Publizieren – Why Open Access?أنســـــــــاق
في الآداب والعلوم الإنسانية

الاستلام: 14 فبراير 2024          التحكيم: 21 فبراير 2024                             القبول: 26 نوفمبر 2024

سيميائية (الويل) ومشتقاته في نماذج من الاستعمال العربي

علي حفظ الله محمد

أستاذ اللسانيات وتحليل الخطاب المساعد، كلية التربية، جامعة ذماراليمن

Alihifdallah2016@tu.edu.ye

 https://orcid.org/0000-0003-1660-790X

ملخص

يهدف هذا البحث إلى بيان سيميائية (الويل) ومشتقاته في ضوء نماذج من تخاطب الاستعمالات العربية في سياقات مختلفة منذ القِدمِ في تأريخ العربية، وعبر جميع الحِقب والأزمنة وصولًا إلى العصر المعاصر، وبخاصة تخاطب اللغة المستعملة فيما يتداوله الناس في لغاتهم الرسمية، أو اليومية، ومجتمعاتهم المحيطة الصغيرة والكبيرة، لِما لهذه العلامة من دلالات مختلفة ومتعددة في سياقاتها التي وردت فيها، وقد انتهجت في هذه الدراسة المنهج السيميائي التأويلي الذي يُعنى كثيرًا بدلالة العلامة، وموضوعها، ومؤوِّلها؛ لأنه أدق المناهج وأقربها إلى روح هذه الدراسة؛ كما توصلت إلى نتائج متعددة أهمها أن سيميائية (الويل) بارزة الاستعمال في التخاطب لاسيما لدى شريحة النساء منذ أقدم العصور، وما زالت هذه العلامة مستعملة في قاموس النساء اللغوي والمعرفي، وفي مجتمعاتهن المتعددة إلى يومنا هذا، وكأن هذه العلامة عامل مشترك في الثقافات المجتمعية المتوارثة منذ القِدمِ وحتى عصرنا هذا.

الكلمات المفتاحية: السيميائية، التأويلية، الويل، اللغات، العربية

للاقتباس: محمد، علي حفظ الله. »سيميائية (الويل) ومشتقاته في نماذج من الاستعمال العربي«. مجلة أنساق في الآداب والعلوم الإنسانية، المجلد التاسع، العدد الأول، 2025. https://doi.org/10.29117/Ansaq.2025.0219

© 2025، محمد، الجهة المرخص لها: كلية الآداب والعلوم الإنسانية، دار نشر جامعة قطر. نُشرت هذه المقالة البحثية وفقًا لشروط Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0). تسمح هذه الرخصة بالاستخدام غير التجاري، وتنبغي نسبة العمل إلى صاحبه، مع بيان أي تعديلات عليه. كما تتيح حرية نسخ، وتوزيع، ونقل العمل بأي شكل من الأشكال، أو بأية وسيلة، ومزجه وتحويله والبناء عليه، طالما يُنسب العمل الأصلي إلى المؤلف. https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0


 

Publizieren – Why Open Access?Ansaq
in Arts and Humanities

 

Received: 14 February 2024    Peer-reviewed: 21 February 2024             Accepted: 26 November 2024

Semiotics of woe and its Derivatives in Examples of Arabic Usage

Ali Hifdallah Mohammed

Assistant Professor of Linguistics and Discourse Analysis, Faculty of Education, Thamar University–Yemen

Alihifdallah2016@tu.edu.ye

https://orcid.org/0000-0003-1660-790X

Abstract

This research aims to demonstrate the semiotics of (woe) and its derivatives in light of models of the communication of Arabic usages in different contexts since ancient times in the history of Arabic, and across all eras and times up to the contemporary era, especially the communication of the language used in what people exchange in their official or daily languages, and their surrounding small and large communities, because this sign has different and multiple connotations in the contexts in which it appears. In this study, I adopted the interpretive semiotic approach, which is very concerned with the meaning of the sign, its subject, and its interpreter; because it is the most accurate approach and the closest to the spirit of this study; I also reached multiple results, the most important of which is that the semiotics of (woe) are prominent in use in communication, especially among women since the most ancient times, and this sign is still present in women's linguistic and cognitive dictionary, and in their various communities to this day, as if this sign is a common factor in the societal cultures inherited from ancient times until our present era.

Keywords: Semiotics; Hermeneutics; Woe; Languages; Arabic

 

Cite this article as: Mohammed, A.H. "Semiotics of woe and its Derivatives in Examples of Arabic Usage." Ansaq in Arts and Humanities, Vol. 9, No. 1, 2025, https://doi.org/10.29117/Ansaq.2025.0219

© 2025, Mohammed, A.H, licensee, College of Arts and Sciences & QU Press. This article is published under the terms of the Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0), which permits non-commercial use of the material, appropriate credit, and indication if changes in the material were made. You can copy and redistribute the material in any medium or format as well as remix, transform, and build upon the material, provided the original work is properly cited. https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0 


مقدمة

يتمثل موضوع هذا البحث في بروز سيميائية (الويل) ومشتقاته بشكل لافت في تخاطب الاستعمال العربي، وفي هذا الأمر ما يشد انتباه القارئ والسامع إلى سيميائية الويل ومشتقاته في تخاطب استعمالات اللغة، وإن المتتبع لهذه العلامة يجد لها أصولًا ضاربة في التراث القديم، مع استمرار تواردها عبر العصور العربية؛ إذ لا يكاد يخلو عصر من العصور من التلفُّظ بها، وهذا مدوّنٌ في التراث الموروث المسجل بين أيدينا، كما أن المجتمعات العربية في كل قُطر عربي كثيرا ما تستعمل علامة الويل في تلفُّظها اليومي، أو الرسمي، وهذا ما يؤهل دراسة سيمة (الويل) دراسة سيميائية تأويلية قصد معرفة تأويلاتها اللامتناهية والاختلافات التي قد تعتريها في العصور المختلفة، أو في النصوص المتعددة، وأسلوب كل نص واختلافه عن غيره من التراكيب الملفوظة بين الشعوب العربية، وهذا ما شجعني كثيرًا على دراستها سيميائيًا؛ لما لهذا المنهج من قرب إلى جزئيات الدراسة وتفاصيلها.

إشكالية البحث:

جاءت فكرة البحث قصد تتبع دلالات سيميائية (الويل) ومشتقاته في تاريخ العربية، ومعرفة خصائصها الحركية، والثابتة، التي ارتبطت بها في مواقف متعددة، ونصوص مختلفة، ولا سبيل إلى ذلك إلا بانتهاج المنهج السيميائي التأويلي الذي يقف عند كل علامة، ويؤولها تأويلًا علميًّا معرفيًّا دقيقًا، مُستندًا في ذلك إلى ممكنات النص، وتفعيل علاماته تفعيلًا علميًا، والاستدلال بالدلائل المقروئية والموسوعية التي تؤكد صحة الدلالات التأويلية، ولغة واصفة توازن بين جميع الدلالات في النصوص المتعددة.

أسئلة البحث:

ينطلق البحث في مقاربته لعلامة الويل بالمنهج السيميائي التأويلي من عدة تساؤلات يمكن إجمالها في سؤال، هل يمكن تأويل علامة الويل ومشتقاتها بالمنهج السيميائي تأويلًا إجرائيًا وتطبيقيًا بفرعيه اللامتناهي، والمتناهي في مقاربة سيرورة علاماته في نماذج من تخاطب الاستعمال العربي سواء في اللغة الرسمية، أو اليومية؟ وإلى أي مدى يمكن لنا تأويل النصوص التي وردت فيها تأويلًا متناهيًا أو لا متناهيًا وَفقًا لهذا المنهج؟

فرضية البحث:

شكّلت سيميائية (الويل) في تخاطب الاستعمال العربي بدلالاتها علامةً فارقةً في تنوُّع تأويلاتها في النص الواحد، أو في السياقات المختلفة، والمقامات المتعددة، فكانت بذلك بؤرة انطلاق الدراسة ومقاربتها بالمنهج السيميائي التأويلي الذي نستطيع بواسطته تحليل النصوص، وتأويلها وفقًا لارتباطه بالعناصر الثلاثة للعلامة، وهي (الممثل، والموضوع، والمؤول)، وهذه الحركة المتداخلة بين هذه العناصر الثلاثة لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن تختصر في علاقات زوجية؛ بل هي السيرورة المتحركة لإنتاج الدلالة وتداولها واستهلاكها.

الدراسات السابقة:

ثمة دراسات سيميائية في موضوعات كثيرة من العربية، إلا أن السيميائية التأويلية بفرعيها المتناهي واللامتناهي أقل نسبة من غيرها في الأبحاث العربية، وأما سيميائية (الويل) فلم أجد دراسة كاملة عُنيت بها في تخاطب الاستعمال العربي، فكانت فكرة دراستي مبنية على هذا الأساس.

1.     القسم الأول: السياق النظري

يُعنى هذا القسم ببيان مفهوم السيمياء، وعلاقتها بالتأويل، ويأتي هذا في إطار توضيح النمط المناسب من أنماط السيميائيات المتعددة لتحديد النوع الأنسب والأقرب منها إلى الإجراء التطبيقي قصد تأويل سيمة الويل ومشتقاته في تخاطب الاستعمال العربي، حسب الآتي:

1.1.  مفهوم السيمياء

يتمثل المفهوم العام للسيمياء في معنى (العلامة)؛ إذ ورد هذا المعنى في كثير من مصادر التراث العربي والأجنبي؛ فتمثَّلت أهم إشارة عن مفهوم علم الإشارات/السيمياء لدى أفلاطون في محاورة كراتيلوس Cratylus عن نشأة أصل اللغة، فنجده قد تعرض لموضوعات تُعدُّ من صميم الدلالة، وهذا يعني أن الدراسات الدلائلية تعد قديمة قِدم التفكير الإنساني، ومن أهم القضايا التي تعرَّض لها أفلاطون في محاوراته مع أستاذه سقراط موضوع العلاقة بين اللفظ ومدلوله، فكان اتجاه أفلاطون في ذلك نحو العلاقة الطبيعية الذاتية، مُدَّعيًا أن تلك العلاقة الطبيعية كانت سهلة واضحة التفسير في بدء نشأتها، ثم تطوّرت الألفاظ، ولم يعد من اليسير أن نتبين تلك الصلة، أو نجد لها تعليلًا وتفسيرًا (مختار 17).

وأما عند أرسطو فقد تزعَّمَ رأيًا آخر يرى فيه أن الصلة بين اللفظ ومدلوله لا تعدو أن تكون صلة اصطلاحية عُرفية تواضع عليها الناس، وقد أوضح أرسطو آراءه عن اللغة وظواهرها في مقالات تحت عنوان: الخطابة، والشعر، وبيّن فيها عُرفية الصلة، أو العلاقة بين اللفظ ومعناه (أنيس 62-63).

 كما تكلّم أرسطو عن الفرق بين الصوت والمعنى، وذكر أن المعنى متطابق مع التصور الموجود في العقل المفكر، وميّز أرسطو بين ثلاثة أمور هي الأشياء في العالم الخارجي، والتصورات=المعاني، والأصوات=الرموز أو الكلمات.

وقد كان تمييزه بين الكلام الخارجي، والكلام الموجود في العقل أساس نظريات المعنى في العالم الغربي التي حدثت في العصور الوسطى، وكان السؤال السائد آنذاك هو: هل المعنى هو الفكرة، أو شيء آخر غيرها؟، وهو من أهم القضايا التي دارت في العصور الوسطى بين العلماء (مختار 17).

بناء على هذه النصوص، نجد أن إشارة أفلاطون إلى العلامات تمثّلت في أقواله الفلسفية التجريدية عن نشأة اللغة، وهي إشارات عامة غير دقيقة، ولا تقترب كثيرًا من مفهوم العلامات كما هو اليوم، وأما أرسطو فكان أكثرَ دقة منه؛ إذ وجَّه اهتمامَه إلى العلاقة بين ألفاظ الأسماء وتأويل معانيها، وذلك ضمن كتابيه: فن الشعر، وعن التأويل، وهو بهذا الاهتمام قد أعار مفهوم العلامات شيئًا من التفسير المنطقي والعُرفي الدقيق؛ لأنه لامَسَ بنية الألفاظ من حيث هي دوال، وما تعنيه هذه الدوال، أو المثولات.

وأما لفظة (السيمياء Semiatics) فهي لاتينية، مشتقة من أصل الجذر اليوناني Seme، الذي يعني (علامة)، كما جاءت في لفظة: Semeiotikos التي تعني مؤوِّل العلامات، (بول كوبلي، وليتسا جانز 10)، وقد أكَّد ذلك (جون لوك) في مقال له بعنوان: «حول الفهم البشري»؛ إذ أورد فيه مصطلح (Sémiotik) بالفرنسية، وهي دلالة جِدُّ مشابهة لما ورد من مصطلح في الفلسفة اليونانية الأفلاطونية (الأحمر 26).

كما تؤكد معظم الدراسات اللسانية أن الأصل اللغوي للسيميائية يرجع إلى العصر اليوناني، فهي آتية من الإغريقية من لفظ المصطلح Semeion الذي يعني (الإشارة/العلامة) (دوسوسير 34).

وهذا الرأي يكاد يُجمِعُ عليه أغلب الباحثين بعد اطلاعهم على كثير من البحوث الغربية، ويخلصون إلى أن مصطلح سيميائية بصيغته الأجنبية Sémiotique، أو Semiotics يتكون من جذرين هما: Semio، وTique، وأن الجذر الأول يقع في اللاتينية على صورتين هما: Semio، وSema، وتعنيان إشارة، أو علامة (الأحمر 12).

في حين أن الجذر الثاني يعني (عِلم)، وأنه بعد دمج اللفظتين: Semio، و Tique، صار معنى المصطلح: علم العلامات، أو الإشارات، وهو العلم الذي اقترحه دو سوسير كمشروع مستقبلي لدراسة حياة الإشارات في المجتمع، (دو سوسير 34)، وهو العلم الذي جاءت به اللسانيات ليكون العلم العام للإشارات (الأحمر 12).

وهناك مصطلح آخر مشابه للأول وهو Sémeiologie يقال عنه: إنه مصطلح طبي يعني علم دراسة أعراض الأمراض، أي: دراسة الإشارات الدالة على مرض معين؛ لذا فالمصطلحان متقاربان، ولا يختلفان إلا في حرف E فقط، ويشكلان من ناحية المضمون المعنى نفسه (الأحمر 12).

كما أن ثمة تعددية في مصطلحات السيميائية في اللغتين الإنجليزية، والفرنسية؛ إذ بلغ عدد المصطلحات خمسة مصطلحات في كل لغة، أشهرها على الإطلاق Sémiologie في الفرنسي، وSemiotics في الإنجليزي، فالأوربيون يفضلون السيميولوجيا التسمية السوسيرية، والأميركيون يفضلون السيميوطيقا التسمية التي جاء بها الفيلسوف الأميركي بورس، وهذا الاختلاف يرجع إلى قضية إيديولوجية صِرفة، فكل فريق يلتزم بالمصطلح المتفق عليه حسب إيديولوجيته وتعصبه لبلده، رغم الإقرار المسبق بتبني مصطلح السيميوطيقا وتأسيس الرابطة الدولية للدراسات السيميوطيقية عام 1969 (الأحمر 13).

أما عند العرب فإن المتتبع لجذور العلامة/ السيمياء في تراثنا العربي سيجد أن الإشارات الأولية إليها موغلة في القِدم، وإن الناس قد استعملوها كإجراء عملي تطبيقي في عمل ما، في حياتهم، ومما استعمل من شواهد عربية تؤكد وجود سيميائية العلامات الإجرائية في التراث العربي ما ورد عند الشاعر يزيد بن خُذاق العبدي (46ق.هـ) في مدلول العلامة بقوله (الضبي 296):

ومَكَرْتَ مُعْتَلِيًا مَخَنَّتَنَا

 

والمَكْرُ مِنْكَ عَلَامَةُ العَمْدِ

وهَزَزْتَ سَيْفَكَ كيْ تُحارِبَنا



فانظُرْ بِسَيْفكَ مَنْ بِهِ تُرْدِي

إذ أخبر الشاعر مَنْ مَكَرَ بهم بأن المكر منه (سيمة) دالة على فِعل العمد، وإن فِعله لم يَكن عفويًا، حتى لا يتهرب من فَعلته مُبررًا ارتكابها دون عمد، قصد النجاة من عواقبها.

