Submitted: 7/4/2022

Reviewed: 12/6/2022

Accepted: 30/6/2022

المساعدة القانونية في إطار القانون المدني: المفهوم والمعايير - دراسة تحليلية مقارنة

إبراهيم عبد العزيز داود

أستاذ القانون المدني المشارك، كلية أحمد بن محمد العسكرية، قطر

ibrahimdaoud@abmmc.edu.qa

ملخص

برغم ما يعكسه مسمى مفهوم المساعدة القانونية من معانٍ تتسم بطابع الحماية، إلا أن تجسيده واقعيًا من خلال نصوص القانون المدني يُظهر العديد من القيود التي تؤثر سلبًا على حقوق الفئات الضعيفة، الأمر الذي يستوجب إعادة النظر فيه في ضوء تطورات الواقع. تكمن إشكالية البحث في قصور التنظيم القانوني للمساعدة القانونية لذوي الإعاقة في القانون المدني؛ الأمر الذي أدى إلى غموض المفهوم، وإلى ندرة في الدراسات الفقهية أو التطبيقات القضائية التي يجب أن تسهم في تفعيل الدور الحمائي لهذا المفهوم.

يقتضي تناول هذا الموضوع دراسةً تحليلية لمفهوم المساعدة القانونية، وكيفية تجسيده واقعيًا في القانونين المصري والقطري؛ للوقوف على نقاط الضعف والجمود التي تستوجب التفعيل من خلال آليات قانونية محددة، يمكن استلهامها من القانون الفرنسي، بما لا يخل بالثوابت القانونية التي تجد أساسها في الشريعة الإسلامية.

ولا شك في أن تلك المعالجة الجديدة لمفهوم المساعدة القانونية تثري مضمونه، وتمد نطاق تطبيقه إلى فئات أخرى من الأشخاص المحرومين من ممارسة حقوقهم المدنية؛ كالمجنون والمعتوه. هذه التطبيقات الجديدة التي تجسد المفهوم واقعيًا تعدّ من الأوجه المستترة لمفهوم المساعدة القانونية التي يكشف البحث عنها النقاب، ويمهد من خلالها لدراسات مستقبلية متعمقة في موضوع لم تسبر أغواره في القانونين المصري والقطري.

الكلمات المفتاحية: صور المساعدة القانونية، المساعد القضائي، الحماية القانونية، ذوو الإعاقة الجسدية، ذوو الإعاقة الذهنية

 

للاقتباس: داوود، إبراهيم عبد العزيز. «المساعدة القانونية في إطار القانون المدني: المفهوم والمعايير - دراسة تحليلية مقارنة»، المجلة الدولية للقانون، المجلد الحادي عشر، العدد الثالث، 2022، عدد خاص بمؤتمر «المساعدة القانونية: السبل والتحديات»، كلية القانون، جامعة قطر، 21-22 مارس 2022

© 2022، داوود، الجهة المرخص لها: دار نشر جامعة قطر. تم نشر هذه المقالة البحثية وفقًا لشروط Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0). تسمح هذه الرخصة بالاستخدام غير التجاري، وينبغي نسبة العمل إلى صاحبه، مع بيان أي تعديلات عليه. كما تتيح حرية نسخ، وتوزيع، ونقل العمل بأي شكل من الأشكال، أو بأية وسيلة، ومزجه وتحويله والبناء عليه؛ طالما يُنسب العمل الأصلي إلى المؤلف.


 

Submitted: 7/4/2022

Reviewed: 12/6/2022

Accepted: 30/6/2022

Legal Aid under Civil Law: Concept and Standards–A Comparative Analytical Study

Ibrahim Abdelaziz Daoud

Associate Professor of Civil Law, Ahmed bin Muhammad Military College, Qatar

ibrahimdaoud@abmmc.edu.qa

Abstract

Although the legal aid concept reflects meanings conveying a protective nature, its realistic practice through civil law texts implicates several restrictions that negatively affect the rights of vulnerable categories. This necessitates reconsideration in the light of actual developments. The problem of the research lies in the inadequacy of the legal regulation of legal aid for persons with disabilities in the civil law. This led to the concepts ambiguity, and the scarcity of jurisprudence studies or judicial applications that should contribute to activating the protective role of this concept.

Addressing this topic requires an analytical study of legal aid concept, and how it is embodied in both Egyptian and Qatari laws. This is for the sake of identifying the weaknesses and stagnation that require activation through specific legal mechanisms; which can be inspired by the French law, without prejudice to the legal constants that find their basis in Islamic Sharia.

Undoubtedly, this new conduct of the concept of legal aid enriches its content and extends the scope of its application to other categories of persons deprived of the exercise of their civil rights, such as the insane and the lunatic. These new applications, which realistically embody the legal aid concept, are among its hidden aspects, which the research uncovers, paving the way for in-depth future studies on an unexplored subject in Egyptian and Qatari laws.

Keywords: Legal aid cases; Legal aid; Legal protection; People with physical disabilities; Persons with intellectual disabilities

 

Cite this article as: Daoud, I.A. "Legal Aid under Civil Law: Concept and Standards–A Comparative Analytical Study," International Review of Law, Volume 11, Issue 3, 2022, Special Issue on the conference of "Legal Aid: Means and Challenges," Collage of Law, Qatar University, 21-22 March 2022

© 2022, Daoud I.A., licensee QU Press. This article is published under the terms of the Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0), which permits non-commercial use of the material, appropriate credit, and indication if changes in the material were made. You can copy and redistribute the material in any medium or format as well as remix, transform, and build upon the material, provided the original work is properly cited.

 

 

 

 


 

المقدمة

تتنوع صور المساعدات القانونية للفئات الضعيفة؛ فقد تتجسد في تقديم الخدمات القانونية بمختلف صورها مجانًا للفئات الاجتماعية غير القادرة ماليًا، وتتم من خلال الاستشارات المقدمة من جهات قانونية كمكاتب المحاماة والعيادات القانونية؛ لكن هذه الجهات لا تشارك الشخص الضعيف في استعمال حقوقه؛ بل تمده بالاستشارات القانونية فقط من أجل مساعدته لكفالة حقه في التقاضي تحقيقًا للعدالة الاجتماعية[1].

وعلى عكس المساعدات لغير القادرين ماليًا؛ فإن صورة المساعدة القانونية، موضوع البحث، لا تتعلق بالحق في التقاضي، وإنما تتعلق بمعاونة بعض الفئات الضعيفة لاستعمال حقوقها المدنية بصورة مستقلة. ولقد نظم المشرعان المصري والقطري جانبًا من هذه المساعدة في القانون المدني، وذلك فيما يتعلق بالأشخاص الغير قادرين على التعبير عن إرادتهم عند إبرام التصرفات القانونية، بسبب عجز جسماني شديد، أو بسبب الإصابة في بعض الحواس التي تفقدهم القدرة على التعبير عن إرادتهم كالأعمى الأصم، أو الأعمى الابكم، أو الأصم الأبكم. ولقد عرفها المشرع الفرنسي في القانون رقم 2007-308 الصادر في 5 مارس لسنة 2007 بأنها "مشاركة المساعد للشخص الخاضع لنظام الحماية القانونية في التعبير عن إرادته، ووضع توقيعه على التصرف القانوني بجانب هذا الشخص، بحيث لا يتم هذا التصرف إلا باجتماع التوقيعين جنبًا إلى جنب"[2].

ويسمى الشخص المكلف بالمساعدة في القانونين المصري والقطري بالمساعد القضائي نظرًا لقيام القاضي بتعيينه وفقًا لإجراءات وضوابط معينة حددها المشرع. وبذلك تختلف المساعدة القانونية عن نظم التمثيل الاتفاقي أو القانوني، حيث تختلف ولاية المساعد القضائي في مداها عن ولاية كل من الوكيل والولي والوصي، وذلك لأن ولاية الولي والوصي تقع بقوة القانون الذي يفردهما بسلطة إبرام التصرفات القانونية دون مشاركة الخاضع للولاية[3]. وبالتالي يعتبر التمثيل القانوني والمساعدة تقنيتان مختلفتان، ففي الأولى يخضع الشخص المحمي لشخص آخر يحل محله في ممارسة حقوقه والقيام بتصرفاته القانونية، بينما في الأخرى يسهم الشخص الخاضع للمساعدة في اتخاذ قراراته بمعاونة شخص آخر. كما أن المساعد القضائي ليس نائبًا عن الخاضع للمساعدة، بل يشاركه ويدعمه في إبرام التصرفات القانونية[4].

وبرغم أن دور القضاء، في إطار تجسيد مفهوم المساعدة القانونية في الواقع، يمكن أن يمثل ضمانة، إلا أن التشدد في دوره، وما يقتضيه من تدخل جهات معاونة وإجراءات، يمكن أن يمثل عقبة حقيقية في تطوير المفهوم وصوره في الواقع العملي. فإذا كان هدف البحث هو تفعيل دور المساعدة القانونية في حماية ذوي الإعاقة، إلا أن التنظيم القانوني لمفهوم المساعدة القانونية، وما يحتويه من آليات لتجسيده في الواقع، يمكن أن يتضمن العديد من القيود التي تجعل تطبيق المفهوم يحيد عن هدفه الحمائي.

ومن هذا المنطلق، تنتقد التوجهات الدولية الحديثة المفهوم التقليدي للمساعدة القضائية الذي يتبناه القانون المدني بسبب أنه لم يعرف الأبعاد التي تحقق للمساعدة غاياتها وأهدافها الحديثة، ولأنه أدى إلى إثارة قضية تهميش حقوق بعض الفئات، الأمر الذي يستوجب ضرورة التوسع في استحداث صور جديدة للمساعدة لتعزيز الحقوق والحريات. وفي هذا الإطار يطالعنا تقرير اللجنة المعنية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة الصادر في 2 أكتوبر 2015 عن الأمم المتحدة، حيث "انتقد التقرير في المادة 23 منه دولة قطر فيما يتعلق بعدم كفالة الاستقلالية التامة للأشخاص ذوي الإعاقة، وتفويض المساعد القضائي الذي تعينه المحكمة في إبرام جميع تصرفاتهم القانونية نيابة عنهم، ومن ثم يؤدي ذلك إلى الإخلال بمبدأ المساواة بينهم وبين غيرهم من أفراد المجتمع"[5]. وتجد هذه الانتقادات أساسها القانوني في المادة 12 من اتفاقية حقوق ذوي الإعاقة التي نصت في فقرتها الثانية على أن "تقر الدول الأطراف بتمتع الأشخاص ذوي الإعاقة بأهلية قانونية على قدم المساواة مع آخرين في جميع مناحي الحياة"[6]. وهذا الطرح يتوافق بوضوح مع المفهوم الغائي الحديث لدور المساعدة القانونية في تفعيل أو تعزيز حقوق الفئات الضعيفة، والذي تبنته اللجنة الأوروبية لحقوق الإنسان في تقريرها الصادر في نوفمبر 2012[7]. وتسرف هذه التوجهات فيما تتبناه من صور جديدة للمساعدة القانونية كوسيلة لدعم الأشخاص المحرومين من ممارسة حقوقهم المدنية، أي كبديل لنظم التمثيل القانوني، وهي تيارات فكرية ترتطم بمبادئ وأفكار قانونية مستقرة في القانونين المصري والقطري، لا سيما تلك المستمدة من الشريعة الإسلامية، كمفهوم الولاية والوصاية والقوامة.

فما هو التنظيم القانوني الذي يفعل دور مفهوم المساعدة القانونية في حماية وتعزيز حقوق ذوي الإعاقة، بشكل يتناسب مع التطورات الدولية، ولا يتعارض مع الثوابت المستمدة من الشريعة الإسلامية، كنظم الولاية والوصاية؟

إذا كان البحث يهدف إلى إعادة بناء مفهوم المساعدة القانونية بما يضمن تعزيز حقوق ذوي الإعاقة، فإن تحقيق ذلك يقتضي تحليل المفهوم التقليدي للمساعدة القانونية في القانون المدني المصري والقطري حتى يتسنى لنا الوقوف على نقاط ضعفه وجموده (المبحث الأول)، تمهيدًا لمعالجتها من خلال معايير تتضمن آليات تفعيل هذا المفهوم في حماية الفئات المستحقة بالفعل للمساعدة (المبحث الثاني)، وذلك كالتالي:

المبحث الأول: المفهوم التقليدي للمساعدة القانونية في القانون المدني

المبحث الثاني: معايير تفعيل دور المساعدة القانونية في القانون المدني

المبحث الأول: المفهوم التقليدي للمساعدة القانونية في القانون المدني

لا شك أن التحليل القانوني للمفهوم يفيد في الإدراك الدقيق والصحيح له، ويؤدي إلى اجتناب اللبس وضبط حدود الخلاف حوله. ونركز في تحليلنا لمفهوم المساعدة القانونية على المستوى الظاهر للمفهوم، وليس على المستوى الفلسفي أو التاريخي، ويقصد به كيف يتبدى المفهوم في صور وأشكال ومؤسسات ونظم، وكيف يترك بصماته على الواقع.

وفي هذا الإطار نلاحظ أن مفهوم المساعدة القانونية قد تم تنظيمه في القانون المصري من خلال القانون المدني وقانون الولاية على المال، الأمر الذي أدى إلى وجود العديد من القيود القانونية التي تحيط بتطبيقه في الواقع العملي، خاصةً وأن مفهوم الولاية يعكس مظاهر السلطة التي تكون لشخص على مال الغير. فتنظيم المساعدة القانونية في إطار نظم الولاية والوصاية التي تضمنها قانون الولاية على المال قد ألقى بظلاله على مفهوم المساعدة وجعله يختلف عن مفهوم الحماية القانونية المتعارف عليه في القانون المدني، برغم أن المفهومين يتعلقان بالفئات الضعيفة. ولا شك أن هذه التفرقة قد أثرت بالسلب على تطبيق وتجسيد المفهوم في الواقع العملي، وعلى دوره في تعزيز حقوق الفئات الضعيفة. وتعتبر عملية التمييز بين مفهومي المساعدة والحماية القانونية (المطلب الأول) هي المقدمة الرئيسية التي تمهد لفهم خصوصية التنظيم القانوني الضيق للمساعدة القضائية في القانون المصري وتبين آثاره السلبية على الحقوق المدنية للأشخاص الخاضعين للمساعدة (المطلب الثاني).

المطلب الأول: التمييز بين المفهوم التقليدي للمساعدة القانونية وهدف حماية الفئات الضعيفة

يتفق مفهوما المساعدة والحماية القانونية في أنهما يتعلقان بالفئات الضعيفة، حيث تتجسد صور الحماية القانونية في الوسائل المباشرة التي يتدخل من خلالها المشرع لحماية طرف ضعيف في مواجهة طرف أقوى. فإذا تدخل المشرع تدخلًا مباشرًا لحماية طرف ضعيف في علاقة تعاقدية مثلًا، فإن ذلك يجسد صورة من صور الحماية القانونية. فعلى سبيل المثال، عندما يتدخل المشرع في العلاقة التي تجمع العامل برب العمل، أو المستهلك بالمنتج، فإن هذا التدخل يمثل صورة من صور الحماية القانونية. أما المساعدة القانونية، فتعني أن المشرع يسند إلى شخص معين مهمة معاونة الشخص المراد مساعدته، فالتعامل مع الضعف لم يتم من خلال آلية قانونية أو تقنية، بل من خلال وجود شخص يكمل النقص الذي يصيب بعض الأشخاص.

ولكنهما يختلفان من أن نظام المساعدة القانونية يهتم بحماية مصالح أخرى غير مصالح الشخص الضعيف الخاضع للمساعدة، وهو الأمر الذي أدى إلى النظر للمساعدة ضمن إطار من القيود والإجراءات التي يشرف على تطبيقها سلطات إدارية وقضائية.

