحصيله من الحدث حال قدرته على السداد".

وما يمكن ملاحظته من المادة السابقة هو أن قانون المحاماة لم يقصر المساعدة القضائية على الجانب الجنائي بل يمتد ليشمل جميع الدعاوى عندما تتوافر أي من الحالات السابقة، غير أن ندب المحامي في الجنايات وجوبي عندما لا يختار المتهم من يمثله.

انظر: قانون الإجراءات الجنائية، دولة قطر، الصادر بالقانون رقم (23) لسنة 2004، الجريدة الرسمية، العدد 12، المنشور بتاريخ 29/08/2004.

قانون الأحداث، دولة قطر، الصادر بالقانون رقم (1) لسنة 1994، الجريدة الرسمية، العدد 2، المنشور بتاريخ 1/1/1994.

[13] انظر: الطعن رقم 21 لسنة 2006، جلسة 21 يونيو 2006 محكمة التمييز القطرية: المواد المدنية والتجارية.

[14] انظر: حسن السيد ونور الحجايا، التنظيم القانوني لمهنة المحاماة في دولة قطر: دراسة مقارنة مع قانون نقابة المحامين النظاميين الأردني، ط1، دار النهضة العربية، القاهرة، 2011، ص124-125.

[15] انظر: في تفصيل ذلك باسم محمد ملحم، "الإعسار في القانون المدني: بين غياب التنظيم التشريعي وترتيب بعض الآثار"، المجلة الدولية للقانون، دار جامعة حمد بن خليفة للنشر، ع 2، (2017)، ص9.

[16] المرجع السابق، ص5.

[17] المرجع السابق، ص13-14.

يرى الدكتور باسم ملحم بأن هناك سببين لعدم تنظيم المشرع للإعسار القانوني، أولهما أن قد يكون إغفالًا غير متعمد من المشرع وهو ما يرجحه، والثاني قناعة المشرع بنجاعة وسائل الحفاظ على الضمان العام للدائنين وهو ما نرجحه نحن في بحثنا هذا.

[18] فايز محمد، مرجع سابق، ص1272-1273.

[19] فايز محمد، المرجع السابق، ص1270.

[20] غابرييلا كنول، مجلس حقوق الإنسان، الدورة التاسعة والعشرون، البند 3 من جدول الأعمال، الأمم المتحدة، الجمعية العامة، تقرير المقررة الخاصة المعنية باستقلال القضاة والمحامين، تقرير رقم: A/HRC/29/26/Add.1، 31 مارس 2015، ص18.

[21] فايز محمد، مرجع سابق، ص1276.

[22] غابرييلا كنول، مرجع سابق، ص19.

[23] انظر: منذر الفضل، "التجربة الطبية على الجسم البشري ومدى الحماية التي يكفلها القانون المدني والقانوني العقابية والطبية"، مجلة الكوفة للعلوم القانونية والسياسية، مج2، ع7 (2010)، ص9-10.

See also Oxford Univ. Press, International Human Rights Law 184 (Daniel Moeckli et al. eds., 2nd ed. 2014).

[24] Kathryne M. Young, What the Access to Justice Crisis Means for Legal Education, 11 UC Irvine L. Rev. 811, 814-815 (2021).

[25] فايز محمد، ص1266.

[26] 1 Steven E. Pegalis, American Law of Medical Malpractice 12 (Thomson/West ed., 3rd ed. 2005).

[27] Herbert M. Kritzer, The Wages of Risk: The Returns of Contingency Fee Legal Practice, 47 DePaul L. Rev. 267, 267-268 (1998).

[28] See Id. At 270.

[29] Angela Wennihan, Let's Put the Contingency Back in the Contingency Fee, 49 S.M.U. L. Rev. 1639, 1643 (1996).

[30] Id. at 1644.

[31] Lester Brickman, Effective Hourly Rates of Contingency-Fee Lawyers: Competing Data and Non-Competitive Fees, 81 Wash. Univ. L. Rev. 653, 656 (2003).