كما أن الشاعر استعمل علامة أخرى في البيت الثاني بمفهومها الإجرائي؛ إذ قال: (وهززتَ سيفَكَ كي تحاربَنا)، فجعل هزَّ السيفِ علامةً على نشوب الحرب، وإرادة القتل، وهذه السيمة الإجرائية معروفة في موسوعة الثقافة العربية بدلائل مشهورة بينهم في العُرف الجمعي، فطابقت السيمة بهذه الدلالة مفهومها الإجراء العلمي المعروف اليوم في علم السيميوطيقا؛ لأن هزَّ السيف، أو أي أداة من أدوات الحرب في العُرف المجتمعي معناه: التهديد والوعيد، بل هو كناية عن إرادة القتل أيضًا بتعاضد ممكنات النص، وعلاماته الأخرى في الشطر الثاني عند قوله: (فانظر بسيفك من به تردي)؛ أي: فانظر مَنْ قتلتَ بسيفك، أو مَنْ ستقتل مِنّا، وفيه فحوى استنكار الشاعر لهذا الإجراء التهديدي لما بينهما من قرابة رحم، أو قرابة أسرية ومجتمعية. فنجد أن هذا الاستعمال للعلامات اللغوية عند الشاعر الجاهلي أقرب دلالة وإجراء إلى مفهوم العلامة في علم السيميوطيقا اليوم.

وأما السيمياء في التأصيل المعجمي العربي فقد وردت أول إشارة إليها عند الليث بقوله: «سَوَّم فلانٌ فَرسَه: إِذا أعلَمَ عَلَيهِ بحريرةٍ، أَو بِشَيء يُعرَف بِهِ. وهي العَلامَة التي يُعرف بهَا الخيرُ والشرّ» (الأزهري 13/76)، وفِيه لغةٌ أُخرَى: السِّيماء، والسِّيمياء بِالمدِّ، وَمِنه قَول الشَّاعِر أُسَيْدِ بنِ عَنْقاء الفَزارِيِّ (2ق. هـ) يَمْدَحُ عُمَيْلَةَ حِينَ قَاسَمَهُ مالَه (الأزهري 13/76):

غُلامٌ رَماه اللَّهُ بالحُسْنِ يَافِعًا

 

له سِيمِياءٌ لا تَشُقُّ عَلَى البَصَرْ


كأَنَّ الثُّرَيَّا عُلِّقَتْ فَوْقَ نَحْرِه



وَفِي جِيدِه الشِّعْرَى، وَفِي وَجهِهِ القَمَر



أي: لَهُ سِيمياءُ يُسَرُّ بِها مَنْ يَنْظُرُ إِليه، وثمة بيتٌ شعري للمتلمس (45ق.هـ)، يقول فيه (الضبعي 20):

ولو غيرُ أَخوالي أَرادوا نَقيصَتي

 

جَعَلتُ لَهُم فَوقَ العَرانينِ مِيسَما

أراد علامة من أثر الوسم (الكي)، والمِيسمُ: اسمٌ لآلةِ الوَسمِ. وقال الأَصمعي: السِّيماءُ: مَمْدُودَةُ السِّيمِياء (ابن منظور 2، 313)؛ وأَنشَد شمر فِي تَأْنِيث السِّيمى مَقصُورَة للجعدي، (الجعدي 120):

ولهمْ سِيمَا إِذا تُبْصِرُهُمْ

 

بَيَّنتْ رِيبةَ مَنْ كَانَ سَأَلْ

وقالَ أَبو بكر قَوْلهم: «عَلَيهِ سِيمَا حسَنةٌ؛ مَعنَاهُ: عَلامَةٌ، وهي مَأْخُوذَة من وَسِمتُ أَسِمُ» (الأزهري 13/76)، ومنه قوله تعالى: ﴿سَنَسِمُهُۥ عَلَى ٱلۡخُرۡطُومِ١٦[القلم: 16]؛ أي: سنجعل له علامة، ووصمة عار على أنفه لا تزول.

فالسِّيمياء تطلق - إذن - على العلامة الفارقة التي توضع في الشيء دلالةً على فرقٍ بينه، وبين غيره، كما تطلق على حُسنِ الهَيئة، وجَمال الطلعة التي تميز شخصًا عن غيره، والشواهد السابقة دالة على هذه الدلالات المختلفة.

أما في العصر الحديث فجاءت تحمل دلالات متعددة منها: العلامة، والهيئة، والبهجة، والحُسن؛ إذ وردت عند محيي الدين درويش بقوله: «(السّيمى) والسّيمة، والسّومة، والسِّيماء والسِّيمياء: العلامة، والهيئة، والبهجة، والحُسن» (درويش 357).

بناء على الشواهد الآنفة، نجد أن مفهوم السِّيمياء في العربية يحمل خمس دلالات هي العلامة في الخير والشر (السلم، والحرب)، والجمال، وبهجة المنظر في الشخص، وحُسن هيئته، وذاتية العلامة الدائمة في جوهر الشيء (الشارة الحسنة، أو السيئة) كما هي في الخيل المطهّمة، وتطلق أيضًا على عِلم السِّحر والتَّخييل في نصوص أخرى.

1.2.  علاقة السيميائية بالتأويل

تتمثل علاقة السيمياء بالتأويل في ارتباط نمط سيميائية التأويل منهجيًا بالإجراء التطبيقي، عن غيره من أنماط السيميائيات المتعددة، كسيميائية الأهواء، وسيميائية الصورة، وغير ذلك من أنماط دقيقة أخرى، الأمر الذي أوجب علينا تخيُّر النمط المناسب منها لإجراء التأويل السيميائي لعلامة (الويل) في تخاطب الاستعمال العربي.

وبناء على ذلك، نبين علاقة السيميائية وارتباطها بالتأويل بواسطة ما طرحه الباحثون في هذا الصدد، لا سيما ما ورد لديهم من مفاهيم السيميائية، وسيرورتها الدلالية؛ إذ جاء عند أمبرتو إيكو في كتابه السيميائية وفلسفة اللغة موضحًا تعريف بيرس للعلامة بأنها: «شيء يقوم مقام شيء آخر في علاقة ما، أو صفة ما..، وهي في الواقع ذلك الشيء الذي يجعلنا دائمًا نعرف شيئًا ما إضافيًا» (إيكو 39)، وقيل هي ذلك العِلم الذي يبحث في أنظمة العلامات لغوية كانت، أو أيقونية، أو حركية (البازعي 177)، أو هي إشارة واضحة تمكننا من التوصُّلِ إلى استنتاجات بشأن أمر خفي (إيكو177)، كما هي عند موريس: العلم الذي يهتم بالأشياء البسيطة التي تسهم في توليد دلالة ما، بمعنى أن الشيء ليس علامة؛ إلا إذا أوَّلهُ أحدهم على دلالة ما (Morris 166).

كما وردت عند عبد الله بريمي بقوله: هي السيرورة التأويلية التي تباشر النص بوصفه خزّانًا من الدلالات، ولفهم ذلك، وما تدلُّ عليه في أبعادها النظرية والعملية، لابد من تحديد المستويات الدلالية التي تحتضنها؛ إذ لا وجود لمعنى إلا بواسطة سيرورة تنقله من حدوده المفهومية المجردة والمتصلة أو المعزولة عن أي سياق، إلى كيانات أو مستويات ملموسة يستثمر بواسطتها دلالات متعددة عن طريق استحضار كل أشكال التدليل الذي تحققه في واقعة ما (بريمي 452-453).

وعلى ذلك، إذا كانت اللسانيات تدرس الأنظمة اللغوية، فإن (السيميولوجيا) تبحث في العلامات غير اللغوية التي تنشأ في حضن المجتمع، وقيل: (السيميولوجيا)، أو (السيميوطيقا) هي علم دراسة العلامات (الإشارات) دراسة منظمة منتظمة (كامل 18)؛ لذا فإن السيميائية التأويلية تُعنى دائمًا بدلالات الألفاظ، وكيفية إنتاجها، وتأويلها تأويلاً إيجابيًّا غير متعسفٍ، لاسيما الاعتماد على مصطلحات ومفاهيم ذات فلسفة تحليلية، وكذلك الاعتماد على السميوزيس السيرورة الدلالية، وممكنات النص، وتعاضد سيماته وتفعيلها إيجابيًا مع قضاياه العامة، ومداراته المتعددة التي تفيد في معرفة السيمة الدلالية، أو معنى شيء آخر عنها.

1.2.1      مفهوم السيميائية التأويلية

ظهرت السيميائيات التأويلية عند بورس، فعُدَّ (بورس) المؤسس الأول لها، وقد عرَّف العلامة على أنها شيء يحيل على شيء آخر، وفكرة تستدعي أخرى، عن طريق ما أسماه بـ(السميوزيس) الذي يعمل بفضل التأويل، فيطلق العلامات من عِقالها؛ لتنفتح على الدلالات، ويكسب العلامة تحديدات أكثر اتساعًا، وربما يكون تصوّر (بورس) للتأويل وللسيميائيات التأويلية هو أكثر العناصر عُمقًا ودلالة في نظريته السيميائية (بنكراد 108)؛ لأنها قائمة على السيرورة الدلالية التي تعد مركز التأويل، والسميوزيس هو السيرورة في الوجود، والاشتغال، وإنتاج الدلالة (بنكراد 169).

فالعالم الذي تعبر عنه النصوص هو عالم ينمو، ويكبر، ويضمحل داخل نسيج الأكوان الدلالية التي تؤسسها هذه النصوص؛ أي: ما يطلق عليه السميوز (بنكراد 170). ويعرفها (إيكو) بأنها حركة أو سيرورة تفترض تشارك ثلاثة عناصر هي (الممثل، والموضوع، والمؤول)، وهذه الحركة المتداخلة بين هذه العناصر الثلاثة لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن تُختصر في علاقات زوجية (34)، ويعرفها سعيد بنكراد بأنها السيرورة المتحركة لإنتاج الدلالة وتداولها واستهلاكها (بنكراد 173)، فهي إذن العملية المتحركة بين (الممثل، والموضوع، والمؤوِّل). وعلى ذلك تطوّرت رؤية (بورس) الأولى في السيميائيات التأويلية حتى أصبحت نظرية في التأويل ذات اتجاهات متعددة.

ويعد (إيكو) من أشهر رواد السيميائية التأويلية؛ لأن له إسهامات جليلة فيها؛ إذ أعاد كثيرًا من مفاهيمها الأساسية إلى أصولها وجذورها الفلسفية، ووضع عددًا من الأسس النظرية والأدوات الإجرائية التي جعلت منها نظرية قابلة للتطبيق والممارسة؛ مُفيدًا بشكلٍ كبير من تراث (بورس)، كما أنه يرفض التفكيكية وقراءات التفكيكيين لـ(بورس)، مُقسمًا التأويل في إطار السيميائية إلى قسمين: الأول: التأويل اللامتناهي الذي جاء به (دريدا)، والثاني: التأويل الذي يكون محكومًا بقواعد ومرجعيات، يستطيع القارئ أن يقبض على معنى النص داخل هذه الدلالات المفتوحة، وهذا الأخير هو ما يراه هو وغيره من السيميائيين التأويليين، فهو يرفض الأول، ويقف مع الثاني، ويرى أن السيميائيات التأويلية لا يمكن أن تكون في جوهرها إلا كذلك؛ ولهذا خاض جدالاً طويلاً مع أنصار التأويل السلبي، أو المفرط (إيكو، التأويل بين السيميائيات والتفكيكية 120-133).

لذلك، تعد غاية السيميائيات التأويلية أن تقدم للمتلقي القواعد النظرية، والأدوات الإجرائية، التي يستطيع بواسطتها أن يتتبع السيرورة التأويلية للعلامة، في علاقاتها النصية، أو سياقاتها الخارجية، فالتأويل هو مرتكز التحليل، ونقصد بالتأويل ما كان يريده (بيرس)، في هذه النظرية عندما اعترف أن كل مؤوَّل (سواء كان علامة، أو تعبيرًا، أو متتالية من تعبير تترجم تعبيرًا سابقًا، ولا يترجمه فحسب في (الموضوع المباشر)، وإنما يجعل مضمونه قادرًا على حمل كمّ أكبر من الدلالات والتأويلات؛ ليكون أكثر استيعابًا للحقيقة، فالتأويل بحث عن الحقيقة بواسطة العلامة، التي تُخفِي أكثر مما تُبدي.

1.2.2      السميوز اللامتناهي

يعد (بورس) صاحب مفهوم السميوز، أو السميوزيس في الدراسات السيميائية التأويلية؛ إذ جعل منه الحجر الأساس الذي تُبنى عليه التصنيفات السيميائية للعلامة كما هو مقرر في كتاباته المتعددة؛ إذ ربطه بتصوره للعلامة في أركانها الثلاثة: (الممثل، والموضوع، والمؤوّل)، والعلاقة بين هذه العناصر الثلاثة، والترابط فيما بينها يُشكِّل المضمون الحقيقي (للسميوز السميوزيس اللامتناهي)؛ إذ عرَّفه بقوله: «هو ما يُشكِّلُ قوام السيميائيات الحديثة» (بنكراد 259).

وقد وقفتْ الدراسات السيميائيات التي جاءت بعد (بورس) عند نظرية (السميوزيس اللامتناهي)، وحاول أصحابها قراءتها ضمن تراث (بورس) السيميائي، وفهمها وتطبيقها، فجاءت قراءاتهم متباينة إلى حد كبير، فتولَّد عن قراءاتهم المتباينة تياران عامّان: أحدهما: يقرأ أقوال بورس (السميوزيس اللامتناهي) على ظاهرها، ويرى في النصوص دلالات لامتناهية. والآخر: يرى أن انفتاح الدلالة لا بد أن يُحدَّد، وأن العملية التأويلية لا بد أن تُرهن؛ ليظهر مع هذا التحديد المعنى النهائي للنص، فنتج عن هذا الاختلاف في واقع الدراسات السيميائية تصوران مختلفان للتأويل، فالتصور الأول: يقصد الكشف عن الدلالة التي أرادها المؤلف، أو على الأقل الكشف عن طابعها الموضوعي، وهو إجلاء جوهرها المستقل عن فعل التأويل. أما التصور الثاني فيرى عكس ذلك، فالسيميائية التأويلية لديهم ترى أن النصوص تحتمل كل تأويل، فهي إذن - وفق ذلك سيميائيتان، يمكن أن نطلق على الأولى (السيميائية الهرمسية)، وعلى الأخرى (سيميائية المعنى النهائي) (إيكو، التأويل بين السيميائيات والتفكيكية 115).

1.2.3      السيميائية الهرمسية

ويطلق عليها سيميائية التأويل المفرط، أو سيميائية الدلالات اللامتناهية، وقد قامتْ على عنصرين: الأول: أقوال (بورس) ونظريته في السميوزيس اللامتناهي، والآخر: آراء النظرية الهرمسية، وأهم أنصارها؛ هم: أصحاب التأويل المفرط، القائلون بالتفكيك، وبعض السيميائيين العرب، وإن كانت لم تتضح مواقفهم بعد؛ لاعتمادهم في كتاباتهم على مبدأ الشرح والتفسير لأقوال الغربيين دون أن يحددوا موقفًا معينًا مما ينقلون، فمبدأ السميوزيس عند (بورس) حسب ما فهمه الدارسون هو انفتاح للتأويل وسيرورة للدلالة إلى ما لا نهاية، وأما سعيد بنكراد فيرى أن هذا المبدأ يشير إلى اللانهائية في التأويل، فالسميوز على ذلك لا يقف عند حدود رصد المعنى الأولي الذي يحيل إليه الممثل بواسطة إحالته الأولى؛ بل يشير إلى إمكانية استمرار هذه الإحالات دون انقطاع إلى ما لا نهاية (بنكراد 259).

ولذلك اتجه بعضهم إلى الربط بين (بورس) وبين الهرمسية، وأنتج تأويلًا سيميائيًا هرمسيًا. ويذهب التطبيق السيميائي الهرمسي بعيدًا جدًا، وبالتحديد في ممارساته للتأويل المفرط الذي تقوم عليه المتاهة الهرمسية، القادرة على الانتقال من مدلول إلى آخر، ومن تشابه إلى آخر، ومن رابط إلى آخر دون ضابط حتى أن التأويلات المتعددة قد تتناقض فيما بينها (إيكو، التأويل بين السيميائيات والتفكيكية 118).

1.2.4      السيميائيات المعتدلة

 هي سيميائية التأويل المعتدل في مقابل سيميائية التأويل المفرط، وهذه السيميائيات تنظر إلى السميوزيس اللامتناهي على أنه فرضية نظرية ليس إلّا، وترى أن مقولات (بورس) عن العلامة وإحالاتها المتكررة، والسميوزيس باعتباره سيرورة دلالية غير مستقرة، أو لامتناهية، إنما هو افتراض نظري يستحيل تطبيقه إجرائيًا في تحليل النصوص، كما يرى (بورس) في تحليله للمؤوّل وذهابه إلى أنه يتناسل مع مؤوِلات أخرى إلى ما لا نهاية، وأن هذه السيرورة تقف عندما تصل إلى تشكيل المؤوّل النهائي، فهناك - إذن - ما يوقف السيرورة الدلالية ويحد من نشاطها، وهو المعنى النهائي للنص (الإدريسي 47 -48).