وهذا التمييز بين مفهومي المساعدة والحماية القانونية يتجسد بوضوح سواء كانت أسباب الحماية محددة في النظرية العامة للعقد (الفرع الأول)، أم ناشئة عن تطور الظروف الاجتماعية والاقتصادية (الفرع الثاني).

الفرع الأول: التمييز بين المساعدة القانونية وهدف حماية الفئات الضعيفة في إطار النظرية العامة للعقد

تعددت النظريات والمفاهيم التي جسدت توجه المشرع نحو حماية الفئات الضعيفة، سواء من خلال نظرية العقد، أم من خلال نظرية الحق. وتحمي نظرية العقد الفئات الضعيفة من خلال نظرية عيوب الإرادة التي تهتم بحماية إرادة الأشخاص من وسائل الغش أو الخداع، أو الإكراه الذي يستعمله أصحاب النفوذ الاقتصادي، وهي نظريات تم تطويرها لحماية الفئات الضعيفة التي أنتجها الواقع.

وإلى جانب ما سبق، يتصدى القانون المدني لصورة أخرى تتعلق بالضعف المعرفي، فقد يكون الشخص قادرًا اقتصاديًا، ولكنه يعاني من قصور في المعلومات المتعلقة بالعقد المراد إبرامه. ولما كان الجهل وعدم المعرفة يمثلان أهم أسباب الضعف الذى يصيب المتعاقد، فإن السبيل إلى حمايته يقتضى ضرورة فرض التزام بالإعلام على عاتق الطرف القوي، سواء في مرحلة تكوين العقد أو في مرحلة تنفيذه[8]. ولقد نادى الفقه بضرورة وجود هذا الالتزام نظرًا لأنه يشكل أحد مظاهر روح التضامن Solidarité التي يجب أن تسود في العقود كرد فعل للفردية المفرطة[9]، حيث لا يمكن النظر إلى العقد على أنه يحتوى على مصالح متناحرة لا يسودها أي روح من التعاون أو التضامن بين أطرافه[10].

وتفعيلًا لدور الالتزام بالإعلام في حماية رضا الطرف الضعيف معرفيًا، تتجه النظم القانونية إلى إحاطته بالشكلية. وهذه الشكلية ليست مقصودة لذاتها، بل هي وسيلة لتحقيق التوازن العقدي بين طرفين غير متكافئين[11] تحقيقًا لمبدأ المساواة. ويمكن تسميتها بالشكلية التبصيرية أو الشكلية الحمائية، وهى نوع جديد من الشكلية يختلف عن الشكلية التقليدية المعروفة في النظرية العامة للعقد، لأنها تكمل الموضوع من أجل حماية الطرف الضعيف[12]. وتتميز هذه الشكلية التبصيرية بخصائص، منها أنها شكلية جزئية وليست كلية، بمعنى أنها لا تتعلق سوى ببعض أوجه التصرف القانوني. كما تتميز بأنها شكلية غائيه تركز على المحتوى والموضوع وذلك بإخطار الغير بموضوع التصرف لتبصيره وإعطائه الوسائل الدفاعية التي تفيده في حالة النزاع[13].

يتضح مما سبق ان مفهوم الحماية في القانون المدني يقوم على فكرة منع الاعتداء أو الإضرار بالشخص محل الحماية، من خلال آليات قانونية تكمن في فرض الالتزامات المباشرة على أحد طرفي العقد، وتدعيمها بالجزاء المناسب.

 وعلى عكس نظم الحماية القانونية، فإن الملتزم الأول والأساسي في إطار المساعدة القانونية هو الدولة وسلطاتها بما لها من قدرة على تحقيق التوازن بين المصالح المتعارضة. ولذلك، إذا كان للشخص المحمي مركزًا تعاقديًا يتمتع من خلاله ببعض الآليات القانونية التي تدفع عنه الاعتداءات التي يتعرض لها من طرف آخر، فإن الشخص المستحق للمساعدة يتمتع بمركز تنظيمي تفرضه نصوص قانونية صارمة. وبما أن الدولة، من خلال سلطاتها، هي التي تلعب الدور الرئيس في تقرير المساعدة القانونية، فهذا يعني أن العديد من القيود القانونية يمكن أن تحاصر المستحقين للمساعدة القانونية، الأمر الذي يمكن أن يؤثر على حقوقهم وحرياتهم.

الفرع الثاني: التمييز بين المساعدة القانونية وهدف حماية الفئات الضعيفة لأسباب اجتماعية واقتصادية

تختلف المساعدة القانونية عن حماية الفئات الضعيفة لأسباب اجتماعية واقتصادية. فعلى سبيل المثال، فيما يتعلق بالضعف الاقتصادي الذي يصيب طرف من أطراف العقد، فإن القانون المدني يعالجه من خلال التركيز على أسباب النفوذ التي يستغلها أصحابها لتحقيق فوائد مختلفة على حساب الأشخاص الضعيفة اقتصاديًا، أي أن القانون المدني يتعامل بأسلوب غير مباشر مع الضعف الاقتصادي؛ حيث يركز على الطرف القوي الذي يتعسف في استعمال حقه، أو يحصل على منافع مبالغ فيها من خلال إكراهه للطرف الآخر.

ولا شك أن ضعف بعض الفئات قد أدى إلى تعزيز وسائل حمايتهم من خلال بعض القوانين الخاصة، فالعامل مثلًا يتمتع بالعديد من وسائل الحماية الاجتماعية والقانونية التي تضمن للعمال حقوقهم في مواجهة رب العمل. فقانون العمل يهدف إلى حماية العمال اجتماعيًا، بصفة عامة، وحماية الفئات الضعيفة، بصفة خاصة. ولا شك أن هذا الدور الحمائي يقتضي تمتع قانون العمل بمجموعة من الآليات والوسائل القانونية التي تمكنه من كفالة الحياة الإنسانية لشخص العامل وحماية الحقوق الشخصية المتعلقة به، وحماية الفئات الضعيفة كالأطفال والنساء. إذ يظل قانون العمل قانونًا اجتماعيًا إنسانيًا، غايته الأساسية حماية شخص العامل وكرامته. فقانون العمل «لم يعد قانونًا ماليًا بحتًا منذ أن اندثرت فكرة أن العمل سلعة، فالعمل أصبح ينظر إليه على أنه قيمة إنسانية، ومن ثم فإن قانون العمل يهتم بحماية القيم الإنسانية وليس مجرد مصالح مالية»[14]. كما خطى قانون العمل خطوات واسعة في طريق تحقيق الحماية للعمال بصفة عامة وللمرأة بصفة خاصة، لذلك يطلق الفقه الفرنسي عليه القانون التقدمي، لأنه يحرص على المحافظة على الحقوق المكتسبة ولا يمس بها على الإطلاق[15]. «فقد تكوَّن في الآونة الأخيرة اعتقاد لدى الطبقة العاملة بأن كل حماية يحصلون عليها في هذا القانون أو في أي مصدر آخر ولو في اتفاق عمل جماعي، إنما تدخل في نطاق الحقوق المكتسبة التي لا يجوز لأى قانون لاحق أن يمسها أو ينال منها»[16].

وقياسًا على حماية العمال، تهتم التشريعات بمساعدة فئة المستهلكين من خلال جمعيات حماية المستهلك التي يمكن أن تباشر الدعاوى القضائية للمطالبة بحقوقهم، والدفاع عن مصالحهم التي تتأثر نتيجة استغلال بعض التجار أو الشركات لهم. فلقد تبوأت حماية المستهلك مكانة عالمية جعلها تقترب من دائرة حقوق الإنسان، شأنها شأن قانون العمل، وفي هذا الصدد، تذهب محكمة القضاء الإداري إلى أنه "وحيث إن حماية المستهلك وكفالة حقوقه ورعاية مصالحه الحيوية المشروعة هي في حقيقة الأمر المفهوم المعاصر لحقوق الإنسان، فالحرية لم تعد قصرًا على الحريات والحقوق السياسية فحسب، وإنما امتدت لتشمل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية... والحقوق الاجتماعية والاقتصادية هي التي تناهض الفقر والجوع والمرض والغلاء والاحتكار... وحيث إن الحقوق الأساسية للمستهلك المنصوص عليها في المادة (2) من قانون حماية المستهلك هي في حقيقتها جانب من حقوق الإنسان الأساسية، وهي كذلك بعض الحقوق الدستورية التي قررها الدستور المصري"[17].

ويتفق قانون حماية المستهلك وقانون العمل في أن الحماية التي يمنحانها للفئات الضعيفة تضم مختلف الحقوق الاجتماعية والاقتصادية بجانب الحقوق القانونية، وتتمتع بطابع العالمية الذي جسدته الاتفاقيات الدولية. ففكرة الحماية القانونية للفئات الضعيفة لأسباب اقتصادية خاصةً في إطار القوانين الخاصة، تقبل الانفتاح على أفكار اجتماعية واقتصادية وسياسية تتماشى مع التوجهات الدولية لحقوق الإنسان بشكل يفوق مفهوم المساعدة القانونية.

وهذه النتيجة تؤكد مدى اختلاف مفهوم المساعدة القانونية عن صور الحماية القانونية، فمفهوم المساعدة يحيطه العديد من الاعتبارات والمصالح المتعارضة، الأمر الذي يضفي عليه طابعًا من الخصوصية. فعلى عكس الحماية القانونية التي تهدف إلى تحقيق التوازن بين طرف ضعيف وآخر قوي، فإن نظام المساعدة القانونية يتعلق بالعديد من المصالح المتعارضة. فهناك مصلحة الشخص الخاضع للمساعدة، ومصلحة المتعامل معه، ومصلحة الغير الذي يمكن أن يضار من التصرفات القانونية التي يقوم بها هذا الشخص، كما يتمتع القاضي بسلطة تقديرية واسعة في تحديد التصرفات التي لا يمكن للشخص أن ينفرد بالقيام بها بدون مساعدة.

والخلاصة أن المفهوم التقليدي للمساعدة القانونية في القانون المدني يحيطه العديد من معاني التقييد التي تضع مصلحة ذوي الإعاقة في توازن مع مصالح أخرى، سواء كانت فردية أم عامة، وهي أهداف تبتعد عن الغاية من مفهوم الحماية القانونية الذي يركز بشكل مباشر على مصالح الطرف الضعيف.

لكن ما طبيعة هذه القيود وأثرها على حقوق الفئات الضعيفة المستحقة للمساعدة القانونية؟

إن الإجابة عن هذا التساؤل تتجلى من خلال البحث في خصوصية التنظيم القانوني للمساعدة القضائية في القانون المدني، كما سيتضح في المطلب القادم.

المطلب الثاني: خصوصية التنظيم القانوني للمساعدة القضائية في القانون المصري

تتميز فئة ذوي الاحتياجات الخاصة بأن مصدر ضعفها ذاتيًا أي مستمدًا من صفات شخصية، تقتضي وجود طرف آخر يهتم بشؤونهم أو يحل محلهم، بشكل كلي أو جزئي، في ممارسة حقوقهم المدنية. وإلى جانب ما يتضمنه القانون المدني من قواعد تتعلق بمواجهة أسباب هذا الضعف من خلال نظم التمثيل أو المساعدة القضائية، تواترت التشريعات الخاصة في وضع القواعد التنظيمية التي تهتم بمصالح هذه الفئات تنفيذًا للاتفاقيات الدولية التي تتعلق بشؤونهم. وتهدف هذه القواعد إلى حماية حقوق وحريات ذوي الإعاقة وإلى دمجهم في المجتمع بشكل يتناسب مع ما يجب كفالته لهم من كرامة وحياة كريمة[18].

لكن، التنظيم القانوني للمساعدة القضائية في القانون المدني المصري يبرز هيمنة سلطات الدولة على تجسيد وتطبيق المفهوم، بشكل يستبعد أي دور للفئات الضعيفة أو للمؤسسات التي أفرزها الواقع الاجتماعي لدعمهم وتعزيز حقوقهم، (الفرع الأول). كذلك فإن التطبيق الخاطئ لهذه القيود من قبل سلطات الدولة يمثل، من منظور حقوق الإنسان، اعتداءً على الحقوق العامة لهذه الفئات الضعيفة (الفرع الثاني).

الفرع الأول: القيود المتعلقة بتنظيم المساعدة القضائية

استقر القانون المدني على أن التعامل مع الفئات الضعيفة يختلف باختلاف الأشخاص، فالذين لا يتمتعون بإرادة سليمة كعديمي الأهلية وناقصيها[19]، تختلف حمايتهم عن الذين لا يستطيعون التعبير عن رضاهم برغم سلامة إرادتهم، كأصحاب العاهات والعجز الجسماني الشديد. وتضم هذه الفئة الأخيرة الأشخاص المصابين بعاهات أو عجز يؤثر في استقلالهم في التعبير عن إرادتهم، ويمنع مباشرتهم لبعض حقوقهم المدنية، إلا بمساعدة شخص آخر يعينه في استعمال حقوقه وأداء واجباته.

فأصحاب العاهات الجسدية الخطيرة كالصمم والبكم والشلل قد يحتاجون إلى مساعدة قانونية لعدم القدرة على التعبير عن إرادتهم ورضائهم عند القيام بالتصرفات القانونية بسبب هذه العاهات، الأمر الذي يبرر تدخل المشرع.

ولقد نصت المادة 117 من القانون المدني المصري على أنه: "1- إذا كان الشخص أصم أبكم أو أعمى أصم أو أعمى أبكم وتعذر عليه بسبب ذلك التعبير عن إرادته جاز للمحكمة أن تعين له مساعدًا قضائيًا يعاونه في التصرفات التي تقتضي مصلحته فيها ذلك. 2- ويكون قابلًا للإبطال كل تصرف من التصرفات التي تقررت المساعدة القضائية فيها متى صدر من الشخص الذي تقررت مساعدته قضائيًا بغير معاونة". كما أضافت المادة (70) من قانون الولاية على المال المصري أنه يجوز للمحكمة تعيين مساعد قضائي إذا كان يُخشى من انفراد الشخص بمباشرة التصرّف في ماله بسبب عجز جسماني شديد.

يتضح مما سبق أن المشرع قيد تعيين المساعد القضائي بشروط، وهي:

-      أن تكون هناك عاهة مزدوجة، كما لو كان الشخص أصمًا أبكمًا أو أعمى أبكم أو اصمًا أعمى.

-      أن يتعذر على صاحب العاهتين التعبير عن إرادته بسبب هذا العجز الشديد.

-      إذا كان يُخشى من انفراد الشخص بمباشرة التصرّف في ماله بسبب هذا العجز الجسماني.

ومن جانبه، يربط المشرع القطري المساعدة القضائية بالعجز الجسماني الشديد، حيث نص في المادة 127 من القانون المدني "وعلى الأخص إذا كان أصمًا أبكمًا أو أعمى أصمًا أو أعمى أبكمًا". وهذا يدل على أن المشرع لم يحدد أسباب العجز الجسماني على سبيل الحصر، بل ترك للقاضي السلطة في تقدير متى يتوافر للعجز وصف الشدة في حالات أخرى. وحسنًا فعل المشرع القطري، حيث أن الواقع العملي قد يفرز حالات من العجز، تتجاوز في درجة شدتها الأمثلة التي ذكرها المشرع. فعلى سبيل المثال، قد يتعرض شخص لشلل يصيب أطرافه العليا والسفلى، الأمر الذي يؤثر في قدرته على التعبير عن إرادته بشكل سليم، وبالتالي يصبح تعيين مساعد قانوني له من الأمور الضرورية. كما أن المشرع القطري لم يقصر حالات المساعدة على الشخص العاجز عن التعبير عن إرادته فقط، بل مد نطاقها إلى الحالات التي يصعب فيها على الشخص الإلمام بظروف التعاقد.

