أنســـــــــاق
في الآداب والعلوم الإنسانية
الاستلام: 24/11/2023 التحكيم: 20/03/2024 القبول: 28/04/2024
من الوصف إلى الجدل: تنوع أنماط الخطاب في أخبار السفراء بين سنتي 13 قبل الهجرة و13 بعد الهجرة
محمد بن علي بن محمد السنيدي
أستاذ الأدب والنقد المشارك، قسم اللغة العربية وآدابها، كلية اللغات والعلوم الإنسانية، جامعة القصيمالمملكة العربية السعودية
m.alsonaidi@qu.edu.sa
يهدف البحث إلى الكشف عن مادة أدبية متفرقة في المصادر القديمة، متنوعة في السياقات، هي أخبار السفراء في التراث العربي، ودراسة استجابة الخطاب في هذه الأخبار للسياقات المختلفة التي جمعت أولئك السفراء والملوك الذين قابلوهم. وافترض البحث أن للسفير شأنًا يتجاوز إيصال الرسالة، وأن المؤلفين الأوائل التفتوا إلى هذا، فاهتموا بما وصفه السفراء وما سردوه وما جادلوا فيه، وأن الخطاب قد استعان بوسائل لغوية ومهارات سردية ومسالك جدلية. وقد طالع الباحثُ تلك الأخبار، ووجدها وافرة، وخاصة السفارات في بداية الدولة الإسلامية في عهد النبي ﷺ وأبي بكر الصديق t، مع تنوع أنماطها، فقسم البحث وفق هذه الأنماط، ومثّل لكل نمط بأمثلة مناسبة المقدار، وحلّل هذه الأمثلة، بعد أن مهد البحث بدراسة مفهوم السفارة، ومفهوم أنماط الخطاب. فجمع بين الاستقراء والتحليل. وقد توصل إلى أن أخبار السفراء متعددة الأدوات في تأدية خطابها، وأن المؤلفين الأوائل التفتوا إلى قيمتها الوصفية والسردية والجدلية، وأسهموا في بروز هذه الأنماط؛ فابن الفقيه الهمذاني؛ المؤلف الجغرافي، أظهر الخطاب الوصفي في كتابه (البلدان)، وأبو العلاء المعري؛ المؤلف الأدبي، أظهر الخطاب السردي في رسالته (الصاهل والشاحج)، والقلقشندي؛ المؤلف الإداري، في كتابه (صبح الأعشى)، وابن حديدة؛ المؤلف التاريخي، في كتابه (المصباح المضي) أظهرا الخطاب الجدلي. والبحث يطمح إلى أن يكون رائدًا لمزيد من الدراسات في أخبار السفراء، وخاصة في العصور التي لم تتناولها هذه الدراسة.
الكلمات المفتاحية: الخطاب، الوصف، السرد، الجدل، الخبر، الراوي
للاقتباس: السنيدي، محمد بن علي بن محمد. »من الوصف إلى الجدل: تنوع أنماط الخطاب في أخبار السفراء بين سنتي 13 قبل الهجرة و13بعد الهجرة«. مجلة أنساق، المجلد الثامن، العدد الثاني، 2024. https://doi.org/10.29117/Ansaq.2024.0208
© 2024، السنيدي، الجهة المرخص لها: كلية الآداب والعلوم، دار نشر جامعة قطر. نُشرت هذه المقالة البحثية وفقًا لشروط Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0). تسمح هذه الرخصة بالاستخدام غير التجاري، وينبغي نسبة العمل إلى صاحبه، مع بيان أي تعديلات عليه. كما تتيح حرية نسخ، وتوزيع، ونقل العمل بأي شكل من الأشكال، أو بأية وسيلة، ومزجه وتحويله والبناء عليه، طالما يُنسب العمل الأصلي إلى المؤلف. https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0
Ansaq
in Arts and Humanities
Received: 24/11/2023 Peer-reviewed: 20/03/2024 Accepted: 28/04/2024
From Narrative to Argumentation: The Diversity of Discourse Patterns in the Accounts of Ambassadors from 13 BH to 13 AH
Mohammad ibn Ali ibn Mohammad Alsonaidi
Associate Professor in Literature and Criticism, Department of Arabic Language and Literature, College of Languages and Humanities, Qassim UniversityKingdom of Saudi Arabia
Abstract
The research aims to explore various literary materials in ancient resources, diverse in contexts, which are Akhbar (the news) of AlSufraa (the Ambassadors/Envoys) in Arab heritage. The study investigates the response of this discourse in this khabar (news) to the different contexts in which AlSufraa met the kings whom they encountered. The research assumes that Almabeuth (the envoy) has a role that goes beyond delivering the message, and that the early authors devoted themselves to this aspect. They were interested in what AlSufraa described, narrated, and argued. The discourse employed linguistic means, narrative skills, and argumentative paths. The researcher has examined that khabar (news) and found them plentiful, especially AlSafarat (The Embassies) at the beginning of the Islamic state during the time of the Prophet Muhammad (peace be upon him) and Abu Bakr Al-Siddiq. With their diversity, the researcher divided the research according to these types and provided suitable examples for each type. Moreover, he analyzed these examples after introducing the research by studying the concepts of AlSafarah and discourse types. He combined induction and analysis and concluded that khabar (the news) of AlSufraa employs multiple tools in delivering their discourse, and that the early authors embraced its descriptive, narrative, and argumentative value, contributing to the emergence of these patterns. The geographer, historian and author Ibn al-Faqih al-Hamadani, demonstrated descriptive discourse in his book Mukhtasar Kitab al-Buldan ("Concise Book of Lands"), and the literary author (Abu Al-Ala Al-Ma'arri) presented narrative discourse in his article "Al-Sahil wa Al-Shahij" (The Mare and the Foal). The administrative author (Al-Qalqashandi) in his book "Ṣubḥ al-A'shā " (The Morning of the blind) and the historical author (Ibn Hadeedah) in his book "Al-Masbah Al-Mudhi" (The Radiant Lamp) demonstrated argumentative discourse. The research hopes to be a pioneer for further research and study in khabar (the news) of AlSufraa, especially in eras that have not been addressed in this study.
Keywords: Discourse; Descriptive; Narrative; Argumentative; Khabar; Narrator
Cite this article as: Alsonaidi, M.A.M. "From Narrative to Argumentation: The Diversity of Discourse Patterns in the Accounts of Ambassadors from 13 BH to 13 AH". Ansaq Journal, vol. 8, no. 2, 2024, https://doi.org/10.29117/Ansaq.2024.0208
© 2024, Alsonaidi, licensee, College of Arts and Sciences & QU Press. This article is published under the terms of the Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0), which permits non-commercial use of the material, appropriate credit, and indication if changes in the material were made. You can copy and redistribute the material in any medium or format as well as remix, transform, and build upon the material, provided the original work is properly cited. https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0
يدرس هذا البحث أخبارًا عن سفراءَ أُرسلوا في صدر الإسلام؛ عهد النبي e وأبي بكر t من سنة 13 ق.هـ إلى 13هـ.
يبدأ البحث بتمهيد شارحٍ لعنوانه، فيه حديثٌ عن السِّفارة وأنماط الخطاب، ثم تأتي مباحثه في أنماط الخطاب؛ الوصفيّ فالسرديّ فالجدليّ، ثم خاتمةٌ بالنتائج والتوصيات.
وقسَّم البحثُ النمطَ الوصفيَّ والنمطَ السرديَّ قسمين، هما؛ متن الخبر، وأعوانه. أما النمطُ الجدليّ فانقسم إلى أخباره الثلاثة؛ لأنّ لكلٍّ من النمطين الأولَين خبرًا واحدًا مطوّلًا، متّحدَ المتن والأعوان، والنمطُ الجدليُّ بخلافهما؛ فأخباره قصيرة مختلفة المتون والأعوان، ليس كلُّ الأحكام تجمعها، فصار من الحَسَن أن يستقل كل خبر باهتمام.
والمصادر التي تُحال إليها الأخبار لم تُختر بحسب القِدَم ولا الثبوت، بل اختير المصدر الذي لمؤلفه شَرِكة في تنميط الخطاب؛ فالبحث ليس تاريخيًّا يُقدِّم الأسبق، ولا حديثيًّا يتحرّى الأوثق؛ إنما هو نقديٌّ أدبيّ، ينظر في مقاصد أعوان الخبر من مؤلفٍ وراوٍ وبطلٍ، ومسالكهم في البيان. وليس المراد أن البحث يقبل المختلق والمزوّر؛ إنما يرى أن الراوي المسامِر لا يجيء بالخبر من لا شيء؛ بل هو حصيلة مأثورات متفرقة، لها حظ من الوثوق منفردةً؛ لكنه بذاكرته المزدحمة ومتطلبات مجلسه الناشد للغرابة يداخل بين أخبار وآثار ووقائع وأقوال، وسواء أكانت متفرقة أم ممتزجة؛ فإنها معبرة عن إرث أدبي.