وعلى هذا، فإن النشاط التأويلي الذي يقوم به السميوزيس عند التطبيق والإجراء هو تأويل معتدل يختلف عن ذلك الذي يقترحه نظريًا، فالسميوزيس لامتناهي في المطلق، إلا أن غايتنا المعرفية تقوم بتأطير وتنظيم وتكثيف هذه السلسلة غير المحددة من الإمكانات، وهذا الفهم غلب على كثير من السيميائيين أمثال (غريماس)، و(أمبرتو إيكو)، ومع وجود التيار الأول (تيار التأويل المفرط)، والتيار التفكيكي، فإن (أمبرتو إيكو) يسعى إلى الوصول إلى سيميائية ذات سميوزيس متناه، ولعل هذا هو السبب في تأليفه عددا من كتبه، كـ(التأويل بين السيميائيات والتفكيكية)، و(التأويل والتأويل المفرط)؛ إذ سعى إلى القول بخطأ قراءات (دريدا) وأمثاله، لمقولات (بورس) ونظريته في السميوزيس اللامتناهية، محاولًا إثبات أن (بورس) لم يكن يقصد بمقولته هذه تفكيكًا، أو انفتاحًا لا متناهيا للدلالة (إيكو، التأويل بين السيميائيات والتفكيكية 118 - 120).

كما دعا (أمبرتو إيكو) إلى إقامة مبدأ تفنيد التأويلات المفرطة والخطأ، وإبطالها، وذلك عن طريق إيجاد لغة نقدية واصفة تقارن بين النص مصحوبًا بتاريخه، والتأويل الجديد، لكي يسمح بمعرفة التأويلات الإيجابية أو المقبولة، والتأويلات المفرطة، وهذا يعني اتخاذ النص الخاضع للتأويل مقياسًا لتأويلاته (الإدريسي 55)؛ ولذلك يُفرِّق (أمبرتو إيكو) بين استعمال نصٍ ما وتأويله، فاستعمال نصٍ ما لأجل غايات شخصية يتيح لنا أن نقرأه في سياقات ثقافية متعددة، والربط بينه وبين هذه السياقات، أما تأويله فيجب علينا أن نحترم خلفيته الثقافية واللسانية (إيكو، التأويل بين السيميائيات والتفكيكية 87).

وهذا، الذي يؤكد التزام التأويل بممكنات النص ومحدداته وإكراهاته النصية، التي تجعل من التأويل عملية مبررةً تستند إلى استدلالات منطقية، وما يُفرِّق بين هذا النوع من التأويل الإيجابي، والتأويل المفرط هو اللغة الواصفة، التي توازن بين التأويلات استنادًا إلى ممكنات النص، وتفعيل علاماته، وعلى ذلك، فإنه إذا لم تكن بالإمكان الموازنة بين التأويلات وإصدار أحكام قيمة في حقها، فإن هذا المبدأ يسمح لنا على الأقل برفض التأويلات الخطأ التي يصعب تبريرها، كما يصنّفها (أمبرتو إيكو) في ما يسميه بالتأويل المفرط؛ لذلك فإننا أمام عملية نقدية بلغة واصفة، وهي التي نحاكم على ضوئها النص، أو الخطاب (الإدريسي 55).

وبناء على ذلك، فإن هذه السيميائيات التأويلية ترى عدم إمكانية تطبيق السميوزيس اللامتناهي على النصوص؛ لأنها تؤكد بأن اللاتناهي في الدلالات ليس موجودًا في الجانب الإجرائي والتطبيقي. وأما تأويلات القُراء للنصوص فهي محكومة بممكنات النص ومحدداته، بما يجعلها في ذلك تتناسب مع منطقية النص وخلفيته التراثية، والثقافية، والاجتماعية، والنقدية العربية في جانبيه الإجرائي والتطبيقي.

يتبين من كل ذلك أن مفهوم السيميائية التأويلية يعني العلم الذي يدرس العلامات (الإشارات) اللغوية، وغير اللغوية، بالبحث عن دلالاتها، وخصائصها، والقوانين المتحكمة في حركتها، وثباتها، والاستدلالات التي تساند تأويلاتها الإيجابية، والعلاقات النصية الداخلية والخارجية التي ترجّح تأويلاً على آخر؛ فهي إذن العلامات التي يمكن الاستدلال بواسطتها على أثر معين، فتستلزم تلك العلامات دلالات يدل شكلها على شكل الجسم الذي ترك ذلك الأثر.

2.     القسم الثاني: السياق التطبيقي

2.1   الويل في مفهوم الاستعمال العربي

برز لفظ (الويل) في الاستعمال العربي بشكل كبير، حتى أن السامع اللبيب كثيرًا ما يشده سماعه في التخاطب الاستعمالي العربي الرسمي، أو اليومي؛ وهذا ما جعلني أهتمُّ به، وأفرد له هذه الدراسة قصد بيان سيرورته في لغة الحديث المشتركة بين الناس، وثقافاتهم المتعددة في شتّى المجتمعات العربية على اختلافها، وتعدد مشاربها، رغم التباعد الزمني حِينًا، أو الجغرافي حِينًا آخر، إلا أن مفهوم علامة (الويل) كان بمثابة العامل المشترك الذي وحّد بينهم رغم الاختلاف في وحدات الزمن، أو البيئة، فكان تصور مفهومه حسب الآتي:

يطلق (الويل) على حلول الشر والبلية؛ إذ ورد عند الخليل بن أحمد الفراهيدي في العين: «الوَيلُ: حلولُ الشّرّ، والويلةُ: الفضيحةُ والبليةُ، وإذا قال: وا ويلتاه، فإنما معناه: وا فضيحتاه» (الفراهيدي 8/366). ومنه قوله تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ يَٰوَيۡلَتَنَا مَالِ هَٰذَا ٱلۡكِتَٰبِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةٗ وَلَا كَبِيرَةً إِلَّآ أَحۡصَىٰهَاۚ[الكهف: 49]؛ أي: يا فضيحتنا، وكأنهم ينادون فضيحتهم أن تحضر في ذلك المقام، وتُجْمَع (الويلة) على الوَيْلات، قال:

ومُنتقص بظَهْر الغَيْب مِنّي

 

له الويلاتُ ماذا يَستَثيرُ؟

وقد تَجمعُ العربُ (الويلَ) على الويلاتِ، فتقولُ: وَيَّلْتُ فُلانًا: إذا أكثرتُ له من ذِكْرِ الويلِ، وهُما يَتَوايَلانِ. وتقول: ويلًا له وائلاً، كقولك: شغْلٌ شاغلٌ، وشِعْرٌ شاعرٌ من غير اشتقاق فِعل (الأزهري 15/327)، قال رؤبة:

وقد كسانا ليلُها غياطلا

 

والهامُ تدعو البُومَ ويلاً وائلا

وتقول: «وَلوَلَتِ المرأةُ، إذا قالت: وا ويلها؛ لأنّ ذلك يَتَحوّلُ إلى حكايةِ الصَّوْت، فولولتْ أقوى الحرفين في الحكاية وأَنْصَعُهما ثمّ تضاعفهما» (الفراهيدي 8/366) قال:

كأنّما عَوْلَتُها من التَّأَقْ

 

عَوْلَةُ ثَكْلَى وَلْوَلَتْ بَعْدَ المَأَقْ

أي: بعد البكاء، وقد جعلها سيبويه من المتلازمات الصوتية (الإتباع) في قوله: «ولا تقول: عَولةٌ لك إلَّا أن يكون قبلها وَيْلةٌ لك، ولا تقول: عَوْلٌ لك حتَّى تقول: وَيْلٌ لك؛ لأنّ ذا يتبع ذا» (سيبويه 1/332)، وقال ابن قتيبة: قال الأصمعي: الويلُ تَقبيحٌ (النيسابوري 3/91-92)، لقوله تعالى: ﴿وَلَكُمُ ٱلۡوَيۡلُ مِمَّا تَصِفُونَ١٨ [الأنبياء: 18]، وقوله: ﴿وَيۡلٞ لِّلۡمُطَفِّفِينَ١﴾ [المطففين: 1]، وقد توضع موضع التَّحسُّرِ والتَّفجُّعِ، والعرب تقول: «ويلاً وكيلاً، يؤكدون به الويل؛ كما قالوا جوعًا ونوعًا، وبُعدًا وسُحقًا، وحسن بسن» (الصحاري 4/489).

وقال الزجّاج: الويلُ كَلِمَةٌ يَستعمِلُها كُلُّ واقعٍ في هَلَكة، وأَصلُهُ في اللُّغةِ: العَذابُ، وروى الأزهري عن المنذري عن أبي طالب النّحَوي أَنَّهُ قالَ: قولُهُم: وَيلٌ، كان أَصلُها (وي) وُصِلت بـ(له)، ومعنى (وي): حُزنٌ، ومِنه قَولُهُم: ويه، مَعناه: حُزنٌ، أُخْرجَ مَخْرجَ النُّدبَة (النيسابوري 3/91).

وحكى ابن الأنباري عن الفراء: أن أصل هذه الكلمة: (وي) لفلان، وهو حكايةُ صَوتِ المُصابِ (وَي، وَي)، فكثر الاستعمالُ للحرفين، يعني: (وي) لفلان فوُصِلتْ اللام بـ(وي)، وجُعِلَتْ معها حرفًا واحدًا، ثم خُبِّر عَن (ويل) بلام أُخرى. وقرأتُ على أبي الحُسين الفسوي، فقلتُ: أخبركم حمد بن محمد الفقيه، قال: أخبرني أبو عمر، قال: حضرنا مجلسَ أبي العباس أحمد ابن يحيى، فأقبل علينا، فقال: كيف الفعل من الويلِ؟ فبلّح القومُ!، ولم يكن عند واحدٍ منهم جوابٌ، وفي المجلس ابن كيسانَ وغيره فأنشدنا (النيسابوري 3/91-92):

تَوَيّلَ إذ ملأتُ يدي وكانَتْ

 

يميني لا تُعلّلُ بالقليل

قال أبو عمرو: يقال في هذا أيضًا: والَ، يَوِيلُ، على وزن: مالَ، يميل، وسمعتُ من يوثق بعلمه يقول: أخطأ أبو عمرو، فلم يأتِ من هذا الباب ما أَوَّلُه (واوٌ، ولا ياءٌ) في الأجوف (النيسابوري 3/92).

وعند الزبيدي: وكُلُّ مَنْ وَقَعَ فِي هَلَكَةٍ دَعَا بـ(الوَيْل). وَمَعْنَى النِّداءِ فِيهِ: يا حَزَنِي، ويا هَلَاكي، ويا عَذابِي احْضُر، فَهَذا وَقْتُكَ وَأَوَانُكَ، فَكَأَنَّهُ نَادَى الوَيْلَ أَنْ يَحْضُرَهُ لِمَا عَرَضَ لَهُ مِنَ الأَمْرِ الفَظِيع. و(رَجُلٌ) وَيْلُمِّهِ، بِكَسْرِ اللَاّم، وَضَمّها، أَي: (داهٍ)، ويُقالُ لِلْمُسْتَجادِ: وَيْلُمِّهِ، أَيْ: وَيْلٌ لِأُمِّهِ، كَقَوْلِهِم: لأبَ لَكَ، يُرِيْدُونَ (لَا أَبَ لَكَ، فَرَكَّبُوه وَجَعَلُوه كالشَّيْءِ الواحِدِ)، قَالَ ابنُ جِنِّي: هَذَا خارجٌ عنِ الحِكايَة، أَيْ: يُقالُ لَهُ مِنْ دَهائِهِ: وَيْلمِّهِ، ثُمَّ (لَحِقَتْه الهاءُ مُبالَغَةً كَداهِيَةٍ)، وفي الحَدِيث: «وَيْلُمِّهِ مِسْعَرَ حَرْبٍ»، قَالَهُ لِأَبِي بَصيِرٍ تَعَجُّبًا مِنْ شَجاعَتِهِ وَجُرْأَتِهِ وَإِقْدامِهِ. وَقِيل: (وَيْ) كَلِمَةُ عَذابٍ، وَكَلِمَةُ تَفَجُّع وَتَعَجُّب، وَحُذِفَت الهَمْزَةُ مِنْ أُمِّهِ تَخْفِيفًا، وَأُلْقِيَتْ حَرَكَتُها عَلَى اللَاّم، وَيُنْصَب مَا بَعْدها عَلى التَّمْيِيز، وَقَدْ يَرِدُ الوَيْلُ بِمَعْنَى التَّعَجُّبِ (الزبيدي 31/106-107).

نجد من الشواهد الآنفة أن الويل يحمل دلالات متعددة منها: الهلاك والعذاب، والفضيحة والبلية، والتقبيح، والتعجُّب والمدح، والتحسُّر والتفجُّع، والحزن، والإنكار، والاستغاثة، ومجرد التصويت بلفظ (الويل) والإكثار منه، تقول: وَيَّلتُ فلانًا: إذا أكثرتُ له من ذكر الويل.

2.2   ممكنات النص

2.2.1      التفعيل والتعاضد النصي

يمثل التعاضد النصي أهم ممكنات النص لتأويل سيمات الويل في السياقات المتعددة؛ لأن تفعيل جميع علامات النص بناء على التعاضد النصي دون إغفال أي منها يعطي مؤشرًا كبيرًا على صحة تأويل سيمات الويل في نصوص الاستعمال، ومن أوائل النصوص المؤرخة في تاريخ العربية، ما ورد عند امرئ القيس (80ق.هـ)، وعند المتلمس (45 ق. مـ) في ديوانهما، ومن ذلك قول المتلمس (الضبعي 320):

وقد أتناسى الهَمَّ عِندَ احتِضارِهِ

 

بِناجٍ عَليهِ الصَّيعريَّةُ مُكدمِ

فقال طرفة لمّا سمعه: «استَنوَقَ الجَمَلُ»؛ لأن الصَّيعريَّةَ سِمَةٌ لِلنُّوقِ، فَضَحِكَ القومُ، وغَضِبَ خالُهُ المتلمس وقال: وَيلٌ لِهذا الفتى من لسانِهِ، فيتبادر للقارئ أن الويل يحمل سيمة الدعاء بالشر؛ ولكنها دلالة مستبعدة بناء على تعاضد ممكنات النص، وتفعيل علاماته التي تؤكد أن (الويل) في هذا النص يحمل سيمة (الإنكار والاستغراب)، وهذه السيمة الدلالية بنيت على الخلفية اللسانية والاجتماعية؛ لأن عبارة المتلمس وردت في مقام اجتماعي بالدرجة الأولى؛ إذ ضحك القوم من نقد طرفة له، فتلفَّظ خاله بالويل قصد الإنكار على طرفة لِمَا تفوَّهَ به عليه بين الناس حتى أضحكهم، فكأنَّهُ شَهَّرَ بهِ بَينهُم، فأثار استغراب خاله من قوله؛ لأن النقد بين الجماعة من القوم يُعدُّ فِعلاً شائنًا في عاداتِ العربِ؛ ولأن ذلك تعنيفٌ وتبكيتٌ لم تعهده العرب في مثل هذه المجالس التي يجب أن يُحترم فيها الكبير، ويُعظم إجلالاً له، ورفعة بين قومه، فحدث ما خالف ذلك العُرف، فما كان منه إلا الرد بالأسلوب العُرفي المجتمعي الذي يُتَمثّل في مثل هذه الحالات.

 كما أن إشارة المتلمس إلى لسانه بقوله: (ويل لهذا الفتى من لسانه)، جعلت سيمة الويل مرتبطة بسلاطة اللسان التي يجب أن تُنكر عليه فلا يجرح أحدًا كما فعل معه؛ لذلك فإن تفعيل سيمة دلالة الإنكار بنيت على سببين اثنين هما: العُرف الاجتماعي المشترك بين المتخاطبين الذي رشَّح سيمة الويل في هذا الموقف لتحمل دلالة الإنكار والاستغراب مما تفوّه به طرفة بين الناس، والثاني تعاضد علامات النص؛ إذ قرن سيمة الويل بالإشارة إلى لسانه، وجعلهما تحيلان إلى سلاطته، ففعّل بهذا العنصر الإحالي السيمة الدلالية المذكورة، الأمر الذي جعل لتعاضد النص وممكناته دورًا في إنتاج دلالتها في هذا النص.

ومنه أيضًا ما ورد عند امرئ القيس على لسان حبيبته عُنيزة في سياق تخاطبي بينه وبينها عندما دخل عليها الخِدر يوم أن نحر للعذارى راحلته فقال (امرؤ القيس 27):

ويومَ دخلتُ الخِدرَ خِدرَ عُنَيزَةٍ

 

فقالتْ: لكَ الوَيلاتُ إنَّك مُرْجِلي!