وبتمحيص نصوص القانون المدني والقوانين الخاصة، يتضح أن صاحب الحق أو بمعنى أصح صاحب السلطة في تقدير مدى الحاجة لوجود مساعد قضائي هو المحكمة المختصة. فللمحكمة أن تقرر من تلقاء نفسها ضرورة تعيين المساعد في الحالات التي يثور فيها مسألة التعيين بمناسبة نزاع معروض أمامها، كما لها أن تقرر ذلك بناءً على طلب صادر من ذي الإعاقة، أو حتى من الشخص الذي يتعامل معه حرصًا منه على تحصين التصرف من دعوى بطلان مستقبلية، بل أكثر من ذلك يجوز للغير الذي يمكن أن يضار من تصرفات ذي الإعاقة أن يطلب من المحكمة تعيين مساعد قضائي. وتتمتع المحكمة المختصة في تقرير المساعدة القضائية بسلطة تقديرية واسعة، ولها أن تستعين بأهل الخبرة للوقوف على مدى قدرة الشخص على إبرام التصرفات القانونية أم لا، فإذا تبين للقاضي أن العجز غير مؤثر على قدرات الشخص في التعبير عن الإرادة أو الإلمام بظروف العقد، فإنه لا يحكم بالمساعدة القضائية.

لكن، إذا قضت المحكمة بخضوع الشخص للمساعدة القضائية، فهل يعني ذلك أن نطاق الحكم يمتد ليشمل جميع التصرفات التي يبرمها الشخص الخاضع للمساعدة؟

برغم أن نص المادة 70 من قانون الولاية على المال المصري قد قصر سلطة المحكمة في تعيين المساعد على بعض التصرفات القانونية التي وردت في نص المادة 39 من ذات القانون، وبرغم قاعدة أن الخاص يقيد العام، وما تقتضيه من ضرورة قصر الإذن القضائي على التصرفات الواردة في المادة السابقة، إلا أن البعض يرى أن سلطة المحكمة تمتد لجميع التصرفات التي يقوم بها الشخص إعمالًا لمقتضيات التوفيق بين النص السابق والقانون المدني، وعلى أساس أن المادة 39 لم تنص على التصرفات الضارة ضررًا محضًا، وهي الأولى بالمساعدة[20].

ويبدو أن مشكلة الجمع والتوفيق بين القانون المدني وقانون الولاية على المال في القانون المصري قد ترتب عليها تطبيق مفهوم المساعدة القضائية بشكل مطلق، بغض النظر عن مدى حاجة ذوي الإعاقة للمساعدة أم لا. وهذه النتيجة لا يمكن قبولها على إطلاقها، فالمساعدة القضائية يجب أن ترتبط في وجودها بالمصلحة التي تقتضيها، فإذا انتفت فلا حاجة لها، فالحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا. وهذا ما أكد عليه المشرع القطري في المادة 127 من القانون المدني بقوله "جاز للمحكمة أن تعين له مساعدًا قضائيًا، يعاونه في التصرفات التي ترى أن مصلحته تقتضي المساعدة فيها".

وبدون الدخول في خلافات فقهية حول هذه المسألة، فإن الواقع في القانون المصري يوحي بأن التعامل مع هذه الفئة التي تتمتع بإرادة سليمة وواعية أصبح مشابهًا لحالة فاقدي الأهلية المحرومين من حقوقهم المدنية، طالما أنهم لا يمتلكون حرية إبرام جميع التصرفات القانونية، أو على الأقل النصيب الأكبر منها. وهذا لا يمكن تصوره بسهولة، لوجود فوارق واضحة بين النظامين. فالحماية القانونية لفاقدي الأهلية في إطار القانون المدني لا تهدف إلى تلبية رغبات الأفراد، ولا إلى وضع تفضيلاتهم في مرتبة الحقوق والحريات التي تؤثر في تطبيق القواعد القانونية، بل هي حماية تقتضي تحقيق نوعًا من التوازن بين مصلحة الفرد وغيرها من المصالح المتعارضة معها. وبالتالي، فإن التمثيل القانوني في القانون المدني لا يتمتع بالطابع التخييري، بل يحكمه ضوابط قانونية صارمة.

والخلاصة أن المفهوم التقليدي للمساعدة القانونية في القانون المصري يعكس بوضوح القيود الصارمة المفروضة على الشخص المستحق للمساعدة القانونية، كما يبرز درجة واضحة من التشدد والبطء في إجراءات تعيين المساعد. فعلى عكس القانون القطري، وبنظرة عامة على إجراءات تعيين المساعد القضائي لذوي الإعاقة الجسدية في القانون المصري، نجد أن المحكمة المختصة بتعيينه يجب عليها الامتثال والخضوع لبعض الإجراءات المشددة، ومنها أنه يجب عليها أن تأخذ وجهة نظر النيابة العامة في تحديد شخص المساعد. وللنيابة العامة، باعتبارها الممثل العام للمصلحة العامة، أن تقوم بترشيح من يصلح للقيام بدور المساعد القضائي، ثم تقوم بإخطار المحكمة بالشخص الذي رشحته خلال ثمانية أيام على الأكثر من تاريخ تقرير المساعدة. وعقب صدور قرار المساعدة القضائية من جانب المحكمة المختصة، تتولى النيابة العامة إخطار الشخص المكلف بقرار تعيينه، إذا صدر في غيبته. ويحق للشخص المكلف بالمساعدة أن يرفض قرار المحكمة بموجب خطاب مصحوب بعلم الوصول أو بتقرير يقدمه إلى قلم كتاب المحكمة، وذلك خلال ثلاثة أيام من تاريخ علمه. وفي هذه الحالة، يجب على المحكمة على الفور أن تقوم بتعيين بديلًا عنه[21].

 ولا شك أن هذه القيود تضيف نوعًا من الشك في مدى فاعلية مفهوم المساعدة القانونية على حقوق وحرية الشخص المستحق للمساعدة. ويزداد ذلك وضوحًا بدراسة الآثار السلبية الناتجة عن تطبيق المساعدة القضائية على حقوق وحريات الفئات المستحقة للمساعدة.

الفرع الثاني: الآثار السلبية الناتجة عن تطبيق مفهوم المساعدة القضائية على الحقوق والحريات

تكمن الآثار السلبية للمساعدة القضائية في التصور الخاطئ لمفهوم المساعدة القانونية الذي لا يجب حصره في مجموعة من القيود والإجراءات المتشددة، بل يجب أن يتسع مفهومه لهدف دعم حقوق الفئات الضعيفة، من خلال آليات تتسم بالمرونة والبعد عن التعقيد، وعدم التأثير بالسلب على ممارسة حقوق وحريات هذه الفئة. فلا شك أن تنظيم المشرع لمسألة تؤثر بالسلب على الحقوق والحريات التي كفلها الدستور للجميع على قدم المساواة لا يجب أن يترتب عليه الإسراف في التطبيق بشكل يؤثر سلبًا على الحقوق والحريات[22].

لكن الملاحظ أن مفهوم المساعدة القانونية أصبح قيدًا على ممارسة ذوي الإعاقة لحقوقهم المدنية والأساسية، لدرجة أن هذه القيود امتدت خارج نطاق التصرفات القانونية لتشمل ممارسة باقي الحقوق التي لا يجب أن تخضع في استعمالها لنفس القيود التي نص عليها القانون المدني أو قانون الولاية على المال. فليست كل ممارسة لحق أو حرية تستلزم اتخاذ الإجراءات المشددة لتعيين مساعد قضائي. فالواقع العملي قد اثبت أن ذوي الإعاقة يعانون من مشكلات مختلفة في حياتهم اليومية في تعاملهم مع المؤسسات والهيئات الحكومية بسبب تمسكهم بضرورة خضوع ذوي الإعاقة الجسدية لنظام المساعدة القانونية، الأمر الذي يعرقل أمورًا كثيرة في حياتهم الخاصة بل ويعرضهم في أحيان كثيرة للحرمان من حقوق أصيلة لهم في الخدمات التي يتمتع بها غيرهم من الإفراد الذين لا يعانون من أي أعاقه.

وفي هذا المعنى قضت المحكمة الإدارية العليا المصرية أن "تعبير ذوي الإعاقة عن إرادتهم يكون بالكتابة لمن يجيدها، أو بالإشارة المتعارف عليها"[23].

ويتفق الموقف السابق مع توجهات الاتفاقية الدولية لذوي الإعاقة التي نصت في المادة 21 فقرة ب على قبول وتيسير قيام الأشخاص ذوي الإعاقة في معاملاتهم الرسمية باستعمال لغة الإشارة وطريقة برايل وطرق الاتصال المعزرة البديلة وجميع وسائل وطرق وأشكال الاتصال الأخرى.

وتماشيًا مع هذه التوجهات، لا يجب الإسراف في ضرورة التقيد بتعيين مساعد قضائي في غير الحالات التي حددها قانون الولاية على المال، فتشدد بعض الجهات والمؤسسات التي يتعامل معها أصحاب الاحتياجات الخاصة في طلب مساعد قضائي، في حالات لا تدخل أصلًا في نطاق تطبيق نص المادة 117 مدني مصري، يعد أمرًا غير مقبول، حيث يجب التفرقة بين التصرفات القانونية التي تقتضي تعيين مساعد قضائي، وبين ممارسة الحقوق والحريات من جانب أصحاب الاحتياجات الخاصة. والقول بغير ذلك يجعلهم يشعرون بان المجتمع يضيف إلى إعاقتهم إعاقة أخرى، فهم وان كانوا من ذوي الإعاقة إلا إنهم مواطنين ونص الدستور والقانون والمعاهدة الدولية على حقوق عامة لهم دون أن يستثنيهم منها.

وعوضًا عن هذا الإسراف والغلو في تطبيق نظام المساعدة القضائية، يجب على الدولة أن تنوع في صور المساعدة لذوي الاحتياجات الخاصة من خلال توفير خبراء معتمدين من وزارة العدل، أو الاستعانة بخبراء المعاهد والجمعيات الخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة.

والخلاصة أنه برغم اختلاف مفهوم المساعدة القانونية عن نظم التمثيل القانوني للمحرومين من ممارسة الحقوق المدنية، إلا أن الوقع العملي يؤكد أن المساعدة القانونية بمفهومها التقليدي الذي يتبناه المشرع المصري قد أثرت بالسلب على حقوق وحرية الفئات المحكوم بمساعدتها. وهذا يعني أن التطبيق الحالي للمساعدة القضائية يترتب عليه تهميش حقوق وحريات الفئات الضعيفة، ويرجع ذلك إلى كثرة القيود المتعلقة بممارسة هذه الضمانة، الأمر الذي جعلها تحيد عن أهدافها المرجوة.

وهذا يقتضي ضرورة العمل على تطوير مفهوم المساعدة وتنميته بشكل يجعله مواكبًا للمستجدات الدولية والتطورات العلمية. ويزداد الأمر إلحاحًا نتيجة التطورات التقنية التي تساعد ذوي الإعاقة على اتخاذ العديد من القرارات بمساعدة بعض الخبراء المختصين في مجال الإعاقة التي تصيب شخص الخاضع للمساعدة.

ونستنتج مما سبق أن هناك حاجة ماسة لإعادة النظر في التنظيم التشريعي للمساعدة القانونية من خلال بعض المعايير التي تضمن درجة من الفاعلية المطلوب تحقيقها بالنسبة لحقوق الفئات الضعيفة، وهو ما سنقوم بتوضيحه في المبحث القادم.

المبحث الثاني: معايير تفعيل دور المساعدة القانونية في القانون المدني

تعكس معايير تفعيل المساعدة القانونية مدى التأثير الإيجابي للمفهوم على النظام القانوني، وخاصةً ما يقتضيه من آليات ووسائل حمائية تعزز حقوق الفئات الضعيفة.

وبالتالي، يمكن أن تدور معايير تفعيل مفهوم المساعدة القانونية حول محورين، أولهما يتعلق بصور المساعدة القانونية التي تجسد دور المفهوم في الواقع. فقد رأينا في المبحث الأول أن القانون المصري قد حصر آليات تجسيد المفهوم في صورة المساعدة القضائية، وفي إطار من الإجراءات التي يشرف على تطبيقها سلطات قضائية وإدارية، الأمر الذي ترتب عليه البطء والجمود، وأثر سلبًا على حرية واستقلال ذوي الإعاقة، وأدى إلى اختفاء الوجه الحمائي للمفهوم. لذلك، فعلاج هذا التعقيد يمكن أن يتم إما من خلال الإبقاء على نظام المساعدة القضائية بشرط تنقيته من العيوب التي تم تسليط الضوء عليها، أو بالتوسع في صور المساعدة القانونية ومنح الحرية لطالب المساعدة في وضع أطرها القانونية من خلال عقود رضائية، كما هو الحال في القانون الفرنسي، الأمر الذي يقضي بإقصاء القضاء وتحجيم سلطته التقديرية.

فإذا انتهينا من تفعيل وتجسيد صور المفهوم في الواقع، ننتقل إلى مرحلة أبعد، وهي تلك التي تركز عليها التوجهات الدولية وما تهدف إليه من مد نطاق المساعدة إلى فئات أخرى من الأشخاص ذوي الإعاقة، وخاصةً أصحاب الإعاقة الذهنية (المطلب الثاني). وبالتالي، فالمحور الثاني يتعلق بربط المفهوم بواقع الفئات الضعيفة وتوظيفه لخدمة مصالح بعض أصحاب الإعاقة الذهنية الذين يخضعون لنظم الولاية التي لا تتناسب مع ظروفهم، ولا مع ما يتمتعون به من قدرات لا ينقصها إلا وسائل وآليات الدعم والتعزيز التي يمكن أن يحققها المفهوم المقترح لصور تجسيد مفهوم المساعدة القانونية، وفقًا لما استقرت عليه الأصول الطبية والعلمية الحديثة (المطلب الأول).

المطلب الأول: معايير تفعيل صور المساعدة القانونية في القانون المدني

يمكن أن تتم آليات تفعيل صور المساعدة القانونية من خلال فرض الواجبات الإيجابية، خاصةً على الدول، من أجل توفير صور حديثة للمساعدة القانونية الرضائية، تتسم بالمرونة وتحقق عنصر الاختيار الحر للفئات المستحقة للمساعدة، وتوفر لهم الوسيلة التي تتناسب مع كل حالة من حالات الفئات الضعيفة.

لكن، هذا التحول يجب ألا يقوم على مجرد فروض نظرية أو أفكار تقترب من الواقع الفلسفي وتبتعد بشدة عن الواقع القانوني وما يستلزمه من ضبط وتحقيق بهدف توفير عناصر الأمن والاستقرار القانوني. فلا شك أن الغلو في معايير تفعيل صور المساعدة القانونية الرضائية، وما قد يترتب عليه من آثار سلبية على النظام القانوني (الفرع الأول) يدفعنا إلى البحث عن ضوابط معقولة يتم من خلالها تفعيل دور المساعدة القضائية في دعم حقوق الفئات المستحقة للمساعدة (الفرع الثاني).