للسفارة والسفير والسفراء معنى عند الأوائل لم يتسع كما اتسع في عصرنا الحاضر، الذي صار للسفارة فيه نصيبٌ أوفر من المكان والزمان والمهمات، فللسفير المعاصر من أرض وِجْهته مقرٌّ، يقيم فيه مدة تحسب بالسنين غالبًا، أما في القديم فقد جاء أنه: «يقال: سَفَرْتُ بين القوم أسفِر سفارةً إذا أصلحتَ بينهم، وكشفتَ ما في قلب هذا وقلب هذا؛ لتُصلح بينهم. والسَّفيرُ: المـُصلِحُ بين النَّاس، ... وقال الأصمعيُّ: السَّفيرُ: الرسولُ المـُصلِح» (الأزهري 12/400).
فالسفيرُ رسول، والسفارةُ بينية، خلافًا للوُفود (مصدر وَفَد) الذي فيه تواصل مباشر بين صاحب الغرض والمقصود به، والسفارةُ فيما يُهِمّ القوم، وليست بين فردين، وبين القوم خلاف؛ فجاءت السفارة للصلح، وعلى هذا؛ فلا يُطلق وصف السفير على كلِّ رسول، فما كلُّ رسولٍ مُصلحًا.
والمدونة الحديثية سمّتْ من أرسلهم النبي e إلى الملوك والرؤساء رُسُلاً؛ فلم يكن في الأحاديث التي جمعها (الفهّاد) لفظ السفارة ومشتقاتها؛ إنما شاعت عند المعاصرين الذين سَمَّوا مَن بَعَثَهم النبيُّ e سفراء، فلَقَّبُوا مصعبَ بن عُمير، أو عمرَو بن أمية الضمري، أو جعفرَ بن أبي طالب - رضي الله عنهم - بـ«أوّل سفير في الإسلام» (خالد 23؛ الوكيل 51؛ خطّاب 1/16).
وفي كتاب التاج المنسوب إلى الجاحظ يتحدث مؤلفه عما ينبغي أن يكونَ عليه رسولُ الملك، ويورد أخبارًا عن ملوك العجم في اختباره وخَطَره (الجاحظ، التاج 119-121)، ولم يُسَمِّه سفيرًا قط، لكنّ المحقق يضع لفقرات تلك الصفحات عناوين جانبية، هي: «آداب السفير»، «سُنّة ملوك العَجَم في اختبار السفير»، «كلمة أَرْدَشِير في حق السفير»، «ما فعله الإسكندر بسفيرٍ كَذَبَ عليه».
غير أنّ الصاحب ابن عبّاد يَصْدُق «السفيرُ» في معجمه على الرسول؛ ولو لم يكن مُصلحًا، ففي معجمه المحيط: «سَفَرْتُ بين القوم إذا كان رسولًا بينهم، وكذلك إذا أصلح بينهم، فأنا أسفِر سِفارة» (الطالقاني 8/310).
و«الرسولُ» إن لم يكن مصلحًا فهو يشبه السفير في المآل، وهو الصلاح؛ إذ جاء عن الملائكة السَفَرة أنهم: «سمُّوا سفرةً؛ لأنهم ينزلون بوحي الله وتأديته، وما يقع به الصّلاح بين النَّاس، فشُبِّهوا بالسفير الذي يصلح بين الرجلَيْن فيصلح شأْنهما» (الأزهري 12/403).
وابن الفرّاء وهو من رجال القرن الرابع الهجري - أخذ بترادف الرسول والسفير في كتابه: «رسل الملوك ومن يصلح للرسالة والسفارة»، ومنه بابٌ عنوانه: «ينبغي للرسول أن يغفل إذا سَفَر بين ملكين أحدُهما يَرْعُدُ ويَبْرُق» (ابن الفراء 10)، وبابٌ آخرُ عنوانه: «في احتراس الرسول لنفسه إذا سَفَر أو ترسّل بين ملكين، وهما على حرب أو منازلة» (ابن الفراء 29)، وهذا يدل على أنه لا فرق في العمل بين الرسول والسفير، وأن ما يريده الملوك من الصفات في مبعوثيهم واحدٌ لا يختلف، وأن الرسول قد يجد نفسه كالسفير المصلح؛ فيضطر إلى أن يعمل برأيه، ويدلي بحجته، وعقد ابن الفراء لهذا بابًا عمّن: «زان مرسِلَه بعبارته، ورَفَعَ من مَلِكه ببيانه وسفارته» (ابن الفراء 31). فالرسول يُراعى فيه ما يراعى في السفير من بلاغة وبديهة وفراسة، قال العباسيّ: «يكون فيه من العقل والرزانة ما لا يرتاع لتهديدات مُرْهِبةٍ، ولا يتغير بأطماع مُرْغِبةٍ» (ابن الفراء 191)، وقد يُعزَّز الإرسال؛ فيكون بأصحاب شريعة وسيف وكتابة، «فصاحبُ الشريعة يُقرّر ما يسوغ فيها، ويدفع ما لا يسوغ، وصاحبُ السيف يُرتِّب ما لا مضرةَ فيه على الملكِ، ولا جندِه، ولا حيفَ ولا مخاطرة، والكاتبُ يحفظ قوانين السياسة، ورسوم المكاتبات وأدب المخاطبات» (العبّاسي 192).
وما كان لهذه الأخبار، التي يدرسها البحث وأمثالها، أن تُدَوّن؛ لولا ما جاد به المبعوث فيها من بلاغة وحضور بديهة.
تتوالى الجمل في الكلام؛ حتى يبين منها أنها تُساق إلى وجهة ما؛ فقد تتوالى فيها الصفات والأحوال لشيء؛ حتى يطّلعَ المتلقي على صفته، ويدرك سماته، ويحيط ببعض صورته؛ فيكون الخطاب بهذا خطابًا وصفيًّا، فالنمط الوصفي أنْ تذكرَ الشيءَ على ما هو عليه من صفات وأحوال.
وقد تحكي تحولاتٍ مرّ بها الشيء، وأحداثًا تتابعت فيه؛ حتى تجعلَ المتلقي ينتظر ما تؤول إليه؛ وما مصير مَن فيها، فيكون الخطاب سرديًّا، فالنمط السردي أن تذكر أحداثًا أتت على الشيء بينها اتصال وتحوّل.
وقد تُقدّم الحُجج في عُلوِّ شأن ذلك الشيء أو ضَعَتِه؛ حتى تفحم المتلقي إن كان معاندًا، أو تُيقّنه إن كان متشكّكًا، أو تُلقّنه الحجة إن خشيتَ تأثره بحجج الخصوم؛ فيكون الخطاب جدليًّا، فالنمط الجدلي أن تُلزم المخالف بنتائجَ مبنيةٍ على مُسلّماته (خطابي 313؛ بوجراند 414-415؛ آدام 71؛ الصبيحي 108-110).
والجُمل وحدها لا تكفي في تنميط الخطاب، فالأعوان شركاء فيه، ولا سيما الخبر، والأعوان هم الذين أسهموا في ظهور النص، كالمؤلف والراوي والشخصية، ويسمون: «عون البث»، والمروي له والقارئ الواقعي والقارئ الضمني، ويسمون «عون التلقي» (القاضي، معجم السرديات 299)، والذين انصرف إليهم البحث هم: أعوان البثّ؛ لأن تَتَبّع التلقي مجال بحثي آخر استقل بنظريات، ولأن المؤلف والراوي والشخصية قد نهضوا بالشأنين معًا، فتلقّوا ثم بثّوا؛ إذ الشخصيات تصنع الكلام، وتتلقاه حوارًا، والراوي والمؤلف نالا الخبر، ثم أنزلاه في الحيّز الشفاهي والكتابي الأنسب لنمطه، وهما شاهدان على النمط، وممهِّدان له، وسيظهر هذا في دراسة الأخبار في مباحث البحث.
وبدأتُ بالنمط الوصفي؛ لأنه حد أدنى لما يدركه السفير؛ إذ يُسلِّم رسالته ويختزن إدراكه ما وقع عليه بصره، فيعود ناقلا مشاهداته، يليه النمط السردي الذي يزيد فيه حظُّ السفير مِن الخبر؛ فيكون شريكًا في أحداث، أو مطّلعًا على حكاية؛ فيعود ساردا لها، وأما الذروةُ في التحام السفير بمقام سفارته، فأن يكونَ لسانًا محاميًا عمّن أرسله، وخصمًا مناظرًا لمن استقبله، وهذه منزلته في النمط الجدلي.
وفضل الاصطلاح بـ(الجدل) على (الحِجاج)؛ لأن الجدلَ نصٌّ على تخاصم المتخاطبين، وهو المراد في أخبار السفراء، والمميز له من بين الوصف والسرد، وأما الحِجاج فأعم.