فإن دلالة (الويلات) في ظاهر تخاطب عنيزة مع امرئ القيس تحمل الدعاء بالشر عليه، إلا أن تفعيل هذه الدلالة لا يسمح به تعاضد النص مع تفعيل علاماته الأخرى؛ لأنها عكس عُرف تخاطب المحبين في الثقافة المجتمعية السائدة، ولما بينهما من علاقة ودّية قبلية، جعلت سيمة الويل لا تحمل الشر، وإنما تحمل سيمة دلالية تفيد مدحه والثناء عليه والتعجب من فعله، في معرض صرف عين الكمال عن المخاطب. ويؤكد ذلك تعاضد تفعيل علامات النص في سياقه ومقامه الذي يحتم هذه السيمة الدلالية (للويلات) لما تجسد فيها من تعبير لفظي نسائي مجتمعي قصد صرف غير المخاطب عن مقصدها؛ لأن النساء طالما تتمثَّل ذلك، وتتلفَّظ به بشكل خاص في مثل هذه الأمور عندما يعتريهن أمر يعجبهن، أو يُفزِعُهُنَّ، فيفزعن إلى دفعه بهذا القول صرفاً للسامع عن مقاصدهن، وكأن هذا القول (تعويذة) تلهج بها النساء تحصينًا لأنفسهن، وليس المراد به ظاهر الدعاء الفعلي؛ لذا فإن تعاضد النص هو الذي أنتج هذه الدلالة، بتضافره مع تفعيل علامات البيت؛ ويعززهما سياق البيت الموالي له الذي تقول فيه بعد أن مال الغبيط بهما معا: عقرتَ بعيري يا امرأ القيس فانزل؛ فكل سيماته تدل على غُنجٍ ودلالٍ منها تجاه حبيبها؛ وهذا الموقف هو ما فعّل سيمة المدح والثناء والتعجب من فعل المحبوب.

وكذلك إن تلفظ امرئ القيس بعلامة الويل يعد من تعاضد النص؛ لأنه يؤكد تقمُّص دورها في مخاطبته بمدحه والثناء عليه، في مثل هذا الحال والمقام، وكأنه يفخر بذلك، وقد أكَّد هذا التعاضد جملة من العلماء منهم الباقلاني بقوله: وأما قول امرئ القيس: «فقالت: لك الويلات إنك مرجلي»، فكلام مؤنث من كلام النساء، نقله من جهته إلى شعره! (الباقلاني 81)، وقال الأصمعي عن الويلات: فيه قولان: أحدهما أن يكون دعاء منها عليه في الحقيقة. والقولُ الآخر أن يكون دعاء منها له، كما تقول العرب للرجل إذا رمى فأجاد: قاتلَهُ اللهُ ما أَرماهُ! تعجُّبًا من فعله (الصحاري 19). وقال ابن الأنباري؛ في قوله: (لك الويلات) قولان: أحدهما أن يكون دعاء منها عليه؛ إذ كانت تخاف أن يعقر بعيرها، والقول الآخر: أن يكون دعاء منها له في الحقيقة، كما تقول العرب للرجل إذا رمى فأجاد: قاتله اللهُ ما أرماهُ (التبريزي 17).

2.2.2      دلائل المقروئية

 تعد دلائل المقروئية من ممكنات النص التي تساعد على ترشيح السيمة الدلالية للعلامة في النص، ومن أهم هذه الدلائل تتابع الوحدات السيميائية، والنص الموازي وظروف التلفُّظ، ومن ذلك ما ورد من تتابع وحدات سيميائية (الويل) لمجرد التصويت باللفظة كما تفعل النساء عندما يعتريهن أمر جلل، قول زوج إبراهيم عليه السلام عندما سمعت ببشرى الولد؛ إذ قالت: ﴿يَٰوَيۡلَتَىٰٓ ءَأَلِدُ وَأَنَا۠ عَجُوزٞ وَهَٰذَا بَعۡلِي شَيۡخًاۖ[هود: 72]، فزوج إبراهيم - عليه السلام - في هذا الموقف تقمَّصت لسان حال المرأة بصفة عامة عندما يعتريها أمرٌ تأخذ في الولولة، وهي ترديد وحدة الويل (ويلي) على مرأى ومَسمعٍ، وهذا حال النساء دائمًا في كل مقام يهولهن فيه أمرٌ عظيم، أو يُصبْنَ به، وهذا التصويت أحيانًا يخرج به المقام إلى دلالات عن مقتضى الظاهر، فقد يكون تخوُّفًا، أو تفجُّعًا، أو حُزنًا وحَسرةً، أو غير ذلك من دلالات محكومة بالسياق والقرائن الدالة عليها، كما لا يمكن إغفال ثقافة المجتمع المشتركة بين المتخاطبين؛ إذ إن لكل موقف دلالات تتجسد فيه، ولا تشبه غيرها في أي موقف سواه، وهنا تظهر دلالة التعجب أكثر من أي دلالة أخرى؛ لأن الحال والمقام يؤكدان ذلك، إضافة إلى جواب المخاطبين عليها.

 ومن الدلائل المقروئية؛ النص الموازي، وظروف التلفُّظ، من ذلك قول الوليد بن عقبة بن أبي معيط:

لَكَ الوَيلَاتُ أَقْدِمْنَا عَلَيهِمْ

 

وَخَيْرُ الطَّالِبِي التِّرَةِ الغَشُومُ

فدلالة سيمة الويلات تفيد الدعاء للمخاطب بما يشبه الدعاء عليه، حثًّا له على تعجيل الإقدام، وإن أهم ما رشّح هذه السيمة الدلالية من ممكنات النص هو النص الموازي، وظروف التلفُّظ؛ لأن دلائله المقروئية ليست داخل النص، وإنما خارج محيطه؛ لذلك فإن النص الموازي، وظروف التلفُّظ هما اللذان ساعدا على قراءته قراءة صحيحة، وأنتجت دلالة علامته لتفيد الدعاء له، لا عليه، حسب مقروئية النص الموازي الذي ورد في تخاطب العرب، في قول أم صريح الكندية (شاعرة جاهلية) ترثي إخوتها بقولها (شاعرات العرب في الجاهلية والإسلام 97):

هَوَتْ أُمُّهُمْ! مَاذَا بِهِمْ يَومَ صُرِّعُوا

 

بِجِيشَانِ مِن أَسْبَابِ مَجْدٍ تَصَرَّما؟

فقولها: (هوتْ أمُّهُم) دعاء يحمل التعجب مما حصل لهم، وكأن هذا التلفُّظ تعبير عن واقع الحالة النفسية التي عليها المتكلم إزاء فعل المخاطب، وهي ثقافة مجتمعية راسخة ومتوارثة بحكم التعامل البيني والبيئي والزمني المشترك بينهم. وحقيقة مثل هذا أنه يجري مجرى التعجُّب منهم، ومدحهم، والثناء عليهم، فهو دعاءٌ لهم، لا دعاء بالهلاك والشر عليهم.

ومما ورد من ظروف التلفُّظ في تأويل سيميائية العلامة عند امرئ القيس في نصه الآنف؛ إذ تمثَّل امرؤ القيس لسان حال المرأة بصفة عامة أفضل تمثل لاسيما عشيقته في هذا التخاطب الودي، الذي ستتلفظ به أية امرأة بشكل عام، وخاصة في مثل هذا الموقف؛ لأنه موقف دلال وغُنج من عشيقته تجاهه بدلالة تخاطبها في البيت الموالي معه حين قال على لسانها (امرؤ القيس29):

تَقولُ، وَقَدْ مالَ الغَبِيْطُ بنا مَعًا:

 

عَقَرْتَ بَعيرِي! يا امَرأ القيسِ، فانْزِلِ

فألفاظ البيت كلها تحمل دلالة الحب واللطافة والغُنج والدَّلال الذي تُظهِره النساء في مقامات الحوار العشقي، التي لا مكانة فيها لدلالات الشر على المخاطب، وهذا من ممكنات النص الخارجية؛ إذ اعتمد التأويل الإيجابي على الدلائل المقروئية، وظروف التلفُّظ.

وأما ما رشَّح التلفُّظ بسيمة (الويل) تحديدًا، فهو كثرة تتابع الوحدات السيميائية ودورانها في تلفُّظهن قياساً على غيرهن؛ لأن من يحاول التلفُّظ بهذه العلامة من أفراد المجتمع فسرعان ما يُقابل بالتعنيف والنهر المجتمعي فور التلفُّظ بها، كأن يقال له: هذا من كلام النساء، فيقع هذا التعنيف في نفسه وقعًا شديدًا، ويؤثر عليه تأثيرًا كبيرًا في نفسيته، فلا تراه بعد ذلك يتلفُّظ بهذه اللفظة وأمثالها لما يستحضره في نفسه من تأثير لوم أفراد المجتمع تجاه التلفُّظ بهذه العلامة اللسانية.

وفي مقابل التخاطب العشقي الآنف، ثمة استعمالات أخرى تحمل في طياتها دلالات متعددة، منها: اللوم والعتاب الشديد من المتكلم للمخاطب؛ إذ ورد منه على لسان زوج عروة بن الورد في معرض اللوم الفعلي، ما يحمل سيمة الدعاء بالشر والهلاك؛ لأن ظروف التلفُّظ تستدعي ذلك، وتحتم هذه السيمة الدلالية، وذلك ما ورد في قوله على لسانها (القرشي 451):

تَقُولُ: لَكَ الوَيْلاتُ! هَلْ أَنْتَ تَارِكٌ

 

ضُبوءًا بِرَجْلٍ تَارَةً وَبِمُنْسِرِ؟


ومُستَثبِتٌ في مالكَ العام، أنّني



أَرَاكَ على أقتادِ صَرْمَاءَ مُذكرِ

فنجد أن دلالة العلامة تحمل عتابًا شديدًا، ولومًا قاسيًا، ودعاءً بالشر والهلاك على المخاطب (عروة بن الورد)، وما أنتج ذلك من ممكنات النص هو ظروف التلفُّظ؛ إذ صدر عنه في مقام الرد عليها لا سيما في مقدمة ومبتدأ هذه المقطوعة الشعرية نهيٌ لها عن تكرار لومه وزجره، وذلك في قوله (عروة بن الورد 67-68):

أَقِلّي عليّ اللّوْمَ يا ابنَةَ مُنْذِر





ونامي، فإن لم تَشْتَهِي النّوْمَ فاسْهَرِي



 

ذَرِيني وَنَفْسي، أُمَّ حَسّانَ، إنّني




بها، قبلُ أن لا أملِكَ الأمرَ مُشْتَرِي

ذَريِني أُطَوّفْ في البِلَادِ لَعَلّني




أُخَلّيكِ، أو أُغنيكِ عن سوءِ محضرِي

فإنْ فَازَ سَهْمٌ للمَنِيّةِ لَمْ أَكُنْ




جَزوعًا، وهل عن ذاكَ من مُتَأَخِّرِ؟

وَإنْ فَازَ سَهْمي كفَّكم عن مَقَاعِدٍ


 

لَكُمْ خَلْفَ أَدْبَارِ البُيُوتِ وَمَنْظَرِ

فلمّا خاطب عروة زوجته بنهيها عن تكرار عتابه وزجره، أجابته بقولها السابق، فوردت السيمة الدلالية تحمل الشر والهلاك، والعتاب الشديد القاسي لِمَا شعرت منه بأنه مفارقٌ لها في سبيل الوغى، والدفع بنفسه إلى الحرب ومنازلة الخصوم، فصدر عنها ذلك التخاطب القاسي لِمَا يختلج في نفسها من مشاعر الفِراق، وعظيم توقع ذلك اليوم، وهذه هي مشاعر الطبيعة البشرية في مثل هذه المواقف والمقامات والحالات بين المحبين وتخاطبهما عند الجد.

وعلى ذلك، نجد فرقًا كبيرًا، وبونًا شاسعًا في السيمة الدلالية (للويلات) بين موقف امرئ القيس وتخاطب عشيقته معه، وموقف عروة وتخاطب زوجته معه عند إدراكها جدية الفراق والبُعد، فظهر ما بينَ المقامين من مفارقاتٍ كبيرةٍ، تتجسد في نُبل المقصد وصدق القول عند عروة بن الورد لما يطمح إليه من تخليد كريم الأثر له ولقومه في ساحات الوغى، مقارنة بغاية امرئ القيس التي تمثَّلت في العثور على عنيزة واصطحابها في أسفاره؛ مع وجود العامل المشترك بينهما والجامع بين الموقفين وهو الحب لهما من جنس النساء.

كما أن ظروف التلفُّظ تشكل عنصرًا فاعلاً في تأويل النص بشكل إيجابي؛ إذ تعطي تأويلًا مغايرًا للتأويل عند إغفالها؛ لذا يجب استغلال ظروف التلفُّظ لتفعيل دلالة العلامات السيميائية في اتجاه صحيح، ومن ذلك ما ورد فيه الويل بسيمة دلالية تحمل الهلاك في قول الشاعر حين وصف صائدًا أثار أسدًا في مكمنه بقوله (الفراهيدي 234):

أثارَ اللّيثَ في عِرِّيس غِيلٍ

 

لهُ الويلاتُ ممّا يَسْتَثيرُ!

فإن وصف الشاعر للأسد حال فزعه في مكمنه (مغارته) عند تهييجه من الصائد، أوجد ظرفًا خاصًّا في نفسية الشاعر دفع به إلى أن يتلفَّظ بعلامة (الويل) عند رؤيته هيجان الأسد فخاف منه على الصائد، فاستعمل (الويل) دعاء على المخاطب الصائد، وهي حالة شعورية نفسية صرّح بها الشاعر المتكلم إزاء الفعل الحادث أمامه من استثارة الأسد؛ فحمّل طيات ألفاظه دعاء بالهلاك على الصائد مما يستثير، فسيميائية الويلات - إذن - في هذا السياق تحمل الشر والهلاك للمخاطب لمناسبة ظروف الموقف التي أنتجت هذه الدلالة، وحملت الشاعر على التلفُّظ بها.

وفي مقابل هذا الموقف ثمة تخاطب آخر بسيميائية الويل يقال في كل مَنْ ينتقص الآخر بظهر الغيب؛ إذ ورد على لسان الشاعر بقوله (الفراهيدي 366):

ومُنتقصٍ بظَهْرِ الغَيْبِ مِنّي

 

له الويلاتُ ماذا يَستَثيرُ؟

فعند إمعان النظر في ظروف التلفُّظ بالبيتين الشعريين على وجه المقارنة، يتضح أن الأول قيل في ظروف خوف من استثارة الأسد، والثاني في ظروف زجر المخاطب ونهيه عن انتقاص الآخر، ولكل مَنْ يفعل فِعله بظهر الغيب، فحملت السيمة الدلالية (للويل) في الأول الشر والهلاك، بينما في الثاني الزجر والنهي وطلب الانتهاء عن فِعل الانتقاص من الآخر. وأما عند إغفال ظروف التلفُّظ فتحمل دلالة إخبارية عن كل مَنْ يمارس ذلك، على سبيل إيصال مفهوم الخبر إلى نفوس الناس لتهذيبها عن جميع الأفعال المشينة، وهنا يتضح الفرق بين وجود موجِّهات الدلالة وانعدامها.

ومما ورد من هذا التخاطب بذكر الويل في الاستعمال العربي قول الأعشى على لسان صاحبته خليدة/هريرة؛ إذ تقمَّصَ لسان حالها، وقال (الأعشى 57):

قالتْ خُليدةُ لمّا جئتُ زائرها:

 

ويلي عَليك! وويلي مِنك يا رَجُلُ!



إذ جسّد أسلوب التخاطب ما دار بين المتكلم ومخاطبه من كلام يحمل في طياته مشاعر الحب والود، فجعل خليدة/هريرة حين رأته زائرًا لها تطير فرحًا بقدومه وتلهج بتعويذتها المعتادة في هذا الموقف، فتلفَّظت بالويل خوفًا من معرفة عشيرتها بوجوده، وما هذا اللفظ إلا صرفًا لعين الكمال عن محبوبها الأعشى، فويلها عليه: خوفٌ عليه، وفداءٌ له من كل مكروه، وويلها منه: حبٌّ وتملُّكٌ لذاته، ودلالٌ وغُنجٌ، تتلفَّظ به النساء أمام من تحب كناية عن شدة رغبتها فيه، فالويل هنا - إذن - لا يحمل شيئًا من حقيقة الشر.

وهذا يُعدُّ من عباراتِ النساء الخاصة بهن في التعبير عندَ الإعجاب، أو التعجُّبِ، أو الإنكارِ، أو التفجُّع والتحسُّر، أو غَرابةِ الشيء الحاصل، فلا يمكن أن تتعدى هذه العلامة الفارقة إلى شريحة الرجال كسيمة دائمة في ألفاظ حياتهم اليومية، أو في مجتمعاتهم المعيشة.