الفرع الأول: خطر الغلو في صور المساعدة غير القضائية

استحدث القانون الفرنسي في القانون 5 مارس 2007 صورًا لمساعدة قانونية مستقبلية mandat de protection future، حيث يمكن للشخص العادي الذي يتخوف من عوامل ضعف أو عجز في المستقبل، كمرض الزهايمر مثلًا، أن يتعاقد مع مكتب للمساعدة القانونية، يعاونه في استعمال حقوقه وحرياته، كما يمكن لكل شخص حماية أطفاله المعوقين تحسبًا ليوم لا يصبح فيه قادرًا على القيام برعايتهم بسبب مرض، أو إعاقة، أو موت. وتسري ولاية الحماية المستقبلية هذه دون تدخل القاضي، وهذا النظام متعارف عليه بالفعل في بلدان أخرى، ولكن بأشكال أخرى، مثل هولندا، ألمانيا، إسبانيا، كندا[24].

فالرؤية السابقة تنادي بتكريس صور من المساعدة القانونية الاختيارية التي تتمثل في تخصيص مكاتب للمساعدة تهدف إلى دعم ذوي الاحتياجات الخاصة في اتخاذ قراراتهم باستقلالية دون اللجوء إلى النظم الإجبارية التي يشرف عليها القضاء. ولقد تبنت بعض الدول هذه التوجهات التي تنادي بإلغاء النظم القانونية الملزمة للمساعدة القانونية، واستبدالها بمكاتب مساعدة تربطها بذوي الاحتياجات الخاصة بعلاقات تعاقدية عادية دون أدنى رقابة، إلا في بعض الحالات الضيقة.

لكن، إذا كانت التوجهات السابقة يمكن قبولها بشكل مطلق في بعض الدول، إلا أن الوضع في القانونين المصري والقطري لا يمكن أن يتوافق أو يتجانس مع صور المساعدة غير القضائية، فلا يجب أن ننساق وراء حجج تفعيل الحقوق الأساسية لبعض الفئات وما تتضمنه من دعوات تهدف إلى التحرر من سلطة القضاء والأنظمة القانونية الثابتة، فمهما كان بريق هذه التوجهات، ومهما كان طموحها، فلا يجب أن نهمل الضوابط التي تشكل مجموعة متماسكة وواقعية ومستقرة ودقيقة تقنيًا، خاصةً إذا اتسم تطبيقها بالمعقولية[25]. فإذا كانت التوجهات السابقة تحتوي على معايير تفعيل تنطلق من رؤية خاصة بتعزيز الحقوق المدنية والسياسية للفئات الضعيفة، وتندفع في اتجاه يسعى إلى تحقيق مساواة هذه الفئات بغيرها، إلا أن هذا الاندفاع يجب ألا يتم بمعزل عن الضوابط والمبادئ القانونية. فبرغم وجاهة الحجج التي تدعم توجهات أنصار حقوق الإنسان، إلا أن هذه التوجهات تركز فقط على الحقوق الفردية وتكثف جهودها في هذا الاتجاه فقط دون أن تأخذ في اعتبارها باقي المصالح. لذلك فإن البحث لا يمكن أن يكتفي بهذه التوجهات، ولا يستغني عن دور التشريع والقضاء في تحقيق التوازن بين هذه المصالح في إطار من المعقولية.

ولا شك أن موقف المشرع الفرنسي يندرج في إطار تحميل الدولة وغيرها من الأشخاص بالواجبات الإيجابية التي تضمن تعزيز حقوق الفئات الضعيفة. فنطاق الإلزام لا يقتصر فقط على منع الاعتداء على حقوق هذه الفئات الضعيفة من خلال السلوك السلبي الذي يتضمن إهمالًا أو تهميشًا لهذه الفئات، بل يمتد إلى ضرورة اتخاذ إجراءات إيجابية تعزز حقوق الفئات المهمشة. فانتهاك حقوق الفئات الضعيفة لا يجب رصده من خلال السلوك السلبي بالامتناع عن الحماية، بل يجب أن تستنتج المحكمة من الحقوق المضمونة لهذه الفئات الالتزامات الإيجابية التي، في حالة عدم احترامها، تشكل انتهاكًا لحقوق الإنسان. فعلى سبيل المثال، فإن "الالتزام بضمان حق فعال في الوصول إلى العدالة" يندرج في فئة الواجبات التي تدعو في بعض الأحيان إلى اتخاذ تدابير إيجابية من جانب الدولة تتمثل في ضرورة إنشاء صور حديثة للمساعدة القانونية.

وتجدر الإشارة إلى أن مفهوم الواجبات الإيجابية حاضر في نطاق المسؤولية المدنية، فبجانب الواجبات السلبية التي تدور في فلك الواجب العام بعدم الإضرار بالغير، وواجب عدم الإثراء على حساب الغير، يوجه المشرع الأشخاص من خلال الواجبات الإيجابية نحو القيام بأعمال معينة، يريدها المشرع ويسعى إلى تحقيقها. فإذا كانت دلالة الواجبات السلبية هي توجيه أمر بالكف عن فعل معين وعدم القيام به منعًا للإضرار بالغير، فإن دلالة الواجبات الإيجابية هي تكليف هؤلاء بالقيام بعمل معين على سبيل الوجوب. فالأمر في الواجبات الإيجابية يكون لطلب إيجاد ما يأمر به المشرع، باعتباره من الأفعال التي يريدها المشرع ومما ينبغي أن يكون عليه السلوك.

لكن مفهوم الواجبات الإيجابية ليس مفهومًا مطلقًا، بل يجب أن يرتبط بوجود ظروف معينة، فعلى سبيل المثال، كل من يعمل في نشاط يتسم بالخطورة يقع عليه واجب عام بحماية الغير حتى ولو لم يوجد نص قانوني محدد[26]. كما تتقيد الواجبات الإيجابية بطبيعة الضرر الذي يمكن أن يترتب على عدم اتخاذ هذه الواجبات، مثل الأضرار التي تمس صحة الإنسان وسلامة جسده، وخاصةً في حالات الضرر الجماعي، كالأضرار المتعلقة بالبيئة وبفئة المستهلكين.

وكذلك فيما يتعلق بالواجبات الإيجابية الملقاة على عاتق الدولة، فإنها تتوقف على أوضاع كل دولة وظروفها الاجتماعية والاقتصادية. ولقد قضت المحكمة الدستورية العليا المصرية بأن هذه الحقوق المدنية والسياسية "يستحيل بالنظر إلى طبيعتها ضمانها لكل الناس في آن واحد بل يكون تحقيقها في بلد ما مرتبطًا بأوضاعها وقدراتها ونطاق تقدمها وعمق مسئولياتها قبل مواطنيها وإمكان النهوض بمتطلباتها فلا تنفذ هذه الحقوق بالتالي نفاذا فوريًا"[27].

كما قضت المحكمة الدستورية العليا أن مجرد امتناع الدولة عن التدخل في نطاق هذه الحقوق دون مقتض يعتبر كافيًا لضمانها وعليها بالتالي ألا تأتي أفعالًا تعارضها أو تنقضها[28].

الفرع الثاني: نحو تجسيد فعال لصورة المساعدة القضائية

إذا كانت التوجهات الحديثة غير مقبولة في بعض صور المساعدة القانونية، فليس معنى ذلك أن نكتفي بالمفهوم التقليدي للمساعدة في القانون المدني، أو أن نستغني عن محاولات البحث في صور تتناسب مع المبادئ القانونية السائدة. فالقانون المدني ليس كيانًا منغلقًا ولا بناءً قانونيًا منعزلًا في أفكاره ونظرياته ومفاهيمه عن غيره من القوانين، بل يجب أن يكون منفتحًا ومتحررًا، بشرط ألا يفقده ذلك هويته الذاتية.

وإلى جانب دور القانون المدني الذي يستوجب تفعيلًا في أحكامه من اجل تحرير المساعدة القانونية من بعض القيود التي تكبل الفئات الضعيفة وتحول بينهم وبين ممارستهم لحقوقهم المدنية، فإن التشريعات الخاصة تتبوأ حاليًا منزلة متميزة وسط المصادر المتنوعة لحقوق الإنسان، بل يمكن أن تلعب دورًا فعالًا في تحقيق التوازن بين هذه المصادر، "ومن حيث إنه ولئن - تنوعت مصادر حقوق الإنسان بين مصادر دولية عالمية وإقليمية وأخرى وطنية أو دينية إلا أنها تتكامل مع بعضها البعض في تحقيق توافق لحماية حقوق الإنسان"[29].

لكن، يجب التأكيد على أن دور القاضي في نطاق المساعدة القانونية يمثل ضمانة حقيقية للنظام القانوني في مجمله، وللأشخاص المستحقين للمساعدة، وكذلك للغير. فالحد الفاصل بين الأشخاص الواجب إخضاعهم لنظم للتمثيل القانوني وبين الفئات المستحقة للمساعدة القانونية يضعه القاضي في حالة النزاع بين هؤلاء وبين أصحاب المصلحة في الحجر عليهم. وكما ذكرنا سابقًا، فإن خصوصية موضوع المساعدة القانونية لذوي الإعاقة تكمن في ارتباطه بالأحوال الشخصية المحددة في الشريعة الإسلامية، بحيث لا يمكن الفصل بينهما، وبالتالي فمسألة صور المساعدة الرضائية أو الاتفاقية التي تتم بين الأشخاص ذوي الإعاقة وبين جهات خاصة لا يمكن قبولها.

وبرغم تأكيدنا على دور القاضي في تقرير الحق في المساعدة القانونية، إلا أن النظر إلى المساعدة القانونية على أنها مجرد قيد على حرية المحكوم بمساعدته، كما هو الوضع في القانون المصري، يجب أن يتغير. فالمساعدة القانونية تعني أيضًا توفير سبل الدعم القانوني الذي يفتقده الشخص المستحق للمساعدة، وخاصةً في الحالات التي لا يستطيع فيها أن يعبر عن إرادته أو يلم بظروف التعاقد. وهذا المفهوم يجب أن يكون واضحًا من خلال نصوص تشريعية واضحة تراعي هذه الأبعاد، لا سيما في صياغتها القانونية. وأعتقد أن سبل التحسين يجب أن تدور حول المساعد القضائي نفسه، سواء من حيث تعيينه، أم من حيث اختصاصه، وكذلك من حيث مدى جدارته لتولي هذه المهمة. وبتعبير آخر، فمسألة التسلط التي يمارسها المساعد القضائي على المستحقين للمساعدة يجب أن تتراجع، وتفسح المجال لروح التعاون التي يجب أن تسود من أجل دعم وتعزيز حقوق ذوي الإعاقة. فلا شك أن هذه السلطة التي قد ينحرف في استعمالها المساعد القضائي تتعارض مع أهداف الحماية القانونية التي يجب أن يهدف المشرع إلى تحقيقها.

وفي هذا الإطار يمكن أن تقوم وزارة العدل بإعداد قائمة بالخبراء الذين يصلحون لتولي مهمة المساعد القانوني، دون التمسك بعرض الأمر على النيابة العامة، كما هو الحال في القانون المصري. ويلزم الاهتمام بهؤلاء الخبراء اهتمامًا قانونيًا يتناسب مع جسامة المسؤولية الملقاة على عاتقهم، ويجب إخضاعهم لدورات قانونية لتطوير قدراتهم على التعامل مع هذه الظروف. كما يتحتم على المساعدين القانونيين أن يعلموا أن وجودهم ليس قيدًا على حرية وحقوق الأشخاص المستحقين للمساعدة، بل هو سبب من أسباب دعمهم لممارسة حقوقهم على أفضل وجه ممكن. فهذه الفئة من أصحاب الإعاقة لهم ظروف خاصة تقتضي مراعاتها من قبل المساعد القانوني، الأمر الذي يستوجب اختيار الشخص المناسب لكل حالة. كما يجب أن تعلن هذه القائمة السابقة بشفافية، ويفضل أن يتاح للشخص المستحق للمساعدة أن يختار من بين أفرادها من يرى فيه المقدرة والكفاءة التي يبحث عنها، بحيث لا يجبر الشخص على قبول مساعد قانوني على غير إرادته.

ولا يجب إغفال وضع القواعد الخاصة بتنظيم مسؤولية المساعدين القانونيين في حالة إخلالهم بواجباتهم المهنية.

وإلى جانب ما سبق، يجب أن يضمن التنظيم القانوني للمساعدة القضائية درجة واضحة من استقلال ذوي الإعاقة في إبرام تصرفاتهم القانونية، في الحالات التي يرفض فيها المساعد القانوني مساعدته، خاصةً التصرفات التي يرى أنها تؤدي إلى تحقيق مصلحة ذات جدوى له، أو تدفع عنه ضررًا ما.

وبالرجوع للقواعد العامة المتعلقة بتصرفات ذوي الإعاقة الجسدية في القانون المدني، نجد أن القاعدة في القانون المصري تقضي بأن التصرفات القانونية التي حددها المشرع لا يجب أن تتم إلا بتوقيعي المساعد القضائي والشخص المحكوم بمساعدته قضائيًا. لكن، وعلى سبيل الاستثناء، في حالة امتناع المساعد القضائي عن الاشتراك في إبرام تصرف قانوني، تنص المادة 71 من القانون المصري للولاية على المال أنه إذا رأت المحكمة أن هذا الامتناع في غير محله، فيجوز لها أن تأذن للمحكوم بمساعدته" بالانفراد في إبرامه أو عينت شخصًا آخر للمساعدة في إبرامه وفقًا للتوجهات التي تبينها في قرارها".

ونلاحظ أن المشرع المصري قد قيد من السلطة التقديرية للقاضي في الإذن للمحكوم بمساعدته في الانفراد بإبرام التصرفات القانونية، حيث اشترط الامتناع غير المبرر من جانب المساعد القضائي، وهذا يعني أن سلطة القاضي محاطة بضوابط قانونية لا يجب أن يحيد عنها. فالقاضي، طبقًا لما سبق، يركز على الموقف الذي اتخذه المساعد القضائي وعلى أسباب رفضه لمعاونة الشخص المستحق للمساعدة، وليس على مصلحة الشخص المستحق للمساعدة ولا على حالته الصحية التي يمكن ان تؤهله لإبرام التصرف منفردًا. وبمعنى آخر، فمركز الثقل في هذه الرقابة يدور حول سلوك المساعد القضائي ومدى تعسفه في اتخاذ قراره بالرفض، بشكل يضر بمصالح الشخص المستحق للمساعدة.

وفي القانون المدني القطري، تنص المادة 128 على أنه "يكون قابلًا للإبطال التصرف الذي تقررت المساعدة القضائية في شأنه، متى صدر من الشخص بعد قيد قرار مساعدته، بغير معاونة المساعد. وذلك ما لم تكن المحكمة قد أذنت له بالانفراد في إبرامه". وكما يتضح من النص السابق، فإنه يجوز للقاضي أن يأذن للشخص المحكوم بمساعدته في الانفراد بإبرام بعض التصرفات القانونية بغض النظر عن شرط امتناع المساعد القضائي عن معاونته. ولقد أحسن المشرع القطري باتخاذ هذا الموقف الذي يوسع من أسباب استقلال المحكوم بمساعدته في إبرام التصرفات القانونية. وهذا يعني أن "المشرع قد كفل الاستقلالية التامة للأشخاص ذوي الإعاقة في إبرام تصرفاتهم القانونية وبدون مساعد قضائي متى كانت حالتهم الصحية تسمح لهم بذلك، حيث أن المساعد القضائي لا يعتبر نائبًا قضائيًا ينفرد وحده بإبرام التصرف قائمًا فيه مقام الأصيل، وإنما هو معاون للمعاق يشترك معه في إبرام التصرفات القانونية"[30].