خلاصته أن سفراء بُعثوا إلى ملك الروم في خلافة أبي بكر، فأطلعهم ملك الروم على صورٍ للأنبياء وصفوها، وجاء في الخبر: «كان عبادة بن الصامت يُحدّث أنّ بعض الخلفاء بعثه، وهشامَ بنَ العاص ونعيمَ بن عبد اللّه إلى ملك الروم؛ يدعوه إلى الإسلام ... فدخلنا عليه، فإذا ليس عنده أحد ... ودعا بشيء كهيئة الرَّبْعة العظيمة مذهّبة، فيها بيوت صغار، عليها أبواب» (الهمذاني 186-187). ثم أخذ يفتح أبوابها، وفي كل مرة يُخرج منها خِرْقة سوداء من حرير، فيها صورة نبيّ، ويسألهم: «أتدرون من هذا؟ ... أتعرفون هذا؟» (الهمذاني 188)، فينفون معرفتهم، إلا صورة محمد e عرفوها، وبكوا، فتغيّر حال ملك الروم من قيام وجلوس، ثم قال: «واللّه لهو هو؟ قلنا: واللّه لهو هو، كأنّا ننظر إليه حيّا، فأمسك ساعة ينظر، ثم قال: أما - واللّه - إنه آخر البيوت، ولكني عجلته لكم؛ لأعلم ما عندكم» (الهمذاني 188).
وفي آخر الخبر: «قلنا: ومن أين هذه الصور هكذا؟ فإنّا نعلم أن هذه الصور على ما صُوّرت؛ لأن صورة نبيّنا e مثلُه، قال: إنّ آدم (عليه السلام) سأل ربّه، جلّ وعزّ، أن يريه بنيه من الأنبياء؛ فأنزل عليه صورهم، فاستخرجها ذو القرنين من خزانة آدم في مغرب الشمس، فصوّرها دانيال على تلك الصور في خِرَق حرير، فهي هذه بعينها، وواللّه لوددتُ أنّ نفسي تطيب بالخروج من مُلْكي، وأكون عبدًا؛ لأُشْرككم مُلْكَه، ولكن نفسي لا تطيب! ثم أجازنا، وأحسن جائزتنا، وسرّحنا» (الهمذاني 188-189).
تعاضد على ظهور خبر هذه السفارة مؤلفون ورواة وسفراء، وسمّتْ بعض المرويات هؤلاء السفراء، فذَكَرَتْ: عبادةَ بن الصامت، وهشامَ بن العاص، ونُعَيْمَ بن عبد الله، وزِيدَ معهم: عمرُو بن العاص، وعديُ بن كعب (الجريري 3/389)، ونصّت أغلب المرويات على أن السفارة في عهد أبي بكر الصدّيق.
أورد ابن الفقيه الهمذاني الخبر في فصل عنوانه: «القول في الروم»، حدّ فيه حدود بلاد الروم، ونقل عن يحيى بن خالد البرمكي أنهم: «أحذق الأمّة بالتصاوير، يصوّر مصوّرهم الإنسان؛ حتى لا يغادر منه شيئا، ثم لا يرضى بذلك؛ حتى يصيّره شابّا، وإن شاء كهلا، وإن شاء شيخا، ثم لا يرضى بذلك؛ حتى يجعله جميلا، ثم يجعله حلوا، ثم لا يرضى؛ حتى يصيّره ضاحكا وباكيا، ثم يفصل بين ضحك الشامت وضحك الخجل، وبين المستغرق والمبتسم والمسرور وضحك الهاذي، ويركّب صورة في صورة»، (الهمذاني 183).
وأورده أبو نعيم الأصبهاني معنونًا بـ«ما روي في تقدم نبوته قبل تمام خلق آدم صلوات الله عليهما وسلامه»، ومختوما بأن: «في هذه القِصة عِلْم أهْلِ الكِتابَيْن بصفة نبينا عليه السلام وباسْمه، وببعثه» (أبو نعيم الأصفهاني 50-56)، وزاد رواية أخرى فيها: لوط ويعقوب وإسحاق وإسماعيل ويوسف - عليهم السلام - على هذا النحو من الترتيب.
فالخبر يُساق للحديث عن الأُمّة الشمالية المجاورة لأرض الإسلام، باعتبار عرقهم؛ أنهم رومٌ حذّاق في التصوير، وباعتبار دينهم؛ أنهم نصارى من أهل الكتاب على علم بصفة محمد e، والاعتبار الأول هو اعتبار ابن الفقيه الهمذاني الجغرافي، والاعتبار الثاني هو اعتبار أبي نُعيم الأصفهاني ومن ألّف مثل تأليفه.
والهمذاني لا يدين بالمسار العجائبي لتلك الصور: «نزولها من السماء واستقرارها في خزانة آدم ثم استخراج ذي القرنين لها في مغرب الشمس ثم محاكاة دانيال لها على خِرَق الحرير»؛ إنما الصور عنده من حياكة أيدٍ رومية بارعة؛ ولولا هذا ما أورد الخبر في حذق الروم للتصوير، وما صور الأنبياء إلا أمثلة عليه؛ ولو كان ممن صدّق بأنّ المصوّر دانيال (أحد بني إسرائيل) وأنه نسخها مما في خزانة آدم لم يكن للخبر مناسبة في فصلٍ عن الروم، فلم يرفض الخبر كله، بل قَبِل منه أوصاف الصور، واستشهد بها، وترك من الخبر عجائبيّته، وهذه إشارة إلى أن بين الأوثق والمختلق من الأخبار ضربًا فيه امتزاج بينهما. وخبر الهمذاني أخلص لنمط الوصف، وأبعد عن نمط الجدل؛ لأنه يخبر عن إتقان أمة، ولا يجادلها في دينها.
جاء إسناد الهمذاني من ثلاثة رواة على هذا النحو: «قال ابن دأب عن موسى بن عقبة قال: كان عبادة بن الصامت يحدّث ...»، والمشترك بين هؤلاء الثلاثة: الـمَدَنِيّة، أي أنّهم منتمون إلى المدينة النبوية؛ فعبادة بن الصامت أحد الصَّحْب الأنصار، وموسى بن عقبة من رواة المغازي فيها (الذهبي 148)، والراوي الذي ابتدأ به الإسناد هو عيسى بن يزيد بن بكر بن دأب، عاش في منتصف القرن الثاني الهجري، مدنيٌّ، انتقل إلى البصرة، وهو أخباريّ، نسّابة، ذكر الجاحظ بعض مروياته في آثاره، وذكره في باب من البيان والتبيين، سماه: «ذكر أسماء الخطباء والبلغاء والأبيناء وذكر قبائلهم وأنسابهم» (الجاحظ، البيان والتبيين 1/306)، وهو من أسرةٍ عُرِفتْ بالأخبار، قال الجاحظ: «في آل دأب علمٌ بالنسب والخبر» (الجاحظ، البيان والتبيين 1/324)، وقال إنه: «يُعرف في العامة بابن دأب، وكان من أحسن الناس حديثًا وبيانًا، وكان شاعرًا، راوية، وكان صاحب رسائل وخُطَب، وكان يجيدهما جدًّا» (الجاحظ، البيان والتبيين 1/324)، وذكره في أول البيان والتبيين، فقال: «يؤلف الكلام الجيّد، ويصنع المناقلات الحِسان، ويؤلف الشعر والقصائد الشريفة، مع بيان عجيب، ورواية كثيرة، وحسن دلٍّ وإشارة» (الجاحظ، البيان والتبيين 1/51)، والمناقلات من: «ناقلت فلانًا الحديث: إذا حدثته وحدثك» (ابن منظور 14/345).
وكما جلس إلى العامة فقد نادم الخاصة، فكان يحضر مجلس الخليفة المهدي، وابنه الهادي، ويروي لهما أحاديث السمر، ومن حظوته عند الهادي أنه: «أمر له بثلاثين ألف دينار» (النهشلي القيرواني 151).
ولا أذهب إلى اختلاق ابن دأب أو غيره للخبر من لا شيء، فصحائف الأخباريّ وذاكرته ملأى بأمثاله؛ إنما هو علامة على أن الخبر امتثل أعراف المسامرة، ومَن تأمل موضع الأوصاف واختلاف حظ كل صورة منها ترجّح له أنّ الواصف راءٍ لا متخيِّل.
فالواصف مستغنٍ عن المجاز، ولم يستعن بالتشبيه، مع أن في التشبيه والمجاز زيادة استحسان أو استهجان، ثم إن عدد ما وُصف به الأنبياء مختلف، فمنهم من وُصِف بصفتَين، وهو داود: «صورة بيضاء، أشبه ما خلق اللّه بصورة امرأة عجيزة وساقا» (الهمذاني 188) ومنهم من وصف بثمان، وهو موسى: «صورة صحماء أدماء، رجل كثير الشعر، جعد قطط، غائر العينين، حديد النظر، عابس، متراكب الأسنان، مقلّص الشفة» (الهمذاني 188)، وبقية الصور تتراوح بين هذين العددين، وموضع الصفات: الرأس غالبا، والمشاعر المصوّرة لم تكن سوى تبسم إبراهيم وعبوس موسى، ولم يذكر للصور ملحقات سوى فرس سليمان وريحه (الهمذاني 188).