وثمة تخاطب آخر للأعشى بلفظ الويل يحمل في ظاهر دلالته عِتابًا لمخاطبه؛ إذ جسّده في مطلع قصيدةٍ شعريةٍ بقوله (الأعشى 329):

ذَرينى - لَكِ الوَيلاتُ - آتى الغَوانيا

 

مَتى كُنتُ زَرّاعًا أَسوقُ السّوانيا؟

ابتدأ الأعشى قصيدته بهذا المطلع يخاطب عاذلته، ويأمرها أن تتركه يباشر النساء الغواني، وفي معرض الأمر أتى بجملةٍ اعتراضيةٍ دعائية: (لكِ الويلاتُ) تحمل دلالة المِزاح والدَّلال مع محبوبته على سبيل (التخاطب) بينهما في أمورهما الخاصة، فكأنه يريد إثارة غيرتها ودافعيتها أمام ميله إلى النساء، أو ميله إلى مخاطبتهن كما يفعل العُشاق في التخاطب المجتمعي، فلم يحمل (الويل) في هذا الموقف دلالة الشر، وإنما ورد لفظه على سبيل المِزاح لإثارة دوافعها الداخلية.

2.2.3      دلائل الموسوعية الثقافية وتنوع قراءات النص

تمثل الموسوعية الثقافية المشتركة بين العرب عاملًا من عوامل تأويل النص؛ إذ يتكئ فيها التأويل على حكاية تعد جزءًا من موسوعية مشتركة بينهم، ومن ذلك السيمة الدلالية للويل أو أحد مشتقاته بما تحمله ثقافة المجتمع المعيش، من دلالات متنوعة، ومنها ما حمل الدعاء على المخاطب عند فوات الأمر وعدم التنبُّه له، ومما ورد في ذلك قول عِمران بن حِطّان (الصحاري 538):

قد كانَ يُخشى ويُرجى في عَشيرتهِ

 

لأُمِّهِ زَينبَ الويلاتُ والهَبَلُ!

نجد أن السيمة الدلالية للويلات تحمل العتاب الشديد للممدوح في قومه، أو عشيرته، على ما كان له من مهابة ومكانة عظيمة يرتجيها أي فرد فيهم، ولكنه لم يحافظ على هذه المكانة والمنزلة العالية الشريفة حين تقادم به الزمن؛ فذهبت منه، فما كان من الشاعر إلا أن تلفَّظ بعتابه عِتابًا شديدًا بما يشبه الدعاء عليه كما هي عادة العرب في مثل هذه المواقف؛ إذ يتمثّلون ألفاظ الدعاء بالفضيحة وحلول الشر لكل من لم يحافظ على ماله، أو مُلكه، أو مكانته في قومه، أو مجتمعه، فيقال في مثل ذلك: لأُمِّهِ الويلاتُ؛ أو ابكِ مُلكاً كالنساء؛ لأنك لم تحافظ عليه كالرجال؛ وهي مقولة مشهورة في الثقافة المشتركة، تقال لكل مَنْ تهاونَ بِمُلكه، ولم يحافظ عليه.

وإن السيناريو الذي يمكن الاعتماد عليه واتخاذه مدخلًا في تأويل مثل هذه النصوص هو سيناريو مشترك يكون فيه النص جزءًا من أنساق ثقافية سيميائية مشتركة بين أغلب أبناء المجتمع الواحد أو المحيط بشكل عام، وهذا النص يتقاطع مع نسق ثقافي في الثقافة العربية، وإن كان متأخرًا عنه؛ إذ يتوافق مع حكاية، قيلت عن آخر ملوك الأندلس عندما أخذ يبكي على مملكته بعد سقوطها، فقيل له: ابكِ كالنساء، على مُلكٍ لم تُحافظ عليه كالرجال. فتتبين من ذلك كفاءة الموسوعة الثقافية المشتركة في قدرتها على قراءة النصوص التي يجب أن تنطلق منها، وتؤول على أنساقها.

وثمة سيمات دلالية أخرى نابعة من سيناريوهات ثقافية مشتركة لاستعمال الويل تتمثل في الزجر والتوبيخ لكل من يفعل فعلًا مُخِلًّا، أو ليس من عادات أبناء الثقافة المجتمعية المتعارف عليها في المجتمع الواحد، ومن ذلك ما ورد في معنى الصِّلامة: ‌‌الجماعة من الناس، أو القوم لا شيخ فيهم؛ إذ لامهم الشاعر لخروجهم متفرقين لا شيخ فيهم يأتمرون بأمره في سيرهم، وصلاح شؤونهم فقال (الحميري 3801):

لأُمِّكُم الويلاتُ أنّى أَتيتُم

 

وأَنتُم صِلاماتٌ كَثيرٌ عَديدُها؟

 إذ يتقاطع هذا البيت مع أنساق الثقافة الموسوعية المشتركة بين العرب، وعلى ذلك يمكن أن نتخذ الكفاءة المشتركة مُحدِّدًا في قراءة تأويلية للسيمة الدلالية (للويلات) في هذا البيت؛ إذ يُراد بها توبيخ القوم وزجرهم لخروجهم متفرقين دون أمير يأتمرون بأمره؛ لأن ذلك من عادات العرب؛ إذ لا يكاد يخرج الواحد منهم في أمر ما دون رفقة من أصحابه، ويأتمرهم واحد منهم في السفر لقضاء مقاصدهم، وقد عاب عليهم الشاعر ذلك الفعل؛ لأنهم جاؤوا في جماعاتٍ كثيرةٍ لا شيخ فيهم يقودهم، ويصدرون عن رأيه، فهم فِرَقٌ كَثيرةٌ كالأغنام لا راعي لهم، فعُدَّ ذلك عيبًا عليهم، وفي هذا السياق ما يحمل ذمهم على عدم اجتماع أمرهم على رأي واحد بخلاف عادات العرب.

ومن ذلك أيضًا شواهد أخرى قيلت في مواضع التأثُّرِ والحُزن الشديد، بفعل حرارة الكبد في مقامات الرِّثاء، ومنه قول دختنوس ترثي أباها لقيطًا عندما قتله بنو عبس، ثم ضربوه بعد موته، وفي ذلك قالت ترثيه (الحموي 104):

أَلا يا لَها الويلاتُ، ويلةُ مَنْ هَوى





بِضَربِ بني عَبسٍ لقيطًا، وقد قَضَى



 

لَهُ عَفَروا وجهًا عَليه مَهابةٌ،




ولا تَحفلُ الصُّمُّ الجَنادل مَنْ ثَوى



وما ثَأرُهُ فيكم، ولَكنّ ثَأرَه




شريحٌ أرادته الأَسِنَّةُ والقَنا

فالسيمة الدلالية للويل هنا تنم عن حزنها الشديد؛ وتمني هلاكها، وقد تفعّلت هذه الدلالة بناء على كفاءة الموسوعة الثقافية المشتركة؛ لأن ابنته استحضرت أنساقًا ثقافية مشتركة بين العرب في مقام الرثاء؛ والحسرة والندامة؛ إذ أخذت تنادي الويلاتِ أن تحضرها في وقتها، وهو تمني الهلاك ولا سماعها لهذا الخبر المُحزن بقتل أبيها، كما يحصل في الثقافة الجمعية من تمن للهلاك عند وقوع الأمور العِظام، فالسيمة الدلالية هنا تحمل تمني الهلاك دون سماع خبر قتل أبيها، كما هو دعاء بالهلاك والفضيحة على مَنْ قتلوا أباها، ثم ضربوه بعد موته؛ إذ يُعدُّ هذا فِعلاً شنيعًا بَشِعًا في عادات العرب وأخلاقهم؛ لذلك دَعَتْ عليهم بالهلاك والفضيحة نكالاً لهم لما فعلوه بأبيها.

وثمة قولٌ آخر لشاعر بلغ الذروة في الحُسنِ البالغِ، والجِناس الفائقِ، وذلك عند تخاطبه مع سائلته عن زوجها (الشوكاني 12، 6109):

وقائلةٍ يا راكبَ الخَيلِ هَل تَرى





أَبا ولَدي عَنهُ المَنيَّةُ ذلَّتِ؟



 

فَقُلتُ لَها: لا عِلمَ لي غَيرَ أَنَّني




رَأيتُ عَليهِ المَشرفيَّة سُلَّتِ

ودارَتْ عَليهِ الخَيلُ دَورَينِ بالقَنَا




وحامَتْ عَليهِ الطَّيرُ ثُمَّ تَدَلَّتِ

فَصَكَّتْ جَبينًا كالهِلالِ إِذا بَدا




وقالَتْ: لَكَ (الوَيلاتُ)، ثُمَّ تَوَلَّتِ

نجد أن السيمة الدلالية للويل في هذا المقام تحمل شدة التفجع والحسرة على زوجها القتيل؛ إذ أفاد تخاطبها مع الشاعر عن زوجها بأنه قتيل، ولكن إفادة الخبر لم تكن صريحة بشكل مباشر؛ وإنما جاءت في تجسيم صورة كنائية عنه؛ إذ استعمل التورية التي تفيد دلالات متعددة، بعضها ظاهر ليس مرادًا، وبعضها خفي هو المراد، وذلك حِفاظًا على عدم جرح لهفتها، أو كسر خاطرها بالقول الصريح المباشر، بأنه قتيل، فأخبرها بما يجري من عادات الطيور التي كانت ترافق الجيوش في الحروب عند العرب قصد الأكل من لحوم القتلى، فقوله: (حامَتْ عَليهِ الطَّيرُ ثُمَّ تَدَلَّتِ) وقعت أحسنَ موقعٍ من الدَّلالة على أنه قتيلٌ، وتأكل من لحمه الطَّيرُ؛ وهذا فعلٌ مشهور في الثقافة الموسوعية العربية؛ إذ قال المتنبي يمدح جيش سيف الدولة بما يتضمن الدلالة الآنفة بقوله (الإفليلي 168):

سَحَابٌ مِنَ العقْبَانِ تَزحَفُ تَحْتَهَا

 

سَحَابٌ إذا اسْتَسقَتْ سَقَتَها صَوَارِمُهْ

فوصف جيشه وكثرته، وصحبة الطير له وملازمتها إياه، مُشبِّهًا تلك العقبان وكثرتها بسحائب مستعلية، تحتها سَحابٌ من جيشه، إذا استسقت سحائبُ العقبان سقتها سحائب جيشه بسيوفها من دماء أعدائه، وألحمتها أجسادهم، فحذف من هذا الخطاب ما في لفظه مما يدلُّ عليه بإشاراته (الإفليلي 168)، ومثله قول النابغة (الذبياني57):

إِذا ما غَزَوا بِالجَيشِ حَلّقَ فَوقَهُم

 

عَصائِبُ طَيرٍ تَهتدي بِعَصائِب

بناء على ذلك، نجد أن عبارة النص السابق: (حامت عليه الطير ثم تدلَّت) تستلزم إفادة المرأة بأنه قتيل؛ لأن أكلَ لحوم القتلى كانت عادةً للطيور، فما كان من المرأة عند سماعها وصفه إلا أن صكَّت (ضربت) وجهها الذي يبدو كالقمر، وهذا يدل على شدة التفجُّعِ الذي انتابها بيقين خبر مقتله، فأخذت تدعو بـ(الويل) والثبور على المخاطب، ولكنه دعاء ليس على حقيقته؛ لأن لا علاقة له بقتل زوجها، وإنّما كناية عن شدة تفجُّعها وتَحَسُّرها على زوجها، لِما ستلاقيه في حياتها من شَقاء لا أنيس فيه، وحزن لا ونيس معه.

وثمة قول مشهور للرسول ﷺ عند تخاطبه في شأن أبي بصير، لمّا قتل رجلًا من بني عامر حين أرجعه الرسول ﷺ وفاءً بشرط قريش في صلح الحديبية، فقال عندما عَلِمَ بفعلته: «ويلُ أُمّهِ مِسعرَ حَربٍ لو كان معه رجال» (ابن الأثير 236)، فسيمياء الويل في هذا الموقف تحمل استعظام فعلته التي ارتكبها؛ لأن قول الرسول ﷺ فيه استعارة مكنية؛ إذ شبّهه بالمِسْعَرِ (آلة تسعير النار)، وهو ما تُسعّر به النّارُ، أَي: ما تُحَرّكُ به النارُ من حَدِيد أَو خَشَب؛ إذ جعله كالمِسْعَر: (مُوقِد نارِ الحَرْب)، وموقد نار الحرب في ثقافة العرب لا يأتي إلا بالشَّر، فكثيرا ما يقال: فلانٌ مِسْعَرُ حَرْبٍ إِذا كان يُؤَرِّثُهَا، أَي: يشعلها، وتَحْمَى به الحَرْب (الزبيدي 12، 30).

فالويل في قول رسول الله ﷺ إذن يحمل استعظام فِعل أبي بصير بقتله الرجل، كما يحمل التعجب من فِعله وشجاعته وإقدامه لما كان سيحدث على إثره من حربٍ شَعواء بين فُسطاطي الشِّركِ والإسلام؛ إذ قام بفعل عظيم دون حساب عواقبه، فكأنه جعل أبا بصير كالآلة التي تصنع المشكلة؛ ولا تبالي، والمِسعَرُ من أبنية الآلات، فيريد أنه كالآلة في إيقاد نار الحرب (المرزوقي 1262 -1263).

2.2.4      السيرورة الدلالية

يقصد بالسيرورة الدلالية السميوزيس، الذي يعني متابعة الدلالة داخل العلامة بواسطة الإحالات المتكررة التي تولِّدُها عملية التأويل داخل العلامة، أي: أن تحرُّك الدلالة داخل العلامة من الموضوع المباشر إلى دلالات أخرى في مستويات أعمق؛ فتمثِّل بذلك إحدى أدوات إعادة قراءة النص، وأحد ممكناته، كما هي حالة الإحالة في إحالتها إلى مستويات أعمق من النص، أو الخطاب.

ومن ذلك حضور استعمال علامة الويل ومشتقاته في أغلب مواقف الحياة المجتمعية عبر العصور، وكأنها ثقافة متجذرة منذ القِدمِ وإلى يومنا هذا، فتراها تدخل في جميع تفاصيل حياة الناس ومواقفهم؛ إذ لا تكاد تخلو منها مقامات الحب والتراسل العشقي بين المحبين المتخاطبين، ومن ذلك قول الحارث بن خالد المخزومي عن ليلى ورسولها الذي أرسلت إليه ليلاً؛ إذ أنشد فيهما شِعرًا بقوله (يوسف بن قزا 221):

فقلتُ مُجيبًا لِلرَّسولِ الذي أَتى:

 

تُراه - لكَ الويلاتُ - مِنْ قولِها جِدَّا


إِذا جِئتَها فاقْرَ السَّلامَ، وقُلْ لَها:



دَعِي الجَوْرَ ليلى، واسْلُكي مَنْهجًا قَصْدا

تتمثَّل الدلالة الأولى من النص في الاستفهام، وذلك بتخاطب الحارث مع رسول ليلى عن حقيقة إرسالها إليه، هل هو من أمرها جدٌّ أم مُجرّدُ ادعاءٍ؟ وفي ثنايا هذا السؤال دعا بالويلات على هذا الرسول، حسب الثقافة المجتمعية المشتركة بينهما، قصد تخويفه للتأكد منه عن حقيقة إرساله، وما يُخفيه من أمرها.

فإذا كانت السيمة الدلالية (للويلات) في القراءة المباشرة تحمل معنى الاستفهام عن جد ليلى من هزلها؟ فإن هذا الموضوع يتحول إلى علامة تحيل في المستوى الثاني على دلالات أخرى بوصفها مواضيع ديناميكية يشكلها المؤول الديناميكي، والقراءة بعد ذلك تختار إحداها وترهنه ليكون هو الموضوع النهائي للنص، والسيرورة الدلالية التي تحركت من المستوى الأول في عملية تأويل النص لتحيل في المستوى العميق بواسطة الكناية والإيحاء على دلالة عدم صدق ليلى في وعدها له، فأرشدها إلى عدم إخلاف الوعد، وترك الظلم وسلوك الطريق السوي.