[32] Wennihan, Supra note 29, at 1645-1646.

[33] منصور عبدالرحمن الحيدري، "العوامل المؤثرة في تقدير أتعاب المحاماة"، مجلة القضائية، ع7، 2013، ص131.

[34] Wennihan, Supra note 29, at 1650.

[35] Pegalis, supra note 26, at 13.

[36] Wennihan, supra note 29, at 1648.

[37] See Wennihan, supra, note 29, at 1658-1659.

[38] See Bernard S. Black et al, Medical Malpractice Litigation: How it Works, Why Tort Reform Hasn't Helped, 5 (Cato Institute eds., 1st ed. 2021).

[39] See Pegalis, supra note 26, at 13.

[40] See Frank M. McClellan, Medical Malpractice: Law, Tactics, and Ethics, 86 (Temple Univ. Press ed., 1994). Carson v. Maurer, 120 N.H. 925, 424 A.2d 825 (N.H. 1980).

[41] See Michael J. Sakes & Stephan Landsman, Closing Deaths Door: Legal Innovations to end the Epidemic of Healthcare Harm, 15 (Oxford Univ. Press ed., 2021).

[42] علي عبد العالي الأسدي، "أتعاب المحاماة الاتفاقية في الدعوى المدنية: دراسة تحليلية تأصيلية مقارنة"، مجلة الكوفة للعلوم القانونية والسياسية، جامعة الكوفة، كلية القانون، مج11، ع36 (2018)، ص95.

[43] جابر محجوب، قواعد أخلاقيات المهنة مفهومها، أساس التزامها ونطاقه: دراسة مقارنة، ط2 [د. ن]، القاهرة، 2001، ص52.

[44] محجوب، المرجع نفسه، ص55.

[45] انظر: بشير سعد زغلول، "الحماية الجنائية الاجرائية للمحامي أثناء مزاولة المهنة: دراسة مقارنة في القانونين القطري والمصري"، المجلة القانونية والقضائية، مركز الدراسات القانونية والقضائية، وزارة العدل، ع2، السنة 12، (2018)، ص13.

[46] محجوب، ص64.

[47] زغلول، ص14.

[48] April Faith-Slaker, What We Know and Need to Know about Pro Bono Service Delivery, 67 S. C. L. Rev. 267, 268 (2016).

[49] Id. at 276.

[50] Lisa R. Pruitt & Bradley E. Showman, Law Stretched Thin: Access to Justice in Rural America, 59 S. L. Rev. 446.512 (2014).

[51] Faith-Slaker, supra note 48, at 280-281.

[52] Id. at 281.

[53] Deborah L. Rhode, Rethinking the Public in Lawyers Public Service: Pro Bono, Strategic Philanthropy, and the Bottom Line, 77 Fordham L. Rev. 1435, 1438 (2009).

[54] Id. at 1447-1448.

[55] Frederick J. Martin II., Law Schools Pro Bono Role: A Duty to Require Student Public Service, 17 Fordham Urb. L. J. 359, 365 (1988).

[56] Rhode, supra note 53, at 1452.

[57] Martin II., supra note 55, at 372.

[58] Id. at 359.

[59] فايز محمد، ص1278.

[60] See Martin II., Supra note 55, at 360.

[61] Argersinger v. Hamlin, 407 U.S. 25, 92 S. Ct. 2006, 32 L. Ed. 2d 530, 1972 U.S. LEXIS 139 (U.S. June 12, 1972) - See Id. at 367.

[62] Id. at 367-368.

[63] Id. at 368-370.

[64] Id. at 374.

[65] Id. at 378.

[66] Id. at 379-381.

[67] See Frank S. Bloch, Access to Justice and the Global Clinical Movement, 28 Wash. U. J. L. & Poly 111, 119 (2008).

[68] انظر: الموقع الرسمي لكلية القانون - جامعة قطر، "العيادة القانونية"، متاح على الرابط: http://www.qu.edu.qa/ar/law/departments/legal-skills/law-clinic، تاريخ الزيارة: 16/6/2022.