وفي اختلاف عدد الأوصاف، وتركيزها على الرأس أمارةٌ على أن الواصف غير متحكم بالمشاهدة، فالخِرَق بيد القيصر، يظهر ويخفي كما يشاء، ولا يسأل: أملأ السفير عينه أم لا؟ أو أنها مشاهدات غريب عابر ببناءٍ به صورٌ مرسومة، أو منقوشة، أو معلّقة، فأدرك الرائي صفات مختلفة العدد، بما أمكن إدراكه، وهو الأعلى، الذي يبتدئ به القول الواصف غالبا، فعندما يوصف إنسان أو حيوان يُبْتدأ برأسه ووجهه، وإذا وُصف جبلٌ، أو بناءٌ بُدِئ بقمتهما، ثم ينحدر الوصف إلى ما دون، ما لم يكتفِ الواصف، أو يقطع على رؤيته حاجب أو صارف.
لذلك جاءت الأوصاف وليس وراءها تخطيطٌ عددي، أو تصنّعٌ بياني بالتشبيه والاستعارة، أو رصفٌ بديعي بالجناس والسجع، كأن الواصف يرى الصور رأي العين.
والأخبار تتناسل، فيتركب الخبر من خبرين وأكثر، (القاضي، الخبر في الأدب العربي 528-529)؛ فلعل للسفارة أصلا، اقتصر السفراء فيه على الإبلاغ، ثم ألحق بها أخباريٌّ أوصافًا للرسوم التي تُرْقم بها المعابد النصرانية، وقوّل ملكَ الروم في هذا السياق قولًا قد قال به لأبي سفيان وهو في الشام، أقر الملك له بنبوة محمد e، وهو قوله: «إن يكن ما تقول فيه حقًّا فإنه نبيّ، وقد كنتُ أعْلَمُ أنه خارجٌ، ولَمْ أكنْ أظنّه منكم؛ ولو أني أعْلَمُ أني أخْلُصُ إليه؛ لأحببتُ لقاءَه؛ ولو كنتُ عنده لَغَسَلْتُ عن قَدَمَيه، وليبلغَنّ مُلْكه ما تحت قَدَمَيَّ» (القشيري 3/1395)؛ فنُقل قوله إلى هذه السفارة، وأُخرج من الرأي المجرّد الذي نطق به إلى معرضٍ تجسّد فيه النبوات، مُسخَّرٍ بالرَّبْعة الذهبية والبيوت المصغّرة والحرائر والألوان، وهذه «المسرحة أو التجسيد» من طرائق تضخيم الأخبار (القاضي، الخبر في الأدب العربي 500-501).
والأَخباريُّ يمزج بين هذا وذاك؛ لأن الاحتراس من شرود العامة وضَجَرِ الخاصة أولى عنده من المحافظة على استقلال كل خبر، ثم حمى متن الخبر بألّا يوصف محمد e؛ حتى لا يجيء بخلاف ما هو أوثق منه؛ فيعارضه ويرده، وسدّ هذه الفجوةَ التعليلُ لتقديمِه في عرض الصور على أكثر الأنبياء، مع أنه خاتمهم، فبدلا من أن يصف السفير صورته التي رآها، أشغل الأخباريُّ هذا الموضع بكلام للقيصر، يُعلّل فيه تقديم هذه الصورة على صور بقية الأنبياء: «أما - واللّه - إنه آخر البيوت، ولكني عجلته لكم؛ لأعلم ما عندكم»، واللافت أنها حلّت بعد إبراهيم؛ كأنها إشارة إلى أن ملة محمد e تتبع ملة إبراهيم.
جاء في رسالة الصاهل والشاحج لأبي العلاء المعرّي أنّ أبا أيّوب أحد شخصيات الرسالة قال: «ذكر أبو معشر المدنيّ في كتاب المبعث أنّ قريشًا وجهّتْ عمرو بن العاص السهمي، وعُمَارة بن الوليد المخزومي إلى النجاشي، لما هاجر إليه أصحاب رسول الله e؛ يريدون أن يوغروا صدره عليهم، ووجّهوا معهما ألطافًا، مما يكون في أرض العرب» (المعري 308)، وهما في السفينة شرب عمارة خمرًا، وأخذ يراود امرأة عمرو، فصدّه، فحَمَلَه عمارة، وألقاه في البحر، وتعلّق عمرو بسافلة السفينة، وصعدها.
وأكملا رحلتهما، وأديّا سفارتهما إلى النجاشي، والراوي يُجْمِل، ولا يفصّل حوارهما مع المسلمين في مجلس الملك؛ إنما يذكر أن عَمْرًا بعد أن غُلب في هذا المجلس أوهم عمارة أن يسعى لاستمالة النجاشي بالتقرّب إلى امرأته؛ إذ قال له: «إنك رجلٌ جميل، فصادِق امرأةَ الملك؛ لعلها تكون لنا وسيلة إليه. فصادَقَها عمارةُ، فأخبر عَمْرًا بذلك، فقال: ما أراها صَدَقَتْكَ الحُّب؛ حتى ترسل إليك من ثيابه وطِيْبه» (المعري 309).
فطلب عمارة إلى امرأة النجاشي أن تعطيه طيبَ الملك وثوبه، فأرسلتْهما إليه، وتحلّى بهما، فلما أبصرهما عمرو عليه ذهب إلى النجاشي، وقال له: «لا أكون في أرض إلا نصحتُ لملكها، إني لك ناصح! إنّ صاحبي قد خانك في أهلك؛ فأرسِلْ إليه، فإن ثوبين من ثيابك عليه، وطِيبًا من طِيبك» (المعري 309). فوجد النجاشي ما قاله عمرو، واستشار الكهنةَ في عِقاب عمارة، فقالوا: «ننفخ في إحليله شيئًا فيتوحّش مع الوحش» (المعري 309)، فكان هذا، ويخبر الراوي أنّ عمارة عاش في الجبال، «وأنه عاش؛ حتى وَلِي عبد الله بن أبي ربيعة اليمن، وهو أبو الشاعر عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة، فقيل لعبد الله بن أبي ربيعة: إن ببعض الجزائر التي تقرب من اليمن عمارة بن الوليد متوحشًا، فوَجَّه إليه، فأُتِيَ به؛ فجعل يصيح: يا حيّ! يا حيّ!؛ حتى مات في أيديهم، وكانوا يرون أن الذي فُعِل به ضربٌ من السحر» (المعري 310).
تعاون على هذا الخبر: مؤلفٌ، وهو أبو العلاء المعرّي، وراوٍ، وهو أبو أيّوب الذي يرويه عن أبي معشر المدني، ومرويٌّ له، وهو الشاحج، فأما المعري والمدني فعونان حقيقيان، وأما أبو أيّوب والشاحج فاسمان لحيوانَين متخيّلين، أولهما بعير، والآخر بغل، أنطقهما المؤلف كما نطق الهدهد والنملة في القرآن الكريم كما يقول (المعري 91)، وأنطق معهما في الرسالة حيوانات أخرى، أسماها المؤلف: الصاهل، والفاختة، وأم عامر، وثعالة، وهي أعلامٌ لفَرَسٍ وطيرٍ وضبعٍ وثعلب.
ويجيء خبر السفارة بعد أن انصرف البغلُ الشاحجُ عن مخاطبة الفرس الصاهل، وأخذ يخاطب البعيرَ أبا أيوب، ويذكر له غرائب، استنكرها البعير، واستحمقه عليها، وحاول أن يجد مخرجًا لغرائبه، من أنها خرافات أو أوهام في تلقّي الأخبار، أو دعاوى خَفِيَتْ بواطنها، وكان من غرائب الشاحج قوله إنّ عجوزًا في دمشق ولدتْ بيضة! (المعري 299).
فاحتمل في حُسبان أبي أيوب البعير أن العجوز مُسِخت دجاجة، ثم باضت! وأن هذا من فعل السواحر، كما كان لعُمارة بن الوليد في سفارته إلى الحبشة الذي استوحش مما فعل به كهنة النجاشي، وأعقب الخبرَ قوله للشاحج: «فلعلك تذهب إلى أنّ هذه العجوز مُسِختْ دجاجة، فباضت بيضة واحدة، ثم ردها الله الواحد بقدرته إلى حال الآدمية!» (المعري 310).
فكان السرد خير مفسّر لأبي أيوب؛ ففي نمطه التحوّلُ في الأحداث وفاعليةُ الشخصيات؛ لأنه لا يُقبل أن تتنقل تلك العجوز الدمشقية إلى غير طبيعتها في النسل، إلا في تصوّرٍ عجائبيّ لتحوّلاتٍ تلحق بها، تسوّغها شخصياتٌ ذات قدرة خارقة، وجاء بنظير لهذا هو خبر عُمارة، فالسردُ يُسوّغ العجائب، ففَضُلَ بهذا النمطُ السردي على النمط الوصفي المبني على الثبات، وعلى النمط الجدلي المبني على ما يُسلّم العقل به لا ما يحار فيه.
وقد استدرك الشاحج غرائبه، وبيّن أنه أجراها مجرى الأحاجيّ، وأن البيضة المولودة هي امرأة كريمة مصونة (المعري 366).