نستنتج مما سبق أن المشرع القطري يجعل مركز الثقل في الإذن القضائي دائرًا حول مصلحة الشخص المستحق للمساعدة، ومدى ما يتمتع به من أسباب ومقومات تؤهله للانفراد بإبرام التصرف القانوني، بعكس المشرع المصري الذي يركز على سلوك المساعد القضائي ومبررات امتناعه عن المشاركة في إبرام التصرف، الأمر الذي يضر غالبًا بمصالح المستحق للمساعدة ويفوت عليه العديد من الفرص التي يمكن أن يستفيد منها.

وفي هذا الصدد، يشهد القانون الفرنسي تطورًا ملحوظًا في هذا الشأن، حيث استقر الوضع قبل قانون 5 مارس 2007 على أنه إذا قام الشخص الذي تقررت له المساعدة القانونية بالانفراد بإبرام التصرف القانوني، فإن التصرف يكون قابلًا للبطلان بشرط إثبات تعرض الشخص الخاضع لنظام المساعدة لضرر. وهذا الموقف يختلف عن الوضع في القانونين المصري والقطري، حيث أن انفراد الشخص المحكوم بمساعدته بإبرام التصرف القانوني، دون حصوله على إذن قضائي، يجعل التصرف قابلًا للإبطال دون الحاجة لإثبات أن هذا الشخص قد تعرض لضرر، أو أن الطرف الآخر قد قام باستغلال ضعفه أو أضر بمصالحه. فنص المادة 128 من القانون المدني القطري يؤكد صراحةً على أن التصرف الذي تقررت له المساعدة يكون قابلًا للإبطال إذا صدر من الشخص بعد قيد قرار مساعدته، ولم يستثن من هذه القاعدة إلا حالة الإذن القضائي له بالانفراد بإبرام التصرف.

كما استحدث قانون 5 مارس لسنة 2007 نصًا يقضي بأنه يجوز للطرف الذي تعاقد مع الشخص الخاضع للمساعدة أن يحصن العقد من البطلان بمجرد إثباته أن التصرف القانوني يتفق مع مصلحة الشخص الخاضع للحماية[31]. فمجرد إثبات مطابقة العقد أو التصرف لمصلحة الشخص الخاضع للمساعدة القانونية يضمن بقاء العقد ويدفع القاضي إلى رفض طلب الإبطال، لكن يظل القاضي له سلطة تقديرية في تحديد مدى تناسب التصرف القانوني مع مصلحة الخاضع للمساعدة القانونية. وتعليقًا على هذه السياسة التشريعية، يذهب جانب من الفقه الفرنسي إلى أن تحقيق الأمن القانوني في العلاقات التعاقدية، من خلال تقليل حالات البطلان الوجوبي، هو الذي دفع المشرع الفرنسي إلى هذا الحل القانوني[32].

Le respect de la sécurité juridique commande de se délester des cas de nullité impérative.

ويربط الرأي السابق فكرة الحق في الأمن القانوني بهدف استقرار المراكز والأوضاع القانونية للأفراد، وضمان توقعاتهم المشروعة. فكل تأثير سلبي على مراكز الأفراد وأوضاعهم القانونية، أو على ثقتهم المشروعة في القانون، يخلق نوعًا من خطر عدم الأمن القانوني، ويفرض على المشرع مواجهته[33].

وإذا كان الحل السابق يتمتع بمنطقية، خاصةً في الحالات التي يرفض فيها المساعد القانوني التعاون مع الشخص الواجب مساعدته، إلا أنه يهتم في المقام الأول بتحقيق الأمن القانوني للمتعاملين مع الشخص الخاضع للمساعدة. ولا شك أن الوضع في القانونين المصري والقطري يجب أن يتجه نحو ترجيح الحماية القانونية للفئات الضعيفة على العناصر الشخصية للأمن القانوني التي يطالب بها المتعاملين معهم تحت ستار الثقة والطمأنينة في التعامل، بل أن الأمن القانوني قد يتأثر سلبًا بسبب سلوكيات الأفراد الذين يستغلون ضعف هذه الفئة، وينجحون في إثبات مصالح وهمية لطرف ضعيف لا يستطيع في الغالب مواجهة الحيل التي يلجأ إليها البعض. ولذلك، وتحقيقًا للأمن القانوني، يجب النص بوضوح على التصرفات الضارة ضررًا محضًا التي لا يجوز للشخص الخاضع للمساعدة أن يقوم بها منفردًا، وضرورة تخفيف قواعد الإذن القضائي، وعدم التشدد في إجراءاته، بالنسبة لباقي التصرفات.

واستكمالًا لفكرة استقلال الخاضع للمساعدة في إبرام بعض التصرفات القانونية، فيجب ألا تتشدد الجهات الإدارية في إلزام ذوي الإعاقة بالاستعانة بمساعد قضائي عند ممارسة حقوقهم المدنية، حيث أن أمر تعيين المساعد لا يدخل إلا في سلطة القضاء الذي يجوز له وحده تعيين مساعد قضائي لذوي الإعاقة إذا قدرت المحكمة ذلك وفقًا لظروف كل حالة وبمناسبة نزاع معين معروض على المحكمة. وبدلًا من هذا التشدد، يجب أن تتجه الدولة نحو توفير خبراء معتمدين ومتخصصين في لغة الإشارة وطريقة برايل وجميع وسائل الاتصال الحديثة التي تساعد ذوي الاحتياجات الخاصة في استعمال حقوقهم. وهذا يعني أنه لا يجوز للجهات الإدارية أن تمتنع عن السماح لذوي الإعاقة وذوي الإعاقتين من الاستعانة بمترجمي إشارة معتمدين من الجمعيات والمؤسسات الأهلية المتخصصة لتوصيل ما يعبر به أي منهم عن إرادته بدلًا من فرض المساعد عليه رغمًا عنه. فخضوع الدولة للقانون يعني "ألا تخل تشريعاتها بالحقوق التي يعتبر التسليم بها في الدول الديمقراطية مفترضًا أوليًا لقيام الدولة القانونية، وضمانة أساسية لصون حقوق الإنسان"[34].

المطلب الثاني: معايير توسيع نطاق المساعدة القانونية في القانون المدني

منع القانون المدني فاقدي الأهلية، ومنهم ذوي الإعاقة الذهنية، من ممارسة حقوقهم المدنية بشكل مطلق، وهو الأمر الذي يتعارض مع نص المادة 12 من الاتفاقية الدولية لحقوق ذوي الإعاقة التي نصت في فقرتها الثانية على أن "تقر الدول الأطراف بتمتع الأشخاص ذوي الإعاقة بأهلية قانونية على قدم المساواة مع آخرين في جميع مناحي الحياة". وتظهر المساعدة القانونية من هذا المنظور الحديث كبديل لنظم التمثيل القانوني التي تساهم في الحجر على حقوق بعض الفئات.

 ولا شك أن هذه التوجهات الدولية الحديثة لا يمكن قبولها لمساسها بمصالح وغايات يسعى القانونان المصري والقطري إلى ضمانها وعدم الإخلال بها (الفرع الأول).

لكن هذا لا يعني القول بتحصين التنظيم القانوني لحقوق ذوي الإعاقة، في القانونين المدني المصري والقطري، من النقد، بل يستلزم الأمر تعديلًا تشريعيًا ينظم ذوي الإعاقة الذهنية، ويحدد حصريًا من منهم يعتبر فاقدًا للأهلية في ضوء الأصول الطبية والعلمية الحديثة، ويستبعد منهم الأشخاص الذين يمكن لهم التصرف بمشاركة مساعدين قانونين (الفرع الثاني).

الفرع الأول: مظاهر الغلو في مد نطاق المساعدة القانونية إلى ذوي الإعاقة الذهنية

وجه تقرير مفوضية حقوق الإنسان لدول أوروبا النقد لبعض الدول ومنها فرنسا على أساس أن أنظمة القانون المدني بها لا تضمن أية حماية للفئات الضعيفة، وأن الأشخاص الخاضعين لهذه الأنظمة محرومون من حقوقهم، ويتعرضون لسوء المعاملة، ويعانون من خطر وضعهم في مؤسسات علاجية لمدى الحياة. ولذلك رأت هذه التقارير أنه يجب على فرنسا مراجعة تشريعاتها على وجه السرعة بهدف إلغاء أنظمة اتخاذ القرار بالنيابة عن ذوي الاحتياجات الخاصة، وضمان وصول جميع الأشخاص ذوي الإعاقة إلى أنظمة اتخاذ القرارات المدعومة، بغض النظر عن مستوى المساعدة المقدمة لهم[35].

ولقد تبنت التوجهات السابقة بعض التوصيات[36]:

-      ضرورة تعديل التشريعات الداخلية بما يتناسب مع ما تصبوا إليه الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة

-      ضرورة تقييد مفهوم فقد الأهلية في أضيق الحدود، وعدم الإسراف في نظم الولاية أو الوصاية الكاملة، فحرمان الشخص من الحق في الأهلية يعني تجريده من شخصيته القانونية ومن اعتباره انسانًا.

-      ضرورة النص الصريح على حق فاقدي الأهلية في ممارسة حقوقهم المدنية والسياسية، وخاصةً الحق في التملك والحق في الزواج والحق في التصويت.

-      مراجعة الإجراءات القانونية لضمان حق فاقد الأهلية في الطعن على قرار وضعه تحت أنظمة القانون المدني.

-      الإعداد القانوني لوسائل الدعم التي يريد ذوي الاحتياجات الخاصة الاستفادة منها بمحض إرادتهم لمساعدتهم في اتخاذ قراراتهم.

-      وضع الواجبات القانونية الصريحة بإلزام جميع الجهات القضائية والإدارية بجعل الخدمات متناسبة مع ذوي الاحتياجات الخاصة، وتيسير سبل الوصول إليها.

ويمكن للتوجهات السابقة أن تستند إلى أن اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، التي انضمت إليها مصر[37] وقطر[38]، قد حظرت التمييز بين الأشخاص على أساس الإعاقة[39]، وانه لا يجوز حرمان ذوي الإعاقة من التمتع بكافة الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية أو الثقافية أو المدنية، ويكون لهم ممارسة كافة هذه الحقوق على قدم المساواة مع الأشخاص الآخرين[40]. وقد ألزمت هذه الاتفاقية الدول باتخاذ كافة التدابير التشريعية والإدارية لوضع الحقوق المعترف بها موضع التنفيذ، واتخاذ كافة التدابير التشريعية لتعديل أو إلغاء كل ما يوجد من قوانين ولوائح وأعراف تشكل تمييز ضد الأشخاص ذوي الإعاقة.

ومن ناحية أخرى فإن الاتفاقية الدولية المتعلقة بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة قد أقرت بالحقوق والحريات المكفولة لذوي الإعاقة لاسيما حريتهم في التعبير عن إرادتهم ومشاركتهم في الحقوق والحريات التي يتمتع بها سائر المواطنين في الدول أطراف الاتفاقية[41].

ومن هذا المنطلق، فالأهلية يتم تناولها من خلال هذا المنظور الحديث باعتبارها حق، كالحق في العمل والحق في الصحة وغيرها من طائفة الحقوق الفردية الحديثة، أو في إطار ما يطلق عليه "قرينة الأهلية" التي يتمتع بها الجميع على قدم المساواة[42]، وذلك على أساس أن الأنظمة القانونية التقليدية التي استقر عليها الوضع في القانون المدني لم تؤت بثمارها المرجوة، بل على العكس قد أضرت بذوي الاحتياجات الخاصة[43].

وإذا كان كانت التوجهات السابقة قد انطلقت من مقدمات تبدو منطقية من حيث تركيزها على حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة[44]، الا أن هذه المقدمات تواجهها تحديات فرضتها قواعد القانون المدني التي تحرم بعض الفئات من أهلية الأداء. وبالتالي، فتحقيق المساواة الكاملة بين ذوي الإعاقة الذهنية وغيرهم من الأشخاص العاديين يجب أن يمر من خلال آليتين، لا يمكن تحقيقهما، الأولى تتعلق بمنحهم الأهلية الكاملة، والثانية تهدف إلى الإلغاء، الكلي أو الجزئي، لأنظمة الحماية القانونية التي كرسها القانون للحفاظ على مصالح هذه الفئات من الاعتداءات التي يتعرضون لها أثناء تعاملاتهم القانونية، واستبدالها بصور حديثة للمساعدة القانونية يحكمها طابع التراضي وليس الإلزام.

فبرغم الحجج التي تم ذكرها، إلا أنها غير مقبولة من الناحية القانونية، فإذا كان مبدأ المساواة يستمد أهميته من كونه أداة لتوفير الحماية لأي طرف ضعيف، ليس فقط فيما يتعلق بالحقوق السياسية، بل تمتد تلك الحماية إلى جميع الحقوق التي تقررها القوانين الخاصة للفئات الضعيفة، إلا أن هذا لا يعني أن الحق في المساواة يخضع المواطنين كافة لقواعد موحدة توفر لهم مساواة فعلية أو واقعية تتجاهل ما قد يقوم بينهم من أوجه التفاضل أو التمايز فيها[45].

 ولا شك أن هذا الاختلاف في المعاملة هو تطبيق لقواعد العدل الذي يعني المساواة بين المتماثلين والتمييز بين غير المتماثلين، «والحقيقة أن العلاقة بين المساواة والعدل علاقة وثيقة لدرجة أنه كثيرًا ما تذكر الكلمتان على سبيل الترادف، فالتسوية بين أمرين متماثلين هي عادة نوع من أنواع العدل»[46]. ويمكن أن نطلق على هذه المعاملة تكافؤ الفرص التي تعني المساواة الموضوعية، أي محاولة تقريب المراكز الاجتماعية المتفاوتة[47]. وهذا ما يميز المساواة الموضوعية عن المساواة الشكلية التي ينادي بها أنصار حقوق الإنسان، والتي لا تراعي أي اختلاف في المراكز القانونية للأشخاص.

وهذا يعني أن المساواة بين ذوي الاحتياجات الخاصة وبين غيرهم من الأشخاص الأصحاء لا يحقق مبادئ العدل.

وعلى ذلك، فالمصلحة العامة تقتضي وجود أنظمة قانونية تدعم ذوي الاحتياجات الخاصة في تصرفاتهم القانونية. فإلى جانب حماية المصلحة الخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة، فإن المصلحة العامة قد تستوجب حرمان بعض الفئات من ممارسة حقوقهم المدنية. كما أن الغير يمكن أن يتعرض لظلم كبير نتيجة إطلاق يد بعض ذوي الاحتياجات الخاصة في التصرف في أموالهم دون رقابة من جانب سلطة عامة. ولقد ذهبت محكمة التمييز القطرية إلى أن طلب الحجر لعارض من عوارض الأهلية يستهدف مصلحة خاصة ومصالح عامة ترجع كلها إلى حفظ مال من لا يستطيع المحافظة على ما له[48].

وتجدر الإشارة إلى أن القانون المدني قد اعتمد على مفهوم الأهلية القانونية من أجل تحقيق التوازن بين المصالح السابقة. فالحقوق المدنية تتوقف في ممارستها واستعمالها على مدى توافر الأهلية أو نقصانها أو انعدامها، الأمر الذي يمكن من خلاله التحكم في ضبط العلاقات القانونية على أساس من التوازن والمساواة العادلة.

لكن، برغم عدم الاعتراف بالحق في المساعدة القانونية لجميع ذوي الإعاقة الذهنية، كبديل لنظم التمثيل القانوني، إلا أنه يمكن إعادة النظر في الفئات المحرومة من الحقوق المدنية في ضوء الأصول الطبية والعلمية الحديثة.