ومنه ما ورد عند الخنساء في رثاء أخيها صخر؛ إذ وردت علامة (الويل) تحمل سيمة دلالية بمعنى الترحم، لما له من شمائل بين الخلائق بقولها (الخنساء 96 -97):

دلَّ على مَعروفِهِ وجهُهُ





بورِكَ هَذا هاديًا مِن دَليلْ



 

تَحسبُهُ غَضبانَ مِن عِزّهِ




ذَلِكَ مِنهُ خُلُقٌ لا يَحولْ

وَيلُ أُمِّهِ مِسعَرَ حَربٍ إذا




أُلقي فيهـــا وعَليــــه الشَّليـــلْ

ففي هذا النص تعاضدت استراتيجيات ومؤولات النص من إشارات منطقية: (دلَّ على معروفه وجهُهُ)، وإيحاءات إشارية: (تحسبه غضبان من عزه)، وتشبيه: (ويلُ أُمّهِ مِسعرَ حربٍ)؛ إذ شبّهته بآلة تحريك النار، وبذلك نجد أن عملية التأويل قد بُنيت على عدة مؤولات ديناميكية انتقلت بها العلامة السيميائية من الموضوع المباشر إلى موضوعات أكثر عُمقًا، وتحركت السيرورة الدلالية، بواسطة الإحالات المتكررة نحو المعنى المراد من النص حسب قراءتنا التأويلية؛ وذلك لأن استحضار الخنساء شمائل أخيها صخر في هذا الموقف يحمل دلالات التمجيد والتعظيم، كما هو في الثقافات الموسوعية المجتمعية العربية لاسيما تلك العصور التي كان السيد في قومه يُمدح ويُرثى بعد وفاته قصد تعظيمه وتخليد ذكره وأثره.

وهو ما فعلته الخنساء مع أخيها في هذا المقام؛ إذ بدأت بسرد الشمائل والصفات الحميدة، وجعلت علامات الخير والعطاء سمات ثابتة في وجهه لا تزول، وهذا غاية المبالغة في التعظيم والتمجيد، ثم أضفت عليه علامات أخرى تحمل دلالات الحزم والشدة في انتزاع الحقوق حتى صار ذلك خلقه الذي لا يكاد يتحول عنه، وقد بَنَتْ هذا التمجيد بذكر صفاته على التقابل بين (الخير والعطاء في مقابل الحزم والشدة) الذي يتمتع به، فجاء قولها: (ويلُ أُمِّهِ)، يحمل زيادة في تعظيمه، وتَرحُّمها عليه، وكأنها قالت: يا له من رجُلٍ كريم شجاع مِقدام؛ وذلك لمناسبة سياق التعظيم والتمجيد، والتعجب مما يحمله من صفات لا تجدها في غيره جعلته مُعظَّمًا خالد الذكر ومُتَرحَّمًا عليه باستمرار.

ويؤكد ذلك بعض التأويلات اللغوية التي وردت في ثنايا كتب التراث العربي كما هي عند ابن البطال في قوله: «والمعنى أن الخنساء لم ترد الدعاء بإيقاع الهلكة عليه؛ لكنها أرادت ما من عادة العرب استعماله من نقلها الألفاظ الموضوعة في بابه إلى غيره، ومرادها بقولها هذا: المدح لأمّها وأخيها لولادتها مثل أخيها في بسالته وشجاعته، كما يقال: انجُ ثكلتكَ أمُّك، وترِبَتْ يداك، من غير إرادة مقتضى هاتين اللفظتين بالمخاطب» (ابن البطال 135).

كما أن دقة اختيار الخنساء لألفاظها في رثاء أخيها يؤكد مقاصد المدح والتعظيم فقولها: « دلَّ على مَعروفهِ وجهُهُ »، أوحت ببشاشة وجهه وتهلُّله عند تعرض السائل له، ففرحُهُ وبشاشَتُهُ بالسائل مدح وتعظيم وتمجيد له لِمَا يحمله من صفات كريمة، وقولها: «تَحسبُهُ غَضبانَ مِن عِزِّهِ»؛ إذ شبّهته بالغضبان عِزة ورفعة، كما هي عادة العرب؛ إذ يُشبِّهونَ الحَييَّ الكريمَ بالمُشتَكي مِن عِلَّةٍ، والعزيز المنيع بالمتغضب من عِزَّة. ولا غضب في هذا، ولا عِلَّة، وإنما يُراد في العزيز إِباءُ النَّفسِ وأُبَّهَةُ النُّبلِ، كما أنه يُراد في الحيي لين الجانب، والانخزال من الكرم. وقولها: «ذلك مِنهُ خُلُقٌ لا يَحول»، جعلته طبعًا فيه لا يزول عنه، ولا يتحوَّلُ منه. وقولها: «ويلُ أُمِّهِ مِسعَرَ حَربٍ»، تعجُّبٌ وتَعظيمٌ (المرزوقي 1262 -1263).

2.2.5      البنى الفاعلة

يُقصد بالبنى الفاعلة تحديد قضايا النص الكبرى، وتأصيل عوالمه الممكنة، وتشكيل مداره الذي يدور فيه، وهذه المحدِّدات تسمى البنى الفاعلة في النص، أي: تحديد الفواعل، ووظيفة كل منها، كما تعد هذه الاستراتيجية إحدى ممكنات النص، ومحدِّدات قراءاته، ومن ذلك دلالة الإخبار عن هلاك الضعيف نتيجة دخوله بين عِراك القويينِ، ويمثله قول الشاعر:

إِذا كانَ بَينَ الناقتينِ عَداوةٌ

 

فَلِلبَقَّةِ الويلاتُ من عاجلِ القَتلِ

تعتمد القراءة في هذا البيت على البنى الفاعلة (الناقتين)؛ لأنهما يشكلان عالم النص، وأساس بنائه، وقضيته التي يدور حولها، لذلك فإن إنجاز تأويل معين للنص يعتمد على مُحدِّدات بناه الفاعلة، وعلى ذلك يكون معناه: شدة ضعف البقة وهوان أمرها عند اقتتال ناقتين كبيرتينِ وهي بينهما، فكأنه قال: (ويلٌ للبَقَّةِ من اقتتال النّاقتين)، (الثعالبي 44)، فجعل سيميائية الويلات إخبارًا عن هوان أمر الضعيف عند اقتتال الأقوياء، لما يحصل بينهما من عِراك قوي لا يَقدرُ معه على الدِّفاع عن نفسه، فبالتأكيد أنه سيكونُ ضَحيَّةَ عِراكِهما. وعليه فإن الاختلاف في تحديد البنى الفاعلة سيؤدي إلى اختلاف قراءة النص وتأويله، أي: أن المعنى المستنبط سيكون مُختلفًا عن السابق لاختلاف مُحدِّدات الفواعل فيه.

وكذلك قول الشاعر:

فأَصبحتِ النِّساءُ مُسلَّباتٍ

 

لَهَا الوَيْلاتُ يَمْدُدْنَ الثُّدِينا

إن محور القراءة في هذا النص يدور حول وظيفة البنى الفاعلة (النساء مسلبات/ يمددن الثدينا)؛ لذلك فإن المعنى على مُحدد وظيفة البنية الأولى سيكون تسليم النساء لأنفسهن وخضوعهن في غنائم الحرب (مُسلّبات)، منزوعات الخُمُر والجلابيب، لا يَملِكْنَ من أمرهن شيئًا، كناية عن وصولهن إلى غاية التسليم والخنوع بين أيدي أعدائهم، وهي ظاهرة شائعة عند الانهزام في ساحات الوغى؛ إذ كانت النساء يُسْلَبن ويؤخذن سبايا حرب، فسيمة دلالة الويل هنا تحمل بلوغ النساء غاية التسليم والخنوع لوقوعهن في هذه الحالة التي تثير الشفقة في قلوب أهاليهن.

وأما معناه بمحدد وظيفة البنية الثانية (يمددن الثدينا)، فسيكون تمني هلاكهن بسبب رؤيتهن على هذه الحالة، الأمر الذي جعلهم يتمنون هلاكهن الآني ولا رؤية هذا الموقف المخزي، ونساؤهم بين أيدي أعدائهم (يمددن أثداءهن)؛ لأن مد الأثداء لا يكون إلا مع أهاليهن، والثّدين: جمع الثدي على ثُدَيّ بوزن قُنَيّ (الأزدي 1335)، وهذه الدلالة أنتجت بمحدد الوظيفة الثانية، وهي أقرب إلى سياق النص.

2.3   التأويل وقراءات النص

2.3.1      تأويل إيجابي وقراءات غير مقبولة

تُقصد بهذا كيفية اختيار التأويل الإيجابي للنص من بين القراءات المتعددة، وإن كانت إيجابية؛ ولكنها تظل غير مقبولة، ويكون هذا الأمر في حالتين هما: أن تكون القراءة الأولى قد قدّمت تأويلًا واحدًا، ولكن النص يسمح بأكثر من تأويل في مستوى التأويل الأول، والثانية أن تكون القراءة قدّمت أكثر من تأويل وواحد منها هو التأويل الإيجابي.

ومن ذلك ما ورد في العصر الحديث من ألفاظ (الويل)عند الإمام الشوكاني في تخاطبه مع قاضي بلاد عسير، بأبيات شعرية يفيده بفتواه في قوله (الشوكاني 7، 3344):

ومَنْ وَجَدَ الحقيقةَ وهي حَقٌ

 

فَقَد بَطلَ التَّمسُّكُ بِالخَيالِ


ومَنْ رامَ الجِدالَ فَقَد تَولَّتْ



لَكَ الوَيلاتُ أَوقات الجِدالِ

فالقراءة الأولى للنص جعلت المتكلم الشوكاني في حالة تخاطب مع قاضي بلاد عسير بأبيات شعرية، يفيده جواب فتواه؛ وهذا تأويل إيجابي، ولكن هناك تأويلًا آخر تسمح به ممكنات النص، والقراءة الأولى لم تصل إليه، فيظل غير مقبول.

وأما التأويل الذي تسمح به ممكنات النص في المستوى الأول، فهو أن المتكلم قد أوصل الدلالات المرادة للمخاطب، وضمَّنَها ألّا داعي للجِدال مع وجود الدليل، ومن ابتغى الجدل بعد يقينه، فله (الويلاتُ)، قاصدًا بها زَجرَ المُجادِل؛ لأنه لا مجالَ للجدل وقد قُضِي الأمرُ بالدَّليل القاطع، وهذا يقوم مقام الرد الحكيم في معرض البلاغة.

ومن الحالة الثانية التي تأتي القراءة فيها بأكثر من تأويل، وواحد منها هو التأويل الإيجابي، ما ورد في العصر الجاهلي من نص مشهور لأخت كليب يوم إقامة مأتمه، حين أخرجت الجليلة زوجة أخيها من المأتم، وقالَتْ لها: «رِحلَةُ المُعتَدي، وفِراقُ الشَّامِتِ، ويلٌ غَدًا لِآلِ مُرَّة مِن الكَرَّةِ بَعد الكَرَّةِ» (ابن الأثير 1، 476)، فَبَلَغَ قَولُها الجَلِيلَةَ، فَقَرأتْ نصَّها بمعنيين هما: الأول: (اتهامها بالشماتة بأهل المقتول)؛ إذ ردَّتْ عليها بقولها: «وكَيفَ تَشمتُ الحُرَّةُ بِهَتكِ سِترِها، وَتَرَقُّبِ وترِها!»، والثاني يُعنى بتوجيه النص في معنى معين حسب حالتها النفسية، والثقافة الاجتماعية؛ إذ قالت: «أَسْعَدَ اللَّهُ أُخْتي أَلَا قَالَتْ: نَفرَةُ الحَيَاءِ، وخَوفُ الأَعداءِ» (ابن الأثير 1/476).

فنلحظ أن قراءة الجليلة لنص أخت كليب قد قدّمتْ تأويلين، ولكنهما غير مقبولين؛ لأن قراءتها قد قصُرتْ عن التأويل الإيجابي لعدم تتبع علامات النص للوصول إلى تأويله الإيجابي. ومع ذلك فهناك تأويل آخر تُبنى دلالته بتعاضد ممكنات النص وتفعيل بعض علاماته، وإرجاء الآخر، وعلى ذلك يتبين من تلفظ أخت كليب بعلامة (الويل)، وبتفعيل هذه العلامة تترشح دلالات الوعد والوعيد، مناسبة للموقف والمقام الذي صدرت فيه، وهو مقام المأتم الذي خرجتْ فيه العَذارى وذَواتُ الخُدور إلى قَبرِ كُلَيبٍ، يَشقُقنَ الجُيوبَ، ويَخمشنَ الوجوهَ، وعلى إثر ذلك، صدرت علامة (الويل) من أُختِ كُلَيبٍ بتحريض من جَمعِ النِّساء المؤتِمات عندما قُلنَ لها: أَخرجي جَليلةَ عن مأتمِنا فإنها أخت قاتلنا، وشقيقة واترنا، فصدر (الويل) من أخت كليب - وصدرُها يَغلي غَيظًا - فحملت ألفاظُها الوعدَ والوعيدَ لآلِ مُرَّةٍ، ولَم يَنتَهِ الأمرُ عندَ ذلك، وإنما أردفته بالكرَّة بعد الكَرَّةِ، أي: أن الويل سيكون لهم عِقابًا مِرارًا وتَكرارًا، وهو ما كان في الجاهلية؛ إذ امتدت تلك الحرب بينهم أربعين سنة في سبيل إحلال وإنزال (الويل) الشر والهلاك ببني مُرّة انتقامًا لكُليب من قاتليه البكريين آنذاك.

إذن فالسيمة الدلالية لـ(الويل) في النص تحمل الدعاء بالثبور على بني مُرَّةِ حَقيقةً وفِعلًا، لِما فعلوه بالتغلبيين من قتل ملكهم كُليب، وهو ما حصل؛ إذ حلَّت الحرب والثبور بينهم سنين طويلة تنفيذًا لما صدر عن أقرباء القتيل من وعيد شديد تم تنفيذه مراتٍ عديدة انتقامًا وثأرًا لكُلَيب.

2.3.2      أكثر من تأويل وممكنات النص لا تسمح إلا بواحد

يُقصد بذلك أن ثمة قراءات أنجزتْ أكثر من تأويل في نص ما، وواحد منها هو التأويل الإيجابي، ومن ذلك ما ورد فيه (الويل) أو أحد مشتقاته، ويحمل أكثر من معنى؛ إذ روي عن الإمام مالك لما بلغه عن عبد الرحمن بن أبي بكر عندما دخل على عائشة زوج النبي ﷺ في وفاة سعد بن أبي وقاص فدعا بوضوء فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَسْبِغِ الْوُضُوءَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: »وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ» (مالك بن أنس 19).

فقراءات النص قد قدّمت أكثر من تأويل، ولكن بالنظر إلى ممكنات النص ومحدداته ترشح واحد منها إيجابي؛ إذ أن دلالة الويل على تعذيب من لم يسبغ الوضوء لا تتوافق مع ممكنات النص؛ لأن نص حديث الرسول ﷺ لا يُقصد به التعذيب الفعلي؛ إذ لا يتسق تعاضد النص مع المعنى العام للنص، فلو كان كذلك سيكون مُنفّرًا أكثر منه مُقرِّبًا وهاديًا لمن بعده، وأما التأويل الآخر الإيجابي فيحمل سيمة التخويف والترهيب للناس كي يستحضروا الاهتمام البالغ بإسباغ الوضوء واكتماله في جميع أعضاء جسد الإنسان المقبل على صلاته، فلا ينسى جُزءًا دون إيصال الماء إليه حثًّا له على ما للنظافة من أهمية في أداء الصلاة، فهذا المعنى متسق مع قضايا النص ومداراته العامة.

وهناك كثير من الأحاديث التي وردت فيها علامة (الويل) أو أحد مشتقاته، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام فيما رواه أبو هريرة قال: «ويلٌ للعربِ من شرٍّ قد اقترب، الأجنحةُ وما الأجنحةُ؟ الويل الطويل في الأجنحة...» (السيوطي 46)، فالتأويلات هنا متعددة بناء على قضايا النص ومداراته العامة، وعلى ذلك فسيمياء الويل هنا تحمل تأويلين: الهلاك الفعلي؛ لأن العرب في ذلك الوقت المنظور سيكون الأمر عليهم صعبًا، ومعه ستعم الفتن فيقتل بعضهم بعضًا، وأما التأويل الثاني فيحمل التخويف المؤدي إلى حثهم على عدم الانجرار في الفتن العامة؛ إذ معها سيرجون ويتمنون الهلاك لأنفسهم مما يشاهدونه من فظائع الجور الذي لم يحصل من قبل، ويؤكد ذلك مدار الحديث ودلالة ألفاظه.

فالقراءة الأولى وإن قدّمت تأويلًا صحيحًا، إلا أنه لا يناسب ممكنات النص، والتأويل الثاني يعد تأويلًا إيجابيًا بناءً على قضايا النص الكبرى ومداره العام؛ إذ يعززان فكرة التخويف والترهيب للعرب وحثهم على عدم الانجرار في الفتن، وقد بُني هذا التأويل على استراتيجيتين نصيتين هما: 1- أن نص الحديث يحث الناس ويخوفهم؛ لذلك فعلاماته لا تحمل معنى القتل والفناء، 2- أن قضية النص الكبرى ومدارها العام تحتمل أكثر من معنى، ولكن لا يجب أن يستمر الافتراض ثابتًا، بل يضيق مع ربطه بمحددات النص وتفعيل علاماته وعند ذاك يتعزز المعنى الإيجابي.