وسرد الخبر متأخر جدًّا عن أول تدوين له، فكان للمؤلف خيارات في هذا الخبر، منها أن الرحلة تجارة لا سفارة، فعند أهل الحديث والسِيَر تَرِد رحلة عمرو وعمارة سفارةً بعثتها قريش إلى النجاشي في أمر مُهاجرة المسلمين (ابن إسحاق 167-170)، وتَرِد تجارة لا صلة لها بأمر المسلمين؛ إنما حمل الاثنان؛ عمرو وعمارة في مركبهما بضائع لقريش؛ لبيعها في الحبشة (ابن أبي شيبة 7/350)، وهو ما جاء في كتاب الأغاني (الأصفهاني 9/43-45) الذي ساقه، وساق في آخره أبياتًا في وَجْد خولة بنت ثابت على عمارةَ المسحور، وكانت الأبيات مما غناه طويس.
ورسالة المعري اختارتْ خبر السفارة، وهو الأوجهُ للتحوّل والأحبكُ للسرد؛ إذ أَوَّلُ الخبر أن السفيرَين يريدان أن يوغرا صدر النجاشي على أصحاب النبي e، ويكيدا للمسلمين، فلم يكن لهما ما أرادا، بل وغر صدر أحدهما على صاحبه، وكاد له، فكان الجزاء من جنس العمل، ورحلةُ عمارة بهذه السفارة طاعةٌ لقريش وأذيّة للمسلمين، فهي رحلة آثمة، والإثم ممهِّد وجيه لتحوّل عجائبي، وأدعى لأن يُقال إن توحّش عمارة عقابٌ إلهي.
ولم يخلُ خبر عمارة من تدخلات الراوي في عالم الحكاية؛ إذ صوّب قول عمارة لعمرو بعد أن نجا من الغرق: «لو كنتُ أعلم أنك تعوم ما طرحتك»، فعلق عليه قائلا: «هكذا في النقل، والأشبه أن يكون: لولا أني كنت أعلم أنك تعوم»، وعلل اختيار رواية أبي معشر، وبيّن مَن عبد الله بن أبي ربيعة والي اليمن الذي تتبع عمارة في الجزائر التي بين اليمن والحبشة.
ومن الظاهر أنّ خبرَ عمارة مؤطَّرٌ بحكاية الشاحج، والعلاقةُ بينهما تفسيرية (القاضي، معجم السرديات 392)؛ سعى بها البعير أبو أيوب إلى تفسير واقعة عجوز دمشق، ويَسُوغُ بالموازنة بين الحكايتين أن يُحكَم بأنّ في المؤطَّر تضمينًا انعكاسيًّا (Mise en abyme) لحكاية (الشاحج) الإطارية؛ والتضمين الانعكاسي هو: أن يكون في المؤطَّر انعكاسٌ لإطاره، أي أن الحكاية قد تجد انعكاسًا لها فيما تتضمّنه من حكايةٍ أو حُلْم أو لوحةٍ (القاضي، معجم السرديات 97-99).
فالبغل الشاحج أراد من أبي أيوب البعير أن يحمل أحاجيَه إلى عزيز الدولة في حلب، فكأنّ أبا أيوب سفير، وكأنه خَشِي من مكيدة في الأحاجي، تضرّه عند ذي السلطة، كما كان لعمارة الذي أوذي بأمر ملك الحبشة، وكان الأذى في موضع الفحولة، ولدى أبي أيوب البعير أبوة تدل عليها كُنْيَتُه، فيخشى على سَبَبِها من حسد الشاحج، وهو أحد البغال التي: «لا تتلاقح» (الجاحظ، البغال 91)، وغير خافٍ أنّ الشاحج في الرسالة مُغْمَى العين، حبيسُ الجسدِ الذي لا يتناسل، قصير الخُطى، لا يفارق البئرِ التي ينضح منها الماء، (المعري 90) فهو رهين البصر والجسد والمكان كالمعري (الوسلاتي 19-20)، وقد يجد متأوّلة النقد النفسي في الجمع بين عمر بن أبي ربيعة - شاعر الغزل والوصال - وعمارة في الخبر جمعًا بين الشبق وفَقْدِه، لكنّ الذي جعل الراويَ يذكر عمرَ بن أبي ربيعة والدُه الوالي الذي عثر على عمارة، ولا جامع بين هؤلاء سوى مخزومية النسب ومودة القربى، ومعهم أبو معشر المخزوميُّ ولاءً، (الذهبي 234) الذي عرّف بالوالي بما يعرفه أهل الأدب.
يُعرَّف الجدل بأنه «دفْع المرءِ خصمه عن إفساد قوله بحجةٍ أو شبهة» (الجرجاني 51)، ويذهب طه عبد الرحمن إلى أن منهج المناظرة في التراث الإسلامي مُتَعَمّم على مجالات الفقه والنحو والأدب (الجرجاني 68-69)، ونبّه إلى أصناف الاعتراض في هذه الحوارات، وهي: المنع، والنقض، والمعارضة (عبد الرحمن 79-82).
والسفير قد يأتي إلى خصم ألدّ، لا يكتفي من الرسالة بسماع أو قراءة، بل يَرُدّ على ما فيها، ويناظِر حاملها، وقد مثّل نجم الدين الطُّوفيّ على الحاجة إلى الجدل؛ لتقرير الحق بأنّ: «مَلِك الهند بعث إلى هارون الرشيد؛ أن أرسلْ إليّ من يُناظر في الـمُلك؛ لنصيرَ إليكم، أو تصيروا إلينا، فأرسل إليه بالحسن بن زياد اللؤلؤيّ، فلما حصل في مجلس النظر سألوه، فأجابهم بالأحاديث المسندة وفقه أبي حنيفة وأصحابه؛ فسخروا منه، فلما وصل الخبر إلى الرشيد قامت عليه القيامة! ثم أرسل إليهم بثمامة بن أشرس متكلِّمًا نحريرًا صاحبَ نظرٍ وجدل» (الطوفي 11)، ويعيد ذكر الخبر مفصّلا في خاتمة الكتاب التي خصها بـ«الماجرايات الجدلية» (الطوفي 209-243)، وفيها ذكر أخبارًا من الأدب والتاريخ، وبيّن ما في حواراتها من صلة أحيانًا بقواعد علم الجدل، لكنّه يشك في صحة هذه السفارة في هذا الموضع، وقد استشهد بها في أول الكتاب على منزلة الجدل.
ووضع القَلْقَشَنْديّ في كتاب صبح الأعشى عنوانًا هو: «في حمْل الكتاب وتأْدِيته»، جاء فيه: «واعلم أنه يجب أن يكون حاملُ الكتاب المؤدّي له عن الـمَلِك ونحوه وافرَ العقل، شديدَ الشّكيمة في الجواب، طَلْقَ اللسان في المحاورة؛ فإنه لسانُ مَلِكِه، وتُرْجُمانُ مُرْسِلِه، وربما سَأَلَه المكتوبُ إليه عن شيءٍ أو أَوْرَدَ عليه اعتراضًا فيكون بصدد إجابته» (القلقشندي 6/359)، وفيما يأتي عرْضٌ لسفارات تجادل فيها السفير ومن قَصَده.
من أمثلة القلقشندي على مهارة السفير في الجدل: حوار حاطب بن أبي بلتعة والمقوقس ملك مصر، ذلك: «أن النبيّ e لما بعث حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس صاحب مصر، وبلّغه كتاب النبيّ e، قال له: ما منعه أن يدعو عليّ فيسلّط عليّ؟ قال له حاطب: ما منع عيسى أن يدعو على من أبى عليه أن يفعل ويفعل؟ فوجم ساعة، ثم استعادها، فأعادها عليه حاطب، فسكت. ويُروى أنه حين سأله عن أمر النبيّ e في حرب قومه، وذكر له أنّ الحرب تكون بينهم سجالا؛ تارة له وتارة عليه، قال له المقوقس: النّبيّ يغلب؟! فقال له حاطب: فالإله يصلب؟!» (القلقشندي 6/ 359).
إنّ كلام المقوقس الأول: «ما منعه أن يدعو عليّ؟ فيُسلَّط عليّ» اعتراضٌ على نبوة محمد e، كأنه قال: (لو كان نبيًّا لتسلّط عليّ بالدعاء، فالأنبياء مجابو الدعاء، لكنه لم يتسلط عليّ بالدعاء فهو ليس بنبيٍّ)؛ ولو كان حاطب في مقام المعلّم والخطيب لعلل ترك الدعاء بالرحمة ولإفساح الأمد لمن لم يُسْلِم، وليكون للإسلام أهل نصر وفتح وشهادة، يبسطون سلطان الإسلام بدمهم ومالهم، لكنّ حاطبًا آثر أن يأتي على قياس خصمه، فيبطله؛ فألزمه أن يعلل لمحمد e بما يعلل به لعيسى إن كانت (ما) موصولة، ومعناه: (أنّ الذي منع محمدًا هو الذي منع عيسى)، أو أن يعترض على عيسى كما اعترض على محمد، فعيسى نفسه لم يفعل ما يريد المقوقس من محمد فعله، إن كانت (ما) استفهامًا، ومعناه: (إن كان اعتراضك صحيحا فلمَ لمْ يفعله عيسى).