الفرع الثاني: إعادة النظر في تحديد مفهوم ذوي الإعاقة الذهنية مقدمة لدور جديد للمساعدة القانونية

نص المشرع في القانون المدني على حرمان فاقدي الأهلية، سواء بسبب الصغر، أم بسبب الجنون والعته، من ممارسة كافة حقوقهم المدنية. وتطبيقًا لهذا الحرمان، استوجب المشرع فرض قواعد الحجر على هذه الفئات، وفرض أنظمة الولاية أو الوصاية أو القوامة. ويتبنى القانون المدني كالعادة منهجية تصنيف الفئات القانونية التي تسهل للقاضي عملية التكييف القانوني للحالات الفردية، وهي منهجية تضمن وحدة الحلول القانونية.

 لكن يبدو أن المشرعين المصري والقطري قد وسعا من نطاق فئة الأشخاص ذوي الاحتياجات العقلية التي تشمل الجنون والعته، فالمشرع قد اعتبر العته شعبة من شعب الجنون وليس قسيمًا له، على أساس أن كليهما لا يكون معه تمييز بين الخير والشر ولا تقدير لنتائج الأمور والأفعال، وبالتالي يأخذ المعتوه حكم المجنون ويلحق بالصبي غير المميز. ومن الجدير بالذكر أن هناك اختلاف حول حقيقة العته، فالبعض يرى وجود فوارق واضحة بينهما، فالمجنون يتسم بالعنف المرتبط بالهياج وسرعة الانفعال، أما المعتوه فهو شخص هادئ الطباع ولا يتهيج من أقل الأسباب، بل يصحبه خمول في أغلب الأوقات. لذلك يرى البعض أن المعتوه قد يكون مميزًا فيعتبر ناقص لأهلية الأداء ويأخذ حكم الصبي المميز، وقد يكون غير مميز فيكون عديم الأهلية، ويأخذ حكم الصبي غير المميز[49]. لكن المشرع لم يميز بين العته الذي يعدم التمييز والعته الذي يضعف العقل فقط، ويفسد التدبير، وبالتالي تأخذ تصرفاته حكم تصرف الصبي المميز لاتحاد العلة بينهما، وهي ضعف العقل وعدم الفهم. وهذا ما تبناه القانون المدني الأردني في المادة 128- 1 التي نصت على أن المعتوه هو في حكم الصغير المميز. كما نص القانون المدني الكويتي في المادة 99 على أن تصرفات المعتوه تسري عليها احكام تصرفات الصغير المميز المنصوص عليها في المادة 87، نصب عليه قيم او لم ينصب.

وتعليقًا على موقف المشرعين الأردني والكويتي، يرى البعض أن هذا التمييز بين المجنون والمعتوه هو" أمر معقول وعادل، فهناك حالتين للعته: عته يعدم التمييز، وعته يضعف العقل مع بقاء التمييز، وعليه فالعته يؤثر في الأهلية، تارة بالانعدام، وتارة بالإنقاص"[50].

كما يؤخذ على المشرع أنه لم يقم بتعريف المجنون، بل ترك الأمر على إطلاقه، دون أن يأخذ في اعتباره أن الجنون على درجات مختلفة، وأن هذا الاختلاف يقتضي التفريق في المعاملة القانونية، فالجنون المطبق لا يجب أن يأخذ حكم الجنون المتقطع. والحقيقة أن الآفات العقلية متعددة، وكل واحدة لها تأثيرها على الملكات العقلية للإنسان، سواء كان هذا التأثير تامًا يشمل كل الملكات العقلية أم جزئيًا يقتصر على بعضها. ومصطلح الجنون، وما يترتب عليه من غياب المنطق والقدرات العقلية غيابًا تامًا ونهائيًا، هو مصطلح دقيق لا يقبل النسبية، ولا ينطبق على بعض الأمراض النفسية التي تطرأ عليها تغيّرات عقلية ويمكن أن يغيب معها المنطق لكن بشكل محدود وجزئي وليس شامل ودائم، "فلا وجود في الطب النفسي لحالة الغياب الكامل للعقل إلاّ في حالات محددة مثل التهاب الدماغ الحاد أو التسمم الحاد بمواد كيميائية، ومع ذلك يمكن شفاء بعضها، أمّا الغياب الكامل للملكات العقلية فهو يحدث في حالات الخرف المتقدّمة والتي تؤدي إلى تدهور المهارات العقلية لتصل بالشخص إلى حالة من تلف الدماغ وضموره ومن ثم ّ إلى الوفاة، فمن الخطأ إطلاق مصطلح الجنون على جميع الأعراض النفسية"[51]. وقد يصطلح على المرض العقلي بمرض الذهان والذي يدل على الجنون، ويكون فيه المريض خطرًا على نفسه وعلى المجتمع، أمّا المرض النفسي أو بما يطلق عليه بالمرض العصابي، فيكون فيه المريض قادرًا على تدبير شؤونه وهو يعي حالته النفسية[52].

وبرغم ما سبق، أكد القانون المدني المصري في المادة 45 من فقرتها الأولى على أنه "لا يكون أهلًا لمباشرة حقوقه المدنية من كان فاقد التمييز لصغر في السن أو عته أو جنون". وهذا يعني أن المشرع قد حرم المجنون من مباشرة حقوقه المدنية أو الدفاع عنها، دون أن يميز بين الجنون المطبق والجنون المتقطع. ويذهب البعض إلى أن "الصحيح الراجح والذي ذهب إليه فقهاء الشريعة الإسلامية أن حالة المجنون غير المطبق، وحالة المعتوه فاسد التدبير الذي يكون أحيانًا مثل البالغ العاقل يصنفان على أنهما من ناقصي الأهلية، وليس من عديمي الأهلية، مثل الصبي المميز"[53].

وتنص المادة 128 من القانون المدني الأردني في فقرتها الثانية على أن المجنون المطبق هو في حكم الصغير غير المميز. أما المجنون غير المطبق فتصرفاته في حال إفاقته كتصرف العاقل. كما نصت المادة المادة 98 في فقرتها الثانية على أنه إذا كان الجنون غير مطبق، وحصل التصرف في فترة إفاقته، كان صحيحًا.

 ونتيجة لما سبق، فإن معيار المعقولية يحتم حصر حالات المنع من ممارسة الحقوق المدنية في أوضاع الجنون المطبق. أما في غيرها من حالات الإعاقة العقلية، فيجب على المشرع أن يتصدى لها بإنشاء صور حديثة للمساعدة القانونية، يتم من خلالها معاونة هذه الأشخاص على اتخاذ قراراتهم وممارسة حقوقهم المدنية بالشكل الذي يتناسب مع ظروفهم الخاصة.

وهذا يعني ضرورة تنقيح النصوص الخاصة بذوي الاحتياجات العقلية في ضوء الأصول العلمية والطبية المتعلقة بهذه الأمراض، من حيث القواعد المتعلقة بتقدير حالة المريض العقلي المستحق للمساعدة القانونية، من ناحية أولى، وكذلك من حيث اختيار المساعد القانوني المناسب لكل حالة مرضية، من ناحية ثانية.

فمن الناحية الأولى، وفيما يتعلق بتقدير حالة المريض المستحق للمساعدة القانونية، يجب منح الأطباء والمتخصصين سلطات واسعة في تقدير حالات المرضى العقليين الذين يستطيعون ممارسة حقوقهم المدنية بمعاونة مساعدين قانونين، وهذا الأمر يقتضي إعادة النظر في السلطة التقديرية للقاضي فيما يتعلق بتقييم حالة الشخص الذهنية التي تستوجب حرمانه من حقوقه المدنية. فالقاضي لا يجب أن ينفرد وحده بتقدير حالات المساعدة القضائية، ولا يستأثر بتحديد الحالات التي يحرم فيها البعض من استعمال حقوقهم المدنية.

فتقدير الحالة العقلية والنفسية وإن كان في الأصل من المسائل الموضوعية التي تختص محكمة الموضوع بالفصل فيها إلا إنه يتعين عليها ليكون قضاؤها سليمًا أن تعين خبيرًا للبت في هذه الحالة وجودًا وعدمًا[54].

لكن، محكمة النقض المصرية رأت أن "التحقق من قيام عارض من عوارض الأهلية لدى أحد الخصوم هو مما يتعلق بفهم الواقع في الدعوى تستقل محكمة الموضوع بتقدير الأدلة المطروحة عليها والأخذ بما تطمئن إليه منها وحسبها بيان الحقيقة التي اقتنعت بها وأوردت دليلها وبما يكفي لحمل قضائها وهي غير ملزمة بندب خبير آخر طالما وجدت في أوراق الدعوى ما يكفي لتكوين عقيدتها"[55].

كما استقرت على أنه "ومتى كان الحكم المطعون فيه قد أقيم على أسباب كافية لحمل قضائه وتسوغ النتيجة التي انتهى إليها فإنه لا يعيبه إغفاله الرد على تقرير الطبيب والمخالصة المقدمين من الطاعنة تأييدا لدفاعها الذى أطرحه الحكم - ذلك أن في قيام الحقيقة التي اقتنعت بها المحكمة وأوردت دليلها التعليل الضمني المسقط لكل ما قدمه الخصوم من حجج مناقضة لهذه الحقيقة ومن ثم يكون النعي بهذا السبب على غير أساس"[56].

نستنتج مما سبق أن محكمة النقض المصرية قد استقرت على أن الطبيب لا يشترط أن يساهم في تحديد القاضي للوصف القانوني للحالة المرضية التي يشاهدها، بل الشأن في ذلك للقاضي الذي يملك أن يحكم بما يطمئن إليه من شهادة الشهود والقرائن، ولو كانت مخالفة لرأي الطبيب، حيث له مطلق الحق في تقدير ما يدلي به الخبراء من آراء.

لكن هذه النظرة القانونية المتشددة لا يجب التمسك بها، فالطبيب هو الذي يستطيع التفرقة بين المريض العقلي والمريض النفسي الذي تظل شخصيته متماسكة للحد الذي تكون معه تصرفاته منسجمة مع الواقع، ويظل اهتمامه بالمجتمع قائمًا، بخلاف المريض العقلي الذي يفقد هذا الاهتمام. كما أن القاضي وحده لا يستطيع أن يقرر مثلًا مدى اعتبار حالة الاكتئاب مرضًا عقليًا يستوجب الحجر أم مجرد مرض نفسي، حيث أن الاكتئاب كرد فعل لظروف سيئة يعتبر حالة عقلية إذا وصلت حالة الاكتئاب إلى درجة أن أصبحت مستمرة بعد انتهاء الظرف الذي حصلت فيه مع أصحابها بأعراض الاكتئاب وفقدان الثقة، وفي غير هذه الأحوال فإن الاكتئاب كرد فعل لظروف سيئة لا يعتبر مرضًا عقليًا[57].

ومن ثم فإن تحديد ماهية المريض العقلي وصولا إلى عدم تكامل أهليته أو تكاملها يعتبر من المسائل الفنية البحتة التي لا تستطيع المحكمة بنفسها أن تشق طريقها لإبداء الرأي فيها، بل يتعين عليها تحقيقها عن طريق المختص فنيا[58].

ومن الناحية الثانية، من حيث اختيار شخص المساعد القانوني المناسب لكل حالة مرضية، يجب دمج الأطباء والمختصين فنيًا في عمل المحاكم بشكل أكثر فاعلية، الأمر الذي يضمن إشراكهم في اتخاذ قرار اختيار المساعد المناسب لكل حالة مرضية. وتحقيقًا لهذا الهدف، يجب تدريب هؤلاء المختصين، من خلال دورات قانونية، على الإلمام بالقواعد القانونية المتعلقة بممارسة الحقوق المدنية، والأركان والشروط الواجب توافرها لإبرام التصرفات القانونية بشكل عام، وخاصةً ما يتعلق بأهلية الأداء، وكذلك الإحاطة بالآثار القانونية الخطيرة التي يمكن أن تترتب على قرارهم أو توصياتهم، والمتمثلة في منعهم وحظرهم من ممارسة الحقوق والحريات.

ويرى البعض أن بعض الدول قد أخذت "بالمنحى الجاد والفعّال في الاهتمام بفئة المرضى النفسيين والعقليين أمام القضاء سيرًا نحو المسعى الذي تنشده منظمة الصحة العالمية، ونشير هنا إلى أهم الدول التي تبنّت فكرة الاهتمام بهذه الفئة ضمن هياكلها القضائية، نجد محكمة الصحة العقلية في إنجلترا، محكمة المراجعة للصحة العقلية أو النفسية في إيرلندا الشمالية، محكمة الصحة النفسية في اسكتلندا، كذا في استراليا ونيوزيلندا، وفي كندا، الولايات المتحدة الأمريكية، اليابان وحتى في جمهورية إفريقيا الجنوبية"[59].

ويجب التأكيد على أن اختيار المساعد لذوي الإعاقة الذهنية يختلف عن اختيار المساعد لذوي الإعاقة الجسدية، ففي الحالة الأولى يلعب الطبيب المختص دورًا رئيسيًا في عملية الاختيار وفقًا لحالة كل مريض على حدة.

لكن يجب تقييد نظام المساعدة القانونية لهذه الفئة بالحقوق المدنية فقط وفي التصرفات القانونية تحديدًا. فلا يجب المساس بالمسائل الدينية والسياسية التي تتعلق بالمصلحة العامة وتقتضي بعض القيود على عملية التوسع في الاعتراف بهذه المساعدة في مجالات معينة أو لفئات محددة.

الخاتمة

توصل البحث إلى النتائج والتوصيات التالية:

أولًا: النتائج

-      لما كانت موضوعات القانون المدني هي البوابة الرئيسية لتوسيع مفهوم حقوق الإنسان، كما أن مفهوم الشخص الضعيف أو المستحق للمساعدة من المفاهيم التي يهتم بها قانون حقوق الإنسان لما له من قدرة على التجاذب مع العديد من الأفكار التي تدافع عن الحقوق الفردية والحريات، فإنه من المنطقي أن يحدث تقابلًا بين أفكار ومبادئ القانون المدني والتوجهات الدولية لتعزيز حقوق الإنسان.

-      على عكس التوجهات الدولية التي توسعت بشدة في صور المساعدة الغير قضائية، ولم تفرق بين ذوي الإعاقة الجسدية المتمتعين بإرادة سليمة وبين ذوي الإعاقة الذهنية المفتقدين لأهلية الأداء، وضع المشرعان المصري والقطري نظامين مختلفين للتعامل مع ذوي الإعاقة، حيث خصصا المساعدة القضائية لذوي الإعاقة البدنية، وخصا ذوي الإعاقة الذهنية أو فاقدي الأهلية بنظام التمثيل القانوني.

-      وبرغم غلو التوجهات الدولية ومبالغاتها في تفعيل دور المساعدة القانونية بشكل يمس بمبادئ قانونية ثابتة ومستقرة، إلا أنها أثارت الفكر ودفعته إلى إعادة البحث في مفهوم المساعدة القضائية، من ناحية، وفي فئة المحرومين من ممارسة حقوقهم المدنية لإعادة تعريفهم وتحديدهم، خاصةً في ظل التطورات العلمية والطبية والحديثة، من ناحية أخرى.

-      وبدراسة التنظيم القانوني لنظام المساعدة القضائية لذوي الإعاقة الجسدية في القانون المدني المصري، يتضح أنه يؤدي إلى التأثير سلبًا على ما يتمتع به أصحاب هذه الفئات من حقوق وحريات أساسية. كما أثبتت الدراسة أن التطبيق الخاطئ للقيود التي تفرضها المساعدة القضائية على تصرفات الفئات الضعيفة أدى إلى امتدادها إلى مجالات أبعد من تلك التي استهدفها القانون المدني، الأمر الذي يؤثر بالسلب على حقوقهم المدنية والسياسية.