2.3.3      تأويل سلبي

يُقصد بالتأويل السلبي الحكم على قراءات معينة أو تأويلات متعددة بأحكام متفاوتة غالبيتها سلبية، وعلى ذلك يمكن تصنيفها إلى ضروب ثلاثة هي:

التأويل المفرط: ويُقصد به ما لا يؤديه النص ولا علاماته لا في بنيته السطحية، ولا في بنيته العميقة، ومما ورد منه في سياقات ومواقف يحمل بعضها تأويلًا مُفرِطًا رد سيبويه تأويل الويل بالدعاء؛ إذ جعله تأويلًا مُفرِطًا كما عبّر عنه في كتابه مُعلّقًا على قوله تعالى: ﴿وَيۡلٞ يَوۡمَئِذٖ لِّلۡمُكَذِّبِينَ١٥، وقوله: ﴿وَيۡلٞ لِّلۡمُطَفِّفِينَ١ [المطففين: 1]؛ إذ قال عنهما في كتابه: «إِنّه لا ينبغي أن تقول: إنّه دُعاءٌ ههنا؛ لأنّ الكلام بذلك قبيح، واللفظ به قبيحٌ» (سيبويه 1، 331).

 وثمة تأويل مقبول لديه، ويتوافق مع ممكنات النص؛ إذ قال: لكنّ العبادَ إنَّما كُلِّموا بكلامهم، وجاء القرآنُ على لُغتهم، وعلى ما يَعنون، فكأَنَّه - واللهُ أعلمُ - قال لهم: (وَيلٌ لِلمُطَفَّفِينَ، ووَيْلُ يَوْمَئِذٍ لِلمُكَذَّبِينَ)، أي: هؤلاءِ ممن وَجَبَ لهم هذا القولُ؛ لأنَّ هذا الكلامَ إنّما يُقال: لصاحب الشَّرِّ والهَلَكة، فقيل: هؤلاء ممن دخلوا في الشَّرِّ والهَلَكة ووجَبَ لهم هذا (سيبويه 1، 331).

فنجد من ذلك أن سيبويه قد جعل تأويل مَنْ قال إن دلالة الويل (الدعاء) تأويلًا قبيحًا؛ لأن هذا التأويل اعتمد على ظاهر النص؛ إذ حكم عليه بدلالة الدعاء على سبيل الجملة الإنشائية، وليس كذلك، وإنما الذي يتضح من كلام إمام النحو: أن جملتي (الدُّعاء) في قوله تعالى: (ويل يومئذ للمكذبين، وويل للمطففين)، ليستا إنشائيتين - كما يتبادر للذهن بأن جُمَلَتي الدُّعاء إنشائيتان - في سياق الخطاب الذي وردتا فيه؛ بل خبريتان بالدرجة الأولى؛ لأنهما إخبارٌ منه تعالى لعباده بأن هذا الجنس من الناس داخل ضمن مَنْ وَجَبَ لهم العذاب، فجملتا الدُّعاء -إذن- في هذين السياقين إخباريتا الدَّلالة بأن هذا الصنف ممن ينتهجون الكذب، وبخس الكيل، يستحق شَرَّ العذابِ كسائر الناس المعذبين ممن ينتهجون الظلم بشتى أنواعه وأجناسه، عِلمًا أن جُمَل الدُّعاء في أصل وضعها اللفظي إنشائية؛ وهاتان الجملتان إنشائيتان لفظًا، وخبريتان في الدلالة؛ لإفادتهما الدُّعاء في الأصل، والدُّعاء يدخل ضمن أساليب الإنشاء في اللغة كما هو معروف، وخبريتهما في الدلالة بحكم إرادة إيصال الخبر عن ازدراء هذين الفعلين وتقبيحهما في أذهان الناس.

التأويل الملفَّق: وهو التأويل الذي لا تدل عليه ألفاظ النص، ولا يتوافق مع ممكنات النص، ومما ورد منه قول امرئ القيس في وصف محبوبتيه: (امرؤ القيس 97)

من القاصِرَاتِ الطَّرْفِ لوْ دبَّ مُحْوِلٍ

 

من الذَّرِّ فَوْقَ الإتْبِ منها لأثّرَا


لَهُ الوَيْلُ إنْ أمْسَى وَلا أُمُّ هَاشِمٍ



قرِيبٌ وَلا البَسباسَة ُ ابنةُ يَشكُرَا

إذ يتبادر إلى ذهن القارئ أن سيمة (الويل) الدلالية هي الهلاك بتفعيل المعنى المعجمي، وهذا لا يتوافق مع سياق النص ولا ممكناته؛ لأنه لم يعتمد على شيء من تفعيل علامات النص، وإنما تظهر سيمته الدلالية الإيجابية الصحيحة بتفعيل علامات النص؛ إذ يحمل (الويل) دلالة حزن الشاعر ومعاناته طوال الليل؛ إن هو لم يجتمع بأُمِّ هاشمٍ، أو ابنة يشكر، فهذه أجود دلالة؛ لأنها مستنبطة من تفعيل قضية النص، وسياقه، وتفعيل جميع علاماته.

التأويل المغلوط: هو تأويل نتج عن توهّمٍ، أو خطأ في تفعيل إحدى علامات النص، أو إحالاته، أو الاكتفاء بالمعنى العام للنص دون النظر في مداراته، ومنه تفسير السيرافي وشرحه لبيت من شواهد سيبويه؛ إذ علّقَ على بيت متمم بن نويرة بقوله:

وكلُّ امرئٍ يومًا وإنْ عاشَ حِقبةً

 

له غايةُ يَجري إليها ومُنْتهَى


علَى مِثْلِ أَصْحَابِ البَعُوضَةِ فَاخْمِشِي



- لَكِ الوَيْلُ - حُرَّ الوَجْهِ أو يَبْكِ مَنْ بَكَى

يقول: كل امرئ يجري إلى غاية ينتهي - مدةَ حياته - إليها، ثم يموت، والبعوضة: مكان بعينه، قتل فيه أخوه مالك بن نويرةَ وجماعة من بني يربوع، فيقول لها: على مثل هؤلاء القوم فاخمشي وجهك، وليبك من كان باكيًا على مثلهم. ويتمنى لو عاش حقبة يرونه ودهرًا طويلًا (السيرافي 107).

بناء على نص السيرافي نجد أنه قد جعل دلالة الويل في البيت إخباريّة؛ مُكتفيًا بمعناه العام؛ لأنه لم يفعّل علامة الويل، فجاءت عباراته في تفسيره توحي بأن الشاعر قد أخبر المخاطبة بأن خدش الوجه لا يكون إلا على مثل قتلى أصحاب البعوضة، فكأنه قال: وليكن خدشك لوجهك وبكاؤك في مثل هذه الوقائع لا غير.

ولو أنه فعّل علامة الويل التي جعلها الشاعر جملةً مُعترضة بين فعل الأمر ومفعوله لتغيَّرَ المعنى عن مجرد الإخبار، وصار حثًّا للمخاطبة على استمرار خدش وجهها وبكائها إلى الأبد على قتلاهم في وقعة البعوضة؛ إذ لا يهمه بعد ذلك، من يبكي في أي أمر غيره، وما يعزز هذا المعنى هو تقديم الجار والمجرور في بداية البيت تأكيدًا واهتمامًا بأمرهم، وتأخير فعل الأمر، وكذلك تقديم جملة الاعتراض التي تفيد الدعاء بالهلاك والفضيحة على المخاطبة، إن هي لم تستمر في فعل ذلك، وتأخير مفعول فعل الأمر بعد الاعتراض، كأسلوب من أساليب الاهتمام بالدلالات المرادة وإبرازها.

2.3.4      تأويل إيجابي ونص قارئ غير مقبول

يُقصد به التأويل الإيجابي المنجز في نص من النصوص، ولكن نص قارئه ليس مقبولًا، ويرجع سبب ذلك إلى ثلاثة عناصر، تتمثل في أنه قاصر، أو ركيك، أو لا يتناسب مع معنى النص المراد، ومن ذلك نصُ سيبويه مُعلّقًا به على بيت جرير في استعماله (الويل) بمعنى الخيبة، بقوله: «واعلمْ أن بعض العرب يقول: ويلاً له، وويلةً له، وعولةً لك ويجريها مجرى خيبة» (سيبويه 1، 333)؛ إذ قَصُرَت لفظته (خيبة) عن تفسير معنى (الويل) المراد في بيت جرير الذي يقول فيه:

كَسَا اللُّؤْمُ تَيْمًا خُضْرَةً في جلُودِها

 

فوَيْلاً لِتَيْمٍ مِنْ سَرَابِيلها الخُضْرِ

إذ يدل جرير باستعماله سيمة الويل على ذمِّ قبيلة تيم، وتعييب طباعهم الملازمة للؤم بشكل دائم حتى أن اللؤم قد صبغهم صبغة خضراء في جلودهم، فأصبح علامة فارقة في جلودهم من شدة لؤمهم على الناس، بل وزاد ذلك أن ألبسهم سرابيل خضراء مبالغة في شدة ذم طباعهم اللئيمة وتعييبها، وهذه السيمة الدلالية جاءت بتفعيل علامة الويل في سياق النص، وإحالتها كعنصر إشاري إلى الصبغة الخضراء التي تعني (اللؤم عند العرب) ليستحضر القارئ من جميع مُحدِّدات النص المعنى المراد، الذي قصُرت عنه عبارة سيبويه عند تفسيرها في استعمال البيت بمعنى الخيبة.

بناء على ما سبق، نلحظ أن علامات (الويل) ومشتقاته استمر تواردها في سياقات متعددة في تخاطب اللغة الرسمية، أو في تخاطب الاستعمالات اليومية، وسواء كانت الرسمية في كتابات الآداب، وعلوم اللغة، أوفي التعبيرات الشفهية للناس، فهذه الاستعمالات المتعددة توحي بسعة اختلاف سيماتها الدلالية في المواقف المتعددة بناء على ممكنات النص، ومُحدِّداته.

ونخلص من قراءة جميع النصوص التي سبقت إلى أن سيميائية (الويل) ومشتقاته تحمل دلالات متعددة غير متناهية، وإنما تحدد دلالاته ممكنات النص، وتفعيل علاماته، فكل سياق قد يحمل معنى مختلفًا عن غيره من السياقات؛ بل قد يحمل أكثر من دلالة في الوقت نفسه، تؤولها مُحدِّدات النص وعلاماته، ودلائل المقروئية، والموسوعية التي تشمل المتغيرات النفسية والاجتماعية، وغيرها من العوامل التي تنتج التأويل الإيجابي لهذه السيمات في لغة تخاطب الاستعمال الرسمي، أو اليومي الحياتي لدى الناس في مجتمعاتهم إلى يومنا هذا، ومازالت مستمرة على تعاقب الأزمنة والعصور، رغم كل عوامل التباعد بين العصور المعيشة.

خاتمة

إن ما توصّلتُ إليه في هذه الدراسة السيميائية التأويلية لعلامة (الويل) من دلالات متعددة، تعد علامات فارقة في تخاطب الاستعمال المتداول في اللغة المتعاقبة عبر العصور في ضوء نماذج من الاستعمال الرسمي للغة (الآداب، والكتابات العلمية)، وتخاطب الاستعمال المجتمعي على حد سواء، لا سيما تخاطب الاستعمال لدى شريحة النساء، كون سيميائية (الويل) أوجدت علامة فارقة في رصيدهن اللغوي المتداول في تخاطب الاستعمال المجتمعي على مر الزمن؛ لذا يمكن إيجاز أهم النتائج حسب الآتي:

-      استُعملتْ علامات الويل منذ القِدم؛ إذ ترجع بعض النماذج المدروسة إلى العصر الجاهلي، كما تدل على انتقال تلك الثقافات بالتوارث عبر العصور والمجتمعات المختلفة إلى العصر المعاصر، واستعمالها بالأساليب والدلالات السيميائية التي كانت مستعملة آنذاك.

-      أُوِّلت علامات (الويل ومشتقاته) في الاستعمال اللساني بدلالات مختلفة منها: الهلاك والعذاب، والفضيحة والبلية، والإكثار من ذكر الويل، تقول: وَيَّلتُ فلانًا: إذا أكثرتُ له من ذكر الويل، والتقبيح، والتعجُّب، والتحسُّر والتفجُّع، والحزن، والإنكار، والاستغاثة، ومجرد التصويت بلفظ الويل، كما يقال: ولولت المرأةُ: إذا قالت: وا ويلها؛ لأنّ ذلك يَتَحوّلُ إلى حكايةِ الصَّوْت، فولولت أقوى الحرفين في الحكاية وأَنْصَعُهما ثمّ تضعيفهما.

-      بروز استعمال علامة (الويل) لدى شريحة النساء أكثر من الرجال، واستمرار استعمالها وتعاقبها في لغتهن باختلاف مجتمعاتهن منذ أقدم النصوص المتداولة وحتى يومنا هذا.

-      تنوّعت سيميائية (الويل) في سياقات الاستعمالات الإجرائية العربية في ضوء نماذج الدراسة فحملت دلالات مختلفة باختلاف علامات النص وقضاياه ومداراته، وتفعيلها في ظل السياق الذي قيلت فيه، والدلائل المقروئية والموسوعية وفقًا للمتغيرات النفسية والاجتماعية، والبنى الفاعلة المؤثرة فيه. وتأوّل القراءات النصية بممكنات النص، فجاءت سيمات الويل بدلالات متعددة منها: التعجُّب والاستغراب، والمدح والثناء صرفًا لعين الكمال عن الممدوح، والحب واللّطافة والغُنج والدَّلال، كما تحمل في مقابل ذلك دلالة اللَّوم والعتاب، وشدة العيب، والشر والهلاك، فتعددت هذه الدلالات بتعدد ممكنات النص وسياقاته المختلفة، يؤكد ذلك علامات النصوص وتفعيلها، كما هي عند عروة بن الورد مع زوجه، وكذلك دلالة الوعد والوعيد، أو الخوف من قدوم الزائر خشية الفضيحة بين القوم، والترغيب والترهيب للحضِّ على فعل شيء معين، والزَّجر والتنفير من شيء، ومجرد الإخبار بالفعل، والتقبيح عند ممارسته، وازدراء من يمارسه قصد تنفير الناس منه، وكذلك التعظيم ورفع الشأن، كما تدل بعض سياقات نصوص التخاطب باستعماله على الفقر والتشرد، وبقية (ويلات الحروب) التي تصيب جماعات من الناس الذين اصطلوا بنار الحرب والشتات.

المراجع

أولاً: العربية

ابن الأثير. الكامل في التاريخ. تحقيق: عمر تدمري. ط1، دار الكتاب العربي، بيروت، 1997.

–––. النهاية في غريب الحديث والأثر. تحقيق: طاهر الزاوي. ط1، المكتبة العلمية بيروت، 1979.

ابن البطال. شرح صحيح البخاري. تحقيق: ياسر بن إبراهيم. ط2، مكتبة الرشيد، الرياض، 2003.

ابن الورد، عروة. الديوان. تحقيق: أسماء أبوبكر. ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1998.

ابن أنس، مالك. موطأ الإمام مالك. تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي. ط1، دار إحياء التراث العربي بيروت، 1985.

ابن دريد، محمد بن الحسن. جمهرة اللغة. تحقيق: منير بعلبكي. ط1، دار العلم للملايين، بيروت، 1987.

ابن عباد، الصاحب. المحيط في اللغة. دار الكتب العلمية، بيروت، [د.ت].

ابن فارس، أحمد. مجمل اللغة. تحقيق: زهير سلطان. ط2، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1986.

ابن منظور. لسان العرب. ط3، دار صادر، بيروت، 1414هـ.

الأحمر، فيصل. معجم السيميائيات. ط1، الدار العربية للعلوم ناشرون، الجزائر، 2010.

الإدريسي. رشيد. سيمياء التأويل الحريري بين العبارة والإشارة. ط1، رؤية للنشر والتوزيع، القاهرة، 2010.

الأزهري، محمد بن أحمد. تهذيب اللغة. تحقيق: محمد مرعب. ط1، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 2001.

الأعشى، ميمون. الديوان. دار الكتب العلمية، بيروت، [د.ت].

الإفليلي، إبراهيم. شرح شعر المتنبي. تحقيق: مصطفى عليان. ط1، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1992.

 امرؤ القيس. الديوان. تحقيق: عبد الرحمن المصطاوي. ط2، دار المعرفة، بيروت، 2004.