والاعتراض الذي استعمله المقوقس يسمى في علم الجدل: النقض؛ إذ ادّعى أنّ تركَ الدعاءِ نقضٌ للنبوة، ورد حاطب يسمى معارضة بالمثل، وهو الرد بدليل مثيل لدليل المدّعي (الجرجاني 150).
وبحسبان بيرلمان في الحجاج المعاصر تسمّى حجة المقوقس بالتناقض، وحجة حاطب بالعدل، فما تنكره من محمد تجده في عيسى الذي تدّعي اتّباعه، وحجتا التناقض والعدل من الحجج الشبيهة بالمنطق عند بيرلمان (بيرلمان 130، 142).
وأما كلام المقوقس الثاني: «النبيُّ يُغلب؟!» فكأنه على قياس حملي، يضمر مقدمة كبرى، هي أنّ: (الأنبياء منصورون)، فالهزيمة إذن تنافي النبوة، وردُّ حاطب أن لّيس للمقوقس ولا لأهل دينه أن يقولوا بهذا التنافي؛ لأنهم يجيزون ما هو أعظم بحقِّ جنابٍ أعظم؛ إذ يدينون بصلب الإله، فمَن قال بهذا القول مِن الأَوْلى ألا يعترض على ما هو أدنى، فصنع حاطب من معتقد المقوقس (سُلّمًا حجاجيًّا)، أعلاه صلب الإله الذي مَن قال به هان عليه ما دونه (المبخوت 366).
وجملتا الجدل: «النبي يغلب، الإله يصلب» كسابقتهما؛ ما هما إلا حجتا تناقض وعدل تصادمتا، واعتراضٌ بالنقض وُوْجِه بالمثل.
ولم يقل حاطب إنّ الانتصارات في غزوات النبي e أكثر، وإنّ الهزيمة واحدة في أُحُد، محّصتْ أتباعه، واتخذت منهم شهداء، وإنّها لم تحدّ من نشر الإسلام وازدياد أتباعه واتساع رقعته؛ لأن غاية الجدل إظهار أنّ مذهب الخصم متهافت لا يأتلف، وعلى الخصم أو أتباعه أن ينبذوه، ويأتوا إلى الحق، ويُذعنوا له.
ومن أمثلة القلقشندي في الباب المذكور: «أن دحية الكلبي حين دخل على قيصر بكتاب النبي e قال له دحية: هل تعلم أكان المسيح يصلي؟ قال: نعم، قال: فإني أدعوك إلى من كان المسيح يصلي له، وأدعوك إلى مَن دبّر خلق السماوات والأرض والمسيح في بطن أمه. فألزمه من صلاة المسيح أنه عبد الله تعالى، وضمّن ذلك بيتًا من أبيات له فقال:
|
وكانت منِ الجوهرِ الأحمرِ» (6/359-360)
|
في هذا الخبر احتج دحية بالاستصحاب، وهو «إبقاء ما كان على ما كان عليه؛ لانعدام المغيّر ...، وهو الحكم الذي يثبت في الزمان الثاني بناءً على الزمان الأول» (الجرجاني 13-14)، أي إبقاء الحال التي عليها المسيح، من عبوديته وبشريته، وتدبير الله للسماوات والأرض من دونه، والشاهدُ على عبوديّته صلاتُه، والشاهدُ على بَشَرِيّته اجتنانُه ببطن أمه، ولن يُغيّر هذه الحال من العبودية والبشرية إلا إن استنكف المسيح من عبادة الله، وأن تدبير السماوات والأرض قد اختل، فاحتاجتا إلى إله مع الله (سبحانه وتعالى)، فالاستصحاب احتجاجٌ بالأصل المتفق عليه على الفرع الـمُدَّعى والطارئ المختلَف فيه.
وقيمة الشيء المستصحَب في هذا الاحتجاج (صلاة المسيح) أنه أسبق، وأنه قدوة، وأنه مناقض للحال التالية المدّعاة، وأنه معترفٌ به على لسان الخصم، فاجتماع هذه فيه يجعله عزيزًا نادرًا كالكبريت الأحمر، أو الذهب الأحمر اللذَين يضرب بهما المثل في المتناهي عزًّا، (الميداني 2/44) وهما الأقرب للمراد بـ«الجوهر الأحمر» في البيت.
ذكر ابن حديدة في كتابه: المصباح المضي - الذي خصه بكُتّاب النبي e ورُسُله - سفارة عمرو بن العاص إلى عُمان، وقبل قال عنه: «كان من الدهاة الـمُتَقَدِّمين في الرأي والمكر، وكان عمر بن الخطاب t إذا استضعف رجلًا في عقله ورأيه قال: (أشهد أنّ خالقَك وخالقَ عَمْرو واحد) يريد خالق الأضداد»، (ابن حديدة 2/63-64) ثم أخبر عن إرسال النبيّ e إياه إلى جَيْفَرٍ وعَبْد ابْنَي الجُلَنْدِيِّ الأَزْدِيِّين، مَلِكَيْ عُمَانَ، فدخل عمرو على عَبد بن الجلندي أوّلًا، وأخبره بالرسالة، فقال عبد: «يا عَمْرو، إنَّك ابن سيد قومك؛ فكيف صنع أبوك فإن لنا فيه قدوة؟ قال عمرو: قلتُ: مات، ولم يُؤمن بمحمّدٍ e، ووددتُ أنه كان أَسْلَمَ، وصدَّقَ به، وقد كنتُ أنا على مثل رأيه؛ حتى هداني الله للإسلام. قال: فمتى تَبعته؟ قال: قلتُ قريبا. فسألني: أين كان إسلامك؟ فقلت عند النجاشيّ، وأخبرته أنّ النجاشيّ قد أسلم» (ابن حديدة 2/64).
وقولُ عبْد بن الجُلَنْدي: «فكيف صَنَعَ أبوكَ فإنَّ لنا فيه قدوةً؟» احتجاجٌ على عمرو بأبيه، وردُّ عمرو عليه يشبه قلب الدليل، ويسمى: المعارضة بالقلب، وهو أن تستعمل في الرد على الخصم دليلَ الخصم نفسَه (الجرجاني 150)، فإذا كان كُفْر العاصِ بن وائل حجةً على ابنه؛ ليقتدي به، ودليلا لعبد بن الجلندي على الكفر فإن كفر العاص بن وائل أقوى حجة في اتباع الإسلام؛ لأن ابنه أقرب الناس إليه، وأعلمهم بحاله، لم يوافقْه، فمَن سواه مِن باب أولى، وتسمّى هذه المعارضة القول بالموجَب، وقد صار هذا المصطلح من فنون البلاغة؛ إذا أخذت لفظ الآخر ووجهته إلى غير معناه (القزويني 532-533).
وفي ذِكْر عمرو بن العاص أنّ النجاشيّ أسلم معارضةٌ بالمثل، فكما جاء عبد بن الجلندي بقدوة ليتبعه، فقد جاءه ابن العاص بنظير أليق به، له سُلطة كما له ولأخيه، اختار الإسلام دينًا، وهو النجاشي.
وفي خطابة (بيرلمان) يعد احتجاج عبد احتجاجًا بـالقدوة، وتخلّص عمرو تخلصًا بـالأحرى (بيرلمان 193، 196).
وقد اشترك كتابا الصبح والمصباح - اللذان أوردا الأخبار الثلاثة - في حذف الراوي والسند كله، والأظهر أن المؤلفَين أرادا أن يُنْعِم القارئ النظر في المتن، ويُرعي السمع إلى مهارة الجدل فيه، وألّا ينصرف عنه إلى تتبع سنده، وطُرُق وصوله.
خلص البحث إلى النتائج والتوصيات التالية:
أولًا: النتائج
- أن أنماط الخطاب تتنوع بحسب الجُمَل التي تتوالى، وأن للأعوان من متكلم وراوٍ ومؤلف أثرًا في إنشائها واغتنامها والتنبيه عليها.
- قد نصّتْ معجماتٌ متخصصة وكتب مؤلّفة في التنظيمات السلطانية على أن كلمة «السفير» تستعمل للرسول بين ملكين ونحوهما.
- أن تنوّع الأنماط ملحوظ في أخبار السفراء: ففي سفارة عُبادة بن الصامت وَصفٌ يوظّفه الراوي في التعجيب ودفع الملل، ويوظّفه المؤلفُ الهمذاني شاهدًا على حِذْق الروم في التصوير، وفي سفارة عُمارة بن الوليد سرد لتحوّل الصداقة إلى عداوة، ولتحوّل البَشَريّ إلى مُسْتوحِش، وأما سفارات البقية فهي حوارات تشبه مسالك الاستدلال والاعتراض التي دُوّنت في علم الجدل وعلوم الأصول في العصر الوسيط.
- أن تغير نمط الخطاب فيها دليلٌ على أن السفراء نخبة من المهرة البلغاء الذين يعون المقام، فيحسنون وصفه، أو يبتكرون حيلة تصنع مغامرة سردية، أو يجادلون عن معتقدهم، فيقطعون حجة الخصم.