-      ولقد أثبتت الدراسة أن عوامل تجسيد مفهوم المساعدة القانونية في الواقع تتسم بالجمود، وبالتالي فتطور المفهوم يقتضي التخفيف من درجة تشدد سلطات الدولة في تطبيقه، كما يقتضي ضرورة انفتاح المفهوم على التطورات العلمية والمعرفية التي تشهدها الفترة الحالية. فإعادة بناء المفهوم لا يمكن أن تتم بمعزل عن الظروف الموضوعية التي تحيط بالفئات الضعيفة، وما أفرزه التطور العلمي والتقني من وسائل ومؤسسات تدعمهم وتؤازرهم، الأمر الذي يقتضي تطوير طريقة تجسيد المفهوم في الواقع من خلال مشاركة هذه المؤسسات لسلطات الدولة.

-      كما أثبتت الدراسة تشدد المشرعين المصري والقطري في التعامل مع ذوي الإعاقة الذهنية، الأمر الذي ترتب عليه حرمانهم من حقوقهم المدنية. فبينما يقبض القانون المدني يده ولا يطلقها لإفساح المجال لأي دور للمساعدة القانونية لهذه الفئة، فإن التوجهات الحديثة ترى أن المساعدة القانونية يمكن أن تلعب دورًا مناسبًا في بعض حالات أصحاب الإعاقة الذهنية لدعم وتعزيز حقوقهم المدنية والأساسية.

ثانيًا: التوصيات

من خلال النتائج السابقة، نقترح على المشرعين المصري والقطري ضرورة تفعيل دور المساعدة القضائية من خلال التعديلات التالية:

-      تحديد واضح لدور المساعد القضائي في دعم الفئات الضعيفة ومساندتهم في استعمال حقوقهم المدنية. فالمساعد القضائي ليس سيفًا مسلطًا على الخاضع للمساعدة، ولا قيدًا يكبل حريته في التصرف، بل معاونًا له يؤازره ويبصره بجميع الحقائق والملابسات المحيطة بتصرفاته القانونية.

-      تخفيف درجة التشدد في سلطة القضاء وفي الإجراءات القانونية المتعلقة بتعيين المساعدين القضائيين في القانون المصري.

-      ضرورة تدريب المساعدين القضائيين تدريبًا قانونيًا مناسبًا.

-      التزام الدولة وسلطاتها بتهيئة الواقع الاجتماعي بدرجة تؤدي إلى التطبيق الأمثل للمفهوم.

-      توجه الدولة نحو توفير خبراء معتمدين ومتخصصين في لغة الإشارة وطريقة برايل وجميع وسائل الاتصال الحديثة التي تساعد ذوي الاحتياجات الخاصة في استعمال حقوقهم.

-      التزام الجهات الإدارية بالسماح لذوي الإعاقة وذوي الإعاقتين بالاستعانة بمترجمي إشارة معتمدين من الجمعيات والمؤسسات الأهلية المتخصصة لتوصيل ما يعبر به أي منهم عن إرادته بدلًا من فرض المساعد عليه رغمًا عنه.

-      إفساح المجال لمستحقي المساعدة القانونية لاختيار شخص المساعد القضائي من خلال قوائم تعدها وزارة العدل وتتيح عرضها لهم بشفافية.

-      وتحقيقًا للأمن القانوني، يجب النص على سبيل الحصر، وفي حدود التصرفات الضارة ضررًا محضًا فقط، على التصرفات التي لا يجوز للشخص الخاضع للمساعدة أن يقوم بها منفردًا.

-      تعديل نصوص القانون المدني المتعلقة بالأشخاص المحرومين من حقوقهم المدنية بسبب الإعاقة الذهنية، وحصرها في الأشخاص المصابين بالجنون المطبق. وفي غير هذه الحالات المحددة من قبل المشرع في ضوء الراجح في الفقه الإسلامي وما وصلت إليه الأصول العلمية والطبية، يمكن إفساح المجال لتطبيق المساعدة القانونية بمفهومها الحمائي في ضوء بعض الضوابط، ومنها:

·       التأكيد على أن دور القضاء المنضبط بالمعقولية هو ضمانة حقيقية لتطبيق فعال للمساعدة القانونية، بشرط إفساح المجال لأهل الطب والاختصاص في تقدير الحالات التي يمكن أن تستفيد من المساعدة.

·       التأكيد على أن دور المساعدة القانونية لهذه الفئة يتعلق بالحقوق المدنية فقط، وبالتالي يخرج من نطاقها، ما يتعلق بالمسائل السياسية؛ كالانتخابات والاستفتاءات، وكذلك المسائل التي تتعلق بالأحوال الشخصية؛ التي يخضع فيها هؤلاء لقواعد الشريعة الإسلامية فقط.


 

المراجع

أولًا: العربية

إبراهيم، أحمد إبراهيم. "الأهلية وعوارضها والولاية في الشرع الإسلامي"، مجلة القانون والاقتصاد، القاهرة، س1، ع 1 (1931).

أحمد، خالد جمال. الالتزام بالإعلام قبل التعاقد، دار النهضة العربية، القاهرة، 2003.

بدر، أسامة أحمد. حماية المستهلك في التعاقد الإلكتروني، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2005.

البراوي، حسن حسين والأباصيري، فاروق وراشد، طارق جمعة. المدخل إلى القانون القطري، كلية القانون، جامعة قطر، 2019-2020.

برمضان، الطيب. "الحجر على المجنون والمعتوه في الفقه الإسلامي والقانون الجزائري"، مجلة صوت القانون، الجزائر، مج7، ع3 (2021).

جمعة، طارق راشد وأوروان، هارون. "الحماية القانونية للأشخاص ذوي الإعاقة كإحدى أولويات المسئولية المجتمعية في القانون القطري، دراسة تحليلية تطبيقية"، مجلة المنار للبحوث والدراسات القانونية والسياسية، جامعة يحيى فارس، المدية، ع6 (سبتمبر 2018).

حسين، فايز محمد. "سيادة القانون والحق في التقاضي والمساعدة القانونية"، مجلة الحقوق للبحوث القانونية والاقتصادية، مج2، ديسمبر 2012، عدد خاص بمؤتمر "العدالة بين الواقع والمأمول"، كلية الحقوق، جامعة الإسكندرية، (ديسمبر 2012).

خليل، أحمد. "عدم المساواة «العدالة» بين المرأة والرجل عند التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية"، مجلة الحقوق للبحوث القانونية والاقتصادية، كلية الحقوق، الإسكندرية، عدد خاص، (ديسمبر 2010).

خيرة، بن سويسي. "إشكالية تطبيق النصوص المتعلقة بالصحة النفسية في الجزائر"، مجلة الدراسات الحقوقية، جامعة سعيدة الدكتور مولاي الطاهر، كلية الحقوق والعلوم السياسية، مج7، ع3، (2020).

داود، إبراهيم عبد العزيز. "خطر عدم الأمن القانوني وضرورة تفعيل الدور التشريعي دراسة تحليلية مقارنة"، المجلة الدولية للقانون، مج 10، ع3 (2021)، عدد خاص بمؤتمر "القانون في مواجهة الأزمات العالمية الوسائل والتحديات"، كلية القانون، جامعة قطر، 7-8 فبراير 2021.

دغش، مؤيد عيسى محمد. المساعدة القضائية في التعبير عن الإرادة، دراسة مقارنة، رسالة ماجستير، جامعة النجاح الوطنية، كلية الدراسات العليا، نابلس، 2008.

الرفاعي، أحمد محمد. الحماية المدنية للمستهلك إزاء المضمون العقدي، دار النهضة العربية، القاهرة، 1994.

عجيز، محمد محمد. ذاتية قانون العمل وأهم تطبيقاتها، دار النهضة العربية، القاهرة، 2007.

فرحات، محمد نور. المرأة والمساواة - التمييز لصالح النساء، دار رسائل النداء الجديد، القاهرة، نوفمبر 2003.

المالح، حسان. "لماذا نفضل مصطلح الطب النفسي وليس الطب العقلي"، متاح على الرابط: http://bawaba.khayma.com/2016-02-01-18-16-36/2016-02-01-18-17-44/2016-02-01-19-48-10، (نوفمبر 2012).

المهدي، نزيه صادق. الالتزام قبل التعاقدي بالإدلاء بالبيانات المتعلقة بالعقد وتطبيقاته على بعض أنواع العقود، دراسة فقهية قضائية مقارنة، دار النهضة العربية، القاهرة، 1999.

ثانيًا: الأجنبية

References:

Aḥmad, K. J. al-iltizām bālʼʻlām qabla al-taʻāqud (in Arabic). Dār al-Nahḍah al-ʻArabīyah, al-Qāhirah, 2003.

Al-Barrāwī, Ḥ. Ḥ., alʼbāṣyry, F., Rāshd, Ṭ. J. al-Madkhal ilá al-qānūn al-Qaṭarī (in Arabic). Kullīyat al-qānūn, Jāmiʻat Qaṭar, 2019/2020.

Al-Mahdī, N. Ṣ. al-iltizām qabla altʻāqdy bālʼdlāʼ bi-al-bayānāt al-mutaʻalliqah bi-al-ʻaqd wa-taṭbīqātuhu ʻalá baʻḍ anwāʻ al-ʻuqūd, dirāsah fiqhīyah qaḍāʼīyah muqāranah (in Arabic). Dār al-Nahḍah al-ʻArabīyah, al-Qāhirah, 1999.

Al-Māliḥ, Ḥ. "Li-mādhā nfḍl muṣṭalaḥ al-ṭibb al-nafsī wa-laysa al-ṭibb al-ʻaqlī", (in Arabic). Mawqiʻ nafsānī dūt Kūm, 20/11/2012, Tārīkh al-ziyārah: 18/11/2021 <https: nafsani. khayma. com>.

Al-Rifāʻī, A. M. al-Ḥimāyah al-madanīyah lil-mustahlik izāʼa al-maḍmūn al-ʻaqadī (in Arabic). Dār al-Nahḍah al-ʻArabīyah, al-Qāhirah, 1994.

Badr, U. A. Ḥimāyat al-mustahlik fī al-taʻāqud al-iliktrūnī (in Arabic). Dār al-Jāmiʻah al-Jadīdah, al-Iskandarīyah, 2005.

Bramaḍān, al-Ṭayyib. "al-ḥajar ʻalá al-majnūn wālmʻtūh fī al-fiqh al-ʾIslāmī wa-al-qānūn al-Jazāʼirī", Majallat Ṣawt al-qānūn, al-Jazāʼir, al-mujallad 7, al-ʻadad 3, 2021.

Commaissaire Aux Droit De L' Homme, Qui appartient-il de decider? Le droit à la Capacité juridique des personnes ayant des déficiences intellectuelles et psychosociales, Edition du Conseil de l'Europe, novembre 2012.

Daghash, M. ʻĪ. M. al-Musāʻadah al-qaḍāʼīyah fī al-taʻbīr ʻan al-irādah-dirāsah muqāranah (in Arabic). [Risālat mājistīr], Jāmiʻat al-Najāḥ al-Waṭanīyah, Kullīyat al-Dirāsāt al-ʻUlyā, Nābulus, 2008.

Dāwūd, I. ʻA. "The risk of legal insecurity and the necessity to activate the legislative role: A comparative analytical study", (in Arabic). al-Majallah al-Dawlīyah lil-qānūn, mujallad 10, ʻadad 3, 2021, ʻadad khāṣṣ bmʼtmr "al-qānūn fī muwājahat al-azamāt al-ʻĀlamīyah – al-wasāʼil wa-al-taḥaddiyāt", Kullīyat al-qānūn, Jāmiʻat Qaṭar, 7-8 Fabrāyir 2021.

Decaux E., "Universalité, indivisibilité et interdépendance des droits de l’homme: les principes et leur application," Droits fondamentaux, N. 17, 2019, https://www.crdh.fr?p=4716.

Faraḥāt, M. N. al-marʼah wa-al-musāwāh: al-Tamyīz li-Ṣāliḥ al-nisāʼ (in Arabic). Dār Rasāʼil al-nidāʼ al-jadīd, al-Qāhirah, 2003.

Ḥusayn, F. M. "siyādat al-qānūn wa-al-ḥaqq fī al-taqāḍī wālmsāʻdh al-qānūnīyah", (in Arabic). Majallat al-Ḥuqūq lil-Buḥūth al-qānūnīyah wa-al-iqtiṣādīyah, Mujallad 2, ʻadad Dīsimbir 2012, Ṣ, ʻadad khāṣṣ bmʼtmr "al-ʻadālah bayna al-wāqiʻ wa-al-maʼmūl", Kullīyat al-Ḥuqūq, Jāmiʻat al-Iskandarīyah, 18 Dīsimbir 2012.

Ibrāhīm, A. I. "al-Ahlīyah wʻwārḍhā wa-al-wilāyah fī al-sharʻ al-Islāmī", (in Arabic). Majallat al-qānūn wa-al-iqtiṣād, al-Qāhirah, s1, ʻAdad, 1931.

Juglart M., L'obligation de renseignements dans les contrat, R.T.D.C. 1945.

Jumʻah, Ṭāriq Rāshid wʼʾUrwān, Hārūn, "al-Ḥimāyah al-qānūnīyah lil-ashkhāṣ dhawī al-iʻāqah kʼiḥdá Awlawīyāt al-Masʼūlīyah al-mujtamaʻīyah fī al-qānūn al-Qaṭarī, dirāsah taḥlīlīyah taṭbīqīyah", Majallat al-Manār lil-Buḥūth wa-al-Dirāsāt al-qānūnīyah wa-al-siyāsīyah, Jāmiʻat Yaḥyá Fāris bālmaddyah, al-ʻadad 6, Sibtambir 2018.

ʻJyz, M. M. dhātīyah Qānūn al-ʻamal wa-ahamm taṭbīqātuhā (in Arabic). Dār al-Nahḍah al-ʻArabīyah, al-Qāhirah, 2007.

Khalīl, A. "ʻadam al-musāwāh "al-ʻadālah » bayna al-marʼah wa-al-rajul ʻinda al-taqāḍī fī masāʼil al-aḥwāl al-shakhṣīyah", (in Arabic). Majallat al-Ḥuqūq lil-Buḥūth al-qānūnīyah wa-al-iqtiṣādīyah, Kullīyat al-Ḥuqūq, al-Iskandarīyah, ʻadad khāṣṣ, Dīsimbir 2010.

Khayrah, ibn S. "Ishkālīyat taṭbīq al-nuṣūṣ al-mutaʻalliqah bi-al-ṣiḥḥah al-nafsīyah fī al-Jazāʼir", (in Arabic). Majallat al-Dirāsāt al-Ḥuqūqīyah, Jāmiʻat Saʻīdah al-Duktūr Mawlāy al-Ṭāhir-Kullīyat al-Ḥuqūq wa-al-ʻUlūm al-siyāsīyah, mujallad 7, ʻadad 3, 2020.

Lagarde X., Observations critiques sur la rénaissance du formalisme, JCPG., nº.40 – 6 Octobre 1999.

Lyon-Caen G., Les principes généraux du droit du travail, Etudes offertes à G.-H. Camrlynck, Dalloz, 1978.

Meimon Nisembaum C., "Le mandat de protection future," Reliance, vol. 28, n0 2, 2008.

Noguero D., Vulnérabilité et aptitude, , Association Henri Capitant, Colloque international, Journées internationales, La vulnérabilité, Journées québécoises, Québec, Canada (Montréal – Ottawa, 27 mai-1er juin 2018), sous dir. rapporteur général Mme le professeure Brigitte Lefebvre, Université de Montréal, 28 mai 2018, http://www.henricapitant.org/evenements/journees-internationales.