أنيس، إبراهيم. دلالة الألفاظ. ط3، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 1976.

إيكو، أمبرتو. التأويل بين السيميائيات والتفكيكية. ترجمة: سعيد بنكراد. ط3، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 2016.

–––. السيميائية وفلسفة اللغة. ترجمة: أحمد الصمعي. ط1، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، 2005.

 الباقلاني، محمد بن الطيب. إعجاز القرآن. ط5، تحقيق: أحمد الصقر. دار المعارف، القاهرة، 1997.

بريمي، عبد الله. «السميائيات التأويلية إبدال نقدي لقراءة التراث وترهينه». ضمن كتاب أعمال الندوة الدولية الثانية، قراءة التراث الأدبي واللغوي في الدراسات الحديثة، بحوث محكمة. كلية الآداب، جامعة الملك سعود، السعودية، 2014.

بن قزا، يوسف. مرآة الزمان في تواريخ الأعيان. تحقيق: محمد بركات وآخرون. ط1، دار الرسالة العالمية، دمشق، 2013.

بنكراد، سعيد. السيميائيات مفاهيمها وتطبيقاتها. 2012. ط3، دار الحوار، سوريا، 2012.

التبريزي، يحيى بن علي. شرح القصائد العشر. ط2، إدارة الطباعة المنيرية، بيروت، 1352هـ.

الثعالبي، عبد الملك. رسائل الثعالبي. ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1430هـ.

الحموي، ياقوت. معجم البلدان. ط2، دار صادر، بيروت، 1995.

الحميري، نشوان بن سعيد. شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم. تحقيق: حسين العمري. ط1، دار الفكر، بيروت، 1999.

الخنساء. الديوان. شرح: حمدو طماس. ط2، دار المعرفة، بيروت، 2004.

درويش، محي الدين. إعراب القرآن وبيانه. ط4، دار الإرشاد للشؤون الجامعية، سوريا، 1415هـ.

دو سوسير. علم اللغة العام. ترجمة: يوئيل يوسف عزيز. ط3، دار آفاق عربية، بغداد، 1985.

الدينوري، ابن قتيبة. غريب القرآن. تحقيق: أحمد الصقر. ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1987.

الذبياني، النابغة. الديوان. صنعه: تحقيق: شكري فيصل. دار الفكر، دمشق، 1968.

الرويلي، ميجان والبازعي، سعد. دليل الناقد الأدبي. ط3، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 2002.

الزبيدي، محمد. تاج العروس. تحقيق: مجموعة من العلماء. دار الهداية، [د.ت].

سيبويه. الكتاب. ط3، تحقيق: عبد السلام هارون. مكتبة الخانجي، القاهرة، 1988.

السيرافي، يوسف بن الحسن. شرح أبيات سيبويه. تحقيق: محمد علي الريح. دار الفكر للطباعة والنشر، القاهرة، 1974.

السيوطي. الجامع الكبير. ط2، تحقيق: مختار الهائج، وآخرون. الأزهر الشريف، مصر، 2005.

شاعرات العرب في الجاهلية والإسلام. تحقيق: بشير يموت. ط1، المكتبة الأهلية، بيروت، 1934.

الشوكاني، محمد بن علي. الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني. تحقيق: محمد صبحي. مكتبة الجيل الجديد، صنعاء، [د.ت].

الصحاري، سلمة. الإبانة في اللغة العربية. تحقيق: عبد الكريم خليفة وآخرون. ط1، وزارة التراث القومي، مسقط، 1991.

الضبعي، المتلمس. الديوان. ط1، تحقيق: حسن كامل. معهد المخطوطات العربية، مصر، 1970.

الضبي، المفضل بن محمد. المفضليات. تحقيق: أحمد محمد شاكر. ط6، دار المعارف، القاهرة، 1431هـ.

الفارابي، إسحاق بن إبراهيم. معجم ديوان الأدب. تحقيق: أحمد مختار عمر، مؤسسة دار الشعب للصحافة، مصر، 2003.

الفراهيدي، الخليل بن أحمد. العين. تحقيق: مهدي المخزومي، وإبراهيم السامرائي. دار ومكتبة الهلال، بيروت، [د.ت].

الفيروز آبادي. القاموس المحيط. تحقيق: مكتب تحقيق التراث. ط8، مؤسسة الرسالة، بيروت، 2005.

القرشي، محمد بن أبي الخطاب. جمهرة أشعار العرب. تحقيق: محمد البجادي، نهضة مصر للطباعة والنشر، مصر، 1430هـ.

كامل، عصام. الاتجاه السيميولوجي ونقد الشعر. دار فرحة للنشر، الجزائر، [د.ت].

مختار، أحمد. علم الدلالة. ط5، عالم الكتب، القاهرة، 1998.

المرزوقي، أحمد بن محمد. شرح ديوان الحماسة. تحقيق: غريد الشيخ. ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، 2003.

النيسابوري، علي بن أحمد. التفسير البسيط. تحقيق: جامعة الإمام محمد بن سعود. ط1، عمادة الدراسات العليا جامعة الإمام محمد بن سعود، السعودية، 1430هـ.

ثانيًا الأجنبية

 References:

Aḥmad Mukhtār. ʻilm al-dalālah (in Arabic), 5th ed., ʻĀlam al-Kutub, Cairo, 1998.

Al-Aḥmar, Fayṣal. Muʻjam al-sīmiyāʼīyāt (in Arabic), 1st ed., al-Dār al-ʻArabīyah lil-ʻUlūm Nāshirūn, Algeria, 2010.

Al-Aʻshá, Maymūn. al-Dīwān (in Arabic), Beirut: Dār al-Kutub al-ʻIlmīyah, [n.d.].

Al-Azdī, Muḥammad ibn al-Ḥasan. Jamharat al-lughah (in Arabic), 1st ed., Ed.: Munīr Baʻlabakkī, Dār al-ʻIlm lil-Malāyīn, Beirut, 1987.

Al-Azharī, Muḥammad ibn Aḥmad. Tahdhīb al-lughah (in Arabic), 1st ed., Ed.: Muḥammad Murʻib, Dār Iḥyāʼ al-Turāth al-ʻArabī, Beirut, 2001.

Al-Bāqillānī, Muḥammad ibn al-Ṭayyib. Iʻjāz al-Qurʼān (in Arabic), 5th ed., Ed.: Aḥmad al-Ṣaqr, Dār al-Maʻārif, Cairo, 1997.

Al-Ḍabbī, al-Mufaḍḍal ibn Muḥammad. al-Mufaḍḍalīyāt (in Arabic), 6th ed., Ed.: Aḥmad Muḥammad Shākir, Dār al-Maʻārif, Cairo, 1431h.

Alḍbʻy, almtlms. al-Dīwān (in Arabic), 1st ed., Ed.: Ḥasan Kāmil, Maʻhad al-Makhṭūṭāt al-ʻArabīyah, Egypt, 1970.

Al-Dhubyānī, al-Nābighah. al-Dīwān (in Arabic), Ed.: Shukrī Fayṣal, Dār al-Fikr, Damascus, 1968.

Al-Dīnawarī, Ibn Qutaybah. Gharīb al-Qurʼān (in Arabic), 1st ed., Ed.: Aḥmad al-Ṣaqr, Dār al-Kutub al-ʻIlmīyah, Beirut, 1987

Al-Fārābī, Isḥāq ibn Ibrāhīm. Muʻjam Dīwān al-adab (in Arabic), Ed.: Aḥmad Mukhtār ʻUmar, Muʼassasat Dār al-Shaʻb lil-Ṣiḥāfah, Egypt, 2003.

Al-Farāhīdī, al-Khalīl ibn Aḥmad. al-ʻAyn (in Arabic), Ed.: Mahdī al-Makhzūmī, wa-Ibrāhīm al-Sāmarrāʼī, Dār wa-Maktabat al-Hilāl, Beirut, [n.d.].

Al-Fayrūz Ābādī. al-Qāmūs al-muḥīṭ (in Arabic), 8th ed., Ed.: Maktab taḥqīq al-Turāth, Muʼassasat al-Risālah, Beirut, 2005.

Alʼflyly Ibrāhīm. sharḥ shiʻr al-Mutanabbī (in Arabic), 1st ed., Ed.: Muṣṭafá ʻAlyān, Muʼassasat al-Risālah, Beirut, 1992.

Al-Ḥamawī, Yāqūt. Muʻjam al-buldān (in Arabic), 2nd ed., Dār Ṣādir, Beirut, 1995.

Al-Ḥimyarī, Nashwān ibn Saʻīd. Shams al-ʻUlūm wa-dawāʼ kalām al-ʻArab min alklwm (in Arabic), 1st ed., Ed.: Ḥusayn al-ʻUmarī, Dār al-Fikr, Beirut, 1999.

Al-Idrīsī. Rashīd, Sīmiyāʼ al-taʼwīl al-Ḥarīrī bayna al-ʻibārah wa-al-ishārah (in Arabic), 1st ed., Ruʼyah lil-Nashr wa-al-Tawzīʻ, Cairo, 2010

Al-Khansāʼ. al-Dīwān (in Arabic), sharaḥahu: Ḥamdū ṭmās, 2nd ed., Dār al-Maʻrifah, Beirut, 2004.

Al-Marzūqī, Aḥmad ibn Muḥammad. sharḥ Dīwān al-Ḥamāsah (in Arabic), 1st ed., Ed.: Gharīd al-Shaykh, Dār al-Kutub al-ʻIlmīyah, Beirut, 2003.

Al-Nīsābūrī, ʻAlī ibn Aḥmad. al-tafsīr al-basīṭ (in Arabic), 1st ed., Ed.: Jāmiʻat al-Imām Muḥammad ibn Saʻūd, ʻImādat al-Dirāsāt al-ʻUlyā Jāmiʻat al-Imām Muḥammad ibn Saʻūd, KSA, 1430h.

Al-Qurashī, Muḥammad ibn Abī al-khiṭāb. Jamharat ashʻār al-ʻArab (in Arabic), Ed.: Muḥammad albjādy, Nahḍat Miṣr lil-Ṭibāʻah wa-al-Nashr, Cairo, 1430h.

Al-Ruwaylī, Mījān. wsʻd al-Bāziʻī. Dalīl al-nāqid al-Adabī (in Arabic), 3rd ed., al-Markaz al-Thaqāfī al-ʻArabī, Casablanca, 2002.

Al-Ṣāḥib Ibn ʻAbbād. al-muḥīṭ fī al-lughah (in Arabic), Dār al-Kutub al-ʻIlmīyah, Beirut, [n.d].

Al-Shawkānī, Muḥammad ibn ʻAlī. al-Fatḥ al-rabbānī min Fatāwá al-Imām al-Shawkānī (in Arabic), Ed.: Muḥammad Ṣubḥī, Maktabat al-Jīl al-jadīd, [n.d.].

Al-Sīrāfī, Yūsuf ibn al-Ḥasan. sharḥ abyāt Sībawayh (in Arabic), Ed.: Muḥammad ʻAlī al-rīḥ, Dār al-Fikr lil-Ṭibāʻah wa-al-Nashr, Cairo, 1974.

Al-Ṣuḥārī, Salamah. al-Ibānah fī al-lughah al-ʻArabīyah (in Arabic), 1st ed., Ed.: ʻAbd al-Karīm Khalīfah wa-ākharūn, Wizārat al-Turāth al-Qawmī, Muscat, 1991.

Al-Suyūṭī. al-Jāmiʻ al-kabīr (in Arabic), 2nd ed., Ed.: Mukhtār alhāʼj, wa-ākharūn, al-Azhar al-Sharīf, Egypt, 2005.

Al-Tabrīzī, Yaḥyá ibn ʻAlī. sharḥ al-qaṣāʼid al-ʻashr (in Arabic), 2nd ed., Idārat al-Ṭibāʻah al-Munīrīyah, Beirut, 1352h.

Al-Thaʻālibī, ʻAbd al-Malik. Rasāʼil al-Thaʻālibī (in Arabic), 1st ed., Dār al-Kutub al-ʻIlmīyah, Beirut, 1430h.

Al-Zubaydī, Muḥammad. Tāj al-ʻarūs (in Arabic), Ed.: majmūʻah min al-ʻulamāʼ, Dār al-Hidāyah, [n.d].

Bingarād, Saʻīd. al-sīmiyāʼīyāt mafāhīmuhā wa-taṭbīqātuhā. 2012 (in Arabic), 3rd ed., Dār al-Ḥiwār, Syria, 2012.

Buraymī, ʻAbd Allāh. "al-Simīyāʼīyāt al-Taʼwīlīyah Ibdāl naqdī li-qirāʼat al-Turāth wtrhynh, ḍimna Kitāb aʻmāl al-nadwah al-Dawlīyah al-thāniyah, qirāʼah al-Turāth al-Adabī wa-al-lughawī" (in Arabic), In: al-Dirāsāt al-ḥadīthah, Buḥūth Maḥkamat. Kullīyat al-Ādāb, Jāmiʻat al-Malik Saʻūd, KSA, 2014.

Darwīsh, Muḥyī al-Dīn. iʻrāb al-Qurʼān wa-bayānih (in Arabic), 4th ed., Dār al-Irshād lil-Shuʼūn al-Jāmiʻīyah, Syria,1415h.

De sowsyr. ʻilm al-lughah al-ʻāmm (in Arabic), 3rd ed., Trans: ywʼyl Yūsuf ʻAzīz, Dār Āfāq ʻArabīyah, Baghdad, 1985.

Ibn al-Athīr. al-kāmil fī al-tārīkh (in Arabic), Ed.: ʻUmar Tadmurī, 1st ed., Dār al-Kitāb al-ʻArabī. Beirut, 1997.

Ibn albṭāl. sharḥ Ṣaḥīḥ al-Bukhārī (in Arabic), 2nd ed., Ed.: Yāsir ibn Ibrāhīm, Maktabat al-Rashīd, Riyadh, 2003.

–––. al-nihāyah fī Gharīb al-ḥadīth wa-al-athar (in Arabic), 1st ed., Ed: Ṭāhir al-Zāwī. al-Maktabah al-ʻIlmīyah, Beirut, 1979.

Ibn al-Ward, Urwah. al-Dīwān (in Arabic), 1st ed., Ed.: Asmāʼ abwbkr, Dār al-Kutub al-ʻIlmīyah, Beirut, 1998.

Ibn Anas, Mālik. Muwaṭṭaʼ al-Imām Mālik (in Arabic), 1st ed., Ed.: Muḥammad Fuʼād ʻAbd al-Bāqī, Dār Iḥyāʼ al-Turāth al-ʻArabī, Beirut, 1985.

Ibn Fāris, Aḥmad. Mujmal al-lughah (in Arabic), 2nd ed., Ed.: Zuhayr Sulṭān, Muʼassasat al-Risālah, Beirut,1986.

Ibn manẓūr. Lisān al-ʻArab (in Arabic), 3rd ed., Dār Ṣādir, Beirut, 1414h.

Ibn qazā, Yūsuf. Mirʼāt al-Zamān fī tawārīkh al-aʻyān (in Arabic), 1st ed., Ed.: Muḥammad Barakāt wa-ākharūn, Dār al-Risālah al-ʻĀlamīyah, Damascus, 2013.

Ibrāhīm Anīs. Dalālat al-alfāẓ (in Arabic), 3rd ed., Maktabat al-Anjlū al-Miṣrīyah, Cairo, 1976.

Īkū, Umbirtū. alsymyāʼyh wa-falsafat al-lughah (in Arabic), 1st ed., Trans: Aḥmad alṣmʻy, al-Munaẓẓamah al-ʻArabīyah lil-Tarjamah, Beirut, 2005.

–––. al-taʼwīl bayna al-sīmiyāʼīyāt wāltfkykyh (in Arabic), 3rd ed., tara: Saʻīd Bingarād, al-Markaz al-Thaqāfī al-ʻArabī, Casablanca, 2016.

Imruʼ al-Qays. al-Dīwān (in Arabic), 2nd ed., Ed.: ʻAbd al-Raḥmān almṣṭāwy, Beirut: Dār al-Maʻrifah, 2004.

Iṣām Kāmil. al-Ittijāh al-sīmiyūlūjī wa-naqd al-shiʻr (in Arabic), Dār Farḥah lil-Nashr, Algeria, [n.d].

Morris, Ch. W. Foundations of a Theory of Signs in International Encyclopedia of Unified Science Chicago. 2002. IL: University of Chicago Press, 1938.

Shāʻirāt al-ʻArab fī al-Jāhilīyah wa-al-Islām (in Arabic), 1st ed., Ed.: Bashīr Yamūt, Beirut: al-Maktabah al-Ahlīyah, 1934.

Sībawayh. al-Kitāb (in Arabic), 3rd ed., Ed.: ʻAbd al-Salām Hārūn, Maktabat al-Khānjī, Cairo, 1988.