- أن دراسة أنماط الخطاب تجعل من المهم ألّا يُجزَم بتصنيف ضروبٍ من الكتابة في السرد إلا بالنظر في الأنماط الأخرى، وكم من كتابةٍ رِحْليةٍ - ما يُعرَف بأدب الرحلة - هي أقرب للوصف من السرد، ولن نَعْدَم مقاماتٍ عند الأوائل (كالزمخشري) والأواخر (كالألوسي) لا سرد فيها، ومِن متون الأخبار ما بدأ وانتهى بمقولات حِكْميّة وتوصيات خُلُقيّة، كأنها خطابة.
ثانيًا: التوصيات
يوصي البحث بأن يكون لأخبار السفراء دارسات تتوسع في زمنها وعددها، وأن تُغتنم الأخبار ذات المقام الخِلافي بين شخصياتها في الدراسة الحجاجية، وأن تُدرس علاقات الأخبار في الأدب القديم ببعضها أو بالسرود الأخرى من حيث التأطير القصصي والتضمين الانعكاسي وآليات تناميها.
أولًا: العربية
ابن أبي شيبة، عبد الله بن محمد. المصنّف. تقديم وضبط: كمال يوسف الحوت. دار التاج، بيروت، 1989.
ابن إسحاق، محمد بن إسحاق المطلبي. سيرة ابن إسحاق. تحقيق: سهيل زكّار. دار الفكر، بيروت، 1978.
ابن الفراء، الحسين بن محمد. رسل الملوك ومن يصلح للرسالة والسفارة. تحقيق: صلاح الدين المنجد. لجنة التأليف والنشر والترجمة، القاهرة، 1947.
ابن حديدة، محمد الأنصاري. المصباح المضي في كتاب النبي الأمي ورسله إلى ملوك الأرض من عربي وعجمي. تصحيح وتعليق: محمد عظيم الدين. ط2، عالم الكتب، بيروت، 1985.
ابن منظور، محمد بن مكرم الإفريقي. لسان العرب. دار صادر، بيروت، 2008.
أبو الفرج الأصفهاني، علي بن الحسين الأموي. الأغاني. تحقيق: إحسان عباس، وآخرون. ط3، دار صادر، بيروت، 2008.
أبو حنيفة الدينوري، أحمد بن داود. الأخبار الطوال. تحقيق: عامر، عبد المنعم. وزارة الثقافة والإرشاد القومي، القاهرة، 1960.
أبو نعيم الأصبهاني، أحمد بن عبد الله. دلائل النبوة. تحقيق: محمد رواس قلعه جي، وعبد البر عباس. ط2، دار النفائس، بيروت، 1986.
آدام، جون ميشال. ترجمة: صابر الحباشة. «أصناف النصوص وأنماطها مقاربة أولى». مجلة التربية، وزارة التربية والتعليم، البحرين، مج9، ع31، مايو 2011، 69-71.
الأزهري، محمد بن أحمد. تهذيب اللغة. الجزء الثاني عشر، تحقيق: أحمد عبد العليم البردوني. الدار المصرية للتأليف والترجمة، مصر، 1967.
بيرلمان، شاييم. الإمبراطورية الخطابية. ترجمة: الحسين بنو هاشم. دار الكتاب الجديد، ليبيا، 2022.
الجاحظ، عمرو بن بحر. التاج في أخلاق الملوك. تحقيق: أحمد زكي باشا. المطبعة الأميرية، القاهرة، 1914.
. البغال. ط2، دار ومكتبة الهلال، بيروت، 1998.
. البيان والتبيين. تحقيق: عبد السلام هارون. دار الجيل، بيروت [د. ت].
الجريري، المعافى بن زكريا النهرواني. الجليس الصالح الكافي والأنيس الناصح الشافي. تحقيق: محمد مرسي الخولي. عالم الكتب، بيروت، 1993.
خالد، خالد محمد. رجال حول الرسول. دار الفكر، بيروت، 2000.
خطّاب، محمود شيت. سفراء النبيّ صلى الله عليه وسلم. مؤسسة الريان، بيروت، دار الأندلس الخضراء، جدة، 1996.
خطّابي، محمد. لسانيات النص مدخل إلى انسجام الخطاب. المركز الثقافي العربي، بيروت، 1991.
الخطيب القزويني، محمد بن عبد الرحمن. الإيضاح في علوم البلاغة. شرح وتعليق: محمد عبد المنعم خفاجي. دار الكتاب اللبناني، بيروت، 1985.
دي بوجراند، روبرت. النص والخطاب والإجراء. ترجمة: تمام حسان. عالم الكتب، القاهرة، 1998.
الذهبي، محمد بن أحمد. تذكرة الحفاظ. تحقيق: عبد الرحمن بن يحيى المعلمي. وزارة المعارف، الهند، 1958.
الشريف الجرجاني، علي بن محمد. التعريفات. المطبعة الحميدية المصرية، مصر، 1904.
الصبيحي، محمد الأخضر. مدخل إلى علم النص ومجالات تطبيقه. الدار العربية للعلوم، منشورات الاختلاف، بيروت، 2008.
الطالقاني، الصاحب أبو القاسم إسماعيل بن عبّاد. المحيط في اللغة. تحقيق: محمد حسن آل ياسين. عالم الكتب، بيروت، 1994.
الطوفي، سليمان بن عبد القوي. عَلَم الجذل في عِلْم الجدل. تحقيق: فولفهارت هاينريشس. فرانز شتاينر، ألمانيا، فيسبادن، 1987.
عبادة، عبد الفتاح. «السفارات في الإسلام بيانها وتاريخها». مجلة الهلال. مطبعة الهلال في مصر، مج25، ع2. نوفمبر، 1916، 122-130.
العباسي، الحسن بن عبد الله. آثار الأُول في ترتيب الدُّول. تحقيق: عبد الرحمن عميرة. دار الجيل، بيروت، 1989.
عبد الرحمن، طه. في أصول الحوار وتجديد علم الكلام. المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، بيروت، 2000.
عنان، محمد عبد الله. «السفارات النبوية». مجلة الرسالة. مصر. مج2، ع42.. أبريل 1934، 665-670.
الفهّاد، محمد بن عبد العزيز. سفراء النبيّ صلى الله عليه وسلم دراسة حديثية موضوعية. دار العقيدة، المدينة المنورة، 2019.
القاضي، محمد. الخبر في الأدب العربي. كلية الآداب، تونس، منّوبة، 1998.
. معجم السرديات. دار محمد علي، تونس، 2010.
القشيري، أبو الحسين مسلم بن الحجّاج. صحيح مسلم. تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي. دار عالم الكتب، الرياض، 1996
القلقشندي، أبو العباس أحمد بن علي. صبح الأعشى. المطبعة الأميرية، مصر، 1915.
المبخوت، شكري. «نظرية الحجاج في اللغة». كلية الآداب، جامعة الآداب والفنون والعلوم الإنسانية، تونس، منوبة، مج39، 1998، 351-385.
المعري، أبو العلاء أحمد بن سليمان. رسالة الصاهل والشاحج. تحقيق: عائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ. ط2، دار المعارف، مصر، 1984.
الميداني، أبو الفضل أحمد بن محمد النيسابوري. مجمع الأمثال. تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد. مطبعة السنة المحمدية، مصر، 1955
النهشلي القيرواني، عبد الكريم. الممتع في صنعة الشعر. تحقيق: محمد زغلول سلام. منشأة المعارف، الإسكندرية، 1977.
الهمذاني، ابن الفقيه أحمد بن محمد. البلدان. تحقيق: الهادي، يوسف. عالم الكتب، بيروت، 1996.
الوسلاتي، البشير. «الشخصيات في رسالة الصاهل والشاحج لأبي العلاء المعرّي 2». مجلة الإتحاف. تونس، سليانة، مج10، ع60، يونيو 1995، 14-24.
الوكيل، مختار. سفراء النبي عليه السلام وكُتّابه ورسائله. دار المعارف، القاهرة، 1978.
ثانيًا: References
ʻAbd al-Raḥmān, Ṭāhā. fī uṣūl al-Ḥiwār wa-tajdīd ʻilm al-kalām (in Arabic), al-Markaz al-Thaqāfī al-ʻArabī, al-Dār al-Bayḍāʼ, Beirut, 2000.
Abu al-Faraj al-Asfahani, 'Ali ibn al-Husayn al-Umawi. Al-Aghani (in Arabic), eds. Ihsan 'Abbas, Ibrahim al-Sa'afīn, and Bakr 'Abbas. 3rd ed., Dar Sader, Beirut, 2008.
Abu Hanifa al-Dinawari, Ahmad ibn Dawud. Akhbar al-Tiwal (in Arabic), ed. 'Abd al-Mun'im 'Amir. Wizarat al-Thaqafa wa-l-Irshad al-Qawmi, Cairo, 1960.
Abu Nua'im al-Asbahani, Ahmad ibn 'Abd Allah. Dala'il al-Nubuwwa (in Arabic), eds. Muhammad Rawwas Qal'aji and 'Abd al-Bar 'Abbas. 2nd ed., Dar al-Nafais, Beirut, 1986.