Pecqueur É., A. Caron-Degliste et Th. Verheyde, "Capacité juridique et protection juridique à la lumière de la Convention des Nations Unies relative aux droits des personnes handicapées. La loi n° 2007-308 du 5 mars 2007 est-elle compatible avec l’article 12 de cette convention?," D. 2016.

Raoul-Cormeil G., Exercice de droit comparé: la réforme québécoise et française en leur ADN, In La protection des personnes vulnérables, Colloque du Barreau de Montréal ; Vendredi 31 janvier 2020 ; Palais des congrès de Montréal.

Vericel M., Le formalisme dans le contrat de travail, Dr. Social, novembre 1993.



[1] فايز محمد حسين، "سيادة القانون والحق في التقاضي والمساعدة القانونية"، مجلة الحقوق للبحوث القانونية والاقتصادية، عدد خاص بمؤتمر "العدالة بين الواقع والمأمول"، مج2،  كلية الحقوق، جامعة الإسكندرية (ديسمبر 2012)، ص1261.

[2] C. civ., art. 467 (Loi n°2007-308, 5 mars 2007).

[3] وبالتالي فالولي والوصي نائبان عن الشخص الخاضع للحماية، يخولهما القانون مباشرة التصرفات القانونية دون أدنى تدخل منه، بمعنى أن لهما الحق في التصرف في مال الشخص الخاضع لنظام الولاية أو الوصاية في الحدود التي يأذن بها القانون، وتكون إرادتهما هي المعتد بها في إبرام التصرفات. أما المساعد فلا يعتبر نائبًا عمن تقررت المساعدة له، بل يقتصر دوره على الاشتراك معه في القيام بالتصرفات القانونية التي يحددها القانون فقط. وتكمن أهمية التفرقة بين المساعدة القانونية، من ناحية، والولاية أو الوصاية، من ناحية أخرى، في حالة تقرير بطلان التصرفات القانونية التي يقوم بها الشخص الخاضع للحماية منفردًا. ففي حالة انفراد الشخص الخاضع للولاية أو الوصاية بإبرام التصرف القانوني بصورة مستقلة عن الولي أو الوصي، فإن التصرف يكون مشوبًا بالبطلان المطلق لصدوره من شخص عديم الأهلية، ومحروم من ممارسة حقوقه المدنية إلا من خلال الأنظمة القانونية التي حددها المشرع. أما الأشخاص المحكوم بمساعدتهم قضائيًا، فيمكن في حالات محددة أن ينفردوا بإبرام التصرفات القانونية، طبقًا للضوابط القانونية التي سنبينها.

[4] مؤيد عيسى محمد دغش، المساعدة القضائية في التعبير عن الإرادة - دراسة مقارنة، رسالة ماجستير، جامعة النجاح الوطنية، كلية الدراسات العليا، نابلس، 2008، ص30.

[5] طارق جمعة راشد، هارون أوروان، "الحماية القانونية للأشخاص ذوي الإعاقة كإحدى أولويات المسئولية المجتمعية في القانون القطري، دراسة تحليلية تطبيقية"، مجلة المنار للبحوث والدراسات القانونية والسياسية، جامعة يحيى فارس، المدية، ع 6 (سبتمبر 2018)، ص99.

[6] أنظر بنود اتفاقية حقوق ذوي الإعاقة الذهنية على الرابط التالي:

https://www.ohchr.org/ar/instruments-mechanisms/instruments/convention-rights-persons-disabilities

[7] Commaissaire Aux Droit de L' Homme, Qui appartient-il de decider? Le droit à la Capacité juridique des personnes ayant des déficiences intellectuelles et psychosociales, Edition du Conseil de l'Europe, novembre 2012; E. Pecqueur, A. Caron-Degliste et Th. Verheyde, « Capacité juridique et protection juridique à la lumière de la Convention des Nations Unies relative aux droits des personnes handicapées. La loi n° 2007-308 du 5 mars 2007 est-elle compatible avec larticle 12 de cette convention? », D. 2016, chron., p. 958 à 963.

[8] نزيه صادق المهدي، الالتزام قبل التعاقدي بالإدلاء بالبيانات المتعلقة بالعقد وتطبيقاته على بعض أنواع العقود، دراسة فقهية قضائية مقارنة، دار النهضة العربية، القاهرة، 1999، ص132؛ أحمد محمد الرفاعي، الحماية المدنية للمستهلك إزاء المضمون العقدي، دار النهضة العربية، القاهرة، 1994، ص104 وما بعدها.

[9] M. Juglart, L'obligation de renseignements dans les contrat, R.T.D.C. 1945, p.1.

[10] أنظر في هذه الآراء بالتفصيل، خالد جمال أحمد، الالتزام بالإعلام قبل التعاقد، دار النهضة العربية، القاهرة، 2003، ص138.

[11] أسامة أحمد بدر، حماية المستهلك في التعاقد الإلكتروني، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2005، ص215.

[12] هذه الشكلية يمكن أن نجدها في القوانين التي يتم تطبيقها على أطراف ضعيفة، مثل قانون العمل. ففي موضوع إنهاء علاقة العامل، ألزم المشرع رب العمل بضرورة إخطار العامل بأسباب الفصل مكتوبة قبل صدور قرار الفصل، ولقد استقر القضاء على اعتبارها شكلية جوهرية.

 M. Vericel, Le formalisme dans le contrat de travail, Dr. Social, novembre 1993, p. 81.

[13] X. Lagarde, Observations critiques sur la rénaissance du formalisme, JCPG., nº.40 6 Octobre 1999, p. 1767.

[14] محمد محمد عجيز، ذاتية قانون العمل وأهم تطبيقاتها، دار النهضة العربية، القاهرة، 2007، ص78.

[15] G. Lyon-Caen, Les principes généraux du droit du travail, Etudes offertes à G.-H. Camrlynck, Dalloz, 1978, p. 20.

[16] عجيز، ص80، 81.

[17] محكمة القضاء الإداري، الطعن رقم 46717، لسنة 62 قضائية، تاريخ الجلسة 16/5/2009.

[18] أنظر في هذا المعنى القانون القطري رقم 2 لسنة 2004 بشأن ذوي الاحتياجات الخاصة، وكذلك القانون المصري رقم 10 لسنة 2018 الخاص بذوي الإعاقة.

[19] التمييز، ومعناه الإدراك، هو أساس الإرادة، وينبني على ذلك أن فاقد التمييز هو فاقد للإرادة وفاقد الأهلية، وأن ناقص التمييز هو ناقص الإرادة ناقص الأهلية. حسن حسين البراوي، وفاروق الأباصيري، وطارق جمعة راشد، المدخل إلى القانون القطري، كلية القانون، جامعة قطر، 2019-2020، ص316.

 

[20] أنظر في تفصيل هذه الآراء، مؤيد عيسى محمد دغش، المساعدة القضائية في التعبير عن الإرادة، رسالة الماجستير السابقة، ص24.

[21] المادتان 986، 988 من القانون المصري للولاية على المال.

[22] المحكمة الدستورية العليا، القضية رقم 49 لسنة 17 قضائية - دستورية، بتاريخ 15/6/1996، مكتب فني 7، الجزء 1، ص739، رقم القاعدة 48.

[23] أحكام غير منشورة - المحكمة الإدارية العليا، الطعن رقم 27314 لسنة 58 قضائية، بتاريخ 23/11/2019.

[24]C. MEIMON NISEMBAUM, « Le mandat de protection future », Reliance, vol. 28, n0 2, 2008, pp. 118-119.

[25]D. NOGUERO, Vulnérabilité et aptitude, , Association Henri Capitant, Colloque international, Journées internationales, La vulnérabilité, Journées québécoises, Québec, Canada (Montréal Ottawa, 27 mai-1er juin 2018), sous dir. rapporteur général Mme le professeure Brigitte LEFEBVRE, Université de Montréal, 28 mai 2018, http://www.henricapitant.org/evenements/journees-internationales.

 

[26] فمثلًا يجب على مصلحة السكك الحديدية أن تتخذ ما يلزم لتنبيه الجمهور إلى الخطر عند اجتيازها الممرات السطحية التي تعبر خطوطها الحديدية. ويجب على مصلحة التنظيم عندما تحفر حفرة في الطريق أثناء القيام بعمل يقتضي ذلك أن تضع بجانبها إشارة تنبه المارة إلى وجودها، بل أن هذا الواجب العام قد تفرضه تقاليد مهنة معينة.

[27] المحكمة الدستورية العليا، الطعن رقم 34 لسنة 15 قضائية، تاريخ الجلسة 2/3/1996، مكتب فني 7، الجزء 1، ص520.

[28] المحكمة الدستورية العليا - القضية رقم 30 لسنة 16 قضائية دستورية، بتاريخ 6/4/1996، مكتب فني 7، الجزء 1، ص551، رقم القاعدة 33.

[29] محكمة القضاء الإداري - الحكم رقم 10838 لسنة 59 قضائية، بتاريخ 24/4/2007، ص697.

[30] راشد وأوروان، ص107.

[31] C. civ., art. 414-1 (Loi n°2007-308, 5 mars 2007) ou C. civ., art. 1129 (Ord. n°2016-131, 10 février 2016, ratifié par la loi n°2018-287, 20 avril 2018).

[32] G. RAOUL-CORMEIL, Exercice de droit comparé: la réforme québécoise et française en leur ADN, In La protection des personnes vulnérables, Colloque du Barreau de Montréal ; Vendredi 31 janvier 2020 ; Palais des congrès de Montréal.

[33] إبراهيم عبد العزيز داود، "خطر عدم الأمن القانوني وضرورة تفعيل الدور التشريعي دراسة تحليلية مقارنة"، المجلة الدولية للقانون، مج 10، ع 3 (2021)، عدد خاص بمؤتمر "القانون في مواجهة الأزمات العالمية الوسائل والتحديات"، كلية القانون، جامعة قطر، 7-8 فبراير 2021.

[34]المحكمة الدستورية العليا - الحكم رقم 8 لسنة 16 قضائية دستورية، بتاريخ 5/8/1995، مكتب فني 7، الجزء 1، ص139، رقم القاعدة 8.

[35] Commaissaire Aux Droit de L' Homme, Op. cit., p. 17.

" La France doit revoir durgence sa législation en vue de supprimer les régimes de prise de décisions substitutive et de garantir laccès de toutes les personnes handicapées à des systèmes de prise de décisions accompagnée, quel que soit le niveau daide dont ces personnes pourraient avoir besoin pour prendre des décisions éclairées".

[36] Commaissaire Aux Droit de L' Homme, Op. cit., p. 7.

[37] صدقت عليها جمهورية مصر العربية في 14 إبريل 2008، كما هو مشار له على الرابط التالي:

https://www.refworld.org/cgi-bin/texis/vtx/rwmain/opendocpdf.pdf?reldoc=y&docid=4eef54cd8

[38] حيث صدقت دولة قطر عليها في 26 مايو 2008، كما هو مشار له على الرابط التالي: ttps://www.almeezan.qa/AgreementsPage.aspx?id=1352&language=ar

[39] تنص المادة 12 من اتفاقية حماية ذوي الإعاقة في فقرتها الثانية على أن "تقر الدول الأطراف بتمتع الأشخاص ذوي الإعاقة بأهلية قانونية على قدم المساواة مع آخرين في جميع مناحي الحياة".

[40] فلقد نصت المادة 5 من الاتفاقية على أنه "1- تقر الدول الأطراف بأن جميع الأشخاص متساوون أمام القانون وبمقتضاه ولهم الحق دون أي تمييز وعلى قدم المساواة في الحماية والفائدة اللتين يوفرهما القانون. 2- تحظر الدول الأطراف أي تمييز على أساس الإعاقة وتكفل للأشخاص ذوي الإعاقة الحماية المتساوية والفعالة من التمييز على أي أساس. 3- تتخذ الدول الأطراف، سعيًا لتعزيز المساواة والقضاء على التمييز، جميع الخطوات المناسبة لكفالة توافر الترتيبات التيسيرية المعقولة للأشخاص ذوي الإعاقة. 4- لا تعتبر التدابير المحددة الضرورية للتعجيل بالمساواة الفعلية للأشخاص ذوي الإعاقة أو تحقيقها تمييزا بمقتضى أحكام هذه الاتفاقية".

[41] تنص المادة 21 من الاتفاقية على أنه "تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة التي تكفل ممارسة الأشخاص ذوي الإعاقة لحقهم في حرية التعبير والرأي، بما في ذلك الحق في طلب معلومات وأفكار، وتلقيها، والإفصاح عنها، على قدم المساواة مع الآخرين، وعن طريق جميع وسائل الاتصال التي يختارونها بأنفسهم، على النحو المعرّف في المادة 2 من هذه الاتفاقية".

[42] Commaissaire Aux Droit De L' Homme, Op. cit., p. 11.

[43] Ibid., p 10.

[44] Ibid., p. 7.

[45] ماجد فؤاد، "الحق في المساواة"، المجلة الجنائية القومية، القاهرة، مج40، ع3، ص271.

[46] أحمد خليل، "عدم المساواة «العدالة» بين المرأة والرجل عند التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية"، مجلة الحقوق للبحوث القانونية والاقتصادية، كلية الحقوق، الإسكندرية، عدد خاص (ديسمبر 2010)، ص1987.

[47] محمد نور فرحات، المرأة والمساواة: التمييز لصالح النساء، دار رسائل النداء الجديد، القاهرة، نوفمبر 2003، ص15.

[48] محكمة التمييز - الأحكام المدنية، الطعن رقم 94 لسنة 2008 قضائية، بتاريخ 28/10/2008، ص377.

[49] أحمد إبراهيم إبراهيم، "الأهلية وعوارضها والولاية في الشرع الإسلامي"، مجلة القانون والاقتصاد، القاهرة، س1، ع1 (1931)، ص371.

[50] الطيب برمضان، "الحجر على المجنون والمعتوه في الفقه الإسلامي والقانون الجزائري"، مجلة صوت القانون، الجزائر، مج7، ع3 (2021)، ص850

[51] حسان المالح، "لماذا نفضل مصطلح الطب النفسي وليس الطب العقلي"، متاح على الرابط: http://bawaba.khayma.com/2016-02-01-18-16-36/2016-02-01-18-17-44/2016-02-01-19-48-10، بتاريخ 20/11/2012، تاريخ الزيارة: 18/11/2021.

[52] بن سويسي خيرة، "إشكالية تطبيق النصوص المتعلقة بالصحة النفسية في الجزائر"، مجلة الدراسات الحقوقية، جامعة سعيدة الدكتور مولاي الطاهر، كلية الحقوق والعلوم السياسية، مج7، ع3، (2020)، ص747.

[53] برمضان، ص867.

[54]محكمة النقض - جنائي - الطعن رقم 2334 لسنة 5 قضائية، بتاريخ 17/9/2015، مكتب فني 66، ص600، رقم القاعدة 85.

[55] محكمة النقض - مدني - الطعن رقم 626 لسنة 65 قضائية، بتاريخ 1/3/2004، مكتب فني 55، ص248، رقم القاعدة 49.

[56] محكمة النقض - مدني - الطعن رقم 283 لسنة 32 قضائية بتاريخ 29/12/1966، مكتب فني 17، الجزء 3، ص2023، رقم القاعدة 293.

[57] المحكمة الإدارية العليا - الطعن رقم 620 لسنة 11 قضائية، بتاريخ 19/11/1966، مكتب فني 12، الجزء 1، ص229، رقم القاعدة 22.

[58] محكمة النقض - جنائي - الطعن رقم 18793 لسنة 83 قضائية، بتاريخ 11/3/2014، مكتب فني 65، ص153، رقم القاعدة 14.

[59] خيرة، ص748.