Adam, John Michel. "Asnaf al-Nusus wa-Anmaṭuha: Maqaraba 'Ula" (in Arabic), trans. Sabir al-Hubasha. Majallat al-Tarbiyya, vol. 9, no. 31, May 2011, pp. 69-71.
Al-'Abbasī, al-Hasan ibn 'Abd Allah. Athar al-Ula fi Tartib al-Duwal (in Arabic), ed. 'Abd al-Rahman 'Umayra. Dar al-Jīl, Beirut, 1989.
Al-Azhari, Muhammad ibn Ahmad. Tahdhib al-Lugha (in Arabic), ed. Ahmad 'Abd al-'Alim al-Barduni. Al-Dar al-Misriyya li-l-Ta'lif wa-l-Tarjama, Egypt, 1967.
al-Dhahabī, Muḥammad ibn Aḥmad. Tadhkirat al-Huffaz (in Arabic), ed. 'Abd al-Rahman ibn Yahya al-Mu'allimi. Wizarat al-Ma'arif, India, 1958.
Al-Fahhad, Muhammad ibn 'Abd al-'Aziz. Sufara' al-Nabi: Dirasah Hadithiyyah Mawdu'iyyah (in Arabic). Dar al-'Aqidah, al-Madinah, 2019.
al-Hamadhānī, Ibn al-Faqīh Aḥmad ibn Muḥammad. al-buldān. (in Arabic), ed. al-Hādī, Yūsuf. ʻĀlam al-Kutub, Beirut, 1996.
Al-Jahiz, 'Amr ibn Bahr. Al-Bayan wa-l-Tabyin (in Arabic), ed. 'Abd al-Salam Harun. Dar al-Jil, Beirut, n.d.
. Al-Bighal (in Arabic). 2nd ed., Dar wa-Maktabat al-Hilal, Beirut, 1998.
. Al-Taj fi Akhlaq al-Muluk (in Arabic), [attributed], ed. Ahmad Zaki Basha. Imprimerie Nationale, Cairo, 1914.
Al-Jariri, al-Mu'afa ibn Zakariya al-Nahrawani. Al-Jalis al-Salih al-Kafi wa-l-Anis al-Nasih al-Shafi (in Arabic), ed. Muhammad Mursi al-Khuli. 'Alam al-Kutub, Beirut, 1993.
Al-Khatib al-Qazwini, Muhammad ibn 'Abd al-Rahman. Al-Idah fi 'Ulum al-Balaghah (in Arabic), Commentary by Muhammad 'Abd al-Mun'im Khafaji. Dar al-Kitab al-Lubnani, Beirut, 1985.
al-Maʻarrī, Abū al-ʻAlāʼ Aḥmad ibn Sulaymān. Risālat al-ṣāhil wa-al-shāḥij (in Arabic), ed. ʻĀʼishah ʻAbd al-Raḥmān bint al-Shāṭiʼ. 2nd ed., Dār al-Maʻārif, Egypt, 1984.
al-Maydānī, Abū al-Faḍl Aḥmad ibn Muḥammad al-Nīsābūrī. Majmaʻ al-amthāl (in Arabic), ed. Muḥammad Muḥyī al-Dīn ʻAbd al-Ḥamīd. Maṭbaʻat al-Sunnah al-Muḥammadīyah, Egypt, 1955.
Al-Mubakhut, Shukri. "Nazariyyat al-Hujjaj fi al-Lugha" (in Arabic), in Aham Nazariyyat al-Hujjaj fi al-Taqalid al-Gharbiyya min Arastu ila al-Yawm, Kulliyyat al-Adab Manouba, Tunis, 1998.
Alnhshly al-Qayrawānī, ʻAbd al-Karīm. al-mumtiʻ fī ṣanʻat al-shiʻr (in Arabic), ed. Muḥammad Zaghlūl Sallām. Munshaʼat al-Maʻārif, Alexandria, 1977.
al-Qāḍī, Muḥammad. al-Khubar fī al-adab al-ʻArabī (in Arabic), Kullīyat al-Ādāb, Tunis, 1998.
. Muʻjam al-Sardīyāt (in Arabic), Dār Muḥammad ʻAlī, Tunis, 2010.
Al-Qalqashandi, Abu al-'Abbas Ahmad ibn 'Ali. Subh al-A'sha (in Arabic). Al-Matba'a al-Amiriyya, Egypt, 1915.
Al-Qushayri, Abu al-Husayn Muslim ibn al-Hajjaj. Sahih Muslim (in Arabic), ed. Muhammad Fu'ad 'Abd al-Baqi. Dar 'Alam al-Kutub, Riyadh, 1996.
Al-Sabihi, Muhammad al-Akhdar. Madkhal ila 'Ilm al-Nass wa-Majalat Tatbiqihi (in Arabic). Al-Dar al-'Arabiyya lil-'Ulum, Manshurat al-Ikhtilaf, Beirut, 2008.
Al-Sharif al-Jurjani, 'Ali ibn Muhammad. Al-Ta'rifat (in Arabic). Al-Matba'a al-Hamidiyya al-Misriyya, Egypt, 1904.
Al-Talqani, al-Sahib Abu al-Qasim Isma'il ibn 'Abbad. Al-Muhit fi al-Lugha (in Arabic), ed. Muhammad Hasan Al-Yasin. 'Alam al-Kutub, Beirut, 1994.
Al-Tufi, Najm al-Din Sulayman ibn 'Abd al-Qawi. 'Alam al-Jadhil fi 'Ilm al-Jadal (in Arabic), ed. Wolfhart Heinrichs. Franz Steiner, Wiesbaden, Germany, 1987.
al-Wakīl, Mukhtār. Sufarāʼ al-Nabī wkuttābh wa-rasāʼiluh (in Arabic), Dār al-Maʻārif, Cairo, 1978.
al-Waslātī, al-Bashīr. "al-shakhṣīyāt fī Risālat al-ṣāhil wa-al-shāḥij li-Abī al-ʻAlāʼ almʻrry 2" (in Arabic), Majallat al-Itḥāf. Tūnis, Silyānah, Vol. 10, No. 60, June 1995, 14-24.
'Anan, Muhammad 'Abd Allah. "Al-Sufarat al-Nabawiyya" (in Arabic). Majallat al-Risala, vol. 2, no. 42, April 1934, pp. 665-670.
Bujrande, Robert de. Al-Nass wa-l-Khitab wa-l-Ijra' (in Arabic), trans. Tammam Hassan. 'Alam al-Kutub, Cairo, 1998.
Byrlmān, shāyym. al-imbrāṭūrīyah al-khiṭābīyah. (in Arabic), trans. al-Ḥusayn Banū Hāshim. Dār al-Kitāb al-jadīd, Libya, 2022.
Ibn Abi Shayba, Abu Bakr 'Abd Allah ibn Muhammad al-Kufi al-'Absi. Al-Musannaf (in Arabic), ed. Kamil Yusuf al-Hut. Dar al-Taj, Beirut; Maktabat al-Rushd, Riyadh; Maktabat al-'Ulum wa-l-Hikam, al-Madinah, 1989.
Ibn al-Farra', Abu 'Ali al-Husayn ibn Muhammad. Rasul al-Muluk wa-Man Yuslih lil-Risala wa-l-Sifara (in Arabic), ed. Salah al-Din al-Munjid. Lajnat al-Ta'lif wa-l-Tarjama, Cairo, 1947.
Ibn Ḥadīdah, Abu 'Abd Allah Muhammad al-Ansari. Al-Misbah al-Mudi fi Kitab al-Nabi al-Ummiy (in Arabic), ed. Muhammad 'Azim al-Din. 2nd ed., 'Alam al-Kutub, Beirut, 1985.
Ibn Isḥāq, Muḥammad ibn Isḥāq al-Muṭṭalibī. Sīrat Ibn Isḥāq. taḥqīq : Suhayl Zakkār. (in Arabic), Dār al-Fikr, Beirut, 1978.
Ibn Mandhur, Muhammad ibn Mukarram al-Afriki. Lisan al-'Arab (in Arabic). Dar Sader, Beirut, 2008.
Khalid, Khalid Muhammad. Rijal Hawl al-Rasul (in Arabic). Dar al-Fikr, Beirut, 2000.
Khattab, Mahmud Shit. Sufara' al-Nabi (in Arabic). Mu'assasat al-Rayan, Beirut; Dar al-Andalus al-Khadra', Jeddah, 1996.
Khṭṭābī, Muhammad. Lisanayat al-Nass: Madkhal ila Insijam al-Khitab (in Arabic). Al-Markaz al-Thaqafi al-'Arabi, Beirut, 1991.
ʻUbādah, ʻAbd al-Fattāḥ. "alsfārāt fī al-Islām byānhā wa-tārīkhihā" (in Arabic), Majallat al-Hilāl. Maṭbaʻat al-Hilāl fī Miṣr, Vol. 25, No. 2. Nūfimbir, 1916, 122-130.